تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب تفسير القشيري
المعروف بـلطائف الإشارات
.
لمؤلفه
القشيري
.
المتوفي سنة 465 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
فذلك المأمول، وإن ردّ بحكم فله الحكم، فتوافق تقديره بالموافقة فى الرضا به، إذا الميم تشبر إلى منته إن شاء، ثم إلى موافقتك لتقديره بالرضا به إن لم يمنّ.
ويقال الباء تشير إلى بيان قلوب أهل الحقائق بلطائف المكاشفات بما يختصهم الحق- سبحانه- بذلك من دون الخلق، فهم على بيان مما يخفى على الخلق، فالغيب لهم كشف، والخبر لهم عيان، وما للناس علم فلهم وجود.
والسين تشير إلى سرور قلوبهم عند تقريبات البسط بما (....) «١» فيه من وجوه المراعاة! وصنوف لطائف المناجاة، فهم فى جنات النعيم، وعيش بسط وتكريم، ودوام روح مقيم.
والميم تشير إلى محبة الحق- سبحانه- لهم بدءا فإنها هى الموجبة لمحابّهم، إذ عنها صدر كلّ حب فبمحبته لهم أحبوه، وبقصده إليهم طلبوه، وبإرادته لهم أرادوه.
ويقال نزهة أسرار الموحدين فى الإناخة بعقوة بسم الله، فمن حلّ تلك الساحة رتع فى حدائق القدس، واستروح إلى نسيم الأنس.
ويقال بسم الله موقف الفقراء بقلوبهم فللأغنياء موقفهم عرفات، وللفقراء موقفهم المكاشفات والمشاهدات.
ويقال قالة «بِسْمِ اللَّهِ» ربيع الأحباب أزهارها لطائف الوصلة، ونورها زوائد القربة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١]
هذه الحروف من المتشابه فى القرآن على طريقة قوم من السلف، والحق- سبحانه- مستأثر بعلمها دون خلقه. وعلى طريقة قوم فلها معان تعرف، وفيها إشارات إلى أشياء توصف: فالألف تشير إلى ألفة الأرواح العطرة أصابت الشكلية مع بعض الأرواح العطرة، فهى- فى التحقيق- فى ذلك المعنى كالمتحدة فمنه تقع الألفة بين المتشاكلين، ولأجل اتحاد المقصود يتفق القاصدون.
ويقال ألف القلب حديثه فلم يحتشم من بذل روحه.
ويقال الباء تشير إلى بيان قلوب أهل الحقائق بلطائف المكاشفات بما يختصهم الحق- سبحانه- بذلك من دون الخلق، فهم على بيان مما يخفى على الخلق، فالغيب لهم كشف، والخبر لهم عيان، وما للناس علم فلهم وجود.
والسين تشير إلى سرور قلوبهم عند تقريبات البسط بما (....) «١» فيه من وجوه المراعاة! وصنوف لطائف المناجاة، فهم فى جنات النعيم، وعيش بسط وتكريم، ودوام روح مقيم.
والميم تشير إلى محبة الحق- سبحانه- لهم بدءا فإنها هى الموجبة لمحابّهم، إذ عنها صدر كلّ حب فبمحبته لهم أحبوه، وبقصده إليهم طلبوه، وبإرادته لهم أرادوه.
ويقال نزهة أسرار الموحدين فى الإناخة بعقوة بسم الله، فمن حلّ تلك الساحة رتع فى حدائق القدس، واستروح إلى نسيم الأنس.
ويقال بسم الله موقف الفقراء بقلوبهم فللأغنياء موقفهم عرفات، وللفقراء موقفهم المكاشفات والمشاهدات.
ويقال قالة «بِسْمِ اللَّهِ» ربيع الأحباب أزهارها لطائف الوصلة، ونورها زوائد القربة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المص (١)هذه الحروف من المتشابه فى القرآن على طريقة قوم من السلف، والحق- سبحانه- مستأثر بعلمها دون خلقه. وعلى طريقة قوم فلها معان تعرف، وفيها إشارات إلى أشياء توصف: فالألف تشير إلى ألفة الأرواح العطرة أصابت الشكلية مع بعض الأرواح العطرة، فهى- فى التحقيق- فى ذلك المعنى كالمتحدة فمنه تقع الألفة بين المتشاكلين، ولأجل اتحاد المقصود يتفق القاصدون.
ويقال ألف القلب حديثه فلم يحتشم من بذل روحه.
(١) مشتبهة.
ويقال الألف تجرّد من قصده عن كل غير فلم يتصل بشىء، وحين استغنى عن كل شىء اتصل به كل شىء على جهة الاحتياج إليه.
ويقال صورة اللام كصورة الألف ولكن لما اتصلت بالحروف تعاقبتها الحركات كسائر الحروف فمرة أصبحت مفتوحة، ومرة (مسكونة) «١»، ومرة مرفوعة، وأمّا الألف التي هى بعيدة عن الاتصال بالعلاقات (فباقية على وصف التجرد عن تعاقب الحركات عليها فهى على سكونها الأصلى) «٢».
وأمّا الصاد فتشير إلى صدق أحوال المشتاقين فى القصد، وصدق أحوال العارفين فى الوجد، وتشير إلى صدق قلوب المريدين وأرباب الطلب، إذ العطش نعت كلّ قاصد، كما أن الدهشة وصف كل واجد.
ويقال الصاد تبدى محبة للصدور وهو بلاء الأحباب.
ويقال الصاد تطالبك بالصدق فى الود، وأمارة الصدق فى الود بلوغ النهاية والكمال، حتى لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالمنع.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢]
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)
كتاب الأحباب تحفة الوقت، وشفاء لمقاساة ألم البعد، وهو لداء الضنى مزيل، ولشفاء الشكّ مقيل، وقال تعالى: «فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ» ولم يقل: فى قلبك فإن قلبه- عليه السّلام- فى محل الشهود، ولذلك قال: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ» «٣» وكذلك قال موسى عليه السّلام: «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي» «٤». وقال للمصطفى صلوات الله
ويقال صورة اللام كصورة الألف ولكن لما اتصلت بالحروف تعاقبتها الحركات كسائر الحروف فمرة أصبحت مفتوحة، ومرة (مسكونة) «١»، ومرة مرفوعة، وأمّا الألف التي هى بعيدة عن الاتصال بالعلاقات (فباقية على وصف التجرد عن تعاقب الحركات عليها فهى على سكونها الأصلى) «٢».
وأمّا الصاد فتشير إلى صدق أحوال المشتاقين فى القصد، وصدق أحوال العارفين فى الوجد، وتشير إلى صدق قلوب المريدين وأرباب الطلب، إذ العطش نعت كلّ قاصد، كما أن الدهشة وصف كل واجد.
ويقال الصاد تبدى محبة للصدور وهو بلاء الأحباب.
ويقال الصاد تطالبك بالصدق فى الود، وأمارة الصدق فى الود بلوغ النهاية والكمال، حتى لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالمنع.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢]
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)
كتاب الأحباب تحفة الوقت، وشفاء لمقاساة ألم البعد، وهو لداء الضنى مزيل، ولشفاء الشكّ مقيل، وقال تعالى: «فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ» ولم يقل: فى قلبك فإن قلبه- عليه السّلام- فى محل الشهود، ولذلك قال: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ» «٣» وكذلك قال موسى عليه السّلام: «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي» «٤». وقال للمصطفى صلوات الله
(١) وردت (مسكوه) بسقوط النون وهى خطأ فى النسخ.
(٢) ما بين القوسين موجود فى الهامش أثبتناه فى موضعه من المتن حسب العلامة المميزة.
(٣) آية ٩٧ سورة الحجر.
(٤) آية ٢٥ سورة طه.
(٢) ما بين القوسين موجود فى الهامش أثبتناه فى موضعه من المتن حسب العلامة المميزة.
(٣) آية ٩٧ سورة الحجر.
(٤) آية ٢٥ سورة طه.
عليه: «أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ» «١». فإن القلب فى محل الشهود، وهو أبدا بدوام أنس القرب، قال صلّى الله عليه وسلّم: «تنام عينى ولا ينام قلبى» »
وقال: «أسألك لذة النظر» «٣» وصاحب اللذة لا يكون له حرج.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣]
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣)
استسلموا لمطالبات التقدير، قفوا حيثما وقفتم، وتحققوا بما عرفتم، وطالعوا بما كوشفتم، ولا تلاحظوا غيرا، ولا تركنوا إلى علّة، ولا تظنوا أن لكم من دونه وسيلة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤ الى ٥]
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥)
يعنى كم من قرية ركنوا إلى الغفلة، واغتروا بطول المهلة باتوا فى (خفض) «٤» الدعة وأصبحوا وقد صادفتهم البلايا بغتة، وأدركتهم القضية فجأة، فلا بلاء كشف عنهم، ولا دعاء سمع لهم، ولا فرار نفعهم، ولا صريخ أنقذهم. فما زالوا يفزعون إلى الابتهال، ويصيحون:
الويل! ويدعون إلى كشف الضر، ويبكون من مسّ السوء؟! بادوا وكأنه لا عين ولا أثر، ولا لأحد منهم (خبر) «٥». تلك سنّة الله فى الذين خلوا من الكافرين، وعادته فى الماضين من الماردين.
وقال: «أسألك لذة النظر» «٣» وصاحب اللذة لا يكون له حرج.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣]
اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٣)
استسلموا لمطالبات التقدير، قفوا حيثما وقفتم، وتحققوا بما عرفتم، وطالعوا بما كوشفتم، ولا تلاحظوا غيرا، ولا تركنوا إلى علّة، ولا تظنوا أن لكم من دونه وسيلة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤ الى ٥]
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥)
يعنى كم من قرية ركنوا إلى الغفلة، واغتروا بطول المهلة باتوا فى (خفض) «٤» الدعة وأصبحوا وقد صادفتهم البلايا بغتة، وأدركتهم القضية فجأة، فلا بلاء كشف عنهم، ولا دعاء سمع لهم، ولا فرار نفعهم، ولا صريخ أنقذهم. فما زالوا يفزعون إلى الابتهال، ويصيحون:
الويل! ويدعون إلى كشف الضر، ويبكون من مسّ السوء؟! بادوا وكأنه لا عين ولا أثر، ولا لأحد منهم (خبر) «٥». تلك سنّة الله فى الذين خلوا من الكافرين، وعادته فى الماضين من الماردين.
(١) آية ١ سورة الشرح.
(٢) فى رواية سعيد بن منصور فى سننه عن ابن سعد بن الحسن مرسلا: (تنام عيناى ولا ينام قلبى) ص ١٢٠ الجامع الصغير.
(٣) وردت ضمن وعاء طويل رواه النسائي فى سننه والحاكم فى مستدركه عن عمار بن ياسر- هكذا (... وأسألك لذة النظر الى وجهك). [.....]
(٤) وردت (حفض) بالحاء والصواب أن تكون (خفض العيش) بالخاء.
(٥) وردت (خير) بالياء والصواب أن تكون (خبر) بالباء.
(٢) فى رواية سعيد بن منصور فى سننه عن ابن سعد بن الحسن مرسلا: (تنام عيناى ولا ينام قلبى) ص ١٢٠ الجامع الصغير.
(٣) وردت ضمن وعاء طويل رواه النسائي فى سننه والحاكم فى مستدركه عن عمار بن ياسر- هكذا (... وأسألك لذة النظر الى وجهك). [.....]
(٤) وردت (حفض) بالحاء والصواب أن تكون (خفض العيش) بالخاء.
(٥) وردت (خير) بالياء والصواب أن تكون (خبر) بالباء.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦]
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)
«فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ» : سؤال تعنيف وتعذيب.
«وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ» : سؤال تشريف وتقريب.
«فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ» عن القبول فيتقنّعون بذل الخجل.
«وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ» عن البلاغ فيتكلمون ببيان الهيبة، فالكلّ بسمة العبودية والتوقير، والحقّ بنعت الكبرياء والتقدير.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧]
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧)
فلنخبرنهم يوم الفصل ما هم عليه اليوم، ونوقفهم على ما أسلفوه، ونقيمنهم فى مقام الصّغار ومحل الخزي، وسيعلمون أنه لم يغب عن علمنا صغير ولا كبير.
ويقال أجرى الحقّ- سبحانه- سنّته بتخويف العباد بعلمه مرة كما خوّفهم بعقوبته تارة فقال تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْماً» «١» يعنى العذاب الواقع فى ذلك اليوم، وقال فى موضع آخر:
«وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» «٢» وهذا أبلغ فى التخويف، وقال «أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى» «٣».
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨ الى ٩]
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩)
يزن أعمالهم بميزان الإخلاص، وأحوالهم بميزان الصدق. فمن كانت أعمالهم بالرياء
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦]
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦)
«فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ» : سؤال تعنيف وتعذيب.
«وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ» : سؤال تشريف وتقريب.
«فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ» عن القبول فيتقنّعون بذل الخجل.
«وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ» عن البلاغ فيتكلمون ببيان الهيبة، فالكلّ بسمة العبودية والتوقير، والحقّ بنعت الكبرياء والتقدير.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧]
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧)
فلنخبرنهم يوم الفصل ما هم عليه اليوم، ونوقفهم على ما أسلفوه، ونقيمنهم فى مقام الصّغار ومحل الخزي، وسيعلمون أنه لم يغب عن علمنا صغير ولا كبير.
ويقال أجرى الحقّ- سبحانه- سنّته بتخويف العباد بعلمه مرة كما خوّفهم بعقوبته تارة فقال تعالى: «وَاتَّقُوا يَوْماً» «١» يعنى العذاب الواقع فى ذلك اليوم، وقال فى موضع آخر:
«وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ» «٢» وهذا أبلغ فى التخويف، وقال «أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى» «٣».
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨ الى ٩]
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨) وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩)
يزن أعمالهم بميزان الإخلاص، وأحوالهم بميزان الصدق. فمن كانت أعمالهم بالرياء
(١) آية ٤٨ سورة البقرة.
(٢) آية ٢٨ سورة آل عمران.
(٣) آية ١٤ سورة العلق.
(٢) آية ٢٨ سورة آل عمران.
(٣) آية ١٤ سورة العلق.
مصحوبة لم يقبل أعمالهم، ومن كانت أحوالهم بالاعجاب مشوبة لم يرفع أحوالهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠)
سهّلنا عليكم أسباب المعيشة، ويسّرنا لكم أحوال التصرف، ثم أراد منكم أن تتخذوا إليه سبيلا، ولم يعتص عليه مراد.
«قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» لاستعمالكم- فى الخلاف- أبدانكم، ولإنفاقكم- بالإسراف- أحوالكم، ولاستغراقكم- فى الحظوظ- أوقاتكم. فلا نعمة الفراغ شكرتم، ولا من مسّ العقوبة شكوتم... خسرتم وما شعرتم! قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١]
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
ثبّتناكم على النعت الذي أردناكم، وأقمناكم فى الشواهد التي اخترنا لكم فمن قبيح صورته خلقا ومن مليح، ومن سقيم حالته خلقا «١»، ومن صحيح. ثم إنا نعرفكم سابق أيادينا إلى أبيكم، ثم لاحق خلافه بما بقي عرق منه فيكم، ثم ما علمنا به (من مكان يحسدكم) «٢» ويعاديكم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢]
قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)
أي لولا قهر الربوبية جرى عليك وإلا فما موجب امتناعك عن السجود لآدم لو كنت تعظّم أمرى؟ فيتحقق الموحّدون أن موجب امتناعه عن السجود الخذلان الحاصل، ولو ساعده التوفيق لم يبرح بعد من السجود.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠]
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (١٠)
سهّلنا عليكم أسباب المعيشة، ويسّرنا لكم أحوال التصرف، ثم أراد منكم أن تتخذوا إليه سبيلا، ولم يعتص عليه مراد.
«قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ» لاستعمالكم- فى الخلاف- أبدانكم، ولإنفاقكم- بالإسراف- أحوالكم، ولاستغراقكم- فى الحظوظ- أوقاتكم. فلا نعمة الفراغ شكرتم، ولا من مسّ العقوبة شكوتم... خسرتم وما شعرتم! قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١١]
وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)
ثبّتناكم على النعت الذي أردناكم، وأقمناكم فى الشواهد التي اخترنا لكم فمن قبيح صورته خلقا ومن مليح، ومن سقيم حالته خلقا «١»، ومن صحيح. ثم إنا نعرفكم سابق أيادينا إلى أبيكم، ثم لاحق خلافه بما بقي عرق منه فيكم، ثم ما علمنا به (من مكان يحسدكم) «٢» ويعاديكم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢]
قالَ ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)
أي لولا قهر الربوبية جرى عليك وإلا فما موجب امتناعك عن السجود لآدم لو كنت تعظّم أمرى؟ فيتحقق الموحّدون أن موجب امتناعه عن السجود الخذلان الحاصل، ولو ساعده التوفيق لم يبرح بعد من السجود.
(١) ضبطنا خلقا وخلقا حسبما يتطلبه السياق
(٢) هكذا فى ص ونرجح أن الناسخ قد اخطأ فى النقل فما بين قوسين لا معنى له، وربما كانت فى الأصل (ثم ما علمنا بمن كان يحسدكم ويعاديكم) والمقصود إبليس كما فى الآية
(٢) هكذا فى ص ونرجح أن الناسخ قد اخطأ فى النقل فما بين قوسين لا معنى له، وربما كانت فى الأصل (ثم ما علمنا بمن كان يحسدكم ويعاديكم) والمقصود إبليس كما فى الآية
قال: «أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ» ادّعى الخيرية، وكان الواجب عليه- لولا الشقوة- أن يؤثر التذلّل على التكبّر، لا سيما والخطاب الوارد عليه من الحقّ.
ثم إنه وإن سلك طريق القياس فلا وجه له مع النّفس لأنه بحظ، فلم يزده قياسه إلا فى استحقاق نفيه إذ ادّعى الخيرية بجوهره «١»، ولم يعلم أن الخيرية بحكمه- سبحانه- وقسمته.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣]
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣)
فارق بساط القربة فإنّ التكبّر والترفّع على البساط ترك للأدب، وترك الأدب يوجب الطرد.
ويقال من رأى لنفسه محلا أو قيمة فهو متكبّر، والمتكبّر بعيد عن الحق سبحانه، ورؤية المقام قدح فى الربوبية إذ لا قدر لغيره تعالى، فمن ادّعى لنفسه محلا فقد نازع الربوبية.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤ الى ١٥]
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)
أجاب دعاءه فى الحال ولكن كان ذلك مكرا به لأنه مكّنه من مخالفة أمره إلى يوم القيامة، فلم يزده بذلك التمكين إلا شقوة. ليعلم الكافة أنه ليس كل إجابة للدعاء نعمة ولطفا بل قد تكون بلاء ومكرا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦]
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)
جاهر الحقيقة بالخلاف بعد ما أظهر من نفسه غاية الخلوص فى العبودية، فعلم أن جميع ما كان منه فى (سالف) «٢» حاله لم يصدر عن الإخلاص والصدق.
ثم إنه وإن سلك طريق القياس فلا وجه له مع النّفس لأنه بحظ، فلم يزده قياسه إلا فى استحقاق نفيه إذ ادّعى الخيرية بجوهره «١»، ولم يعلم أن الخيرية بحكمه- سبحانه- وقسمته.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣]
قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (١٣)
فارق بساط القربة فإنّ التكبّر والترفّع على البساط ترك للأدب، وترك الأدب يوجب الطرد.
ويقال من رأى لنفسه محلا أو قيمة فهو متكبّر، والمتكبّر بعيد عن الحق سبحانه، ورؤية المقام قدح فى الربوبية إذ لا قدر لغيره تعالى، فمن ادّعى لنفسه محلا فقد نازع الربوبية.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٤ الى ١٥]
قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)
أجاب دعاءه فى الحال ولكن كان ذلك مكرا به لأنه مكّنه من مخالفة أمره إلى يوم القيامة، فلم يزده بذلك التمكين إلا شقوة. ليعلم الكافة أنه ليس كل إجابة للدعاء نعمة ولطفا بل قد تكون بلاء ومكرا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦]
قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)
جاهر الحقيقة بالخلاف بعد ما أظهر من نفسه غاية الخلوص فى العبودية، فعلم أن جميع ما كان منه فى (سالف) «٢» حاله لم يصدر عن الإخلاص والصدق.
(١) حيث اعتبر النار خيرا من الطين.
(٢) وردت (سالك) والصواب أن تكون (سالف) اى سابق عهده قبل عصيانه.
(٢) وردت (سالك) والصواب أن تكون (سالف) اى سابق عهده قبل عصيانه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧]
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)
أخبر أنه يأخذ عليهم جوانبهم، ويتسلط عليهم من جميع جهاتهم، ولم يعلم أن الحقّ سبحانه قادر على حفظهم عنه، فإنّ ما يكيد بهم من القدرة حصل، وبالمشيئة يوجد، ولو كان الأمر به أو إليه لكان أولى الخلق بأن يؤثّر فيه كدحه نفسه، وحيث لم ينفعه جهده فى سالف أحواله لم يضرهم كيده بما توعدهم به من سوء أفعاله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨]
قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨)
أخرجه من درجته، ومن حالته ورتبته، ونقله إلى ما استوجبه من طرده ولعنته، ثم تخليده أبدا فى عقوبته، ولا يذيقه ذرة من برد رحمته، فأصبح وهو مقدّم على الجملة، وأمسى وهو أبعد الزّمرة، وهذه آثار قهر العزّة. فأىّ كبد يسمع هذه القصة ثم لا يتفتت؟!.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩]
وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)
لما أسكن آدم الجنة خلق معه سبب الفتنة، وهو ما أكرمه به من الزوجة. وأي نقص يكون فى الجنة لو لم يخلق فيها تلك الشجرة التي هى شجرة المحنة لولا ما أخفى من سرّ القسمة؟.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠]
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)
نسبته ما حصل منهما إلى الشيطان من أمارات العناية، كانت الخطيئة منهما لكنّه تعالى قال: «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ».
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٧]
ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)
أخبر أنه يأخذ عليهم جوانبهم، ويتسلط عليهم من جميع جهاتهم، ولم يعلم أن الحقّ سبحانه قادر على حفظهم عنه، فإنّ ما يكيد بهم من القدرة حصل، وبالمشيئة يوجد، ولو كان الأمر به أو إليه لكان أولى الخلق بأن يؤثّر فيه كدحه نفسه، وحيث لم ينفعه جهده فى سالف أحواله لم يضرهم كيده بما توعدهم به من سوء أفعاله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٨]
قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨)
أخرجه من درجته، ومن حالته ورتبته، ونقله إلى ما استوجبه من طرده ولعنته، ثم تخليده أبدا فى عقوبته، ولا يذيقه ذرة من برد رحمته، فأصبح وهو مقدّم على الجملة، وأمسى وهو أبعد الزّمرة، وهذه آثار قهر العزّة. فأىّ كبد يسمع هذه القصة ثم لا يتفتت؟!.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٩]
وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)
لما أسكن آدم الجنة خلق معه سبب الفتنة، وهو ما أكرمه به من الزوجة. وأي نقص يكون فى الجنة لو لم يخلق فيها تلك الشجرة التي هى شجرة المحنة لولا ما أخفى من سرّ القسمة؟.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٠]
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)
نسبته ما حصل منهما إلى الشيطان من أمارات العناية، كانت الخطيئة منهما لكنّه تعالى قال: «فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ».
523
ويقال التقى آدم بإبليس بعد ذلك فقال له: يا شقىّ! وسوست إلىّ وفعلت!، فقال إبليس لآدم. يا آدم! هب أنّى كنت إبليسك فمن كان إبليسى!؟.
قوله جل ذكره: لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما.
وفى ذلك دلالة على عناية زائدة حيث قال: «لِيُبْدِيَ لَهُما» فلم يطلع على سوأتهما غيرهما.
قوله جل ذكره: وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.
تاقت أنفسهما إلى أن يكونا ملكين- لا لأن رتبة الملائكة كانت أعلى من رتبة آدم عليه السّلام- ولكن لانقطاع الشهوات والمنى عنهما.
ويقال لمّا طمعا فى الخلود وقعا فى الخمود، ووقعا فى البلاء والخوف وأصل كلّ محنة الطمع.
ويقال إذا كان الطمع فى الجنة- وهى دار الخلود- أوجب كلّ تلك المحن فالطمع فى الدنيا- التي هى دار الفناء- متى يسلم صاحبه من ذلك؟ ويقال إن يكونا إنما ركنا إلى الخلود فلا لنصيب أنفسهما، ولكن لأجل البقاء مع الله تعالى، وهذا أولى لأنه يوجب تنزيه محلّ النبوة. وقيل ساعات الوصال قصيرة وأيام الفراق طويلة، فما لبثا فى دار الوصلة إلّا بعضا من النهار دخلا ضحوة النهار وخرجا نصف النهار! ويقال إن الفراق عين تصيب أهل الوصلة، وفى معناه قال قائلهم:
ويقال حين تمّت لهما أسباب الوصلة، ووطّنا نفوسهما على دوام القربة بدا الفراق من مكامنه فأباد من شملهما (ما) «١» انتظم، كما قيل:
قوله جل ذكره: لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما.
وفى ذلك دلالة على عناية زائدة حيث قال: «لِيُبْدِيَ لَهُما» فلم يطلع على سوأتهما غيرهما.
قوله جل ذكره: وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ.
تاقت أنفسهما إلى أن يكونا ملكين- لا لأن رتبة الملائكة كانت أعلى من رتبة آدم عليه السّلام- ولكن لانقطاع الشهوات والمنى عنهما.
ويقال لمّا طمعا فى الخلود وقعا فى الخمود، ووقعا فى البلاء والخوف وأصل كلّ محنة الطمع.
ويقال إذا كان الطمع فى الجنة- وهى دار الخلود- أوجب كلّ تلك المحن فالطمع فى الدنيا- التي هى دار الفناء- متى يسلم صاحبه من ذلك؟ ويقال إن يكونا إنما ركنا إلى الخلود فلا لنصيب أنفسهما، ولكن لأجل البقاء مع الله تعالى، وهذا أولى لأنه يوجب تنزيه محلّ النبوة. وقيل ساعات الوصال قصيرة وأيام الفراق طويلة، فما لبثا فى دار الوصلة إلّا بعضا من النهار دخلا ضحوة النهار وخرجا نصف النهار! ويقال إن الفراق عين تصيب أهل الوصلة، وفى معناه قال قائلهم:
إن تكن عين أصابتك فما | إلا لأنّ العين تصيب الحسنا |
(١) وردت (فانتظم) والصواب (ما انتظم)
524
حين تمّ الهوى وقلنا سررنا | وحسبنا من الفراق أمنّا |
بعث البين رسله فى خفاء | فأبادوا من شملنا ما جمعنا |
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢١ الى ٢٢]
وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢)
(حسن ظنّ آدم- عليه السّلام- حمله على سكون قلبه إلى يمين العدو لأنه لم يخطر بباله أن يكذب فى يمينه بالله، ثم لمّا بان له أنه دلّاهما بغرور تاب إلى الله بصدق الندم، واعترف بأنه أساء وأجرم، فعلم- سبحانه- صدقه فيما ندم، فتداركه بجميل العفو والكرم) «١» قوله جل ذكره: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما.
لم يحصل استيفاء من الأكل والاستمتاع به للنفس حتى ظهرت تباشير العقاب، وتنغّص الحال، وكذا صفة من آثر على الحق- سبحانه- شيئا يبقيه عنه، فلا يكون له بما آثر استمتاع. وكذلك من ادّخر عن الله- سبحانه- نفسه أو ماله أو شيئا بوجه من الوجوه- لا يبارك الله فيه، قال تعالى فى صفة الأعداء: «خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ».
ويقال لمّا بدت سوأتهما احتالا فى السّتر، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة فبعدما كانت كسوتهما حلل الجنة ظلّا يستتران بورق الجنة، كما قيل:
لله درّهم من فتية بكروا | مثل الملوك، وراحوا كالمساكين |
لا تعجبوا لمذلتى فأنا الذي | عبث الزمان بمهجتي فأذلّها |
وكانت- على الأيام- نفسى عزيزة | فلمّا رأت صبرى على الذلّ ذلّت |
(١) ما بين القوسين موجود فى الهامش أثبتناه فى موضعه من المتن.
ولمّا أخرج آدم من الجنة وأسكن الأرض كلّف العمل والسعى والزرع والغرس، وكان لا يتجدد له حال إلا تجدّد بكاؤه، وجبريل- عليه السّلام- يأتيه ويقول: «أهذا الذي قيل لك: «إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى» ؟
فلم تعرف قدره. «فذق جزايا خلافك» فكان يسكن عن الجزع. ويقال بل الحكم بالخنوع كما قيل:
قوله جلّ ذكره: وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ.
كانت لا تصل يده إلى الأوراق حين أراد قطافها ليخصفها على نفسه، فلو لم تصل يده إلى تلك الشجرة- التي هى شجرة المحنة- لكان ذلك عناية بشأنه، ولكن وصلت يده إلى شجرة المحنة، تتمة للبلاء والفتنة، ولو لم تصل يده إلى شجرة الستر- إبلاغا فى القهر- لما خالف الأمر، ولما حصل ما حصل.
«وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ» : فكان ما داخلهما من الخجل أشدّ من كل عقوبة لأنهما لو كانا فى الغيبة عند سماع النداء فإن الحضور يوجب الهيبة، فلما ناداهما بالعتاب حلّ بهما من الخجل ما حلّ، وفى معناه أنشدوا:
واخجلتا من وقوفي وسط دارهم... إذ قال لى مغضبا: من أنت يا رجل؟.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٣]
قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)
اعترفا بالظلم جهرا، وعرفا الحكم فى ذلك سرّا فقولهما: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا» اعتراف بالظلم من حيث الشريعة، وعرفان بأن المدار على الحكم من حيث الحقيقة، فمن لم يعترف بظلم الخلق طوى الشريعة «١»، ومن لم يعرف جريان حكم الحق فقد جحد الحقيقة،
فلم تعرف قدره. «فذق جزايا خلافك» فكان يسكن عن الجزع. ويقال بل الحكم بالخنوع كما قيل:
وجاشت إلىّ النفس أوّل مرة | وزيدت على مكروهها فاستقرت |
كانت لا تصل يده إلى الأوراق حين أراد قطافها ليخصفها على نفسه، فلو لم تصل يده إلى تلك الشجرة- التي هى شجرة المحنة- لكان ذلك عناية بشأنه، ولكن وصلت يده إلى شجرة المحنة، تتمة للبلاء والفتنة، ولو لم تصل يده إلى شجرة الستر- إبلاغا فى القهر- لما خالف الأمر، ولما حصل ما حصل.
«وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ» : فكان ما داخلهما من الخجل أشدّ من كل عقوبة لأنهما لو كانا فى الغيبة عند سماع النداء فإن الحضور يوجب الهيبة، فلما ناداهما بالعتاب حلّ بهما من الخجل ما حلّ، وفى معناه أنشدوا:
واخجلتا من وقوفي وسط دارهم... إذ قال لى مغضبا: من أنت يا رجل؟.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٣]
قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)
اعترفا بالظلم جهرا، وعرفا الحكم فى ذلك سرّا فقولهما: «رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا» اعتراف بالظلم من حيث الشريعة، وعرفان بأن المدار على الحكم من حيث الحقيقة، فمن لم يعترف بظلم الخلق طوى الشريعة «١»، ومن لم يعرف جريان حكم الحق فقد جحد الحقيقة،
(١) حتى يكون الشر منسوبا للإنسان كسبا.
فلمّا أقرّا بالظلم قالا: «وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ» نطقا على عين التوحيد حيث لم يقولا بظلمنا خسرنا، بل قالا: فعلنا فإن لم تغفر لنا خسرنا، فبترك غفرانك تخسر لارتكاب ظلمنا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٤]
قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤)
أهبطهم، ولكنه أهبط إبليس عن رتبته فوقع فى اللعنة، وأهبط آدم عن بقعته فتداركته الرحمة.
ويقال لم يخرج آدم عليه السّلام من رتبة الفضيلة وإن أخرج عن دار الكرامة، فلذلك قال الله تعالى: «ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ» وأما إبليس- لعنة الله عليه- فإنه أخرج من الحالة والرتبة فلم ينتعش قط عن تلك السّقطة.
قوله جل ذكره: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ.
«وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» هذا عام «وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» : أراد به إبليس على الخصوص.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٥]
قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥)
أخبر أنه يستقبلهم اختلاف الأحوال فى الدنيا، ويتعاقب عليهم تفاوت الأطوار، فمن عسر ومن يسر، ومن خير ومن شر، ومن حياة ومن موت، ومن ظفر ومن فوت...
إلى غير ذلك من الأحوال.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٦]
يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)
سترناكم عن الأسباب الظاهرة، ويسّرنا لكم ما تدفعون به صنوف المضار عنكم بما مكّنّا لكم من وجوه المنافع.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٤]
قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤)
أهبطهم، ولكنه أهبط إبليس عن رتبته فوقع فى اللعنة، وأهبط آدم عن بقعته فتداركته الرحمة.
ويقال لم يخرج آدم عليه السّلام من رتبة الفضيلة وإن أخرج عن دار الكرامة، فلذلك قال الله تعالى: «ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ» وأما إبليس- لعنة الله عليه- فإنه أخرج من الحالة والرتبة فلم ينتعش قط عن تلك السّقطة.
قوله جل ذكره: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ.
«وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ» هذا عام «وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» : أراد به إبليس على الخصوص.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٥]
قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥)
أخبر أنه يستقبلهم اختلاف الأحوال فى الدنيا، ويتعاقب عليهم تفاوت الأطوار، فمن عسر ومن يسر، ومن خير ومن شر، ومن حياة ومن موت، ومن ظفر ومن فوت...
إلى غير ذلك من الأحوال.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٦]
يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)
سترناكم عن الأسباب الظاهرة، ويسّرنا لكم ما تدفعون به صنوف المضار عنكم بما مكّنّا لكم من وجوه المنافع.
ثم قال: «وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ» فإن اللباس الظاهر بقي آفات الدنيا، ولباس التقوى يصون عن الآفات التي توجب سخط المولى، ولباس التقوى بجميع أجزاء العبد وأعضائه. وللنّفس لباس من التقوى وهو بذل الجهد والروح والقلب، لباس من التقوى وهو صدق القصد بنفي الطمع. وللروح لباس من التقوى وهو ترك العلائق وحذف العوائق.
وللسرّ لباس من التقوى وهو نفى المساكنات والتصاون من الملاحظات.
ويقال تقوى العبّاد ترك الحرام، وتقوى العارفين نفى مساكنة الأنام. ويقال للعوام التقوى، وللخواص لباس التقوى عن شهود التقوى.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٧]
يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)
من أصغى إلى وساوس نفسه بأسماع الهوى وجد الشكّ بين وسواس الشيطان وهاجس النّفس، ويتناصر الوسواس والهاجس وتصير خواطر القلب وزواجر العلم مغمورة مقهورة- فعن قريب تشمل تلك الهواجس والوساوس صاحبها، وينخرط فى سلك موافقة الهوى فيسقط فى مهواة الزلة، فإذا لم يحصل تدارك بوشيك التوبة صارت الحالة قسوة فى القلب، وإذا قسا القلب فارقته الحياة وتمّ له البلاء.
قوله جل ذكره: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ.
لا يحصل للعبد احتراس من رؤية الشيطان إياه وهو عنه غائب إلا برؤية العبد للحق- سبحانه- بقلبه، فيستغيث إليه من كيده، فيدخله- سبحانه- فى كنف عنايته فيجد الخلاص من مكر الشيطان.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٨]
وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨)
وللسرّ لباس من التقوى وهو نفى المساكنات والتصاون من الملاحظات.
ويقال تقوى العبّاد ترك الحرام، وتقوى العارفين نفى مساكنة الأنام. ويقال للعوام التقوى، وللخواص لباس التقوى عن شهود التقوى.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٧]
يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧)
من أصغى إلى وساوس نفسه بأسماع الهوى وجد الشكّ بين وسواس الشيطان وهاجس النّفس، ويتناصر الوسواس والهاجس وتصير خواطر القلب وزواجر العلم مغمورة مقهورة- فعن قريب تشمل تلك الهواجس والوساوس صاحبها، وينخرط فى سلك موافقة الهوى فيسقط فى مهواة الزلة، فإذا لم يحصل تدارك بوشيك التوبة صارت الحالة قسوة فى القلب، وإذا قسا القلب فارقته الحياة وتمّ له البلاء.
قوله جل ذكره: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ.
لا يحصل للعبد احتراس من رؤية الشيطان إياه وهو عنه غائب إلا برؤية العبد للحق- سبحانه- بقلبه، فيستغيث إليه من كيده، فيدخله- سبحانه- فى كنف عنايته فيجد الخلاص من مكر الشيطان.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٢٨]
وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨)
استروحوا فى التعلل إلى سلوكهم نهج أسلافهم، فاستمسكوا بحبل واه فزلّت بهم أقدام الغرور، وقعوا فى وهدة المحنة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)
القسط العدل، ويقع ذلك فى حق الله تعالى، وفى حق الخلق، وفى حق نفسك فالعدل فى حقّ الله الوقوف على حدّ الأمر من غير تقصير فى المأمور به أو إقدام على المنهىّ عنه، ثم ألا تدخر عنه شيئا مما خوّلك، ثم لا تؤثر عليه شيئا فيما أحلّ لك. وأمّا العدل مع الخلق- فعلى لسان العلم- بذل الإنصاف، وعلى موجب الفتوة ترك الانتصاف. وأمّا العدل فى حق نفسك فإدخال العتق عليها، وسدّ أبواب الراحة بكل وجه عليها، والنهوض بخلافها على عموم الأحوال فى كل نفس.
قوله جل ذكره: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
الإشارة منه إلى استدامة (شهوده فى كل حالة، وألا تنساه لحظة فى كلّ ما تأتيه وتذره وتقدمه) «١» وتؤخره.
قوله جل ذكره: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.
من كانت قسمته- سبحانه- له بالسعادة كانت فطرته على السعادة، وكانت حالته بنعت السعادة، ومن كانت حالته بنعت السعادة كانت عاقبته إلى السعادة، ومن كانت القسمة له بالعكس فالحالة بالضد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان بحالة لقى الله بها».
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)
القسط العدل، ويقع ذلك فى حق الله تعالى، وفى حق الخلق، وفى حق نفسك فالعدل فى حقّ الله الوقوف على حدّ الأمر من غير تقصير فى المأمور به أو إقدام على المنهىّ عنه، ثم ألا تدخر عنه شيئا مما خوّلك، ثم لا تؤثر عليه شيئا فيما أحلّ لك. وأمّا العدل مع الخلق- فعلى لسان العلم- بذل الإنصاف، وعلى موجب الفتوة ترك الانتصاف. وأمّا العدل فى حق نفسك فإدخال العتق عليها، وسدّ أبواب الراحة بكل وجه عليها، والنهوض بخلافها على عموم الأحوال فى كل نفس.
قوله جل ذكره: وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.
الإشارة منه إلى استدامة (شهوده فى كل حالة، وألا تنساه لحظة فى كلّ ما تأتيه وتذره وتقدمه) «١» وتؤخره.
قوله جل ذكره: كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ.
من كانت قسمته- سبحانه- له بالسعادة كانت فطرته على السعادة، وكانت حالته بنعت السعادة، ومن كانت حالته بنعت السعادة كانت عاقبته إلى السعادة، ومن كانت القسمة له بالعكس فالحالة بالضد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان بحالة لقى الله بها».
(١) ما بين القوسين موجود فى الهامش أثبتناه فى موضعه من النص.
وجملة العلم بالقضاء والقدر أن يتحقق أنه علم ما يكون أنه كيف يكون، وأراد أن يكون كما علم. وما علم ألا يكون- مما جاز أن يكون أراده ألا يكون- أخبر أنه لا يكون.
وهو على وجه الذي أخبر، وقضى على العبد وقدّر أجرى عليه ما سبق به الحكم، وعلى ما قضى عليه حصل العبد على ذلك الوصف..
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣١]
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)
على لسان العلم: يجب ستر العورة فى الصلاة، وعلى موجب الإشارة: زينة العبد بحضور الحضرة، ولزوم السّدّة، واستدامة شهود الحقيقة.
ويقال زينة نفوس العابدين آثار السجود، وزينة قلوب العارفين أنوار الوجود فالعابد على الباب بنعت العبودية، والعارف على البساط بحكم الحرية. وشتّان بين عبد وعبد! قوله جل ذكره: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
الإسراف ما تناولته لك ولو بقدر سمسمة.
ويقال الإسراف هو التعدي عن حدّ الاضطرار فيما يتضمن نصيبا لك أو حظّا بأى وجه كان.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٢]
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)
الإشارة منها إلى زينة السرائر فزينة العابدين آثار التوفيق، وزينة الواجدين أنوار التحقيق، وزينة القاصدين ترك العادة، وزينة العابدين حسن العبادة.
وهو على وجه الذي أخبر، وقضى على العبد وقدّر أجرى عليه ما سبق به الحكم، وعلى ما قضى عليه حصل العبد على ذلك الوصف..
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣١]
يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)
على لسان العلم: يجب ستر العورة فى الصلاة، وعلى موجب الإشارة: زينة العبد بحضور الحضرة، ولزوم السّدّة، واستدامة شهود الحقيقة.
ويقال زينة نفوس العابدين آثار السجود، وزينة قلوب العارفين أنوار الوجود فالعابد على الباب بنعت العبودية، والعارف على البساط بحكم الحرية. وشتّان بين عبد وعبد! قوله جل ذكره: وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ.
الإسراف ما تناولته لك ولو بقدر سمسمة.
ويقال الإسراف هو التعدي عن حدّ الاضطرار فيما يتضمن نصيبا لك أو حظّا بأى وجه كان.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٢]
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)
الإشارة منها إلى زينة السرائر فزينة العابدين آثار التوفيق، وزينة الواجدين أنوار التحقيق، وزينة القاصدين ترك العادة، وزينة العابدين حسن العبادة.
ويقال زينة النفوس صدار الخدمة، وزينة القلوب حفظ الحرمة، وزينة الأرواح الإطراق بالحضرة باستدامة الهيبة والحشمة.
ويقال زينة اللسان الذكر وزينة القلب الشكر.
ويقال زينة الظاهر السجود وزينة الباطن الشهود.
ويقال زينة النفوس حسن المعاملة من حيث المجاهدات، وزينة القلوب دوام المواصلة من حيث المشاهدات.
ومعنى قوله: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي....» يعنى إن الله لم يمنع هذه الزينة عمن تعرض لوجدانها، فمن تصدى لطلبها فهى مباحة له من غير تأخير قصود.
قوله جل ذكره: وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ.
أرزاق النفوس بحكم أفضاله سبحانه، وأرزاق القلوب بموجب إقباله تعالى.
ويقال أرزاق المريدين إلهام ذكر الله، وأرزاق العارفين الإكرام بنسيان ما سوى الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٣]
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)
ما ظهر منها الزّلّة، وما بطن منها الغفلة.
ويقال ما ظهر منها كان بنسيان الشريعة، وما بطن بإشارة الحقيقة.
ويقال لقوم ترك الرخص يكون علة، والأولى بهم والأفضل لهم الأخذ به. وقوم لو ركنوا إلى الرّخص لقامت عليهم القيامة.
ويقال فاحشة الخواص تتبع ما لأنفسهم فيه نصيب ولو بذرة أو سنّة.
ويقال فاحشة الأحباب الصبر على المحبوب «١»
ويقال زينة اللسان الذكر وزينة القلب الشكر.
ويقال زينة الظاهر السجود وزينة الباطن الشهود.
ويقال زينة النفوس حسن المعاملة من حيث المجاهدات، وزينة القلوب دوام المواصلة من حيث المشاهدات.
ومعنى قوله: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي....» يعنى إن الله لم يمنع هذه الزينة عمن تعرض لوجدانها، فمن تصدى لطلبها فهى مباحة له من غير تأخير قصود.
قوله جل ذكره: وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ.
