تفسير سورة الأنبياء

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الأخفش . المتوفي سنة 215 هـ

قال ﴿ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى ﴾ ( ٣ ) كأنه قال ﴿ وَأَسَرُّواْ ﴾ ثم فسره بعد فقال : " هم ﴿ الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ أو جاء هذا على لغة الذين يقولون " ضَرَبُونِي قَوْمُكَ ".
وقال ﴿ أنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ ( ٣٠ ) قال ﴿ كَانَتَا ﴾ لأنه جعلهما صنفين كنحو قول العرب : " هُما لِقاحانِ سُودَان " وفي كتاب الله عز وجل ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولاَ ﴾. وقال الشاعر :[ من الطويل وهو الشاهد الخمسون بعد المئتين ] :
رَأَوْا جَبَلاً فَوْقَ الجِبالِ إِذا الْتَقَتْ رُؤُوسُ كَبِيَرِيْهنَّ يَنْتَطِحَانِ
فقال " رُؤوسُ " ثم قال " يَنْتَطِحانِ " وذا نحو قول العرب " الجُزُراتِ " و " الطُرُقاَتِ " فيجوز في ذا أن تقول : " طُرُقانِ " للاثنين و " جُزُرانِ " للاثنين. وقال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد الحادي والخمسون بعد المئتين ] :
وإِذاَ الرِّجَالُ رَأَوْا يَزِيدَ رَأَيْتَهُم خُضْعَ الرِّقابِ نَواكِسِي الأَبْصارِ
والعرب تقول : " مَوَاليِات " و " صَواَحِبَاتُ يوسُف ". فهؤلاء قد كسروا فجمعوا " صَواحِب " وهذ ا المذهب يكون فيه المذكر " صَواحِبُون "، ونظيره " نَواكِسي ". وقال بعضهم [ ١٥٢ ب ] " نواكِسِ " في موضع جرّ كما تقول " حُجْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ ".
وقال ﴿ خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ ( ٣٧ ) يقول : " من تعجيلٍ من الأمْرِ، لأَنَّه قال :﴿ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ ﴾ فهذا العجل كقوله ﴿ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ وقوله ﴿ فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ فإِنَّني ﴿ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي ﴾.
وقال ﴿ فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ ( ٦٣ ) فذَكَّر الأصنام وهي من الموات لأنها كانت عندهم ممن يعقل أو ينطق.
وقال ﴿ وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ ﴾ ( ٨٢ ) فذكر الشياطين وليسوا من الإنس إِلاّ أَنَّهُم مثلهم في الطاعة والمعصية. ألا ترى أنك تقول " الشياطينُ يَعْصُونَ " ولا تقول : " يَعْصِينَ " وإنما جمع ﴿ يَغُوصُونَ ﴾ و﴿ مَنْ ﴾ في اللفظ واحد لأن ﴿ مَنْ ﴾ في المعنى لجماعة. قال الشاعر :[ من الكامل وهو الشاهد الثامن والأربعون بعد المئتين ] :
لَسْنَا كَمَنْ جَعَلَتْ إِيادٍ دارَهَا تكريت تَنْظُرُ حَبَّها أَنْ يُحَصَدا
وقال :[ من المتقارب وهو الشاهد التاسع والأربعون بعد المئتين ] :
أَطُوفُ بِهَا لاَ أَرَىَ غَيْرَهَا كَمَا طافَ بالبِيْعَةِ الرّاهِبِ
فجعل " الراهبِ " بدلا من ﴿ مَا ﴾ كأنه قال " كالذي طافَ " وتقول العرب [ ١٥٢ ء ] : " إِنَّ الحَقَّ مَنْ صَدَّقَ اللهَ " أي : " الحقُّ حقُّ مَنْ صَدَّقَ اللهَ ".
وقال ﴿ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ ( ٨٧ ) أي : لن نقدر عليه العقوبة، لأنه قد أذنب بتركه قومه وإنما غاضب بعض الملوك ولم يغاضب ربه كان بالله عز وجل اعلم من ذلك.
Icon