ﰡ
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤)سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦)
(مُحَمَّدٍ) اسم عربي وهو مفعل من الحمد والتكرير فيه للتكثير كما تقول كرّمته فهو مكرّم وعظمته فهو معظّم إذا فعلت ذلك مرة بعد مرة وهو منقول من الصفة على سبيل التفاؤل أنه سيكثر حمده وكان كذلك صلى الله عليه وسلم، روى بعض نقلة العلم فيما حكاه ابن دريد أن النبي ﷺ لما ولد أمر عبد المطلب بجزور فنحرت ودعا رجال قريش وكانت سنّتهم في المولود إذا ولد في استقبال الليل كفئوا عليه قدرا حتى يصبح ففعلوا ذلك بالنبي ﷺ فأصبحوا وقد انشقّت عنه القدر وهو شاخص إلى السماء فلما حضرت رجال قريش وطعموا قالوا لعبد المطلب ما سمّيت ابنك هذا؟
قال: سمّيته محمدا قالوا: ما هذا من أسماء آبائك قال: أردت أن يحمد في السموات والأرض. يقال: رجل محمود ومحمد قال الأعشى:
إليك أبيت اللعن كان كلالها | إلى الواحد الفرد الجواد المحمّد |
فلست بمحمود ولا بمحمد | ولكنما أنت الحبط الحباتر |
(أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم فيهم القتل وفي المصباح «أثخن في الأرض إثخانا سار إلى العدو وأوسعهم قتلا وأثخنته أوهنته بالجراح وأضعفته».
(الْوَثاقَ) بالفتح والكسر اسم ما يوثق به وفي المصباح: «الوثاق القيد والحبل ونحوه بفتح الواو وكسرها والجمع وثق مثل. وربط وعناق وعنق».
(أَوْزارَها) آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها كالسلاح والكراع قال الأعشى:
وأعددت للحرب أوزارها | رماحا طوالا وخيلا ذكورا |
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) الذين مبتدأ وجملة كفروا صلة وصدّوا عطف على كفروا وعن سبيل الله متعلقان بصدّوا وأضلّ أعمالهم فعل وفاعل مستتر يعود على الله تعالى ومفعول به والجملة خبر الذين وأجاز أبو البقاء أن ينتصب الذين بفعل دلّ عليه المذكور أي أضلّ الذين كفروا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) والذين مبتدأ وجملة آمنوا صلة وعملوا الصالحات عطف على آمنوا، وآمنوا بما نزل على محمد عطف أيضا والواو اعتراضية وهو مبتدأ والحق خبره ومن ربهم حال (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) جملة كفّر عنهم خبر الذين آمنوا وسيئاتهم مفعول به وأصلح بالهم عطف على كفّر عنهم سيئاتهم (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) ذلك مبتدأ وبأن الذين كفروا خبره وجملة اتبعوا الباطل خبر أن (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) عطف على ما تقدم وقد تقدم إعرابه (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) كذلك نعت لمصدر محذوف أي مثل ذلك الضرب يضرب الله للناس أمثالهم وسيأتي معنى ضرب المثل هنا في باب البلاغة (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) الفاء عاطفة لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط والعامل فيه فعل مقدّر هو العامل في ضرب الرقاب تقديره فاضربوا الرقاب وقت ملاقاتكم العدو ولا يعمل فيه نفس المصدر لأنه مؤكد وجملة لقيتم في محل جر بإضافة الظرف إليها والذين مفعول لقيتم وجملة كفروا صلة والفاء رابطة لجواب الشرط وضرب مفعول مطلق لفعل محذوف والرقاب مضاف إليه (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) حتى حرف ابتداء أي تبدأ بعده الجمل وجعلها أبو حيان حرف غاية وجر قال «وهذه
به ثان على السعة وجملة عرفها لهم مستأنفة أو حالية وسيأتي في باب الفوائد معنى عرفها لهم.
البلاغة:
١- في قوله تعالى «وأضلّ أعمالهم» استعارة مكنية فقد شبّه أعمالهم بالضالة من الإبل التي هي بمضيعة لا رب لها يحفظها ويعتني بها أو بالماء الذي يضل في اللبن والمعنى أن الكفار ضلّت أعمالهم الصالحة في جملة أعمالهم السيئة من الكفر والمعاصي وحتى صار صالحهم مستهلكا في غمار سيئهم ومقابله في المؤمنين ستر الله لأعمالهم السيئة في كنف أعمالهم الصالحة من الايمان والطاعة حتى صار سيئهم مكفرا ممحقا في جنب صالح أعمالهم، وإلى هذا التمثيل الجميل في عدم تقبل صالح الكفار والتجاوز عن سيئ أعمال المؤمنين وقعت الإشارة في قوله تعالى «كذلك يضرب الله للناس أمثالهم» وتفصيل ذلك أن ضرب المثل استعمال القول السائر المشبّه مضربه مورده بمورده قال الزمخشري: «فإن قلت أين ضرب الأمثال؟ قلت في أن جعل اتباع الباطل مثلا لأعمال الكفّار واتباع الحق مثلا لعمل المؤمنين أو في جعل الإضلال مثلا لخيبة الكفّار وتكفير السيئات مثلا لفوز المؤمنين».
٢- المجاز المرسل: وفي قوله تعالى «فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب» مجاز مرسل علاقته ذكر الجزء وإرادة الكل لأن ضرب
٣- وفي قوله تعالى «حتى تضع الحرب أوزارها» استعارة مكنية أو تصريحية فعلى الأولى شبّه الحرب بمطايا ذات أوزار أي أحمال ثقال، وعلى الثانية استعار الأوزار لآلات الحرب، وفيه أيضا مجاز في الإسناد فقد أسند وضع الأوزار إلى الحرب وإنما هو لأهلها.
الفوائد:
معنى قوله تعالى «عرّفها لهم» إما من التعريف وهو التحديد بحيث يكون لكل واحد جنة مفرزة، وفي البخاري ما يدل على صحة هذا القول عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخلص المؤمنون من النار فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا» وأما من العرف وهو طيب الرائحة قال ابن عباس عرفها لهم بأنواع الملاذ وطعام معرّف أي مطيّب، تقول العرب: عرفت القدر إذا طيبتها بالملح والأبازير، وفي كلام بعضهم: عزف كنوح القماري وعرف كفوح القماري، والقماري الأول جمع قمري اسم طير والقماري الثاني عود منسوب إلى موضع ببلاد الهند، كذا في الصحاح.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٧ الى ١٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)
إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢)
(فَتَعْساً) التعس: الهلاك وخيبة الأمل وفي المختار: «التعس الهلاك وأصله الكبّ وهو ضد الانتعاش وقد تعس من باب قطع وأتعسه الله ويقال: تعسا لفلان أي ألزمه الله هلاكا» وفي المصباح: «وتعس تعسا من باب تعب لغة فهو تعس مثل تعب ويتعدى بالحركة وبالهمزة فيقال تعسه الله بالفتح وأتعسه وفي الدعاء تعسا له وتعس وانتكس فالتعس أن يخرّ لوجهه والنكس أن لا يستقل بعد سقطته حتى يسقط ثانية وهي أشدّ من الأولى» وفي الأساس: «تعس فلان بالفتح، والكسر غير فصيح، وتعسا له وتعسه الله وأتعسه قال:
غداة هزمنا جمعهم بمقالع | فآبوا بأتعاس على شر طائر |
الإعراب:
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) يا أيها الذين آمنوا تقدم إعرابها كثيرا وإن شرطية وتنصروا فعل الشرط والله مفعول به وينصركم جواب الشرط ويثبت أقدامكم عطف على الجواب ولا بدّ من حذف مضاف أي دين الله ورسوله (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) والذين مبتدأ خبره محذوف تقديره تعسو وهو العامل في تعسا ويجوز أن ينصب بفعل محذوف يفسره ما بعده وجملة كفروا صلة للموصول والفاء رابطة تشبيها للموصول بالشرط وتعسا مفعول مطلق لفعل محذوف كما تقدم ولهم متعلقان بتعسا أو صفة له وأضل أعمالهم عطف على الفعل الذي نصب تعسا (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ذلك مبتدأ وبأنهم خبره وأن واسمها وجملة كرهوا خبرها وما مفعول به وجملة أنزل الله صلة، فأحبط عطف على كرهوا وأعمالهم مفعول به (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) الهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف ولم حرف نفي وقلب وجزم ويسيروا فعل مضارع مجزوم بلم وفي الأرض متعلقان بيسيروا، فينظروا: الفاء فاء السببية وينظروا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد الفاء وكيف اسم استفهام في محل نصب خبر كان المقدم وعاقبة اسمها المؤخر والذين مضاف إليه
