تفسير سورة يونس

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة يونس من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ يُونُسَ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قَالَ تَعَالَى: (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (١)).
قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ عَلَى الْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَّلِ الْبَقَرَةِ، وَالْأَعْرَافِ، وَيُقَاسُ الْبَاقِي عَلَيْهِمَا. وَ (الْحَكِيمِ) : بِمَعْنَى الْمُحْكَمِ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْحَاكِمِ.
قَالَ تَعَالَى: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا) : اسْمُ كَانَ. وَخَبَرُهَا عَجَبًا، وَ (لِلنَّاسِ) : حَالٌ مِنْ عَجَبٍ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَكَانَ عَجَبًا لِلنَّاسِ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَعَلِّقٌ بَكَانَ. وَقِيلَ: هُوَ يَتَعَلَّقُ بِعَجَبٍ عَلَى التَّبْيِينِ. وَقِيلَ: (عَجَبٌ) : هُنَا بِمَعْنَى مُعْجِبٍ ; وَالْمَصْدَرُ إِذَا وَقَعَ مَوْقِعَ اسْمِ مَفْعُولٍ أَوْ فَاعِلٍ، جَازَ أَنْ يَتَقَدَّمَ مَعْمُولُهُ عَلَيْهِ كَاسْمِ الْمَفْعُولِ.
(أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ أَنْ مَصْدَرِيَّةً، فَيَكُونَ مَوْضِعُهَا نَصْبًا بِأَوْحَيْنَا، وَأَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى أَيْ، فَلَا يَكُونُ لَهَا مَوْضِعٌ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا.
قَالَ تَعَالَى: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٤))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعْدَ اللَّهِ) : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ بِفِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) ; لِأَنَّ هَذَا وَعْدٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ بِالْبَعْثِ.
وَ (حَقًّا) : مَصْدَرٌ آخَرُ، تَقْدِيرُهُ حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا.
(إِنَّهُ يَبْدَأُ) : الْجُمْهُورُ عَلَى كَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ; وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا; وَالتَّقْدِيرُ: حَقَّ أَنَّهُ يَبْدَأُ، فَهُوَ فَاعِلٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: لِأَنَّهُ يَبْدَأُ. وَمَاضِي يَبْدَأُ: بَدَأَ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى: أَبْدَأَ. (بِمَا كَانُوا) : فِي مَوْضِعِ رَفْعِ صِفَةٍ أُخْرَى لِعَذَابٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
قَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً) : مَفْعُولَانِ ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ (ضِيَاءً) حَالًا، وَجَعَلَ بِمَعْنَى خَلَقَ، وَالتَّقْدِيرُ: ذَاتَ ضِيَاءٍ.
وَقِيلَ الشَّمْسُ هِيَ الضِّيَاءُ. وَالْيَاءُ مُنْقَلِبَةٌ عَنْ وَاوٍ، لِقَوْلِكَ ضَوْءٌ، وَالْهَمْزَةُ أَصْلٌ. وَيُقْرَأُ بِهَمْزَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ. وَالْوَجْهُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْيَاءَ وَقَدَّمَ الْهَمْزَةَ، فَلَمَّا وَقَعَتِ الْيَاءُ طَرَفًا بَعْدَ أَلِفٍ زَائِدَةٍ قُلِبَتْ هَمْزَةً عِنْدَ قَوْمٍ، وَعِنْدَ آخَرِينَ أَلِفًا، ثُمَّ قُلِبَتِ الْأَلِفُ هَمْزَةً لِئَلَّا يَجْتَمِعَ أَلِفَانِ. (وَالْقَمَرَ نُورًا) : أَيْ ذَا نُورٍ. وَقِيلَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى فَاعِلٍ ; أَيْ مُنِيرًا. (
وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ) : أَيْ وَقَدَّرَ لَهُ، فَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ. وَقِيلَ التَّقْدِيرُ: قَدَّرَهُ ذَا مَنَازِلَ. «وَقَدَّرَ» عَلَى هَذَا مُتَعَدِّيَةٌ إِلَى مَفْعُولَيْنِ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ جَعَلَ وَصَيَّرَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَدَّرَ مُتَعَدِّيًا إِلَى وَاحِدٍ بِمَعْنَى خَلَقَ. وَمَنَازِلَ: حَالٌ، أَيْ مُنْتَقِلًا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ) : خَبَرُ إِنَّ: (أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ) ; فَأُولَئِكَ مُبْتَدَأٌ، وَمَأْوَاهُمْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وَالنَّارُ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ أُولَئِكَ. (بِمَا كَانُوا) : الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ ; أَيْ جُوزُوا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأَنَفًا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي يَهْدِيهِمْ. وَالْمَعْنَى: يَهْدِيهِمْ فِي الْجَنَّةِ إِلَى مُرَادَاتِهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ.
(فِي جَنَّاتِ) : يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَجْرِي، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْأَنْهَارِ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِيَهْدِي، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فِي يَهْدِي، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا لِإِنَّ.
قَالَ تَعَالَى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (دَعْوَاهُمْ) : مُبْتَدَأٌ. (سُبْحَانَكَ) : مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الدَّعْوَى ; لِأَنَّ الْمَعْنَى: قَوْلُهُمْ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ. وَ: (فِيهَا) : مُتَعَلِّقٌ بِتَحِيَّةٍ. (أَنِ الْحَمْدُ) : أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ.
وَيُقْرَأُ «أَنَّ» بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَهِيَ مَصْدَرِيَّةٌ. وَالتَّقْدِيرُ: آخِرُ دَعْوَاهُمْ حَمْدُ اللَّهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الشَّرَّ) : هُوَ مَفْعُولُ يُعَجِّلُ.
