تفسير سورة الطارق

أيسر التفاسير للجزائري
تفسير سورة سورة الطارق من كتاب أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير المعروف بـأيسر التفاسير للجزائري .
لمؤلفه أبو بكر الجزائري . المتوفي سنة 1439 هـ

سورة الطارق
مكية وآياتها سبع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ (١٠) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً (١٥) وَأَكِيدُ كَيْداً (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً (١٧)
شرح الكلمات:
والطارق: أي كل ما يطرق ويأتي ليلا وسمي النجم طارقا لطلوعه ليلا.
النجم الثاقب: أي الثريا والثاقب المضيء الذي يثقب الظلام بنوره.
لما عليها حافظ: أي إلا عليها حافظ من الملائكة يحفظ عملها.
خلق من ماء دافق: أي ماء ذي اندفاق وهو بمعنى مدفوق أي مصبوب في الرحم.
من بين الصلب والترائب: الصلب: عظم الظهر من الرجل، والترائب عظام الصدر والواحدة تربية.
يوم تبلى السرائر: أي تختبر ضمائر القلوب في العقائد والنيات. والسرائر جمع سريرة كالسر.
552
ذات الرجع: أي ذات المطر لرجوعه كل حين والرجع من أسماء المطر.
ذات الصدع: أي التصدع والتشقق بالنبات.
لقول فصل: أي يفصل بين الباطل وفي الخصومات يقطعها بالحكم الجازم.
وما هو بالهزل: أي باللعب والباطل بل هو الجد كل الجد.
يكيدون كيداً: أي يعملون المكائد للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأكيد كيدا: أي أستدرجهم من حيث لا يعلمون لأوقعهم في المكروه.
أمهلهم رويدا: أي زمنا قليلا وقد أخذهم في بدر.
معنى الآيات:
قوله تعالى ﴿وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ﴾ ١ هذا قسم إلهي حيث أقسم تعالى بالسماء والطارق ولما كان لفظ الطارق يشمل كل طارق آت بليل. وأراد طارقاً معيينا فخم من شأنه بالاستفهام عنه الدال على تهويله فقال ﴿٢وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ﴾ ثم بينه بقوله ﴿النَّجْمُ الثَّاقِبُ﴾ وكل نجم هو ثاقب للظلام بضوئه. والمراد به هنا الثريا لتعارف العرب على إطلاق النجم على الثريا. هذا هو القسم والمقسم عليه هو قوله تعالى ﴿إِنْ كُلُّ نَفْسٍ٣ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾ ٤. وهنا قراءتان سبعيتان الأولى بتخفيف ميم لما وحينئذ تصبح زائدة لتقوية الكلام لا غير واللام للفرق بين أن النافية والمؤكدة الداخلة على الاسم وهو هنا ضمير شأن محذوف والتقدير أنه على أي الحال والشأن كل نفس عليها حافظ. والثانية بتشديد لما وحينئذ تكون إن نافية بمعنى ما ولما بمعنى إلا ويصير الكلام هكذا. ما كل نفس إلا عليها حافظ من ربها يحفظ عملها ويحصي عليها ما تكسب من خير وشر. وقوله تعالى ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإنْسَانُ٥﴾ أي الكافر المكذب بالبعث والجزاء ﴿مَّم خُلِقَ﴾ أي من أي شيء خلق. وبين تعالى مما خلقه بقوله ﴿خُلِقَ مِنْ٦ مَاءٍ دَافِقٍ﴾ أي ذي اندفاق وهو المني يصب في الرحم يخرج من بين الصلب والترائب أي يخرج الماء من صلب الرجل وهو عظام ظهره وترائب المرأة وهي محل القلادة من صدرها، وقد اختلف في تقدير فهم هذا الخبر عن الله تعالى وجاء
١ قال العلماء افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم عليه وتشويق إليه.
٢ وما أدراك استفهام المراد منه تهويل الأمر وتعظيمه.
٣ الإخبار بأن كل نفس عليها حافظ يحفظ أعمالها لتحاسب عليه وتجزى بها إثبات للبعث الآخر بطريق الكناية.
٤ قرأ نافع بتخفيف الميم من لما وشددها حفص.
