تفسير سورة الرعد

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ
سورة الرعد مكية وآياتها٤٣
في الحصة الماضية فرغنا من تفسير سورة يوسف المكية، ولم يتسع الوقت للشروع مباشرة في تفسير سورة الرعد المكية أيضا، واليوم نشرع في تفسيرها مستعينين بالله، إنه ولي التوفيق.
وأول ما نلفت إليه النظر تسمية هذه السورة الكريمة باسم " سورة الرعد " أخذا من قوله تعالى في هذه الآية ﴿ هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال، ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته ﴾.
وثاني شيء نلفت إليه النظر، بمناسبة ابتداء هذه السورة بحروف الهجاء المقطعة " أ. ل. م. ر " أنه ما من سورة بدئت بهذه الحروف إلا وجاء في أعقابها الانتصار للقرآن، وتبيين أنه نزل من عند الله، وأنه حق لا شك فيه ولا ريب، كما نص على ذلك كثير من المفسرين، ولاسيما ابن كثير، بناء على استقرائه في التفسير.
وثالث شيء نلفت إليه النظر التناسب الواقع بين نهاية سورة يوسف، وبداية سورة الرعد المكيتين، فقد ختمت سورة يوسف بالحديث عن القرآن ﴿ ما كان حديثا يفترى، ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ﴾ كما افتتحت سورة الرعد بالحديث عن القرآن ﴿ تلك آيات الكتاب، والذي أنزل إليك من ربك الحق ﴾.

الربع الثالث من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
افتتحت سورة الرعد بالحديث عن القرآن ﴿ تلك آيات الكتاب، والذي أنزل إليك من ربك الحق ﴾.
وتحدث كتاب الله عما أبدعه بديع السماوات والأرض من مختلف الأكوان في العالم العلوي والعالم السفلي، داعيا كل الناس على اختلاف الألوان والأجناس، إلى تأمل آياته الكونية، تمهيدا للإيمان بآياته الدينية، فقال تعالى :﴿ الله الذي رفع السماوات بغير عمد، ترونها، ثم استوى على العرش، وسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يدبر الأمر، يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون، وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا، ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين، يغشي الليل النهار، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الأكل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾.
ففي هذه الآيات الكريمة عرض سريع وخاطف لمظاهر متنوعة من صنع الله العجيب، وظواهر دقيقة من تدبيره المحكم، مما يبعث على التفكر والتدبر كل من عنده عقل أو فكر.
والوحي الإلهي الذي امتاز به الإسلام لا يتهيب أن يحتكم دائما إلى العقل الناضج والفكر السليم، وأن يعتمد عليهما، بل هو واثق بانتصاره أمام فحصهما، مطمئن إلى إقناعه لهما، لأنه منبثق من صميم الفطرة الأصيلة التي فطر الله الناس عليها، ولا يوجد أي تعارض أو تناقض بينه وبينها ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾.
وقوله تعالى هنا ﴿ الله الذي رفع السماوات بغير عمد، ترونها ﴾ على غرار قوله تعالى في سورة لقمان ﴿ خلق السماوات بغير عمد، ترونها ﴾ |الآية : ١٠|، وقد فهم بعض المفسرين أن الضمير في كلمة " ترونها " يعود على السماوات، تأكيدا لنفي العمد عنها، أي أن السماوات مرفوعة بغير عمد، كما ترونها، فهي لا ترتكز على أي شيء، ما عدا قدرة الله التي تمسكها ﴿ إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ﴾ |فاطر : ٤١| ﴿ ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه ﴾ |الحج : ٦٥|.
وذهب فريق آخر من المفسرين إلى أن الضمير في ﴿ ترونها ﴾ عائد على العمد لا على السماوات، فيكون معنى ﴿ بغير عمد ترونها ﴾ أن السماوات ليس لها عمد مرئية، ومفهوم ذلك أن للسماوات عمدا، لكن عمدها لا ترى، وإلى هذا التأويل ذهب ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم إذ قالوا : " لها عمد، ولكن لا ترى ".
وهذا التأويل الثاني هو الذي يتمشى معه ما ذهب إليه بعض المعاصرين في تفسير هذه الآية، من أن كتل الأجرام السابحة في الفضاء الفسيح، الهائلة ثقلا وكثافة وحيزا، وإن كان يظهر لنا أنها لا ترتكز على شيء يدعمها ويرفع ثقلها الهائل، فإن هناك شيئا محققا يمسكها ويتحكم فيها قبضا وبسطا، بإرادة الله وحسن تدبيره، وهذا الشيء الخفي هو " قانون الجاذبية "، الذي اهتدى إلى إدراكه علماء الطبيعة بعد جهد جهيد، فالعمد التي لا ترى هي " الجاذبية " التي تجذب الثقيل إلى الأثقل، والكبير إلى الأكبر، وصدق الله العظيم.
وتحدث كتاب الله عما أبدعه بديع السماوات والأرض من مختلف الأكوان في العالم العلوي والعالم السفلي، داعيا كل الناس على اختلاف الألوان والأجناس، إلى تأمل آياته الكونية، تمهيدا للإيمان بآياته الدينية، فقال تعالى :﴿ الله الذي رفع السماوات بغير عمد، ترونها، ثم استوى على العرش، وسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يدبر الأمر، يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون، وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا، ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين، يغشي الليل النهار، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الأكل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾.
ففي هذه الآيات الكريمة عرض سريع وخاطف لمظاهر متنوعة من صنع الله العجيب، وظواهر دقيقة من تدبيره المحكم، مما يبعث على التفكر والتدبر كل من عنده عقل أو فكر.