وَ (اسْتِعْجَالَهُمْ) : تَقْدِيرُهُ تَعْجِيلًا مِثْلَ اسْتِعْجَالِهِمْ ; فَحَذَفَ الْمَصْدَرَ وَصِفَتَهُ الْمُضَافَةَ، وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُمَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ حَرْفِ الْجَرِّ ; أَيْ كَاسْتِعْجَالِهِمْ ; وَهُوَ بَعِيدٌ ; إِذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ، لَجَازَ زَيْدٌ غُلَامَ عَمْرٍو ; وَبِهَذَا ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ. وَلَيْسَ بِتَضْعِيفٍ صَحِيحٍ ; إِذْ لَيْسَ فِي الْمِثَالِ الَّذِي ذُكِرَ فِعْلٌ يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ عِنْدَ حَذْفِ الْجَارِّ ; وَفِي الْآيَةِ فِعْلٌ يَصِحُّ فِيهِ ذَلِكَ ; وَهُوَ قَوْلُهُ: «يُعَجِّلُ».
(فَنَذَرُ) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: وَلَكِنْ نُمْهِلُهُمْ فَنَذَرُ ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى (يُعَجِّلُ) ; إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَدَخَلَ فِي الِامْتِنَاعِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ (لَوْ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ التَّعْجِيلَ لَمْ يَقَعْ، وَتَرْكَهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ وَقَعَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِجَنْبِهِ) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْ دَعَانَا مُضْطَجِعًا. وَمِثْلُهُ (قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا) : وَقِيلَ: الْعَامِلُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ مَسَّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَالَ عَلَى هَذَا وَاقِعَةٌ بَعْدَ جَوَابِ إِذَا وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى كَثْرَةُ دُعَائِهِ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ، لَا عَلَى أَنَّ الضُّرَّ يُصِيبُهُ فِي كُلِّ أَحْوَالِهِ ; وَعَلَيْهِ جَاءَتْ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ.
(كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا) : فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ فِي «مَرَّ».
(إِلَى ضُرٍّ) : أَيْ إِلَى كَشْفِ ضُرٍّ. وَاللَّامُ فِي لِجَنْبِهِ عَلَى أَصْلِهَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ، وَالتَّقْدِيرُ دَعَانَا مُلْقِيًا لِجَنْبِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ قَبْلِكُمْ) : مُتَعَلِّقٌ بِأَهْلَكْنَا وَلَيْسَ بِحَالٍ مِنَ الْقُرُونِ ; لِأَنَّهُ زَمَانٌ.
وَ (وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا ; أَيْ وَقَدْ جَاءَتْهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى ظَلَمُوا.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِنَنْظُرَ) : يُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ بِنُونٍ وَاحِدَةٍ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ، وَوَجْهُهَا أَنَّ النُّونَ الثَّانِيَةَ قُلِبَتْ ظَاءً وَأُدْغِمَتْ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (١٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ) : هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ، مِنْ دَرَيْتَ، وَالتَّقْدِيرُ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَمَا أَعْلَمَكُمْ بِالْقُرْآنِ. وَيُقْرَأُ وَلَأَدْرَاكُمْ بِهِ عَلَى الْإِثْبَاتِ ; وَالْمَعْنَى وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْلَمِكُمْ بِهِ بِلَا وَاسِطَةٍ.
وَيُقْرَأُ فِي الشَّاذِّ «وَلَا أَدْرَأَكُمْ بِهِ» بِالْهَمْزَةِ مَكَانَ الْأَلِفِ قِيلَ: هِيَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ يَقْلِبُونَ الْأَلِفَ الْمُبْدَلَةَ مِنْ يَاءٍ هَمْزَةً. وَقِيلَ هُوَ غَلَطٌ ; لِأَنَّ قَارِئَهَا ظَنَّ أَنَّهُ مِنَ الدَّرْءِ، وَهُوَ الدَّفْعُ. وَقِيلَ لَيْسَ بِغَلَطٍ وَالْمَعْنَى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَدَفَعَكُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ.
(عُمُرًا) : يَنْتَصِبُ نَصْبَ الظُّرُوفِ ; أَيْ مِقْدَارَ عُمُرٍ، أَوْ مُدَّةَ عُمُرٍ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا لَا يَضُرُّهُمْ) :(مَا) بِمَعْنَى الَّذِي، وَيُرَادُ بِهَا الْأَصْنَامُ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: «هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا» : فَجَمَعَ حَمْلًا عَلَى مَعْنَى (مَا).
قَالَ تَعَالَى: (وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (٢١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذَا أَذَقْنَا) : جَوَابُ (إِذَا) الْأُولَى (إِذَا) الثَّانِيَةُ. وَالثَّانِيَةُ لِلْمُفَاجَأَةِ، وَالْعَامِلُ فِي الثَّانِيَةِ الِاسْتِقْرَارُ الَّذِي فِي (لَهُمْ)، وَقِيلَ «إِذَا» الثَّانِيَةُ زَمَانِيَّةٌ أَيْضًا ; وَالثَّانِيَةُ وَمَا بَعْدَهَا جَوَابُ الْأُولَى.
قَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُسَيِّرُكُمْ) : يُقْرَأُ بِالسِّينِ مِنَ السَّيْرِ، وَ (يَنْشُرُكُمْ) مِنَ النَّشْرِ ; أَيْ يُصَرِّفُكُمْ وَيَبُثُّكُمْ. (
وَجَرَيْنَ بِهِمْ) : ضَمِيرُ الْغَائِبِ، وَهُوَ رُجُوعٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ ; وَلَوْ قَالَ «بِكُمْ» لَكَانَ مُوَافِقًا لِكُنْتُمْ، وَكَذَلِكَ «فَرِحُوا» وَمَا بَعْدَهُ. (جَاءَتْهَا) : الضَّمِيرُ لِلْفُلْكِ. وَقِيلَ: لِلرِّيحِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذَا هُمْ) : هُوَ جَوَابٌ (لِمَا)، وَهِيَ لِلْمُفَاجَأَةِ كَالَّتِي يُجَابُ بِهَا الشَّرْطُ. (بَغْيُكُمْ) مُبْتَدَأٌ. وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا. «عَلَى أَنْفُسِكُمْ»، وَعَلَى مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ ; أَيْ كَائِنٌ ; لَا بِالْمَصْدَرِ ; لِأَنَّ الْخَبَرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُبْتَدَأِ. فَـ «مَتَاعُ» عَلَى هَذَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هُوَ مَتَاعٌ، أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. وَالثَّانِي: أَنَّ الْخَبَرَ مَتَاعٌ، وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ
مُتَعَلِّقٌ بِالْمَصْدَرِ، وَيُقْرَأُ «مَتَاعَ» بِالنَّصْبِ ; فَعَلَى هَذَا «عَلَى أَنْفُسِكُمْ» خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ، «وَمَتَاعَ» مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ ; أَيْ مَتَّعَكُمْ بِذَلِكَ مَتَاع. وَقِيلَ: هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ بَغْيُكُمْ، وَيَكُونُ الْبَغْيُ هُنَا بِمَعْنَى الطَّلَبِ ; أَيْ طَلَبُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ; فَعَلَى هَذَا «عَلَى أَنْفُسِكُمْ» لَيْسَ بِخَبَرٍ ; لِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يَعْمَلُ فِيمَا بَعْدَ خَبَرِهِ، بَلْ «عَلَى أَنْفُسِكُمْ» مُتَعَلِّقٌ بِالْمَصْدَرِ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; تَقْدِيرُهُ: طَلَبُكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ضَلَالٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
وَيُقْرَأُ مَتَاعِ: بِالْجَرِّ، عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْأَنْفُسِ، وَالتَّقْدِيرُ: ذَوَاتِ مَتَاعٍ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ ; أَيْ مُمَتِّعَاتِ الدُّنْيَا، وَيَضْعُفُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا ; إِذْ قَدْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ صِفَةً.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ) : الْبَاءُ لِلسَّبَبِ ; أَيِ اخْتَلَطَ النَّبَاتُ بِسَبَبِ اتِّصَالِ الْمَاءِ بِهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى خَالَطَهُ نَبَاتُ الْأَرْضِ ; أَيِ اتَّصَلَ بِهِ فَرَبَّاهُ، وَ «مِمَّا يَأْكُلُ» حَالٌ مِنَ النَّبَاتِ. (وَازَّيَّنَتْ) : أَصْلُهُ تَزَيَّنَتْ، ثُمَّ عُمِلَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَا فِي (فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا) :[الْبَقَرَةِ: ٧٢].
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَيَاءٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا، خَفِيفَةَ النُّونِ وَالْيَاءِ ; أَيْ صَارَتْ ذَاتَ زِينَةٍ ; كَقَوْلِكَ: أَجْرَبَ الرَّجُلُ إِذَا صَارَ ذَا إِبِلٍ جَرْبَى. وَصَحَّحَ الْيَاءَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تُقْلَبَ أَلِفًا وَلَكِنْ جَاءَ مُصَحَّحًا كَمَا جَاءَ اسْتَحْوَذَ.
وَيُقْرَأُ «وَازْيَأَنَّتْ» بِزَايٍ سَاكِنَةٍ خَفِيفَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ مَفْتُوحَةٌ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ بَعْدَهَا نُونٌ مُشَدَّدَةٌ وَالْأَصْلُ: وَازْيَانَّتْ، مِثْلُ احْمَارَّتْ، وَلَكِنْ حَرَّكَ الْأَلِفَ فَانْقَلَبَتْ هَمْزَةً كَمَا ذَكَرْنَا فِي «الضَّالِّينَ».
(تَغْنَ بِالْأَمْسِ) : قُرِئَ فِي الشَّاذِّ. «تَتَغَنَّ» - بِتَاءَيْنِ، وَهُوَ فِي الْقِرَاءَةِ الْمَشْهُورَةِ.
وَ «الْأَمْس» هُنَا يُرَادُ بِهِ الزَّمَانُ الْمَاضِي لَا حَقِيقَةُ أَمْسٍ الَّذِي قَبْلَ يَوْمِكَ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ ذَلِكَ كَانَ مُعْرَبًا ; وَكَانَ بِلَا أَلِفٍ وَلَامٍ وَلَا إِضَافَةٍ، نَكِرَةً.
قَالَ تَعَالَى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ) : الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا، وَالْعَامِلُ فِيهَا الِاسْتِقْرَارُ فِي «لِلَّذِينَ» ; أَيِ اسْتَقَرَّتْ لَهُمُ الْحُسْنَى مَضْمُونًا لَهُمُ السَّلَامَةُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى الْحُسْنَى ; لِأَنَّ الْفِعْلَ إِذَا عُطِفَ عَلَى الْمَصْدَرِ احْتَاجَ إِلَى «أَنْ» ذِكْرًا أَوْ تَقْدِيرًا وَ «أَنْ» غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ مَرْفُوعٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا) : مُبْتَدَأٌ، وَفِي الْخَبَرِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: هُوَ قَوْلُهُ: «مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ» أَوْ قَوْلُهُ: (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ) : أَوْ قَوْلُهُ: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ)، وَيَكُونُ (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا) مُعْتَرِضًا بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَخَبَرِهِ. وَالثَّانِي: الْخَبَرُ (جَزَاءُ سَيِّئَةٍ). وَجَزَاءُ مُبْتَدَأٌ. وَفِي خَبَرِهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: بِمِثْلِهَا، وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ، كَقَوْلِهِ: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) [الشُّورَى: ٤٠] وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ زَائِدَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ: جَزَاءُ سَيِّئَةٍ مُقَدَّرٌ بِمِثْلِهَا. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةً بِجَزَاءٍ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَاقِعٌ.
(وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) : قِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى كَسَبُوا وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الْمُسْتَقْبَلَ لَا يُعْطَفُ عَلَى الْمَاضِي ; وَإِنْ قِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْمَاضِي فَضَعِيفٌ أَيْضًا. وَقِيلَ: الْجُمْلَةُ حَالٌ. (
قِطَعًا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الطَّاءِ، وَهُوَ جَمْعُ قِطْعَةٍ، وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ «لِأُغْشِيَتْ».
