تفسير سورة طه

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة طه من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة طه مكية وهي مائة وخمس وثلاثون آية وثماني ركوعات.

﴿ طه ﴾ عن كثير من السلف١ أن معناه يا رجل بالعبرانية، وعن بعض٢ أنه عليه السلام إذا صلى في التهجد قام على رجل ورفع الأخرى، فأنزل الله طه أي طاء٣ الأرض بقدميك فقلبت همزته هاء.
١ نقله ابن أبي حاتم عن ابن عباس، وهو المروي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة و غير واحد من الصحابة والتابعين /١٢ منه. وفي الفتح وإذا تقرر أنها لهذا المعنى في لغة من لغات العرب كانت ظاهرة المعنى واضح الدلالة خارجة عن فواتح السور التي هي من المتشابهات /١٢..
٢ نقله قاضي عياض في كتاب الشفاء عن الربيع بن أنس /١٢ منه..
٣ والأظهر أنه من الحروف المقطعة نحو يس وق /١٢ منه..
﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ : لتتعب، لما نزل القرآن قام هو عليه السلام وأصحابه واجتهدوا في القراءة والعبادة، فقال المشركون : ما أنزل عليك القرآن يا محمد إلا لشقائك، فنزلت ﴿ إِلا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴾.
﴿ إِلا تَذْكِرَةً ﴾ أي : لكن تذكيرا فنصبه على الاستثناء المنقطع، وقيل علة لفعل محذوف، أي : وما أنزلناه إلا للتذكير والموعظة، وقيل مصدر موقع الحال من الكاف أو من القرآن ﴿ لِّمَن يَخْشَى ﴾ : لمن في قلبه خشية ورقة يتأثر بالإنذار.
﴿ تَنزِيلا ﴾ أي : نزل تنزيلا أو مفعول به ليخشى، أي : لمن يخشى تنزيل الله، ﴿ مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴾ جمع العليا أي : الرفيعة و " من " صلة تنزيلا١ أو صفة له والالتفات للتعظيم.
١ الظاهر أنه إخبار من الله عن نفسه وباقي التأويلات بعيد /١٢ وجيز..
﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ١ اسْتَوَى٢ هو مبتدأ مشار بلامه إلى من خلق وعلى العرش استوى خبره أو تقديره هو الرحمن، وعلى العرش استوى إما خبر ثان أو تقديره هو على العرش استوى. سئل الشافعي عن الاستواء فأجاب : آمنت بلا تشبيه، واتهمت نفسي في الإدراك وأمسكت عن الخوض فيه كل الإمساك.
١ قال في كتاب العرش: قال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني في مصنفه مصنف حلية الأولياء في الاعتقاد الذي جمعه: هي طريقتنا طريق السلف المتبعين للكتاب والسنة وإجماع الأمة ومما اعتقدوه أن الله سبحانه وتعالى لم يزل بجميع صفاته القديمة لا يحول ولا يزول إلى أن قال: إن الأحاديث التي تثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العرش واستواء الله عليه يثبتونها من غير تكييف و لا تمثيل والله بائن من خلقه والخلق بائنون منه لا يحل فيهم و لا يمتزج وهو مستو على عرشه في سمائه دون أرضه، و ذكر السلف واعتقادهم وإجماعهم على ذلك انتهى.
وأيضا فيه وقال الإمام الزاهد أبو عبد الله بن بطة العكبرى في كتاب الإبانة تأليفه باب الإيمان بأن الله على عرشه بائن من خلقه وعلمه محيط بخلقه: وأجمع المسلمون من الصحابة والتابعين أن الله على عرشه فوق سماواته بائن من خلقه، فأما قوله: وهو معكم فهو كما قالت العلماء علمه انتهى. وأيضا فيه، نقلا عن حافظ المغرب ابن عبد البر ـ رحمه الله ـ: أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله: "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم" (المجادلة: ٧)، هو على العرش وعلمه بكل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله انتهى، وهكذا نقل عنه هذا الإجماع في الحموية /١٢، وفي كتاب العرش عن الإمام أبي بكر الحافظ الذي نقله(*) الأجري في كتاب الشريعة له: فإن قال قائل: ايش يكون معنى قوله تعالى "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم"؟! الآية التي احتجوا بها قيل له: علمه والله عز وجل على عرشه وعلمه محيط بهم كذا فسره أهل العلم والآية يدل أولها على أنه العلم و هو على عرشه فهذا قول المسلمين انتهى.
وفيه عن عثمان بن سعيد الدارمي أحد الأئمة الذي قال فيه البخاري: ما رأيت مثل عثمان بن سعيد ولا رأى عثمان مثل نفسه من كتاب النقض على بشر المريسي له: قد اتفقت الكلمة من المسلمين أن الله تعالى بكماله فوق عرشه فوق سماواته، وقال: أيضا في موضع آخر من الكتاب قال أهل السنة: إن الله بكماله فوق عرشه يعلم ويسمع من فوق العرش لا يخفى عليه خافية من خلقه ولا يحجبهم عنه شيء انتهى /١٢.
(*) زيادة اقتضاها السياق..

٢ قال محمد بن جرير في تفسير قوله: "ثم استوى على العرش" في كل مواضعه أي علا وارتفع نقله الذهبي عنه في كتاب العرش /١٢.
.

﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾ : ما تحت سبع أرضين وعن بعضهم هو صخرة تحت الأرض السابعة.
﴿ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ ﴾ أي : بذكر الله ودعائه ﴿ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ أي : فاعلم أنه غني عن جهرك، فإنه يعلم ما تسر في نفسك وأخفى منه، وهو ما لم تحدث به نفسك بعد، أو ما أسر الرجل إلى غيره وأخفى منه، وهو ما أسر في نفسه فيكون نهيا عن الجهر، كما قال تعالى :" واذكر ربك في نفسك " ( الأعراف : ٢٠٥ )، أو معناه، يعلم السر وأخفى منه فكيف ما تجهر به فحينئذ حاصله أنزل من خلق السماوات والأرض القرآن ويعلم السر والجهر.
﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴾ تأنيث الأحسن.
﴿ وَهَل١ َأتَاكَ ﴾ : يا محمد ﴿ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ : قفاه بقصته، ليأتم به في تحمل أعباء الرسالة والصبر على الشدائد، فإن هذه السورة من أوائل ما نزل.
١ و لما ذكر تعظيم كتابه وتضمن تعظيم رسوله أتبعه بقصة موسى ليأتسي به في تحمل أعباء النبوة والصبر على الشدائد، فإن هذه السورة من أوائل ما نزل، فقال: "وهل أتاك" الآية /١٢..
﴿ إِذْ رَأَى ﴾ مفعول لاذكر أو ظرف للحديث ﴿ نَارًا١ : في طريق مصر حيث استأذن شعيبا في الرجوع إلى مصر لزيارة الوالدة، فخرج بأهله فأضل الطريق في ليلة مظلمة باردة فرأى من جانب الطور نارا ﴿ فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا ﴾ : أقيموا مكانكم ﴿ إِنِّي آنَسْتُ ﴾ : أبصرت إبصارا بينا ﴿ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ ﴾ : بشعلة منها ﴿ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ : هاديا يهديني إلى الطريق.
١ لما قضى موسى أكمل الأجلين استأذن شعيبا في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته، فخرج بأهله وماله و كان أيام الشتاء، وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل فسار في برية لا يعرفها، فألجأه البرد جانب الطور في ليلة مظلمة مثلجة وأخذ امرأته الطلق وأقدح زنده فلم يور/١٢ وجيز. طلق دردزه.
.

﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا ﴾ أي : النار١ ﴿ نُودِي يَا مُوسَى ﴾.
١ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ رأى نارا مضطرمة في شجرة خضراء، كلما قرب منها تباعدت فإذا أدبر تبعه وأيقن أن ذلك سر خارق للعادة، فصار متحيرا وسمع من جانب السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة /١٢ وجيز..
﴿ إِنِّي ﴾ : من قرأ بكسر إن فبإضمار القول أو بإجراء النداء مجرى القول، ومن قرأ بالفتح فتقديره نودي بأني ﴿ أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾، فإنهما كانا من جلد حمار ميت غير مدبوغ، أو أمر بالخلع تعظيما للوادي. ﴿ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾، عطف بيان، إن كان اسما للوادي وقيل معناه مرتين كثنى فهو مصدر لنودي أو المقدس، وقيل تقديره واطو الأرض بقدميك طوى فهو مصدر كهدى.
﴿ وَأَنَا اخْتَرْتُكَ ﴾ : اصطفيتك للنبوة، ﴿ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ : إليك.
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إَِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾، بدل مما يوحى، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ﴾ : لتذكرني أو عند ذكرك لي، يعني عند ذكر الصلاة، ففي الحديث :" إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال :" أقم الصلاة لذكري " ١.
١ أخرجه البخاري في "مواقيت الصلاة"، باب: من نسي صلاة فيصل إذا ذكرها... ومسلم في "المساجد وموضع الصلاة"، باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، (٢/٣٢٤ـ٣٢٦) ط الشعب..
﴿ إن١ الساعة آتية ﴾ : لا محالة ﴿ أكاد أخفيها ﴾ عن نفسي أي : وقتها فهو مبالغة٢ في الإخفاء، وفي مصحف أبي وابن مسعود أكاد أخفيها من نفسي، وفي بعض القراءات فكيف أظهرها لكم أو أريد إخفاء وقتها أو أكاد أظهرها فالهمزة للسلب، في بعض القراءات أخفيها بفتح الهمزة أي أظهرها، وقيل أخفيها فلا أقول هو آتية ولولا ما في الإخبار من اللطف لما أخبرت به ﴿ لتجزى ﴾ متعلق بآتية ﴿ كل نفس بما تسعى ﴾ : تعمل.
١ لما أمره بالعبادة ذكر الحامل على ذلك وهو البعث إشارة إلى الجزاء، فقال: "إن الساعة آتية" الآية /١٢ وجيز..
٢ كما تقول: كتمت سرك عن نفسي/١٢.
.

