تفسير سورة طه

مجاز القرآن
تفسير سورة سورة طه من كتاب مجاز القرآن .
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ

﴿ طه ﴾ ساكنٌ لأنه جرى مجرى فواتح سائر السور اللواتي مجازهن مجاز حروف التهجي ومجاز موضعه في المعنى كمجاز ابتداء فواتح سائر السور، قال أبو طفيلة الحرمازي، فزعم أن طه " يا رجل "، ولا ينبغي أن يكون اسماً لأنه ساكن لو كان اسماً لدخله الإعراب.
﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ مجازه مجاز المقدم والمؤخر وفيه ضمير، وله موضع آخر من المختصر الذي فيه ضمير : ما أنزلنا عليك القرآن إلا تذكرة لمن يخشى لا لتشقى ؛ والموضع الآخر : ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، وما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى.
﴿ الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْش اسْتَوَى ﴾ أي علا، يقال : استويت فوق الدابة وعلى البعير وعلى الجبل وفوق البيت، أي علوت عليه وفوقه، ورفع الرحمن في مكانين : أحدهما على القطع من الأول المجرور والابتداء وعلى إعمال الفعل، مجازه : استوى الرحمن على العرش.
﴿ فَإنَّه يَعْلَمُ السِّرَّ وأَخْفَى ﴾ يعني والخفى الذي حدثت به نفسك ولم تسره إلى أحد، وقد يوضع " افعل " في موضع الفاعل ونحوه، قال :
تَمنَّى رِجالٌ أن أموت وإنْ أَمتْ فتلك سبيلٌ لستُ فيها بأَوحدِ
وله موضع آخر من المختصر الذي فيه ضمير يعلم السر وأخفى من السر.
﴿ بِالْوادِ الْمُقَدِّسِ ﴾ طوى يكسر أوله قومٌ وبضمه قوم كمجاز قوله :
ألا يا سَلْمى يا هندُ هِنْدَ بني بَدْر وإن كان حياناً عِدًى آخرَ الدَّهرِ
وعُدًى ومن جعل طِوًى اسم أرض لم ينون فيه لأنه مؤنث لا ينصرف ومن جعله اسم الوادي صرفه لأنه مذكر، ومن جعله مصدراً بمعنى﴿ نودي مرتين ﴾ صرفه كقولك : ناديته ثني وطوى، قال عدي بن زيد :
أَعازلَ أَن اللَّوم في غير كُنْهه عَلَىَّ ثِنّي من غَيّكِ المتردِد
ويقول قوم : على ثنىً أي مرة
﴿ أَكَادُ أُخْفِيها ﴾ له موضعان موضع كتمان وموضع إظهار كسائر حروف الأضداد أنشدني أبو الخطاب قول امرئ القيس بن عابسٍ الكندي عن أهله في بلده.
وإِن تَدفِنوا الدَّاء لا نُخفْيهِ وإن تَبعثوا الحربَ لا نَقعد
أي لا نظهره، ومن يلغي الألف منها في هذا المعنى أكثر، وقال علقمة بن عبدة وقال بعضهم امرؤ القيس :
خَفَاهن من أَنْفاقهِنِ كأنما خَفاهن وَدْق من عَشيَّ مجُلّبِ
أي أظهرهن، ويقال : خفيت ملتي من النار، أي أخرجتها منها وكذلك خفايا الركايا، تقول خفيت ركيةً، أي استخرجتها.
﴿ فَترْدَى ﴾ فتهلك، يقال : رديت، تقديرها، شقيت، وقال دريد، حيث تنادوا :
تَنادَوا فقالوا أَرْدتِ الخيلُ فارساً فقلتُ أَعْبدَ الله ذلكم الرَّدِى
﴿ وأَهُشُّ بهَا عَلَى غَنَمِي ﴾ أي أختبط بها فأضرب بها الأغصان ليسقط ورقها على غنمي فتأكله، قال :
أَهُشُّ بالعَصا على أَغنامِي مِن ناعمِ الأراك والبشَامِ
﴿ مآرِبُ أُخْرى ﴾ واحدتها مأرَبة ومأرُبة، الراء مفتوحة ويضمها قوم، ومعناها حوائج وهي من قولهم : لا أرب لي فيها، لأي لا حاجة لي.
﴿ سَنُعيدُهَا سِيرَتَها الأولىَ ﴾ أي خلقتها التي كانت عليها قبل ذلك وقد يجعلون أيضاً بينها وبين الذي قبلها ﴿ إلى ﴾، كقولهم لمن كان على شيء فتركه ثم عاد إليه وتحول عن هذا : عاد فلان إلى سيرته الأولى، قال سمعت أبا زيد : إلى إدرونه الإولى.
﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إلَى جَنَاحِكَ ﴾ مجازه : إلى ناحية جنبك، والجناحان هما الناحيتان، قال :
أَضمُّه للصدر والجناح
﴿ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ أي تخرج نقية شديدة البياض من غير برصٍ والسوء كل داءٍ معضلٍ من جذام أو برص، أو غير ذلك.
﴿ لِنُريَكَ مِنْ آياَتِنَا الكُبْرَى ﴾ مجازها مقدم ومؤخر، أي لنريك الكبرى من آياتنا، أي من عجائبنا، ومجاز الكبرى : الكبيرة من آياتنا، وقع المعنى على واحدة.
﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَة مِن لِسَانِي ﴾ مجاز العقدة في اللسان كل مالم ينطلق بحرف أو كانت منه مسكة من تمتمةٍ أو فأفأةٍ.
﴿ اشْدُدْ بهِ أَزْري ﴾ أي ظهري، معناه صار مثلي، وعاونني على من يكفله، ويقال : قد أزرني، أي كان لي ظهراً، وآزرني أي صار لي وزيراً.
﴿ فَاقْذِفيهِ في الْيَمِّ ﴾ أي ارمي به في البحر، واليم معظم البحر، قال العجاج :
كباذِخِ اليَمِّش سقاه اليمُّ
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾ مجازه : جعلت لك محبة مني في صدور الناس، ويقول الرجل إذا أحب أخاه : ألقيت عليك رحمتي، أي محبتي.
﴿ وَلتُصْنَعَ عَلَى عَيْنيِ ﴾ مجازه ولتغذى ولتربى على ما أريد وأحب، يقال : اتخذه لي على عيني، أي على ما أردت وهويت.
﴿ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ﴾ أي يضمه، وقال ﴿ وكَفَلَهَا زَكَرِيَّا ﴾ أي ضمها.
﴿ وفَتَنَّاك فُتُوناً ﴾ مجازه : وابتليناك.
﴿ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا ﴾ مجازه أن يقدم علينا ببسطٍ وعقوبة ويعجل علينا، وكل متقدم أو متعجل فارطٌ، قال :
قد فرَط الِعْلُج علينا وعَجَلْ ***
وإذا أدخلوا في أوله الألف فقالوا أفرط علينا فإن معناه اشتط وتعدى
﴿ إنَّنيِ مَعَكُمَا ﴾ مجازه أعينكما.
﴿ فَمَا باَلُ الْقُروُن الأولَى ﴾ أي ما خبر الأمم الأولى وما حديثهم.
﴿ لِأولِي الْنُّهَى ﴾ مجازه لذوي الحجى واحدتها نهية، أي أحلام وعقول وانتهى إلى عقول أمرهم ورأيهم ومجاز قولهم لذي حجى أي لذي عقل ولب.
﴿ مَكاناً سُوًى ﴾ يضم أوله ويكسر وهو منقوص يجري مجرى عدًى وعدى، والمعنى النصف، والوسط فيما بين القريتين. وقال موسى بن جابر الحنفي :
وإنَّ أبانا كان حلَّ ببلدةٍ سوى بين قَيْس قيس عيلانَ والفِزْر
والفزر سعد بن زيد مناة.
﴿ مَوْعِدُكُم يَّومُ الزِّيْنَةِ ﴾ مجازه يوم العيد.