أرزاق النفوس بحكم أفضاله سبحانه، وأرزاق القلوب بموجب إقباله تعالى.
ويقال أرزاق المريدين إلهام ذكر الله، وأرزاق العارفين الإكرام بنسيان ما سوى الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٣]
قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)
ما ظهر منها الزّلّة، وما بطن منها الغفلة.
ويقال ما ظهر منها كان بنسيان الشريعة، وما بطن بإشارة الحقيقة.
ويقال لقوم ترك الرخص يكون علة، والأولى بهم والأفضل لهم الأخذ به. وقوم لو ركنوا إلى الرّخص لقامت عليهم القيامة.
ويقال فاحشة الخواص تتبع ما لأنفسهم فيه نصيب ولو بذرة أو سنّة.
ويقال فاحشة الأحباب الصبر على المحبوب «١»
(١) لأنهم عندئذ يستطيعون الصبر بعيدا عن رضا محبوبهم عزّ وجلّ. (الرسالة ص ١٦٢) [.....]
ويقال فاحشة الأحباب أن تبقى حيّا وقد منيت بالفراق، قال قائلهم:
لا عيش بعد فراقهم... هدا هو الخطب الأجلّ
ويقال فاحشة قوم أن يلاحظوا غيرا بعين الاستحقاق، قال قائلهم:
يا قرّة العين سل عينى هل اكتحلت... بمنظر حسن مذغبت عن عينى؟
ويقال فاحشة قوم أن تبقى لهم قطرة من الدمع ولم يسكبوها للفرقة، أو يبقى لهم نفس لم يتنفّسوا به فى حسرة، وفى معناه أنشدوا:
لئن بقيت فى العين منّى دمعة... فإنى إذا فى العاشقين دخيل
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٤]
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)
لكلّ قوم مدة مضروبة، فإذا تناهت تلك المدة زالت تلك الحالة فلنعمة المترفين مدّة، فإذا زالت فليس بعدها إلا الشدّة، ولمحنة المستضعفين مدة فإذا انقضت تلك المدة زالت تلك الشدة.
ويقال إذا سقط قرص الشمس زال سلطان النهار فلا يزداد بعده إلا تراكم الظلمة، فإذا ارتحلت عساكر الظلام بطلوع الفجر فبعد ذلك لا تبقى فيه للنهار تهمة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٥]
يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥)
إذا أتاكم الرّسل فلا تركنوا إلى مجوزات الظنون، واحملوا الأمر على الجدّ فإنّا- مع استغنائنا عن الأغيار، وتقدّسنا عن المنافع والمضار- نطالب بالقليل والكثير، ونحاسب على النقير والقطمير.
لا عيش بعد فراقهم... هدا هو الخطب الأجلّ
ويقال فاحشة قوم أن يلاحظوا غيرا بعين الاستحقاق، قال قائلهم:
يا قرّة العين سل عينى هل اكتحلت... بمنظر حسن مذغبت عن عينى؟
ويقال فاحشة قوم أن تبقى لهم قطرة من الدمع ولم يسكبوها للفرقة، أو يبقى لهم نفس لم يتنفّسوا به فى حسرة، وفى معناه أنشدوا:
لئن بقيت فى العين منّى دمعة... فإنى إذا فى العاشقين دخيل
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٤]
وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)
لكلّ قوم مدة مضروبة، فإذا تناهت تلك المدة زالت تلك الحالة فلنعمة المترفين مدّة، فإذا زالت فليس بعدها إلا الشدّة، ولمحنة المستضعفين مدة فإذا انقضت تلك المدة زالت تلك الشدة.
ويقال إذا سقط قرص الشمس زال سلطان النهار فلا يزداد بعده إلا تراكم الظلمة، فإذا ارتحلت عساكر الظلام بطلوع الفجر فبعد ذلك لا تبقى فيه للنهار تهمة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٥]
يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥)
إذا أتاكم الرّسل فلا تركنوا إلى مجوزات الظنون، واحملوا الأمر على الجدّ فإنّا- مع استغنائنا عن الأغيار، وتقدّسنا عن المنافع والمضار- نطالب بالقليل والكثير، ونحاسب على النقير والقطمير.
ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﰣ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓ
ﰤ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ
ﰥ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ
ﰦ
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٦]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦)
من قابل ربوبيتنا بالجحد، وحكمنا بالرد، لقى الهوان، وقاسى الآلام والأحزان، ثم العجز يلجئه إلى الخنوع، ولكن بعد ألا ينفع ولا يسمع «١» قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٧]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧)
يصيبهم من الكتاب ما سبق لهم به الحكم، فمن جرى بسعادته الحكم وقع عليه رقم السعادة، ومن سبق بشقاوته الحكم حقّ عليه علم الشقاوة.
ويقال من سبقت له قسمة السعادة فلو وقع فى قعر اللّظى تداركته العناية وأخرجته الرحمة، ومن سبقت له قسمة الشقاوة.. فلو نزل الفراديس تداركته السخطة وأخرجته اللعنة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٦]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦)
من قابل ربوبيتنا بالجحد، وحكمنا بالرد، لقى الهوان، وقاسى الآلام والأحزان، ثم العجز يلجئه إلى الخنوع، ولكن بعد ألا ينفع ولا يسمع «١» قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٧]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧)
يصيبهم من الكتاب ما سبق لهم به الحكم، فمن جرى بسعادته الحكم وقع عليه رقم السعادة، ومن سبق بشقاوته الحكم حقّ عليه علم الشقاوة.
ويقال من سبقت له قسمة السعادة فلو وقع فى قعر اللّظى تداركته العناية وأخرجته الرحمة، ومن سبقت له قسمة الشقاوة.. فلو نزل الفراديس تداركته السخطة وأخرجته اللعنة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)
(١) توضح هذه العبارة فى ضوء ما سيرد بعد قليل هكذا: (ولكن بعد الا ينفعهم بكاء ولا يسمع لهم دعاء).
آثار إعراض الحق عنهم أورثت لهم وحشة الوقت تبرّم بعضهم ببعض، وضاق كلّ واحد منهم عن كل شىء حتى عن نفسه، فدعا بعضهم على بعض، وتبرّأ بعضهم من بعض، وكذلك صفة المطرودين.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٠]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠)
فلا دعاؤهم يسمع، ولا بكاؤهم ينفع، ولا بلاؤهم يكشف، ولا عناؤهم يرفع.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤١]
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)
كما أحاطت العقوبات بهم فى الدنيا فتدنّس بالغفلة باطنهم، وتلوّث بالزّلة ظاهرهم «١»، فكذلك أحاطت العقوبات بجوانبهم فمن فوقهم عذاب ومن تحتهم عذاب، وكذلك من جوانبهم فى القلب من ضيق العيش واستيلاء الوحشة ما يفى ويزيد على الكل.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٠]
إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠)
فلا دعاؤهم يسمع، ولا بكاؤهم ينفع، ولا بلاؤهم يكشف، ولا عناؤهم يرفع.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤١]
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)
كما أحاطت العقوبات بهم فى الدنيا فتدنّس بالغفلة باطنهم، وتلوّث بالزّلة ظاهرهم «١»، فكذلك أحاطت العقوبات بجوانبهم فمن فوقهم عذاب ومن تحتهم عذاب، وكذلك من جوانبهم فى القلب من ضيق العيش واستيلاء الوحشة ما يفى ويزيد على الكل.
(١) نذكّر أن القشيري منذ قليل أوضح أن (ما ظهر من الفواحش هى الزلة وما بطن منها هى الغفلة)
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٢]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢)
رفعنا عن ظاهرهم وباطنهم كلفة العمل فيسّرنا عليهم الطاعات بحسن التوفيق، وخفّفنا عنهم العبادات بتقليل التكليف.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٣]
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)
طهرنا قلوبهم من كل غش، واستخلصنا أسرارهم عن كل آفة. وطهّر قلوب العارفين من كل حظ وعلاقة، كما طهّر قلوب الزاهدين عن كل رغبة ومنية، وطهّر قلوب العابدين عن كل تهمة وشهوة، وطهّر قلوب المحبين عن محبة كل مخلوق وعن غل الصدر- كل واحد على قدر رتبته.
ويقال لمّا خلق الجنة وكل ترتيبها إلى رضوان، والعرش ولى حفظه إلى الجملة «١»، والكعبة سلّم مفتاحها إلى بنى شيبة، وأمّا تطهير صدور المؤمنين فتولّاه بنفسه.
وقال: «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ».
ويقال إذا كان نزع الغل من الصدور من قبله فلا محلّ للغرم الذي لزمهم بسبب الخصوم حيث كان منه سبحانه وجه أدائه.
قوله جل ذكره: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ.
فى قولهم اعتراف منهم وإقرار بأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من جزيل تلك العطيات،
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٢]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢)
رفعنا عن ظاهرهم وباطنهم كلفة العمل فيسّرنا عليهم الطاعات بحسن التوفيق، وخفّفنا عنهم العبادات بتقليل التكليف.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٣]
وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)
طهرنا قلوبهم من كل غش، واستخلصنا أسرارهم عن كل آفة. وطهّر قلوب العارفين من كل حظ وعلاقة، كما طهّر قلوب الزاهدين عن كل رغبة ومنية، وطهّر قلوب العابدين عن كل تهمة وشهوة، وطهّر قلوب المحبين عن محبة كل مخلوق وعن غل الصدر- كل واحد على قدر رتبته.
ويقال لمّا خلق الجنة وكل ترتيبها إلى رضوان، والعرش ولى حفظه إلى الجملة «١»، والكعبة سلّم مفتاحها إلى بنى شيبة، وأمّا تطهير صدور المؤمنين فتولّاه بنفسه.
وقال: «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ».
ويقال إذا كان نزع الغل من الصدور من قبله فلا محلّ للغرم الذي لزمهم بسبب الخصوم حيث كان منه سبحانه وجه أدائه.
قوله جل ذكره: وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ.
فى قولهم اعتراف منهم وإقرار بأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من جزيل تلك العطيات،
(١) هل المقصود بها جملة الملائكة إشارة إلى قوله تعالى: «وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... ؟
وعظيم تلك الرتب والمقامات بجهدهم واستحقاق فعلهم، وإنما ذلك أجمع ابتداء فضل منه ولطف.
قوله جل ذكره: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
تسكين لقلوبهم، وتطييب لهم، وإلا فإذا رأوا تلك الدرجات علموا أن أعمالهم المشوبة بالتقصير لم توجب لهم كل تلك الدرجات.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥)
اعترف أهل النار بحقيقة الدّين، وأقروا بسوء ما عملوا، ولكن حين لم ينفعهم إقرار بحال من الأحوال.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٦]
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦)
ذلك الحجاب الذي بينهما حصل من الحجاب السابق لمّا حجبوا فى الابتداء «١» فى سابق القسمة عما خصّ به المؤمنون من القربة والزلفة حجبوا فى الانتهاء عما خصّ به السعداء من المغفرة والرحمة.
ويقال حجاب وأي حجاب! لا يرفع بحيلة ولا تنفع معه وسيلة.
حجاب سبق به الحكم قبل الطاعة والجرم.
قوله جل ذكره: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
تسكين لقلوبهم، وتطييب لهم، وإلا فإذا رأوا تلك الدرجات علموا أن أعمالهم المشوبة بالتقصير لم توجب لهم كل تلك الدرجات.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]
وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥)
اعترف أهل النار بحقيقة الدّين، وأقروا بسوء ما عملوا، ولكن حين لم ينفعهم إقرار بحال من الأحوال.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٦]
وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦)
ذلك الحجاب الذي بينهما حصل من الحجاب السابق لمّا حجبوا فى الابتداء «١» فى سابق القسمة عما خصّ به المؤمنون من القربة والزلفة حجبوا فى الانتهاء عما خصّ به السعداء من المغفرة والرحمة.
ويقال حجاب وأي حجاب! لا يرفع بحيلة ولا تنفع معه وسيلة.
حجاب سبق به الحكم قبل الطاعة والجرم.
(١) وردت فى (الابتداع) والصواب أن سابق القسمة فى (الابتداء) قبل الطاعة والجرم- كما سيأتى بعد قليل، وكما نعرف من مذهب القشيري فى هذا الخصوص.
قوله جل ذكره: وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ.
هؤلاء الأشراف خصوا بأنوار البصائر اليوم فأشرفوا على مقادير الخلق بأسرارهم، ويشرفون غدا على مقامات الكل وطبقات الجميع بأبصارهم.
ويقال يعرفونهم غدا بسيماهم التي وجدوهم عليها فى دنياهم فأقوام موسومون بأنوار القرب، وآخرون موسومون «١» بأنوار الرد والحجب.
قوله جل ذكره: وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.
سلموا اليوم عن النكرة والجحود، وأكرموا بالعرفان والتوحيد.
وسلموا غدا من فنون الوعيد، وسعدوا بلطائف المزيد. وتحققوا أنهم بلغوا من الرتب ما لم يسم إليه طرف تأميلهم، ولم يحط بتفصيله كنه عقولهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٧]
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)
إنما يصرف أبصارهم اليوم تقديرا عليهم عظيم المنّة التي بها نجاتهم، فيزيدون فى الاستغاثة وصدق الابتهال، فتكمل بهم العارفة «٢» بإدامة ما لاطفهم به من الإيواء والحفظ.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩).
هؤلاء الأشراف خصوا بأنوار البصائر اليوم فأشرفوا على مقادير الخلق بأسرارهم، ويشرفون غدا على مقامات الكل وطبقات الجميع بأبصارهم.
ويقال يعرفونهم غدا بسيماهم التي وجدوهم عليها فى دنياهم فأقوام موسومون بأنوار القرب، وآخرون موسومون «١» بأنوار الرد والحجب.
قوله جل ذكره: وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.
سلموا اليوم عن النكرة والجحود، وأكرموا بالعرفان والتوحيد.
وسلموا غدا من فنون الوعيد، وسعدوا بلطائف المزيد. وتحققوا أنهم بلغوا من الرتب ما لم يسم إليه طرف تأميلهم، ولم يحط بتفصيله كنه عقولهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٤٧]
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)
إنما يصرف أبصارهم اليوم تقديرا عليهم عظيم المنّة التي بها نجاتهم، فيزيدون فى الاستغاثة وصدق الابتهال، فتكمل بهم العارفة «٢» بإدامة ما لاطفهم به من الإيواء والحفظ.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٤٨ الى ٤٩]
وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩).
(١) قال أحمد بن عطاء: (الوسم يظهر على المقبولين والمطرودين) اللمع ص ٤٢٧.
(٢) العارفة هى الفضل والمعروف والمنة.
(٢) العارفة هى الفضل والمعروف والمنة.