﴿ فلا يصدنك عنها ﴾ : عن التصديق بالساعة ﴿ من لا يؤمن بها ﴾ يعني كن شديد الشكيمة حتى لا يؤثر فيك أقوال الكفرة واعتقاداتهم فنهى الكافر والمراد نهيه أن ينصد عنها ﴿ واتبع هواه ﴾ : خالف أمر الله ﴿ فتردى ﴾ : فتهلك منصوب على جواب النهي.
﴿ وَمَا تِلْكَ ﴾، الحكمة في السؤال تنبيهه وتيقظه ليرى ما فيه من العجائب ﴿ بِيَمِينِكَ ﴾ حال من معنى الإشارة، أو صلة لتلك، وهي اسم موصول ﴿ يَا مُوسَى ﴾.
﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ ﴾ : أعتمد ﴿ عَلَيْهَا ﴾ : عند المشي والإعياء ﴿ وَأَهُشُّ ﴾ : أخبط الورق عن الشجر ﴿ بِهَا عَلَى ﴾ رؤوس. ﴿ غَنَمِي ﴾ : تأكله، ﴿ وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ ﴾ : حاجات، ﴿ أُخْرَى١ : كحمل الماء والزاد بها. قيل : لما أمره الله بخلع لنعلين وتركهما تصور عند هذا السؤال إنكار التمسك بها. وأمره بالرفض فبسط الكلام، وقال : أنا محتاج إليها غاية الاحتياج، وعن وهب لما قال الله ألقها ظن موسى أنه يقو ل ارفضها.
١ قال: الشوكاني: قد وقفت على مصنف في مجلد لطيف في منافع العصا لبض المتأخرين، وذكر فيه أخبارا وأشعارا وفوائد لطيفة ونكتا رشيقة، وقد جمع الله سبحانه لموسى في عصاه من البراهين العظام والآيات الجسام ما أمن به من كيس السحرة، ومعرة المعاندين، واتخذها سليمان لخطبته و موعظته وطول صلاته، وكان ابن مسعود صاحب عصا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعنزته، وكان يخطب بالقضيب وكذا الخلفاء من بعده، وكان عادة العرب العرباء أخذ العصا و الاعتماد عليها عند الكلام وفي المحافل والخطب /١٢ فتح..
﴿ قَال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى قال١ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى ﴾ أي : نردها عصى كما كانت، منصوب بنزع الخافض، أي : إلى سيرتها، أو ظرف، أي : في طريقتها.
١ أمره بالإقدام على أخذها، ونهاه عن الخوف الذي يلحق البشر عند رؤية مثل ذلك سيما عند إمساكه /١٢ وجيز.
.

﴿ وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ ﴾ أي : إلى جنبك تحت العضد. ﴿ تَخْرُجْ ﴾، حال كونها ﴿ بَيْضَاء ﴾ : لها شعاع كالشمس. ﴿ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ : كبرص صلة لبيضاء. ﴿ آيَةً أُخْرَى ﴾، حال.
﴿ لِنُرِيَكَ ﴾ أي : فعلنا ذلك لنريك، أو تقديره خذ آية أخرى. لنريك فلا تكون آية على هذا حالا. ﴿ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى ﴾، ثاني مفعولي نريك.
﴿ اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ١ : وادعه إلى التوحيد ﴿ إِنَّهُ طَغَى ﴾ : عصى وتكبر.
١ خص فرعون، و إن كان مبعوثا إلى الكل لأنه رئيس الضلال وهم تبع /١٢ وجيز..
﴿ قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ﴾ : أفسح ربي قلبي لتحمل أعباء النبوة.
﴿ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ﴾ : سهل علي أبهم الكلام أولا، وعلم أن ثمه مشروحا وميسرا، ثم رفع الإبهام بصدري وأمري ففيه تأكيد ومبالغة.
﴿ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ﴾ هو في صغره كان يوما في حجر فرعون فأخذ لحيته ولطمه فتشاءم به وأراد قتله، فقالت امرأته : أنه لا يعرف ولا يعقل ونمتحنه، فقربوا إليه جمرتين ولؤلؤتين فتناول جمرتين ووضعهما في فيه فاحترق لسانه وصارت عليه عقدة وأصابه اللثغ، و عن بعض السلف١ سأل حل عقدة واحدة، ولو سأل أكثر من ذلك لأعطى، ولذلك بقي في لسانه شيء من الرتة، ومنها قال فرعون :" ولا يكاد يبين " ( الزخرف : ٥٢ ).
١ هو ابن عباس /١٢ منه..
﴿ يَفْقَهُوا قَوْلِي ﴾ : يفهموه هو جواب الأمر.
﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ﴾ مفعولاه إما وزيرا أو هارون قدم ثانيها للعناية به أولى ووزيرا وهارون عطف بيان للوزير، أو وزيرا ومن أهلي وأخي على وجه بدل من هارون أو عطف١ بيان آخر.
١ إنه أشهر من وزير وهو عطف بيان له /١٢..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:﴿ وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي ﴾ مفعولاه إما وزيرا أو هارون قدم ثانيها للعناية به أولى ووزيرا وهارون عطف بيان للوزير، أو وزيرا ومن أهلي وأخي على وجه بدل من هارون أو عطف١ بيان آخر.
١ إنه أشهر من وزير وهو عطف بيان له /١٢..

﴿ اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ﴾ : ظهري أو قوتي١.
١ أزر فلانا أي قواه/١٢..
﴿ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ : في الرسالة ومن قرأ أشدد وأشركه بلفظ الخبر فهما جواب الأمر.
﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴾، فإن التعاون يؤدي إلى تكاثر الخير.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا ﴾، فإن التعاون يؤدي إلى تكاثر الخير.
﴿ إِنَّكَ كُنتَ بِنَا ﴾ : بأحوالنا ﴿ بَصِيرًا ﴾، فأعطنا ما هو الأصلح لنا.
﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ١ : مسئولك ﴿ يَا مُوسَى ﴾.
١ كالخبز بمعنى المخبوز/١٢..
﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ ﴾ : بالإنعام، ﴿ مرَّةً أُخْرَى ﴾ : في وقت آخر.
﴿ إِذْ أَوْحَيْنَا١ : ألهمنا ﴿ إِلَى أُمِّكَ ﴾ وقيل : أوحى إليها ملكا لا على وجه النبوة، أو على لسان نبي في وقتها ﴿ مَا يُوحَى ﴾ : ما لا يعلم إلا بالوحي.
١ والمراد بالوحي إما مجرد الإلهام لأمه واسمها يوحانذ قاله السيوطي في شرح النقاية، أو في النوم بأن أراها ذلك، أو على لسان ملك /١٢..
﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ ﴾ : بأن ألقيه وضعيه. ﴿ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ ﴾ : بحر النيل ﴿ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴾ جعل البحر كأنه ذو تمييز فأمره وأخرج الجواب مخرج الأمر ﴿ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ١ جواب فيلقيه وتكرير عدو للمبالغة. ﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً ﴾ : كائنة ﴿ مِّنِّي ﴾ قد ركزتها في القلوب، يحبك كل من يراك، أو مني ظرف لألقيت، أي : أحببتك ومن أحبه الله أحبته القلوب ﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ : لتربى و يحسن إليك بمرأى، ومنظر مني كما يراعى الرجل الشيء بعينيه إذا اعتنى به، تقديره ليتعطف٢ عليك ولتصنع، أو تقديره ولتصنع فعلت ذلك.
١ والأولى أن الضمائر كلها إلى موسى فإنه هو المحدث عنه، والمقذوف في البحر و الملقى إلى الساحل، وإن كان هو التابوت بالذات إلا أن المقصود الأصلي موسى /١٢ منه..
٢ في النسخة (ن): ليتلطف.
﴿ إِذْ تَمْشِي ﴾ ظرف لألقيت أو لتصنع بدل من إذ أوحينا على أن المراد به وقت متسع ﴿ أُخْتُكَ ﴾ : مريم ﴿ فَتَقُولُ ﴾ : حين ألقاه النيل إلى الساحل وأخذه فرعون وأحبه وكان لا يقبل ثدي أحد من المراضع كما قال تعالى :" وحرمنا عليه المراضع من قبل " ( القصص : ١٢ ). ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَن يَكْفُلُهُ ﴾ : فجاءت بأمك فقبلت ثديها. ﴿ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا ﴾ : بلقياك وقد مر اشتقاقه في سورة مريم ﴿ وَلا تَحْزَنَ ﴾ : هي بفراقك قيل أي : لا تحزن أنت على فراقها، قد ذكر أن أمه اتخذت تابوتا ووضعته فيه، فأرسلته في النيل وأمسكته بحبل، وكانت ترضعه في الليالي ثم ترسله في النيل، لأنه قد ولد في سنة أمر فرعون بقتل الغلمان المولود فيها، فذهبت مرة لتربط الحبل فانفلت من يدها فذهب به البحر فاغتمت، وذهب به النيل إلى دار فرعون فالتقطه آل فرعون ﴿ وَقَتَلْتَ نَفْسًا١ أي : القبطي الذي استغاثه على الإسرائيلي ﴿ فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ ﴾ : بأن غفر الله لك، وأمنك من القتل. ﴿ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا٢ : ابتليناك ابتلاء أو جمع فتن يعني ضروبا من الفتنة، وهي ما وقع عليه من الواقعات٣ قبل النبوة ﴿ فَلَبِثْتَ ﴾ : مكثت ﴿ سِنِينَ ﴾ أي : عشر سنين ﴿ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ﴾ : منزل شعيب عليه السلام ٤ على ثمان مراحل من مصر. ﴿ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ ﴾ : على رأس أربعين سنة وهو القدر٥ الذي يوحى فيه الأنبياء أو قدر قدرته في علمي ﴿ يَا مُوسَى ﴾.
١ وكان عليه الصلاة و السلام ابن اثنتي عشر سنة و اغتم خوفا من الله و من اقتصاص فرعون /١٢ وجيز..
٢ أخرج الإمام النسائي في "تفسيره"، (٢/٤١ ـ٦٢) حديثا طويلا جدا يسمى بحديث الفتون أسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا بسند صحيح، وانظر تفسير ابن كثير (٣/١٤٩)، والدر المنثور للسيوطي (٤/٥٣٠)..
٣ أولها: إن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم إلقاءه في البحر في التابوت، ثم منعه الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى هم بقتله، ثم تناوله الجمرة بدل الدرة، ثم قتله القبطي وخروجه إلى مدين خائفا، فكان ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ يقص على سعيد بن جبير ـ رضي الله عنه ـ نقله البغوي في تفسيره /١٢..
٤ في القطع بأن صالح مدين هو شعيب النبي عليه السلام نظر يأتي تحقيقه في تفسير سورة القصص..
٥ نقله البغوي عن عبد الرحمن بن كيسان، وقال هو معنى قول أكثر المفسرين /١٢..
﴿ وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي ﴾ : اخترتك لرسالتي وأمري تمثيل لكمال قربه ووفور حبه.
﴿ اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي ﴾ : معجزاتي ﴿ وَلَا تَنِيَا ﴾ : و لا تقصرا ولا تفترا ﴿ فِي ذِكْرِي ﴾، يعني لا تنسياني١ وقيل لا تقصرا في تبليغ ذكري ورسالتي.
١ كما وعدت كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا /١٢ وجيز..
﴿ اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾ : تكبر، أمره بالذهاب وحده أولا حيث قال : اذهب إلى فرعون وثانيا : مع أخيه.
﴿ فَقُولَا ١لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا ﴾ : فال تعنفا في قولكما كي لا تأخذه أنفة ﴿ لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ﴾ : يذعن للحق ﴿ أَوْ يَخْشَى ﴾ : أن يكون الأمر كما تصفان فيجر إنكاره إلى هلاكه يعني : اذهبا على رجائكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ترتب الفائدة على سعيه فيجتهد بطوقه، قيل قبل النصح أولا ثم أضله هامان.
١ وعن ابن مسعود قال: لما بعث الله موسى إلى فرعون قال: رب أي شيء أقول؟ قال: قل هيا شراحيا قال الأعمش تفسير ذلك الحي قبل كل شيء، والحي بعد كل شيء وجود السيوطي إسناده وسبقه إلى تجويد إسناده ابن كثير في تفسيره،/ ١٢ فتح..
﴿ قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا ﴾ : أن يعجل علينا بالعقوبة١ ﴿ أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ : يجاوز الحد في الإساءة علينا أو فيك.
١ من فرط أي سبق و منه الفارط/ ١٢..
﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا ﴾ : بالحفظ والعون ﴿ أَسْمَعُ ﴾ : ما يجري بينكم ﴿ وَأَرَى ﴾ : لست بغافل عنكما.
﴿ فأْتِيَاهُ ﴾ : فأتياه مكثا في بابه حينا طويلا قيل : سنتين حتى أذن لهما ﴿ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ١ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ٢ : خل عنهم وأطلقهم ﴿ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ﴾ : بالأعمال الشاقة ﴿ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ ﴾ : ببرهان ومعجزة على رسالتنا ﴿ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ أي : السلامة من عذاب الله عليه.
١ وذكر في غير هذه الآية دعاءه إلى الإيمان أولا /١٢ وجيز..
٢ فإنهم في أيدي القبط كالعبيد والإماء يستعملونهم بأي وجه يشتهون / ١٢ منه..
﴿ إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ ﴾ : الرسل ﴿ وَتَوَلَّى١ : وأعرض عنهم، ومن لين المقال أنه ما قال : إن العذاب عليك إن كذبت وتوليت.
١ قال ابن عباس: هذه أرجى آية في القرآن فإن المؤمن ما كذب وتولى فلا يناله شيء من العذاب / ١٢ وجيز.
.

