تفسير سورة الرعد

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الرعد مكية، ويقال : مدنية، وهي ثلاث وأربعون آية كوفية

﴿ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ ﴾، لقول كفار مكة: أن محمداً تقول القرآن من تلقاء نفسه.
﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ ﴾، يعني أكثر كفار.
﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ١] بالقرآن أنه من الله.
﴿ ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾، فيها تقديم.
﴿ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾ قبل خلقهما.
﴿ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى ﴾، يعني إلى يوم القيامة.
﴿ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ ﴾، يقضي القضاء.
﴿ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ ﴾، يعني يبين صنعه الذي ذكره في هذه الآية.
﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [آية: ٢] بالبعث إذا رأيتم صنعه في الدنيا، فتعتبروا في البعث.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي مَدَّ ٱلأَرْضَ ﴾، يعني بسط الأرض من تحت الكعبة، فبسطها بعد الكعبة بقدر ألفي سنة، فجعل طولها مسيرة خمسمائة عام، وعشرها مسيرة خمسمائة عام.
﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾، يعني الجبال أثبت بهن الأرض؛ لئلا تزول بمن عليها.
﴿ وَأَنْهَاراً وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا ﴾ من كل ﴿ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ يُغْشِي ٱلْلَّيْلَ ٱلنَّهَارَ ﴾، يعني ظلمة الليل وضوء النهار.
﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ ﴾، يعني فيما ذكر من صنعه عبرة.
﴿ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٣] في صنع الله فيوحدونه.﴿ وَفِي ٱلأَرْضِ قِطَعٌ ﴾، يعني بالقطع الأرض السبخة، والأرض العذبة.
﴿ مُّتَجَاوِرَاتٌ ﴾، يعني قريب بعضها من بعض.
﴿ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ ﴾، يعني الكرم ﴿ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ ﴾، يعني النخيل التي رءوسها متفرقة وأصلها في الأرض واحد.
﴿ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ ﴾ وهي النخلة أصلها وفرعها واحد.
﴿ يُسْقَىٰ ﴾ هذا كله ﴿ بِمَآءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلأُكُلِ ﴾، يعني في الحمل، فبعضها أكبر حملاً من بعض.
﴿ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ ﴾، يعنى ما ذكر من صنعه لعبرة.
﴿ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٤] فيوحدون ربهم.
﴿ وَإِن تَعْجَبْ ﴾ يا محمد بما أوحينا إليك من القرآن، كقوله في الصافات،﴿ بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ﴾[الصافات: ١٢]، ثم قال: ﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾، يعني كفار مكة، يقول: لقولهم عجب، فعجبه من قولهم، يعني ومن تكذيبهم بالبعث حين قالوا: ﴿ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾، تكذيباً بالبعث، ثم نعتهم، فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ ﴾ [آية: ٥] لا يموتون.﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ ﴾، وذلك أن النضر بن الحارث قال:﴿ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾[الأنفال: ٣٢]، فقال الله عز وجل: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ ﴾، يعني النضر بن الحارث.
﴿ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ ﴾، يعني بالعذاب قبل العافية، كقول صالح لقومه:﴿ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾[النمل: ٤٦]، يعني بالعذاب﴿ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ ﴾[النمل: ٤٦]، يعني العافية.
﴿ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ ﴾، يعني أهل مكة.
﴿ ٱلْمَثُلاَتُ ﴾، يعني العقوبات في كفار الأمم الخالية فسينزل بهم ما نزل بأوائلهم. ثم قال: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ ﴾، يعني ذو تجاوز.
﴿ لِّلنَّاسِ عَلَىٰ ظُلْمِهِمْ ﴾ يعني على شركهم بالله في تأخير العذاب عنهم إلى وقت، يعني الكفار، فإذا جاء الوقت عذبناهم بالنار، فذلك قوله: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ ٱلْعِقَابِ ﴾ [آية: ٦] إذا عذب وجاء الوقت، نظيرها في حم السجدة.﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بتوحيد الله: ﴿ لَوْلاۤ ﴾، يعني هلا ﴿ أُنزِلَ عَلَيْهِ ﴾، على محمد.