ذلك ما يرون عليهم من غبار الرد وأمارات البعد، وهى مما لا يخفى على ذى عينين، فيقولون لهم: هل يغني عنكم ما ركنتم إليه من أباطيلكم، وسكنتم إليه من فاسد ظنونكم، وباطل تأويلكم؟ فشاهدوا- اليوم- تخصيص الحق لمن ظننتم أنهم ضعفاؤكم، وانظروا هل يغنى عنكم الذين زعمتم أنهم أولياؤكم وشركاؤكم؟
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٠]
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)
دلّت الآية على أن من أواخر ما يبقى على الإنسان الأكل والشرب فإنهم فى تلك العقوبات الشديدة يقع عليهم الجوع والعطش حتى يتضرعون كلّ ذلك التضرع فيطلبون شربة ماء أو لقمة طعام وهم فى غاية الآلام، والعادة- اليوم- أن من كان فى ألم شديد لا يأكل ولا يشرب، وهذا شديد.
ثم أبصر كيف لا يسقيهم قطرة- مع استغنائه عن تعذيبهم، وقدرته على أن يعطيهم ما يريدون! ولكنه قهر الربوبية وعزّ الأحدية، وأنه فعّال لما يريد. فكما لم يرزقهم- اليوم- من عرفانه ذرة، لا يسقيهم غدا فى تلك الأحوال قطرة، وفى معناه أنشدوا:
ويقال إنما يطلبون الماء ليبكوا به بعد ما نفدت دموعهم، وفى هذا المعنى قيل:
وفى هذا المعنى أنشدوا.
ويقال صار موسى- عليه السّلام- عند سماع الخطاب بعين السّكر فنطق ما نطق، والسكران لا يؤخذ بقوله، ألا ترى أنه ليس فى نص الكتاب معه عتاب بحرف؟
ويقال أخذته عزّة السّماع فخرج لسانه «١» عن طاعته جريا على مقتضى ما صحبه من الأريحيّة وبسط الوصلة.
ويقال جمع موسى- عليه السّلام- كلمات كثيرة يتكلم بها فى تلك الحالة فإن فى القصص أنه كان يتحمل فى أيام الوعد كلمات الحق، ويقول لمعارفه: ألكم حاجة إلى الله؟
ألكم كلام معه؟ فإنى أريد أن أمضى إلى مناجاته.
ثم إنه لما جاء وسمع الخطاب لم يذكر- مما دبّره فى نفسه، وتحمله من قومه، وجمعه فى قلبه- شيئا ولا حرفا، بل نطق بما صار فى الوقت غالبا على قلبه، فقال: ربّ:
أرنى أنظر إليك، وفى معناه أنشدوا:
ويقال أشدّ الخلق شوقا إلى الحبيب أقربهم من الحبيب هذا موسى عليه السّلام، وكان عريق الوصلة، واقفا فى محل المناجاة، محدقة به سجوف التولي، غالبة عليه بواده الوجود، ثم فى عين ذلك كان يقول: «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» كأنه غائب عن الحقيقة.
ولكن ما ازداد القوم شربا إلا ازدادوا عطشا، ولا ازدادوا تيما إلا ازدادوا شوقا، لأنه لا سبيل إلى الوصلة إلا بالكمال، والحقّ- سبحانه- يصون أسرار أصفيائه عن مداخلة الملال «٢».
ويقال نطق موسى عليه السّلام بلسان الافتقار فقال: «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» ولا أقلّ
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٠]
وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)
دلّت الآية على أن من أواخر ما يبقى على الإنسان الأكل والشرب فإنهم فى تلك العقوبات الشديدة يقع عليهم الجوع والعطش حتى يتضرعون كلّ ذلك التضرع فيطلبون شربة ماء أو لقمة طعام وهم فى غاية الآلام، والعادة- اليوم- أن من كان فى ألم شديد لا يأكل ولا يشرب، وهذا شديد.
ثم أبصر كيف لا يسقيهم قطرة- مع استغنائه عن تعذيبهم، وقدرته على أن يعطيهم ما يريدون! ولكنه قهر الربوبية وعزّ الأحدية، وأنه فعّال لما يريد. فكما لم يرزقهم- اليوم- من عرفانه ذرة، لا يسقيهم غدا فى تلك الأحوال قطرة، وفى معناه أنشدوا:
وأقسمن لا يسقيننا- الدهر- قطرة | ولو فجّرت من أرضهن بحور |
يا نازحا نزفت دمعى قطيعته | هب لى من الدمع ما أبكى عليك به. |
جرف البكاء دموع عينك فاستعر | عينا لغيرك دمعها مدرار |
ولقد تشمّمت القضاء لحاجتى | فإذا له من راحتيك نسيم |
الإشارة منه أنه يحصل بالمهجور ما يتأذى به الصدر ويبرّح به الوجد وينحل به الجسم، بل يبطل كلّه البعد، فيأتيه القرب فيعود عود وصاله بعد الذبول طريا، ويصير دارس حاله عقيب السقوط نديا، كما قال بعضهم:
كنّا كمن ألبس أكفانه | وقرّب النعش من اللّحد |
فجالت الروح فى جسمه | وردّه الوصل إلى المولد |
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٨]
وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)
إذا زكا الأصل نما الفرع، وإن خبث الجوهر لم يطب ما تحلّل منه، وإن طاب العنصر
(١) مشتبهة.
فالجزء يحاكى أصله، والأسرّة تدل على السريرة، فمن صفا باطن قلبه زكا ظاهر فعله، ومن كان بالعكس فحاله بالضد.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٩]
لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)
بلّغ الرسالة فلم ينجع فيهم ما أظهر من الآلاء، لأنّ محزوم القسمة لا ينفعه مجهود الحيلة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١)
قوله لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ: نسبوا نوحا- عليه السّلام- إلى الضلالة، فتولّى إجابتهم بنفسه فقال «يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ»، ونبينا- صلّى الله عليه وسلّم- نسب إليه فتولّى الحق- سبحانه- الردّ عنه فقال: «ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى» «١» فشتّان بين من دافع عن نفسه، وبين من دافع عنه ونفى عنه ربّه «٢» ! قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٢]
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢)
إنى أعلم أنّى وإن بالغت فى تبليغ الرسالة فمن سبقت له القسمة بالشقاوة لا ينفعه نصحى، ولا يؤثّر فيه قولى، فمن أسقطته القسمة لم تنعشه النصيحة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٣]
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣)
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٥٩]
لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)
بلّغ الرسالة فلم ينجع فيهم ما أظهر من الآلاء، لأنّ محزوم القسمة لا ينفعه مجهود الحيلة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٠ الى ٦١]
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١)
قوله لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ: نسبوا نوحا- عليه السّلام- إلى الضلالة، فتولّى إجابتهم بنفسه فقال «يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ»، ونبينا- صلّى الله عليه وسلّم- نسب إليه فتولّى الحق- سبحانه- الردّ عنه فقال: «ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى» «١» فشتّان بين من دافع عن نفسه، وبين من دافع عنه ونفى عنه ربّه «٢» ! قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٢]
أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢)
إنى أعلم أنّى وإن بالغت فى تبليغ الرسالة فمن سبقت له القسمة بالشقاوة لا ينفعه نصحى، ولا يؤثّر فيه قولى، فمن أسقطته القسمة لم تنعشه النصيحة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٣]
أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣)
(١) آية ٢ سورة النجم.
(٢) من عادة القشيري أن يلتمس نوعا من المقارنة بين المصطفى صلوات الله عليه وبين سائر الأنبياء عليهم السّلام ليظهر علو مقامه ورفعة مرتبته بينهم.
(٢) من عادة القشيري أن يلتمس نوعا من المقارنة بين المصطفى صلوات الله عليه وبين سائر الأنبياء عليهم السّلام ليظهر علو مقامه ورفعة مرتبته بينهم.
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘ
ﰿ
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ
ﱀ
ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺ
ﱁ
ﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
ﱂ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ
ﱃ
ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ
ﱄ
عجبوا من كون شخص رسول الله، ولم يتعجبوا من كون الصنم شريكا لله، هذا فرط الجهالة وغاية الغباء! قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٤]
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤)
تسر بلوا غبّ التكذيب لمّا ذاقوا طعم العقوبة، فلم يسعدوا بما حملوه ولم يصلوا إلى ما أمّلوه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٥ الى ٦٩]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)
أخبر أنهم سلكوا طريق أسلافهم وإخوانهم، فوقعوا فى وهدتهم، ومنوا بمثل حالتهم.
فلا خير فيمن آثر هواه على رضاء الله، ولا ربح من قدّم هواه على حقّ الله.
قوله جل ذكره: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
[سورة الأعراف (٧) : آية ٦٤]
فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً عَمِينَ (٦٤)
تسر بلوا غبّ التكذيب لمّا ذاقوا طعم العقوبة، فلم يسعدوا بما حملوه ولم يصلوا إلى ما أمّلوه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٦٥ الى ٦٩]
وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩)
أخبر أنهم سلكوا طريق أسلافهم وإخوانهم، فوقعوا فى وهدتهم، ومنوا بمثل حالتهم.
فلا خير فيمن آثر هواه على رضاء الله، ولا ربح من قدّم هواه على حقّ الله.
قوله جل ذكره: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ
جعل الله الخلق بعضهم خلفا عن بعض، فلا يفنى فوجا منهم من جنس إلا أقام فوجا منهم من ذلك الجنس. فأهل الغفلة إذا انقرضوا خلف عنهم قوم، وأهل الوصلة إذا درجوا خلف عنهم قوم، ولا ينبغى للعبد أن يسمو طرف «١» تأميله إلى محل الأكابر فإن ذلك المقام مشغول بأهله، فما لم تنته نوبة أولئك لا تنتهى النوبة إلى هؤلاء.
قوله جل ذكره: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً.
كما زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق، وكما أوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود إلى المبانى أوقع التباين بين قوم وقوم فيما يرجع إلى المعاني.
قوله جل ذكره: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
النّعماء عام، والآلاء خاص، فتلك تتضمن ترويح الظواهر، وهذه تتضمن التلويح فى السرائر، تلك بالترويح بوجود المبار، وهذه بالتلويح بشهود الأسرار.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٠]
قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠)
طاحوا فى أودية التفرقة فلم يجدوا قرارا فى ساحات التوحيد، فشقّ عليهم الإعراض عن الأغيار، وفى معناه قال قائلهم:
ويقال شخص لا يخرجه من غش التفرقة، وشخص لا يحيد لحظة عن سنن التوحيد [فهو لا يعبد إلا واحدا، وكما لا يعبد إلا واحدا لا يشهد إلا واحدا، قال قائلهم:
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧١]
قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١)
قوله جل ذكره: وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً.
كما زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق زاد قوما على من تقدمهم فى بسطة الخلق، وكما أوقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود إلى المبانى أوقع التباين بين قوم وقوم فيما يرجع إلى المعاني.
قوله جل ذكره: فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
النّعماء عام، والآلاء خاص، فتلك تتضمن ترويح الظواهر، وهذه تتضمن التلويح فى السرائر، تلك بالترويح بوجود المبار، وهذه بالتلويح بشهود الأسرار.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٠]
قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠)
طاحوا فى أودية التفرقة فلم يجدوا قرارا فى ساحات التوحيد، فشقّ عليهم الإعراض عن الأغيار، وفى معناه قال قائلهم:
أراك بقية من قوم موسى | فهم لا يبصرون على طعام |
لا يهتدى قلبى إلى غيركم | لأنه سدّ عليه الطريق |
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧١]
قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١)
(١) وردت (طرق) بالقاف وهى خطأ فى النسخ. [.....]
إذا أراد الله هوان عبد طرحه فى مفازات التفرقة وإنّ من علامات غضبه وإعراضه ردّ العبد إلى شهود الأغيار، وتغريقه إياه فى بحار الظنون، إذ لا تحصيل للأغيار فى معنى الإثبات.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٢]
فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)
لا رتبة فوق رتبة النبوة، ولا درجة أعلى من درجة الرسالة.
وأخبر- سبحانه- أنه نجّى هودا برحمته، وكذلك نجّى الذين آمنوا معه برحمته، ليعلم أنّ النجاة لا تكون باستحقاق العمل، وإنما تكون بابتداء فضل من الله ورحمته فما نجا من نجا إلا بفضل الحق سبحانه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٣]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)
غاير الحقّ- سبحانه- بين الرسل من حيث الشرائع، وجمع بينهم فى التوحيد فالشرائع «١» ] التي هى العبادات مختلفة، ولكن الكل مأمورون بالتوحيد على وجه واحد.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٢]
فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)
لا رتبة فوق رتبة النبوة، ولا درجة أعلى من درجة الرسالة.
وأخبر- سبحانه- أنه نجّى هودا برحمته، وكذلك نجّى الذين آمنوا معه برحمته، ليعلم أنّ النجاة لا تكون باستحقاق العمل، وإنما تكون بابتداء فضل من الله ورحمته فما نجا من نجا إلا بفضل الحق سبحانه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٣]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)
غاير الحقّ- سبحانه- بين الرسل من حيث الشرائع، وجمع بينهم فى التوحيد فالشرائع «١» ] التي هى العبادات مختلفة، ولكن الكل مأمورون بالتوحيد على وجه واحد.
(١) كل هذه المساحة فيما بين القوسين موجودة فى الهامش بخط دقيق جدا.
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ
ﱉ
ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ
ﱊ
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ
ﱋ
ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ
ﱌ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ
ﱍ
ﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ
ﱎ
ثم أخبر عن إمضاء سنّته تعالى بإرسال الرسل عليهم السّلام، وإمهال أممهم ريثما ينظرون فى معجزات الرسل.
ثم أخبر عما درجوا عليه فى مقابلتهم الرسل بالتكذيب تسلية للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله- فيما كان يقاسى من بلاء قومه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٤]
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤)
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٥ الى ٧٩]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩)
ثم أخبر عما درجوا عليه فى مقابلتهم الرسل بالتكذيب تسلية للمصطفى صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله- فيما كان يقاسى من بلاء قومه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٧٤]
وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤)
أزاح علتهم فى بسط الدلالة، ووسع عليهم حالتهم بتمكينهم من العطايا على ما دعت إليه حالتهم | فلا الدليل تأمّلوه، ولا السبيل لازموه، ولا النعمة عرفوا قدرها، ولا المنّة قدّموا شكرها، فصادفهم من البلاء ما أدرك أشكالهم. |
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٧٥ الى ٧٩]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحاً مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩)
أجرى الله- سبحانه- سنّته ألا يخص بأفضاله، وجميل صنعه وإقباله- فى الغالب من عباده- إلّا من يسمو إليه طرفه بالإجلال، وألّا يوضح له قدره بين الأضراب والأشكال فأنصار كلّ نبى إنما هم ضعفاء وقته، ويلاحظهم أهل الغفلة بعين الاحتقار، ولكن ليس الأمر كما تذهب إليه الأوهام، ولا كما يعتقد فيهم الأنام، بل الجواهر مستورة فى معادتها، وقيمة المحالّ بساكنيها، قال قائلهم:
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «كم من أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبرّه» «١» قوله تعالى: «وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ» الحيلة تدعو إلى وفاق الهوى فتستثقل النّفس قول الناصحين، فيخرجون عليهم وكأن الناصحين هم العائبون، قال قائلهم:
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٠ الى ٨٤]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤).