وَ (مِنَ اللَّيْلِ) : صِفَةٌ لِقِطَعٍ.
وَ (مُظْلِمًا) حَالٌ مِنَ اللَّيْلِ ; وَقِيلَ: مِنْ «قِطَعٍ»، أَوْ صِفَةٌ لِـ «قِطَعٍ» وَذَكَّرَهُ لِأَنَّ الْقِطَعَ فِي مَعْنَى الْكَثِيرِ.
وَيُقْرَأُ بِسُكُونِ الطَّاءِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ «مُظْلِمًا» صِفَةً لِقِطَعٍ، أَوْ حَالًا مِنْهُ، أَوْ حَالًا مِنَ الضَّمِيرِ فِي «مِنَ اللَّيْلِ» أَوْ حَالًا مِنَ «اللَّيْلِ».
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَكَانَكُمْ) : هُوَ ظَرْفٌ مَبْنِيٌّ لِوُقُوعِهِ مَوْقِعَ الْأَمْرِ ; أَيِ الْزَمُوا ; وَفِيهِ ضَمِيرٌ فَاعِلٌ.
وَ (أَنْتُمْ) تَوْكِيدٌ لَهُ، «وَالْكَافُ وَالْمِيمُ» فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عِنْدَ قَوْمٍ، وَعِنْدَ آخَرِينَ: الْكَافُ لِلْخِطَابِ لَا مَوْضِعَ لَهَا، كَالْكَافِ فِي إِيَّاكُمْ.
(وَشُرَكَاؤُكُمْ) عَطْفٌ عَلَى الْفَاعِلِ.
(فَزَيَّلْنَا) : عَيْنُ الْكَلِمَةِ وَاوٌ، لِأَنَّهُ مِنْ زَالَ يَزُولُ ; وَإِنَّمَا قُلِبَتْ يَاءً ; لِأَنَّ وَزْنَ الْكَلِمَةِ فَيْعَلَ ; أَيْ زَيْوَلْنَا، مِثْلَ بَيْطَرَ وَبَيْقَرَ ; فَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْيَاءُ وَالْوَاوُ عَلَى الشَّرْطِ الْمَعْرُوفِ، قُلِبَتْ يَاءً. وَقِيلَ: هُوَ مِنْ زِلْتُ الشَّيْءَ، أَزِيلُهُ، فَعَيْنُهُ عَلَى هَذَا يَاءٌ، فَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ فَعَّلْنَا وَفَيْعَلْنَا.
قَالَ تَعَالَى: (هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٣٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (هُنَالِكَ تَبْلُو) : يُقْرَأُ بِالْيَاءِ ; أَيْ تُخْتَبَرُ عَمَلَهَا.
وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ ; أَيْ تَتْبَعُ، أَوْ تَقْرَأُ فِي الصَّحِيفَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) : أَنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ - فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بَدَلًا مِنْ «كَلِمَةُ». أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ. أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ; أَيْ لِأَنَّهُمْ. أَوْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عَلَى إِعْمَالِ اللَّامِ مَحْذُوفَةً.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) (٣٤) (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٥)).
قَوْلُهُ
تَعَالَى
: (أَمَّنْ
لَا يَهِدِّي) : فِيهَا قِرَاءَاتٌ قَدْ ذَكَرْنَا مِثْلَهَا فِي قَوْلِهِ: (يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ) : وَوَجَّهْنَاهَا هُنَاكَ.
وَأَمَّا: (إِلَّا أَنْ يُهْدَى) : فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ: (إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا) : وَقَدْ ذُكِرَ فِي النِّسَاءِ، وَلَهُ نَظَائِرُ قَدْ ذُكِرَتْ أَيْضًا.
(فَمَا لَكُمْ) : مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ ; أَيْ أَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ فِي الْإِشْرَاكِ.
وَ (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) : مُسْتَأْنَفٌ ; أَيْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ بِأَنَّ لَهُ شَرِيكًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (١٢))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) : فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ ; أَيْ إِغْنَاءً.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا لِيُغْنِي. وَ (مِنَ الْحَقِّ) حَالٌ مِنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ) :(هَذَا) اسْمُ كَانَ، وَ (الْقُرْآنُ) نَعْتٌ لَهُ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ. وَ (أَنْ يُفْتَرَى) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ ; أَيْ وَمَا كَانَ الْقُرْآنُ افْتِرَاءً، وَالْمَصْدَرُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ ; أَيْ مُفْتَرًى. وَالثَّانِي: التَّقْدِيرُ مَا كَانَ الْقُرْآنُ ذَا افْتِرَاءٍ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ خَبَرَ كَانَ مَحْذُوفٌ ; وَالتَّقْدِيرُ: مَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ مُمْكِنًا أَنْ يُفْتَرَى. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: لِأَنْ يُفْتَرَى.
وَ (تَصْدِيقَ) : مَفْعُولٌ لَهُ ; أَيْ وَلَكِنْ أُنْزِلَ لِلتَّصْدِيقِ.
وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَلَكِنْ كَانَ التَّصْدِيقَ الَّذِي ; أَيْ مُصِدِّقَ الَّذِي.
(وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ) : مِثْلَ تَصْدِيقٍ.
(لَا رَيْبَ فِيهِ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْكِتَابِ، «وَالْكِتَابِ» مَفْعُولٌ فِي الْمَعْنَى وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا.
(مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أُخْرَى، وَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا بِالْمَحْذُوفِ ; أَيْ وَلَكِنْ أُنْزِلَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: «كَيْفَ» خَبَرُ كَانَ. وَ «عَاقِبَةُ» اسْمُهَا.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (٤٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) : الْجَمْعُ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى (مَنْ)، وَالْإِفْرَادُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (مَنْ يَنْظُرُ) مَحْمُولٌ عَلَى لَفْظِهَا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا ; أَيْ لَا يَنْقُصُهُمْ شَيْئًا، وَأَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْمَصْدَرِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا) : الْكَلَامُ كُلُّهُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ (يَحْشُرُهُمْ)، وَكَأَنْ هَاهُنَا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاسْمُهَا مَحْذُوفٌ ; أَيْ كَأَنَّهُمْ.
