تفسير سورة محمد

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة محمد من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة محمد
مدنية، عددها ثمان وثلاثون آية كوفية

﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بتوحيد الله، يعني كفار مكة ﴿ وَصَدُّواْ ﴾ الناس ﴿ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يقول: منعوا الناس عن دين الله الإسلام ﴿ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [آية: ١] يقول: أبطل الله أعمالهم، يعني نفقتهم في غزوة بدر ومسيرهم ومكرهم أبطل الله ذلك كله في الآخرة، أبطل أعمالهم التي عملوا في الدينا لأنها كانت في غير إيمان نزلت في اثني عشر رجلاً من قريش، وهم المطعمون من كفار مكة في مسيرهم إلى قتال النبي صلى الله عليه وسلم ببدر منهم أبو جهل والحارث ابنا هشام، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، وأمية وأبي ابنا خلف، ومنبه ونبيه ابنا الحجاج، وأبو البحترى بن هشام، وربيعة بن الأسود، وحيكم بن حزام، والحارث بن عامر بن نوفل.
ثم ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يعني صدقوا بتوحيد الله ﴿ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ الصالحة ﴿ وَآمَنُواْ ﴾ يعني وصدقوا ﴿ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ ﴾ صلى الله عليه وسلم من القرآن ﴿ وَهُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ يعني القرآن ﴿ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ ﴾ يقول: محا عنهم ﴿ سَيِّئَاتِهِمْ ﴾ يعني ذنوبهم الشرك وغيرها بتصديقهم ﴿ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ﴾ [آية: ٢] يقول: أصلح بالتوحيد حالهم في سعة الرزق، نزلت في بني هاشم وبني عبدالمطلب.
ثم رجع إلى الاثنى عشر المطعمين يوم بدر فيها تقديم ﴿ ذَلِكَ ﴾ يقول: هذا الإبطال كان ﴿ بِأَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بتوحيد الله ﴿ ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَاطِلَ ﴾ يعني عبادة الشيطان. ثم قال: ﴿ وَأَنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يعني صدقوا بتوحيد الله ﴿ ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ ﴾ يعني به القرآن ﴿ كَذَلِكَ ﴾ يقول: هكذا ﴿ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ ﴾ [آية: ٣] حين أضل أعمال الكفار، وكفر سيئات المؤمنين، ثم علم المؤمنين كيف يصنعون بالكفار؟
فقال: ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من مشركى العرب بتوحيد الله تعالى: ﴿ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ ﴾ يعني الأعناق ﴿ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ ﴾ يعني قهرتموهم بالسيف وظهرتم عليهم ﴿ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ ﴾ يعني الأسر ﴿ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ ﴾ يعني عتقاً بعد الأسر فيمن عليهم ﴿ وَإِمَّا فِدَآءً ﴾ يقول: فيفتدى نفسه بماله ليقوى به المسلمون على المشركين، ثم نسختها آية السيف في براءة، وهى قوله:﴿ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾[التوبة: ٥]، يعني مشركى العرب خاصة.﴿ حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ﴾ يعني ترك الشرك، حتى لا يكون في العرب مشرك، وأمر ألا يقبل منهم إلا الإسلام، ثم استأنف، فقال: ﴿ ذَلِكَ ﴾ يقول هذا أمر الله في المن والفداء. حدثنا عبدالله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني الهذيل، قال: قال مقاتل: إذا أسلمت العرب وضعت الحرب أوزارها، وقال في سورة الصف:﴿ فَأَيَّدْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ ﴾[الصف: ١٤] بمحمد حين أسلمت العرب. فقال: ﴿ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ ﴾ يقول: لانتقم منهم ﴿ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ ﴾ يعني يبتلى بقتال الكفار ﴿ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يعني قلتى بدر ﴿ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [آية: ٤] يعني لن يبطل أعمالهم الحسنة.
﴿ سَيَهْدِيهِمْ ﴾ إلى الهدى، يعني التوحيد في القبر ﴿ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ ﴾ [آية: ٥] يعني حالهم في الآخرة.