٥ الفاء للتفريع إذ الجملة متفرعة عن قوله إن كل نفس لما عليها حافظ إن شك الإنسان في حقيقة البعث فلينظر في أصل نشأته وجائز أن تكون الفاء الفصيحة.
٦ هذا جواب الاستفهام (مم خلق) إذ من ابتدائية وما استفهامية وحذف ألفها تخفيفا لتقدم حرف الجر عليها نحو عم؟ ولم؟ والجار والمجرور متعلق بخلق بعده والإنسان منكر البعث.
553
العلم الحديث فشرح الموضوع وأثبت أن ماء الرجل يخرج حقا مما ذكر الله تعالى في هذه الآية وأن ماء المرأة كذلك يخرج مما وصف عز وجل وصدق الله العظيم. وقوله تعالى ﴿إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ١ لَقَادِرٌ﴾ أي الذي خلقه مما ذكر من ماء دافق فجعله بشراً سوياً ثم أماته بعد أن كان حياً قادر على إرجاعه حياً كما كان وأعظم مما كان. وذلك يوم٢ تبلى السرائر أي تختبر٣ الضمائر وتكشف الأسرار وتعرف العقائد والنيات الصالحة من الفاسدة والسليمة من المعيبة ويومها ﴿فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ﴾ ليس لهذا الكافر والمكذب بالبعث والحياة الثانية ماله قوة يدفع بها عن نفسه عذاب ربه ولا ناصر ينصره فيخلصه من العذاب. وقوله تعالى ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾ أقسم تعالى بالسماء ذات السحب والغيوم والأمطار، والأرض ذات التشقق عن النباتات والزروع المختلفة على أن القرآن الكريم قول فصل وحكم عدل في كل مختلف فيهمن الحق والباطل فما أخبر به وحكم فيه من أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها هو الحق الذي لا مرية فيه والصدق الذي لا كذب معه وقوله تعالى وما هو بالهزل أي وليس القرآن باللعب الباطل بل هو الحق من الله الذي لا باطل معه. وقوله تعالى ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً﴾ أي إن كفار قريش يمكرون بالنبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبدعوته مكرا ويكدون لهم كيدا. وقوله ﴿وَأَكِيدُ كَيْداً﴾ أي وأنا أمكر بهم أكيد لهم كيدا فمن يغلب مكره وكيده الخالق المالك أم المخلوق المملوك؟ فمهل الكافرين يا رسولنا أمهلهم قليلا، فقد كتبنا في كتاب عندنا ﴿لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ وقد أنجز الله وعده لرسوله والمؤمنين فلم يمض إلا سنيات قلائل، ولم يبق في مكة من سلطان إلا الله، ولا من معبود يعبد إلا الله.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- تقرير المعاد والبعث والجزاء.
٢- تقرير أن أعما العباد محصية محفوظة وأن الحساب يجري بحسبها.
٣- بيان مادة تكوين الإنسان ومصدر تكوين تلك المادة.
٤- التحذير من إسرار الشر وإخفاء الباطل، وإظهار خلاف ما في الضمائر، فإن الله تعالى عليم بذلك، وسيختبر عباده في كل ما يسرون ويخفون.
١ جائز أن يكون على رجعه ماءً في الصلب كما كان قادراً إلا أن ما في التفسير أولى بقرينة يوم تبلى السرائر وذلك يوم القيامة الذي هو يوم البعث.
٢ تبلى نختبر وتمتحن لإظهار ما كان مستوراً مخبوءاً فيها من كفر وإيمان وخير وشر. ورد عن السلف أن الوضوء والغسل والصلاة والصيام والزكاة من السرائر، وأن حيض المرأة وحملها من السرائر إذ في إمكانها إخفاءه وإظهاره.
٣ السرائر جمع سريرة وهي ما يسر العبد ويخفيه في نفسه. وما يستره من أعماله. قال الأحوص:
سيبقى لها في مضمر اقلب والحشاء
سريرة ودٍ يوم تبلى السرائر
554
٥- إثبات أن القرآن قول فصل ليس فيه من الباطل شيء وقد تأكد هذا بمرور الزمان فقد صدقت أنباؤه ونجحت في تحقيق الأمن والاستقرار أحكامه.
555
Icon