وَ (سَاعَةً) : ظَرْفٌ لِيَلْبَثُوا، وَ (مِنَ النَّهَارِ) : نَعْتٌ لِسَاعَةٍ وَقِيلَ: «كَأَنْ لَمْ» صِفَةُ الْيَوْمِ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ لَمْ يَلْبَثُوا قَبْلَهُ. وَقِيلَ: هُوَ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ حَشْرًا كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا قَبْلَهُ، وَالْعَامِلُ فِي «يَوْمٍ» اذْكُرْ.
(يَتَعَارَفُونَ) حَالٌ أُخْرَى، وَالْعَامِلُ فِيهَا «يَحْشُرُهُمْ» وَهِيَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ ; لِأَنَّ التَّعَارُفَ لَا يَكُونُ حَالَ الْحَشْرِ.
(قَدْ خَسِرَ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا ; وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: يَقُولُونَ: قَدْ خَسِرَ، وَالْمَحْذُوفُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَتَعَارَفُونَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ) : ثُمَّ هَاهُنَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ تَرْتِيبًا فِي الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا رَتَّبَتِ الْأَخْبَارَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ عَالِمٌ، ثُمَّ هُوَ كَرِيمٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَاذَا يَسْتَعْجِلُ) : قَدْ ذَكَرْنَا فِي (مَاذَا) فِي الْبَقَرَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (مَاذَا يُنْفِقُونَ) :[الْبَقَرَةِ: ٢١٩، ٢١٥] قَوْلَيْنِ، وَهُمَا مَقُولَانِ هَاهُنَا. وَقِيلَ: فِيهَا قَوْلٌ ثَالِثٌ ; وَهُوَ أَنْ تَكُونَ «مَاذَا» اسْمًا وَاحِدًا مُبْتَدَأً، وَ «يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ» الْخَبَرَ، وَقَدْ ضُعِّفَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْخَبَرَ هَاهُنَا جُمْلَةٌ مِنْ فِعْلٍ وَفَاعِلٍ، وَلَا ضَمِيرَ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الْمُبْتَدَأِ. وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَائِدَ الْهَاءُ فِي «مِنْهُ» فَهُوَ كَقَوْلِكَ: زَيْدٌ أَخَذْتُ مِنْهُ دِرْهَمًا.
قَالَ تَعَالَى: (أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (آلْآنَ) : فِيهَا كَلَامٌ قَدْ ذُكِرَ مِثْلُهُ فِي الْبَقَرَةِ، وَالنَّاصِبُ لَهَا مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ آمَنْتُمُ الْآنَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَحَقٌّ هُوَ) : مُبْتَدَأٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «هُوَ» مُبْتَدَأً، وَ «أَحَقٌّ» الْخَبَرَ، وَمَوْضِعُ الْجُمْلَةِ نَصْبٌ بِـ «يَسْتَنْبِئُونَكَ».
وَ (إِي) : بِمَعْنَى نَعَمْ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٥٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ) : مُسْتَأْنَفٌ، وَهُوَ حِكَايَةُ مَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ وَقِيلَ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَشِفَاءٌ) : هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَعْنَى الْفَاعِلِ ; أَيْ وَشَافٍ. وَقِيلَ: هُوَ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ ; أَيِ الْمُشْفَى بِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا) : الْفَاءُ الْأُولَى مُرْتَبِطَةٌ بِمَا قَبْلَهَا، وَالثَّانِيَةُ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَلْيَعْجَبُوا بِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا، كَقَوْلِهِمْ: زَيْدًا فَاضْرِبْهُ ; أَيْ تَعَمَّدْ زَيْدًا فَاضْرِبْهُ. وَقِيلَ: الْفَاءُ الْأُولَى زَائِدَةٌ.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْيَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ لِلْغَائِبِ ; وَهُوَ رُجُوعٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ.
وَيُقْرَأُ بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ كَالَّذِي قَبْلَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَرَأَيْتُمْ) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْعَامِ.
(آللَّهُ) مِثْلُ: (آلذَّكَرَيْنِ) وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْعَامِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٦١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي شَأْنٍ) : خَبَرُ كَانَ.
(وَ
مَا تَتْلُو) : مَا نَافِيَةٌ وَ (مِنْهُ) :; أَيْ مِنَ الشَّأْنِ ; أَيْ مِنْ أَجْلِهِ وَ (مِنْ قُرْآنٍ) : مَفْعُولُ تَتْلُوا، وَمِنْ زَائِدَةٌ.
(إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ) : ظَرْفٌ لِـ «شُهُودًا».
(مِنْ مِثْقَالِ) : فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِيَعْزُبُ، وَيَعْزُبُ - بِضَمِّ الزَّايِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا.
(وَلَا أَصْغَرَ) (وَلَا أَكْبَرَ) - بِفَتْحِ الرَّاءِ - فِي مَوْضِعِ جَرِّ صِفَةٍ لِـ «ذَرَّةٍ» أَوْ لِـ «مِثْقَالٍ» عَلَى اللَّفْظِ. وَيُقْرَآنِ بِالرَّفْعِ حَمْلًا عَلَى مَوْضِعِ «مِنْ مِثْقَالِ» وَالَّذِي فِي سَبَأٍ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(إِلَّا فِي كِتَابٍ) : أَيْ إِلَّا هُوَ فِي كِتَابٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ.
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ آمَنُوا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَأً، وَخَبَرُهُ «لَهُمُ الْبُشْرَى» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا ثَانِيًا لِأَنَّ، أَوْ خَبَرَ ابْتِدَاءٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هُمُ الَّذِينَ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِإِضْمَارِ أَعْنِي، أَوْ صِفَةً لِأَوْلِيَاءَ بَعْدَ الْخَبَرِ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي «عَلَيْهِمْ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يَجُوزُ أَنْ تَتَعَلَّقَ «فِي» بِالْبُشْرَى، وَأَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْهَا، وَالْعَامِلُ الِاسْتِقْرَارُ.