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾ [آية: ٦ ] يعني عرفوا منازلهم في الجنة، كما عرفوا منازلهم في الآخرة، يذهب كل رجل إلى منزله.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ ﴾ يقول: إن تعينوا الله ورسوله حتى يوحد ﴿ يَنصُرْكُمْ ﴾ يقول يعينكم ﴿ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [آية: ٧] للنصر فلا تزول عند الثبات.
﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ ﴾ يعني فنكساً لهم وخيبة، ويقال: وقحا لهم عند الهزيمة ﴿ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [آية: ٨]، يعني أبطلها.
﴿ ذَلِكَ ﴾ الإبطال ﴿ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ ﴾ الإيمان بـ ﴿ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ﴾ من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم يعني الكفار الذين قتلوا من أهل مكة ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [آية: ٩] لأنها لم تكن في إيمان، ثم عرف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية ليعتبروا.
فقال: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعني كفار مكة ﴿ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ من كفار الأمم الخالية عاد وثمود وقوم لوط ﴿ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ ﴾ بألوان العذاب، ثم قال: ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ ﴾ من هذه الأمة ﴿ أَمْثَالُهَا ﴾ [آية: ١٠] يقول: مثل عذاب الأمم الخالية.
﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ ﴾ يقول: هذا النصر ببدر في القديم إنما كان بأن الله ﴿ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يقول: ولى الذين صدقوا بتوحيد الله عز وجل حين نصرهم ﴿ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾ [آية: ١١] يقول: لا ولي لهم في النصر، ثم ذكر مستقر المؤمنين والكافرين في الآخرة.
فقال: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾ يعني البساتين تجري من تحتها الأنهار ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ ﴾ لا يلتفتون إلى الآخرة ﴿ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ ﴾ يقول: ليس لهم هم إلا الأكل والشرب في الدنيا، ثم قال: ﴿ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ [آية: ١٢] يقول: هي مأواهم، ثم خوفهم ليحذروا.
فقال: ﴿ وَكَأَيِّن ﴾ يقول: وكم ﴿ مِّن قَرْيَةٍ ﴾ قد مضت فيما خلا كانت ﴿ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً ﴾ يعني أشد بطشاً وأكثر عدداً ﴿ مِّن قَرْيَتِكَ ﴾ يعني مكة ﴿ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ ﴾ يعني أهل مكة حين أخرجوا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع إلى الأمم الخالية في التقديم. فقال: ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ بالعذاب حين كذبوا رسلهم ﴿ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ [آية: ١٣] يقول: فلم يكن لهم مانع يمنعهم من العذاب الذي نزل بهم.
قوله: ﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ يعني على بيان من ربه وهو النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ ﴾ الكفر ﴿ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ [آية: ١٤] نزلت في نفر من قريش، في أبي جهل بن هشام، وأبي حذيفة بن المغيرة المخزوميين، فليسا بسواء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم مصيره إلى الجنة، وأبو حذيفة، وأبو جهل مخلدان في النار.
ثم قال: ﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾ الشرك، يقول: شبه الجنة في الفضل، والخير كشبه النار في الشدة وألوان العذاب، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب، وما أعد لأهل النار من الشدة وألوان العذاب، ثم ذكر ما أعد لأهل الجنة من الشراب، وما أعد لأهل النار من الشراب. فقال: ﴿ فِيهَآ ﴾ يعني في الجنة ﴿ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ ﴾ يقول: لا يتغير كما يتغير ماء أهل النار فينتن ﴿ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾ كما يتغير لبن أهل الدنيا عن حاله الأولى فيمخض ﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ لا يصدون عنها، ولا يسكرون كخمر الدنيا تجرى لذة للشاربين ﴿ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ ليس فيها عكر، ولا كدر كعسل أهل الدنيا، فهذه الأنهار الأربعة تفجر من الكوثر إلى سائر أهل الجنة. قوله: ﴿ وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ ﴾ لذنوبهم ﴿ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ فهذا للمتقين الشرك في الآخرة، ثم ذكر مستقر الكفار، فقال: ﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ ﴾ يعني أبا جهل بن هشام، وأبا حذيفة المخزوميين وأصحابهما في النار ﴿ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً ﴾ يعني شديد الحر الذي قد انتهى حره تستعر عليهم جهنم، فهي تغلي منذ خلقت السماوات والأرض ﴿ فَقَطَّعَ ﴾ الماء ﴿ أَمْعَآءَهُمْ ﴾ [آية: ١٥] في الخوف من شدة الحر.