﴿ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ﴾ محمد، يقول الله: ﴿ إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ ﴾ يا محمد هذه الأمة، وليست الآية بيدك.
﴿ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾ [آية: ٧]، يعني لكل قوم فيما خلا داع مثلك يدعو إلى دين الله، يعني الأنبياء.
﴿ ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ ﴾ من ذكر وأنثى، كقوله في لقمان،﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ ﴾[لقمان: ٣٤] سوياً أو غير سوي، ذكراً أو أنثى، ثم قال: ﴿ وَمَا تَغِيضُ ﴾، يعني وما تنقص ﴿ ٱلأَرْحَامُ ﴾، كقوله:﴿ وَغِيضَ الْمَاء ﴾[هود: ٤٤]، يعني ونقص الماء، يعني وما تنقص الأرحام من الأشهر التسعة.
﴿ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ ﴾ من تمام الولد والزيادة في بطن أمه.
﴿ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [آية: ٨]، يعني قدر خروج الولد من بطن أمه، وقدر مكنه في بطنها إلى خروجه، فإنه يعلم ذلك كله. ثم قال: ﴿ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ ﴾، يعني غيب الولد في بطن أمه، ويعلم غيب كل شىء.
﴿ وَٱلشَّهَادَةِ ﴾، يعني شاهد الولد وغيره، يقول الله: إذا علمت هذا، فأنا ﴿ ٱلْكَبِيرُ ٱلْمُتَعَالِ ﴾ [آية: ٩]، يعني العظيم، لا أعظم منه، الرفيع فوق خلقه.﴿ سَوَآءٌ مِّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ ﴾ عند الله.
﴿ ٱلْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ﴾، يعني بالقول.
﴿ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِٱلْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِٱلنَّهَارِ ﴾ [آية: ١٠]، يقول: من هو مستخف بالمعصية في ظلمة الليل، ومنتشر بتلك المعصية بالنهار معلن بها، فعلم ذلك كله عند الله تعالى سواء. ثم قال لهذا الإنسان المستخفي بالليل، السارب بالنهار مع علمي بعمله ﴿ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ ﴾ من الملائكة.
﴿ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ ﴾، يعني بأمر الله من الإنس والجن مما لم يقدر أن يصيبه حتى تسلمه المقادير، فإذا أراد الله أن يغير ما به لم تغن عنه المعقبات شيئاً، ثم قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ ﴾ من النعمة.
﴿ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾، يعني كفار مكة، نظيرها من الأنفال:﴿ ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ... ﴾[الأنفال: ٥٣] إلى آخر الآية. والنعمة أنه بعث فيهم رسولاً من أنفسهم، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، فغيروا هذه النعمة، فغير الله ما بهم، فذلك قوله: ﴿ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوۤءًا ﴾، يعني بالسوء العذاب.
﴿ فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴾ [آية: ١١]، يعني ولي يرد عنهم العذاب.
﴿ هُوَ ٱلَّذِي يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً ﴾، للمسافر من الصواعق.
﴿ وَطَمَعاً ﴾ للمزارع المقيم في رحمته، يعني المطر.
﴿ وَيُنْشِىءُ ﴾، يعني ويخلق، مثل قوله:﴿ وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ ﴾[الرحمن: ٢٤]، يعني المخلوقات.