وما ضرّ نصل السيف إخلاق غمده | إذا كان عضبا حيث وجهته وترا |
وكم سقت فى آثاركم من نصيحة | وقد يستفيد البغضة المتنصح |
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٠ الى ٨٤]
وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤).
(١) فى رواية الترمذي (كم من أشعث أغبر ذى طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره منهم البراء ابن مالك). الجامع الصغير ص ٢٣٧
أباح الحقّ- سبحانه- فى الشرع ما أزاح به العذر، فمن تخطّ هذا الأمر وجرى على مقتضى الهوى استقبل هوانه، واستوجب إذلاله، واستجلب- باختياره- صغره.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٥]
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥)
خسّت همم قوم شعيب فقنعوا بالتطفيف فى المكيال والميزان عند معاملاتهم، ثم إن الحق- سبحانه- لم يساهلهم فى ذلك ليعلم أنّ الأقدار ليست من حيث الأخطار.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)
من المعاصي ما لا يكون لازما لصاحبه وحده بل يكون متعدّيا عنه إلى غيره. ثم بقدر الأثر فى التعدّى يحصل الضر للمبتدىء «١» قوله جل ذكره: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٥]
وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥)
خسّت همم قوم شعيب فقنعوا بالتطفيف فى المكيال والميزان عند معاملاتهم، ثم إن الحق- سبحانه- لم يساهلهم فى ذلك ليعلم أنّ الأقدار ليست من حيث الأخطار.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجاً وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)
من المعاصي ما لا يكون لازما لصاحبه وحده بل يكون متعدّيا عنه إلى غيره. ثم بقدر الأثر فى التعدّى يحصل الضر للمبتدىء «١» قوله جل ذكره: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا
(١) مثلما يحدث فى حالة البدعة، فصاحب البدعة يحمل وزر ابتداعه ووزر من اقتدى به (انظر رأى القشيرى فى كتاب التحبير تحت «البديع» ) وهنا قد تكون (المبتدى) أى البادى بالابتداع وقد تكون (المقتدى) ويقصد بها من اقتدى به، فكلاهما يناله الضر هذا جزاء اتباعه وذاك لابتداعه.
فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ.
منّ عليهم بتكثير العدد لأن بالتناصر والتعاون تمشى الأمور ويحصل المراد.
ويقال كما أن كل أمر بالأعوان والأنصار (خيرا أو شرا، فلا نعمة فوق اتفاق الأنصار فى الخير، ولا محنة فوق اتفاق الأعوان) «١» فى الشر.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٨]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨)
كما أن (أهل) «٢» الخير لا يميلون إلا إلى أشكالهم فأهل الشر لا ينصرون إلا من رأوا بأنه يساعدهم على ما هم عليه من أحوالهم، والأوحد فى بابه من باين نهج أضرابه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٩]
قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩)
نطقوا عن صحة عزائمهم حيث قالوا: «قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ»، ثم أقروا بالشكر حيث قالوا: «بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها»، ثم تبرأوا عن حولهم وقوتهم حيث قالوا: «وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا» يعنى إن يلبسنا لباس الخذلان نردّ إلى الصغر والهوان.
ثم اشتاقوا إلى جميل التوكل فقالوا: «عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا» أي به وثقنا، ومنه الخير أمّلنا.
منّ عليهم بتكثير العدد لأن بالتناصر والتعاون تمشى الأمور ويحصل المراد.
ويقال كما أن كل أمر بالأعوان والأنصار (خيرا أو شرا، فلا نعمة فوق اتفاق الأنصار فى الخير، ولا محنة فوق اتفاق الأعوان) «١» فى الشر.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٨]
قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا قالَ أَوَلَوْ كُنَّا كارِهِينَ (٨٨)
كما أن (أهل) «٢» الخير لا يميلون إلا إلى أشكالهم فأهل الشر لا ينصرون إلا من رأوا بأنه يساعدهم على ما هم عليه من أحوالهم، والأوحد فى بابه من باين نهج أضرابه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٨٩]
قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ (٨٩)
نطقوا عن صحة عزائمهم حيث قالوا: «قَدِ افْتَرَيْنا عَلَى اللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ»، ثم أقروا بالشكر حيث قالوا: «بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها»، ثم تبرأوا عن حولهم وقوتهم حيث قالوا: «وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا» يعنى إن يلبسنا لباس الخذلان نردّ إلى الصغر والهوان.
ثم اشتاقوا إلى جميل التوكل فقالوا: «عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا» أي به وثقنا، ومنه الخير أمّلنا.
(١) ما بين القوسين موجود فى الهامش أثبتناه فى موضعه من المتن.
(٢) وضعنا (أهل) ليتضح المعنى وهى غير موجودة فى المتن.
(٢) وضعنا (أهل) ليتضح المعنى وهى غير موجودة فى المتن.
ثم فوضوا أمورهم إلى الله فقالوا: «رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ» فتداركهم الحقّ- سبحانه- عند ذلك بجميل العصمة وحسن الكفاية «١» قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٠ الى ٩٢]
وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢)
تواصوا فيما بينهم بتكذيب نبيّهم، وأشار بعضهم باستشعار وقوع الفتنة بمتابعته، وكانوا مخطئين فى حكمهم، مبطلين فى ظنهم، فعلم أنّ كل نصيحة لا يجب قبولها، وكل إشارة «٢» لا يحسن اتباعها.
قوله تعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا كانت لهم غلبتهم فى وقتهم، ولكن لما اندرست أيامهم سقط صيتهم، و (خمد) «٣» ذكرهم، وانقشع سحاب من توهّم أنّ منهم شيئا.
قوله جل ذكره: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ.
الحقّ غالب فى كل أمر، والباطل زاهق بكل وصف، وإذا كانت العزّة نعت من هو أزلىّ الوجود، وكان الجلال حقّ من هو الملك فأى أثر للكثرة مع القدرة؟ وأي خطر للعلل مع الأزل؟ ولقد أنشدوا فى قريب من هذا:
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩٣]
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣)
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٠ الى ٩٢]
وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢)
تواصوا فيما بينهم بتكذيب نبيّهم، وأشار بعضهم باستشعار وقوع الفتنة بمتابعته، وكانوا مخطئين فى حكمهم، مبطلين فى ظنهم، فعلم أنّ كل نصيحة لا يجب قبولها، وكل إشارة «٢» لا يحسن اتباعها.
قوله تعالى: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا كانت لهم غلبتهم فى وقتهم، ولكن لما اندرست أيامهم سقط صيتهم، و (خمد) «٣» ذكرهم، وانقشع سحاب من توهّم أنّ منهم شيئا.
قوله جل ذكره: الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ.
الحقّ غالب فى كل أمر، والباطل زاهق بكل وصف، وإذا كانت العزّة نعت من هو أزلىّ الوجود، وكان الجلال حقّ من هو الملك فأى أثر للكثرة مع القدرة؟ وأي خطر للعلل مع الأزل؟ ولقد أنشدوا فى قريب من هذا:
استقبلني وسيفه مسلول | وقال لى واحدنا معذول |
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩٣]
فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣)
(١) لاحظ من هذه الفقرة ترتيب السلوك: صحة العزم ثم الشكر ثم التبري عن الحول والقوة ثم التوكل ثم التفويض.
(٢) إشارة هنا معناها مشورة أي نصيحة.
(٣) وردت (خمر) بالراء، وقد صوبناها (خمد) ذكرهم وليس بمستبعد أن تكون (خمل) ذكرهم فحمود الذكر وخموله بمعنى متقارب.
(٢) إشارة هنا معناها مشورة أي نصيحة.
(٣) وردت (خمر) بالراء، وقد صوبناها (خمد) ذكرهم وليس بمستبعد أن تكون (خمل) ذكرهم فحمود الذكر وخموله بمعنى متقارب.
«١» بيّن أنه راعى حدّ الأمر فإذا خرج عن عهدة التكليف فى التبليغ فما عليه من إقرارهم أو إنكارهم، من توحيدهم أو جحودهم إن أحسنوا فالميراث الجميل لهم، وإن أساءوا فالضرر بالتألم عائد عليهم، ومالك الأعيان أولى بها من الأغيار، فالخلق خلقه والملك ملكه إن شاء هداهم، وإن شاء أغواهم، فلا تأسّف على نفى وفقد، ولا أثر من كون ووجود «٢» قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥)
حرّكهم بالبلاء الأهون تحذيرا من البلاء الأصعب، فإذا تمادوا فى غيهم، ولم ينتبهوا من غفلتهم مدّ عليهم ظلال الاستدراج، ووسّع عليهم أسباب التفرقة مكرا بهم فى الحال، فإذا وطّنوا- على مساعدة الدنيا- قلوبهم، وركنوا إلى ما سوّلت لهم من امتدادها، أبرز لهم من مكامن التقدير ما نغّص عليهم طيب الحياة، واندق بغتة عنق السرور، وشرفوا بما كانوا ينهلون من كاسات المنى، فتبدّل ضياء نهارهم بسدفة الوحشة، وتكدّر صافى مشربهم بيد النوائب، كما سبقت به القسمة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧)
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٤ الى ٩٥]
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ (٩٤) ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥)
حرّكهم بالبلاء الأهون تحذيرا من البلاء الأصعب، فإذا تمادوا فى غيهم، ولم ينتبهوا من غفلتهم مدّ عليهم ظلال الاستدراج، ووسّع عليهم أسباب التفرقة مكرا بهم فى الحال، فإذا وطّنوا- على مساعدة الدنيا- قلوبهم، وركنوا إلى ما سوّلت لهم من امتدادها، أبرز لهم من مكامن التقدير ما نغّص عليهم طيب الحياة، واندق بغتة عنق السرور، وشرفوا بما كانوا ينهلون من كاسات المنى، فتبدّل ضياء نهارهم بسدفة الوحشة، وتكدّر صافى مشربهم بيد النوائب، كما سبقت به القسمة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٦ الى ٩٧]
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ (٩٧)
(١) أخطأ الناسخ إذ كتبها (عسى) بالعين.
(٢) ربما كان (ووجد) فالوجد يقابل الفقد، ولكن حيث هو هنا لا يتحدث عن طائفة الصوفية، وإنما يتحدث عموما، فالوجود مرادف للكون.
(٢) ربما كان (ووجد) فالوجد يقابل الفقد، ولكن حيث هو هنا لا يتحدث عن طائفة الصوفية، وإنما يتحدث عموما، فالوجود مرادف للكون.
لو آمنوا بالله، واتّقوا الشرك لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض بأسباب العطاء- ولكن «١» سبق بخلافه القضاء- وأبواب الرضاء، والرضاء أتمّ من العطاء.
ويقال ليست العبرة بالنعمة إنما العبرة بالبركة فى النعمة، ولذا لم يقل أضعفنا لهم النعمة ولكنه قال: باركنا لهم فيما خوّلنا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩٨]
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨)
أكثر ما ينزل البلاء ينزل فجأة على غفلة من أهله، ويقال من حذر البيات لم يجد روح الرّقاد.
ويقال ربّ ليلة مفتتحة بالفرح مختتمة (بالترح) «٢». ويقال ربّ يوم تطلع شمسه من أوج السعادة قامت ظهيرته على قيام الفتنة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩٩]
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩)
يقال من عرف علوّ قدره- سبحانه- خشى خفىّ مكره، ومن أمن خفىّ مكره نسى عظيم قدره.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٠]
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
ويقال ليست العبرة بالنعمة إنما العبرة بالبركة فى النعمة، ولذا لم يقل أضعفنا لهم النعمة ولكنه قال: باركنا لهم فيما خوّلنا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩٨]
أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨)
أكثر ما ينزل البلاء ينزل فجأة على غفلة من أهله، ويقال من حذر البيات لم يجد روح الرّقاد.
ويقال ربّ ليلة مفتتحة بالفرح مختتمة (بالترح) «٢». ويقال ربّ يوم تطلع شمسه من أوج السعادة قامت ظهيرته على قيام الفتنة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ٩٩]
أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ (٩٩)
يقال من عرف علوّ قدره- سبحانه- خشى خفىّ مكره، ومن أمن خفىّ مكره نسى عظيم قدره.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٠]
أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (١٠٠)
(١) وردت (وإن سبق... ) وعند ذلك يضطرب السياق فوجدنا ان الأوفق ان تكون (ولكن سبق... ) لأنهم فى الآية كذبوا... ، ثم وضعنا الجملة المبدوءة بلكن بين علامتى جملة اعتراضية، فانتظم السياق، ونرجح ان ما صنعناه قريب من الأصل او هو الأصل.
(٢) وردت (بالطرح) بالطاء، وهى خطأ من الناسخ فالترح ضد الفرح.
(٢) وردت (بالطرح) بالطاء، وهى خطأ من الناسخ فالترح ضد الفرح.
أو لا يعلم المغترون بطول سترنا أن لو أردنا لعجّلنا لهم الانتقام، أو بلغنا فيهم الاصطلام، ثم لا ينفعهم ندم، ولا يشكى عنهم ألم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠١]
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١)
سلكوا طريقا واحدا فى التمرد، واجتمعوا فى خط واحد فى الجحد والتّبلّد فلا للإيمان جنحوا، ولا عن العدوان رجعوا، وكذلك صفة من سبقت بالشقاء قسمته، وحقت بالعذاب عليه كلمته.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٢]
وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢)
نجم فى الغدر طارقهم، وأفل من سماء الوفاء شارقهم، فعدم أكثرهم رعاية العهد، وحقت من الحق لهم قسمة الرد والصد.
ويقال: شكا من أكثرهم إلى أقلّهم، فالأكثرون من ردّتهم القسمة، والأقلون من قبلتهم الوصلة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٣]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣)
لما انقرضت أيامهم، وتقاصر عن بساط الإجابة إقدامهم «١» بعث موسى نبيّه، وضمّ
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠١]
تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وَلَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى قُلُوبِ الْكافِرِينَ (١٠١)
سلكوا طريقا واحدا فى التمرد، واجتمعوا فى خط واحد فى الجحد والتّبلّد فلا للإيمان جنحوا، ولا عن العدوان رجعوا، وكذلك صفة من سبقت بالشقاء قسمته، وحقت بالعذاب عليه كلمته.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٢]
وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنا أَكْثَرَهُمْ لَفاسِقِينَ (١٠٢)
نجم فى الغدر طارقهم، وأفل من سماء الوفاء شارقهم، فعدم أكثرهم رعاية العهد، وحقت من الحق لهم قسمة الرد والصد.