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٣ الى ١٥]
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤) مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)
(آسِنٍ) بالمدّ والقصر كضارب وحذر أي غير متغير بخلاف ماء الدنيا فيتغير بما يطرأ عليه من عوارض وفي المختار: «الآسن من الماء مثل الآجن وزنا ومعنى وقد أسن من باب ضرب ودخل وأسن فهو آسن من باب طرب لغة فيه» ويقال أسن الماء وأجن إذا تغير طعمه وريحه وأنشد ليزيد بن معاوية:
لقد سقتني رضابا غير ذي أسن | كالمسك فتّ على ماء العناقيد |
قد صبّحت والظل غض ما رحل | حوضا كأن ماءه إذا عسل |
الإعراب:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ) كلام مستأنف مسوق لتسليته ﷺ بمثابة المثل له، وكأين خبرية وهي كلمة مركبة من الكاف وأي بمعنى كم الخبرية ومحلها الرفع على الابتداء ومن قرية تمييز لها وقد تقدم القول فيها مفصلا فجدد به عهدا وهي مبتدأ وأشد خبر والجملة صفة لقرية وقوة تمييز ومن قريتك متعلقان بأشد والتي نعت لقريتك وجملة أخرجتك صلة التي وجملة أهلكناهم خبر كأين والفاء عاطفة ولا نافية للجنس وناصر اسمها ولهم خبرها وعن ابن عباس أن النبي ﷺ لما خرج من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال: «أنت أحبّ بلاد الله إليّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك لم أخرج فأعتى الأعداء من عتا على الله في حرمه أو قتله غير قاتله أو قتل بدخول الجاهلية» (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان حال الفريقين المؤمنين والكافرين والهمزة للاستفهام الإنكاري والفاء عاطفة على محذوف مقدر يقتضيه المقام والتقدير أليس الأمر كما ذكر فمن كان مستقرا على حجة ظاهرة وبرهان كمن زين له، ومن اسم استفهام في محل رفع مبتدأ وكان فعل ماض
الفوائد:
كثر الكلام واستفاض حول هذه الآية وسننقل عبارة الزمخشري مع تعقيب بديع عليها قال: «فإن قلت ما معنى قوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار؟ قلت هو كلام في صورة الإثبات ومعنى النفي والإنكار لانطوائه تحت حكم كلام مصدر بحرف الإنكار ودخوله في حيّزه وانخراطه في سلكه وهو قوله تعالى: أفمن كان على بيّنة من ربه كمن زيّن له سوء عمله فكأنه قيل أمثل الجنة كمن هو خالد في النار أي كمثل جزاء من هو خالد في النار فإن قلت: فلم عرّي من حرف الإنكار وما فائدة التعرية؟ قلت: تعريته من حكم الإنكار فيها زيادة تصوير لمكابرة من يسوّي بين المتمسك بالبيّنة والتابع لهواه وأنه بمنزلة من يثبت التسوية بين الجنة التي تجري فيها تلك الأنهار وبين النار التي يسقى أهلها الهيم ونظيره قول القائل:
أفرح أن أرزأ الكرام وأن | أورث ذودا شصائصا نبلا |
وعقّب ابن المنير صاحب الانتصاف على كلام الزمخشري فقال:
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ١٦ الى ١٩]
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ماذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ: ماذا قالَ آنِفاً) كلام مستأنف مسوق لبيان جانب آخر من استهزائهم وتعنتهم فقد كانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ فيسمعون كلامه ولا يعونه ولا يلقون إليه بالا فإذا خرجوا من المجلس سألوا أهل العلم من الصحابة ماذا قال الساعة على جهة الاستهزاء وقيل في خطبة الجمعة فتكون الآية مدنية. ومنهم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يستمع إليك صلة وقد روعي لفظ من، وحتى حرف غاية وجر وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة خرجوا في محل جر بإضافة الظرف إليها ومن عندك متعلقان بخرجوا وجملة قالوا لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم وللذين متعلقان بقالوا وجملة أوتوا بالبناء للمجهول صلة والواو نائب فاعل والعلم مفعول به ثان، وماذا