تفسير سورة غافر

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة غافر من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سورة المؤمن ( غَافِر ) مكية، أو إلا آيتين ﴿ الذين يجادلون في آيات الله ﴾ [ الآية : ٣٥ ] والتي بعدها.

١ - ﴿حم﴾ اسم للقرآن، أو لله أقسم به، أو حروف مقطعة من أسمه ﴿الرَّحْمَنِ﴾ و ﴿الر﴾ و ﴿حم﴾ و ﴿ن﴾ هي الرحمن قاله ابن جبير، أو هو محمد [صلى الله عليه وسلم] أو فواتح السور.
٣ - ﴿غَافِرِ الذَّنبِ﴾ لمن استغفره، أو ساتِره على من شاء، أو هو موصوف بمغفرته ﴿وَقَابِلِ التَّوْبِ﴾ بإسقاط الذنب بها مع الإثابة عليها ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ النعم " ع "، أو القدرة، أو الغنى والسعة، أو الجزاء والمن، أو الفضل، والمن: عفو عن ذنب، والفضل: إحسان غير مستحق وأُخذ الطَّول من الطول كأنه طال بإنعامه على غيره، أو لأنه طالت مدة إنعامه.
{مَا يجادل في ءاياتِ الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد (٤) كذبت
108
قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمةٍ برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب (٥) وكذلك حقت كلمتُ ربكَ على الذين كفروا أنهم أصحابُ النار (٦) }
109
٤ - ﴿يُجادِل﴾ يماري، أو يجحد ولا تكون المجادلة إلا بين مبطلين أو مبطل ومحق والمناظرة بين المحقين، أو المجادلة فتل الخصم عن مذهبه حقاً كان أو باطلاً والمناظرة التوصل إلى الحق في أي جهة كان. نزلت في الحارث بن قيس أحد المستهزئين ﴿تَقَلُّبُهُمْ﴾ في السعة والنعمة أو تقلبهم في الدنيا بغير عذاب والتقلب الإقبال والإدبار وتقلب الأسفار نزلت لما قال المسلمون نحن في جَهْد والكفار في سَعة.
٥ - ﴿لِيَأخُذُوهُ﴾ ليقتلوه، أو ليحبسوه ويعذبوه والأسير أخيذ لأنه يؤسر للقتل وأخذهم له عند دعائه لهم، أو عند نزول العذاب بهم ﴿وجَادَلوا﴾ بالشرك ليبطلوا به الإيمان ﴿فأخَذْتُهم﴾ فعاقبتهم ﴿فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ سؤال عن صدق العقاب، أو عن صفته. قال قتادة: شديد والله.
٦ - ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أي كما حقت كلمة العذاب على أولئك حقت على هؤلاء ﴿حَقَّت﴾ وجب عذاب ربك، أو صدق وعده أنهم أصحاب النار جعلهم لها أصحاباً لملازمتهم لها.
{الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين ءامنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم (٧) ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من ءابائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم (٨) وقهم السيئات
109
ومن تقِ السئيات يومئذٍ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم (٩) }
110
٧ - ﴿رَّحْمَةً﴾ نعمة عليه ﴿وَعِلْماً﴾ به، أو وسعت رحمتك وعلمك كل شيء كقولهم: طبت نفساً ﴿تَابُواْ﴾ من الشرك ﴿سَبِيلَكَ﴾ الإسلام لأنه طريق الجنة ﴿وقهم عذاب الجحيم﴾ [١٦٧ / ب] / بتوفيقهم لطاعتك.
﴿إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون (٢) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل (١١) ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير (١٢) هو الذي يريكم ءاياته وينزل لكم من السماء رزقاً وما يتذكرُ إلا من ينيب (١٣) فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون (١٤) ﴾
١٠ - ﴿يُنَادّوْن﴾ في القيام "، أو في النار ﴿لمقتُ اللَّهِ﴾ لكم إذا دعيتم إلى الإيمان فكفرتم ﴿أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ﴾ أنفسكم لما عاينتم العذاب وعلمتم أنكم من أهل النار " ح "، أو مقته إياكم إذا عصيتموه أكبر من مقت بعضكم لبعض حين علمتم أنهم أضلوكم واللام في " لمقت " لام اليمين تدخل على الحكاية، أو ما ضارعها، أو لام ابتداء قاله البصريون.