والوحي الإلهي الذي امتاز به الإسلام لا يتهيب أن يحتكم دائما إلى العقل الناضج والفكر السليم، وأن يعتمد عليهما، بل هو واثق بانتصاره أمام فحصهما، مطمئن إلى إقناعه لهما، لأنه منبثق من صميم الفطرة الأصيلة التي فطر الله الناس عليها، ولا يوجد أي تعارض أو تناقض بينه وبينها ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾.
وقوله تعالى هنا ﴿ وهو الذي مد الأرض ﴾ لا يناقض مبدأ أن الأرض مكورة، فالمد واقع من جهة أن كل قطعة من الأرض على حدتها ممدودة، والتكوير واقع من جهة أن جملة الأرض لها شكل كروي، ولا تعارض بين الأمرين.
وقوله تعالى هنا :﴿ ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ﴾ معناه الظاهر، والمحسوس، أنه سبحانه خلق من الثمرات أنواعا متعددة، وخلق من نوع الثمرة الواحدة عدة أصناف، مختلفة الأشكال والألوان والروائح والطعوم والأحجام والمنافع، مما يدل على عظيم قدرته، وجليل حكمته، فهناك مثلا عنب أسود وأبيض، وتفاح حلو وحامض، وهناك تمر تجاوز أصنافه العشرات حتى تصل إلى المئات، إلى غير ذلك من مختلف الثمرات، وأعم من هذه الآية قوله تعالى في سورة طه :﴿ وأنزل من السماء ماء، فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى ﴾ |الآية : ٥٣|.
ويمكن أن تفسر هذه الآية بالمعنى العلمي الدقيق الذي كشف عنه النقاب " علم الحياة النباتي الجديد "، ألا وهو أن الله أودع في الثمرات عناصر ذكورة وعناصر أنوثة، وجعل بينها تزاوجا وتلاحقا مستمرا ﴿ صنع الله الذي أتقن كل شيء ﴾ |النمل : ٨٨| وسيأتي في سورة يس وسورة الذاريات ما يفيد تعميم هذا المعنى بالنسبة للثمرات وغيرها، وذلك قوله تعالى في الأول :﴿ سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون ﴾ |الآية : ٢٦| وقوله تعالى في الثانية :﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ﴾ |الآية : ٤٩|.
وتحدث كتاب الله عما أبدعه بديع السماوات والأرض من مختلف الأكوان في العالم العلوي والعالم السفلي، داعيا كل الناس على اختلاف الألوان والأجناس، إلى تأمل آياته الكونية، تمهيدا للإيمان بآياته الدينية، فقال تعالى :﴿ الله الذي رفع السماوات بغير عمد، ترونها، ثم استوى على العرش، وسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يدبر الأمر، يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون، وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا، ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين، يغشي الليل النهار، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون، وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد، ونفضل بعضها على بعض في الأكل، إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾.
ففي هذه الآيات الكريمة عرض سريع وخاطف لمظاهر متنوعة من صنع الله العجيب، وظواهر دقيقة من تدبيره المحكم، مما يبعث على التفكر والتدبر كل من عنده عقل أو فكر.
والوحي الإلهي الذي امتاز به الإسلام لا يتهيب أن يحتكم دائما إلى العقل الناضج والفكر السليم، وأن يعتمد عليهما، بل هو واثق بانتصاره أمام فحصهما، مطمئن إلى إقناعه لهما، لأنه منبثق من صميم الفطرة الأصيلة التي فطر الله الناس عليها، ولا يوجد أي تعارض أو تناقض بينه وبينها ﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾﴿ إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾.
وقوله تعالى ﴿ صنوان وغير صنوان ﴾ المراد بالصنوان الأصول المجتمعة في منبت واحد، كالرمان والتين وبعض النخيل، والمراد بغير الصنوان ما كان على أصل واحد كسائر الأشجار.
وقوله تعالى :﴿ أولئك الذين كفروا بربهم، وأولئك الأغلال في أعناقهم ﴾ من الممكن أن تحمل الأغلال هنا على معناها المجازي، إشارة إلى ما هم مقيدون به من سلاسل التقليد الأعمى، التي تشدهم إلى الأوهام الباطلة، والمعتقدات الضالة، مما يحول بينهم وبين تفتح الأذهان، وإدراك حقيقة الإيمان، وهذا المجاز يجري مجرى " الطبع " و " الختم على القلوب "، الواردين في مثل هذا السياق في عدة آيات كريمة.
وقوله تعالى :﴿ ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات ﴾ أي يستعجلون النقمة بدلا من النعمة، والغاشية بدلا من العافية، وذلك على سبيل التحدي للرسول والاستخفاف بعذاب الله. و " المثلات " جمع مثلة بفتح الميم وضم الثاء، وهي العقوبة العظيمة من الله، التي تماثل الذنب وتجعل من نزلت به مضرب الأمثال بين الناس.
وقوله تعالى ﴿ لكل قوم هاد ﴾ عقب قوله ﴿ إنما أنت منذر ﴾ يشبهه قوله تعالى في آية أخرى ﴿ ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ |البقرة : ٢٧٢|. قال ابن عباس في تفسير هذه الآية : " يقول الله تعالى أنت يا محمد منذر، وأنا هادي كل قوم "، فالمعنى إذن إنما عليك الإنذار، والله هو الهادي لمن يشاء إذا شاء. قال أبو القاسم ابن جزي في تفسيره : " وقد يكون المعنى : إنما أنت نبي منذر، ولكل قوم هاد من الأنبياء ينذرهم، فليس أمرك ببدع ولا مستنكر ". وهذا المعنى يشبهه قوله تعالى في آية أخرى ﴿ وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ﴾ |فاطر : ٢٤|.