﴿ وَمِنْهُمْ ﴾ يعني من المنافقين ﴿ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ﴾ يعني إلى حديثك بالقرآن يا محمد ﴿ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ ﴾ منهم رفاعة بن زيد، والحارث بن عمرو، وحليف بني زهرة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم الجمعة، فعاب المنافقين وكانوا في المسجد فكظموا عند النبي صلى الله عليه وسلم فلما خرجوا، يعني المنافقين، من الجمعة.﴿ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾ وهو الهدى، يعني القرآن، يعني عبدالله بن مسعود الهذلي ﴿ مَاذَا قَالَ ﴾ محمد ﴿ آنِفاً ﴾ وقد سمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم فلم يفقهوه، يقول الله تعالى: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾ يعني ختم الله على قلوبهم بالكفر فلا يعقلون الإيمان ﴿ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ [آية: ١٦] في الكفر، ثم ذكر المؤمنين.
فقال: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ ﴾ من الضلالة ﴿ زَادَهُمْ هُدًى ﴾ بالمحكم الذي نسخ الأمر الأول ﴿ وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ ﴾ [آية: ١٧] يقول: وبين لهم التقوى، يعني عملاً بالمحكم حتى علموا بالمحكم.
ثم خوف أهل مكة، فقال: ﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ ﴾ يعني القيامة ﴿ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً ﴾ يعني فجأة ﴿ فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا ﴾ يعني أعلامها، يعني انشقاق القمر وخروج الدجال وخروج النبي صلى الله عليه وسلم فقد عاينوا هذا كله، يقول: ﴿ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ﴾ [آية: ١٨] فيها تقديم يقول: من أين لهم التذكرة والتوبة عند الساعة إذا جاءتهم وقد فرطوا فيها؟
﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلأ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَ ﴾ لذنوب المؤمنين والمؤمنات، يعني المصدقين بتوحيد الله والمصدقات ﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ ﴾ يعني منتشركم بالنهار ﴿ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ [آية: ١٩] يعني مأواكم بالليل.
﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ يعني صدقوا بالقرآن ﴿ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ ﴾ وذلك أن المؤمنين اشتاقوا إلى الوحي، فقالوا: هلا نزلت سورة؟ يقول الله تعالى: ﴿ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ ﴾ يعني بالمحكمة ما فيها من الحلال والحرام ﴿ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ ﴾ وطاعة الله والنبي صلى الله عليه وسلم، وقول معروف حسن فرح بها المؤمنون، فيها تقديم. ثم ذكر المنافقين، فذلك قوله: ﴿ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ يعني الشك في القرآن منهم عبدالله بن أبي، ورفاعة بن زيد، والحارث بن عمرو ﴿ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ ﴾ غماً وكراهية لنزول القرآن يقول الله تعالى: ﴿ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾ [آية: ٢٠] فهذا وعيد.
﴿ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ ﴾ يعني جد الأمر عند دقائق الأمور ﴿ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ ﴾ في النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به ﴿ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ ﴾ [آية: ٢١] من الشرك.
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ ﴾ يعني منافقي اليهود ﴿ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ بالمعاصي ﴿ وَتُقَطِّعُوۤاْ أَرْحَامَكُمْ ﴾ [آية: ٢٢] قال: وكان بينهم وبين الأنصار قرابة.
﴿ أَوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ ﴾ فلم يسمعوا الهدى ﴿ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ﴾ [آية: ٢٣] فلا يبصروا الهدى.
﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ يقول: أفلا يسمعون القرآن ﴿ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ ﴾ [آية: ٢٤] يعني الطبع على القلوب.
