تفسير سورة غافر

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة غافر من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلّبهم في البلاد ﴾ [ غافر : ٤ ] أي بالتكذيب ودفعها بالباطل، وقصد إدحاض الحقّ، وإلا فالمؤمنون يجادلون فيها.
قوله تعالى :﴿ الذين يحملون العرش يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به... ﴾ [ غافر : ٧ ].
إن قلتَ : ما فائدة وصف ( حملة العرش ) بالإيمان، مع أن إيمانهم به معلوم لكل أحد ؟
قلتُ : فائدته إظهار شرف الإيمان، وفضله، والترغيب فيه، كما وُصف الأنبياء عليهم السلام بالإيمان والصّلاح.
قوله تعالى :﴿ قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا... ﴾ [ غافر : ١١ ] أي إماتتين وإحيائتين، لأنهم نطف أموات فأُحيوا، ثم أُميتوا، ثم أُحيوا للبعث، وهذا كقوله تعالى :﴿ كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ﴾ [ البقرة : ٢٨ ].
قوله تعالى :﴿ ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبيّنات فكفروا... ﴾ [ غافر : ٢٢ ] الآية.
قاله هنا بجمع الضمير، وفي التغابن( ١ ) بإفراده، موافقة هنا لما قبله في قوله :﴿ كانوا هم أشدّ منهم قوة ﴾ [ غافر : ٢١ ] إلى آخره، وأفرده ثَمَّ لأنه ضمير الشأن، زيد توصلا إلى دخول " أنّ " على " كان ".
١ - في التغابن: ﴿ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبيّنات فقالوا أبشر يهدوننا... ﴾ آية (٦)..
قوله تعالى :﴿ وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم ﴾ [ غافر : ٢٨ ].
إن قلتَ : كيف قال المؤمن ذلك، في حقّ موسى عليه السلام، مع أنه صادق عنده وفي الواقع، ويلزم منه أن يصيبهم جميع ما وعدهم، لا بعضه فقط ؟   !
قلتُ : " بعض " صلة، أو هي بمعنى " كلّ " كما قيل به في قول الشاعر :
إن الأمور إذا الأحداث دبّرها دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
أو ذكر البعض تنزّلا وتلطّفا بهم، مبالغا في نصحهم، لئلا يتّهموه( ١ )( ٢ ) بميل ومحاباة، ومنه قول الشاعر :
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته وقد يكون من المستعجل الزّلل
كأنه قال : أقلّ ما يكون في الثاني، إدراك بعض المطلوب، وفي الاستعجال الزلل، أو هي باقية على معناها، لأنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا، والعذاب في الآخرة، فهلاكهم في الدنيا بعض ما وعدهم به.
١ - كلام مؤمن آل فرعون، من الأسلوب الحكيم، في مخاطبة الخصم، يقول لهم: إن كان موسى كاذبا، فإنه يتحمّل وزر كذبه، وليس هذا بمسوّغ لقتله، وإن كان صادقا في دعواه، أصابكم بعض ما وعدكم به من العذاب، ولم يقل: كلّ ما وعدكم به، ولو قال لهم ذلك، لعلموا أنه متعصّب له، أو من أنصاره وأتباعه، ثم أردفه بكلام يُفهم منه أنه ليس بمصدّق لموسى، وهو قوله: ﴿إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب﴾ ظاهره أنه يريد به موسى، وحقيقته أنه يريد فرعون وحاشيته، إذ هم في غاية الإسراف والفجور، والكذب على الله، وهذا من أسلوب الحكمة..
٢ - في المصوّرة "لئلا يتوهموه" وهو خطأ واضح..
قوله تعالى :﴿ ابن لي صرحا لعلّي أبلغ الأسباب أسباب السموات ﴾ [ غافر، ٣٦، ٣٧ ] أي أبوابها وطُرقها.
فإن قلتَ : ما فائدة التكرار هنا ؟
قلتُ : فائدته أنه إذا أبهم ثم أوضح، كان تفخيما لشأنه، فلما أراد تفخيم ما أمّل بلوغه من أسباب السموات، أبهمها ثم أوضحها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:قوله تعالى :﴿ ابن لي صرحا لعلّي أبلغ الأسباب أسباب السموات ﴾ [ غافر، ٣٦، ٣٧ ] أي أبوابها وطُرقها.
فإن قلتَ : ما فائدة التكرار هنا ؟
قلتُ : فائدته أنه إذا أبهم ثم أوضح، كان تفخيما لشأنه، فلما أراد تفخيم ما أمّل بلوغه من أسباب السموات، أبهمها ثم أوضحها.

قوله تعالى :﴿ وقال الذين في النار لخزنة جهنم... ﴾ [ غافر : ٤٩ ] الآية.
إنما لم يقل : لخزنتها مع أنه أخصر، لأن في ذكر جهنم، تهويلا وتفظيعا.
أو لأن جهنم أبعد النار، فغدا خزنتها أعلى الملائكة، الموكّلين بالنار مرتبة، فطلب أهل النار الدعاء منهم لذلك.
قوله تعالى :﴿ لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾ [ غافر : ٥٧ ] أي إن خلق الأصغر، أسهل من خلق الأكبر، ثم قال :﴿ لا يؤمنون ﴾( ١ ) [ غافر : ٥٩ ] أي بالبعث، ثم قال :﴿ لا يشكرون ﴾( ٢ ) [ غافر : ٦١ ] أي الله على فضله، فختم كل آية بما اقتضاه أوّلها.
١ - أشار إلى قوله تعالى: ﴿إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون﴾ آية (٥٩)..
٢ - أشار إلى قوله تعالى: ﴿إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون﴾ آية (٦١)..
قوله تعالى :﴿ فإذا جاء أمر الله قُضي بالحقّ وخسر هنالك المبطلون ﴾ [ غافر : ٧٨ ].
ختمها بقوله :﴿ المبطلون ﴾ وختم السورة بقوله :﴿ وخسر هنالك الكافرون ﴾ [ غافر : ٨٥ ] لأن الأول متّصل بقوله :﴿ قُضي بالحقّ ﴾ ونقيض الحقّ : الباطل، والثاني متّصل بإيمان غير نافع، ونقيض الإيمان : الكفر.
Icon