ويقال: شكا من أكثرهم إلى أقلّهم، فالأكثرون من ردّتهم القسمة، والأقلون من قبلتهم الوصلة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٣]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَظَلَمُوا بِها فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (١٠٣)
لما انقرضت أيامهم، وتقاصر عن بساط الإجابة إقدامهم «١» بعث موسى نبيّه، وضمّ
(١) ويجوز أن تكون (أقدامهم) فالقشيرى يستعمل وطء القدم للبساط كثيرا
إليه هارون صفيّه، فقوبلا بالتكذيب والجحود، فسلك بهم مسلك إخوانهم فى التعذيب والتبعيد.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٦]
وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦)
الرجوع إلى دعاء فرعون إلى الله بعد سماع كلام الله بلا واسطة صعب شديد، ولكنه لمّا ورد الأمر قابله بحسن القبول، فلما ترك اختيار نفسه أيّده الحق- سبحانه- بنور التأييد حتى شاهد فرعون محوا فى التقدير فقال: «حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ».
فإذا لم يصح له أن يقول على الخلق فالخلق محو فيما هو الوجود الأزلى فأىّ سلطان لآثار التفرقة فى حقائق الجمع؟
قوله: قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ: من المعلوم أن مجرّد الدعوى لا حجة فيه، ولكن إذا ظهر برهان لم يبق غير الانقياد لما هو الحق، فمن استسلم (... ) «١»، ومن جحد الحقائق بعد لوح البيان سقط سقوطا لا ينتعش.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٧]
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧)
إنما أظهر له المعجزة من عصاه لطول (مقارنته) «٢» إياها، فالإنسان إلى ما ألفه أسكن بقلبه. فلمّا رأى ما ظهر فى العصا من الانقلاب أخذ موسى عليه السّلام فى الفرار لتحققه بأن ذلك من قهر الحقائق، وفى هذا إشارة إلى أنّ السكون إلى شىء غرّة وغفلة (ايش) «٣»
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٤ الى ١٠٦]
وَقالَ مُوسى يا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٠٤) حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٠٥) قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٠٦)
الرجوع إلى دعاء فرعون إلى الله بعد سماع كلام الله بلا واسطة صعب شديد، ولكنه لمّا ورد الأمر قابله بحسن القبول، فلما ترك اختيار نفسه أيّده الحق- سبحانه- بنور التأييد حتى شاهد فرعون محوا فى التقدير فقال: «حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ».
فإذا لم يصح له أن يقول على الخلق فالخلق محو فيما هو الوجود الأزلى فأىّ سلطان لآثار التفرقة فى حقائق الجمع؟
قوله: قالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِها إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ: من المعلوم أن مجرّد الدعوى لا حجة فيه، ولكن إذا ظهر برهان لم يبق غير الانقياد لما هو الحق، فمن استسلم (... ) «١»، ومن جحد الحقائق بعد لوح البيان سقط سقوطا لا ينتعش.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٧]
فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (١٠٧)
إنما أظهر له المعجزة من عصاه لطول (مقارنته) «٢» إياها، فالإنسان إلى ما ألفه أسكن بقلبه. فلمّا رأى ما ظهر فى العصا من الانقلاب أخذ موسى عليه السّلام فى الفرار لتحققه بأن ذلك من قهر الحقائق، وفى هذا إشارة إلى أنّ السكون إلى شىء غرّة وغفلة (ايش) «٣»
(١) لا بد ان كلمة هنا سقطت من الناسخ مثل (سلم) او (نجا) او نحوهما. [.....]
(٢) (مقارنته) هنا معناها مصاحبته لها بدليل قوله فيما بعد (إلى ما ألفه).
(٣) (إيش) هذه كلمة دارجة استعملها القشيري كثيرا فى رسالته ومعناها (اى شىء).
(٢) (مقارنته) هنا معناها مصاحبته لها بدليل قوله فيما بعد (إلى ما ألفه).
(٣) (إيش) هذه كلمة دارجة استعملها القشيري كثيرا فى رسالته ومعناها (اى شىء).
ما كان، فإنّ تقلب العبد فى قبض القدرة، وهو فى أسر التقلّب، وليس للطمع فى الكون مساغ بحال.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٨]
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨)
العصا- وإن كانت معه من زمن- فيده أخص به لأنها عضو له، فكاشفه أولا «١» برسم من رسمه ثم أشهده من ذاته فى ذاته ما عرف أنه أولى به منه، فلما رأى انقلاب وصف فى يده علم أنه ليس بشىء من أمره بيده.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠)
إذا أراد الله هوان عبد لا يزيد الحقّ حجّة إلا ويزيد لذلك المبطل فيه شبهة فكلّما زاد موسى- عليه السّلام- فى إظهار المعجزات ازدادوا حيرة فى التأويلات.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١١ الى ١١٢]
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)
توهّم الناس أنهم بالتأخير، وتقديم التدبير، وبذل الجهد والتشمير يغيّرون شيئا من التقدير بالتقديم أو بالتأخير، ولم يعلموا أن القضاء غالب، وأنّ الحكم سابق، وعند حلول الحكم فلا سلطان للعلم والفهم، والتسرع «٢» والحلم.. كلا، بل هو الله الواحد القهار العلّام.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٠٨]
وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (١٠٨)
العصا- وإن كانت معه من زمن- فيده أخص به لأنها عضو له، فكاشفه أولا «١» برسم من رسمه ثم أشهده من ذاته فى ذاته ما عرف أنه أولى به منه، فلما رأى انقلاب وصف فى يده علم أنه ليس بشىء من أمره بيده.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]
قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ (١٠٩) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَماذا تَأْمُرُونَ (١١٠)
إذا أراد الله هوان عبد لا يزيد الحقّ حجّة إلا ويزيد لذلك المبطل فيه شبهة فكلّما زاد موسى- عليه السّلام- فى إظهار المعجزات ازدادوا حيرة فى التأويلات.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١١ الى ١١٢]
قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ (١١١) يَأْتُوكَ بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (١١٢)
توهّم الناس أنهم بالتأخير، وتقديم التدبير، وبذل الجهد والتشمير يغيّرون شيئا من التقدير بالتقديم أو بالتأخير، ولم يعلموا أن القضاء غالب، وأنّ الحكم سابق، وعند حلول الحكم فلا سلطان للعلم والفهم، والتسرع «٢» والحلم.. كلا، بل هو الله الواحد القهار العلّام.
(١) فى هذه الإشارة نلحظ تأثر القشيري بالمكاشفة، فالحق سبحانه يتجلى للعبد اولا بنعت من نعوت صفاته ثم يتجلى له بنعت من نعوت ذاته.
(٢) وردت (التشرع) حيث التبست علامة التضعيف التي على السين على الناسخ، والتسرع مقبول فى السياق لأنه يقابل الحلم.
(٢) وردت (التشرع) حيث التبست علامة التضعيف التي على السين على الناسخ، والتسرع مقبول فى السياق لأنه يقابل الحلم.
ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ
ﱰ
ﮫﮬﮭﮮﮯ
ﱱ
ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ
ﱲ
ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨ
ﱳ
ﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶ
ﱴ
ﯸﯹﯺﯻﯼﯽ
ﱵ
ﯿﰀﰁﰂ
ﱶ
ﰄﰅﰆ
ﱷ
ﭑﭒﭓﭔ
ﱸ
ﭖﭗﭘ
ﱹ
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١٣ الى ١١٦]
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)
ظنوا أنهم يغلبون بما يسحرون، ولم يعلموا أن تأثير القدرة فيهم أغلب من تأثير سحرهم، وأنه لا يرد عنهم ما زوّروه فى أنفسهم من فنون مكرهم فكادوا وكيد لهم، فهو كما قيل:
ورمانى بأسهم صائبات... وتعمدته بسهم فطاشا
فبيناهم فى توهّم أنّ الغلبة لهم فتح عليهم- من مكامن القدرة- جيش، فوجدوا أنفسهم- فى فتح القدرة- مقهورين بسيف المشيئة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١٧ الى ١٢٢]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١)
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢)
موّهوا بسحرهم أنهم غلبوا، فأدخل الله- سبحانه- على تمويهاتهم قهر الحق وطاشت تلك الحيل، وخاب منهم الأمل، وجذب الحقّ- سبحانه- أسرارهم على الوهله فأصبحوا فى صدر العداوة، وكانوا- فى التحقيق- من أهل الود. فسبحان من يبرز
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١٣ الى ١١٦]
وَجاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ (١١٣) قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (١١٤) قالُوا يا مُوسى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (١١٥) قالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (١١٦)
ظنوا أنهم يغلبون بما يسحرون، ولم يعلموا أن تأثير القدرة فيهم أغلب من تأثير سحرهم، وأنه لا يرد عنهم ما زوّروه فى أنفسهم من فنون مكرهم فكادوا وكيد لهم، فهو كما قيل:
ورمانى بأسهم صائبات... وتعمدته بسهم فطاشا
فبيناهم فى توهّم أنّ الغلبة لهم فتح عليهم- من مكامن القدرة- جيش، فوجدوا أنفسهم- فى فتح القدرة- مقهورين بسيف المشيئة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١١٧ الى ١٢٢]
وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ (١١٧) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١١٨) فَغُلِبُوا هُنالِكَ وَانْقَلَبُوا صاغِرِينَ (١١٩) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ (١٢٠) قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ (١٢١)
رَبِّ مُوسى وَهارُونَ (١٢٢)
موّهوا بسحرهم أنهم غلبوا، فأدخل الله- سبحانه- على تمويهاتهم قهر الحق وطاشت تلك الحيل، وخاب منهم الأمل، وجذب الحقّ- سبحانه- أسرارهم على الوهله فأصبحوا فى صدر العداوة، وكانوا- فى التحقيق- من أهل الود. فسبحان من يبرز
العدوّ فى نعت الولي ثم يقلب الكتاب ويظهر الولىّ فى نعت العدو، ثم يأبى الحال إلا حصول المقضىّ.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٣ الى ١٢٤]
قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤)
«١» خاطبهم معتقدا أنهم هم الذين كانوا «٢»، وهم يعلمون أن تلك الأسرار قد خرجت عن رقّ الأشكال، وأن قلوبهم طهرت عن تو التفرقة، وأن شمس العرفان طلعت فى سماء أسرارهم، فأشهدوا الحقّ بنظر صحيح، ولم يبق لتخويفات النفس فيهم سلطان، ولا لشىء من العلل بينهم مساغ.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٥]
قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥)
لمّا كان مصيرهم إلى الله سهل عليهم ما لقوا فى مسيرهم إلى الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٦]
وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦)
لما عملوا لله، وأوذوا فى الله، صدقوا القصد إلى الله، وطلبوا المعونة من قبل الله، كذا سنّة من كان لله أن يكون كلّه على الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٧]
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧)
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٢٣ الى ١٢٤]
قالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْها أَهْلَها فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (١٢٣) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (١٢٤)
«١» خاطبهم معتقدا أنهم هم الذين كانوا «٢»، وهم يعلمون أن تلك الأسرار قد خرجت عن رقّ الأشكال، وأن قلوبهم طهرت عن تو التفرقة، وأن شمس العرفان طلعت فى سماء أسرارهم، فأشهدوا الحقّ بنظر صحيح، ولم يبق لتخويفات النفس فيهم سلطان، ولا لشىء من العلل بينهم مساغ.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٥]
قالُوا إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ (١٢٥)
لمّا كان مصيرهم إلى الله سهل عليهم ما لقوا فى مسيرهم إلى الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٦]
وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا لَمَّا جاءَتْنا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً وَتَوَفَّنا مُسْلِمِينَ (١٢٦)
لما عملوا لله، وأوذوا فى الله، صدقوا القصد إلى الله، وطلبوا المعونة من قبل الله، كذا سنّة من كان لله أن يكون كلّه على الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٧]
وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ (١٢٧)
(١) اخطأ الناسخ إذ كتبهما (أيديهم وأرجلهم).
(٢) نعرف من عبارات القشيري: «كانوا لكنهم بانوا» و «العارف كائن بائن».
(٢) نعرف من عبارات القشيري: «كانوا لكنهم بانوا» و «العارف كائن بائن».
لما استزادوا من فرعون فى التمكين من موسى وقومه استنكف أن يقر بعجزه، ويعترف بقصور قدرته، فتوعد موسى وقومه بما عكس الله عليه تدبيره، وغلب عليه تقديره.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٨]
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨)
أحالهم على الله فإن رجوعه إليه، فقال لهم: إن رجوعى- عند تحيري فى أمورى- إلى ربى، فليكن رجوعكم إليه، وتوكّلكم عليه، وتعرّضوا لنفحات يسره، فإنه حكم لأهل الصبر بجميل العقبى.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٩]
قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)
خفى عليهم شهود الحقيقة، وغشى على أبصارهم حتى قالوا توالت علينا البلايا ففى حالك بلاء، وقبلك شقاء... فما الفضل؟ فأجابهم موسى- عليه السّلام- بما علق رجاءهم بكشف البلاء فقال: «عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ» فوقفهم على الانتظار. ومن شهد ببصر الأسرار شهد تصاريف الأقدار.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٠]
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠)
شدّد عليهم وطأة القدرة بعد ما ضاعف لديهم أسباب النعمة، فلا الوطأة أصلحتهم شدّتها ولا النعمة نبهتهم كثرتها، لا بل إن مسّهم يسر لاحظوه بعين الاستحقاق، وإن مسّهم عسر حملوه على التّطيّر بموسى- عليه السّلام- بمقتضى الاغترار.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٨]
قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (١٢٨)
أحالهم على الله فإن رجوعه إليه، فقال لهم: إن رجوعى- عند تحيري فى أمورى- إلى ربى، فليكن رجوعكم إليه، وتوكّلكم عليه، وتعرّضوا لنفحات يسره، فإنه حكم لأهل الصبر بجميل العقبى.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٢٩]
قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)
خفى عليهم شهود الحقيقة، وغشى على أبصارهم حتى قالوا توالت علينا البلايا ففى حالك بلاء، وقبلك شقاء... فما الفضل؟ فأجابهم موسى- عليه السّلام- بما علق رجاءهم بكشف البلاء فقال: «عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ» فوقفهم على الانتظار. ومن شهد ببصر الأسرار شهد تصاريف الأقدار.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٠]
وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٣٠)
شدّد عليهم وطأة القدرة بعد ما ضاعف لديهم أسباب النعمة، فلا الوطأة أصلحتهم شدّتها ولا النعمة نبهتهم كثرتها، لا بل إن مسّهم يسر لاحظوه بعين الاستحقاق، وإن مسّهم عسر حملوه على التّطيّر بموسى- عليه السّلام- بمقتضى الاغترار.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣١]
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١)
الكفور لا يرى فضل المنعم فيلاحظ الإحسان بعين الاستحقاق، ثم إذا اتصل به شىء مما يكرهه تجنّي وحمل الأمر على ما يتمنّي:
قوله جل ذكره: أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.
