تفسير سورة الرعد

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة الرعد من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الرعد
وهي مكية كلها إلا آية واحدة وهي :﴿ ولا يزال الذين كفروا. . . ﴾ إلى آخرها.

قَوْله: ﴿المر﴾ قَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي حُرُوفِ الْمُعْجَمِ فِيمَا تَقَدَّمَ ﴿تِلْكَ آيَاتُ﴾ هَذِه آيَات ﴿الْكتاب﴾ الْقُرْآن.
﴿الله الَّذِي رفع السَّمَاوَات بِغَيْر عمد ترونها﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: فِيهَا تَقْدِيمٌ: رَفَعَ السَّمَوَاتِ تَرَوْنَهَا بِغَيْرِ عمدٍ. وَتَفْسِيرِ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَهَا عمدٌ، وَلَكِنْ لَا تَرَوْنَهَا ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كل يجْرِي لأجل مُسَمّى﴾ يَعْنِي: الْقِيَامَةَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجْرِي مَجْرَى لَا يَعْدُوهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَمعنى ﴿سخر الشَّمْس وَالْقَمَر﴾ أَيْ: ذَلَّلَهُمَا وَقَصَرَهُمَا عَلَى مَا أَرَادَ.
﴿يدبر الْأَمر﴾ يَقْضِي الْقَضَاءَ فِي خَلْقِهِ ﴿يُفَصِّلُ الْآيَات﴾ يُبَيِّنُهَا (لَعَلَّكُمْ
344
بلقاء ربكُم توقنون} يَعْنِي: الْبَعْثُ؛ إِذَا سَمِعْتُمُوهَا فِي الْقُرْآن.
345
﴿وَهُوَ الَّذِي مد الأَرْض﴾ أَيْ: بَسَطَهَا ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ يَعْنِي: الْجِبَالَ ﴿وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثمرات جعل فِيهَا﴾ أَيْ: خَلَقَ فِيهَا ﴿زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ أَيْ: صِنْفَيْنِ.
قَالَ محمدٌ: قِيلَ: إِنَّهُ يَعْنِي: نَوْعَيْنِ: حُلْوًا وَحَامِضًا، وَالزَّوْجُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ: الْوَاحِدُ الَّذِي لَهُ قَرِينٌ.
﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَار﴾ أَيْ: يُلْبِسُ اللَّيْلَ النَّهَارَ فَيُذْهِبُهُ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لقومٍ يتفكرون﴾ وهم الْمُؤْمِنُونَ.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (٤) إِلَى الْآيَة (٥).
﴿وَفِي الأَرْض قطعٌ متجاوراتٌ﴾ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: هِيَ الأَرْضُ الْعَذْبَةُ الطَّيِّبَةُ تَكُونُ مُجَاوِرَةً أَرْضًا سَبِخَةً مَالِحَةً ﴿وجناتٌ مِنْ أعنابٍ وزرعٌ ونخيل صنوانٌ وَغير صنْوَان﴾ الصِّنْوَانُ مِنَ النَّخِيلِ: النَّخْلَتَانِ أَوِ الثَّلاثُ مِنَ النَّخَلاتِ يَكُونُ أَصْلُهَا وَاحِدًا ﴿تسقى بِمَاء واحدٍ﴾ يَعْنِي: مَاءَ السَّمَاءِ؛ فِي تَفْسِيرِ
345
مُجَاهِدٍ ﴿وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأكل﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَقُولُ: بَعْضُهَا أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ.
قَالَ محمدٌ: الْأُكُلُ: كُلُّ مَا يُؤْكَلُ، وَالأُكُلُ مَصْدَرُ أَكَلْتُ.
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ فَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي صَنَعَ هَذَا قادرٌ عَلَى أَنْ يحيي الْمَوْتَى.
346
﴿وَإِن تعجب فَعجب قَوْلهم﴾ الآيَةَ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: إِنْ تَعْجَبْ يَا مُحَمَّدُ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاكَ، فتكذيبهم بِالْبَعْثِ أعجب، وَقَوله: ﴿أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خلق جَدِيد﴾ فَقَوْلهم ذَلِك عجبٌ.
