تفسير سورة الزمر

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة الزمر من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة الزمر مكية إلا الآيات ٥٢ و٥٣ و ٥٤ فمدنية، وآياتها ٧٥ نزلت بعد سبأ.

سورة الزمر
مكية إلا الآيات ٥٢ و ٥٣ و ٥٤ فمدنية وآياتها ٧٥ نزلت بعد سبإ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة الزمر) تَنْزِيلُ الْكِتابِ تنزيل مبتدأ وخبره: من الله أو خبره ابتداء مضمر تقديره: هذا تنزيل، ومن الله على هذا الوجه يتعلق بتنزيل، أو يكون خبرا بعد خبر أو خبر مبتدأ آخر محذوف، والكتاب هنا القرآن أو السورة واختار ابن عطية أن يراد به جنس الكتب المنزلة وأما الكتاب الثاني فهو القرآن باتفاق بِالْحَقِّ يحتمل معنيين أحدهما أن يكون معناه متضمنا الحق، والثاني أن يكون معناه بالاستحقاق والوجوب مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أي لا يكون فيه شرك أكبر ولا أصغر وهو الرياء
أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ قيل: معناه من حقه ومن واجبه أن يكون له الدين الخالص، ويحتمل أن يكون معناه: إن الدين الخالص هو دين الله وهو الإسلام، الذي شرعه لعباده ولا يقبل غيره، ومعنى الخالص: الصافي من شوائب الشرك، وقال قتادة: الدين الخالص شهادة أن لا إله إلا الله، وقال الحسن: هو الإسلام وهذا أرجح لعمومه.
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يريد بالأولياء الشركاء المعبودين، ويحتمل أن يريد بالذين اتخذوا الكفار العابدين لهم، أو الشركاء المعبودين، والأول أظهر لأنه يحتاج على الثاني إلى حذف الضمير العائد على الذين تقديره: الذين اتخذوهم، ويكون ضمير الفاعل في اتخذوا عائدا على غير مذكور، وارتفاع الذين على الوجهين بالابتداء وخبره إما قوله: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ أو المحذوف المقدر قبل قوله ما نعبدهم لأن تقديره: يقولون ما نعبدهم. والأول أرجح لأن المعنى به أكمل ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى هذه الجملة في موضع معمول قول محذوف، والقول في موضع الحال أو في موضع بدل من صلة الذين، وقرأ ابن مسعود: قالوا ما نعبدهم بإظهار القول أي يقول الكفار: ما نعبد هؤلاء الآلهة إلا ليقربونا إلى الله ويشفعوا لنا عنده، ويعني بذلك الكفار الذين عبدوا الملائكة، أو الذين عبدوا الأصنام، أو الذين عبدوا عيسى أو عزير، فإن جميعهم قالوا هذه المقالة. ومعنى زلفى:
قربى فهو مصدر من يقربونا إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ إشارة إلى كذبهم في قولهم: ليقربونا إلى الله وقوله: لا يَهْدِي في تأويله وجهان: أحدهما لا يهديه في حال كفره والثاني أن ذلك مختصّ بمن قضي عليه بالموت على الكفر، أعاذنا الله من ذلك. وهذا تأويل: لا يهدي القوم الظالمين والكافرين حيثما وقع لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ الولد يكون على وجهين: أحدهما بالولادة الحقيقية وهذا محال على الله تعالى لا يجوز في العقل والثاني التبني بمعنى الإختصاص والتقريب، كما يتخذ الإنسان ولد غيره ولدا لإفراط محبته له، وذلك ممتنع على الله بإخبار الشرع فإن قوله: وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً يعم نفي الوجهين، فمعنى الآية على ما أشار إليه ابن عطية: لو أراد الله أن يتخذ ولدا على وجه التبني لاصطفى لذلك مما يخلق من موجوداته ومخلوقاته، ولكنه لم يرد ذلك ولا فعله، وقال الزمخشري: معناه لو أراد الله اتخاذ الولد لامتنع ذلك، ولكنه يصطفي من عباده من يشاء على وجه الإختصاص والتقريب، لا على وجه اتخاذه ولدا، فاصطفى الملائكة وشرفهم بالتقريب، فحسب الكفار أنهم أولاده، ثم زادوا على ذلك أن جعلوهم إناثا، فأفرطوا في الكفر والكذب على الله وملائكته.
سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ نزه تعالى نفسه من اتخاذ الولد، ثم وصف نفسه بالواحد لأن الوحدانية تنافي اتخاذ الولد لأنه لو كان له ولد لكان من جنسه، ولا جنس له لأنه واحد، ووصف نفسه بالقهار ليدل على نفي الشركاء والأنداد، لأن كل شيء مقهور تحت قهره تعالى، فكيف يكون شريكا له؟ ثم أتبع ذلك بما ذكره من خلقة السموات والأرض وما بينهما، ليدل على وحدانيته وقدرته وعظمته يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ التكوير اللف والليّ، ومنه: كوّر العمامة التي يلتوي بعضها على بعض وهو هنا استعارة، ومعناه على ما قال ابن عطية: يعيد من هذا على هذا، فكأن الذي يطيل من النهار أو الليل يصير منه على الآخر جزءا فيستره، وكأن الذي ينقص يدخل في الذي يطول فيستتر فيه. ويحتمل أن يكون المعنى أن كل واحد منهما يغلب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في ستره له بثوب يلف على الآخر لِأَجَلٍ مُسَمًّى يعني يوم القيامة
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ يعني آدم عليه السلام ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها يعني حواء خلقها من ضلع آدم، فإن قيل: كيف عطف قوله: ثم جعل على خلقكم بثم التي تقتضي الترتيب والمهلة، ولا شك أن خلقة حواء كانت قبل خلقة بني آدم؟ فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول وهو المختار أن العطف إنما هو على معنى قوله: واحدة لا على خلقكم كأنه قال: خلقكم من نفس كانت واحدة ثم خلق
منها زوجها بعد وحدتها الثاني: أن ثم لترتيب الأخبار لا لترتيب الوجود. الثالث: أنه يعني بقوله: خلقكم إخراج بني آدم من صلب أبيهم كالذر وذلك كان قبل خلقه حواء.
وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يعني المذكورة في الأنعام من الضأن اثنين ومن المعز اثنين ومن البقر اثنين وسماها أزواجا لأن الذكر زوج الأنثى والأنثى زوج الذكر.
وأما أنزل ففيه ثلاثة أوجه: الأول أن الله خلق أول هذه الأزواج في السماء ثم أنزلها. الثاني أن معنى أنزل قضى وقسم، فالإنزال عبارة عن نزول أمره وقضائه. الثالث أنه أنزل المطر الذي ينبت به النبات الذي تعيش منه هذه الأنعام فعبّر بإنزالها عن إنزال أرزاقها وهذا بعيد خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ يعني أن الإنسان يكون نطفة ثم علقة ثم مضغة إلى أن يتم خلقه، ثم ينفخ فيه الروح فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ هي البطن والرحم والمشيمة، وقيل: صلب الأب والرحم والمشيمة، والأول أرجح لقوله: بطون أمهاتكم ولم يذكر الصلب إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ أي لا يضره كفركم.
وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ تأول الأشعرية هذه الآية على وجهين: أحدها أن الرضا بمعنى الإرادة، ويعني بعباده من قضى الله له بالإيمان والوفاة عليه. فهو كقوله: إن عبادي ليس لك عليهم سلطان، والآخر أن الرضا غير الإرادة، والعباد على هذا العموم أي لا يرضى الكفر لأحد من البشر، وإن كان قد أراد أن يقع من بعضهم فهو لم يرضه دينا ولا شرعا. وأراده وقوعا ووجودا أما المعتزلة فإن الرضا عندهم بمعنى الإرادة والعباد على هذا على العموم جريا على قاعدتهم في القدر وأفعال العباد وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ هذا عموم، والشكر الحقيقي يتضمن الإيمان «١» وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ ذكر في الإسراء
وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ الآية: يراد بالإنسان هنا الكافر بدليل قوله: وجعل له أندادا، والقصد بهذه الآية عتاب وإقامة حجة، فالعتاب على الكفر وترك دعاء الله، وإقامة الحجة على الإنسان بدعائه إلى الله، في الشدائد، فإن قيل: لم قال هنا وإذا مسّ بالواو وقال بعدها فإذا مس بالفاء؟ فالجواب: أن الذي بالفاء مسبب عن قوله: اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة فجاء بفاء السببية قاله الزمخشري وهو بعيد ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ خوله أعطاه والنعمة هنا يحتمل أن يريد بها كشف الضر المذكور، أو أي نعمة كانت نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ يحتمل أن تكون ما مصدرية
(١). قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: يرضهو لكم. وقرأ الباقون يرضه.