﴿ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ ﴾ [آية: ١٢] من الماء.﴿ وَيُسَبِّحُ ٱلرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ﴾، يقول: ويذكر الرعد بأمره يحمده، والرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد، وهو موكل بالسحاب، صوته تسبيحه، يزجر السحاب ويؤلف بعضه إلى بعض، ويسوقه بتسبيحه إلى الأرض التي أمر الله تعالى أن تمطر فيها، ثم قال: ﴿ وَ ﴾ تسبح ﴿ وَٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ بزجرته ﴿ مِنْ خِيفَتِهِ ﴾، يعني من مخافة الله تعالى، فميز بين الملائكة وبين الرعد، وهما سواء، كما ميز بين جبريل وميكائيل في البقرة، وكما ميز بين الفاكهة، وبين النخل والرمان وهما سواء. ثم قال: ﴿ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ ﴾، هذا أنزل في أمر عامر، والأربد بن قيس، حين أراد قتل النبى صلى الله عليه وسلم، وذلك أن عامر بن الطفيل العامري دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أسلم على أن لك المدر ولي الوبر؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:" إنما أنت امرؤ من المسلمين، لك ما لهم، وعليك ما عليهم "، قال: فلك الوبر ولي المدر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، قال: فلي الأمرين من بعدك، قال له النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله الأول:" لك ما لهم، وعليك ما عليهم "، فغضب عامر، فقال: لأملانها عليك خيلاً، ورجالاً، ألف أشقر، عليها ألف أمرد. ثم خرج مغضباً، فلقي ابن عمه أربد بن قيس العامرى، فقال عامر لأربد: ادخل بنا على محمد، فألهيه في الكلام، وأنا أقتله، وإن شئت ألهيته بالكلام وقتلته أنت، قال أربد: ألهه أنت وأنا أقتله، فدخلا على النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحدثه وهو ينظر إلى أربد متى يحمل عليه فيقتله، ثم طال مجلسه، فقام عامر وأربد فخرجا، فقال عامر لأربد: ما منعك من قتله؟ قال: كلما أردت قتله وجدتك تحول بيني وبينه، وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بم أرادا، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، فقال:" اللهم اكفنى عامراً وأربداً، واهد بني عامر "، فأما أربد، فأصابته صاعقة فمات، فذلك قوله تعالى: ﴿ وَيُرْسِلُ ٱلصَّوَاعِقَ ﴾ ﴿ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَآءُ ﴾، يعني أربد بن قيس.
﴿ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي ٱللَّهِ ﴾، يعني يخاصمون في الله. وذلك أن عامراً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عن ربك، أهو من ذهب، أو من فضة، أو من نحاس، أو من حديد، أو ما هو؟ فهذا القول خصومته، فأنزل الله تعالى:﴿ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ ﴾[سورة الإخلاص]، يقول: ليس هو من نحاس ولا من غيره، وسلط الله عليه الطاعون في بيت امرأة من بني سلول، فجعل يقول: عامر قتيل بغير سلاح، غدة كغدة البعير، وموت في بيت سلولية، أبرز يا ملك الموت حتى أقاتلك، فذلك قوله: ﴿ وَهُوَ شَدِيدُ ٱلْمِحَالِ ﴾ [آية: ١٣]، يعني الرب تعالى نفسه، يعني شديد الأخذ إذا أخذ، نزلت في عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس.﴿ لَهُ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ ﴾، يعني كلمة الإخلاص.
﴿ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾، يعني والذين يعبدون من دون الله من الآلهة، وهي الأصنام.
﴿ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ ﴾، يقول: لا تجيب الآلهة من يعبدها ولا تنفعهم، كما لا ينفع العطشان الماء يبسط يده إلى الماء وهو على شفير بئر، يدعوه أن يرتفع إلى فيه.
﴿ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ﴾، حتى يموت من العطش، فكذلك لا تجيب الأصنام، ثم قال: فادعوا، يعني فادعوا الأصنام.
﴿ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَافِرِينَ ﴾، يعني وما عبادة الكافرين.
﴿ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴾ [آية: ١٤] يعني خسران وباطل.
﴿ وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾، يعني الملائكة.
﴿ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً ﴾، يعني المؤمنين، ثم قال: ﴿ وَكَرْهاً وَظِلالُهُم ﴾، يعني ظل الكافر كرهاً يسجد لله، وهو ﴿ بِٱلْغُدُوِّ ﴾ حين تطلع الشمس.
﴿ وَٱلآصَالِ ﴾ [آية: ١٥]، يعني بالعشي إذا زالت الشمس يسجد ظل الكافر لله، وإن كرهوا.﴿ قُلْ ﴾ يا محمد لكفار مكة: ﴿ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ ﴾، في قراءة أُبي بن كعب، وابن مسعود: قالوا الله.
﴿ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِهِ ﴾ الله ﴿ أَوْلِيَآءَ ﴾ تعبدونهم، يعني الأصنام.