وَ (لَا تَبْدِيلَ) : مُسْتَأْنَفٌ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الْعِزَّةَ) : هُوَ مُسْتَأْنَفٌ، وَالْوَقْفُ عَلَى مَا قَبْلَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ (٦٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا يَتَّبِعُ) : فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا هِيَ نَافِيَةٌ، وَمَفْعُولُ «يَتَّبِعُ» مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: «إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ».
وَ «شُرَكَاءَ» مَفْعُولُ «يَدْعُونَ» ; وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولُ «يَتَّبِعُونَ» ; لِأَنَّ الْمَعْنَى يَصِيرُ إِلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّبِعُوا شُرَكَاءَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ (مَا) اسْتِفْهَامًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِـ «يَتَّبِعُ».
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٦٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ) : إِنْ هَاهُنَا بِمَعْنَى «مَا» لَا غَيْرَ.
(بِهَذَا) : يَتَعَلَّقُ بِسُلْطَانٍ أَوْ نَعْتٌ لَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (٧٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا) : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: افْتِرَاؤُهُمْ، أَوْ حَيَاتُهُمْ، أَوْ تَقَلُّبُهُمْ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ (٧١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ) :«إِذْ» ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ «نَبَأُ» وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا.
(فَعَلَى اللَّهِ) : الْفَاءُ جَوَابُ الشَّرْطِ. وَالْفَاءُ فِي «فَأَجْمِعُوا» عَاطِفَةٌ عَلَى الْجَوَابِ. «وَأَجْمِعُوا» بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ مِنْ قَوْلِكَ: أَجْمَعْتُ عَلَى الْأَمْرِ إِذَا عَزَمْتَ عَلَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ حَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ فَوَصَلَ الْفِعْلُ بِنَفْسِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ فِي الْأَصْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَارِثِ:
أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ بِلَيْلٍ فَلَمَّا أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ
وَأَمَّا: (شُرَكَاءَكُمْ) فَالْجُمْهُورُ عَلَى النَّصْبِ، وَفِيهِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «أَمْرَكُمْ» تَقْدِيرُهُ: وَأَمَرَ شُرَكَائِكُمْ ; فَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَ الْمُضَافِ. وَالثَّانِي: هُوَ مَفْعُولٌ مَعَهُ تَقْدِيرُهُ: مَعَ شُرَكَائِكُمْ. وَالثَّالِثُ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ وَأَجْمِعُوا شُرَكَاءَكُمْ. وَقِيلَ: التَّقْدِيرُ: وَادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ.
وَيُقْرَأُ بِالرَّفْعِ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي «أَجْمِعُوا».
وَيُقْرَأُ «فَاجْمَعُوا» بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ ; وَالتَّقْدِيرُ: ذَوِي أَمْرِكُمْ ; لِأَنَّكَ تَقُولُ: جَمَعْتُ الْقَوْمَ، وَأَجْمَعْتُ الْأَمْرَ، وَلَا تَقُولُ: جَمَعْتُ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، وَقِيلَ: لَا حَذْفَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ هُنَا ضَمُّ بَعْضِ أُمُورِهِمْ إِلَى بَعْضٍ.
(ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ) : يُقْرَأُ بِالْقَافِ وَالضَّادِ مِنْ قَضَيْتُ الْأَمْرَ، وَالْمَعْنَى: اقْضُوا مَا عَزَمْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيقَاعِ بِي.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ وَالضَّادِ، وَالْمَصْدَرُ مِنْهُ: الْإِفْضَاءُ، وَالْمَعْنَى: صِلُوا إِلَيَّ، وَلَامُ الْكَلِمَةِ وَاوٌ، يُقَالُ: فَضَا الْمَكَانُ يَفْضُو ; إِذَا اتَّسَعَ.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ بَعْدِهِ) : الْهَاءُ تَعُودُ عَلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
(فَمَا كَانُوا) : الْوَاوُ ضَمِيرُ الْقَوْمِ، وَالضَّمِيرُ فِي (كَذَّبُوا) يَعُودُ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ، وَالْهَاءُ فِي (بِهِ) لِنُوحٍ. وَالْمَعْنَى: فَمَا كَانَ قَوْمُ الرُّسُلِ الَّذِينَ بَعْدَ نُوحٍ لِيُؤْمِنُوا بِالَّذِي كَذَّبَ بِهِ قَوْمُ نُوحٍ ; أَيْ بِمِثْلِهِ.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ لِنُوحٍ، وَلَا يَكُونُ فِيهِ حَذْفٌ، وَالْمَعْنَى: فَمَا كَانَ قَوْمُ الرُّسُلِ الَّذِينَ بَعْدَ نُوحٍ لِيُؤْمِنُوا بِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ) : الْمَحْكِيُّ بِيَقُولُ مَحْذُوفٌ ; أَيْ أَتَقُولُونَ لَهُ: هُوَ سِحْرٌ! ثُمَّ اسْتَأْنَفَ، فَقَالَ: «أَسِحْرٌ هَذَا» ؟ وَ «سِحْرٌ» خَبَرٌ مُقَدَّمٌ، وَهَذَا مُبْتَدَأٌ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ) : هُوَ اسْمُ كَانَ، وَ «لَكُمْ» خَبَرُهَا. وَ «فِي الْأَرْضِ» ظَرْفٌ لِلْكِبْرِيَاءِ مَنْصُوبٌ بِهَا، أَوْ بِكَانَ، أَوْ بِالِاسْتِقْرَارِ فِي «لَكُمَا». وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْكِبْرِيَاءِ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي «لَكُمَا».
قَالَ تَعَالَى: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) : يُقْرَأُ بِالِاسْتِفْهَامِ ; فَعَلَى هَذَا تَكُونُ (مَا) اسْتِفْهَامًا، وَفِي مَوْضِعِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا نُصِبَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ مَوْضِعُهُ بَعْدَ (مَا) تَقْدِيرُهُ: أَيُّ شَيْءٍ أَتَيْتُمْ بِهِ، وَ «جِئْتُمْ بِهِ» يُفَسِّرُ الْمَحْذُوفَ.