ثم ذكر اليهود، فقال: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ ﴾ عن إيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد المعرفة ﴿ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ ﴾ يعني أعقابهم كفاراً ﴿ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ﴾ يعني أمر النبي صلى الله عليه وسلم يبين لهم في التوراة أنه نبي ورسول ﴿ ٱلشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ ﴾ يعني زين لهم ترك الهدى، يعني إيماناً بمحمد صلى الله عليه وسلم ﴿ وَأَمْلَىٰ ﴾ الله ﴿ لَهُمْ ﴾ [آية: ٢٥].
﴿ ذَلِكَ ﴾ فيها تقديم وأمهل الله لهم حين قالوا: ليس محمد بنبي، فلم يعجل عليهم، ثم انتقم منهم حين قتل أهل قريظة، وأجل أهل النضير، يقول ذلك الذي أصابهم من القتل والجلاء ﴿ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ ﴾ يعني تركوا الإيمان، يعني المنافقين ﴿ مَا نَزَّلَ ٱللَّهُ ﴾ من القرآن ﴿ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ ٱلأَمْرِ ﴾ قالت اليهود للمنافقين في تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم، وهو بعض الأمر، قالوا ذلك سراً فيما بينهم، فذلك قوله: ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ﴾ [آية: ٢٦] يعني اليهود والمنافقين.
ثم خوفهم، فقال: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ يعني ملك الموت وحده ﴿ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ﴾ [آية: ٢٧] عند الموت.
﴿ ذَلِكَ ﴾ الضرب الذي أصابهم عند الموت ﴿ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَآ أَسْخَطَ ٱللَّهَ ﴾ من الكفر بالنبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ ﴾ يقول: وتركوا رضوان الله في إيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [آية: ٢٨] التي عملوها في غير إيمان، ثم رجع إلى عبدالله بن أبي، ورفاعة بن زيد، والحارث بن عمرو.
فقال: ﴿ أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ ﴾ يعني الشك بالقرآن، وهم المنافقون ﴿ أَن لَّن يُخْرِجَ ٱللَّهُ أَضْغَانَهُمْ ﴾ [آية: ٢٩] يعني أن لن يظهر الله الغش الذي في قلوبهم للمؤمنين.
﴿ وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ ﴾ يعني لأعلمناكم، كقوله:﴿ بِمَآ أَرَاكَ ٱللَّهُ ﴾[النساء: ١٠٥]، يعني بما أعلمك الله ﴿ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ﴾ يعني بعلامتهم الخبيثة ﴿ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ ٱلْقَوْلِ ﴾ يعني في كذبهم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يخف على النبي صلى الله عليه وسلم منافق بعد هذه الآية. ثم رجع إلى المؤمنين أهل التوحيد، فقال: ﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [آية: ٣٠] من الخير والشر.
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ ﴾ بالقتال، يعني لنبتلينكم، معشر المسلمين بالقتال ﴿ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ ﴾ يعني كي نرى من يجاهد منكم ﴿ وَ ﴾ من يصبر من ﴿ وَٱلصَّابِرِينَ ﴾ على أمر الله ﴿ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [آية: ٣١] يعني ونختبر أعمالكم.
ثم أستأنف ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ يعني اليهود ﴿ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يعني عن دين الله الإسلام ﴿ وَشَآقُّواْ ٱلرَّسُولَ ﴾ يعني وعادوا نبي الله صلى الله عليه وسلم ﴿ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ﴾ في التوراة ﴿ ٱلْهُدَىٰ ﴾ بأنه نبي رسول، يعني بالهدى أمر محمد صلى الله عليه وسلم فـ ﴿ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ ﴾ يقول: فلن ينقصوا الله من ملكه وقدرته ﴿ شَيْئاً ﴾ حين شاقوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصدوا الناس عن الإسلام إنما يضرون أنفسهم ﴿ وَسَيُحْبِطُ ﴾ في الآخرة ﴿ أَعْمَالَهُمْ ﴾ [آية: ٣٢] التي علموها في الدنيا.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ﴾ وذلك أن أناساً من أعراب بني أسد بن خزيمة قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أتيناك بأهلينا طائعين عفواً بغير قتال وتركنا الأموال والعشائر، وكل قبيلة في العرب قاتلوك حتى أسلموا كرهاً، فلنا عليك حق، فاعرف ذلك لنا، فأنزل الله تعالى في الحجرات:﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾إلى آيتين [الحجرات: ١٧-١٨] وأنزل الله تعالى: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ ﴾.