وانتقل كتاب الله إلى الحديث عما انفرد به الحق سبحانه وتعالى من علم الغيب والإطلاع على " سر السر "، بحيث لا تخفى عليه خافية، ومن ذلك خفايا الأرحام وما تنطوي عليه عند الإنسان وغيره من الحيوان، فقال تعالى :﴿ الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد، وكل شيء عنده بمقدار ﴾ فالله تعالى هو المنفرد يعلم ما في الأرحام على وجه التحقيق، أذكر أم أنثى، أوحيد أم توأم ﴿ الله يعلم ما تحمل كل أنثى ﴾، وهو المنفرد وحده بعلم ما يقع في الأرحام من زيادة أو نقص، وسلامة أو آفة، وتعجيل أو تأجيل ﴿ وما تغيض الأرحام وما تزداد ﴾، وهو المنفرد وحده بعلم النسمات ﴿ وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة، الكبير المتعال ﴾.
وقوله تعالى :﴿ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ﴾ إشارة إلى عدل الله المطلق وحكمته البالغة، وأنه لا يسلب النعم، ويبتلي بالنقم، إلا من غير طريقته في الشكر والطاعة، فأعرض عن الله، ونأى عنه بجانبه، فإذا انتقل من المعصية إلى الطاعة، ومن الكفر إلى الشكر، ومن الانحراف إلى الاستقامة، أكرمه الله بعفوه ورضاه، وسلك به مسالك النجاة، فردا كان أو أمة.
وقوله تعالى ﴿ ويسبح الرعد بحمده ﴾ يشبه قوله تعالى في نفس السياق :﴿ ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال ﴾. والمراد التنبيه إلى أصوات الرعد الهائلة المماثلة للانفجار، وإلى ما يرافقها أحيانا من صواعق تحرق الأخضر واليابس، الأمر الذي يدل على قدرة الله، ويثير في النفوس الخوف من عذاب الله، مما يهز كيان الإنسان، ولو كان ضعيف الإيمان، ويضطره إلى تسبيح الله وتنزيهه ولو لم يكن ذلك باللسان.
وقوله تعالى :﴿ له دعوة الحق ﴾ قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : هي التوحيد، أي أن إفراد الله بالعبادة والدعاء دون سواه هو الحق الذي لا حق دونه، أما التوجه إلى غيره سبحانه بهما أو بأحدهما فهو أبطل الباطل ﴿ والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ﴾.
وقوله تعالى :﴿ وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ﴾ إشارة إلى ضياع عبادتهم في الدنيا، لأنهم يقومون بها لمعبودات باطلة، وإلى إحباط أعمالهم في الآخرة، لأنهم يبنون أعمالهم على أساس فاسد ﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ﴾ |الفرقان : ٢٣|.
وسجود من في السماوات والأرض معناه الانقياد المطلق لقضاء الله وقدره، أحب من أحب وكره من كره، فالعارف بالله يخضع له طوعا، وغيره يخضع له كرها. أما سجود " الظلال " غدوة وعشية ﴿ بالغدو والآصال ﴾ فمعناه انقيادها في القبض والبسط لمشيئة الله، طبقا لما في كلتا الحالتين من مصلحة " لخلق الله "، بما في ذلك الإنسان والحيوان والنبات.
وقوله تعالى :﴿ أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا، ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله، كذلك يضرب الله الحق والباطل ﴾. قال أبو إسحاق ابن جزي في تفسيره : " هذا مثل ضربه الله للحق وأهله، والباطل وحزبه، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء، فتسيل به الأودية وينتفع به أهل الأرض، وبالذهب والفضة والحديد والصفر –أي النحاس الأصفر- وغيرها من المعادن التي ينتفع بها الناس، وشبه الباطل، في سرعة اضمحلاله وزواله، بالزبد الذي يرمي به السيل، وبزبد تلك المعادن، الذي يطفو فوقها إذا أذيبت، وليس في الزبد منفعة، وليس له دوام ".
وقوله تعالى :﴿ فسالت أودية بقدرها ﴾ أي أخذ كل واد من الماء بحسبه، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها من جهة استعدادها سعة وضيقا، وقوله ﴿ ابتغاء حلية ﴾ مثل معدن الذهب والفضة، وقوله ﴿ أو متاع ﴾ مثل معدن الحديد والنحاس، وقوله :﴿ كذلك يضرب الله الحق بالباطل ﴾ أي إذا اجتمع الحق والباطل فإن الباطل لا يثبت أمام الحق ولا يدوم، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع ما يسبك في النار من مختلف المعادن، بل يذهب ويضمحل.
جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه الله بما بعثني، ونفع به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ). ﴿ فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال، للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٧:وقوله تعالى :﴿ أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا، ومما توقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله، كذلك يضرب الله الحق والباطل ﴾. قال أبو إسحاق ابن جزي في تفسيره :" هذا مثل ضربه الله للحق وأهله، والباطل وحزبه، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء، فتسيل به الأودية وينتفع به أهل الأرض، وبالذهب والفضة والحديد والصفر –أي النحاس الأصفر- وغيرها من المعادن التي ينتفع بها الناس، وشبه الباطل، في سرعة اضمحلاله وزواله، بالزبد الذي يرمي به السيل، وبزبد تلك المعادن، الذي يطفو فوقها إذا أذيبت، وليس في الزبد منفعة، وليس له دوام ".