فَعَلَى هَذَا فِي قَوْلِهِ: (السِّحْرُ) وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ هُوَ السِّحْرُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا ; أَيِ السِّحْرُ هُوَ.
وَالثَّانِي: مَوْضِعُهَا رَفْعٌ بِالِابْتِدَاءِ، وَ «جِئْتُمْ بِهِ» الْخَبَرُ.
وَ (السِّحْرُ) فِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْوَجْهَيْنِ. وَالثَّانِي: هُوَ بَدَلٌ مِنْ مَوْضِعِ (مَا) كَمَا تَقُولُ: مَا عِنْدَكَ أَدِينَارٌ أَمْ دِرْهَمٌ؟.
وَيُقْرَأُ عَلَى لَفْظِ الْخَبَرِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: اسْتِفْهَامٌ أَيْضًا فِي الْمَعْنَى، وَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ لِلْعِلْمِ بِهَا. وَالثَّانِي: هُوَ خَبَرٌ فِي الْمَعْنَى ; فَعَلَى هَذَا تَكُونُ (مَا) بِمَعْنَى الَّذِي، وَ «جِئْتُمْ بِهِ» صِلَتُهَا، وَ «السِّحْرُ» خَبَرُهَا.
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مَا) اسْتِفْهَامًا، وَ (السِّحْرُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ.
قَالَ تَعَالَى: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَلَئِهِمْ) : فِيمَا يَعُودُ الْهَاءُ وَالْمِيمُ إِلَيْهِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الذُّرِّيَّةِ، وَلَمْ تُؤَنَّثْ لِأَنَّ الذَّرِّيَّةَ قَوْمٌ ; فَهُوَ مُذَكَّرٌ فِي الْمَعْنَى. وَالثَّانِي: هُوَ عَائِدٌ عَلَى الْقَوْمِ. وَالثَّالِثُ: يَعُودُ عَلَى فِرْعَوْنَ ; وَإِنَّمَا جُمِعَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا كَانَ عَظِيمًا عِنْدَهُمْ عَادَ الضَّمِيرُ إِلَيْهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، كَمَا يَقُولُ الْعَظِيمُ: نَحْنُ نَأْمُرُ. وَالثَّانِي: أَنَّ فِرْعَوْنَ صَارَ اسْمًا لِأَتْبَاعِهِ ; كَمَا أَنَّ ثَمُودَ اسْمٌ لِلْقَبِيلَةِ كُلِّهَا. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ يَعُودُ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ ; أَيْ مَلَأِ الْآلِ، وَهَذَا عِنْدَنَا غَلَطٌ ; لِأَنَّ الْمَحْذُوفَ لَا يَعُودُ إِلَيْهِ ضَمِيرٌ ; إِذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَازَ أَنْ تَقُولَ: زَيْدٌ قَامُوا وَأَنْتَ تُرِيدُ: غِلْمَانُ زَيْدٍ قَامُوا.
683
(أَنْ يَفْتِنَهُمْ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنْ فِرْعَوْنَ ; تَقْدِيرُهُ: عَلَى خَوْفِ فِتْنَةٍ مِنْ فِرْعَوْنَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِخَوْفٍ ; أَيْ عَلَى خَوْفِ فِتْنَةِ فِرْعَوْنَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَبَوَّآ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (أَنْ) الْمُفَسِّرَةَ وَلَا يَكُونُ لَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ. وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً فَتَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَوْحَيْنَا.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا يَاءً وَهِيَ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ تَخْفِيفًا.
(لِقَوْمِكُمَا) : فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: اللَّامُ غَيْرُ زَائِدَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ: اتَّخِذَا لِقَوْمِكُمَا بُيُوتًا ; فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِقَوْمِكُمَا أَحَدُ مَفْعُولَيْ تَبَوَّءَا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْبُيُوتِ. وَالثَّانِي: اللَّامُ زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: بَوِّئَا قَوْمَكُمَا بُيُوتًا ; أَيْ أَنْزِلَاهُمْ، وَتَفَعَّلَ وَفَعَّلَ بِمَعْنًى، مِثْلُ عَلَّقَهَا وَتَعَلَّقَهَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ «بِمِصْرَ» فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَبَوَّءَا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْبُيُوتِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ قَوْمِكُمَا. وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي تَبَوَّأَ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
(وَاجْعَلُوا) - (وَأَقِيمُوا) : إِنَّمَا جَمَعَ فِيهِمَا ; لِأَنَّهُ أَرَادَ مُوسَى وَهَارُونَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَقَوْمَهُمَا، وَأَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ: «وَبَشِّرْ» ; لِأَنَّهُ أَرَادَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ ; إِذْ كَانَ هُوَ الرَّسُولَ، وَهَارُونُ وَزِيرًا لَهُ ; فَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الْأَصْلُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَا يُؤْمِنُوا) : فِي مَوْضِعِهِ وَجْهَانِ؛
684
(أَنْ يَفْتِنَهُمْ) : هُوَ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ بَدَلًا مِنْ فِرْعَوْنَ ; تَقْدِيرُهُ: عَلَى خَوْفِ فِتْنَةٍ مِنْ فِرْعَوْنَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِخَوْفٍ ; أَيْ عَلَى خَوْفِ فِتْنَةِ فِرْعَوْنَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَبَوَّآ) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (أَنْ) الْمُفَسِّرَةَ وَلَا يَكُونُ لَهَا مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ. وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً فَتَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِأَوْحَيْنَا.
وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَحْقِيقِ الْهَمْزَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا يَاءً وَهِيَ مُبْدَلَةٌ مِنَ الْهَمْزَةِ تَخْفِيفًا.