سُورَة الرَّعْد (٦) إِلَى الْآيَة (٧).
﴿ويستعجلونك بِالسَّيِّئَةِ﴾ بِالْعَذَابِ؛ وَذَلِكَ مِنْهُمْ تكذيبٌ واستهزاءٌ ﴿قبل الْحَسَنَة﴾ يَعْنِي: قَبْلَ الْعَافِيَةِ ﴿وَقَدْ خَلَتْ من قبلهم المثلات﴾ يَعْنِي: وَقَائِعَ اللَّهِ فِي الأُمَمِ السَّالِفَةِ ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ للنَّاس على ظلمهم﴾ إِذَا تَابُوا إِلَيْهِ ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لشديد الْعقَاب﴾ لمن أَقَامَ على شركه.
﴿وَيَقُول الَّذين كفرُوا لَوْلَا﴾ هَلا ﴿أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ ربه﴾ قَالَ اللَّهُ: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ﴾ وَلَسْتَ مِنْ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بآيةٍ فِي شيءٍ ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ أَيْ: دَاعٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (٨) إِلَى الْآيَة (١١).
﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى﴾ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ﴿وَمَا تغيض الْأَرْحَام وَمَا تزداد﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: قَالَ: الْغَيْضُوضَةُ أَنْ تَلِدَ لأَقَلِ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ﴿وَمَا تزداد﴾ يَعْنِي: أَنْ تَلِدَ لأَكْثَرِ مِنْ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ، الْغَيْضُوضَةُ: النُّقْصَانُ.
﴿وَكُلُّ شيءٍ عِنْده بِمِقْدَار﴾ أَي: بِقدر
﴿عَالم الْغَيْب﴾ ٦ السِّرّ ﴿وَالشَّهَادَة﴾ الْعَلَانِيَة ﴿الْكَبِير﴾ يَعْنِي: الْعَظِيم ﴿المتعال﴾ عَمَّا قَالَ الْمُشْركُونَ
﴿سواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمن جهر بِهِ﴾ يَقُولُ: ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ سواءٌ سِرُّهُ وَعَلانِيَتُهُ ﴿وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ﴾ أَيْ: يُظِلُّهُ اللَّيْلُ ﴿وساربٌ بِالنَّهَارِ﴾ أَي: ظَاهر، يَقُول: ذَلِك (ل ١٦٠) كُلُّهُ عِنْدَ اللَّهِ سَوَاءٌ.
قَالَ محمدٌ: قيل: ﴿ساربٌ﴾ مَعْنَاهُ: ظاهرٌ وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ لشاعرٍ يُخَاطِبُ امْرَأَةً:
(أَنَّى سَرَيْتِ وَكُنْتِ غَيْرَ سَرُوبِ... وَتَقَرُّبُ الْأَحْلامِ غَيْرُ قَرِيبِ} يَقُولُ: لمْ تَكُونِي مِمَّنْ يَبْرُزُ وَيَظَهْرُ لِلنَّاسِ، فَكَيْفَ تَخَطَّيْتِ الْبُعْدَ إِلَيْنَا فِي
347
سراك؟! وَقيل: معنى ﴿سارب﴾: ذَاهِبٌ فِي حَوَائِجِهِ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ الْقَائِلِ:
(أَرَى كُلَّ قومٍ قَارَبُوا قَيْدَ فَحْلِهِمْ وَنَحْنُ خَلَعْنَا قَيْدَهُ فَهْوَ سَارِبُ}
أَيْ: ذَاهِبُ.
348
﴿لَهُ مُعَقِّبَات﴾ لِهَذَا الْمُسْتَخْفِي وَهَذَا السَّارِبُ مُعَقِّبَاتٌ: مَلائِكَةٌ ﴿مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ﴾ أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ، قَالَ الْحَسَنُ: هُمْ أَرْبَعَةُ أَمْلاكٍ: مَلَكَانِ بِاللَّيْلِ، وَمَلَكَانِ بِالنَّهَارِ.
قَالَ محمدٌ: مَعْنَى ﴿مُعَقِّبَات﴾: أَنْ يَأْتِيَ بَعْضُهُمْ بِعَقِبِ بَعْضٍ، وَشُدِّدَتْ لِتَكْثِيرِ الْفِعْلِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم﴾ الْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ إِذَا بَعَثَ إِلَى قومٍ رَسُولا فَكَذَّبُوهُ، أَهْلَكُهُمُ اللَّهُ ﴿وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سوءا﴾ يَعْنِي: عَذَابًا ﴿فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ﴾ يَمْنَعُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ.
قَالَ محمدٌ: ﴿والٍ﴾ أَيْ: وليٌّ يَتَوَلاهُمْ دُونَ اللَّهِ.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (١٢) إِلَى الْآيَة (١٣).
﴿يريكم الْبَرْق خوفًا وَطَمَعًا﴾ قَالَ قَتَادَةُ: خَوْفًا لِلْمُسَافِرِ يَخَافُ أَذَاهُ
348
وَمَعَرَّتَهُ، وَطَمَعًا لِلْمُقِيمِ يَرْجُو بَرَكَتَهُ ويطمع فِيهِ رِزْقِ اللَّهِ. وَالْبَرْقُ ضوءٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَمًا لِلْمَطَرِ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن ﴿وينشئ السَّحَاب الثقال﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الَّتِي فِيهَا المَاء
349
﴿وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خيفته﴾ أَيْ: وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ أَيْضًا بِحَمْدِهِ مِنْ خِيفَتِهِ.
قَالَ الْكَلْبِيُّ: هُوَ مَلِكٌ اسْمُهُ: الرَّعْدُ، وَالصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ تَسْبِيحَهُ؛ يُؤَلِّفُ بِهِ السَّحَابَ بَعْضَهُ إِلَى بعضٍ، ثُمَّ يَسُوقُهُ حَيْثُ أُمِرَ.
قَالَ يحيى: وَسَمِعْتُ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: الْبَرْقُ لَمْحَةٌ يَلْمَحُهَا إِلَى الأَرْضِ الْمَلَكُ الَّذِي يَزْجُرُ السَّحَاب.
﴿وَيُرْسل الصَّوَاعِق﴾ وَهِيَ نارٌ تَقَعُ مِنَ السَّحَابِ؛ فِي تَفْسِيرِ السُّدِّيِّ.
قَالَ يحيى: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَلَكَ يَزْجُرُ السَّحَابَ بسوطٍ مِنْ نَارٍ، فَرُبَّمَا انْقَطَعَ السَّوْطُ؛ فَهُوَ الصَّاعِقَةُ.
﴿فَيُصِيبُ بهَا من يَشَاء﴾ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي زَكَرِيَّا:
بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ سَمِعَ الرَّعْدَ؛ فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ، لمْ تُصِبْهُ صاعقةٌ.
﴿وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي الله﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ يُجَادِلُونَ نَبِيَّ اللَّهِ؛ أَيْ: يُخَاصِمُونَهُ فِي عِبَادَتِهِمُ الأَوْثَانَ دُونَ اللَّهِ ﴿وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: الْقُوَّةَ.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: مَا حلته مِحَالا إِذَا قَاوَيْتَهُ؛ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ أَيُّكُمَا أَشَدُّ.
349
وَقَدْ قِيلَ: الْمِحَالُ: الْحِيلَةُ؛ وَمِنْ هَذَا قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ.
(وَلَبَّسَ بَيْنَ أَقْوَامٍ وَكُلٌّ أَعَدَّ لَهُ الشغارب والمحالا)
يَعْنِي: الكيد وَالْمَكْر.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (١٤) إِلَى الْآيَة (١٦).
350
﴿لَهُ دَعْوَة الْحق﴾ هِيَ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ﴿وَالَّذين يدعونَ من دونه﴾ يَعْنِي: الأَوْثَانَ ﴿لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بشيءٍ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ ببالغه﴾ هَذَا مَثَلُ الَّذِي يَعْبُدُ الأَوْثَانَ رَجَاءَ الْخَيْرِ فِي عِبَادَتِهَا هُوَ كَالَّذِي يَرْفَعُ بِيَدِهِ الإِنَاءَ إِلَى فِيهِ يَرْجُو بِهِ الْحَيَاةَ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى فِيهِ؛ فَكَذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ حَيْثُ رَجَوْا مَنْفَعَةَ آلِهَتِهِمْ ضَلَّتْ عَنْهُمْ ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافرين﴾ آلِهَتَهُمْ ﴿إِلا فِي ضَلالٍ﴾.
﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْض﴾ الآيَةَ، تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: قَالَ: وَلِلَّهِ يسْجد من فِي السَّمَوَات، ثمَّ انْقَطع الْكَلامُ، فَقَالَ: وَالأَرْضِ - أَيْ: وَمَنْ فِي الأَرْض ﴿طَوْعًا وَكرها﴾ أَيْ: طَائِعًا وَكَارِهًا، قَالَ الْحَسَنُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وَاللَّهِ، لَا يَجْعَلُ اللَّهُ مَنْ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ طَوْعًا كَمَنْ دَخَلَهُ كَرْهًا ".
قَالَ الْحَسَنُ: وَلَيْسَ يَدْخُلُ فِي الْكُرْهِ مَنْ وُلِدَ فِي الإِسْلامِ.
﴿وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَال﴾ الآصَالُ: الْعَشِيُّ، تَفْسِيرُ السُّدِّيِّ: إِذَا سَجَدَ الأَشْيَاءُ سَجَدَ ظِلُّهُ مَعَهُ.
﴿قل (ل ١٦١﴾ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ الله} فَإِذا أقرُّوا بذلك فَقل: ﴿أفتخذتم من دونه أَوْلِيَاء﴾ يَعْنِي: أَوْثَانَهُمْ ﴿لَا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نفعا وَلَا ضراًّ﴾ وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى معرفةٍ؛ أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ.
﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير﴾
وَهَذَا مَثَلُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ؛ الْكَافِرُ أَعْمَى عَنِ الْهُدَى، وَالْمُؤْمِنُ أَبْصَرَ الإِيمَانَ ﴿أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ والنور﴾ عَلَى الاسْتِفْهَامِ؛ أَيْ: أَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَوِي.
﴿أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِم﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: يَقُولُ: هَلْ يَدَّعُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَوْثَانَ خَلَقَتْ مَعَ الله شَيْئا؛ فَلم يدروا أَي الْخَالِقِينَ يُعْبَدُونَ؛ هَلْ رَأَوْا ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ عَلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ أَيْ: أَنَّهُمْ لَا يَدَّعُونَ ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ يُقِرُّونَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ كُلَّ شيءٍ، فَكَيْفَ عَبَدُوا هَذِهِ الأَوْثَانَ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟! ثُمَّ قَالَ اللَّهُ: ﴿قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شيءٍ وَهُوَ الْوَاحِد القهار﴾.
351
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (١٧) إِلَى الْآيَة (١٨).