وقوله تعالى :﴿ فسالت أودية بقدرها ﴾ أي أخذ كل واد من الماء بحسبه، وهو إشارة إلى القلوب وتفاوتها من جهة استعدادها سعة وضيقا، وقوله ﴿ ابتغاء حلية ﴾ مثل معدن الذهب والفضة، وقوله ﴿ أو متاع ﴾ مثل معدن الحديد والنحاس، وقوله :﴿ كذلك يضرب الله الحق بالباطل ﴾ أي إذا اجتمع الحق والباطل فإن الباطل لا يثبت أمام الحق ولا يدوم، كما أن الزبد لا يثبت مع الماء ولا مع ما يسبك في النار من مختلف المعادن، بل يذهب ويضمحل.
جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا، فكان منها طائفة قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا ورعوا وسقوا وزرعوا، وأصابت طائفة منها أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه الله بما بعثني، ونفع به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به ). ﴿ فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض، كذلك يضرب الله الأمثال، للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.

الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
في الآية الأخيرة من الربع الماضي تحدث كتاب الله عن فريقين لا ثالث لهما ينقسم إليهما الناس بالنسبة لموقفهم من الدعوة والرسالة، الفريق الأول فريق الذين استجابوا لله، والفريق الثاني فريق الذين لم يستجيبوا له، وبين كتاب الله عاقبة الفريق الأول وهي حسن الجزاء، وعاقبة الفريق الثاني وهي سوء الحساب، فقال تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير ﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ﴾.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى :﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾.
الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
في الآية الأخيرة من الربع الماضي تحدث كتاب الله عن فريقين لا ثالث لهما ينقسم إليهما الناس بالنسبة لموقفهم من الدعوة والرسالة، الفريق الأول فريق الذين استجابوا لله، والفريق الثاني فريق الذين لم يستجيبوا له، وبين كتاب الله عاقبة الفريق الأول وهي حسن الجزاء، وعاقبة الفريق الثاني وهي سوء الحساب، فقال تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير ﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ﴾.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى :﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾.
وأول صفة وصف الله بها هذا النوع المتبصر المفضل من الناس –وهم ﴿ أولو الألباب ﴾ في لغة القرآن- هي صفة الوفاء بالعهد، التي تعتبر بالنسبة إلى غيرها بمنزلة الأصل من الفرع، إذ الوفاء بالعهد يستلزم القيام بجميع الفروض والواجبات، والوفاء بكل العقود والالتزامات، والأداء لكافة الحقوق والأمانات، وفي طليعتها العهد الأول الذي أخذه الله على الإنسان، وهو لا يزال في صلب أبيه آدم بالتزام الإيمان، ثم العهد الذي يترتب على الإقرار بالشهادتين، الذي هو شرط أساسي للدخول في الدين ﴿ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله ﴾ فإن الإقرار بهما يلزم عهودا، ويربط عقودا، وينشئ تكليفا بعدة أنواع من الالتزامات الشرعية، الأدبية والمادية، ومنها كما قال أبو بكر ﴿ ابن العربي ﴾ : " الوفاء بالعرفان، والانكفاف عن العصيان، والقيام بحق الإحسان " ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ). وإلى صفة الوفاء هذه يشير قوله تعالى هنا :﴿ الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ﴾.
الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
في الآية الأخيرة من الربع الماضي تحدث كتاب الله عن فريقين لا ثالث لهما ينقسم إليهما الناس بالنسبة لموقفهم من الدعوة والرسالة، الفريق الأول فريق الذين استجابوا لله، والفريق الثاني فريق الذين لم يستجيبوا له، وبين كتاب الله عاقبة الفريق الأول وهي حسن الجزاء، وعاقبة الفريق الثاني وهي سوء الحساب، فقال تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير ﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ﴾.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى :﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾.
وثاني صفة وصف الله بها من أراد أن يكون من أولي الألباب صفة الحنان والمروءة ورقة الشعور، التي تتجلى في سلوكهم العام، ولاسيما في صلة الأرحام، وبذل المعروف للفقراء والمحتاجين والعطف عليهم، مما يعين على إقامة مجتمع متحاب فاضل ومتكافل، وإلى هذه الصفة يشير قوله تعالى هنا ﴿ والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ﴾.
وثالث صفة وصف الله بها أولي الألباب أن يكون لهم وجدان حي، قوي الحساسية، عميق الشعور، بحيث يراقبون الله في أعمالهم كل المراقبة، ويحرصون على الاستقامة في أحوالهم كل الحرص، سواء ما كان منها خصوصيا أو عموميا، وإلى هذه الصفة يشير قوله تعالى هنا :﴿ ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ﴾.
الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
في الآية الأخيرة من الربع الماضي تحدث كتاب الله عن فريقين لا ثالث لهما ينقسم إليهما الناس بالنسبة لموقفهم من الدعوة والرسالة، الفريق الأول فريق الذين استجابوا لله، والفريق الثاني فريق الذين لم يستجيبوا له، وبين كتاب الله عاقبة الفريق الأول وهي حسن الجزاء، وعاقبة الفريق الثاني وهي سوء الحساب، فقال تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير ﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ﴾.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى :﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾.
ورابع صفة وصف الله بها أولي الألباب أن تكون لهم قدرة على ضبط النفس والصبر الجميل، فهم بالمرصاد دائما لأنفسهم وشهواتهم، لا يطلقون لها العنان، ويلتزمون إزاءها حدود الاعتدال والمشروعية دون كبت ولا طغيان، وهم في حالة الرخاء صابرون، بحيث لا يطغون ولا يتعدون الحدود، وفي حالة الشدة صابرون، بحيث لا يسخطون على الموجود طمعا في المفقود. وإلى هذه الصفة يشير قوله تعالى هنا :﴿ والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ﴾ فهم صابرون عن رضا لا عن سخط، وعن اختيار لا عن مجرد اضطرار، وهم قاصدون بصبرهم وجه الله ورضاه، أولا وأخيرا.