﴿ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحىً ﴾ أي يساق الناس فيجتمعون من كل فج.
﴿ فَيُسْحْتِكَمْ بِعذَابٍ ﴾ مجازه : فيهلكلم، وفيه لغتان سحت الدهر، والجدب بني فلانٍ، وقوم يقولون : أسحته بالألف وقال الفرزدق :
وعَضُّ زمانٍ يا بْنَ مَروانَ لم يَدَع من المال إلاّ مُسْحَتٌ أو مُجلَّفُ
والمسحت المهلك، والمجلف : الذي قد بقي منه بقيةٌ، ولم يدع، أي لم يبق وقال سويد بن أبي كاهل :
أَرَّقَ العَيْنَ خَيالٌ لم يَدَعْ من سُلَيْمَى فَفُوادِي مُنْتذَعْ
لم يدع أي لم يستقر.
﴿ إنَّ هَذَانِ لَسَاحِرانِ ﴾ قال أبو عمرو وعيسى ويونس ﴿ إنّ هذين لساحران ﴾ في اللفظ وكتب ﴿ هذان ﴾كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال ﴿ إنَّ ﴾ بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه ﴿ إنّ هذان لساحران ﴾ مجاز كلامين، مخرجه : إنه أي نعم، ثم قلت : هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله :
فمنْ يكُ أَمسَى بالمدينة رَحْلُه فإنيّ وَقيّارٌ بها لَغريبُ
وقوله :
إنَّ شَرْخَ الشَّباب والشَّعَرُ الأسودُ ما لم يُعاصَ كان جُنونا
وقوله :
إنّ السيوفَ غدوُّهَا ورَواحُها تركَت هَوزانَ مثلَ قَرَنِ الأَعْضَبِ
ويقول بعضهم ﴿ إنَّ اللهَ ومَلاَئكَتُهُ يُصَلونَ عَلَى النَّبيِ ﴾ فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها ﴿ إن ﴾، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون : إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون ﴿ إن ﴾ وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال :
أُم الحُلَيس لَعجوزٌ شَهْرَبَهْ ***
وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون ﴿ إن ﴾ فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول : إن هذان إلا ساحران.
﴿ بِطَرِيقَتِكُمُ ﴾ مجازه بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه، ويقال فلان حسن الطريقة.
﴿ المُثْلَى ﴾ تأنيث الأمثل، يقال : خذ المثلى منهما، للأنثى، وخذ الأمثل منهما، إذا كان ذكراً.
﴿ ثُمَّ ائْتُوا صَفَّاً ﴾ أي صفوفاً وله موضع آخر من قولهم : هل أتيتَ الصفَّ اليوم يعني المصلى الذي يصلي فيه. قال أبو عبيدة قال أبو العرب الكليبي ما استطعت أن آتي الصف أمس يعني المصلى.
﴿ فَأَوْجَسَ في نَفْسِهِ خِيفَةً ﴾ أي أضمر وأحس منهم خيفةً، أي خوفاً فذهبت الواو فصارت ياء من أجل كسرة الخاء.
﴿ وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ أي حيث كان.
﴿ لَكبِيرُكمُ ﴾ أي معلمكم قال أبو عبيدة سمعت بعض المكيين قال يقول : الغلام لمستأجره كبيرى.
﴿ فِي جُذوُعِ النَّخْلِ ﴾ أي على جذوع النخل، قال :
هم صَلَبوا العَبدي في جِذع نخلةٍ فلا عَطِستْ شَيبانُ إلّا بأَجْدعا
﴿ فاَقْضِ ماَ أَنْتَ قَاضٍ ﴾ مجازه : اصنع ما أنت صانع وأنفذ ما أنت منقذٌ فقد قضى قضاؤك، وقال أبو ذؤيب :
وعليهما مَسرودتان قَضاهُما داود أو صَنَعُ السوابغِ تُبَّعُ
أي صنعهما وأحكمهما.