تقدم أن في إعرابها وجهين فما اسم استفهام مبتدأ وذا اسم موصول هنا خاصة في محل رفع خبر ولك أن تجعلها اسم استفهام بكاملها وآنفا حال من الضمير في قال أي مؤتنفا وأعربه الزمخشري وأبو البقاء ظرفا أي ماذا قال الساعة وأنكر أبو حيان ذلك وقال ولا نعلم أحدا من النحاة عدّه في الظروف وقال ابن عطية: «والمفسرون يقولون آنفا معناه الساعة الماضية القريبة منّا وهذا تفسير بالمعنى» وقال في القاموس «وقال آنفا كصاحب وكتف وقرئ بهما أي مذ ساعة أي في أول وقت يقرب منّا» كأنه يميل إلى نصبه على الظرفية. وقال الزّجاج «هو من استأنفت الشيء إذا ابتدأته والمعنى ماذا قال في أول وقت يقرب منّا» وعلى هذا رجحت كفّة القائلين بالظرفية (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) أولئك مبتدأ والذين خبره وجملة طبع الله على قلوبهم صلة وجملة واتبعوا أهواءهم عطف أيضا داخلة في حيز الصلة
الفوائد:
جاءت مصادر أحوالا بكثرة في النكرات وفيها شذوذ واحد وهو المصدرية وكان الأصل أن لا تقع أحوالا لأنها غير صاحبها في المعنى ولكنهم لما كانوا يخبرون بالمصادر عن الذوات كثيرا واتساعا نحو زيد عدل فعلوا مثل ذلك لأنها خير من الإخبار كطلع زيد بغتة وجاء ركضا وقتلته صبرا فصبرا وهو أن يحبسه حيّا ثم يرمى حتى يقتل حال من مفعول قتلته وذلك كله على التأويل بالوصف فيؤول بغتة بوصف من باغت لأنها بمعنى مفاجأة أي مباغتا أو من بغت أي باغتا يقال بغتة أي فجأة والبغت الفجأة قال:
ولكنهم كانوا ولم أدر بغتة | وأعظم شيء حين يفجؤك البغت |
قال ابن هشام في الحواشي: «وإنما قاسه المبرد ولم يقسه سيبويه لأن سيبويه يرى أنه حال على التأويل ووضع المصدر موضع الوصف لا ينقاس كما أن عكسه لا ينقاس والمبرد يرى أنه مفعول مطلق حذف
وقال اللقاني «التمثيل ببغتة وركضا وصبرا لا يدل على تعيّن ذلك فيها بل يجوز جعلها مفاعيل مطلقة إذ هي نوع من عاملها فهي كرجع القهقرى».
وقاس ابن مالك في التسهيل وابنه في شرح الألفية الحال بعد أما نحو أما علما فعالم والأصل في هذا أن رجلا وصف عنده شخص بعلم أو غيره فقال للواصف أما علما فعالم أي مهما يذكر شخص في حال علم فالمذكور عالم كأنه منكر ما وصف به من غير العلم فصاحب الحال على هذا التقدير نائب الفاعل ويذكر ناصب الحال لما تقرر أن العامل في صاحب الحال هو العامل في الحال ويجوز أن يكون ناصب الحال ما بعد الفاء إذا كان صالحا للعمل فيما قبلها وصاحبها ما فيه من ضمير الحال والحال على هذا مؤكدة والتقدير مهما يكن من شيء فالمذكور في حال علم فلو كان ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها تعين أن يكون منصوبا بفعل الشرط المقدر بعد أما نحو أما علما فلا علم له وأما علما فإن له علما وأما علما فهو ذو علم لأن المصدر يعمل في متقدم فلو كان المصدر التالي أما معرّفا بأل فهو عند سيبويه مفعول له، وذهب الأخفش إلى أن المعرّف بأل والمنكر كليهما بعد أما مفعول مطلق، وذهب الكوفيون إلى أنهما مفعول به بفعل مقدّر والتقدير مهما تذكر علما فالذي وصفت عالم قال ابن مالك في شرح التسهيل: «وهذا القول عندي أولى بالصواب، وأحقّ ما اعتمد عليه في الجواب» وقاسه ابن مالك وابنه أيضا بعد خبر شبّه به مبتدؤه كزيد زهير شعرا فزهير بالتصغير خبر شبّه به مبتدؤه وهو زيد والتقدير مثل زهير في الشعر وإنما حذف مثل ليزول لفظ التشبيه فيكون الكلام أبلغ وشعرا حال في تقدير الصفة
وقاساه أيضا بعد الخبر المقرون بأل الدالّة على الكمال نحو:
أنت الرجل علما فعلما حال والعامل فيها ما في الرجل من معنى الفعل إذ معناه الكامل، وفي الخاطريات لابن جنّي «أنت الرجل فهما وأدبا يحتمل وجهين أحدهما أن يكون في قولك أنت الرجل معنى الفعل أي أنت الكامل فهما وأدبا والثاني أن يكون على معنى تفهم فهما وتأدب أدبا» وقال أبو حيان في الارتشاف «يحتمل عندي أن يكون تمييزا كأنه قال أنت الكامل أدبا أي أدبه فهو محوّل عن الفاعل» فتحصل فيه ثلاثة آراء: حال ومفعول مطلق وتمييز ويتحصل من الخلاف في المصدر المنصوب أقوال:
١- مذهب سيبويه إن المصدر هو الحال.