وخامس صفة وصف الله بها أولي الألباب أن يقيموا الصلاة، أي يقوموا بها على وجهها الكامل، بحيث لا يتركونها ولا يهملونها، ولا يقومون إليها كسالى، فهم على صلة بالله دون انقطاع، يناجونه ويشكرونه، ويؤدون حقه، ويطلبون عونه على الدوام والاستمرار، وإلى هذه الصفة يشير قوله تعالى هنا :﴿ وأقاموا الصلاة ﴾.
وسادس صفة وصف الله بها أولي الألباب أن يحسنوا التصرف فيما آتاهم الله من رزق، وائتمنهم عليه من مال، بحيث يكونون أسخياء النفوس، ذوي فتوة وشهامة وكرم، يعتبرون المال وسيلة لا غاية، وغايته نفعهم ونفع الناس أجمعين، ولذلك فهم لا يبخلون بإنفاقه في وجوه الخير، وسبل النفع، وهم ينفقونه سرا كما ينفقونه علانية، حسب الظروف الطارئة والحاجات الملحة، والوضع الذي يكون فيه المنفق والمنفق عليه، لا يتقيدون بوجه دون وجه، ولا باب دون باب، فلأزواجهم وأولادهم وأقربائهم من أموالهم حظ معلوم، كما أن فيها حقا ثابتا للسائل والمحروم، وإلى هذه الصفة يشير قوله تعالى هنا :﴿ وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ﴾.
وسابع صفة وصف الله بها أولي الألباب، أن يكونوا على درجة كافية من الانتباه الشديد، والمحافظة على رصيدهم الخاص من الحسنات، حتى يظل رصيدا لا عجز فيه ولا تطغى عليه السيئات، بحيث يكونون ذوي وعي عميق وانتباه تام، وولوع بمحاسبة أنفسهم ونقدها الذاتي على الدوام، وهكذا كلما عملوا سوءا بجهالة أو تحت تأثير نزوة من النزوات، اهتموا بأن يعملوا في أعقابه مباشرة ما يمحو أثره، ويزيل مفعوله، من صالح الحسنات. وإذا أساء إليهم مسيء لم يقابلوا إساءته بالمثل، بل قابلوا إساءته بالإحسان، مساهمة منهم في وضع حد لروح الشر والعدوان، وإشاعة لروح التسامح والغفران، وإلى هذه الصفة يشير قوله تعالى هنا :﴿ ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾ أي يدفعون السيئة بالحسنة، مصداقا لقوله تعالى في آية ثانية ﴿ إن الحسنات يذهبن السيئات ﴾ |هود : ١١٤|، وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ﴾ |فصلت : ٣٤|، وقوله تعالى في آية رابعة :﴿ وإذا خاطبكم الجاهلون قالوا سلاما ﴾ |الفرقان : ٦٣|.
فهذه هي الصفات الرئيسية التي يعتبر من اتصف بها في نظر الإسلام – طبقا لمعيار الذكر الحكيم- من " أولي الألباب " أي من أصحاب العقول الناضجة والأفكار السليمة، وبقدر ما ينقص منها عند الشخص يكون ناقص العقل، فاقد اللب، غير معدود في عداد العقلاء الراشدين، فمن أراد أن يعرف نفسه أهو في عداد العقلاء الراشدين، أم في عداد السفهاء والحمقى والمجانين، فليعيرها بمعيار القرآن، فإنه خير معيار يعير به النقصان والرجحان في ميزان الإيمان. قال القاضي عبد الجبار : " حكى بعض الأئمة أنه سئل عن وصف ﴿ المؤمن ﴾ فتلا هذه الآية ﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ﴾ إلى آخرها.
الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
في الآية الأخيرة من الربع الماضي تحدث كتاب الله عن فريقين لا ثالث لهما ينقسم إليهما الناس بالنسبة لموقفهم من الدعوة والرسالة، الفريق الأول فريق الذين استجابوا لله، والفريق الثاني فريق الذين لم يستجيبوا له، وبين كتاب الله عاقبة الفريق الأول وهي حسن الجزاء، وعاقبة الفريق الثاني وهي سوء الحساب، فقال تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير ﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ﴾.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى :﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾.
وبعدما حلل كتاب الله الصفات المعتبرة في أولي الألباب من المؤمنين الصادقين عرج على وصف ما ينتظرهم وينتظر الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم من النعيم المقيم في دار السلام، فقال تعالى :﴿ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار ﴾.
وقوله تعالى في هذا السياق :﴿ ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ﴾ فيه إشارة واضحة إلى أن البيئة التي تشيع فيها مثل هذه الخصال ينتشر فيها الخير والبر، حتى يشمل جميع أعضائها وأفرادها، لأنهم يتنفسون في جو مفعم بالطهر والصلاح والقدوة الحسنة، فيرثون الصلاح خلفا عن سلف، وأبا عن جد.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٣:الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
في الآية الأخيرة من الربع الماضي تحدث كتاب الله عن فريقين لا ثالث لهما ينقسم إليهما الناس بالنسبة لموقفهم من الدعوة والرسالة، الفريق الأول فريق الذين استجابوا لله، والفريق الثاني فريق الذين لم يستجيبوا له، وبين كتاب الله عاقبة الفريق الأول وهي حسن الجزاء، وعاقبة الفريق الثاني وهي سوء الحساب، فقال تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير ﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ﴾.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى :﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾.