﴿ قَالَ ﴾ : بعدما أتياه، وقالا ما أمرا به ﴿ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾، خص موسى بالنداء لأنه المتكلم، أو لأنه عرف أنه الأصل وهارون ممده، أو لما علم أن له رتة، ولهارون فصاحة حمله خبثه على ذلك.
﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ﴾ : صورته وشكله اللائق به ﴿ ثُمَّ هَدَى ﴾ : هداه إلى منافعه وأعطى كل حيوان نظيره وزوجه ثم هداه كيف يأتي الذكر الأنثى، وقيل أي : أوجد الأشياء وقدر الأرزاق والآجال والأعمال، ثم الخلائق ماشون على قدر لا يقدر أحد عن الخروج منه، كما قال :" والذي قدر فهدى " ( الأعلى : ٣ )، و قيل أي : أعطى خليقته كل شيء يحتاجون إليه، ثم هداهم إلى استعماله وعلى هذا خلقه مفعوله الأول، ولما كان الجواب بليغا جامعا مفحما بهت فلم ير إلا صرف الكلام عن الطريق الأول.
﴿ قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى ﴾ : ما حالهم مع أن أكثرهم عابدو الأصنام.
﴿ قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ﴾ : أعمالهم محفوظة عنده ﴿ فِي كِتَابٍ ﴾ : اللوح المحفوظ ﴿ لَّا يَضِلُّ رَبِّي ﴾ : لا يخطئ شيئا. ﴿ وَلَا يَنسَى ﴾ : ولا يذهب عنه ويجازيهم أو لا يضل ربي الكافر حتى ينتقم منه ولا ينسى الموحد حتى يجازيه١ أو لما سأل عن سعادتهم وشقاوتهم أحال علمه إلى الله فكأنه قال : لا أعلم حالهم.
١ قاله ابن عباس /١٢ وجيز..
﴿ الَّذِي ١جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا ﴾ : كالمهد، ﴿ وَسَلَكَ ﴾ : حصل ﴿ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا ﴾ : تسلكونها ﴿ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء ﴾ أي : المطر ﴿ فَأَخْرَجْنَا بِهِ ﴾ قيل : تم كلام موسى وهذا من كلام الله، وقيل : من تمام كلام موسى لكن عدل إلى التكلم على الحكاية لكلام الله تنبيها على ظهور ما فيه ما الدلالة على كمال قدرته، وإيذانا بأنه مطاع تذعن الأجناس المتفاوتة لمشيئته، ويمكن أن يكون كلام موسى، فأخرج بصيغة الغيبة لكن لما حكى الله قوله حكاه لفظا بلفظ حتى انتهى إلى قوله :" فأخرجنا " غير الأسلوب إلى التكلم تنبيها على عظم قدره، وأنه أمر لا يدخل تحت قدرة غيره ﴿ أَزْوَاجًا ﴾ : أصنافا ﴿ مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى ﴾ : مفترقات٢ جمع شتيت والنبات مصدر سمى به النابت فاستوى فيه الواحد والجمع فلهذا جاز وصفه بشتى التي هي جمع وقيل شتى صفة أزواجا.
١ ثم إن كلام موسى قد تم عند قوله: "و لا ينسى"، وقوله: "الذي جعل" من كلام الله نبه على قدرته ووحدانيته، فأخبر عن نفسه مخالطا لنبيه عادلا عن الغيبة للإيذان بأنه مطاع لا يمتنع شيء عن إرادته، نحو: "وهو الذي أنزل من السماء ماء فأخرجنا به نبات كل شيء" (الأنعام: ٩٩)، وهذا الأوجه الأبلغ/ ١٢ وجيز..
٢ في النسخة (ن): متفرقات..
﴿ كُلُوا ﴾ أي : فأخرجنا قائلين كلوا ﴿ وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ ﴾ أي كلوا أنتم من النبات واسرحوا أنعامكم١ فيها ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ٢ لِّأُوْلِي النُّهَى ﴾ ذوي العقول الناهية عن القبائح.
١ معناه الإباحة والإذن /١٢ منه..
٢ أشار لإلى جعل الأرض مهدا وسلوك سبلها، وإنزال الماس وإخراج النبات /١٢ وجيز..
﴿ مِنْهَا١ : من الأرض ﴿ خَلَقْنَاكُمْ ﴾ : فإن أب الكل منها وعن بعض الملك يأخذ من تراب الأرض الذي قدر أن يدفن فيها فيذره على النطفة فيخلق منها ﴿ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ ﴾ : بالموت ﴿ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ ﴾ : يوم البعث ﴿ تَارَةً أُخْرَى ﴾.
١ أخرج أحمد والحاكم عن أبي أمامة قال: لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في القبر قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "منها خلقناكم وفيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى، بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله"، وفي حديث في السنن "أنه أخذ قبضة من التراب وألقاها في القبر وقال: منها خلقناكم ثم أخرى، وقال وفيها نعيدكم ثم أخرى، و قال: ومنها نخرجكم تارة أخرى"/١٢ فتح. [الحديث سكت عنه الحاكم في "المستدرك" (٢/٣٧٩) وقال الذهبي: خبر واه علي بن يزيد متروك]..
﴿ وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا ﴾ أي : الآيات التي ظهرت على يد موسى ﴿ فَكَذَّبَ ﴾ : الآيات وقال إنها سحر، ﴿ وَأَبَى ﴾ : قبولها.
﴿ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى١ : فيبقى لك ديارنا.
١ هذا كلام اضطراب إذ علم أنه الحق، وذكر علة المجيء وهي إخراجهم من أرضهم، ولا شك لأحد أن ساحرا لا يقدر على إخراج ملك من أرضه؛ لكن ألقى هذه العلة ليصير قومهم الجاهلون متعصبين له إذ الإخراج من الوطن شاق جعله الله تعالى مساو يا للقتل، كما قال: "اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم" (النساء: ٦٦)، مع أنه لا يطلب منهم إلا الإيمان/ ١٢ وجيز..
﴿ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ ﴾ : مثل سحرك ﴿ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا ﴾ اسم مكان أو زمان ﴿ لَّا نُخْلِفُهُ ﴾ جعل المكان أو الزمان مخلفا على الاتساع كيوم شهدناه ﴿ نَحْنُ وَلَا أَنتَ مَكَانًا ﴾ بدل من الموعد على الأول، وظرف للانخلفه على الثاني، وقيل مفعول أول لا جعل ﴿ سُوًى ﴾ منصفا يستوي مسافته إلينا وإليك أو عدلا أو مستوى يتبين الناس وما فيه فيه.
﴿ قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ﴾ : يوم عيد لهم، وعن ابن عباس رضي الله عنه يوم عاشوراء إذا كان الموعد اسم زمان فهو ظاهر، وأما إن كان اسم مكان فهو كما تقول يوم عرفة في جواب أين أراك ؟ أي : في عرفة فإن له مكانا معينا معروفا ﴿ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ﴾، عطف على اليوم والزينة ﴿ ضُحًى ﴾ : في وقت الضحوة جهارا في محضر الخلائق ليتضح الحق على رءوس الأشهاد ويشتهر.
﴿ فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ ﴾ هو كما تقول ذهب يفعل كذا أي شرع فيه ﴿ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ﴾ : ما يكاد به من السحرة وآلاتها ﴿ ثُمَّ أَتَى ﴾ : الموعد.
﴿ قَالَ لَهُم ﴾ : للسحرة ﴿ مُّوسَى ﴾ وفي عددهم اختلاف كثير قيل سبعون رجلا، وقيل ثمانون ألفا، أو ثلاثون أو تسعة عشر ألفا، أو خمسة عشر ألفا، أو اثنا عشر ألفا ﴿ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾، بأن تخيلوا للناس ما لا حقيقة له، فتقولوا إنه مخلوق لله وأن تدعوا معجزاته سحرا أو تدعوا له ندا ﴿ فَيُسْحِتَكُمْ ﴾ : يستأصلكم ﴿ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ ﴾ : خسر ﴿ مَنِ افْتَرَى ﴾ : على الله.
﴿ فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ﴾ أي : تشاجر السحرة سرا من فرعون في أمرهم فقائل منهم يقول ليس هذا بساحر إنما هو كلام نبي وقائل يقول بل هو ساحر ﴿ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى١ أي : تناجوا فيما بينهم.
١ خفية من فرعون، عن ابن عباس نجواهم إن غلبنا موسى اتبعناه/ ١٢ وجيز..
﴿ قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ﴾، تفسير لأسروا النجوى وهذا من اسم إن لغة من يجعل التثنية غير مختلف في الرفع والنصب والجر، أو تقديره أنه هذان لساحران ﴿ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى ﴾ : بملككم وعيشكم الذي أنتم فيه أو بأشراف قومكم أو بدينكم الذي هو أمثل الأديان.
﴿ فأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ﴾ أي : أحكموا واعزموا كلكم على كيدهما مجتمعين لهما ﴿ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ﴾ : مصطفين فإنه أهيب في عين الرائين، ولهذا قول بعض السحرة لبعضهم ﴿ وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ﴾ : فاز من غلب.
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى ﴾، بعدما جمعوا كيدهم وأتوا، ﴿ إِمَّا أَن تُلْقِيَ ﴾ : عصاك أولا، ﴿ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴾، ما بعد أن منصوب بمحذوف أي : اختر إلقاءك أو إلقاءنا أو مرفوع أي : الأمر إلقاؤك أو إلقاؤنا.
﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا ﴾، قيل : لما علم ميلهم إلى البدء أمرهم به وليشعر علية تغيير نظمهم عن إما أن تلقي إلى أو أن نكون أول من ألقى ﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ ﴾، إذا للمفاجأة أي : فألقوا فإذا حبالهم ﴿ وَعِصِيُّهُمْ ﴾، جمع عصى ﴿ يُخَيَّلُ١ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾، وتحريكها ما كان إلا بحيلة وحاصل الكلام فألقوا ففاجأ موسى تخيله وقت تخيل سعي حبالهم وعصيهم من سحرهم ومن قرأ بخيل بالتاء فقوله : أنها تسعى بدل اشتمال من ضميره الراجع إلى الحبال والعصي قيل لطخوا بالزئبق فلما ضربت عليهما الشمس اضطربت.
١ ولما كان المتبادر من نسبة السعي والمشي إلى شيء أنه مختار مريد نفى عنه السعي إلا بالتخيل/١٢.
.