﴿ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [آية: ٣٣] بالمن ولكن أخلصوها لله تعالى.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بتوحيد الله ﴿ وَصَدُّواْ ﴾ الناس ﴿ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يعني عن دين الإسلام ﴿ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ﴾ [آية: ٣٤] وذلك" أن المسلم كان يقتل ذا رحمه على الإسلام، فقالوا: يا رسول الله، أين آباؤنا وإخواننا الذين قاتلوا فقتلوا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هم في النار "، فقال رجل من القوم: أين ولده وهو عدى بن حاتم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " في النار "، فولى الرجل وله بكاء فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " مالك "؟ فقال يا نبي الله، أجدني أرحمه وأرثي له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فإن والدي ووالد إبراهيم وولدك في النار، فليكن لك أسوة فيّ، وفي إبراهيم خليله "، فذهب بعض وجده، فقال: يا نبي الله، وأين المحاسن التي كان يعملها؟ قال: " يخفف الله عنه بها من العذاب، فأنزل الله فيهم ".
﴿ إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم ﴾ ".
ثم قال: ﴿ فَلاَ تَهِنُواْ ﴾ يقول: فلا تضعفوا ﴿ وَتَدْعُوۤاْ ﴾ يعني نبدؤهم بالدعاء ﴿ إِلَى ٱلسَّلْمِ ﴾ يقول: فلا تضعفوا وتدعوا العرب إلى الصلح والموادعة ﴿ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ ﴾ يقول: وأنتم الغالبون عليهم، وكان هذا يوم أحد يقول: ﴿ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ ﴾ في النصر يا معشر المؤمنين لكم ﴿ وَلَن يَتِرَكُمْ ﴾ يقول: ولن يبطلكم ﴿ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [آية: ٣٥] الحسنة.
﴿ إِنَّمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ ﴾ يقول: وإن تصدقوا بالله وحده لا شريك له، وتتقوا معاصي الله ﴿ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ﴾ في الآخرة يعني جزاءكم في الآخرة أعمالكم ﴿ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ ﴾ [آية: ٣٦].
ثم نزلت بعد ﴿ إِن يَسْأَلْكُمُوهَا ﴾ يعني الأموال فنسخت هذه الآية، ولا يسألكم أموالكم، ثم قال: ﴿ فَيُحْفِكُمْ ﴾ ذلك يعني كثرة المسألة ﴿ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ﴾ [آية: ٣٧] يعني ما في قلوبكم من الحب للمال والغش والغل، ولكنه فرض عليكم يسيراً.
ثم قال: ﴿ هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ ﴾ معشر المؤمنين ﴿ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ ﴾ أموالكم ﴿ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يعني في طاعة الله ﴿ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ ﴾ بالنفقة في سبيل الله ﴿ وَمَن يَبْخَلْ ﴾ بالنفقة ﴿ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ ﴾ بالخير والفضل ﴿ عَن نَّفْسِهِ ﴾ في الآخرة لأنه لو أنفق في حق الله أعطاه الله الجنة في الآخرة ﴿ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ ﴾ عما عندكم من الأموال ﴿ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ ﴾ إلى ما عنده من الخير والرحمة والبركة ﴿ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ ﴾ يقول: تعرضوا عما افترضت عليكم من حقي ﴿ يَسْتَبْدِلْ ﴾ بكم ﴿ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾ يعني أمثل منكم وأطوع الله منكم ﴿ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم ﴾ [آية: ٣٨] في المعاصي بل يكونوا خيراً منكم وأطوع. قوله: " إن تنصروا الله " حتى يوحد " ينصركم " على عدوكم " ويثبت أقدامكم " فلا نزول عند اللقاء عن التوحيد. قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" نصرت بالرعب مسيرة شهر "فما ترك التوحيد قوم إلا سقطوا من عين الله، وسلط عليهم السبي، " وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم " يعني الأنصار.
Icon