وبعدما حلل كتاب الله الصفات المعتبرة في أولي الألباب من المؤمنين الصادقين عرج على وصف ما ينتظرهم وينتظر الصالحين من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم من النعيم المقيم في دار السلام، فقال تعالى :﴿ جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم، والملائكة يدخلون عليهم من كل باب، سلام عليكم بما صبرتم، فنعم عقبى الدار ﴾.
وقوله تعالى في هذا السياق :﴿ ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ﴾ فيه إشارة واضحة إلى أن البيئة التي تشيع فيها مثل هذه الخصال ينتشر فيها الخير والبر، حتى يشمل جميع أعضائها وأفرادها، لأنهم يتنفسون في جو مفعم بالطهر والصلاح والقدوة الحسنة، فيرثون الصلاح خلفا عن سلف، وأبا عن جد.

الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
في الآية الأخيرة من الربع الماضي تحدث كتاب الله عن فريقين لا ثالث لهما ينقسم إليهما الناس بالنسبة لموقفهم من الدعوة والرسالة، الفريق الأول فريق الذين استجابوا لله، والفريق الثاني فريق الذين لم يستجيبوا له، وبين كتاب الله عاقبة الفريق الأول وهي حسن الجزاء، وعاقبة الفريق الثاني وهي سوء الحساب، فقال تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير ﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ﴾.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى :﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾.
وكما تحدث كتاب الله عن أولي الألباب وصفاتهم المثلى وما ادخر الله لهم من حسن العاقبة تعرض لمن هم على عكسهم عقيدة وعملا وسلوكا، فقال تعالى :﴿ والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ﴾.
الربع الأخير من الحزب الخامس والعشرين في المصحف الكريم
في الآية الأخيرة من الربع الماضي تحدث كتاب الله عن فريقين لا ثالث لهما ينقسم إليهما الناس بالنسبة لموقفهم من الدعوة والرسالة، الفريق الأول فريق الذين استجابوا لله، والفريق الثاني فريق الذين لم يستجيبوا له، وبين كتاب الله عاقبة الفريق الأول وهي حسن الجزاء، وعاقبة الفريق الثاني وهي سوء الحساب، فقال تعالى :﴿ للذين استجابوا لربهم الحسنى، والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به، أولئك لهم سوء الحساب، ومأواهم جهنم، وبيس المهاد ﴾.
وفي الآية الأولى من حصة اليوم بين كتاب الله أن الفريق الذي استجاب لربه، والفريق الذي لم يستجب إليه، لا يستويان في شيء، بل هما على طرفي نقيض، فالذي آمن بأن ما أنزل إلى الرسول حق وصدق سليم البصر والبصيرة، ولذلك عرف الحق وصدقه واهتدى به، والذي كذب بما أنزل إلى الرسول أعمى البصر والبصيرة لأنه قد عطل جميع ملكاته عن النظر والبحث والمقارنة، وهل يستوي الأعمى والبصير ﴿ أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى ﴾.
ثم تولى كتاب الله وصف النوع المتبصر الذي يوجد عنده استعداد خاص للتأمل والتدبر في آيات الله الكونية والدينية، وحلل الصفات التي تميز بها هذا النوع من الناس، فقال تعالى :﴿ إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل، ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية، ويدرءون بالحسنة السيئة ﴾.
وتناول كتاب الله الرد على المصرين المعاندين من مشركي العرب الذين قالوا للرسول : " لو سيرت لنا جبال مكة حتى تتسع فنحرث فيها، أو قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح "، ومرادهم تسخير الريح لهم، " أو أحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيي الموتى لقومه ". فقال تعالى :﴿ ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ﴾ أي لما آمنوا به، ما دام تسيير الجبال، وتقطيع الأرض، وتكليم الموتى، بالنسبة لهؤلاء المعاندين المصرين إنما هو مجرد تحد وإصرار، وعتو واستكبار، وليس الأمر أمر استجلاء للحقائق أو تطلع إلى استكناه الأسرار، فالمعنى المراد إذن أنهم " لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ".
وقوله تعالى :﴿ ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله ﴾ مواساة من الله لرسوله والمؤمنين، وتعريف لهم بأن الحرب التي تدور رحاها بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، مستمرة إلى يوم الدين، وأن أعداء الله وخصوم دينه لا بد أن يلاقوا جزاءهم، بشكل أو آخر على مر الأيام، فكلما انجلت عنهم قارعة وأمنوا مكر الله حلت بساحتهم قارعة أخرى أدهى وأمر، وهم بين القارعتين الماضية والآتية في خوف وهلع، واضطراب وجزع، كما جرى في حروبهم المتتالية، ولاسيما في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وإن لم تحل القارعة بدارهم وتقض عليها، حلت بأقرب مكان إليها، وهكذا يمهلهم الله ولا يهملهم، وهو القاهر فوق عباده ﴿ إن الله لا يخلف الميعاد ﴾.
فقد كان الحديث يدور حول الكافرين الماكرين الذين يصدون عن سبيل الله وحول ما ينتظرهم من عذاب في الدنيا، وعذاب أشق منه في الآخرة :﴿ لهم عذاب في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أشق، وما لهم من الله من واق ﴾.
الربع الثاني من الحزب السادس والعشرين في المصحف الكريم
والآية الأولى في هذا الربع، ترتبط ارتباطا وثيقا بالآية الأخيرة في الربع الماضي، ثم واصل كتاب الله الحديث عن المؤمنين المتقين، وما ينتظرهم من نعيم دائم في جنات النعيم، وذلك قوله تعالى في أول هذا الربع :﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم وظلها، تلك عقبى الذين اتقوا، وعقبى الكافرين النار ﴾.