١١ - ﴿أَمتَّنا اثْنَتَيْنِ﴾ إحداهما خلقهم أمواتاً في الأصلاب والأخرى موتهم في الدنيا وحياة في الدنيا والثانية بالبعث أو أحياهم يوم الذر لأخذ الميثاق ثم أماتهم ثم أخرجهم أحياء ثم أماتهم بآجالهم ثم أحياهم للبعث فيكون حياتان وموتتان في الدنيا وحياة في الآخرة، أو أحياهم في الدنيا ثم أماتهم فيها ثم
110
أحياهم في القبور ثم أماتهم ثم أحياهم بالبعث ﴿فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا﴾ فاعترفوا بحياتين بعد موتتين وكانوا ينكرون البعث بعد الموت ﴿مِّن سَبِيلٍ﴾ هل من طريق نرجع فيها إلى الدنيا فنقر بالبعث، أو هل عمل نخرج به من النار ونتخلص به من العذاب " ح ".
111
١٢ - ﴿كَفَرْتُمْ﴾ بتوحيده. ﴿تُؤْمِنُواْ﴾ بالأوثان، أو تصدقوا من أشرك به ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ﴾ في جزاء الكافر وعقاب العاصي ﴿الْعَلِىِّ﴾ شأنه ولا يوصف بأنه رفيع لأنها لا تستعمل إلا في ارتفاع المكان والعلي منقول من علو المكان إلى علو الشأن.
﴿رَفِيعُ الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق (١٥) يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار (١٦) اليوم تجزى كل نفسٍ بما كسبتْ لا ظلمَ اليومَ إن الله سريعُ الحساب (١٧) ﴾
١٥ - ﴿رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ﴾ رفيع السموات السبع، أو رافع درجات أوليائه، أو عظيم الصفات ﴿الرُّوحَ﴾ الوحي، أو النبوة أو القرآن " ع "، أو الرحمة، أو أرواح عباده لا ينزل ملك [إلا] ومعه منها روح أو جبريل - عليه السلام - يرسله بأمره ﴿لِيُنذِرَ﴾ الله - تعالى - أو الأنبياء -[صلى الله عليه وسلم]- ﴿يَوْمَ التَّلاقِ﴾ القيامة يلتقي فيه الخالق والخلق، أو أهل السماء وأهل الأرض، أو الأولون والآخرون " ع ".
١٦ - ﴿بَارِزُونَ﴾ من قبورهم ﴿لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ﴾ من أعمالهم شيء أو أبرزهم جميعاً لأنه لا يخفى عليه شيء من خلقه ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ يقوله الله - تعالى - بين النفختين إذا لم يبق سواه فيجيب نفسه فيقول ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ لأنه بقي وحده وقهر خلقه، أو يقوله الله في القيامة والخلائق سكوت فيجيب نفسه، أو تجيبه الخلائق كلهم مؤمنهم وكافرهم فيقولون: لله الواحد القهار. قاله ابن جريج.
﴿وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (١٨) يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور (١٩) والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير (٢٠) ﴾
١٨ - ﴿يَوْمَ الأَزِفَةِ﴾ حضور المنية، أو القيامة لدنوها ﴿إِذِ الْقُلُوبُ﴾ النفوس بلغت الحناجر عند حضور المنية، " أو القلوب تخاف في القيامة " فتبلغ الحناجر خوفاً فلا هي تخرج ولا تعود إلى أماكنها. ﴿كَاظِمِينَ﴾ مغمومين، أو باكين، أو ساكتين والكاظم الساكت على امتلائه غيظاً، أو ممسكين بحناجرهم من كظم القربة وهو شد رأسها ﴿حَمِيمٍ﴾ قريب، أو شفيق ﴿يُطَاعُ﴾ يجاب إلى الشفاعة سمى الإجابة طاعة لموافقتها إرادة المجاب.