352
﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوديَة بِقَدرِهَا﴾ الْكَبِيرُ بِقَدَرِهِ، وَالصَّغِيرُ بِقَدَرِهِ ﴿فَاحْتَمَلَ السَّيْل زبداً رابياً﴾ يَعْنِي: عَالِيا فَوْقَ الْمَاءِ، إِلَى قَوْلِهِ: ﴿كَذَلِكَ يضْرب الله الْأَمْثَال﴾ هَذِهِ أَمْثَالٌ ضَرَبَهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِر، فَأَما قَوْله: ﴿وَمِمَّا توقدون عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حليةٍ﴾ فَإِنَّهُ يَعْنِي: الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ؛ إِذَا أُذِيبَا فَعَلا خَبَثُهُمَا؛ وَهُوَ الزَّبَدُ، وَخَلُصَ خَالِصُهُمَا تَحْتَ ذَلِكَ الزَّبَدِ ﴿أَو مَتَاع﴾ أَي: وابتغاء مَتَاع مَا يسْتَمْتع بِهِ ﴿زبدٌ مثله﴾ أَيْ: مِثْلَ زَبَدِ الْمَاءِ، وَالَّذِي يُوقَدُ عَلَيْهِ ابْتِغَاءَ مِتَاعٍ هُوَ الْحَدِيدُ وَالنُّحَاسُ وَالرُّصَاصُ إِذَا صُفِّيَ ذَلِكَ أَيْضًا؛ فَخَلُصَ خَالِصُهُ، وَعَلا خَبَثُهُ؛ وَهُوَ زَبَدُهُ ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ﴾ زَبَدُ الْمَاءِ، وَزَبَدُ الْحُلِيِّ، وَزَبَدُ الْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ وَالرُّصَاصِ ﴿فَيَذْهَبُ جُفَاءً﴾ يَعْنِي: لَا يُنْتَفَعُ بِهِ؛ فَهَذَا مِثْلَ عَمَلِ الْكَافِرِ؛ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي الآخِرَةِ ﴿وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ فَيُنْتَفَعُ بِالْمَاءِ يُنْبِتُ عَلَيْهِ الزَّرْعُ وَالْمَرْعَى، وَيُنْتَفَعُ بِذَلِكَ الْحُلِيُّ وَالْمَتَاعُ؛ فَهَذَا مِثْلُ عَمَلِ الْمِؤْمِنِ يَبْقَى ثَوَابُهُ فِي الآخِرَةِ.
قَالَ محمدٌ: ﴿الْجُفَاءُ﴾ فِي اللُّغَةِ: هُوَ مَا رَمَى بِهِ الْوَادِي إِلَى جَنَبَاتِهِ؛ يُقَالُ: جَفَأَ الْوَادِي غُثَاءَهُ، وَجَفَأْتُ الرَّجُلَ إِذَا صَرَعْتُهُ، وَمَوْضِعُ ﴿جُفَاءً﴾ نَصْبٌ
352
عَلَى الْحَالِ، وَمَعْنَى ﴿يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَال﴾ يصفها ويبينها.
353
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ﴾ آمنُوا ﴿الْحسنى﴾ قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الْجَنَّةَ ﴿وَالَّذِينَ لم يَسْتَجِيبُوا لَهُ﴾ يَعْنِي: الْكُفَّارَ ﴿لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سوء الْحساب﴾ شدته ﴿ومأواهم جَهَنَّم﴾ منزلهم جَهَنَّم ﴿وَبئسَ المهاد﴾ الْقَرار.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (١٩) إِلَى الْآيَة (٢٤).
﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أعمى﴾ عَنْهُ؛ أَيْ: أَنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ؛ يَعْنِي: الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أولو الْأَلْبَاب﴾ الْعُقُول؛ وهم الْمُؤْمِنُونَ
﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا ينقضون الْمِيثَاق﴾ الَّذِي أَخذ عَلَيْهِم فِي صُلْبِ آدَمَ؛ حَيْثُ قَالَ: ﴿أَلَسْتُ بربكم﴾؛ يَقُول: أَوْفوا بذلك الْمِيثَاق
﴿وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصل﴾ تَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ: الإِيمَانُ بِالنَّبِييِّنَ كُلِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أحدٍ مِنْهُم
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاة﴾ يَعْنِي: الصَّلَوَات الْخمس عَلَى وضوئها وَمُوَاقِيتِهَا وَرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا ﴿وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ يَعْنِي: الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ؛ فِي تَفْسِيرِ الْحسن ﴿سرا وَعَلَانِيَة﴾ يُسْتَحَبُّ
353
أَنْ تُعْطَى الزَّكَاةُ عَلانِيَةً، وَالتَّطَوُّعُ سراًّ ﴿ويدرءون بِالْحَسَنَة السَّيئَة﴾ يَقُولُ: يَدْفَعُونَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ الْقَوْلَ الْقَبِيحَ وَالأَذَى ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار﴾ يَعْنِي: دَارَ الآخِرَةِ، وَالْعُقْبَى: الثَّوَابُ؛ وَهُوَ الْجنَّة
354
﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ من آبَائِهِم﴾ أَي: من آمن
﴿سَلام عَلَيْكُم﴾ وَهَذِهِ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: يَقُولُونَ: سلامٌ عَلَيْكُمْ؛ فَأُضْمِرَ الْقَوْلُ؛ إِذْ فِي الْكَلامِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ.
﴿بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (٢٥) إِلَى الْآيَة (٢٨).
﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ أَي: يُوسع عَلَيْهِ ﴿وَيقدر﴾ أَي: يضيق ﴿وفرحوا﴾ أَي: رَضوا ﴿بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ (ل ١٦٢) يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا متاعٌ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ يَسْتَمْتِعُ بِهِ، ثمَّ يذهب
وَيَقُولُ الْكَافِرُونَ: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَة من ربه﴾ أَيْ: هَلا ﴿وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أناب﴾ من تَابَ وأخلص
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله﴾ أَيْ: تَسْكُنُ ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تطمئِن الْقُلُوب﴾.
قَالَ محمدٌ: (أَلا) حرف تَنْبِيه وَابْتِدَاء، والقلوب هَا هُنَا قُلُوب الْمُؤمنِينَ؛
354
الْمَعْنى: إِذْ ذُكِرَ اللَّهُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، آمَنُوا بِهِ غير شاكين.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (٢٩) إِلَى الْآيَة (٣١).
355
﴿طُوبَى لَهُم﴾ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ: طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ، أَصْلُهَا فِي دَارِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ دَارٌ وَلا غُرْفَةٌ إِلا وَغُصْنٌ مِنْهَا فِي تِلْكَ الدَّار ﴿وَحسن مآب﴾ مرجع، يَعْنِي: الْجنَّة.
355
﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْده أم الْكتاب﴾ تَفْسِيرُ بَعْضِهِمْ: يُكْتَبُ كُلَّ مَا يَقُولُ؛ فَإِذَا كَانَ كُلُّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، مُحِيَ عَنْهُ مَا لمْ يَكُنْ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، وَأُثْبِتَ مَا سِوَى ذَلِكَ ﴿وَعِنْدَهُ أم الْكتاب﴾ يَعْنِي: اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ، وَتَفْسِيرُ أُمِّ الْكتاب جملَة الْكتاب وَأَصله.
359
﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خلت من قبلهَا أُمَم﴾ أَيْ: كَمَا أَرْسَلْنَا فِي الأُمَمِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مَنْ قَبْلِ هَذِهِ الأُمَّةِ ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ كَانُوا يَقُولُونَ: أَمَّا اللَّهُ فَنَعْرِفُهُ، وَأما الرَّحْمَن فَلَا نعرفه ﴿قلا هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ﴾ يَعْنِي: التَّوْبَة.
﴿وَلَو أَن قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى﴾ تَفْسِير قَتَادَة: ذكر لنا أَن قُرَيْشًا قَالَتْ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
إِنْ سَرَّكَ أَنْ نَتَّبِعَكَ فَسَيِّرْ لَنَا جِبَالَ تُهَامَةَ، وَزِدْ لَنَا فِي حَرَمِنَا؛ حَتَّى نَتَّخِذَ قَطَائِعَ نَحْتَرِفَ فِيهَا، أَو أُمِّي لَنَا فُلانًا وَفُلانًا وَفُلانًا - لأُنَاسٍ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ، يَقُولُ: لَوْ فُعِلَ هَذَا بِقُرْآنٍ غَيْرِ قُرْآنِكُمْ فُعِلَ بِقُرْآنِكُمْ.
355
قَالَ محمدٌ: اخْتُصِرَ جَوَابُ (لَوْ)؛ إِذْ كَانَ فِي الْكَلَامِ مَا يدل عَلَيْهِ.
﴿أفلم ييأس الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ الله لهدى النَّاس جَمِيعًا﴾ أَيْ: أَلَمْ يَعْرِفْ؟
قَالَ محمدٌ: قِيلَ: إِنَّهَا لغةٌ لِلنَّخَعِ (يَيْأَسُ) بِمَعْنَى: يَعْرِفُ قَالَ الشَّاعِرُ:
(أَقُولُ لَهُمْ بِالشِّعْبِ إِذْ يَأْسِرُونَنِي أَلَمْ تَيْأَسُوا أَنِّي ابْنُ فَارِسِ زَهْدَمِ)
أَيْ: أَلَمْ تَعْلَمُوا.
﴿وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَة﴾ هِيَ السَّرَايَا سَرَايَا رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصِيبَهُمُ اللَّهُ مِنْهَا بِعَذَاب ﴿أَو تحل﴾ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ ﴿قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ﴾ يَعْنِي: فَتْحَ مَكَّةَ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِد وَقَتَادَة.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (٣٢) إِلَى الْآيَة (٣٤).
356
﴿فأمليت﴾ أطلت ﴿للَّذين كفرُوا﴾ أَيْ: لمْ أُعَذِّبْهُمْ عِنْدَ اسْتِهْزَائِهِمْ
356
بِأَنْبِيَائِهِمْ، وَلَكِنْ أَخَّرْتُهُمْ حَتَّى بَلَغَ الْوَقْتُ. ﴿ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَاب﴾ أَي: كَانَ شَدِيدا
357
﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نفسٍ بِمَا كسبت﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: ذَلِكُمُ اللَّهُ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: اللَّهُ هُوَ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ نفسٍ بِمَا كَسَبَتْ؛ يَأْخُذُهَا بِمَا جَنَتْ، وَيُثِيبُهَا بِمَا أَحْسَنَتْ؛ عَلَى مَا سَبَقَ فِي علمه.
﴿وَجعلُوا لله شُرَكَاء﴾ يَقُولُ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِي هُوَ قائمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ وَهَذِهِ الأَوْثَانُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا؟! ﴿قُلْ سَمُّوهُمْ﴾ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿إِنْ هِيَ إِلَّا أَسمَاء سميتموها﴾ ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الأَرْض﴾ أَيْ: قَدْ فَعَلْتُمْ، وَلا يَعْلَمُ أَنَّ فِيهَا إِلَهًا مَعَهُ، وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إلهٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ.
﴿أَمْ بِظَاهِر من القَوْل﴾ يَعْنِي: أَمْ بِظَنٍّ مِنَ الْقَوْلِ؛ فِي تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ ﴿بَلْ زُيِّنَ للَّذين كفرُوا مَكْرهمْ﴾ قَوْلهم ﴿وصدوا عَن السَّبِيل﴾ عَن سَبِيل الْهدى.
﴿لَهُمْ عذابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يَعْنِي: مُشْرِكِي الْعَرَبِ بِالسَّيْفِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَلآخِرِ كُفَّارِ هَذِهِ الأُمَّةِ بالنفخة الأولى ﴿ولعذاب الْآخِرَة﴾ النَّار ﴿أشق﴾ من عَذَاب الدُّنْيَا.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (٣٥) إِلَى الْآيَة (٣٧).
﴿مثل الْجنَّة﴾ أَيْ: صِفَتُهَا ﴿الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ أكلهَا﴾ ثَمَرهَا ﴿دائمٌ﴾ أَي: لَا ينْفد ﴿وظلها﴾.
قَالَ محمدٌ: (مثل الْجنَّة} مرفوعٌ بِالابْتِدَاءِ.
﴿تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقوا﴾ يَعْنِي: الْجَنَّةَ ﴿وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾.
﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: هُمْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ ﴿وَمِنَ الأَحْزَابِ مَنْ يُنكر بعضه﴾ الْأَحْزَاب هَا هُنَا: الْيَهُود وَالنَّصَارَى؛ يُنكرُونَ (ل ١٦٣) بَعْضَ الْقُرْآنِ، وَيُقِرُّونَ بِبَعْضِهِ بِمَا وافقهم.
﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حكما عَرَبيا﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ.
﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ يَعْنِي: الْمُشْرِكِينَ حَتَّى لَا تُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ الرِّسَالَةَ.
﴿مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واق﴾ يُغْنِيكَ مِنْ عَذَابِهِ؛ إِنْ فَعَلْتَ، وَلست بفاعلٍ.
سُورَة الرَّعْد من الْآيَة (٣٨) إِلَى الْآيَة (٤٣).
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلنَا لَهُم أَزْوَاجًا وذرية﴾ نَزَلَتْ حِينَ قَالَتِ الْيَهُودُ: لَوْ كَانَ محمدٌ رَسُولا، لَكَانَ لَهُ هَمٌّ غَيْرَ النِّسَاءِ وَالْتِمَاسِ الْوَلَدِ ﴿وَمَا كَانَ لرسولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أجل كتابٌ﴾
﴿ يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ﴾ تفسير بعضهم : يكتب كل ما يقول ؛ فإذا كان كل يوم اثنين وخميس، محي عنه ما لم يكن خيرا أو شرا، وأثبت ما سوى ذلك ﴿ وعنده أم الكتاب ﴾ يعني : اللوح المحفوظ، وتفسير أم الكتاب جملة الكتاب وأصله.
﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَو نتوفينك﴾ تَفْسِير الحَسَن: إِن اللَّه أخبر مُحَمَّدًا أَنَّ لَهُ فِي أُمَّتِهِ نَقْمَةً، وَلَمْ يُخْبِرْهُ، أَفِي حَيَاتِهِ تَكُونُ أَمْ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ وَفِيهَا إِضْمَار ﴿فَإنَّا مِنْهُم منتقمون﴾.
﴿فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ﴾ أَنْ تُبَلِّغَهُمْ، وَلَسْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُكْرِهَهُمْ عَلَى الإِيمَانِ، إِنَّمَا يُؤْمِنُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُؤْمِنَ ﴿وعلينا الْحساب﴾ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِقِتَالِهِمْ.
﴿أَو لم يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا من أطرافها﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كُلَّمَا بَعَثَ إِلَى أَرْضٍ ظَهَرَ عَلَيْهَا وَغَلَبَ أَهْلُهَا؛ يَقُولُ: نَنْقُصُهَا بِذَلِكَ أَرْضًا فَأَرْضًا.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: كَأَنَّهُ يَنْقُصُ الْمُشْرِكِينَ مِمَّا فِي أَيْدِيهِمْ.
﴿وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لحكمه﴾ أَيْ: لإِرَادَتِهِ.
قَالَ محمدٌ: أَصْلُ التَّعْقِيبِ فِي اللُّغَةِ: الْكَرُّ وَالرُّجُوعُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ:
359
لَا رَاجِعَ يَرُدُّ حُكْمَهُ.
﴿وَهُوَ سريع الْحساب﴾ يَعْنِي: الْعَذَابَ؛ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعَذِّبَ قَوْمًا مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ كَانَ عَذَابُهُ إِيَّاهُمْ أَسْرَعَ مِنَ الطَّرْفِ؛ يُخَوِّفُ بِهَذَا الْمُشْرِكِينَ.
360
﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ يَعْنِي: مِنْ قَبْلِ مُشْرِكِي هَذِهِ الْأمة ﴿فَللَّه الْمَكْر جَمِيعًا﴾ فَمَكَرَ بِهِمْ، أَهْلَكَهُمْ أَحْسَنَ مَا كَانُوا فِي دُنْيَاهُمْ فِعَالا ﴿يَعْلَمُ مَا تكسب كل نفسٍ﴾ أَيْ: تَعْمَلُ ﴿وَسَيَعْلَمُ (الْكُفَّارُ﴾ لِمَنْ عُقبى الدَّار} لمن الْجنَّة
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلا﴾.
قُلْ يَا مُحَمَّدُ: ﴿كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ علم الْكتاب﴾ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلامٍ: فِيَّ نَزَلَتْ: ﴿وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكتاب﴾.
قَالَ محمدٌ: ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا﴾ الْمَعْنى: كفى الله شَهِيدا، و (شَهِيدا) منصوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ.
360
تَفْسِيرُ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ كُلُّهَا إِلا آيَتَيْنِ: قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذين بدلُوا نعْمَة اللَّهِ كُفْرًا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْقَرَارُ﴾.
سُورَة إِبْرَاهِيم من الْآيَة (١) إِلَى الْآيَة (٣).
361
Icon