وقوله تعال هنا :﴿ مثل الجنة ﴾ ليس المراد به ضرب المثل لها فحسب، بل المراد به وصفها بالذات وما تكون الجنة عليه فعلا، وكلمة ﴿ مثل ﴾ في الآية مبتدأ خبره محذوف مقدم، تقديره " فيما يتلى عليكم صفة الجنة " كما أعربه الإمام سيبويه رحمه الله. وذهب الفراء إلى أن كلمة ﴿ مثل ﴾ مبتدأ وقوله تعالى في نفس الآية :﴿ تجري من تحتها الأنهار ﴾ جملة خبرية هي خبر عن ﴿ مثل ﴾، وكما جاءت كلمة ﴿ مثل ﴾ بهذا المعنى في الآية التي فسرناها وردت أيضا بنفس المعنى في " سورة محمد "، فقال تعالى :﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه ﴾ |الآية : ١٥| إلى آخر الآية، فالمراد فيها أيضا بمثل الجنة صفة الجنة.
وقوله تعالى في وصف الجنة ﴿ أكلها دائم وظلها ﴾ تنبيه إلى أن ما فيها من الخيرات والنعم لا انقطاع له ولا فناء، والأكل بضم الهمزة معناه المأكول، ويشبه هذه الآية في المعنى قوله تعالى في آية ثانية :﴿ وفاكهة كثيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة ﴾ |الواقعة : ٣٢، ٣٣|، وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ عطاء غير مجذوذ ﴾ |هود : ١٠٨|.
وقوله تعالى :﴿ تلك عقبى الذين اتقوا، وعقبى الكافرين النار ﴾ جار على طريقة القرآن الكريم في الجمع غالبا بين صفة الجنة وصفة النار. ترغيبا فيما يوصل إلى الأولى، وترهيبا مما يورط في الثانية.
ثم تحدث كتاب الله عن موقف المؤمنين وموقف المنافقين من القرآن الكريم، وكيف يستقبل نزوله كل من الفريقين، فقال تعالى :﴿ والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك، ومن الأحزاب من ينكر بعضه ﴾. والمراد أن المؤمنين الصادقين يستقبلون الوحي المنزل من عند الله بفرح وابتهاج، وثقة وتصديق، وأنهم لا يزيدون به إلا إيمانا، ولا يزدادون به إلا تمسكا، ولا يبدون عليه أي اعتراض أو امتعاض، إذ لا يأتيهم إلا بما فيه الصلاح والفلاح دنيا وأخرى، بينما المنافقون يستقبلونه بالإقرار والرضا حينا، وبالإنكار والسخط أحيانا، إذ يعيرون الوحي بمعيار أهوائهم وشهواتهم ودسائسهم، فمتى نزل القرآن بما يقف حجر عثرة في طريق تلك الأهواء والشهوات تمارضوا واعترضوا، ومتى كشف القرآن النقاب عن دسائسهم لووا رؤوسهم وأعرضوا، ولا يزال موقف الفريقين من كتاب الله على هذا الحال إلى الآن وحتى الآن، فالمؤمنون به يرون في مبادئه ومناهجه وشعائره وشرائعه المثل الأعلى، والنظام الأصلح والأفضل، الذي يجب أن يسود العالم، والمنافقون يسلمون بعضه، وينكرون بعضه أو ينكرونه بالمرة، لأنهم يريدون قرآنا يطاوع أغراضهم ويساير أهواءهم ﴿ وما أولئك بالمؤمنين ﴾ |النور : ٤٧|.
وقوله تعالى هنا :﴿ قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به، إليه أدعوا، وإليه مئاب ﴾ يشبه قوله تعالى فيما سبق :﴿ قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله، على بصيرة أنا ومن اتبعني ﴾ |يوسف : ١٠٨|، فهو تأكيد لأن دعوة الرسول دعوة خالصة إلى الله، مجردة من كل غرض ﴿ إليه أدعو، وإليه مئاب ﴾. وكلمة ﴿ مآب ﴾ من الأوب وهو الرجوع، أي إليه مرجعي ومصيري على غرار قوله تعالى :﴿ وإليه ترجعون ﴾.
وقوله تعالى :﴿ كذلك أنزلناه حكما عربيا ﴾ معناه كما أنزلنا كتبا أخرى على رسل سابقين أنزلنا عليك القرآن محكما معربا، بلسان عربي مبين، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ﴾ |إبراهيم : ٤|. وواضح أن كتاب الله وذكره الحكيم مهيمن على كل ما سبقه من الكتب والرسالات، ﴿ مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه ﴾ |المائدة : ٤٨| وأنه ناسخ لكثير من التشريعات والأعراف السالفة، فله الكلمة العليا عليها جميعا، وهو الحكم الأخير الذي لا معقب له، بالنسبة لأحكامها جمعاء.
وقوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية ﴾ تأكيد للصفة البشرية التي اختار الله أن يكون عليها رسله إلى الناس، فهم من ناحية التكوين الخلقي بشر عاديون لا ملائكة، ولا أنصاف ملائكة، ولا صنف آخر من أصناف المخلوقات، ﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ﴾ |الكهف : ١١٠| -﴿ قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ﴾ |الإسراء : ٩٣|، وهم من ناحية الانتخاب الخلقي والاصطفاء الإلهي للرسالة بشر لا كالبشر ﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالاته ﴾ |الأنعام : ١٢٤|.
وتفيد الآية الكريمة في نفس الوقت أن الرسالة لا تستلزم رهبانية ولا انصرافا عن الحياة الإنسانية العادية، حياة الزوجية وإنجاب الذرية، خلافا لما ابتدعه المبتدعة في مختلف الأديان والملل، وادعوا أنه يقربهم إلى الله دون حياء ولا خجل.
وقوله تعالى :﴿ وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله ﴾ رد على المشركين والمنافقين الذين خيل إليهم أن الرسالة عمل ذاتي يمكن للرسول أن يتصرف فيه كما يريد، بحيث كلما طلب إليه شيء من المعجزات وخوارق العادات، جاء به من عند نفسه، ترضية للطلبات وتحقيقا للرغبات، بينما الرسول في الحقيقة إنما هو مبلغ عن الله ﴿ وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى ﴾ |النجم : ٣، ٤| وإنما ينطق بالوحي عن إذن ربه، متى تلقى الوحي، وصدر إليه الإذن بالتبليغ.
والمراد ﴿ بالآية ﴾ في هذه الآية ما يشمل آيات الذكر الحكيم، وهي آيات معنوية، ويشمل آيات العذاب الأليم، وهي آيات مادية، فطالما استعجل المشركون نزول عذاب الله الذي أنذرهم به، وطالبوا الرسول بإنزاله أو استنزاله، لكن الأمر في الحقيقة أمر الإرادة الإلهية العليا، فهي التي تحدد لكل شيء أجله، وتأتي به في أجله المحتوم ﴿ لكل أجل كتاب ﴾، وقال أبو حيان : " قوله ﴿ لكل أجل كتاب ﴾ لفظ عام في الأشياء التي لها آجال، لأنه ليس منها شيء إلا وله أجل في بدئه وفي ختامه، وذلك الأجل مكتوب محصور، وثم أشياء كتبها الله تعالى أزلية كالجنة ونعيم أهلها لا أجل لها ".
وقوله تعالى :﴿ يمحوا الله ما يشاء ويثبت ﴾ قال أبو القاسم ﴿ ابن جزى ﴾ : " القاعدة المقررة أن القضاء لا يبدل، وأن علم الله لا يتغير، والمحو والإثبات يندرج تحته المحو والإثبات بالنسبة للأحكام الشرعية، فالإثبات هو بقاؤها ودوامها، والمحو هو النسخ، ويندرج تحته ما يعمله الإنسان من طاعة الله، ثم ينزلق إلى المعصية ويموت عليها، فتمحو معصيته طاعته، وما يعمله من معصية الله، ثم يقبل على الطاعة ويموت عليها، فتمحو طاعته معصيته، مصداقا للحديث الشريف :( إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ).
ومن لطائف التفسير في قوله تعالى هنا :﴿ لكل أجل كتاب ﴾ : ما نقل عن الضحاك والفراء، من أن المراد به ﴿ لكل كتاب أجل ﴾، بمعنى أن لكل كتاب أنزله الله من السماء أجلا معلوما ومدة معينة عند الله، وهكذا توالت كتبه المنزلة الواحد تلو الآخر، إلى أن نزل الذكر الحكيم، فكان خاتمة الكتب الإلهية يمحو منها ما يشاء ويثبت منها ما يشاء.
وقوله تعالى :﴿ وعنده أم الكتاب ﴾ بعد قوله تعالى :﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت ﴾ يشبه قوله تعالى في سورة آل عمران ﴿ هو الذي أنزل عليك الكتاب منه، آيات محكمات هن أم الكتاب ﴾ |الآية : ٧|. فأم الكتاب هو القسم المحكم من آيات الوحي الإلهي الذي لم يصبه أي محو ولم يلحقه أي نسخ، من العقيدة الأساسية، والشريعة الأصلية، الصالحتين للاستمرار والبقاء، والمتفق عليهما في الكتب الإلهية جمعاء، مصداقا لقوله تعالى في آية أخرى :﴿ شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه ﴾ |الشورى : ١٣|. وإطلاق كلمة ﴿ أم ﴾ على ما يجري مجرى الأصل للشيء معروف في اللغة، كقولهم ﴿ أم الرأس ﴾ للدماغ.
وقوله تعالى :﴿ وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾ إشارة إلى أن خالق الكون متكفل بتسيير كونه طبقا لمشيئته العليا، وأن الأمر لا يتوقف على أحد من خلقه، وسواء شاهد الرسول عليه الصلاة والسلام بعيني رأسه ما بشر الله به –على لسانه- المؤمنين، وأنذر به الكافرين، أو توفاه الله إليه، وانتقل إلى الرفيق الأعلى قبل أن يشاهد ذلك، فالمهم بالنسبة إليه –بوصفه رسولا- هو أن يقوم بواجب التبليغ عن ربه خير قيام، وحساب الخلق في النهاية موكول إلى الله.
وقوله تعالى :﴿ أو لم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ﴾ كناية عما يصيب البلاد العامرة من خراب، وما يصيب الأراضي الخصبة من قحط وجدب، عقابا من الله لأهلها على الظلم والفساد، السائدين في البلاد، على غرار قوله تعالى في سورة الأنبياء :﴿ بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر، أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها، أفهم الغالبون ﴾ |الآية : ٤٤|. وإلى هذا المعنى ينظر قوله تعالى :﴿ ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون ﴾ |الأحقاف : ٢٧|.
وقوله تعالى :﴿ والله يحكم لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب ﴾ إشارة إلى يوم القيامة حيث ينفرد الحق سبحانه وتعالى بالملك الحقيقي والحكم النهائي :﴿ لمن الملك اليوم، لله الواحد القهار ﴾ |غافر : ١٦| فلا أحد بعد انتهاء الحساب، يستطيع أن يتعقب حكم الله بالعقاب أو الثواب. و ﴿ المعقب ﴾ هو الذي يكر على الشيء فيبطله إذا كان فيه خطأ.
Icon