﴿ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ﴾، يعني الأصنام لا يقدرون لأنفسهم ﴿ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ ﴾ عن الهدى.
﴿ وَٱلْبَصِيرُ ﴾ بالهدى، يعني الكافر والمؤمن.
﴿ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي ٱلظُّلُمَاتُ ﴾، يعني الشرك.
﴿ وَٱلنُّورُ ﴾، يعني الإيمان، ولا يستوي من كان في ظلمة كمن كان في النور، ثم قال يعنيهم: ﴿ أَمْ جَعَلُواْ ﴾، يعني وصفوا ﴿ للَّهِ شُرَكَآءَ ﴾ من الآلهة.
﴿ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ ﴾، يقول: خلقوا كما خلق الله.
﴿ فَتَشَابَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾، يقول: فتشابه ما خلقت الآلهة والأصنام وما خلق الله عليهم، فإنهم لا يقدرون أن يخلقوا، فكيف يعبدون ما لا يخلق شيئاً، ولا يملك، ولا يفعل كفعل الله عز وجل.
﴿ قُلِ ﴾ لهم يا محمد: ﴿ ٱللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ٱلْوَاحِدُ ﴾، لا شريك له.
﴿ ٱلْقَهَّارُ ﴾ [آية: ١٦] والآلهة مقهورة وذليلة.
ضرب الله مثل الكفر والإيمان، ومثل الحق والباطل، فقال: ﴿ أَنَزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾، وهذا مثل القرآن الذي علمه المؤمنون، وتركه الكفار، فسال الوادي الكبير على قدر كبره، منهم من حمل منهم كبيراً، والوادى الصغير على قدره ﴿ فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ ﴾، يعني سيل الماء.
﴿ زَبَداً رَّابِياً ﴾، يعني عالياً.
﴿ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي ٱلنَّارِ ﴾ أيضاً.
﴿ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ ﴾، يعني الذهب، والفضة. ثم قال: ﴿ أَوْ مَتَاعٍ ﴾، يعني المشبه، والصفر، والحديد، والرصاص، له أيضاً ﴿ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ﴾، فالسيل زبد لا ينتفع به، والحلي والمتاع له أيضاً زبد، إذا أدخل النار أخرج خبثه، ولا ينتفع به، والذهب والفضة والمتاع ينتفع به، ومثل الماء مثل القرآن، وهو الحق، ومثل الأودية مثل القلوب، ومثل السيل مثل الأهواء، فمثل الماء والحلي والمتاع الذي ينتفع به مثل الحق الذى في القرآن، ومثل زبد الماء، وحيث المتاع الذي لا ينتفع به مثل الباطل، فكما ينتفع بالماء، وما خلص من الحلي، والمتاع الذي ينتفع به أهله في الدنيا، فكذلك الحق ينتفع به أهله في الآخرة، وكما لا ينتفع بالزبد وخبث الحلي والمتاع أهله في الدنيا، فكذلك الباطل لا ينتفع أهله في الآخرة.
﴿ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَاطِلَ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ﴾، يعني يابساً لا ينتفع به الناس كما لا ينتفع بالسيل.
﴿ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي ٱلأَرْضِ ﴾، فيستقون ويزرعون عليه وينتفعون به، يقول: ﴿ كَذٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ ﴾ [آية: ١٧]، يعني الأشباه، فهذه الثلاثة الأمثال ضربها الله في مثل واحد.﴿ لِلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ ﴾ بالإيمان وهم الكفار.
﴿ لِرَبِّهِمُ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾، لهم في الآخرة، وهي الجنة.
﴿ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ ﴾، فقدروا على أن يفتدوا به أنفسهم من العذاب.
﴿ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ سُوۤءُ ٱلْحِسَابِ ﴾، يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شىء من ذنوبهم.
﴿ وَمَأْوَاهُمْ ﴾، يعني مصيرهم ﴿ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ ﴾ [آية: ١٨]، يعني بئس ما مهدوا لأنفسهم.
ضرب مثلاً آخر، فقال: ﴿ أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ ﴾، يعني القرآن نزل في عمار بن ياسر.