أي نسي دعاءه، أو تكون بمعنى الذي والمراد بها الله تعالى.
أمن هو قانت «١» بتخفيف الميم على إدخال همزة الاستفهام على من وقيل: هي همزة النداء والأول أظهر، وقرئ بتشديدها على إدخال أم على من ومن مبتدأ وخبره محذوف وهو المعادل وتقديره أم من هو قانت كغيره، وإنما حذف لدلالة الكلام عليه وهو ما ذكر قبله وما ذكر بعده، وهو قوله هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والقنوت هنا بمعنى الطاعة والصلاة بالليل، وآناء الليل ساعاته قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا الآية نزلت في جعفر بن أبي طالب وأصحابه حين عزموا على الهجرة إلى أرض الحبشة، ومعناها التأنيس لهم والتنشيط على الهجرة لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ يحتمل أن يتعلق في هذه الدنيا بأحسنوا، والمعنى الذين أحسنوا في الدنيا لهم الآخرة، أو يتعلق بحسنة، والحسنة على هذا حسن الحال والعافية في الدنيا والأول أرجح وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ يراد البلاد المجاورة للأرض التي هاجروا منها، والمقصود من ذلك الحض على الهجرة.
إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ هذا يحتمل وجهين أحدهما أن الصابر يوفى أجره ولا يحاسب على أعماله، فهو من الذين يدخلون الجنة بغير حساب الثاني أن أجر الصابرين بغير حصر بل أكثر من أن يحصر بعدد أو وزن وهذا قول الجمهور وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ اللام هنا يجوز أن تكون زائدة أو للتعليل ويكون المفعول على هذا محذوف، فإن قيل: كيف عطف أمرت على أمرت والمعنى واحد؟ فالجواب أن الأول أمر بالعبادة والإخلاص والثاني أمر بالسبق إلى الإسلام فهما معنيان اثنيان وكذلك قوله: قل الله أعبد ليس تكرارا لقوله أمرت أن أعبد الله، لأن الأول إخبار بأنه مأمور بالعبادة الثاني إخبار بأنه يفعل العبادة. وقدم اسم الله تعالى للحصر واختصاص العبادة به وحده فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ هذا تهديد ومبالغة في الخذلان والتخلية لهم على ما هم عليه
ظُلَلٌ جمع ظلة بالضم، وهو ما غشي من فوق كالسقف، فقوله من فوقهم بيّن وأما من تحتهم فسماه ظلة لأنه سقف لمن تحتهم فإن جهنم طبقات وقيل: سماه ظلة لأنه يلتهب ويصعد من أسفلهم إلى فوقهم.
(١). قرأ نافع وابن كثير وحمزة: أمن بالتخفيف وقرأ الباقون: بالتشديد: أمّن.