﴿ إِنّما تَقْضِى هذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ وله موضع آخر في معنى إنما تخلف هذه الحياة الدنيا، كقولك قضيت سفري.
﴿ أَنْ أَسْرِ بِعِبْادِي ﴾ وقومٌ يجعلونه بغير ألف فيقولون : سريت وهو سري الليل أي سير الليل.
﴿ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَسَاً ﴾ متحرك الحروف بالفتحة والمعنى يابساً، ويقال : شاة يبسٌ بفتح الباء أي يابسة ليس لها لبنٌ، وبعضهم يسكن الباء قال علقمة بن عبدة :
تَخَشْخَشُ أَبدانُ الحديدِ عليهم
كما خشخشَتْ يبْسَ الحِصَادِ جنوبُ
﴿ أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِليَهْمَ قَوْلاً ﴾ مجازه أنه لا يرجع إليهم قولاً ومن لم يضمر الهاء نصب " أن لا يرجعَ ".
﴿ لَنْ نَبْرَح عَلَيْهِ عَاكِفيِنَ ﴾ مجازه لن نزال، قال أوس بن حجر :
فما برحتْ خَيلٌ تثوبُ وتدّعي ويَلحق منها لاحقٌ وتقّطعُ
أي فما زالت.
﴿ يَا بْنَ أُمَّ لاَ تَأُخُذْ بِلِحْيَتيِ وَلا برأْسِي ﴾ فتح بعضهم الميم لأنهم جعلوه اسمين بمنزلة خمسة عشر لأنهما اسمان فأجروهما مجرى اسمٍ واحدٍ كقولهم : هو جاري بيت بيتً ولقيته كفة كفة، وكسر بعضهم الميم فقال يا بن أم بغير ياء ولا تنوين كما فعلوا ذلك بقولهم : يا زيد، بغير تنوين، وقال زهير :
تبصَّر خَليِليِ هل تَرى مِن ظَغائن تحمّلن بالعَلْياء من فوق جُرْثُمِ
وأطلق بعضهم ياء الإضافة لأنه جعل النداء في ابن فقال يا ابن أمي، لأنه يجعل النداء في ابن كما جعله في زيد ثم أظهر في الاسم الثاني ياء الإضافة كما قال :
يا بْنَ أُمِّي ويا شُقِّيقَ نفسيِ أَنت خَلَّيَتني لدهرٍ شديدِ
وكذلك قال :
يا بنْتَ عمي لاحني الهواجِرُ ***
فأطلق الياء وقال :
رجالٌ ونسوانٌ يوَدّون أنني وإياكُ نخزَى يابنَ عمّ ونُفْضَحُ
فلم يطلق ياء الإضافة وجرها بعضهم وفتحها آخرون.
﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ مجازه لم تسمع قولي ولم تنتظر. وفي آية أخرى ﴿ لا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾ أي لا يراقبون.
﴿ فمَا خَطْبُكَ ﴾ أي ما بالك وشأنك وأمرك واحد، قال رؤبة :
والعَبْدُ حَيَّانُ بن ذاتِ القْنبِ يا عَجَبا ما خطبُهُ وخَطْبي
﴿ قَالَ بَصُرْتُ بمَا لَمْ تَبْصُرُوا بِهِ ﴾ أي علمت ما لم تعلموه وبصرت فعلت في البصيرة فصرت بها عالماً بصيراً ولها موضع آخر قوم يقولون بصرت وأبصرت سواء بمنزلةٍ سرعت وأسرعت ماشيت.
﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ﴾ أي أخذت ملء جمع كفي وقبضت قبضةً أي تناولت بأطراف أصابعي :﴿ سَوَّلَتْ ليِ نَفْسِي ﴾ أي زينت له وأغوته، يقال : إنك لتسول لفلانٍ سوء عمله، أي تزبن له.
﴿ لاَ مِسَاسَ ﴾ إذا كسرت الميم دخلها النصب والجر والرفع بالتنوين في مواضعهن وهي هاهنا منفية فلذلك نصبتها بغير تنوين قال الجعدي :
فأَصبح من ذاك كالسامريّ إذ قال موسى له لا مَسَاسا
وقال القلاخ بن حزن المنقري :
ووتّر الأساورُ القِياسا صُغْدِيّةً تنتزع الأنفاسا
حتى يقول الأزدُ لا مَساسا.
وهو المماسة والمخالطة، ومن فتح الميم جعله اسماً منه فلم يدخلها نصبٌ ولا رفعٌ وكسر آخرها بغير تنوين، كقوله :
تميمٌ كرَهطِ السامريِّش وقولهِ ألا لا يريد السامري مَساسِ
جر بغير تنوين وهو في موضع نصب لأنه أجرى مجرى " قطام " وحذام. ونزال إذا فتحوا أوله وقال زهير :
ولنِعم حَشْرُ الدِّرْع أَنت إذا دُعِيت نَزالِ ولُجَّ في الذُّعْرِ
وإن كسروا أوله دخله الرفع والنصب والجر والتنوين في مواضعها وهو المنازلة ﴿ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً ﴾ يفتح أوله قوم إذا أَلقوا منه إحدى اللامين ويجزمون اللام الباقية لأنهم يدعونها على حالها في التضعيف قبل التخفيف كقولك : ظلت، وقوم يكسرون الظاء إذا حذفوا اللام المكسروة فيحولون عليها كسرة اللام فيقولون : ظلت عليه، وقد تحذف العرب التضعيف قال :
خَلاَ أَنّ العِتاقَ من المطايا أَحَسْنَ به فهن إليه شُوسُ
أراد أحسن به.
﴿ لنَنَسْفِنَهَّ في الْيَمِّ نَسْفاً ﴾ مجازه : لنقذفنه ولنذرينه وكل شيء وضعته في منسفٍ، ثم طيرت عنه غباره بيديك أو قشوره فقد نسفته أيضاً، وما زلنا ننسف منذ اليوم أن نمشي، وفي آية آخرى ﴿ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً ﴾.
﴿ وَسِعَ كلَّ شَيْءٍ علْماً ﴾ مجازه : أحاط به علماً وعلمه، ويقال : لا أسع لهذا الذي تدعوني إليه، أي لا أقوم به ولا أقوى له، قال أبو زبيد :
حمّالِ أثقالِ أهلِ الوُدِّ آونةً أُعطيهم الجَهْدَ مني بَلْهَ ما أَسعُ
يقول : أعطيهم على الجهد مني بله، يقول : فدع ما أسع له وأحيط به وأقدر عليه فأناله حينئذٍ أعطي.
﴿ كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ ﴾ مجازه نَأثره.
﴿ فَإنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً ﴾ أي ثقلاً وحملاً وإثماً.
﴿ خَالِدينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ ﴾ ذلك الوزر ﴿ يَوْمَ القْيَامَةِ حِمْلاً ﴾.
﴿ يَتَخَافَتُونَ بِيْنَهُمْ ﴾ يتَسارّون ويَهْمِس بعضهم إلى بعض بالكلام وفي آية أخرى :﴿ ولاَ تُخَافِتْ بهَا ﴾.
﴿ ويَسْئَلْونَكَ عَنِ الجِبَالِ فقل يَنْسِفُهَا رَبي نَسْفاً ﴾ مجازها : يطيرها فيستأصلها.
﴿ فَيَذَرُهَا قاعاً صَفْصَفاً ﴾ أي مستوياً أملس.
﴿ عِوَجاً ﴾ مجازه مصدر ما أعوج من المحاني والمسايل والأدوية والارتفاع يميناً وشمالا إذا كسرت أوله، وإنه فتحته فهو في كل رمح وسنٍ وحائطٍ.
ولا أَمْتاً } مجازه لا ربى ولا وطئاً أي لا ارتفاع ولا هبوط، يقال : مد حبله حتى ما ترك فيه أمتاً، أي استرخاءً وملأ سقاءه حتى ما ترك فيه أمتا، أي انثناءً.
وقال يزيد بن ضبة :
مُنعَّمةٌ بيضاءُ ليس بها أَمْتُ ***
وقال الراجز :
ما في انجذابِ سَيْرِه مِن أَمْتِ ***
﴿ فَلاَ تَسْمَعُ إلّا هَمْساً ﴾ أي صوتاً خفياً وهو مثل الركز، ويقال : همس إلي بحديثٍ، أي أخفاء.
﴿ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ القْيَوُّمِ ﴾ فهي تعنو عنواً أي استأسرت فهي عوانِ لربها، واحدها عانٍ بمنزلة الأسير العاني لأسره، أي ذليل، ومنه قولهم : النساء عوانٍ عند أزواجهن.
﴿ ومَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ﴾ مجازه ومن يعمل الصالحات، و ﴿ مِن ﴾ من حروف الزوائد، وفي آية أخرى :﴿ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ ﴾، وقال الشاعر :
جزَيتكِ ضِعْفَ الحُبِّ لما استثبِتهِ وما إن جزاكِ الضّعفَ من أحدٍ قَبْلِي
زاد﴿ مِن ﴾ لمكان النفي لا تزاد ﴿ مِن ﴾ في أمرٍ واجبٍ، يقال : ما عندي من شيء وما عندك من خيرٍ وهل عندك من طعام، فإذا كان واجباً لم يجز شيء من هذا فلا تقول : عندي من خير ولا عندي من درهم وأنت تريد : عندي درهم.
﴿ وَلاَ هَضْماً ﴾ أي ولا نقيصة، قال لبيد :
ومُقسِّمٌ يُعطِي العَشِيرَة حقَّها ومُغَذمِرٌ لِحقوقها هَضّامها
يقال : هضمني فلان حقي ومنه هضيم الكشح أي ضامر البطن ومنه، طلعها هضيمٌ قد لزق بعضه ببعض وضم بعضه بعضاً، ويقال : هضمني طعامي، ألا ترى أنه قد ذهب ؛ وهو في قول أحسن : أكيلٌ هضومٌ مطعمٌ قد أمكن أن يؤكل.
﴿ وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوَعِيدِ ﴾ مجازه بينا.
﴿ لاَ تَظَمْأ فِيهَا ولاَ تَضْحَى ﴾ أي لا تعطش ولا تضحى للشمس فتجد الحر، قال عمر بن أبي ربيعة.
رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضَتْ فَيضْحَى وأمَّا بالعَشِى فيَحضَرُ
﴿ فَإنَّ لَهُ مَعٍيشَةً ضَنَكاً ﴾ مجازه معيشة ضَيقة، والضَّنَك توصف به الأنثى، والمذكَّر بغير الهاء وكل عيش أو منزلٍ أو مكان ضيق فهو ضنكٌ، قال عنترة.
إن المنيَّة لو تُمثَّلُ مُثّلتْ مِثْلي إذا نزِلوا بضَنْك المَنزِلِ
وقال :
وإنْ نَزَلوا بِضَنْكٍ أنزِل ***
﴿ أَفَلَمْ يهْدِ لَهُمْ ﴾ أي نبين لهم ونوضح لهم.
﴿ لَكاَنَ لِزَاماً ﴾ أي فيصلا يلزم كل إنسان طائره إن خيرا فخير وإن شراً فشر فلازمه.
قال حجل بن نضلة الباهلي :
لا زِلتَ مِحتملاً على ضَغِينة حتى المماتِ يكونُ منك لِزاما
فأخرجه مخرج قطام ورقاش.
﴿ وَمِنْ آنَاء الليَّلْ ﴾ أي ساعات الليل واحدها إنيٌ تقديره حسنىٌ والجميع أحساء، وقال المتنخل الهذلي وهو أبو أثيلةٌ :
حُلْوٌ وَمُرٌّ كعَطف القِدْح مِرَّتُهُ في كل إنْيٍ قضاه الليلُ ينتعلُ
﴿ زَهْرَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ أي زينة الدنيا وجمالها.
﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ أي لنبلوهم فيه.
Icon