﴿ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ﴾ عن القرآن لا يؤمن بما أنزل من القرآن، فهو أبو حذيفة بن المغيرة المخزومي لا يستويان هذان، وليسا بسواء، ثم قال: ﴿ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ ﴾ في هذا الأمر ﴿ أُوْلُواْ ٱلأَلْبَابِ ﴾ [آية: ١٩]، يعني عمار بن ياسر، يعني أهل اللب والعقل، نظيرها في الزمر:﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾[الزمر: ٩]، نزلت في عمار، وأبي حذيفة بن المغيرة الاثنين جميعاً. ثم نعت الله أهل اللب، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ ﴾ في التوحيد.
﴿ وَلاَ يِنقُضُونَ ٱلْمِيثَاقَ ﴾ [آية: ٢٠] الذي أخذ الله عليهم على عهد آدم، عليه السلام، ويقال: هم مؤمنو أهل الكتاب.﴿ وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾، من إيمان بمحمد صلى الله علهي وسلم والنبيين والكتب كلها.
﴿ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ في ترك الصلة.
﴿ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ﴾ [آية: ٢١]، يعني شدة الحساب حين لا يتجاوز عن شىء من ذنوبهم.﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ﴾ على ما أمر الله، نزلت في المهاجرين والأنصار.
﴿ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ من الأموال.
﴿ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَءُونَ ﴾، يعني ويدفعون.
﴿ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ ﴾ إذا أذاهم كفار مكة، فيردون عليهم معروفاً.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ ﴾ [آية: ٢٢]، يعني عاقبة الدار. فقال: ﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ ﴾، يعني ومن آمن بالتوحيد بعد هؤلاء.
﴿ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ﴾ يدخلون عليهم أيضاً، معهم جنات عدن، نظيرها في حم المؤمن، ثم قال: ﴿ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ ﴾ [آية: ٢٣] على مقدار أيام الدنيا ثلاثة عشرة مرة، معهم التحف من الله تعالى، من جنة عدن ما ليس في جناتهم، من كل باب. فقالوا لهم: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ﴾ في الدنيا على أمر الله.
﴿ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ ﴾ [آية: ٢٤]، يثني الله على الجنة عقبى الدار، عاقبة حسناهم دار الجنة.
قال: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ ﴾، يعني كفار أهل الكتاب ﴿ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾، يعني من بعد إقرارهم بالتوحيد يوم آدم، عليه السلام.
﴿ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾، من الإيمان بالنبيين، وبالتوحيد، وبالكتاب.
﴿ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ هؤلاء، يعني يعملون فيها المعاصي.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوۤءُ ٱلدَّارِ ﴾ [آية: ٢٥]، يعني شر الدار جهنم.﴿ ٱللَّهُ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَآءُ ﴾، يعني يوسع الرزق على من يشاء.
﴿ وَيَقَدِرُ ﴾، يعني ويقتر على من يشاء.
﴿ وَفَرِحُواْ ﴾، يعني ورضوا ﴿ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَا ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴾ [آية: ٢٦]، يعني إلا قليل.﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة، وهم القادة.
﴿ لَوْلاَ أُنزِلَ ﴾، يعني هلا أنزل.
﴿ عَلَيْهِ ﴾، يعني النبي صلى الله عليه وسلم.
﴿ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ﴾ عن الهدى.
﴿ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ ﴾ إلى دينه ﴿ مَنْ أَنَابَ ﴾ [آية: ٢٧]، يعني من راجع التوبة. ثم نعتهم، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ ﴾، يقول: وتسكن قلوبهم بالقرآن، يعني بما في القرآن من الثواب والعقاب، يقول الله تعالى: ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ ﴾ [آية: ٢٨]، يقول: ألا بالقرآن تسكن القلوب. ثم أخبر بثوابهم، فقال: ﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ طُوبَىٰ لَهُمْ ﴾، يعني حسنى لهم، وهي بلغة العرب.