218
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها قيل: إنها نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وطلحة والزبير، إذ دعاهم أبو بكر الصديق إلى الإيمان فآمنوا، وقيل: نزلت في أبي ذر وسلمان، وهذا ضعيف، لأن سلمان إنما أسلم بالمدينة والآية مكية والأظهر أنها عامة، والطاغوت كل ما عبد من دون الله، وقيل:
الشياطين الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ قيل: يستمعون القول على العموم فيتبعون القرآن، لأنه أحسن الكلام وقيل: يستمعون القرآن فيتبعون بأعمالهم أحسنه من العفو الذي هو أحسن من الإنتصار، وشبه ذلك وقيل: هو الذي يستمع حديثا فيه حسن وقبيح فيتحدّث بالحسن ويكف عما سواه، وهذا قول ابن عباس، وهو الأظهر وقال ابن عطية: هو علم في جميع الأقوال والقصد الثناء على هؤلاء ببصائر ونظر سديد يفرقون به بين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ، فيتبعون الأحسن من ذلك، وقال الزمخشري مثل هذا المعنى أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ فيها وجهان: أحدهما أن يكون الكلام جملة واحدة تقديره: أفمن حق عليه كلمة العذاب أأنت تنقذه، فموضع من في النار موضع المضمر، والهمزة في قوله أفأنت هي الهمزة التي في قوله أفمن. وهي همزة الإنكار كرّرت للتأكد، والثاني أن يكون التقدير أفمن حق عليه العذاب تتأسف عليه، فحذف الخبر ثم استأنف قوله أفأنت تنقذ من في النار؟ وعلى هذا يوقف على العذاب، والأول أرجح لعدم الإضمار فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ معنى سلكه أدخله وأجراه، والينابيع: جمع ينبوع وهو العين، وفي هذا دليل على أن ماء العيون من المطر مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ أي أصنافه كالقمح والأرز والفول وغير ذلك، وقيل: ألوانه الخضرة والحمرة وشبه ذلك، وفي الوجهين دليل على الفاعل المختار ورد على أهل الطبائع [الملحدين].
أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ تقديره: أفمن شرح الله صدره كالقاسي قلبه، وروي أن الذي شرح الله صدره للإسلام عليّ بن أبي طالب وحمزة، والمراد بالقاسية قلوبهم أبو لهب وأولاده، واللفظ أعم من ذلك مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ قال الزمخشري: من هنا سببية أي قلوبهم قاسية من أجل ذكر الله، وهذا المعنى بعيد، ويحتمل عندي أن يكون قاسية تضمن معنى خالية، فلذلك تعدى بمن، والمعنى: أن قلوبهم خالية من ذكر الله.
219
اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يعني القرآن كِتاباً بدل من أحسن أو حال منه مُتَشابِهاً معناه هنا أنه يشبه بعضه بعضا في الفصاحة والنطق بالحق وأنه ليس فيه تناقض ولا اختلاف مَثانِيَ جمع مثان أي تثنى فيه القصص وتكرر، ويحتمل أن يكون مشتقا من الثناء، لأنه يثنى فيه على الله، فإن قيل: مثاني جمع فكيف وصف به المفرد؟ فالجواب: أن القرآن ينقسم فيه إلى سور وآيات كثيرة فهو جمع بهذا الإعتبار، ويجوز أن يكون كقولهم: برمة أعشار، وثوب أخلاق، أو يكون تمييزا من متشابها كقولك: حسن شمائل ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ إن قيل: كيف تعدّي تلين بإلى؟ فالجواب أنه تضمن معنى فعل تعدى بإلى كأنه قال تميل أو تسكن أو تطمئن قلوبهم إلى ذكر الله. فإن قيل: لم ذكرت الجلود أولا وحدها ثم ذكرت القلوب بعد ذلك معها؟ فالجواب: أنه لما قال أولا تقشعر ذكر الجلود وحدها، لأن القشعريرة من وصف الجلود لا من وصف غيرها، ولما قال ثانيا تلين ذكر الجلود والقلوب، لأن اللين توصف به الجلود والقلوب: أما لين القلوب فهو ضدّ قسوتها، وأما لين الجلود فهو ضد قشعريرتها فاقشعرت أولا من الخوف، ثم لانت بالرجاء ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يحتمل أن تكون الإشارة إلى القرآن أو إلى الخشية واقشعرار الجلود أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ الخبر محذوف كما تقدم في نظائره تقديره: أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب كمن هو آمن من العذاب ومعنى يتقي يلقى النار بوجهه ليكفها عن نفسه، وذلك أن الإنسان إذا لقي شيئا من المخاوف استقبله بيديه، وأيدي هؤلاء مغلولة، فاتقوا النار بوجوههم ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ أي ذوقوا جزاء ما كنتم تكسبون من الكفر والعصيان.
