تفسير سورة الرعد

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

قال ﴿ كُلٌّ يَجْرِي ﴾ ( ٢ ) يعني كُلُّه كما تقول : " كلُّ مُنْطَلِقٌ " أي : كُلُّهُم.
وقال ﴿ رَوَاسِيَ ﴾ ( ٣ ) فواحدتها " راسِيَةٌ ".
وقال ﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ ﴾ ( ٤ ) فهذا التأنيث على " الجَنَّاتِ " وإِنّ شِئْتَ على " الأَعْنابِ " لأنَّ " الأعْناب " جماعة من غير الإِنْس فهي مؤنثة إِلاَّ أنَّ بعضهم قرأها ( يُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ ) فجعله على الأَعْنابِ كما ذكر " الأَنْعام " فقال ﴿ مِّمَّا فِي بُطُونِهِ ﴾ ثم أنث بعد فقال ﴿ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ ﴾ فمن قال ( يُسْقَى ) بالياء جعل " الأَعْناب " مما يؤنثّ ويذكّر مثل " الأَنْعام ".
وقال ﴿ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ ( ٥ ) وفي موضع آخر ﴿ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴾ فالآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام والأول حرف، كما تقول " أَيَوْمَ الجُمُعَةِ زَيْدٌ مُنْطَلِقٌ ". ومن أوقع استفهاما آخر جعل قوله ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ﴾ ظرفا لشيء مذكور قبله، ثم جعل هذا الذي استفهم عنه استفهاما آخر وهذا بعيد. وإن شئت لم تجعل في قولك ( أَإِذا ) استفهاما وجعلت الاستفهام في اللفظ على " أَإِنّا "، كأنك قلت " يوم الجمعة أعبد الله منطلق " وأضمرت فيه. فهذا موضع قد ابتدأت فيه " إِذا " وليس بكثير في الكلام و ولو قلت " اليومَ إِنَّ عَبْدَ اللهِ مُنْطَلِقٌ " [ ١٤٠ ء ] لم يحسن وهو جائز. وقد قالت العرب " مَا عَلِمْتُ إِنَّه لَصالِح " يريد : إِنَّه لَصالِحٌ ما عَلِمْتُ.
وقال ﴿ مُسْتَخْفٍ بِالْلَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ﴾ ( ١٠ ) فقوله ﴿ مُسْتَخْفٍ ﴾ يقول : ظاهِرٌ. و " السارِب " : المُتَوارِيِ. وقد قرئت ( أَخِفْيها ) أي : أُظْهِرُها لأَنَّكَ تقول " خَفَيْتُ السِّرَّ " أَيْ : أظْهَرْتُهُ وأَنْشَدَ :[ من المتقارب وهو الشاهد السادس والثلاثون بعد المئتين ] :
إِنْ تَكْتُموا الداءَ لا نَخْفِهِ وَإِنْ تَبْعَثُوا الحَرْبَ لاَ نَقْعُدِ
والضم أَجْوَدُ. وزعموا أَنَّ تفسير ( أَكادُ ) : أُريد وأَنَّها لُغَةٌ لأَن " أُرِيدُ " قد تجعل مكان " أَكادُ " مثلُ ( جِداراً يُريدُ أنْ يَنْقَضَ ) أيْ : " يَكادُ أَنْ يَنْقَضَّ " فكذلك " أَكادُ " إِنَّما هي : أُريدُ. وقال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد السابع والثلاثون بعد المئتين ] :
كَادَتْ وَكِدْتُ وَتِلْكَ خَيْرُ إرادَةٍ لَوْ عادَ مِنْ لَهْوِ الصبَّابَةِ ما مَضَى
وَأمّا " المُعَقِّباتُ " فإِنما أُنِّثَت لكثرة ذلك منها نحو " النَّسّابَة " و " العَلاَّمَة " * ثم ذكر لأن المعنى مذكر فقال ( يَحْفَظُونُه مِنْ أَمْرِ اللهِ ) ( ١١ ).
وقال ﴿ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴾ ( ١٥ ) و﴿ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ﴾ فجعل " الغُدُوّ " يدل على الغَداةِ وإِنما " الغُدُوّ " فِعْلٌ، وكذلك " الإِبْكار " إنما هو من " أَبْكَرَ " " إِبْكاراً "، والذين قالوا ( الأَبْكار ) أحجوا بأنهم جمعوا " بُكْراً " على " أَبْكار ". و " بُكَرٌ " لا تجمع [ ١٤٠ ب ] لأنه اسم ليس بمتمكن وهو أيضاً مصدر مثل " الإِبكار " فأما الذين جمعوا فقالوا إِنما جمعنا " بُكْرَةً " و " غُدْوَةً ". ومثل " البُكْرَة " و " الغُدْوَة " لا يجمع هكذا. لا تجيء " فُعْلَةٌ " و " أَفعال " وإنما تجيء " فُعْلَةٌ " و " فُعَل ".
وقال ﴿ أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ ﴾ ( ١٦ ) فهذه " أَمْ " التي تكون منقطعة من أول الكلام.
وقال ﴿ سَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ ( ١٧ ) تقول : " أَعْطِني قَدْرَ شِبْرٍ " و " قَدَرَ شِبْرٍ " وتقول : " قَدَرْتُ " و " أَنَا أَقْدُِر " " قَدْراً " فأما المِثْلُ ففيه " القَدْرُ " و " القَدَر ".
وقال ﴿ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ ﴾ ( ١٧ ) يقول : " ومن ذلك الذي يوقدون عليه زَيَدٌ مثله " قول : " ومن ذلك الذي يوقدون عليه زبد مثل هذا ".
وقال ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُم ﴾ ( ٢٤ ) أي : يقولون " سلامٌ عليكم ".
وقال :﴿ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴾ ( ٢٩ ) ف( طُوبَى ) في موضع رفع يدلك على ذلك رفع ( وَحُسْنُ مآبٍ ) وهو يجري مجرى " وَيْلٌ لِزيدٍ " لأنك قد تضيفهما بغير لام تقول " طُوباكَ " ولو لم تضفها لجرت مجرى " تَعْساً لِزَيْدٍ ". وإن قلت : " لَكَ طُوبى " لم يَحْسُن كما لا تقول : " لَكَ وَيْلٌ ".
وقال ﴿ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَاءَ ﴾ ( ٣٣ ) فهذا في المعنى " أَفَمَنْ هو قائم على كل نفس مثل شركائهم "، وحذف فصار [ ١٤١ ء ] ( وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ ) يدل عليه.
Icon