﴿ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ [آية: ٢٩]، يعني وحسن مرجع، وطوبى شجرة في الجنة، لو أن رجلاً ركب فرساً أو نجيبة، وطاف على ساقها، لم يبلغ المكان الذي ركب منه حتى يقتله الهرم، ولو أن طائراً طار من ساقها، لم يبلغ فرعها حتى يقتله الهرم، كل ورقة منها تظل أمة من الأمم، على كل ورقة منها ملك يذكر الله تعالى، ولو أن ورقة منها وضعت في الأرض لأضاءت الأرض نوراً كما تضىء الشمس، تحمل هذه الشجرة لهم ما يشاءون من ألوان الحلي والثمار، غير الشراب.
﴿ كَذَلِكَ ﴾، يعني هكذا ﴿ أَرْسَلْنَاكَ فِيۤ أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ ﴾، يعني قد مضت قبل أهل مكة، يعني الأمم الخالية.
﴿ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ ٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ ﴾، يعني لتقرأ عليهم القرآن.
﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾، نزلت يوم الحديبية، حين صالح النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة، فكتبوا بينهم كتاباً، وولى الكتاب علي بن أبى طالب، فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال سهيل بن عمرو القرشي: ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتب: باسمك اللهم، ثم قال له النبي صلى الله عليه وسلم:" اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة "، فقالوا: ما نعرف أنك رسول الله، لقد ظلمناك إذاً إن كنت رسول الله، ثم نمنعك عن دخول المسجد الحرام، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله. فغضب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: دعنا نقاتلهم، فقال:" لا "، ثم قال لعلي:" اكتب الذى يريدون، أما أن لك يوماً مثله "، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أنا محمد بن عبد الله، وأشهد أنى رسول الله "، فكتب: هذا صالح محمد بن عبد الله أهل مكة، على أن ينصرف محمد من عامه هذا، فإذا كان القابل دخل مكة، فقضى عمرته وخلى أهل مكة بينه وبين مكة ثلاث ليال، فأنزل الله تعالى في قول سهيل وصاحبيه مكرز بن حفص بن الأحنف، وحويطب بن عبد العزى، كلهم من قريش حين قالوا: ما نعرف الرحمن، إلا مسيلمة، فقال تعالى: ﴿ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾.
﴿ قُلْ هُوَ رَبِّي ﴾ يا محمد قول: الرحمن الذى يكفرون به هو ربي.
﴿ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾، يقول: به أثق.
﴿ وَإِلَيْهِ مَتَابِ ﴾ [آية: ٣٠]، يعني التوبة، نظيرها في الفرقان:﴿ فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً ﴾[الفرقان: ٧١].
﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ ﴾، وذلك" أن أبا جهل بن هشام المخزومي، قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: سير لنا بقرآنك هذا الجبل عن مكة، فإنها أرض ضيقة، فتتسع فيها، ونتخذ فيها المزارع والمصانع، كما سخرت لداود، عليه السلام، إن كنت نبياً كما تزعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا أطيق ذلك "، قال أبو جهل: فلا عليك، فسخر لنا هذه الريح فنركبها إلى الشام، فنقضى ميرتنا، ثم نرجع من يومنا، فقد شق علينا طول السفر، كما سخرت لسليمان كما زعمت، فلست بأهون على الله من سليمان، إن كنت نبياً كما تزعم، وكان يركبها سليمان وقومه غدوة، فيسير مسيرة شهر، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا أطيق ذلك ". قال أبو جهل: فلا عليك، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة ممن مات من آبائنا، منهم قصى بن كلاب، فإنه كان شيخاً صدوقاً، فنسأله عما أمامنا مما تخبرنا أنه كائن بعد الموت أحق ما تقول أم باطل؟ فقد كان عيسى يفعل ذلك بقومه كما زعمت، فلست بأهون على الله من عيسى إن كنت نبياً كما تزعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ليس إلى ذلك "، قال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل، فلا ألفينك تذكر آلهتنا بسوء "، فأنزل الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ ﴾ ﴿ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ ﴾، يقول: لو أن قرآناً فعل ذلك به قبل هذا القرآن، لفعلناه بقرآن محمد، عليه السلام، ولكنه شيء أعطيه رسلى. فذلك قوله: ﴿ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً ﴾، يقول: بل جميع ذلك الأمر كان من الله ليس من قبل القرآن.