٢- مذهب المبرد والأخفش أنه مفعول مطلق غير منصوب بالعامل قبله وإنما عامله المحذوف من لفظه وذلك المحذوف هو الحال.
٣- مذهب الكوفيين أنه مفعول مطلق وعامله الفعل المذكور وليس في موضع الحال.
٤- وذهب جماعة إلى أنه مصدر على حذف مضاف وتقدير جاء ركضا جاء ذا ركض.
وعلى القول بالحالية مذاهب:
٢- وذهب المبرد إلى قياسه فيما كان نوعا من عامله.
٣- وقاسه ابن مالك وابنه في ثلاث مسائل: أ- بعد إما ب- وبعد خبر شبه به مبتدؤه ج- وفيما إذا كان الخبر مقرونا بأل الدالّة على الكمال.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٠ الى ٢٨]
وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)
إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨)
(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) كلام مستأنف لبيان موقف المؤمنين الصادقين والمنافقين من الجهاد فقد سأل المؤمنون ربهم عزّ وجلّ أن ينزل على رسوله ﷺ سورة يأمرهم فيها بقتال الكفّار حرصا منهم على الجهاد ونيل ما أعدّ الله للمجاهدين من جزيل الثواب فحكى الله عنهم ذلك. ويقول فعل مضارع والذين فاعله وجملة آمنوا صلة ولولا حرف تحضيض بمعنى هلّا ونزلت فعل ماض مبني للمجهول وسورة نائب فاعل (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ) الفاء عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة أنزلت في محل جر بإضافة الظرف إليها وهو فعل ماض مبني للمجهول وسورة نائب فاعل ومحكمة صفة أي مبينة غير متشابهة لا تحتمل وجها إلا وجوب القتال، وعن قتادة كل سورة فيها ذكر القتال فهي محكمة لأن النسخ لا يرد عليها، وذكر عطف على أنزلت وفيها متعلقان بذكر والقتال نائب فاعل وجملة رأيت لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم والذين مفعول به وفي قلوبهم خبر مقدم ومرض مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية لا محل لها لأنها صلة الموصول وينظرون فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو فاعل والجملة في محل نصب حال إن كانت الرؤية بصرية ومفعول به ثان إن كانت الرؤية قلبية وكلا الوجهين مراد في الآية وإليك متعلقان بينظرون ونظر المغشي مفعول مطلق مؤكد وعليه متعلقان بالمغشي لأنه اسم مفعول ومن الموت متعلقان بالمغشي أيضا، فأولى الفاء استئنافية وأولى لهم قال الجوهري: «تقول العرب أولى لك تهديد ووعيد ثم اختلف اللغويون والمعربون في هذه اللفظة فقال الأصمعي إنها فعل ماض بمعنى قاربه
فأولى ثم أولى ثم أولى | وهل للداء يحلب من يرد |
تعادى بين هاديتين منها | وأولى أن يزيد على الثلاث |
فلو كان أولى يطعم القوم صيدهم | ولكن أولى يترك القوم جوّعا |
تكلفني ليلى وقد شطّ وليّها | وعادت عواد بيننا وخطوب |
أو من المفعول ووجوههم مفعول به وأدبارهم عطف على وجوههم (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ذلك مبتدأ وبأنهم خبر وجملة اتبعوا خبر أن وما مفعول به وجملة أسخط الله صلة وكرهوا رضوانه عطف على جملة اتبعوا ما أسخط الله، فأحبط عطف على ما تقدم وأعمالهم مفعول به.