﴿ فَأَوْجَسَ ﴾ : أضمر ﴿ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى ﴾ : من أن يتلبس الأمر على القوم فلا يتبعونه وقيل من : طبع البشرية ظن أنها تقصده.
﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى ﴾، وهذا مشعر مؤيد للوجه للأول، وإلا فالمناسب أن يقال لا تخف إنك آمن.
﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ ﴾ لم يقل عصاك تحقيرا لها أي العويدة التي في يدك ولا تبال بعصيهم ﴿ تَلْقَفْ ﴾ تبتلع جواب الأمر وقراءة تلقف بالرفع أي : تتلقف فبالحال أو الاستئناف. ﴿ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا ﴾ أي : إن الذي زوروا ﴿ كَيْدُ سَاحِر ﴾، وحد الساحر لأن المراد به الجنس، وقراءة سحر كعلم فقه بأن الإضافة للبيان أو جعل الساحر سحر للمبالغة ٍ﴿ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ : حيث كان.
﴿ فَأُلْقِيَ ١السَّحَرَةُ سُجَّدًا ﴾ أي : ألقى موسى عصاه فتلقفت فألقى ذلك السحرة على وجوهم ساجدين لله ﴿ قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾، وعن بعض لما سجدوا رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها.
١ قال صاحب الكشاف: سبحان الله ما أعجب أمرهم! قد ألقوا حبالهم وعصيهم للكفر والجحود، ثم ألقوا رءوسهم بعد ساعة للشكر والسجود، فما أعظم الفرق بين الالتفات /١٢ فتح..
﴿ قَالَ ﴾ فرعون :﴿ آمَنتُمْ لَهُ ﴾ أي : لموسى واللام لتضمين معنى الإتباع ﴿ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ ﴾ : في اتباعه ﴿ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ ﴾ : أستاذكم ﴿ الَّذِي١ عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ ﴾ أي : مختلفات من اليد اليمنى ومن الرجل اليسرى، ومن للابتداء، فإن القطع ناشئ من مخالفة العضو العضو. أي من وضع المخالفة فقد لابس المخالفة أيضا وقيل من أجل خلاف ظهر منكم ﴿ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ ﴾ أي : عليها شبه تمكن المصلوب بالجذوع بيتمكن المظروف بالظرف، فقال : قي جذوع ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا ﴾ : أنا أو موسى وأراد به الهزء فإنه لم يكن من التعذيب في شيء وقيل أينا أي : أنا أو رب موسى الذي ّآمنتم به ﴿ أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾.
١ فإنه حين رأى من العجزة، ورأى قد آمن من استنصر به بحضرة الناس، شرع في المكابرة و البهت يقول: يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه كذب مختلق ثم هددهم فقال: ﴿لأقطعن﴾ الآية / ١٢ وجيز..
﴿ قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ ﴾ : نختارك، ﴿ عَلَى مَا جَاءنَا ﴾ الضمير لما ﴿ مِنَ الْبَيِّنَاتِ ﴾ : المعجزات ﴿ وَالَّذِي فَطَرَنَا ﴾، عطف على ما جاءنا وقيل قسم ﴿ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ﴾ أي : قاضيه يعني اصنع ما تصنع ﴿ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ أي : لك تسلط في دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار.
﴿ إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ١ أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل، وأمر بتعليم السحر لهم كارهين، وهم الذين قالوا ذلك، وقيل لما رأى السحرة عصاه يحرس موسى وهو نائم قالوا لفرعون : إن هذا ليس بساحر فأبى إلا المعارضة ﴿ وَاللَّهُ خَيْرٌ ﴾ : جزاء أو لنا منك ﴿ وَأَبْقَى ﴾ عقابا أو لنا فإنك فان.
١ إكراهه إياهم على معارضة موسى مع علمهم أنه ليس بساحر فإنهم لما رأوا أن عصاه يحرسه وهو نائم قالوا لفرعون إنه ليس بساحر، فأبى إلا المعارضة، وليس في القرآن ما يدل على أنه أنفذ وعيده فيهم، بل الظاهر أن الله سلمهم منه، قال تعالى: "أنتما ومن معكما الغالبون" (القصص: ٣٥)، هذا ما في الوجيز قال أبو السعود: قال المفسرون: و ليس في القرآن أن فرعون فعل بالسحرة ما هددهم به ولم يثبت في الأخبار أيضا / ١٢..
﴿ إِنَّهُ ﴾ الضمير للشأن ﴿ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا ﴾ : بأن يموت كافرا ﴿ فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا ﴾ : فيستريح ﴿ وَلَا يَحْيى ﴾ : حياة مرضية وهذه الجملة إما من تمام قول السحرة وإما ابتداء كلام من الله، وفي مسلم١ وغيره وإما أناس تصيبهم النار بذنوبهم، وليسوا من أهلها فيميتهم إماتة حتى يصيروا فحما يقوم الشفعاء فيشفعون فيؤتى بهم نهرا يقل له الحية فينبتون كما ينبت الغثاء في حميل السيل.
١ أخرج أحمد ومسلم وابن أبي حاتم وغيرهم عن أبي سعيد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خطب فأتى على هذه الآية فقال: "أما أهلها الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون وأما الذين ليسوا أهلها فإن النار تميتهم إمامة ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فيؤتى بهم ضبائر (الجماعات) على نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما ينبت الغثاء في حميل السيل" /١٢ فتح. [أخرجه أحمد (٥/٣١٦) والترمذي (٢٦٦٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى"، (٩/١٥) وغيرهم. وصححه الحاكم (١/٨٠) وأقره الذهبي، وهو كما قالا، وانظر صحيح الترمذي (٢٠٥٦)، والسلسلة الصحيحة].
.

﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى ﴾ وفي مسند أحمد والترمذي : قال عليه السلام :" في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض والفردوس أعلاه درجة " ١.
١ أخرجه مسلم في "الإيمان"، باب: إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار(١/٤٤٦، ٤٤٥)، ط الشعب.
.