﴿ أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة.
﴿ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ ﴾، يقول: تصيبهم بما كفروا بالله بائقة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يزال يبعث سراياه، فيغيرون حول مكة، فيصيبون من أنفسهم، ومواشيهم، وأنعامهم، فيها تقديم، ثم قال: ﴿ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ ﴾، يقول: أو تنزل يا محمد بحضرتهم يوم الحديبية قريبين.
﴿ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ ﴾ في فتح مكة، وكان الله تعالى وعد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفتح عليه مكة، فذلك قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ ﴾ [آية: ٣١].
﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ من الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، أخبروا قومهم بنزول العذاب عليهم في الدنيا، فكذبوهم واستهزءوا منهم بأن العذاب ليس بنازل بهم، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كفار مكة استهزءوا منه، فأنزل الله تعالى يعزي نبيه، عليه السلام، ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب.
﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ ﴿ فَأَمْلَيْتُ ﴾، يعني فأمهلت ﴿ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾، فلم أعجل عليهم بالعقوبة.
﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ﴾ بالعذاب ﴿ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴾ [آية: ٣٢]، يعني عذاب، أليس وجدوه حقاً؟.﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ﴾ من خير وشر، يقول: الله قائم على كل بر وفاجر، على الله رزقهم وطعامهم.
﴿ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ﴾، يعني وصنعوا لله شبهاً، وهو أحق أن يعبد من غيره.
﴿ قُلْ ﴾ لهم يا محمد: ﴿ سَمُّوهُمْ ﴾، يقول: ما أسماء هؤلاء الشركاء، وأين مستقرهم، يعني الملائكة؛ لأنهم عبدوهم، ويقال: الأوثان، ولو سموهم لكذبوا. ثم قال: ﴿ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ بأن معه شريكاً ﴿ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ ﴾، يقول: بل بأمر باطل كذب، كقوله في الزخرف:﴿ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ﴾[الزخرف: ٥٢]، يقول: أنا خير، ثم قال: ﴿ بَلْ ﴾، يعني لكن.
﴿ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة ﴿ مَكْرُهُمْ ﴾، يعني قول الشرك.
﴿ وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾، يعني وصدوا الناس عن السبيل، يعني دين الله الإسلام.
﴿ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ ﴾، يقول: ومن يضله الله.
﴿ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [آية: ٣٣] إلى دينه.﴿ لَّهُمْ عَذَابٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾، يعني القتل ببدر.
﴿ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَقُّ ﴾ مما أصابهم من القتل ببدر، وضرب الملائكة الوجوه والأدبار، وتعجيل أرواحهم إلى النار.
﴿ وَمَا لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن وَاقٍ ﴾ [آية: ٣٤]، يعني يقي العذاب عنهم.
﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾، يعني شبه الجنة في الفضل والخير، كشبه النار في شدة العذاب، ثم نعت الجنة، فقال: ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَآئِمٌ ﴾، يعني طعامها لا يزول ولا ينقطع، وهكذا ﴿ وِظِلُّهَا ﴾، ثم قال: ﴿ تِلْكَ ﴾ الجنة ﴿ عُقْبَىٰ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ ﴾، عاقبة حسناهم الجنة.
﴿ وَّعُقْبَى ٱلْكَافِرِينَ ٱلنَّارُ ﴾ [آية: ٣٥]، يعني وعاقبة الذين كفروا بتوحيد الله النار.﴿ وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾، يقول: أعطيناهم التوراة، وهم عبد الله بن سلام وأصحابه، مؤمنو أهل التوراة.
﴿ يَفْرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ ﴾ من القرآن، ثم قال: ﴿ وَمِنَ ٱلأَحْزَابِ ﴾، يعني ابن أمية، ابن المغيرة، وآل أبي طلحة بن عبد العزى بن قصي.
﴿ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ ﴾، أنكروا الرحمن، والبعث، ومحمداً، عليه السلام.
﴿ قُلْ إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ ﴾، يعني أوحد الله ﴿ وَلاۤ أُشْرِكَ بِهِ ﴾ شيئاً.
﴿ إِلَيْهِ أَدْعُو ﴾، يعني إلى معرفته، وهو التوحيد، أدعوا.
﴿ وَإِلَيْهِ مَآبِ ﴾ [آية: ٣٦]، يعني وإليه المرجع.﴿ وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم ﴾، يعني حين دعى إلى ملة آبائه.
﴿ بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ ﴾، يعني من البيان.
﴿ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ ﴾، يعني قريباً ينفعك.
﴿ وَلاَ وَاقٍ ﴾ [آية: ٣٧]، يعني يقي العذاب عنك.
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ ﴾، يعني الأنبياء قبلك.
﴿ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً ﴾، يعني النساء والأولاد.
﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ ﴾، وذلك أن كفار مكة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآية، فقال الله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ ﴾، إلى قومه.
﴿ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ ﴾، يعني إلا بأمر الله.
﴿ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [آية: ٣٨]، يقول: لا ينزل من السماء كتاب إلا بأجل.﴿ يَمْحُو ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ﴾، يقول: ينسخ الله ما يشاء من القرآن.
﴿ وَيُثْبِتُ ﴾، يقول: ويقر من حكم النساخ ما يشاء، فلا ينسخه.
﴿ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ ﴾ [آية: ٣٩]، يعني أصل الكتاب، يقول: الناسخ من الكتاب، والمنسوخ فهو في أم الكتاب، يعني بأم الكتاب اللوح المحفوظ.﴿ وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ ﴾، يعني وإن نرينك يا محمد في حياتك.
﴿ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ ﴾ من العذاب في الدنيا، يعني القتل ببدر وسائر بهم العذاب بعد الموت، ثم قال: ﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ﴾، يقول: أو نميتك يا محمد قبل أن نعذبهم في الدنيا، يعني كفار مكة.
﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ﴾ يا محمد ﴿ ٱلْبَلاَغُ ﴾ من الله إلى عباده.
﴿ وَعَلَيْنَا ٱلْحِسَابُ ﴾ [آية: ٤٠]، يقول: وعلينا الجزاء الأوفى في الآخرة، كقوله عز وجل في الشعراء:﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلاَّ عَلَىٰ رَبِّي ﴾[الشعراء: ١١٣]، يعني ما جزاءهم إلا على ربى.
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْاْ ﴾، يعني كفار مكة.
﴿ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ ﴾، يعني أرض مكة.
﴿ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾، يعني ما حولها، يقول: لا يزال النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون يغلبون على ما حول مكة من الأرض، فكيف لا يعتبرون بما يرون أنه ينقص من أهل الكفر ويزداد في المسلمين.
﴿ وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ﴾، يقول: والله يقضي لا راد لقضائه في نقصان ما حول مكة ونصر محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴾ [ية: ٤١]، يقول: كأنه قد جاء فحاسبهم.
﴿ وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾، يعني قبل كفار مكة من الأمم الخالية، يعني قوم صالح، عليه السلام، حين أرادوا قتل صالح، عليه السلام، فهكذا كفار مكة حين أجمع أمرهم على قتل محمد صلى الله عليه وسلم في دار الندوة، يقول الله عز وجل: ﴿ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً ﴾، يقول: جميع ما يمكرون بإذن الله عز وجل.
﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ﴾، يعني ما تعمل كل نفس، بر وفاجر، من خير أو شر.
﴿ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ ﴾ كفار مكة في الآخرة.
﴿ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ ﴾ [آية: ٤٢]، يعني دار الجنة، ألهم أم للمؤمنين؟.﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾، يقول: قالت اليهود: ﴿ لَسْتَ مُرْسَلاً ﴾ يا محمد، لم يبعثك الله رسولاً، فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ ﴾ لليهود: ﴿ كَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً ﴾، فلا شاهد أفضل من الله عز وجل: ﴿ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ بأنى نبى رسول.
﴿ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ ٱلْكِتَابِ ﴾ [آية: ٤٣]، يقول: ويشهد من عنده التوراة، عبد الله بن سلام، فهو يشهد أني نبي رسول مكتوب في التوراة.
Icon