البلاغة:
١- في قوله تعالى «فهل عسيتم إن توليتم» إلى آخر الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب وقد تقدم القول مطولا في الالتفات، والسرّ فيه هنا أنه جاء لتأكيد التوبيخ وتشديد التقريع وتسجيل ذلك عليهم مشافهة وخطابا، ولقائل أن يقول كيف يصحّ الاستفهام من الله تعالى وهو عالم بما كان وما يكون؟ والجواب أنه لما عهد منكم أحرياء بأن يقول لكم كل من سبر أغواركم وعرف تمريضكم ورخاوة عقدكم في الإيمان يا هؤلاء ما ترون؟ هل يتوقع منكم إذا توليتم أمور الناس ونيطت بكم شئونهم وأصبحتم حكاما هل يتوقع منكم أن تفسدوا في الأرض بالتناخر على الملك والتهالك على الدنيا والتناور والتناهب وقطع الأرحام بمقاتلة بعض الأقارب ووأد البنات وأخذ الرشاوة والعودة إلى الجاهلية الأولى.
٢- التنكير والاستعارة: وفي قوله تعالى: «أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها» التنكير في قلوب مع إضافة الأقفال إليها على طريق الاستعارة المكنية، أما التنكير فهو إما لتهويل حالها كأنه قيل على قلوب منكرة مبهم أمرها أو إما لأن المراد بها قلوب بعض منهم وهم قلوب المنافقين، أما الاستعارة فهي أنه شبّه قلوبهم بالصناديق واستعار لها
الفوائد:
يجوز كسر سين عسى في لغة من قال هو عسى بكذا مثل شج من شجى، وليس ذلك الجواز مطلقا سواء أسندته إلى ظاهر أو مضمر بل يتقيد بأن يسند إلى ضمير يسكن معه آخر الفعل كالتاء أو النون أو نا وبهما قرئ في السبع، قرأ نافع بالكسر لمناسبة الياء وقرأ الباقون بالفتح وهو المختار لجريانه على الألسن.
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٣]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣)
اللغة:
(أَضْغانَهُمْ) أحقادهم وفي المصباح: «ضغن صدره ضغنا من باب
وإن الضغن بعد الضغن يبدو | عليك ويخرج الداء الدفينا |
(بِسِيماهُمْ) بعلامتهم وفي القاموس «والسومة بالضم والسيمة والسيماء والسيمياء بكسرهنّ: العلامة».
(لَحْنِ الْقَوْلِ) نحوه وأسلوبه وقيل اللحن: إن تلحن بكلامك أي تميله إلى نحو من الأنحاء ليفطن له صاحبك كالتعريض والتورية قال:
ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا | واللحن يعرفه ذوي الألباب |
والخلاصة أن للحن معنيين صواب وخطأ فالصواب صرف الكلام وإزالته عن التصريح إلى المعنى والتعريض وهذا ممدوح من حيث البلاغة ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «فلعلّ بعضكم ألحن بحجته من بعض» وقال الشاعر:
منطق صائب وتلحن أحيا | نا وخير الحديث ما كان لحنا |
الإعراب:
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ) أم حرف إضراب وعطف وحسب الذين فعل وفاعل وفي قلوبهم خبر مقدّم
[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٣٤ الى ٣٨]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)
اللغة:
(السَّلْمِ) بفتح السين وكسرها الصلح وقد قرئ بهما.
(فَيُحْفِكُمْ) يبالغ في طلبها حتى يستأصلها فيجهدكم بذلك فالإحفاء المبالغة وبلوغ الغاية في كل شيء ويقال أحفى شاربه استأصله وفي القاموس: «وحفا شاربه بالغ في أخذه كأحفاه».
الإعراب:
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) إن واسمها وجملة كفروا صلة وصدّوا عطف على كفروا وعن سبيل الله متعلقان بصدّوا (ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ) ثم حرف عطف وماتوا فعل وفاعل وجملة فلن يغفر الله لهم خبر إن ودخلت الفاء لما في الموصول من معنى الشرط (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) الفاء الفصيحة أي إذا علمتم وجوب الجهاد فلا تضعفوا ولا تهنوا، ولا ناهية وتهنوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل وتدعوا عطف على فلا تهنوا مجزوم مثله وإلى السلم متعلقان بتدعوا والواو للحال وأنتم الأعلون مبتدأ وخبر والجملة حالية (وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) الواو للحال أيضا والله مبتدأ ومعكم ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر والواو عاطفة ولن حرف