﴿ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾، بدل من الدرجات ﴿ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ﴾ : تطهر من أدناس المعاصي.
﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ ﴾، أن مفسرة أو مصدرية ﴿ بِعِبَادِي ﴾ : من مصر ﴿ فَاضْرِبْ ﴾ : اتخذ واجعل ﴿ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ ﴾ : بأن تضرب البحر بعصاك ﴿ يَبَسًا ﴾ أي : طريقا يابسا ﴿ لَّا تَخَافُ دَرَكًا ﴾ أي : من أن يدركك فرعون حال من ضمير فاضرب، أو صفة ثانية لطريقا، أي : طريقا لا تخاف فيه ﴿ وَلَا تَخْشَى ﴾، من قرأ لا تخف بالجزم١ فلا تخشى إما استئناف، أي : وأنت لا تخشى، أو عطف على لا تخف والألف زائدة للفاصلة كالظنونا.
١ على أنه جواب الأمر/ ١٢ منه..
﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ ﴾ حين أسرى موسى ببني إسرائيل من مصر، وثاني مفعوليه محذوف، أي : أتبعهم فرعون نفسه متلبسا بجنوده أو الباء صلة، أي : أتبعهم جنوده وقيل أتبع بمعنى١ اتبع ﴿ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ ﴾ : في هذا الإبهام من التفخيم ما لا يخفى.
١ والباء حينئذ للتعدية، والقراءة باتبع يؤيده /١٢ منه..
﴿ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى ﴾ : رد عليه حيث قال :" وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " ( غافر : ٢٩ ).
﴿ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾، خطاب لهم بعد إهلاك فرعون على إضمار قلنا ﴿ قَدْ أَنجَيْنَاكُم١ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ٢ : لمناجاة نبيكم، وإنزال التوراة عليكم ﴿ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ ﴾ شيء مثل الترنجبين من السماء ينزل عليهم ﴿ وَالسَّلْوَى ﴾ : طائر يسقط عليهم فيأخذون بقدر الحاجة، وذلك في التيه.
١ ذكر سبحانه ما أنعم به على بني إسرائيل بعد إنجائهم وفي هذا الترتيب غاية الحسن حيث قدم تذكير نعمة الإنجاء ثم النعمة الدينية ثم النعمة الدنيوية /١٢ فتح..
٢ من قرأ الأيمن بالجر فهو من جر الجوار نحو: "جحر ضب خرب" / ١٢ منه..
﴿ كُلُوا ﴾ أي : قائلين كلوا ﴿ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ : من لذائذه أو حلالاته ﴿ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ ﴾ : بأن تكفروا نعمتي فتنفقوا في معصيتي ولم تشكروا ﴿ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ ﴾ : يلزمكم، ومن قرأ يحل فمعناه ينزل ﴿ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ١ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى ﴾ : هلك، وعن ابن عباس٢ في جهنم قصر يرمى الكافر من أعلاه فيهوى أربعين خريفا قبل أن يبلغ الصلصال، وذلك ق وله :" فقد هوى ".
١ يحلل بكسر اللام من حل الدين إذا وجب وحان وقت أدائه، وبضم اللام من الحلول بمعنى النزول/١٢ منه..
٢ رواه ابن أبي حاتم /١٢ منه..
﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ ﴾ : عن الشرك، ﴿ وَآمَنَ ﴾ : بما يجب الإيمان به، ﴿ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ : استقام على الطريق المستقيم.
﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ ﴾ سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها، وهو مبتدأ أو خبر ﴿ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى قال ﴾، ذلك حين اختار سبعين رجلا من قومه فذهبوا إلى الطور للمناجاة وأخذ التوراة، فعجل من بينهم شوقا إلى ربه، وتقدم وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل.
قال مجيبا لربه :﴿ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي ﴾ أي : هم بالقرب مني " وعلى أثري " إما حال أو خبر بعد خبر ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى١ : لتزدد عني رضا فإن المسارعة إلى امتثال الأمر أمثل.
١ كأنه قال: ما تقدمت عليهم إلا بقدر يسير يتقدم بمثله الرفقة بعضها فما يعد هذا من العجلة، وأيضا طلبت في تلك العجلة رضاك / منه..
﴿ قَالَ ﴾ الله :﴿ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ ﴾ الذين خلفتهم مع هارون، وهم ستمائة ألف إلا السبعين الذين اختارهم للمناجاة ﴿ مِن بَعْدِكَ ﴾ : بعد خروجك ﴿ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ١ : بأن دعاهم إلى عبادة العجل بعد اتخاذهم.
١ وكان من قوم يعبدون البقر فدخل في دين بني إسرائيل في الظاهر وفي قلبه ما فيه من عبادة البقر، وكان من قبيلة تعرف بالسامرة، وقيل: كان من القبط، وقيل: كان علجا من علوج كرمان رفع إلى مصر، وكان جارا لموسى عليه السلام وآمن به واسمه موسى بن ظفر، وكان منافقا فقال لمن معه من بني إسرائيل: إنما تخلف موسى عن الميعاد الذي بينكم وبينه لما صار معكم من الحلي، وهي حرام عليكم وأمرهم بإلقائها في النار وكان من أمر العجل ما كان/١٢ فتح..
﴿ فَرَجَعَ مُوسَى١ إِلَى قَوْمِهِ ﴾ : بعد أخذ التوراة ﴿ غَضْبَانَ ﴾ : عليهم ﴿ أَسِفًا ﴾ الأسف الشديد الغضب أو الحزين، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا ﴾ بأن يعطيكم التوراة، ووعدكم على لساني خير الدارين ﴿ أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ ﴾ أي : الزمان في انتظار ما وعدكم الله ﴿ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ ﴾ يجب ﴿ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي ﴾ أي : وعدكم إياي بالثبوت على الدين واتباع هارون.
١ روى أنه لما رجع موسى سمع الصياح والضجيج وكانوا يرقصون حول العجل فقال: هذا صوت الفتنة، وفي القرطبي وسئل الإمام أبو بكر الطرطوشي عن جماعة يجتمعون، ويكثرون من ذكر الله، وذكر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم إنهم يضربون بالقضيب على شيء من الطبل ويقوم بعضهم يرقص ويتواجد حتى يقع مغشيا عليه، ويحضرون شيئا يأكلونه فهل الحضور معهم جائز أم لا؟ فأجاب: يرحمك الله! مذهب الصوفية بطالة وجهالة وضلالة الإسلام إلا كتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري لما اتخذ لهم عجلا جسدا له خوار فقاموا يرقصون حوله ويتواجدون وهو دين الكفار عباد العجل وأما الطبل فأول من اتخذه الزنادقة ليشغلوا به المسلمين عن كتاب الله تعالى وإنما كان مجلس النبي مع أصحابه كأنما على رءوسهم الطير من الوقار، فينبغي للسلطان، ونوابه أن يمنعهم من الحضور في المساجد وغيرها، ولا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر، أن يحضر معهم أو يعينهم على باطلهم وهذا مذهب مالك وأبي حنيفة، والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة المسلمين. انتهى /١٢ فتح..
﴿ قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾ : عن قدرتنا واختيارنا، ولو لم يسول لنا السامري لما أخلفناه ﴿ وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا ﴾ : حمالا، ﴿ مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ ﴾ : من حلي القبط ﴿ فَقَذَفْنَاهَا ﴾ : في النار وذلك أنهم خرجوا١ من مصر كانت معهم ودائع من حلي آل فرعون، فقال هارون :" لا يحل لكم الوديعة، ولسنا برآدين إليهم "، فأمرهم أن يقذفوها في حفيرة ويوقد عليها النار، فلا تكون الودائع لنا ولا لهم أو أمرهم بذلك ليصير الحلي كحجر واحد حتى يرى فيها موسى حين رجوعه ما يشاء، وقيل الآمر بذلك السامري لا هارون ﴿ فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ ﴾ أي : أراهم أنه أيضا ألقى حليا في يده وإنما ألقى التربة التي أخذها من تربة حافر فرس جبريل.
١ رواه النسائي في سننه عن ابن عباس في حديث طويل وكذا ابن جرير وابن أبي حاتم / ١٢ منه..
﴿ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا ﴾ : من تلك الحلي المذاب، ﴿ لَهُ خُوَارٌ ﴾ : صوت العجل عن ابن عباس، لا والله ما كان له صوت، وليس له روح إنما كانت تدخل الريح في دبره وتخرج من فيه، والصوت من ذلك١ ﴿ فَقَالُوا ﴾ أي : السامري والضلال منهم :﴿ هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ ﴾ أي : فنسيه موسى هاهنا، وذهب يطلبه، أو فنسى أن يذكركم أن هذا إلهكم أو فنسى السامري ما كان عليه من الإسلام وتركه.
١ وفيه بحث لأنه إذا لم يكن له حياة فليس لقبض التراب من أثر فرس جبريل فائدة كما ذكرنا في سورة الأعراف/ ١٢ وجيز..
﴿ أَفَلَا يَرَوْنَ ﴾، من كلام الله ردا عليهم، وبيانا لسخافة رأيهم ﴿ أَلَّا يَرْجِعُ ﴾ أي : أنه لا يرجع ﴿ إِلَيْهِمْ قَوْلًا ﴾ : لا يجيبهم، ولا يكلمهم ﴿ وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ : لا يقدر على إضرارهم وإنفاعهم أو على دفع ضرهم، وإيصال نفعهم.
﴿ وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ١ مِن قَبْلُ ﴾ : قبل رجوع موسى، ﴿ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ﴾ : ابتليتم بالعجل، ﴿ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ ﴾ : لا العجل، ﴿ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي ﴾ : في الثبات على الدين.
١ اعلم أن هارون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه لأنه زجرهم عن الباطل أولا بقوله: "إنما فتنتم به" ثم دعاهم إلى معرفة الله تعالى ثانيا بقوله: "وإن ربكم الرحمن" ثم دعاهم ثالثا إلى معرفة النبوة بقوله: "فاتبعوني" ثم دعاهم إلى الشرائع رابعا بقوله: "وأطيعوا أمري" وهذا هو الترتيب الجيد لأنه لا بد قبل كل شيء من إماطة الأذى عن الطريق وهو إزالة الشبهات ثم معرفة الله تعالى، فإنها هي الأصل ثم النبوة ثم الشريعة ثم إنهم لجهلهم قابلوا هذا الترتيب الحسن في الاستدلال بالتقليد والجحود فقالوا: "لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى" كأنهم قالوا: لا نقبل حجتك ولكن نقبل قول موسى وعادة المقلد ليس إلا ذبك /١٢ وجيز..
﴿ قَالُوا لَن نَّبْرَحَ ﴾ : لن نزال ﴿ عَلَيْهِ ﴾ : على العجل بأن نعبده ﴿ عَاكِفِينَ ﴾ : مقيمين ﴿ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى قال ﴾ : موسى بعدما رجع ﴿ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴾.
﴿ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴾ : بعبادة غير الله.
﴿ أَلَّا تَتَّبِعَنِ ﴾ أي : عن أن تأتي عقبي فتخبرني عن ما أحدثوا، أو عن أن تتبعني في الغضب لله، والمقاتلة معهم، ولا مزيدة على الوجهين نحو " ما منعك أن لا تسجد " ( الأعراف : ١٢ )، ﴿ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي ﴾، حيث وصيتك اخلفني ولا تتبع سبيل المفسدين، فرضيت، وسكنت وسكت.
﴿ قَالَ ﴾ هارون :﴿ يَا ابْنَؤم ﴾ ذكر الأم مع أنهما أخوان من أبوين، لأن ذكرها أرق وأبلغ في الحنو، ﴿ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي ﴾ أي : بشعره فإنه كان عليه السلام شديد الغضب لله متصلبا لم يتمالك حين رآهم مشركين ﴿ إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ أي : خشيت لو فارقتهم ليتفرقوا، وخشيت لو قاتلتهم لصاروا أحزابا مقاتلين بعضهم بعضا، ﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ حين قلت اخلفني في قومي وأصلح أي : ارفق بهم.
﴿ قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ ﴾، ثم أقبل إليه، وقال منكرا ما طلبك١ له، وما شأنك، وما الذي حملك عليه.
١ من خطب الشيء إذا طلبه /١٢ وجيز..
﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ﴾ : علمت، وفطنت ما لم يعلموه، ولم يفطنوا له ﴿ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً ﴾ أي : مرة من القبض أطلق على المقبوض ﴿ مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ﴾ أي : من تربة موطئ فرس جبريل، ﴿ فَنَبَذْتُهَا ﴾ : ألقيتها في الحلي المذاب نقل أن السامري كان من قوم يعبدون البقر، وكان حب عبادته في نفسه، فلما رأى جبريل حين جاء لهلاك فرعون أخذ قبضة من أثر فرسه وألقى في روعه١ إنك إن ألقيتها في شيء فقلت له كن فكان، وعن بعض أخذ التراب حين جاء جبريل ليذهب بموسى إلى المناجاة ﴿ وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ ﴾ : زينت، ﴿ لِي نَفْسِي ﴾.
١ وفي الوجيز وألقى الشيطان في خاطره /١٢..
﴿ قَالَ ﴾ موسى له، ﴿ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ ﴾ : ما دمت حيا، ﴿ أَن تَقُولَ ﴾ : مع كل من جاء إليك ﴿ لَا مِسَاسَ١ : لا ما دمت حيا، ﴿ أن تقول ﴾ : مع كل من جاء إليك ﴿ لا مساس٢ لا مخالطة بوجه فتكون وحشيا نافرا منفردا فإنه إذا اتفق أن يمارس أحدا حم الماس والممسوس فتحامى الناس وتحاموه ﴿ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا ﴾ : لعذابك ﴿ لَّنْ تُخْلَفَهُ ﴾ : لن يخلفك الله وينجزه لك البتة، ومن قرأ بكسر اللام فهو من أخلفت الموعد إذا وجدته خلفا ﴿ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ ﴾ : ظللت بحذف اللام الأولى ﴿ عَلَيْهِ عَاكِفًا ﴾ : مقيما على عبادته ﴿ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ﴾ : بالنار فإنه صار لحما ودما أو بالمبرد٣ فهو مبالغة في حرقه إذا برد بالمبرد ﴿ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ ﴾ : لنذرينه رمادا أو مبرودا ﴿ فِي الْيَمِّ نَسْفًا ﴾ : وقد ذكر أنه لم يشرب أحد ممن عبده من ذلك الماء إلا اصفر وجهه كالذهب.
١ وهذه الآية أصل في نفي أهل البدع، والمعاصي، وهجرانهم وأن لا يخالطوا قاله الكرخي/١٢ فتح..
٢ نقله أبو حاتم عن علي بن أبي طالب، ونقل الضحاك عن ابن عباس فإن مآل الحرق تفتت الشيء، وإذا برد بالمبرد يكون مثل الحرق /١٢ وجيز..
٣ نقله أبو حاتم عن علي بن أبي طالب، ونقل الضحاك عن ابن عباس فإن مآل الحرق تفتت الشيء، وإذا برد المبرد مثل الحرق/١٢ وجيز..
﴿ إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾، نصبه بالتمييز أي : وسع علمه كل شيء لا العجل الذي هو مثل في الغباوة، ولو كان حيا.
﴿ كَذَلِكَ ﴾ : مثل ذلك الاقتصاص ﴿ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء ﴾ : أخبار ﴿ مَا قَدْ سَبَقَ ﴾ : من الأحوال تبصرة لك، وتنبيها ﴿ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا١ : ذكرا كتابا مشتملا على ذكر أمور محتاج إليها.
١ وتنوين ذكرا للتعظيم /١٢..
﴿ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ ﴾ : فلم يؤمن به ولم يعمل بما فيه ﴿ فَإِنَّهُ ﴾، الضمير للشأن ﴿ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ﴾ : عقوبة ثقيلة.
﴿ خَالِدِينَ فِيهِ ﴾ : في الوزر، وإفراد أعراض وجمع خالدين نظرا إلى اللفظ والمعنى ﴿ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ﴾ : ساء بمعنى بئس، وفيه ضمير مبهم يفسره حملا، والمخصوص بالذم محذوف أي : ساء حملا وزرهم واللام كهيت لك للبيان.
﴿ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ أي : المشركين ﴿ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا ﴾ : زرق١ العيون قبيح المنظر وقيل : عميا فإن حدقة الأعمى تزرق.
١ والزرقة أبغض ألوان العيون، والعرب تتشاءم به / ١٢ وجيز..
﴿ يَتَخَافَتُونَ١ : يتشاورون، ﴿ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ ﴾ : ما لبثتم في الدنيا ﴿ إِلَّا عَشْرًا ﴾ : عشر ليال استقصروا مدة مكثهم فيها مع أنهم آثروها على الباقي الدائم فتأسفوا عليها، وقيل : المراد مدة مكثهم في القبر أو المراد ما بين النفختين وهو أربعون سنة يرفع عنهم العذاب في تلك المدة استقصروها لهول ما عاينوا من القيامة.
١ فإن الهول مخفض أصواتهم، فلا يقدرون على رفع الصوت /١٢ وجيز..
﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ ﴾ : منهم، ﴿ بِمَا يَقُولُونَ ﴾ : في حال تناجيهم، ﴿ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً ﴾ : أعدلهم رأيا وقولا ﴿ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا١.
١ ولما وصف أمر يوم القيامة حكى سؤال من لم يؤمن بالحشر فقال: "ويسألونك عن الجبال" الآية. والسائل منكر الحشر /١٢ وجيز مع الكبير.
.

﴿ وَيَسْأَلُونَكَ ﴾ : يا محمد ﴿ عَنِ الْجِبَالِ ﴾ : هل تبقى يوم القيامة أو تزول، ﴿ فَقُلْ يَنسِفُهَا ﴾ : يقلعها من أصلها ﴿ رَبِّي نَسْفًا ﴾.
﴿ فَيَذَرُهَا ﴾ : يدع أماكنها ومقارها من الأرض، ﴿ قَاعً ﴾ : منبسطا من الأرض ﴿ صَفْصَفًا ﴾ : ملساء منصوبان بالحال.
﴿ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا ﴾ : اعوجاجا١ قليلا لا يدرك إلا بالقياس ﴿ وَلَا أَمْتًا ﴾ : نتوءا أي : لا واديا ولا رابية.
١ فإن العوج بكسر العين ما هو في المعاني تنفي في الأرض ما دق فألحقه بالمعاني /١٢..
﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ : يوم إذ نسفت ﴿ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ ﴾ : حيث ما أمرهم بادروا إليه أو الداعي١ إلى المحشر ﴿ لَا عِوَجَ لَهُ ﴾ : لا يعوج له مدعو ولا يعدل٢ عنه ﴿ وَخَشَعَت ﴾ : سكنت أو خفضت ﴿ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ ﴾ : لمهابته، ﴿ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴾ : صوت٣ وطء أقدامهم إلى المحشر أو صوتا خفيا.
١ وقد ورد أن إسرافيل يقوم على صخرة ببيت المقدس يدعو الناس يضع الصور في فيه قائلا: أيتها العظام البالية، والجلود المتمزقة اللحوم المتفرقة هلموا إلى العرض على الرحمن /١٢..
٢ بل يسمع دعاءه جميعهم لا يميل إلى ناس ولا إلى جانب /١٢ وجيز..
٣ نقل عن ابن عباس وكثير من السلف /١٢ وجيز..
﴿ يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا١ : شفاعة ﴿ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ٢، أو لا تنفع الشفاعة أحدا٣ إلا من أذن في أن يشفع له ﴿ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا٤ : رضي الله قوله عن ابن عباس يعني من قال لا إله إلا الله، أو رضي قوله لأجله أو رضي لمكانته عند الله قوله في الشفاعة.
١ فالاستثناء مرفوع بالبدلية /١٢..
٢ فيه أنه لا شفاعة إلا بعد إذن الله وأنه تعالى لا يأذن إلا لمن رضي قوله وعمله وأنه تعالى لا يرضى إلا التوحيد ولهذا كان أسعد الناس بشفاعة سيد الشفعاء يوم القيامة أهل التوحيد كما صرحت بذلك النصوص فروى البخاري عن أبي هريرة مرفوعا "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه"، وعن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني آت من عند ربي فخيرني بني أن يدخل نصف أمتي الجنة، وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئا" رواه الترمذي وابن ماجه فأسعد الناس بشفاعة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهل التوحيد الذين جردوا التوحيد وأخلصوه من التعلقات الشركية، وهم الذين ارتضى الله سبحانه قال تعالى: "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" (الأنبياء: ٢٨)، وأما الشرك فإنه لا يرتضيه، ولا يرضى قوله، ولا يأذن للشفعاء أن يشفعوا فيه سبحانه علقها بأمرين: رضاه عن المشفوع له، وإذنه لشافع، فما يوجد مجموع الأمرين لم توجد الشفاعة قاله الشوكاني/١٢..
٣ فهو منصوب على المفعولية..
٤ قوله "رضي له قولا" قال شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني قدس الله سره العزيز في بعض فتواه: وللناس في الشفاعة أنواع من الضلال قد بسطت في غير هذا الموضع فكثير منهم يظن أن الشفاعة هي سبب اتصال الشافع بالمشفوع له كما ذكر ذلك أبو حامد وغيره، ويقولون: من كان أكثر صلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أحق بالشفاعة من غيره، وكذلك من كان أحس ظنا بشخص، وأكثر تعظيما له كان أحق بشفاعته، وهذا غلط، بل هذا هو قو ل المشركين الذين قالوا نتولى الملائكة ليشفعوا لنا يظنون أن من أحب أحدا من الملائكة والأنبياء والصالحين وتولاه كان ذلك سببا لشفاعته له، وليس كذلك، بل الشفاعة سببها توحيد الله وإخلاص الدين له، فكل من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة كما أنه أحق بسائر أنواع الرحمة، فإن الشفاعة من الله مبدؤها، وعلى الله تمامها، فلا يشفع أحد إلا بإذنه، وهو الذي يأذن للشافع، وهو الذي يقبل شفاعته وإنما الشفاعة سبب من الأسباب التي بها يرحم الله من رحمه من عباده وأحق الناس برحمته أهل التوحيد، والإخلاص له، فكل من كان أكمل في تحقيق كلمة الإخلاص ـ لا إله إلا الله ـ كان أحق بالرحمة، والمذنبون الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم فخفت موازينهم فاستحقوا النار من كان منهم من أهل لا إله إلا الله فإن النار تصيبه بذنوبه، ويميته الله تعالى إماتة فتحرقه إلا موضع السجود، ثم يخرجه الله من النار بالشفاعة ويدخله الجنة كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة فبين أن مدار الأمر كله على كلمة الإخلاص وهي ـ لا إله إلا الله ـ لا على الشرك كما ظنه الجاهلون، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع انتهى/..
﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ﴾ : ما تقدمهم من الأحوال، ﴿ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ : ما يستقبلون يعني أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم ﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴾ : لا يحيط علمهم بمعلومات الله أو الضمير للموصول.
﴿ وَعَنَتِ ﴾ خضعت وذلت، ﴿ الْوُجُوهُ١ : وجوه العالمين ﴿ لِلْحَيِّ ﴾ : الذي لا يموت ﴿ الْقَيُّومِ ﴾ : الذي هو قيم كل شيء، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنَْ حمَلَ ظُلْمًا ﴾ : من أشرك بالله فإن الشرك لظلم عظيم.
١ صارت عانية ذليلة كوجوه العانية يعني الأسارى /١٢ وجيز..
﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ ﴾ : بعض الطاعات ﴿ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ : إذ الإيمان شرط صحة الطاعة ﴿ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا ﴾ : بأن يزاد على سيئاته، ﴿ وَلَا هَضْمًا ﴾ : بأن ينقص١ من حسناته.
١ كذا فسره ابن عباس، ومجاهد والضحاك وقتادة وغير واحد من السلف نقله المفسرون وصححه الشيخ الناقد عماد الدين بن كثير في تفسيره /١٢ وجيز..
﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ أي : مثل ذلك الإنزال عطف على كذلك نقص، ﴿ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا ﴾ : كررنا، ﴿ فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ : من المعاصي أي ليكونوا بحيث يرجى منهم التقوى، ﴿ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ﴾ : القرآن ﴿ ذِكْرًا ﴾ : عظة واعتبارا بذكر العقاب للأمم الماضية فيشغلهم عن المعاصي.
﴿ فَتَعَالَى اللَّهُ ﴾ : جل١ الله في ذاته وصفاته ﴿ الْمَلِكُ ﴾ : الذي جميع الكائنات تحت سلطانه، ﴿ الْحَقُّ ﴾ : وعده ووعيده، أو الثابت في ذاته وصفاته، ﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ﴾ أي : بقراءته ﴿ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ أي : لا تقرأه حين يقرأ جبريل، بل أنصت فإذا أتم قراءته عليك فاقرأه بعده، وعن بعض : لا تبلغ، ولا تمله على أصحابك حتى يتبين لك معانيه ﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ : بالقرآن ومعانيه.
١ ولما بين أنه متعال عن كل ما لا ينبغي، وأنه موصوف بالإحسان والرحمة ومن كان وجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان في أمر الوحي فقال: "ولا تعجل بالقرآن" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ وَلَقَدْ ١عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ ﴾ : أمرناه، يقال في وصايا الملوك وأوامرهم عهد إليه، وعزم عليه، ﴿ مِن قَبْلُ ﴾ : قبل هؤلاء الذين نقضوا عهدي فكذبوك ﴿ فَنَسِيَ ﴾ أي : وصيناه أن لا يقرب الشجرة فترك ما وصى به، وقيل : لم يعتني بالعهد حتى غفل عنه، ﴿ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ٢ : تصميم رأي حيث أطاع عدوه، والوجود إن كان بمعنى العلم فله عزما مفعولاه، وإن كان بمعنى الوجود المناقض للعدم فله إما ظرف لغو، أو حال من عزما.
١ لما تقدم قوله: "كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق" ذكر قصة آدم إنجازا للوعد، وأيضا لما قال: "لعلهم يتقو ن أو يحدث لهم ذكرا" أردفه بهذه القصة كأنه قال إن طاعة بني آدم للشيطان، وتركهم التحفظ من وساوسه أمر قديم فإنا عهدنا إلى آدم من قبل، وبالغنا في تنبهه حيث قلنا له: "إن هذا عدو لك ولزوجك" ثم إنه مع ذلك نسي وترك العهد، وأيضا لما قال: "وقل ربي زدني علما" ذكر بعده قصة آدم لتدل على ضعف قوة البشرية عن التحفظ فيحتاج حينئذ إلى الاستعانة بربه في أن يوفقه لتحصيل العلم ويجنبه عن السهو والنسيان / ١٢ كبير ملخصا..
٢ قيل: لم نجد له عزما على الذنب، بل وقع منه خطأ / ١٢ وجيز.
.

﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ﴾ أي : اذكر حاله في ذلك الوقت حتى تعلم أنه ترك المأمور ولم يكن ذا عزم، ﴿ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى ﴾، مستأنفة أي : أظهر الإباءة واستكبر.
﴿ فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا ﴾ يعني : كونا على وجه لا يؤثر فيكما غوايته ﴿ مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ : فتتعب في طلب رزقك، فإنك هاهنا في عيش رغيد بلا كلف، وأسند الشقاء إليه وحده لأن طلب الرزق على الرجل.
﴿ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ١ فِيهَا وَلَا تَعْرَى ﴾.
١ وليس فيها جوع، وإنما طعامها كالفواكه في الدنيا لا يرغب فيها إلا للذة / ١٢ وجيز..
﴿ وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ١ فِيهَا ﴾، من قرأ أنك بالفتح فهو عطف على أن لا تجوع قال أبو البقاء : تقع أن المفتوحة معمولة للمكسورة لما فصل بينهما، نحو : إن عندنا أن زيدا منطلق، وعلى أي حال جاز في المعطوف عليه ما لا يجوز في المعطوف ﴿ وَلَا تَضْحَى ﴾ : لا تصيبك الشمس وأذاها.
١ الجوع خلو البطن، والعري خلو الظاهر، والظمأ إحراق الباطن والضحى إحراق الظاهر فالمراد ليس لك ضرر لا ظاهرا ولا باطنا /١٢ وجيز..
﴿ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ ﴾ أي : شجرة من أكل منها صار مخلدا لا يموت ﴿ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى ﴾ : لا يزول.
﴿ فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا ﴾ أي : أخذ يلزقان على سوآتهما للتستر ﴿ مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ﴾ عن ابن عباس ذاك ورق التين، ﴿ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ ﴾ : بأن خالف أمره، ﴿ فَغَوَى ﴾ : أخطأ طريق الحق، ولم ينل مراده، ويجوز أن يقال " وعصى آدم " ولا يجوز أن يقال آدم عاص لأنه لا يقال عاص إلا لمن اعتاد العصيان كما لا يقال من خاط ثوبه مرة خياط.
﴿ ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ ﴾ : اصطفاه، ﴿ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ : قبل توبته ﴿ وَهَدَى١ : هداه إلى الثبات على التوبة.
١ هداه إلى الثبات عليها بعد مدة وشدة وخضوع وخشوع وندامة وسآمة وملالة، وملامة /١٢ وجيز..
﴿ قَالَ ﴾ الله :﴿ اهْبِطَا١ مِنْهَا ﴾ : من الجنة والهبوط النزول إلى الأرض ﴿ جَمِيعًا ﴾، لما كانا أصلى البشر خاطبهما مخاطبتهم ﴿ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ : متعادين بالحسد وأنواع العداوات ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى ﴾ : كتاب ورسول ﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ ﴾ : في الدنيا، ﴿ وَلَا يَشْقَى٢ : في الآخرة الشرط الثاني مع جوابه جواب للشرط الأول، وما مزيدة أكدت به " إن " التي للشك وعلم منه أن إرسال الرسل غير واجب عقلا.
١ الضمير لآدم وحواء وقيل: له لإبليس / ١٢ منه..
٢ وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: أجار الله تابع القرآن من أن يضل في الدنيا أو يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية /١٢ معالم..
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي ﴾ : عن اتباع القرآن، ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾، المراد عذاب القبر١، وقد ورد أن المعيشة الضنك أنه يسلط عليه تسعة وتسعون حية، ينهشون لحمه حتى تقوم الساعة٢ أو في الدنيا بأن لا طمأنينة له فلا يزال في نصب من خوف القلة وما برح في تعب من هم إلا زيد في الدنيا أخذت بمجامع همه٣ أو في النار، والضنك الضيق مصدر وصف به يستوي فيه الذكر والمؤنث ﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ : أعمى البصر أو لا حجة٤ له.
١ قاله ابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد ـ رضي الله عنهم ـ ونقله البزار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد جيد /١٢ منه. [أخرجه الحافظ ابن كثير في "تفسيره"، (٣/ ١٧٠) من طريق الزار من حديث أبي هريرة مرفوعا، وقال: "إسناد جيد"، وذكره الهيثمي في "المجمع" (٧/٦٧) عن ابن مسعود من قوله وقال: "رواه الطبراني وفيه المسعودي وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات".].
٢ قاله ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ وقال الضحاك العمل السيئ، والرزق الخبيث/ ١٢ منه.
[أخرجه الزار من طريق محمد بن عمرو حدثنا هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن ابن حجيرة عن أبي هريرة مرفوعا كما في تفسير ابن كثير (٣/١٧٠)، وذكره الهيثمي في "المجمع"، (٧/٦٧) وقال: "رواه البزار وفيه من لم أعرفه".].

٣ قال الحسن هو الزقوم، والضريع والغسلين في النار /١٢ منه..
٤ قاله أبو صالح ومجاهد و السدي /١٢ منه..
﴿ قَالَ كَذَلِكَ ﴾ : مثل ذلك فعلت أنت ثم فسره فقال :﴿ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا ﴾ : تركتها وأعرضت عنها، ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾ : مثل تركك إياها ﴿ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ : تترك على عماك.
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ﴾ : في مخالفة الله، ﴿ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ ﴾ : من ضنك العيش، ﴿ وَأَبْقَى ﴾ قيل : معناه عذاب الآخرة بعد العمى، وهو النار أشد وأبقى.
﴿ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ ﴾، فاعل " يهد " جملة " كم أهلكنا " بواسطة مضمونها أي كثرة إهلاكنا أن كم لا يعمل فيه ما قبله أو فاعله١ ضمير الله، والجملة في تأويل المفعول أي : أفلم يبين الله لهم مضمون هذه الجملة، وعند البصريين فاعله مضمر يفسره كم أهلكنا ﴿ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ ﴾، والحال إنهم يترددون نفي مساكنهم الخالية حين سفرهم إلى الشام فإن ديار ثمود ولوط بين الشام ومكة ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى٢ : لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي.
١ ويدل على ذلك قراءة نهد بالنون /١٢ منه..
٢ ثم بين الوجه الذي لأجله لا ينزل العذاب معجلا على من كفر بالقرآن فقال: "ولولا كلمة سبقت من ربك" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ﴾ : حكم بتأخير عذابهم، ﴿ لَكَانَ لِزَامًا١ : لكان العذاب لازما لهم كما لزم الكفار الماضية، وهو مصدر لازم وصف به ﴿ وَأَجَلٌ مُسَمًّى ﴾ عطف على كلمة أي لولا أجل مسمى لأعمارهم أو لعذابهم، والفصل للدلالة على استقلال كل منهما بنفي لزوم العذاب، وقيل عطف على ضمير كان أي : لكان العذاب العاجل و أجل مسمى لازمين لهم.
١ قيل اسم آلة فيكون فعالا بمعنى مفعل أي ظرفا سمى به اللازم لفظ لزومه / ١٢ منه..
﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾ المراد من التسبيح الصلاة١، وقيل على ظاهره، وبحمد ربك في موضع الحال ﴿ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ ﴾ : الصبح، ﴿ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ﴾ : العصر، وقيل الظهر والعصر ﴿ وَمِنْ آنَاء ٢ اللَّيْلِ ﴾ : ساعاته ﴿ فَسَبِّحْ ﴾ أي : التهجد أو المغرب والعشاء، وتقديم من آناء الليل لاختصاصه بمزيد مزية فإن أفضل الطاعات٣ أحمزها٤ للاستراحة، والنفس فيه مولعة إلى النوم والعبادة فيه أبعد من الرياء ﴿ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ ﴾ يعني التطوع في أجزاء النهار كالتهجد في آناء الليل أو صلاة الظهر فإنها نهاية النصف الأول وبداية النصف الأخير ﴿ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾ أي : سبح في تلك الأوقات طمعا في أن تنال ما به رضاك من المقام المحمود.
١ وعليه أكثر السلف، وقيل: التسبيح مقرونا بالحمد في تلك الأوقات الآتية ذكرها فأما أن يراد أن يقو ل سبحان الله، والحمد لله أو أريد تنزيهه مع الثناء الجميل من غير قول /١٢ وجيز.
قال بعض السلف: من ظن أن نعمة الله في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل علمه ودام عذابه /١٢ وجيز..

٢ جمع إني بالكسر والقصر/١٢..
٣ قال الله تعالى: "إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قليلا" (المزمل: ٦)/١٢ منه..
٤ أحمزها: أمتنها وأقواها وأشدها، وقيل: أمضها وأشقها. وانظر لسان العرب مادة حمز..
﴿ وَلَا تَمُدَّنَّ ﴾ : نظر﴿ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ ﴾ : نظر استحسان وغبطة، ﴿ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ ﴾ : أصنافا من الكفرة، وقيل منهم مفعول متعنا، و " أزواجا " حال من ضمير به ﴿ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا ﴾ : زينة وبهجة زائلة، نصب على الضم نحو، أتاني زيد الفاسق، أو ثاني مفعولي متعنا لتضمن معنى الإعطاء ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ ﴾ : نختبرهم، ﴿ فِيهِ ﴾ أو لنجعل ذلك فتنة وبلاء لهم لأن يمدوا في طغيانهم ﴿ وَرِزْقُ رَبِّكَ ﴾ : في المعاد أو ما رزقك من علم النبوة ﴿ خَيْرٌ وَأَبْقَى١.
١ قال بعض السلف: من ظن أن نعمة الله في مطعمه ومشربه وملبسه فقد قل علمه ودام عذابه /١٢ وجيز..
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ ﴾ : أهل بيتك أو أمتك ﴿ بِالصَّلَاةِ ﴾، ولا تهتموا بأمر المعيشة ﴿ وَاصْطَبِرْ ﴾ : وداوم، ﴿ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ﴾ : أن نرزق أحدا ﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ﴾، ففرغ بالك للصلاة وفي الحديث إذا أصابه عليه السلام١ خصاصة نادى أهله :" يا أهلاه صلوا وصلوا وفي الحديث القدسي :" يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلا ولم أسد فقرك " ٢ ﴿ وَالْعَاقِبَة ﴾ : المحمودة، ﴿ لِلتَّقْوَى٣ : لذويه قد نقل أنها نزلت لما استسلف عليه السلام من يهودي فأبى إلا برهن فضاق صدره الأشرف.
١ نقله ابن أبي حاتم بإسناد جيد وذكره صاحب الفتح وعزاه إلى أحمد والبيهقي وغيرها /١٢. [لأخرجه أحمد في الزهد وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن ثابت مرفوعا كما في الدر المنثور للسيوطي (٤/٥٦١).].
٢ أخرجه الترمذي (٣/٣٠٨)، وأحمد (٢/٣٥٨)، وابن ماجه (٤١٠٧)، وابن حبان (٢٤٧٧)، وغيرهم من حديث أبي هريرة مرفوعا، وانظر صحيح ابن ماجه (٣٣١٥)، والصحيحة (١٣٥٩)..
٣ ولما بين أن عذاب الدنيا والآخرة لمن أسرف ولم يؤمن، ولم يتأمل في آيات الله والآيات ليس إلا لذي النهى ثم توجه إلى نصح حبيبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عقبه بما يدل على عمههم في الدنيا وأنهم ليسوا من أهل النهى فقال: "وقالوا" الآية / ١٢ وجيز..
﴿ وَقَالُوا ﴾ المشركون :﴿ لَوْلَا ﴾ : هلا، ﴿ يَأْتِينَا ﴾ : محمد ﴿ بِآيَةٍ ﴾ : دالة على رسالته، ﴿ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى ﴾، وهي القرآن المعجز الذي هو أعظم المعجزات المهين على سائر الكتب السماوية فإن القرآن معجز دون سائر الكتب ظهر على يد أمي لا يعرف القراءة والكتابة، ولا يدارس أهلهما صلى الله عليه وسلم.
﴿ وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ ﴾ : محمد، أو القرآن، ﴿ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ ١إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ ﴾ : بعذاب الدنيا ﴿ وَنَخْزَى ﴾ : بعذاب الآخرة.
١ قال تعالى: "وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون" (هود: ١١٧) [بالأصل غافلون ولعله قصد آية سورة الأنعام: "ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلك وأهلها غافلون" (الأنعام: ١٣١)]. ولما طال زمان الفترة وانتشر الكفر فهم غفلة الجميع أو الأكثر/١٢ وجيز..
﴿ قُلْ كُلٌّ ﴾ أي : كل واحد منا ومنكم ﴿ مُّتَرَبِّصٌ ﴾ : منتظر داوئر الزمان على صاحبه، ﴿ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ ﴾ : المستقيم، ﴿ وَمَنِ اهْتَدَى ﴾ : إلى الحق " من " في الموضعين للاستفهام مبتدأ على أن الفعل معلق عن الجملة الاستفهامية، ولو جوزت حذف صدر الصلة وقررت من هو أصحاب الصراط لجاز أن يكون موصولة أي : من هو أصحاب الصراط ؟
والحمد لله رب العالمين
Icon