(لِقَوْمِكُمَا) : فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: اللَّامُ غَيْرُ زَائِدَةٍ، وَالتَّقْدِيرُ: اتَّخِذَا لِقَوْمِكُمَا بُيُوتًا ; فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِقَوْمِكُمَا أَحَدُ مَفْعُولَيْ تَبَوَّءَا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْبُيُوتِ. وَالثَّانِي: اللَّامُ زَائِدَةٌ، وَالتَّقْدِيرُ: بَوِّئَا قَوْمَكُمَا بُيُوتًا ; أَيْ أَنْزِلَاهُمْ، وَتَفَعَّلَ وَفَعَّلَ بِمَعْنًى، مِثْلُ عَلَّقَهَا وَتَعَلَّقَهَا.
فَأَمَّا قَوْلُهُ «بِمِصْرَ» فَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِتَبَوَّءَا، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنَ الْبُيُوتِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ قَوْمِكُمَا. وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي تَبَوَّأَ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
(وَاجْعَلُوا) - (وَأَقِيمُوا) : إِنَّمَا جَمَعَ فِيهِمَا ; لِأَنَّهُ أَرَادَ مُوسَى وَهَارُونَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - وَقَوْمَهُمَا، وَأَفْرَدَ فِي قَوْلِهِ: «وَبَشِّرْ» ; لِأَنَّهُ أَرَادَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ ; إِذْ كَانَ هُوَ الرَّسُولَ، وَهَارُونُ وَزِيرًا لَهُ ; فَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هُوَ الْأَصْلُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلَا يُؤْمِنُوا) : فِي مَوْضِعِهِ وَجْهَانِ؛
أَحَدُهُمَا: النَّصْبُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ ; أَحَدُهُمَا: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى «لِيَضِلُّوا» وَالثَّانِي: هُوَ جَوَابُ الدُّعَاءِ فِي قَوْلِهِ اطْمِسْ، وَاشْدُدْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: مَوْضِعُهُ جَزْمٌ ; لِأَنَّ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ، كَمَا تَقُولُ: لَا تُعَذِّبْنِي.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا تَتَّبِعَانِّ) : يُقْرَأُ بِتَشْدِيدِ النُّونِ، وَالنُّونُ لِلتَّوْكِيدِ، وَالْفِعْلُ مَبْنِيٌّ مَعَهَا، وَالنُّونُ الَّتِي تَدْخُلُ لِلرَّفْعِ لَا وَجْهَ لَهَا هَاهُنَا ; لِأَنَّ الْفِعْلَ هُنَا غَيْرُ مُعْرَبٍ.
وَيُقْرَأُ بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَكَسْرِهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ؛
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَهْيٌ أَيْضًا، وَحَذَفَ النُّونَ الْأُولَى مِنَ الثَّقِيلَةِ تَخْفِيفًا، وَلَمْ تُحْذَفِ الثَّانِيَةُ ; لِأَنَّهُ لَوْ حَذَفَهَا لَحَذَفَ نُونًا مُحَرَّكَةً، وَاحْتَاجَ إِلَى تَحْرِيكِ السَّاكِنَةِ، وَحَذْفُ السَّاكِنَةِ أَقَلُّ تَغَيُّرًا. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْفِعْلَ مُعْرَبٌ مَرْفُوعٌ، وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا: هُوَ خَبَرٌ فِي مَعْنَى النَّهْيِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي قَوْلِهِ: (لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) : وَالثَّانِي: هُوَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالتَّقْدِيرُ: فَاسْتَقِيمَا غَيْرَ مُتَّبَعِينَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ) : الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ مِثْلُ الْهَمْزَةِ، كَقَوْلِكَ: أَجَزْتُ الرِّجَالَ الْبَحْرَ.
(بَغْيًا وَعَدْوًا) : مَفْعُولٌ مِنْ أَجْلِهِ، أَوْ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
قَالَ تَعَالَى: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (آلْآنَ) الْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: أَتُؤْمِنُ الْآنَ؟.
قَالَ تَعَالَى: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (٩٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِبَدَنِكَ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ; أَيْ عَارِيًا.
وَقِيلَ: بِجَسَدِكَ لَا رُوحَ فِيهِ. وَقِيلَ: بِدِرْعِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا، وَأَنْ يَكُونَ مَكَانًا.
قَالَ تَعَالَى: (فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (٩٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) : هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْقَرْيَةُ، وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْقَوْمِ. وَقِيلَ: هُوَ مُتَّصِلٌ ; لِأَنَّ التَّقْدِيرَ: فَلَوْلَا كَانَ أَهْلُ قَرْيَةٍ. وَلَوْ كَانَ قَدْ قُرِئَ بِالرَّفْعِ لَكَانَتْ إِلَّا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ «غَيْرِ»، فَيَكُونُ صِفَةً.
قَالَ تَعَالَى: (قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ) : هُوَ اسْتِفْهَامٌ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ. وَ «فِي السَّمَاوَاتِ» الْخَبَرُ، وَ «انْظُرُوا» مُعَلَّقَةٌ عَنِ الْعَمَلِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَصْلُ ذَلِكَ.
(وَمَا تُغْنِي) : يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِفْهَامًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، وَأَنْ تَكُونَ نَفْيًا.
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَذَلِكَ حَقًّا) : فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ «كَذَلِكَ» فِي مَوْضِعِ نَصْبِ صِفَةٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ ; أَيْ إِنْجَاءً كَذَلِكَ. وَحَقًّا بَدَلٌ مِنْهُ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا مَنْصُوبَيْنِ بِـ «نُنْجِ» الَّتِي بَعْدَهُمَا. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ «كَذَلِكَ» لِلْأُولَى، وَحَقًّا لِلثَّانِيَةِ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «كَذَلِكَ» خَبَرَ الْمُبْتَدَأِ ; أَيِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَ «حَقًّا» مَنْصُوبٌ بِمَا بَعْدَهَا. قَالَ تَعَالَى: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ) : قَدْ ذُكِرَ فِي الْأَنْعَامِ مِثْلُهُ.
Icon