المتفرد بالإيجاد هو الواحد ولكن بصائرهم مسدودة، وعقولهم عن شهود الحقيقة مصدودة، وأفهامهم عن إدراك المعاني مردودة قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٢]
وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢)
«١» جعلوا الإصرار على الاستكبار شعارهم، وهتكوا بألسنتهم- فى العتوّ- أستارهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٣]
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣)
جنّس عليهم العقوبات لمّا نوّعوا وجنّسوا فنون المخالفات، فلا إلى التكفير عادوا، ولا إلى التطهير تصدوا، وعوقبوا بصرف قلوبهم عن شهود الحقائق
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣١]
فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣١)
الكفور لا يرى فضل المنعم فيلاحظ الإحسان بعين الاستحقاق، ثم إذا اتصل به شىء مما يكرهه تجنّي وحمل الأمر على ما يتمنّي:
وكذا الملول إذا أراد قطيعة | ملّ الوصال وقال كان وكانا |
إن الكريم إذا حباك بودّه | ستر القبيح وأظهر الإحسانا |
المتفرد بالإيجاد هو الواحد ولكن بصائرهم مسدودة، وعقولهم عن شهود الحقيقة مصدودة، وأفهامهم عن إدراك المعاني مردودة قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٢]
وَقالُوا مَهْما تَأْتِنا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنا بِها فَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (١٣٢)
«١» جعلوا الإصرار على الاستكبار شعارهم، وهتكوا بألسنتهم- فى العتوّ- أستارهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٣]
فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَالْجَرادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفادِعَ وَالدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (١٣٣)
جنّس عليهم العقوبات لمّا نوّعوا وجنّسوا فنون المخالفات، فلا إلى التكفير عادوا، ولا إلى التطهير تصدوا، وعوقبوا بصرف قلوبهم عن شهود الحقائق
(١) سقطت (من) فى النسخ فأثبتناها.
ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ
ﲅ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ
ﲆ
ﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ
ﲇ
ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴ
ﲈ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ
ﲉ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ
ﲊ
وذلك أبلغ مما اتصل بظواهرهم من فنون البلايا.... ونعوذ بالله من السقوط عن عين الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٤]
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤)
لم يقولوا ادع لنا ربّنا، بل قالوا يا موسى ادع لنا ربك، فهم ما ازدادوا بزيادة تلك المحن إلا بعدا وأجنبية.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٥ الى ١٣٦]
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦)
أبرموا العهد ثم نقضوه، وقدموا العهد ثم رفضوه، وكما قيل:
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٧]
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)
من صبر على مقاساة الذّلّ فى الله وضع الله على رأسه قلنسوة العرفان، فهو العزيز سبحانه، لا يشمت بأوليائه أعداءهم، ولا يضيع من جميل عهده جزاءهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٨ الى ١٣٩]
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩)
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٤]
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قالُوا يا مُوسَى ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرائِيلَ (١٣٤)
لم يقولوا ادع لنا ربّنا، بل قالوا يا موسى ادع لنا ربك، فهم ما ازدادوا بزيادة تلك المحن إلا بعدا وأجنبية.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٥ الى ١٣٦]
فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (١٣٥) فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٣٦)
أبرموا العهد ثم نقضوه، وقدموا العهد ثم رفضوه، وكما قيل:
إذا ارعوى عاد إلى جهله | كذى الضنى عاد إلى نكسه |
والشيخ لا يترك أخلاقه | حتى يوارى فى ثرى رمسه |
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٣٧]
وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ (١٣٧)
من صبر على مقاساة الذّلّ فى الله وضع الله على رأسه قلنسوة العرفان، فهو العزيز سبحانه، لا يشمت بأوليائه أعداءهم، ولا يضيع من جميل عهده جزاءهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ١٣٨ الى ١٣٩]
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (١٣٨) إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٩)
لم تخلص فى قلوبهم حقائق التوحيد فتاقت نفوسهم إلى عبادة غير الله، حتى قالو لنبيّهم موسى- عليه السّلام-: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. وكذا صفة من لم يتحرر قلبه من إثبات الأشغال والأعلال، ومن المساكنة إلى الأشكال والأمثال.
ويقال من ابتغى بالصنم أن يكون معبوده متى يتوهّم فى وصفه أن يخلص إلى الله قصوده؟
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٠]
قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠)
ذكّرهم انفراده- سبحانه- بإنشائهم وإبداعهم، وأنه هو الإله المتفرد بالإيجاد، ونبّههم أيضا على عظيم نعمته عليهم، وأنه ليس حقّ إتمام النعمة عليهم مقابلتهم إياها بالتولّى لغيره والعبادة لمن سواه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤١]
وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١)
ما ازداد موسى- عليه السّلام- فى تعديد إنعام الله عليهم، وتنبيهم على عظيم آلائه إلا ازدادوا جحدا على جحد، وبعدا بالقلوب- عن محل العرفان- على بعد، وهذه أمارة من بلاه- سبحانه- فى السابق بالقطع والرد.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٢]
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢)
ويقال من ابتغى بالصنم أن يكون معبوده متى يتوهّم فى وصفه أن يخلص إلى الله قصوده؟
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٠]
قالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٤٠)
ذكّرهم انفراده- سبحانه- بإنشائهم وإبداعهم، وأنه هو الإله المتفرد بالإيجاد، ونبّههم أيضا على عظيم نعمته عليهم، وأنه ليس حقّ إتمام النعمة عليهم مقابلتهم إياها بالتولّى لغيره والعبادة لمن سواه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤١]
وَإِذْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُقَتِّلُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (١٤١)
ما ازداد موسى- عليه السّلام- فى تعديد إنعام الله عليهم، وتنبيهم على عظيم آلائه إلا ازدادوا جحدا على جحد، وبعدا بالقلوب- عن محل العرفان- على بعد، وهذه أمارة من بلاه- سبحانه- فى السابق بالقطع والرد.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٢]
وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (١٤٢)
562
عدة الأحباب عزيزة، فإذا حصلت المواعدة بين الأحباب، فهى عذبة حلوة كيفما كانت، وفى هذا المعنى أنشدوا:
أمطلينا وسوّفى... وعدينا ولا تفى
ويقال علّل الحقّ- سبحانه- موسى بالوعد الذي وعده بأن يسمعه مرة أخرى كلامه، وذلك أنه فى المرة الأولى ابتلاه بالإسماع من غير وعد، فلا انتظار ولا توقع ولا أمل، فأخذ سماع الخطاب بمجامع قلب موسى- عليه السّلام- فعلّق قلبه بالميقات المعلوم ليكون تأميله تعليلا له، ثم إن وعد الحقّ لا يكون إلا صدقا، فاطمأن قلب موسى- عليه السّلام- للميعاد، ثم لمّا مضت ثلاثون ليلة أتى كما سلف الوعد فزاد له عشرا فى الموعد. والمطل فى الإنجاز غير محبوب إلا فى سنّة الأحباب، فإن المطل عندهم أشهى من الإنجاز، وفى قريب من هذا المعنى أنشدوا:
أقيمى لعمرك لا تهجرينا... ومنّينا المنى، ثم امطلينا
عدينا موعدا ما شئت إنّا... نحبّ وإن مطلت تواعدينا
فإما تنجزى وعدك أو فإنا... نعيش نؤمل فيك حينا
قوله جل ذكره: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ.
كان هارون- عليه السّلام- حمولا بحسن الخلق لمّا كان المرور إلى فرعون استصحب موسى- عليه السّلام- هارون، فقال الله- سبحانه-: «أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» بعد ما قال: «أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً». ولمّا كان المرور إلى سماع الخطاب أفرده عن نفسه، فقال: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» وهذا غاية لحمل من هارون ونهاية التصبر والرضاء، فلم يقل: لا أقيم فى قومك. ولم يقل: هلّا تحملني مع نفسك كما
أمطلينا وسوّفى... وعدينا ولا تفى
ويقال علّل الحقّ- سبحانه- موسى بالوعد الذي وعده بأن يسمعه مرة أخرى كلامه، وذلك أنه فى المرة الأولى ابتلاه بالإسماع من غير وعد، فلا انتظار ولا توقع ولا أمل، فأخذ سماع الخطاب بمجامع قلب موسى- عليه السّلام- فعلّق قلبه بالميقات المعلوم ليكون تأميله تعليلا له، ثم إن وعد الحقّ لا يكون إلا صدقا، فاطمأن قلب موسى- عليه السّلام- للميعاد، ثم لمّا مضت ثلاثون ليلة أتى كما سلف الوعد فزاد له عشرا فى الموعد. والمطل فى الإنجاز غير محبوب إلا فى سنّة الأحباب، فإن المطل عندهم أشهى من الإنجاز، وفى قريب من هذا المعنى أنشدوا:
أقيمى لعمرك لا تهجرينا... ومنّينا المنى، ثم امطلينا
عدينا موعدا ما شئت إنّا... نحبّ وإن مطلت تواعدينا
فإما تنجزى وعدك أو فإنا... نعيش نؤمل فيك حينا
قوله جل ذكره: وَقالَ مُوسى لِأَخِيهِ هارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ.
كان هارون- عليه السّلام- حمولا بحسن الخلق لمّا كان المرور إلى فرعون استصحب موسى- عليه السّلام- هارون، فقال الله- سبحانه-: «أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» بعد ما قال: «أَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً». ولمّا كان المرور إلى سماع الخطاب أفرده عن نفسه، فقال: «اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» وهذا غاية لحمل من هارون ونهاية التصبر والرضاء، فلم يقل: لا أقيم فى قومك. ولم يقل: هلّا تحملني مع نفسك كما
563
استصحبتنى حال المرور إلى فرعون؟ بل صبر ورضى بما لزم، وهذه من شديدات بلاء الأحباب، وفى قريب منه أنشدوا:
قال لى من أحب والبين قد... حلّ وفاقا لزفرتى وشهيقى
ما ترى فى الطريق تصنع بعدي... قلت: أبكى عليك طول الطريق
ثم إن موسى لما رجع من سماع الخطاب، فرأى من قومه ما رأى من عبادة العجل أخذ برأس أخيه يجره إليه حتى استلطفه هارون- عليه السّلام- فى الخطاب، فقال:
«يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسى».
ويقال لو قال هارون- عليه السّلام: إن لم تعوضنى عما فاننى من الصحبة فلا تعاتبنى فيما لم أذنب فيه بحال ذرة ولا حبّة... لكان موضع هذه القالة.
ويقال الذنب كان من بنى إسرائيل، والعتاب جرى مع هارون، وكذا الحديث والقصة، فما كلّ من عصى وجنى استوجب العتاب، فالعتاب ممنوع عن الأجانب.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٣]
وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣)
جاء موسى مجىء المشتاقين مجىء المهيّمين، جاء موسى بلا موسى، جاء موسى ولم يبق من موسى شىء لموسى. آلاف الرجال قطعوا مسافات طويلة فلم يذكرهم أحد، وهذا موسى خطا خطوات فإلى القيامة يقرأ الصبيان: «وَلَمَّا جاءَ مُوسى».
ويقال لما جاء موسى لميقات بأسطر الحقّ- سبحانه- سقط بسماع الخطاب، فلم يتمالك حتى قال: «أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ»، فإن غلبات الوجد عليه استنطقته بطلب كمال الوصلة من الشهود، وكذا قالوا:
قال لى من أحب والبين قد... حلّ وفاقا لزفرتى وشهيقى
ما ترى فى الطريق تصنع بعدي... قلت: أبكى عليك طول الطريق
ثم إن موسى لما رجع من سماع الخطاب، فرأى من قومه ما رأى من عبادة العجل أخذ برأس أخيه يجره إليه حتى استلطفه هارون- عليه السّلام- فى الخطاب، فقال:
«يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسى».
ويقال لو قال هارون- عليه السّلام: إن لم تعوضنى عما فاننى من الصحبة فلا تعاتبنى فيما لم أذنب فيه بحال ذرة ولا حبّة... لكان موضع هذه القالة.
ويقال الذنب كان من بنى إسرائيل، والعتاب جرى مع هارون، وكذا الحديث والقصة، فما كلّ من عصى وجنى استوجب العتاب، فالعتاب ممنوع عن الأجانب.
قوله جل ذكره:
[سورة الأعراف (٧) : آية ١٤٣]
وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (١٤٣)
جاء موسى مجىء المشتاقين مجىء المهيّمين، جاء موسى بلا موسى، جاء موسى ولم يبق من موسى شىء لموسى. آلاف الرجال قطعوا مسافات طويلة فلم يذكرهم أحد، وهذا موسى خطا خطوات فإلى القيامة يقرأ الصبيان: «وَلَمَّا جاءَ مُوسى».
ويقال لما جاء موسى لميقات بأسطر الحقّ- سبحانه- سقط بسماع الخطاب، فلم يتمالك حتى قال: «أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ»، فإن غلبات الوجد عليه استنطقته بطلب كمال الوصلة من الشهود، وكذا قالوا:
564
وأبرح ما يكون الشوق يوما | إذا دنت الخيام من الخيام |
ويقال أخذته عزّة السّماع فخرج لسانه «١» عن طاعته جريا على مقتضى ما صحبه من الأريحيّة وبسط الوصلة.
ويقال جمع موسى- عليه السّلام- كلمات كثيرة يتكلم بها فى تلك الحالة فإن فى القصص أنه كان يتحمل فى أيام الوعد كلمات الحق، ويقول لمعارفه: ألكم حاجة إلى الله؟
ألكم كلام معه؟ فإنى أريد أن أمضى إلى مناجاته.
ثم إنه لما جاء وسمع الخطاب لم يذكر- مما دبّره فى نفسه، وتحمله من قومه، وجمعه فى قلبه- شيئا ولا حرفا، بل نطق بما صار فى الوقت غالبا على قلبه، فقال: ربّ:
أرنى أنظر إليك، وفى معناه أنشدوا:
فيا ليل كم من حاجة لى مهمة | إذا جئتكم ليلى فلم أدر ماهيا |
ولكن ما ازداد القوم شربا إلا ازدادوا عطشا، ولا ازدادوا تيما إلا ازدادوا شوقا، لأنه لا سبيل إلى الوصلة إلا بالكمال، والحقّ- سبحانه- يصون أسرار أصفيائه عن مداخلة الملال «٢».
ويقال نطق موسى عليه السّلام بلسان الافتقار فقال: «رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ» ولا أقلّ
(١) تعليل القشيري لموقف الإفصاح الذي وقفه موسى يوضح كيف يلتمس هذا الباحث مبروا لشطحات الصوفية- بطريق غير مباشر، ويعزو ذلك تارة للسكر الروحي وتارة لوقوع العبد تحت تأثير العزة الإلهية، فيخرج اللسان عن طاعته.
(٢) وفى ذلك أنشدوا:
(٢) وفى ذلك أنشدوا: