ﰡ
مكيّة وآياتها ثلاث وأربعون ربّ يسّر وتمّم بالخير «١» بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
المر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الاضافة بمعنى من وأراد بالكتاب السورة او القران وتلك اشارة الى آياتها- اى تلك الآيات آيات السورة الكاملة او القران وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعنى القران كله ومحله الجر عطفا على الكتاب عطف العام على الخاص ان كان المراد بالكتاب السورة- او عطف احدى الصفتين على الاخرى ان كان المراد به القرآن وقوله الْحَقُّ خبر مبتدا محذوف اى هو الحق لا ريب فيه- او محل الموصول الرفع بالابتداء والحق خبره- والجملة كالحجة على الجملة الاولى- فان قيل تعريف الخبر يدل على اختصاص المنزل بكونه حقّا- مع ان السنة والإجماع والقياس كل منها حق يفيد الحق- قلنا المراد بما انزل أعم من المنزل صريحا او ضمنا مما نطق المنزل بحسن اتباعه وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) لاخلالهم النظر والتأمل فيه- قال مقاتل نزلت فى مشركى مكة حين قالوا ان محمّدا ﷺ تقوّله من تلقاء نفسه- فرد قولهم وبين دلائل توحيده-.
اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ مبتدا وخبر- او الموصول صفة والخبر يدبر بِغَيْرِ عَمَدٍ جمع عماد كاهاب وأهب او عمود كاديم وآدم- يعنى أساطين حال من
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ بسطها ليثبت عليها الاقدام وينقلب عليها الحيوان وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ جمع راسية اى جبالا ثابتة من رسى الشيء إذا ثبت- والتاء للتأنيث على انها صفة اجبل او للمبالغة- قال ابن عباس كان ابو قبيس أول جبل وضع على الأرض وَأَنْهاراً ضمها الى الجبال وعلق بهما فعلا واحدا من حيث ان الجبال اسباب لتولّدها وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ متعلق بقوله جَعَلَ فِيها اى جعل فى الأرض جميع انواع الثمرات زَوْجَيْنِ صنفين اثْنَيْنِ الجيد والردى قلت يمكن ان يكون المراد بها تنوعها على اقسام شتّى أدناها اثنان يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ اى يلبسه مكانه فيصير الجو مظلما بعد ما كان مضيئا ويصير مضيئا بعد ما كان مظلما- قرا حمزة والكسائي وابو بكر يغشّى بالتشديد إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) فيها فان تكوّنها وتخصيصها بوجه دون وجه دليل على وجود صانع حكيم دبر أمرها وهيّأ أسبابها-.
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ متقاربات بعضها طيبة وبعضها سبخة
وَإِنْ تَعْجَبْ يا محمّد من تكذيب المشركين إياك فى دعوى الرسالة بعد ما راوا الآيات الباهرة والمعجزات القاهرة مع انهم يعبدون ما لا يضر ولا ينفع من الحجارة بلا دليل فَعَجَبٌ اى حقيق بان يتعجب منه قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً بعد الموت أَإِنَّا اختلف القراء فى الاستفهامين إذا اجتمعا نحو هذه الاية وقوله تعالى أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً «١»... أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ... - أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ... أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ وشبهه وجملته أحد «٢» عشر موضعا فى القران- فقرا نافع والكسائي ويعقوب الاول استفهاما بهمزتين والثاني خبرا بهمزة واحدة- وابو جعفر وابن عامر بالعكس- والباقون استفهاما فيهما- الا ان نافعا قرا فى النمل والعنكبوت الاول منهما خبرا والثاني استفهاما- وكذا ابن كثير وحفص فى العنكبوت وابو جعفر يوافق نافعا فى أول الصّفات دون الثاني- وابن عامر فى النمل والنّزعت بعكس هذا وفى الواقعة بالاستفهام فيهما- ثم القراء عند اجتماع الهمزتين على أصولهم- فنافع وابن كثير- وابو عمرو يقرءون الاستفهام بهمزة وياء بعدها- فابن كثير لا يمد بعد الهمزة وابو عمرو يمد ويدخل قالون بينهما الفا وهشام يدخل بين الهمزتين المحققتين الفا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٥) والجملة الاستفهامية بدل من قولهم- او مفعول به له يعنى قولهم هذا المشعر بانكار البعث حقيق بالتعجب- فانهم ينكرون البعث مع إقرارهم بابتداء الخلق من الله عزّ وجلّ- وقد تقرر فى القلوب ان الاعادة أهون من الابتداء- والعامل فى إذا محذوف دل عليه أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ تقديره إن عدنا فى خلق جديد كما كنا قبل الموت إذا متنا وكنّا ترابا- او المعنى وان تعجب يا محمّد على انكارهم البعث بعد إقرارهم ببدء الخلق من الله تعالى فقولهم هذا حقيق بان يتعجب منه- فان من قدر على إنشاء ما قصّ عليك كانت الاعادة أيسر شيء عليه- والآيات المعدودة كما هى دالة على وجود المبدا دالة على إمكان الاعادة من حيث انها تدل على كمال قدرته وقبول المواد لانواع تصرفاته أُولئِكَ يعنى الذين ينكرون البعث هم الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ لانهم كفروا بقدرته تعالى على البعث- والعاجز لا يصلح لكونه ربا وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ
(٢) رعد- بنى اسراءيل- مؤمنون- الم سجده- نمل- صّفّت- الواقعة- النّزعت- عنكبوت- منه رح
وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ الاستعجال طلب الشيء عاجلا قبل وقته والمراد بالسيّئة هاهنا العقوبة وبالحسنة النعمة والعافية وذلك ان مشركى مكة كانوا يطلبون العقوبة بدلا من العافية استهزاء منهم يقولون اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ... وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ عقوبات أمثالهم من المكذبين فما لهم لا يعتبرون بها- ولم يجوزوا حلول مثلها عليهم- والمثلة بفتح الثاء وضمها كالصّدقة والصّدقة العقوبة- لانها مثل المعاقب عليه ومنه المثال للقصاص وامثلت الرجل من صاحبه إذا اقتصصته وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ اى مع ظلمهم على أنفسهم ومحله النصب على الحال والعامل فيه المغفرة- قلت الظاهر ان الاية فى منكرى البعث والمراد بالمغفرة الامهال يعنى ان الله حليم يمهل الكفار مع ظلمهم ولذلك لم يعذبهم وهم يستعجلون العقوبة وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) يعنى إذا يحل بهم العقوبة من الله تعالى لا يستطيع أحد دفعه- وقال السدىّ قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ فى حق المؤمنين خاصة- وهى أرجى اية فى كتاب الله حيث وعد المغفرة مع الظلم- ففيه دليل على جواز العفو بلا توبة- إذ التائب ليس على الظلم بل التائب من الذنب كمن لا ذنب له رواه ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ على الكفار- وقيل هما جميعا فى المؤمنين لكنه معلّق بالمشية فيهما اى يغفر لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ- اخرج ابن ابى حاتم والبيهقي والواحدي عن سعيد بن المسيب مرسلا عن النبي ﷺ انه قال لولا عفو الله وتجاوزه ما «١» هاهنا أحد يعيش- ولولا وعيده وعذابه لا تكل كل أحد-
.
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى اى حملها او ما تحملها من ذكر او أنثى سوىّ الخلق او ناقصه وواحدا او اكثر- وانه على اىّ حال هو من الأحوال الحاضرة والمترقبة وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ غاض وازداد جاء كل منهما لازما ومتعديا- فى القاموس غاض الماء غيضا ومغاضا قل ونقص كالغاض غاض الماء وثمن السلعة نقص- وغاض الماء وثمن السلعة نقضهما كاغاض- وازداد القوم على عشرة- ونزداد كيل بعير- فان جعلتهما لازمين فما حينئذ مصدرية والمعنى الله يعلم انتغاض الأرحام وازديادها- والاسناد الى الأرحام
عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قد شرحنا الغيب والشهادة فى سورة الجن الْكَبِيرُ الّذي كل شيء دونه الْمُتَعالِ (٩) المستعلى على كل شيء بقدرته او الّذي كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه- قرا ابن كثير بإثبات الياء وصلا ووقفا والباقون يحذفونها فى الحالين.
سَواءٌ مِنْكُمْ فى علم الله مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ فى نفسه وَمَنْ جَهَرَ بِهِ لغيره وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ اى طالب لاخفاء نفسه بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بارز بِالنَّهارِ (١٠) يراه كل أحد من سرب سروبا إذا برز- وقيل معناه ذاهب فى سربه ظاهرا والسرب الطريق- وقال القتيبي سارِبٌ بِالنَّهارِ
لَهُ اى لمن اسر ومن جهر ومن هو مستخف وسارب او لله تعالى ملائكة مُعَقِّباتٌ جمع معقبة من عقّب مبالغة عقبه إذا جاء على عقبه- او من اعتقب فادغمت التاء فى القاف والتاء للمبالغة- وقال البغوي واحده معقّب وجمعه معقّبة ثم جمع المعقبة على المعقّبات كما قيل انثاوات سعد ورجالات بكر- يعنى يتعاقبون فيكم بالليل والنهار إذا صعدت ملائكة الليل جاءت فى عقبها ملائكة النهار وإذا صعدت ملائكة النهار جاءت فى عقبها ملائكة الليل فيكتبون اعمال العباد ويحفظونهم عن الآفات «١» - روى البغوي بسند صحيح عن ابى هريرة ان النبي ﷺ قال يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار يجتمعون فى صلوة الفجر وصلوة العصر- ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسئلهم ربهم وهو اعلم بهم كيف «٢» تركتم عبادى فيقولون تركناهم وهم يصلّون واتيناهم وهم يصلّون مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ صفة معقّبات اى كائنة من قدام المستخفى والسارب وَمِنْ خَلْفِهِ يعنى من جوانبه كلها يَحْفَظُونَهُ الضمير راجع الى من- اى يحفظون العبد من الآفات ما لم يأت القدر- فاذا جاء القدر خلوا عنه- قال مجاهد ما من عبد الا وله ملك مؤكل به يحفظه فى نومه ويقظته من
(٢) فى الأصل كيف تركتم عبدى-
من شر الشياطين الجن والانس وطوارق الليل والنهار- وقال عبد الرّحمن بن زيد نزلت هذه الاية فى عامر بن الطفيل واربد بن ربيعة- وقصتهما على ما روى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس- انها اقبل عامر بن الطفيل واربد ابن ربيعة وهما عامريّان يريد ان النبي صلى الله عليه وسلم- وهو جالس فى المسجد فى نفر من أصحابه فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر وكان اعور وكان من أجمل الناس- فقال رجل يا رسول الله هذا عامر بن الطفيل قد اقبل نحوك- فقال دعه فان يرد الله به خيرا يهده- فاقبل حتّى قام عليه- فقال يا محمّد مالى ان أسلمت- فقال لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين- قال تجعل لى الأمر بعدك- قال ليس ذلك الىّ انما ذلك الى الله عزّ وجلّ يجعله حيث يشاء- قال فتجعلنى على الوبر وأنت على المدر قال لا قال فماذا تجعل لى قال اجعل لك أعنّة الخيل تغزو عليها- قال او ليس ذلك لى الى اليوم- قم معى أكلمك فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم- وكان اوصى الى اربد ابن ربيعة إذا رايتنى أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف- فجعل يخاصم رسول الله
بعدك- قال ليس ذلك لك ولا لقومك- فقال عامر لاربد انى اشغل عنك وجه محمّد بالحديث فاضربه بالسيف- فرجعا فقال عامر يا محمّد قم معى فقام معه ووقف يكلمه وسلّ اربد السيف فلما وضع يده قائم السيف يبست- والتفت رسول الله ﷺ فراه فانصرف عنهما- فخرجا حتّى إذا كانا بالرقم أرسل الله على اربد صاعقة فقتله- فانزل الله تعالى اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى الى قوله شَدِيدُ الْمِحالِ-
(٢) فى الأصل اتجعل الأمر إلخ-
هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً من الصاعقة ومن ضرر المطر فى السفر وللزرع فى بعض الأحيان وبعض الامكنة وَطَمَعاً من الغيث حين ينفع للزرع او لدفع الحر- وانتصابهما على العلة بتقدير المضاف اى ارادة خوف او طمع- او بتأويل الاخافة والاطماع- او على الحال من البرق- او من المخاطبين بتقدير ذو- او اطلاق المصدر بمعنى المفعول او الفاعل مبالغة وَيُنْشِئُ السَّحابَ جمع سحابة وهو الغيم فانه ينسحب اى ينجر بالهواء فى الجو- وهو جمع سحابة كذا فى القاموس- وقال البيضاوي اسم فيه معنى الجمع ولذا وصف بقوله الثِّقالَ (١٢) جمع ثقيلة يعنى مملوّة بالمطر قال البغوي قال على رضى الله عنه السحاب غربال الماء-.
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ متلبسا بِحَمْدِهِ يعنى يقول سبحان الله والحمد لله- روى الترمذي وصححه والنسائي عن ابن عباس سئل رسول الله ﷺ عن الرعد- فقال ملك مؤكل بالسحاب معه مجاريق من نار يسوق بها السحاب وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ اى من خيفة الله وخشيته- قيل أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد جعل الله له «١» أعوانا- فهم خائفون خاضعون طائعون- فالضمير حينئذ جاز ان يعود الى الرعد يعنى يسبح الملائكة من خيفة الرعد- قال ابن عباس من سمع صوت الرعد فقال سبحان الّذي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ... وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فان أصابته صاعقة فعلى دينه- وعن عبد الله بن الزبير انه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث- وقال سبحان من يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ- ويقول ان هذا الوعيد لاهل الأرض لشديد- وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس الرعد موكل بالسحاب يصرّفه الى حيث يؤمر- وانّ بحور الماء
متلبسين به فيصيحون سبحان الله والحمد لله- او يدل الرعد على وحدانيته تعالى وكمال قدرته متلبسا بالدلالة على فضله ونزول رحمته- قلت هذا على تقدير عدم ثبوت كون الرعد ملكا يسبح وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ جمع صاعقة وهى العذاب المهلك والمراد هاهنا نار ينزل من السماء ينزل من البرق فيحرق من يصيبه فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ فيهلكه وَهُمْ يُجادِلُونَ اى يخاصمون النبي ﷺ فِي اللَّهِ اى توحيده والإقرار بكمال علمه وقدرته وإعادة الناس ومجازاتهم- والجدال التشدد فى الخصومة من الجدل وهو القتل- والواو اما لعطف الجملة- على الجملة او للحال يعنى اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى ويفعل كذا وكذا ويرسل الصّواعق- وهم ينكرون صفات كماله ولا يستدلون بما ذكر على وجوده تعالى وكمال قدرته ويخاصمون النبي ﷺ والمؤمنين وعلى تقدير نزول الاية فى قصة اربد بن ربيعة كما ذكرنا- فالظاهر ان الواو للحال والجملة حال من مفعول يشاء يعنى يصيب بها من يشاء أصابته وهو اربد بن ربيعة وأمثاله فى حال هم يجادلون فى الله فى تلك الحال- قال البغوي قال محمّد بن على الباقر الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب المسلم الذاكر- واخرج النسائي والبزار عن انس قال بعث رسول الله ﷺ رجلا من أصحابه الى رجل من عظماء الجاهلية يدعوه الى الله تعالى- فقال ايش ربك الّذي تدعونى اليه أمن حديد هو او من نحاس او من فضة او ذهب- فاتى النبي ﷺ فاخبره فاعاده الثانية والثالثة فارسل الله عليه صاعقة فاحرقته- ونزلت هذه الاية وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ الى آخرها- وقال البغوي نزلت فى شأن اربد بن ربيعة حيث قال للنبى ﷺ مم ربك أمن درام من ياقوت أم من ذهب فنزلت صاعقة من السماء
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ اى الدعوة المجابة مختصة به تعالى دون غيره كما يدل عليه ما بعده- او المعنى له الدعاء الحق فانه الّذي يحق ان يعبد ويدعى الى عبادته ويسئل منه الحوائج دون غيره- او معناه له الدعاء بالإخلاص- والحق على هذه التأويلات ضد الباطل- والاضافة فى الظاهر اضافة والموصوف الى صفته- فيئوّل على طريقة مسجد الجامع- وجانب
وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً يعنى الملائكة والمؤمنين وَكَرْهاً يعنى المنافقين والكافرين الّذين اكرهوا على السجود بالسيف- او انهم يسجدون حالة الشدة والضرورة مع كراهيتهم ذلك- وانتصاب طوعا وكرها بالحال او العلة وَظِلالُهُمْ يسجد معهم بالعرض- ويحتمل ان يراد بالسجود انقيادهم «١» لما اراده منهم شاءوا او كرهوا- وانقياد ظلالهم لتصريفه إياها بالمد والتقليص- ويمكن ان يقال المراد بمن فى السّموت والأرض حقائق من فيها وأرواح الملائكة والمؤمنين وبظلالهم أشخاصهم وقوالبهم- كما عبر رسول الله ﷺ فى دعائه الظاهر بالسواد والباطن بالخيال- حيث قال فى سجوده سجد لك سوادى وخيالى- وهذا التأويل اولى مما سبق لان الظلال الّتي يرى فى ضح الشمس عبارة عن سواد موضع لم يصل اليه ضوء الشمس لحجاب جثة الشيء- وذلك امر عدمى لا وجود لها فكيف يسند إليها السجود بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) ظرف ليسجد والمراد بهما الدوم- والآصال جمع اصيل وهو ما بين العصر الى المغرب-.
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ خالقهما ومدبرهما ومتولى أمرهما استفهام تقرير- فانهم كانوا يقولون بان الله خالقهم وخالق السموات والأرض قُلِ اللَّهُ يعنى ان لم يقولوه فاجب أنت عنهم- إذ لا جواب لهم سواه وهم يقولون بذلك- ولانه هو البين الّذي لا يحتمل الاختلاف او لقنهم الجواب به- قال البغوي روى انه لما قال رسول الله ﷺ للمشركين من ربّ السّموت والأرض- قالوا أجب أنت فقال الله تعالى قُلِ اللَّهُ- ثم
أَنْزَلَ الله الواحد القهار مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ جمع واد وهو الموضع الّذي يسيل فيه الماء بكثرة- فاتسع فيه واستعمل للماء الجاري فيه كقولك سال الميزاب- وتنكيرها لان المطر انما يأتى على طريق المتادبة بين البقاع فيسيل بعض اودية الماء دون بعض بِقَدَرِها اى بقدر الاودية فى الصغر والكبر فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ اى الماء السائل فى الاودية زَبَداً اى خبثا يظهر على وجه الماء رابِياً عاليا مرتفعا فوق الماء الصافي وَمِمَّا يُوقِدُونَ قرا حمزة والكسائي وحفص بالياء على ان الضمير للناس وإضماره للعلم به والباقون بالتاء على الخطاب- والإيقاد جعل النار تحت شيء ليذوب- ومن لابتداء الغاية اى منه ينشأ زبد مثل زبد الماء- او للتبعيض اى وبعض ما توقدون عَلَيْهِ فِي النَّارِ يعم الفلذات كالذهب والفضة والحديد والنحاس والصفر- والظرف حال من الضمير فى عليه ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ منصوب على الحال من فاعل يوقدون او على العلة- يعنى يوقدون مبتغين حلية او لابتغاء حلية اى زينة مثل الذهب- والفضة أَوْ مَتاعٍ اى ما يتمتع وينتفع به كالاوانى من النحاس والصفر وغيرها وآلات الحرب والحرث من الحديد- والمقصود من ذلك بيان منافعها زَبَدٌ مِثْلُهُ اى مثل زبد الماء وذلك خبثه الّذي ينفيه الكير- وزبد فاعل لقوله مِمَّا يُوقِدُونَ- او مبتدا وهو خبره المقدم عليه كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ مثل الْحَقَّ وَالْباطِلَ (٥) فان الحق يعنى العلم المنزل من السماء مثله فى افادته وانتفاع الناس به انواع المنافع الدنيوية والاخروية- واتساع القلوب إياه بقدرها وسعتها- وثباته الى يوم القيامة بل الى ابد الآبدين كمثل الماء الّذي ينزل من السماء فتسيل به الاودية على قدر الحاجة والمصلحة وعلى قدر صغر الوادي وكبرها- وينتفع به الناس انواع المنافع ويمكث فى الأرض بان يثبت بعضه فى منافعه ويسلك بعضه فى عروق الأرض الى العيون والقنى والآبار- وكمثل الفلذ الّذي ينتفع به الناس فى صوغ الحلي واتخاذ الامتعة المختلفة ويدوم ذلك مدة متطاولة- والباطل يعنى خرافات الكفار وهواجس النفس وخطرات الشيطان مثلها فى انتشارها وشهرتها وعدم الانتفاع
لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا اى أجابوا لِرَبِّهِمُ دعوته الى الإسلام وأطاعوه فيما أمرهم به الْحُسْنى صفة لمصدر يعنى الاستجابة الحسنى او مفعول به يعنى استجابوا لربهم الدعوة الحسنى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ يعنى الكفار واللام متعلقة بيضرب على انه جعل ضرب المثل لشأن الفريقين ضرب المثل لهما- وقيل للذين استجابوا خبر الحسنى وهى المثوبة الحسنى او الجنة والذين لم يستجيبوا مبتدا خبره لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ يوم القيامة لفكاك أنفسهم من النّار وعلى التأويل الثاني هذا كلام مبتدا لمال غير المستجيبين أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وهو ان يناقش فيه ولا يغفر من ذنبه شيء كذا قال ابراهيم النخعي وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٨) مهادهم وهو جهنم قال الله تعالى لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ-.
أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هو الْحَقُّ فيؤمن به ويعمل بمقتضاه كَمَنْ هُوَ أَعْمى القلب لا يستبصر ولا يدرك الحق من الباطل- والهمزة للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أيشتبه امر الفريقين بعد ما ضرب من المثل فمن يعلم يكون عند المخاطب كمن هو أعمى لا- قيل نزلت الاية فى حمزة او عمار وابى جهل فالاول حمزة او عمار والثاني ابو جهل إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (١٩) اى ذووا العقول السليمة المنزهة عن شائبة الانف ومعارضة الوهم.
الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ اى ما عوهدوا على أنفسهم يوم الميثاق من الاعتراف بربوبيته حين قالوا بلى وما عاهد الله عليهم فى
وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ هذا لفظ عام مندرج فيه الايمان بجميع الكتب والرسل بحيث لا يفرق بين أحد منهم- وموالاة المؤمنين وصلة الرحم- وقال البغوي الأكثرون على ان المراد به صلة الرحم- عن عبد الرّحمن بن عوف قال سمعت رسول الله ﷺ يقول قال الله عزّ وجلّ انا الله وانا الرّحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتّته- رواه ابو داود وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ خلق الله الخلق- فلما فرغ منه قامت الرحم فاخذت بحقوى الرّحمن فقال مه- قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة- قال الا ترضين ان اصل من وصلك واقطع من قطعك- قالت بلى يا رب قال فذاك لك- متفق عليه وعن عبد الرّحمن بن عوف قال قال رسول الله ﷺ ثلاثة تحت العرش يوم القيامة القران يحاج العباد (له ظهر وبطن) والامانة والرحم تنادى الا من وصلني وصله الله ومن قطعنى قطعه الله- رواه البغوي والحكيم ومحمّد بن نصر وعن انس بن مالك ان رسول الله ﷺ قال من أحب ان يبسط الله فى رزقه وينسأله فى اثره فليصل رحمه- متفق عليه وعن ابى أيوب الأنصاري قال عرض أعرابي لرسول الله ﷺ فى منزله فقال أخبرني ما يقرّ بنى من الجنة ويباعدنى من النار- فقال عليه السلام تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتى الزكوة وتصل الرحم- رواه البغوي وعن عبد الله بن عمرو قال قال النبي ﷺ ليس الواصل المكافي ولكن الواصل إذا انقطعت رحمه وصلها- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رجل يا رسول الله من احقّ بحسن صحابتى- قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك وفى رواية أمك ثم أمك ثم أمك ثم «١» أبوك ثم أدناك وأدناك- متفق عليه وعن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان من ابرّ البرّ صلة الرجل اهل ودّ أبيه بعد ان يولّى- رواه مسلم وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ تعلموا من انسابكم ما تصلون به أرحامكم فى صلة الرحم محبة فى الأهل مثراة فى المال منساة فى الأثر- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب
وَالَّذِينَ صَبَرُوا قال ابن عباس على ما أمروا به- وقال عطاء على المصائب والنوائب- وقيل عن الشهوات- وقيل عن المعاصي- والاولى ان يقدر على مخالفة الهوى فيعم جميع الأقوال ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ اى طلبا لمرضاته لا لغرض من اغراض الدنيا او رياء او سمعة وَأَقامُوا الصَّلاةَ المفروضة وما شاءوا من السنن والنوافل وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ اى بعضه فى الزكوة المفروضة والنفقات الواجبة والصدقات النافلة سِرًّا وَعَلانِيَةً السر أفضل فى النافلة والعلانية فى المفروضة نفيا للتهمة- وقدم السر على العلانية لان الغالب من حال المسلم الصدقة النافلة- وقلّ ما يجب على المسلم الزكوة وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ قال ابن عباس اى يدفعون بالصالح من العمل السيّء نظيره قوله تعالى إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ- عن ابى ذر عن النبي ﷺ انه قال إذا عملت سيئة فاتبعها حسنة تمحها- رواه احمد بسند صحيح وروى ابن عساكر عن عمر ابن الأسود مرسلا ان رسول الله ﷺ قال إذا عملت عشر سيّئات فاعمل حسنة تحدرهن بها- وعن عقبة بن عامر قال قال رسول الله ﷺ ان مثل الّذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته- ثم عمل حسنة فانفكت حلقة ثم عمل حسنة فانفكت اخرى حتّى طرح الى الأرض- رواه الطبراني وقال ابن كيسان معنى الاية يدفعون الذنب بالتوبة- قال رسول الله ﷺ إذا عملت سيئة فاحدث عندها توبة السر بالسر والعلانية بالعلانية- رواه احمد فى الزهد عن عطاء مرسلا وقيل معناه لا يكافؤن الشر بالشر ولكن يدفعون الشر بالخير- وقال السدىّ معناه إذا سفه عليهم حلموا- فالسفه السيئة والحلم الحسنة- وقال قتادة ردوا عليه معروفا- نظيره قوله تعالى وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً- قال الحسن إذا حرموا اعطوا وإذا ظلموا عفوا وإذا قطعوا وصلوا- عن ابى هريرة ان رجلا قال يا رسول الله ان لى قرابة أصلهم ويقطعونى واحسن إليهم ويسيئون الىّ واحلم عنهم ويجهلون علىّ- قال لئن كنت كما قلت فكانما تسفهم المل ولا يزال
جَنَّاتُ «١» عَدْنٍ اى اقامة عطف بيان لعقبى الدار او مبتدا خبره يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ عطف على الضمير المرفوع فى يدخلون وساغ عند البصريين للفصل بالضمير المنصوب وقال الزجاج هو مفعول معه- والمراد بالصلاح نفس الايمان فحسب لاكمال الصلاح المراد بقوله أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ بدليل العطف- فان العطف يقتضى المغائرة ولو كان المراد بالصلاح كما له لدخل المعطوف فى المعطوف عليه- فهذه الاية تدل على ان الله تعالى يعطى درجات الكاملين من لم يبلغ درجتهم ولم يعمل مثل أعمالهم من ابائهم وأزواجهم وذرياتهم تطييبا لقلوبهم وتعظيما لشأنهم بشرط ايمانهم- فان التقييد بالصلاح يفيد ان مجرد الأنساب لا تنفع بدون الايمان والأمهات تدخل فى حكم الآباء بدلالة النص- ويشكل على هذا قوله ﷺ كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة الا سببى ونسبى- رواه
وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ (٢٣) من أبواب الجنة او من أبواب قصورهم او من أبواب الفتوح والتحف- قال مقاتل يدخلون عليهم فى مقدار يوم وليلة من ايام الدنيا ثلاث مرات معهم الهدايا والتحف قائلين.
سَلامٌ عَلَيْكُمْ فى موضع الحال بتقدير القول كما ذكرنا يعنى سلمكم الله من الآفات الّتي كنتم تخافونها ولا زوال لما أنعم الله عليكم بِما صَبَرْتُمْ متعلق بعليكم او بمحذوف اى هذا الثواب بما صبرتم عن المعاصي على الطاعات على خلاف الأهواء وعلى المصائب- وليس متعلقا بسلام فان الخبر فاصل والباء للسببية فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) عقباهم عن ابى امامة قال ان المؤمن ليكون على أريكته إذا دخل الجنة وعنده سلطان من خدم- وعند طرف السماطين باب مبوّب- فيقبل الملك من ملائكة الله تعالى يستأذن فيقوم ادنى الخدم الى الباب فاذا هو بالملك يستأذن فيقول للذى يليه ملك يستأذن ويقول للذى يليه ايذنوا له كذلك حتّى يبلغ أقصاهم الّذي عند الباب- فيفتح له فيدخل فيسلم ثم ينصرف- رواه البغوي وعن ابن عمر عن رسول الله ﷺ قال أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء
اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ اى يوسع على من يشاء ويضيق على من يشاء وَفَرِحُوا يعنى اهل مكة أشروا وبطروا بِالْحَياةِ الدُّنْيا اى بما بسط لهم من الرزق وغيره فى الدار الدنيا ولم يشكروا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي جنب الحيوة الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ (٢٦) اى متعة لا تدوم كعجالة الراكب وزاد الراعي-
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا بعد ما راوا المعجزات الباهرة والآيات القاطعة لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ اى على محمّد ﷺ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يشهد له يعنى اقترحوا الآيات عنادا وتعنتا قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ يعنى لا قصور فى نزول الآيات وقيام الشواهد لكن الآيات لا توجب الهداية- انما الهداية والضلالة بيد الله تعالى يضل من يشاء ممن كان على صفتكم فلا سبيل الى اهتدائهم وان أنزلت كل اية وَيَهْدِي إِلَيْهِ اى الى الايمان به وطاعته والترقي الى مدارج قربه والى جنته مَنْ أَنابَ (٢٧) يعنى من يشاء الله انابته فاناب يعنى اقبل اليه بقلبه ورجع عن العناد- فالله يهديه بما جئت به بل بأدنى منه من الآيات.
الَّذِينَ آمَنُوا بدل من قوله من أناب او خبر مبتدا محذوف وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ يعنى يستقر فيها الايمان واليقين ويزول عنه الريب والشك بذكر الله تعالى يعنى القران- فان الايمان طمانية والنفاق شك وريبة- او المعنى يزول وساوس الشيطان عن قلوب المؤمنين بذكر الله- قال رسول الله ﷺ ما من آدميّ الا ولقلبه بيتان- فى أحدهما الملك وفى الاخر الشيطان فاذا ذكر الله خنس وإذا لم يذكر الله وضع الشيطان منقاره فى قلبه فوسوس له- رواه ابن ابى شيبة فى المصنف عن عبد الله بن شقيق ورواه البخاري تعليقا عن ابن عباس مرفوعا بلفظ الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فاذا ذكر الله خنس وإذا غفل وسوس- او المعنى ان القلوب الصافية للمؤمنين انما قوتهم ذكر الله تعالى فاذا ذكروا الله تطمئن قلوبهم أنسا به تعالى كاطمينان السمك فى الماء- وحيوان البر فى الهواء- والوحش فى الصحراء- وإذا غشيهم غاشية توجب الغفلة او ابتلوا بصحبة اهل الغفلة لحق قلوبهم اضطراب وقلق- كما يلحق الاضطراب للسمك خارج الماء ولحيوان البر فى الماء وللوحش فى القفص- وهذه الحالة بديهية من الوجدانيات لخدام الصوفية العلية- فالمراد بقوله الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ هم الصوفية أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) اى القلوب المزكّية قال البغوي فان قيل أليس قد قال الله تعالى إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ
فكيف يكون الطمأنينة والوجل فى حالة واحدة- قيل الوجل عند ذكر الوعيد والعقاب والطمأنينة عند ذكر الوعد والثواب- فالقلب توجل إذا ذكرت عدل الله وشدة حسابه- وتطمئن إذا ذكرت فضل الله وكرمه- وهذا الكلام يقتضى المنافاة بين الطمأنينة والوجل- وعندى لا منافاة بينهما فان الطمأنينة المبنية على الانس يجتمع مع الوجل- وايضا الخوف والرجاء يجتمعان فى حالة واحدة- عن انس قال دخل النبي ﷺ على شابّ وهو فى الموت- فقال كيف تجدك قال أرجو الله يا رسول الله وانى أخاف ذنوبى- فقال رسول الله ﷺ لا يجتمعان فى قلب عبد فى مثل هذا الموطن الا أعطاه الله ما يرجو وامنه مما يخاف- رواه الترمذي وابن ماجة وقال الترمذي حديث غريب-.
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ فعلى من الطيب مصدر طاب يطيب كبشرى وزلفى قلبت ياؤه واو الضمة ما قبلها- ومحله الرفع او النصب كقولك طيبا لك وطيب لك وسلاما عليك وسلام عليك- واللام فى لهم للبيان نحو سقيا لك- ومعناه على قول ابن عباس فرح لهم وقرة عين- وقال عكرمة نعم مالهم- وقال قتادة حسنى لهم- وقال معمر عن قتادة يقول الرجل طوبى لك إذا أصبت خيرا- وقال ابراهيم خير لهم وكرامة- وقال سعيد بن جبير طوبى اسم الجنة بالحبشية- وقال البغوي روى عن ابى امامة- وابى هريرة وابى الدرداء رضى الله عنهم قالوا طوبى شجرة «١» فى الجنة يظلّ الجنان كلها- وقال عبيد بن عمير هى شجرة فى جنة عدن أصلها فى دار النبي ﷺ وفى كل دار وغرفة غصن منها- لم يخلق الله لونا ولا زهرة الا وفيها منها الا السواد- ولم يخلق الله فاكهة ولا ثمرة الا وفيها منها- ينبع من أصلها عينان الكافور والسلسبيل وقال مقاتل كل ورقة منها يظل امة- عليها ملك يسبح الله بانواع التسبيح- اخرج احمد وابن حبان والطبراني وابن مردوية والبيهقي عن عتبة ابن عبد الله السلمى قال قال أعرابي يا رسول الله فى الجنة فاكهة- قال نعم فيها شجرة طوبى يطابق الفردوس- قال اىّ شجرة ارضنا يشبه- قال ليس يشبه شيئا من شجر أرضك ولكن
كَذلِكَ يعنى مثل ارسالنا الرسل قبلك أَرْسَلْناكَ يا محمّد فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مضت مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ أرسلوا إليهم فليس ارسالك امرا مبدعا لِتَتْلُوَا لتقرا عَلَيْهِمُ القران الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ
وحالهم انهم يكفرون بالبليغ الرحمة الّذي أحاطت بهم نعمته ووسع كل شيء رحمته- فلم يشكروا نعمته خصوصا لم يشكروا ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم وإنزال القران الّذي هو مناطا لمنافع الدينية والدنياوية عليهم- قال البغوي قال قتادة ومقاتل وابن جريح نزلت الاية فى صلح الحديبية- وكذا اخرج ابن جرير وابن ابى حاتم وابو الشيخ عن قتادة وذلك ان سهل بن عمرو لما جاء واتفقوا على ان يكتبوا كتاب الصلح كما ذكرنا القصة فى سورة الفتح- قال رسول الله ﷺ لعلىّ اكتب بسم الله الرّحمن الرّحيم- قالوا لا نعرف الرّحمن الا صاحب اليمامة يعنون مسيلمة الكذاب اكتب كما كنت تكتب باسمك اللهم- فهذا معنى قوله وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ- قال البغوي والمعروف ان الاية مكية وسبب نزولها ان أبا جهل سمع محمّدا ﷺ وهو فى الحجر يدعو يا الله يا رحمان فرجع الى المشركين فقال ان محمّدا يدعو الهين يدعو الله ويدعو الرّحمن ولا نعرف الرّحمن الا رحمان اليمامة- فنزلت هذه الاية ونزلت قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى - وروى الضحاك عن ابن عباس انها نزلت فى كفار قريش حين قال لهم النبي ﷺ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ... قُلْ يا محمّد هُوَ رَبِّي اى الرّحمن الّذي انكرتم معرفته هو خالقى ومتولى امرى لا إِلهَ لا يستحق العبادة إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ اعتمدت فى نصرتى عليكم وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠) توبتى او اليه مرجعى فيثيبنى- قرا يعقوب متابى وعقابى ومابى بالياء فى الحالين والباقون يحذفونها- اخرج الطبراني وغيره عن ابن عباس قال قالوا للنبى ﷺ ان كان كما تقول فارنا أشياخنا الاول نكلمهم من الموتى وافسح لنا هذه الجبال جبال مكة فنزلت.
وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الاية واخرج ابن ابى حاتم وابن مردوية عن عطية العوفى قال قالوا للنبى ﷺ لو سيّرت جبال مكة حتّى يتسع فنحرث فيها او قطعت لنا الأرض كما كان سليمان يقطع لقومه بالريح وأحييت لنا الموتى كما كان عيسى يحيى الموتى لقومه فانزل الله تعالى هذه الاية- وذكر البغوي مبسوطا ان الاية نزلت فى نفر من مشركى مكة منهم ابو جهل بن هشام وعبد الله بن امية جلسوا خلف الكعبة فارسلوا
(٢) فى الأصل عليهم-
(٣) فى الأصل سخر له
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما يستهزءون بك فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الملوة المدة الطويلة من الدهر ومنه الملوان الليل والنهار
أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ رقيب عليه بِما كَسَبَتْ من خير وشر لا يخفى عليه شيء من أعمالهم ولا يفوت عنده شيء من جزائهم والخبر محذوف تقديره كمن ليس كذلك- والاستفهام للانكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أتشركون بالله أصناما فتجعلون من هو قائم على كلّ نفس لمن ليس كذلك وهو جماد عاجز عن نفسه يعنى ليس كذلك فلا تشركوا به وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ استيناف او لطف على كسبت ان جعل ما مصدرية- او على مقدر تقديره لم يوحدوه وجعلوا لله شركاء- ويكون الظاهر فيه موضع الضمير للتنبيه على انه المستحق للعبادة قُلْ سَمُّوهُمْ يعنى صفوهم فانظروا هل هم يستحقون العبادة ويستأهلون الشركة أَمْ تُنَبِّئُونَهُ اى بل أتخبرون الله بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ اى بشركاء يستحقون العبادة لا يعلمهم الله- او بصفات للاصنام يستحقون العبادة لاجلها لا يعلمها الله- وهو العالم بكل ما هو كائن أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ أم تسمونها شركاء بظاهر من القول مسموع ليس لها مصداق أصلا- كتسمية الزنجي كافورا- وقيل معناه بباطل من القول قال الشاعر
وعيرنى الواشون الى أحبها | وتلك شكاة ظاهر عنك عاريها |
لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
بالقتل والاسر وضرب الجزية وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُ
أشد وأدوم منه
اى من عذابه- او من رحمته مِنْ واقٍ
(٣٤) حافظ-.
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ اى صفتها الّتي هى مثل فى الحسن والغرابة- مبتدا خبره محذوف عند سيبويه- اى فيما يقص عليكم وما بعده حال من العائد المحذوف من الصلة- وقيل خبره تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ على طريقة قولك صفة زيد اسمه- او على حذف الموصوف اى مَثَلُ الْجَنَّةِ جنة تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ- او يقال لفظ المثل زائد والمعنى (الجنّة الّتي وعد المتّقون تجرى من تحتها الانهر أكلها) اى ثمرها دائِمٌ لا ينقطع- اخرج البزار والطبراني عن ثوبان انه سمع رسول الله ﷺ يقول لا ينزع رجل من اهل الجنة ثمرها الا أعيد فى مكانها مثلها- وفى هذه الاية والحديث رد على الجهمية حيث قالوا ان نعيم الجنة يفنى وَظِلُّها اى وظلها كذلك لا ينسخ كما ينسخ فى الدنيا بالشمس- اخرج البيهقي عن شعيب بن الجيحان قال خرجت انا وابو العالية الرياحي قبل طلوع الشمس فقال نبّئت ان الجنة هكذا ثم تلا وَظِلٍّ مَمْدُودٍ... تِلْكَ اى الجنة الموصوفة بما ذكرنا عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا اى جزاؤهم او مالهم ومنتهى أمرهم وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥) ان كان العقبى بمعنى الجزاء فاستعماله هاهنا على سبيل الاستعارة- كما فى قوله تعالى.
هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ «١» - وفَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ.
وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى اصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم- او مؤمنوا اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه ومن أمن من النصارى من اهل الحبشة وغيرهم يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ من القران لموافقته ما عندهم وَمِنَ الْأَحْزابِ يعنى الكفار الذين تحزّبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم- او الذين كفروا من اليهود والنصارى ككعب بن الأشرف وأصحابه- والسيد والعاقب وأمثالهما مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ وهو ما يخالف أهواءهم- او ما يخالف شرائعهم من شريعتنا ونبوة محمّد صلى الله عليه وسلم- قال البغوي قال جماعة كان ذكر الرّحمن قليلا فى القران فى الابتداء- فلمّا اسلم عبد الله بن سلام وأصحابه ساءهم قلة ذكره فى القران مع كثرة ذكره فى التورية
وَكَذلِكَ اى مثل انزالنا الكتب السابقة بلغات من أرسل إليهم أَنْزَلْناهُ اى القران عليك حُكْماً فى القضايا والوقائع والحلّ والحرمة وغيرها على ما يقتضيه الحكمة عَرَبِيًّا مترجما بلسان قومك العرب ليسهل لك ولقومك فهمه وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ فيما أنكروا عليك فرضا بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧) يعنى ناصر وحافظ يقيك ويمنع العقاب عنك روى ان اليهود قالوا ان هذا الرجل ليس له همة الا فى النساء فانزل الله تعالى.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ بشرا مثلك لا ملائكة وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً اى نساء وأولادا كما هى لك وَما كانَ لِرَسُولٍ اى ما صح له ولم يكن فى وسع أحد منهم أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ يقترح عليه وحكم يلتمس منه إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لانهم عبيد مربوبون لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) اى لكل أمد- ولوقت كل شيء كتاب كتب الله
يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ قرا ابن كثير وابو عمرو ويعقوب وعاصم يثبت بالتخفيف من الافعال- والباقون بالتشديد من التفعيل- واختلفوا فى معنى الاية قال سعيد بن جبير وقتادة يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ من الفرائض والشرائع فينسخه ويبدّله ويثبت ما يشاء منها فلا ينسخه- وهذا يناسب التأويل الثاني للاية المتقدمة عليها- وقال ابن عباس يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ يعنى مما كان فى اللوح- فما كان مكتوبا قابلا للمحو يسمى بالقضاء المعلق- يمحوه الله تعالى بايجاد ما علق محوه به- سواء كان ذلك التعليق مكتوبا فى اللوح او مضمرا فى علم الله تعالى- وما ليس قابلا للمحو يسمى بالقضاء المبرم- وذلك القضاء لا يرد قال ابن عباس يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ الا الرزق والاجل والسعادة والشقاوة يعنى انها «١» لا تمحى- قال البغوي روينا عن حذيفة بن أسيد عن النبي ﷺ انه قال يدخل الملك على النطفة بعد ما يستقر فى الرحم بأربعين او خمسة وأربعين ليلة- فيقول يا رب أشقى أم سعيد فيكتبان- فيقول اى رب اذكر أم أنثى فيكتبان- ويكتب عمله واثره واجله ورزقه ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص- وفى الصحيحين عن ابن مسعود قال حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق ان خلق أحدكم يجمع فى بطن امه أربعين يوما نطفة- ثم تكون علقة مثل ذلك- لم تكون مضغة مثل ذلك- ثم يبعث الله اليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأحله ورزقه وشقى او سعيد- ثم
يجئ اجله الى اجله- وعن سعيد بن جبير قال يمحو ما يشاء من ذنوب العباد فيغفرها ويثبت ما يشاء فلا يغفرها- وقال عكرمة يمحو ما يشاء من الذنوب بالتوبة ويثبت بدل الذنوب حسنات- كما قال فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ- روى مسلم عن ابى ذر قال قال رسول الله ﷺ يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال اعرضوا عليه صغائر ذنوبه فيعرض عليه صغائرها وتخبأ عنه كبائرها- فيقال عملت يوم كذا كذا وكذا وهو يقرّ وليس ينكر وهو مشفق من الكبائر ان تخيى- فقال أعطوه مكان كل سيئة حسنة فيقول ان لى ذنوبا
وَإِنْ ما فيه ادغام نون ان الشرطية فى ما الزائدة نُرِيَنَّكَ قبل موتك بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ من تعذيبهم ومغلوبيّتهم فى الدنيا واستيلاء اهل الإسلام كما أراه «١» ﷺ هزيمتهم وقتلهم واسرهم يوم بدر- الموعود بقوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ- وجواب الشرط محذوف اى فذك أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ قبل حلول ما نعدهم ثم نعذبهم فلا تغتم باعراضهم ولا تستعجل بعذابهم فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ لا غير وقد أتيت به وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠) والجزاء يوم القيامة فنجازيهم إذا صاروا إلينا ليس ذلك عليك.
أَوَلَمْ يَرَوْا يعنى كفار مكة أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها قال البغوي اكثر المفسرين على ان المراد منه فتح ديار الشرك- فان ما زاد فى ديار الإسلام فقد نقص من ديار الشرك- وتقدير الكلام على هذا ينكرون ما نعدهم بانهم سينفقون أموالهم ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ-... أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ اى نقصد ارض الكفرة نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها بما نفتحه على المسلمين منها أرضا بعد ارض حوالى ارضهم فلا يعتبرون- هذا قول ابن عباس وقتادة وجماعة وفيه تسلية للنبى ﷺ حتّى لا يهتم ويعلم ان الله يتم ما وعده من الظفر- وقال قوم هو خراب الأرض ومعناه الا يخافون ان نهلكهم ونخرب ديارهم وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ فنخريها ونهلك أهلها ومثل
وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ اى قبل مشركى مكة مكر كفار الأمم السابقة بانبيائهم والمؤمنين منهم كما مكر هؤلاء لك- والمكر إيصال المكروه الى أحد من حيث لا يشعر فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً اى عند الله جزاء مكرهم وقيل معناه ان الله خالق مكرهم جميعا بيده الخير والشر ومن عنده النفع والضرّ فلا يضر مكر أحد أحدا الا باذنه فمكرهم كلا مكر يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ فيجازيه على حسب عمله فهذا هو المكر كله لانه يأتيهم من حيث لا يشعرون وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ قرا ابن عامر والكوفيون بصيغة الجمع واهل الحجاز وابو عمرو الكفر على التوحيد بارادة الجنس لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) اى لمن جزاء الحسنات فى الدار الاخرة من الفئتين- حين يأتيهم العذاب المعهود وهم فى غفلة منه والمؤمنون يدخلون الجنة- وهذا كالتفسير لمكر الله بهم.
وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعنى كفار مكة وقيل رءوساء اليهود لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ يا محمّد كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً الباء زائدة دخلت على الفاعل وشهيدا تميز من النسبة والمعنى كفى شهادة الله تعالى بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ على صدقى فانه اظهر من الادلة على رسالتى ما يغنى عن شاهد يشهد عليها- وانه تعالى هو الحاكم يوم الجزاء فلا يكون لهم عند الله عذر يومئذ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣) عطف على الله والمراد مؤمنوا اهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأمثاله- يعنى ويشهد ايضا المؤمنون من أحبار اليهود ولا يضر انكار الكافرين منهم- لان اقرار من أقر منهم لا تهمة فيه أصلا- واما انكار الكفار منهم فمبنى على الحسد والعناد لاجل المال والجاه- ولاجل هذا التأويل قيل هذه الاية من هذه السورة مدنية وان كانت سائرها مكية وأنكر الشعبي وابو بشر هذا التأويل- قالا السورة مكية وعبد الله بن سلام اسلم بالمدينة- قلت لو سلمنا كون الاية مكية فلا مانع ان يكون المراد بالموصول اهل الكتاب- كانّه ارشاد لكفار مكة بانه ان لم يستيقنوا برسالة محمّد ﷺ فاسئلوا اهل الكتاب سيشهد لكم ثقات منهم- وقال الحسن ومجاهد وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ هو الله تعالى والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ والمعنى كفى شهيدا الّذي يستحق العبادة- ومن لا يعلم ما فى اللوح الا هو فتجزى الكاذب منّا- ويؤيده قراءة الحسن وسعيد بن جبير من عنده بكسر الميم والدال على ان من جارة وعلم الكتب على صيغة الفعل الماضي المجهول والله اعلم تمت تفسير سورة الرعد عاشر ربيع الثاني سنة الف ومائتين واثنين سنة ١٢٠٢ وسيتلوها سورة ابراهيم عليه السلام ان شاء الله تعالى-
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مضمون صفحة حديث الناس تبع لقريش فى الخير والشر ٣ حديث من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة ٤ حديث الناس تبع لكم يا اهل المدينة فى العلم ٤ حديث الشيخ فى اهله كالنبى فى أمته ٤ حديث العلماء ورثة الأنبياء ٤ حديث ان الناس لكم تبع ٤ صبار شكور عنوان المؤمن ٥ ما ورد من الأحاديث فى الصبر والشكر ٥ ما ورد فى فضل التسبيح والتحميد والتهليل ١٧ فى تفسير الكلمة الطيبة ١٧ حديث الشجرة الطيبة النخلة ١٧ حديث ان من الشجرة شجرة لا يسقط ورقها وانها مثل المسلم ١٧ حديث من قال سبحان الله العظيم غرست له نخلة فى الجنة ١٧ ما ورد فى سوال المنكر والنكير والثواب والعذاب فى القبر- ١٨ ما ورد فى الايمان بالقدر ٢٠ ما ورد فى مذمة بنى مغيرة وبنى امية وكفر يزيد- ٢١ حديث ان هذا البلد يعنى مكة حرمه الله يوم خلق السموات والأرض- ٢٥ قصة هاجر أم إسماعيل عليه السلام ٢٥ وإسكانهما بمكة وصيرورتها بلدا ٢٥ حديث الدعاء هو العبادة الدعاء مخ العبادة- ٢٩ قصة نمرود وطيرانه الى السماء فى تابوت على النسور- ٣٢ ما ورد فى تبدل الأرض والسموات ٣٤ حديث ما بين بيتي ومنبرى روضة من رياض الجنة- ٣٧ يحاسب جميع الخلائق فى قدر نصف النهار- ٣٨ تمّت