قُرْآناً عَرَبِيًّا نصب على الحال أو بفعل مضمر على المدح غَيْرَ ذِي عِوَجٍ أي ليس فيه تضادّ ولا اختلاف، ولا عيب من العيوب التي في كلام البشر، وقيل معناه: غير مخلوق وقيل: غير ذي لحن، فإن قيل: لم قال غير ذي عوج ولم يقل غير معوج؟
فالجواب: أن قوله غير ذي عوج أبلغ في نفي العوج عنه كأنه قال: ليس فيه شيء من العوج أصلا
رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ أي متنازعون متظالمون، وقيل: متشاجرون وأصله من قولك: رجل شكس إذا كان ضيق الصدر، والمعنى ضرب هذا المثل لبيان حال من يشرك بالله ومن يوحده، فشبه المشرك بمملوك بين جماعة من الشركاء يتنازعون فيه،
والمملوك بينهم في أسوإ حال، وشبه من يوحد الله بمملوك لرجل واحد، فمعنى قوله سالما لرجل «١» أي خالصا له وقرئ سلما بغير ألف والمعنى واحد.
إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ في هذا وعد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووعيد للكفار، فإنهم إذا ماتوا جميعا وصاروا إلى الله فاز من كان على الحق وهلك من كان على الباطل، وفيه أيضا إخبار بأنه ﷺ سيموت، لئلا يختلف الناس في موته كما اختلفت الأمم في غيره. وقد جاء أنه لما مات ﷺ أنكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه موته حتى احتج عليه أبو بكر الصديق بهذه الآية فرجع إليها تَخْتَصِمُونَ قيل: يعني الاختصام في الدماء، وقيل: في الحقوق والأظهر أنه اختصام النبي ﷺ مع الكفار في تكذيبهم له، فيكون من تمام ما قبله. ويحتمل أن يكون على العموم في اختصام الخلائق فيما بينهم من المظالم وغيرها فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ المعنى لا أحد أظلم ممن كذب على الله ويريد بالكذب على الله هنا ما نسبوا إليه من الشركاء والأولاد وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ أي كذب بالإسلام والشريعة.
وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ قيل: الذي جاء بالصدق النبي صلى الله عليه وسلم، والذي صدّق به أبو بكر. وقيل: الذي جاء بالصدق جبريل، والذي صدق به محمد ﷺ وقيل: الذي جاء بالصدق الأنبياء والذي صدق به المؤمنون، واختار ابن عطية أن يكون على العموم، وجعل الذي للجنس كأنه قال: الفريق الذي لأنه في مقابلة من كذب على الله وكذب بالصدق والمراد به العموم أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ «٢» تقوية لقلب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإزالة للخوف الذي كان الكفار يخوفونه
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ الآية احتجاج على التوحيد وردّ على المشركين هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ الآية «٣» رد على المشركين وبرهان على الوحدانية، روي أن سببها أن المشركين خوّفوا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من آلهتهم، فنزلت الآية
(١). قرأ ابن كثير وأبو عمرو: سالما. وقرأ الباقون: سلما.
(٢). قرأ حمزة والكسائي: بكاف عباده وقرأ الباقون: عبده.
(٣). قرأ أبو عمرو وحده: كاشفات ضرّه وممسكات رحمته بالتنوين وقرأ الباقون بالإضافة.
221
مبينة أنهم لا يقدرون على شيء، فإن قيل كاشفات وممسكات بالتأنيث؟ فالجواب أنها لا تعقل فعاملها معاملة المؤنثة، وأيضا ففي تأنيثها تحقير لها وتهكم بمن عبدها اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ تهديد ومسالمة منسوخة بالسيف بِالْحَقِّ ذكر في أول السورة «١».
اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها هذه الآية اعتبار، ومعناها أن الله يتوفى النفوس على وجهين: أحدهما: وفاة كاملة حقيقية وهي الموت، والآخر: وفاة النوم، لأن النائم كالميت في كونه لا يبصر ولا يسمع ومنه قوله وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ [الإنعام: ٦٠] وتقديرها ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ أي يمسك الأنفس التي قضى عليها بالموت الحقيقي، ومعنى إمساكها أنه لا يردها إلى الدنيا وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى أي يرسل الأنفس النائمة، وإرسالها هو ردّها إلى الدنيا، والأجل المسمى هو أجل الموت الحقيقي، وقد تكلم الناس في النفس والروح وأكثروا القول في ذلك بالظن دون تحقيق، والصحيح أن هذا مما استأثر بعلمه الله لقوله قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي [الإسراء: ٨٥] أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعاءَ أم هنا بمعنى بل وهمزة الإنكار والشفعاء هم الأصنام وغيرها، لقولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله [يونس: ١٨] قُلْ أَوَلَوْ كانُوا دخلت همزة الاستفهام على واو الحال تقديره: يشفعون وهم لا يملكون شيئا ولا يعقلون قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً أي هو مالكها، فلا يشفع أحد إليه إلا بإذنه، وفي هذا ردّ على الكفار في قولهم: إن الأصنام تشفع لهم وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ الآية: معناها أن الكفار يكرهون توحيد الله ويحبون الإشراك به، ومعنى إشمأزت انقبضت من شدة الكراهية، وروي أن هذه الآية نزلت حين قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سورة النجم، فألقى الشيطان في أمنيته حسبما ذكرنا في الحج، فاستبشر الكفار بما ألقى الشيطان من تعظيم اللات والعزى، فلما أذهب الله ما ألقى الشيطان استكبروا واشمأزوا.
(١). قرأ حمزة والكسائي: قضي عليها الموت. وقرأ الباقون: قضى عليها الموت.
222
وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ أي ظهر لهم يوم القيامة خلاف ما كانوا يظنون لأنهم كانوا يظنون ظنونا كاذبة. قال الزمخشري: المراد بذلك تعظيم العذاب الذي يصيبهم، أي ظهر لهم من عذاب الله ما لم يكن في حسابهم فهو كقوله في الوعد فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: ١٧] وقيل: معناها عملوا أعمالا حسبوها حسنات، فإذا هي سيئات وقال الحسن: ويل لأهل الربا من هذه الآية وهذا على أنها في المسلمين والظاهر أنها في الكفار وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ معنى حاق حل ونزل وقال ابن عطية وغيره: إن هذا على حذف مضاف تقديره: حاق بهم جزاء ما كانوا به يستهزئون، ويحتمل أن يكون الكلام دون حذف وهو أحسن، ومعناه حاق بهم العذاب الذي كانوا به يستهزئون لأنهم كانوا في الدنيا يستهزئون، إذا خوفوا بعذاب الله، ويقولون متى هذا الوعد قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ يحتمل وجهين أحدهما وهو الأظهر: أن يريد على علم مني بالمكاسب والمنافع، والآخر: على علم الله باستحقاقي لذلك، وإنما هنا تحتمل وجهين: أحدهما وهو الأظهر: أن تكون ما كافة وعلى علم في موضع الحال، والآخر أن تكون ما اسم إن وعلى علم خبرها وإنما قال: أوتيته بالضمير المذكر وهو عائد على النعمة للحمل على المعنى بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ردّ على الذي قال إنما أوتيته على علم قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ يعني قارون وغيره.
قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ قال علي بن أبي طالب وابن مسعود: هذه أرجى آية في القرآن، وروي أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قال: ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية، واختلف في سببها فقيل: في وحشي قاتل حمزة، لما أراد أن يسلم وخاف أن لا يغفر له ما وقع فيه من قتل حمزة، وقيل: نزلت في قوم آمنوا ولم يهاجروا، ففتنوا فافتتنوا ثم ندموا وظنوا أنهم لا توبة لهم، وهذا قول عمر بن الخطاب: وقد كتب بها إلى هشام بن العاصي، لما جرى له ذلك وقيل: نزلت في قوم من أهل الجاهلية، قالوا: ما ينفعنا الإسلام لأننا قد زنينا، وقتلنا النفوس فنزلت الآية فيهم، ومعناها مع ذلك على العموم في جميع الناس إلى يوم القيامة على تفصيل نذكره،
وذلك أن الذين أسرفوا على أنفسهم، إن أراد بهم الكفار فقد اجتمعت الأمة على أنهم إذا أسلموا غفر لهم كفرهم وجميع ذنوبهم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: الإسلام يجبّ ما قبله «١»، وأنهم إن ماتوا على الكفر فإن الله لا يغفر لهم، بل يخلدهم في النار، وإن أراد به العصاة من المسلمين فإن العاصي إذا تاب غفر له ذنوبه، وإن لم يتب فهو في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فالمغفرة المذكورة في هذه الآية، يحتمل أن يريد بها المغفرة للكفار إذا أسلموا أو للعصاة إذا تابوا، أو للعصاة وإن لم يتوبوا إذا تفضل الله عليهم بالمغفرة، والظاهر أنها نزلت في الكفار، وأن المغفرة المذكورة هي لهم إذا أسلموا، والدليل على أنها في الكفار ما ذكر بعدها إلى قوله وقد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ يعني اتبعوا القرآن وليس أن بعض القرآن أحسن من بعض، لأنه حسن كله.
إنما المعنى أن يتبعوا بأعمالهم ما فيه من الأوامر. ويجتنبوا ما فيه من النواهي، فالتفضيل الذي يقتضيه أحسن إنما هو في الإتباع، قيل: يعني اتبعوا الناسخ دون المنسوخ وهذا بعيد أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ في موضع مفعول من أجله تقديره: كراهية أن تقول نفس وإنما ذكر النفس لأن المراد بها بعض الأنفس وهي نفس الكفار فِي جَنْبِ اللَّهِ أي في حق الله وقيل: في أمر الله وأصله من الجنب بمعنى الجانب ثم استعير لهذا المعنى السَّاخِرِينَ أي المستهزئين بَلى جواب للنفس التي حكى كلامها ولا يجاوب ببلى إلا النفي وهي هنا جواب لقوله: لو أن الله هداني لكنت من المتقين لأنه في معنى النفي، لأن لو حرف امتناع. وتقرير الجواب بل قد جاءك الهدى من الله بإرساله الرسل وإنزاله الكتب. وقال ابن عطية: هي جواب لقوله: لو أن لي كرة فإن معناه يقتضي أن العمر يتسع للنظر فقيل له بلى على وجه الرد عليه، والأول أليق بسياق الكلام لأن قوله: قد جاءتك آياتي تفسير لما تضمنته بلى وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ يحتمل أن يريد سواد اللون حقيقة أو يكون عبارة عن شدة الكرب بِمَفازَتِهِمْ «٢» أصله من الفوز والتقدير بسبب فوزهم، وقيل معناه: بفضائلهم وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ أي قائم بتدبير كل شيء.
(١). قال رسول الله ﷺ ذلك لعمرو بن العاص حينما أراد أن يسلم ويشترط العفو عما سبق منه سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٧٨.
(٢). قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر: بمفازاتهم. بالجمع وقرأ الباقون بمفازتهم.
مَقالِيدُ مفاتيح وقيل خزائن واحدها إقليد، وقيل لا واحد لها من لفظها وأصلها كلمة فارسية، وقال عثمان بن عفان: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مقاليد السموات والأرض فقال: هي لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد الله ولا حول ولا قوة إلا بالله وأستغفر الله هو الأول والآخر والظاهر والباطن بيده الخير يحي ويميت وهو على كل شيء قدير فإن صح هذا الحديث فمعناه أن من قال هذه الكلمات صادقا مخلصا نال الخيرات والبركات من السموات والأرض لأن هذه الكلمات توصل إلى ذلك فكأنها مفاتيح له وَالَّذِينَ كَفَرُوا الآية قال الزمخشري إنها متصلة بقوله وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم وما بينهما من الكلام اعتراض أَفَغَيْرَ اللَّهِ منصوب بأعبد تَأْمُرُونِّي حذفت إحدى النونين تخفيفا «١» وقرئ بإدغام إحدى النونين في الأخرى لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ دليل على إحباط عمل المرتد مطلقا خلافا للشافعي في قوله: لا يحبط عمله إلا إذا مات على الكفر، فإن قيل: الموحى إليهم جماعة والخطاب بقوله: لئن أشركت لواحد: فالجواب أنه أوحى إلى كل واحد منهم على حدته، فإن قيل: كيف خوطب الأنبياء بذلك وهم معصومون من الشرك، فالجواب أن ذلك على وجه الفرض والتقدير: أي لو وقع منهم شرك لحبطت أعمالهم، لكنهم لم يقع منهم شرك بسبب العصمة، ويحتمل أن يكون الخطاب لغيرهم وخوطبوا هم ليدل المعنى على غيرهم بالطريق الأولى وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ أي ما عظموه حق تعظيمه ولا وصفوه بما يجب له ولا نزهوه عما لا يليق به، والضمير في قدروا لقريش وقيل: اليهود وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ المقصود بهذا تعظيم جلال الله والردّ على الكفار الذين ما قدروا الله حق قدره، ثم اختلف الناس فيها كاختلافهم في غيرها من المشكلات، فقالت المتأولة: إن القبضة واليمين عبارة عن القدرة وقال ابن الطيب إنها صفة زائدة على صفات الذات، وأما السلف الصالح فسلموا علم ذلك إلى الله، ورأوا أن هذا من المتشابه الذي لا يعلم علم حقيقته إلا الله، وقد قال ابن عباس ما معناه: إن الأرض في قبضته والسموات مطويات كل ذلك بيمينه، وقال ابن عمر ما معناه: أن الأرض في قبضة اليد الواحدة، والسموات مطويات باليمين الأخرى لأن كلتا يديه يمين
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ هو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، وهذه النفخة نفخة الصعق وهو الموت، وقد قيل: إن قبلها نفخة الفزع ولم تذكر في هذه الآية إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ قيل: يعني جبريل وإسرافيل وميكائيل وملك الموت، ثم
(١). قرأ نافع بالتخفيف: تأمروني. وقرأ ابن عامر: تأمرونني وقرأ الباقون: تأمرونّي بتشديد النون.
225
يميتهم الله بعد ذلك وقيل: استثناء الأنبياء وقيل الشهداء ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى هي نفخة القيام قِيامٌ يَنْظُرُونَ إنه من النظر، وقيل: من الانتظار أي ينتظرون ما يفعل بهم وَوُضِعَ الْكِتابُ يعني صحائف الأعمال وإنما وحّدها لأنه أراد الجنس وقيل: هو اللوح المحفوظ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ ليشهدوا على قومهم وَالشُّهَداءِ يحتمل أن يكون جمع شاهد أو جمع شهيد في سبيل الله، والأول أرجح لأن فيه معنى الوعيد، ولأنه أليق بذكر الأنبياء الشاهدين، والمراد على هذا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنهم يشهدون على الناس وقيل: يعني الملائكة الحفظة وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ الضمير لجميع الخلق زُمَراً في الموضعين جمع زمرة وهي الجماعة من الناس وقال صلى الله عليه وآله وسلم: أول زمرة يدخلون الجنة وجوههم على مثل القمر ليلة البدر، والزمرة الثانية على مثل أشد نجم في السماء إضاءة ثم هم بعد ذلك منازل «١» خَزَنَتُها جمع خازن حيث وقع كَلِمَةُ الْعَذابِ يعني القضاء السابق بعذابهم وَفُتِحَتْ أَبْوابُها «٢» إنما قال في الجنة وفتحت أبوابها بالواو وقال في النار فتحت بغير واو لأن أبواب الجنة كانت مفتحة قبل مجيء أهلها، والمعنى حتى إذا جاؤها وأبوابها مفتحة، فالواو واو الحال وجواب إذا على هذا محذوف، وأما أبواب النار فإنها فتحت حين جاءوها، فوقع قوله: فتحت جواب الشرط فكأنه بغير واو وقال الكوفيون: الواو في أبواب الجنة واو الثمانية، لأن أبواب الجنة ثمانية وقيل: الواو زائدة وفتحت هو الجواب وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ يعني أرض الجنة والوراثة هنا استعارة كأنهم ورثوا موضع من لم يدخل الجنة نَتَبَوَّأُ أي ننزل من الجنة حيث نشاء ونتخذه مسكنا حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي محدقين به دائرين حوله وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ الضمير لجميع الخلق كالموضع الأول، ويحتمل هنا أن يكون للملائكة والقضاء بينهم توفية أجورهم على حسب منازلهم وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ يحتمل أن يكون القائل لذلك الملائكة أو جميع الخلق أو أهل الجنة:
لقوله وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
(١). الحديث رواه أحمد عن أبي هريرة ج ٢ ص ٢٥٣.
(٢). قرأ عاصم وحمزة والكسائي: فتحت وفتحت بالتخفيف وقرأ الباقون: فتّحت وفتّحت بالتشديد.
226
Icon