١٩ - ﴿خائنة الأعين﴾ الرمز بالعين، أو النظرة [١٦٨ / أ] / بعد النظرة أو مسارقة النظر " ع " أو النظر إلى ما نُهي عنه، أو قوله رأيت وما رأى، أو ما رأيت وقد رأى سماها خائنة لخفائها كالخيانة، أو لأن استراق نظر المحظور خيانة. ﴿وَمَا تُخْفِى الصُّدُورُ﴾ الوسوسة، أو ما تضمره إذا قدرت عليها تزني بها أم لا
112
" ع " أو ما يُسرُّه من أمانة وخيانة وعبر عن القلوب بالصدور لأنها مواضعها.
﴿أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وءاثاراً في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق (٢١) ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديدُ العقاب (٢٢) ﴾
113
٢١ - ﴿قوة﴾ بطشا، أو قدرة ﴿وآثارا فِى الأَرْضِ﴾ بخرابها وعمارتها. أو مشيتهم فيها بأرجلهم، أو بعد الغاية في الطلب، أو طول الأعمار، أو آثارهم في المدائن والأبنية.
﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين (٢٣) إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب (٢٤) فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين ءامنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال (٢٥) وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدلَ دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد (٢٦) وقال موسى إني عذتُ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب (٢٧) ﴾
٢٦ - ﴿ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَى﴾ أشيروا عَلَيَّ بقتله لأنهم كانوا أشاروا أن لا
113
يقتله لو قتله لمنعوه، أو ذروني أتولى قتله لأنهم قالوا هو ساحر إن قتلته هلكت لأنه لو أمر بقتله خالفوه، أو كان في قومه مؤمنون يمنعونه من قتله فسألهم أن يمكنوه من قتله ﴿وَلْيَدْعُ رَبَّهُ﴾ وليسأله فإنه لا يجاب، أو يستعينه فإنه لا يعان ﴿دِينَكُمْ﴾ " عبادتكم "، أو أمركم الذي أنتم عليه ﴿الْفَسَادَ﴾ عنده هو الهدى، أو العمل بطاعة الله، أو محاربته لفرعون بمن آمن معه، أو أن يقتلوا أبناءكم ويستحيون نساءكم إن ظهروا عليكم كما كنتم تفعلون بهم.
﴿وقال رجل مؤمن من ءال فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذباً فعليه كذبه وإن يك صادقاً يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب (٢٨) ياقوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أُريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد (٢٩) ﴾
114
٢٨ - ﴿من آل فِرْعَوْنَ﴾ ابن عم فرعون، أو من جنسه من القبط ولم يكن من أهله كان ملكاً على نصف الناس وكان له الملك بعد فرعون بمنزلة ولي العهد وهو الذي قال لموسى ﴿إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ [القصص:
114
٢٠ -] ولم يؤمن من آل فرعون غيره وغير امرأة فرعون وكان مؤمناً قبل مجيء موسى، أو آمن بمجيء موسى وصدق به ﴿يَكْتُمُ إِيمَانَهُ﴾ رفقاً بقومه ثم أظهره بعد ذلك فقال في حال كتمانه ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً﴾ لأجل قوله ﴿رَبِّىَ اللَّهُ﴾ ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الحلال والحرام، أو العصا واليد. والطوفان والسنين ونقص من الثمرات وغيرها من الآيات ﴿وَإِن يَكُ كَاذِباً﴾ قاله تلطفاً ولم يقله شكاً ﴿بَعْضُ الَّذِى يَعِدُكُمْ﴾ لأنه وعدهم النجاة إن آمنوا والهلاك إن كفروا فإذا كفروا أصابهم أحد الأمرين وهو بعض الذي وعدهم، أو وعدهم على الكفر بهلاك الدنيا وعذاب الآخرة فهلاكهم في الدنيا بعض الذي وعدهم، أو بعض الذي يعدهم هو أول العذاب لأنه يأتيهم حالاً فحالاً فحذرهم بأوله الذي شكوا فيه وما بعد الأول فهم على يقين منه، أو البعض يستعمل في موضع الكل توسعاً. قال:
(قد يُدرِك المتأنِّي بعضَ حاجتهِ..............................)
115
٢٩ - ﴿ظَاهِرِينَ﴾ غالبين في أرض مصر قاهرين لأهلها يذكرهم المؤمن بنعم الله عليهم ﴿بَأْسِ اللَّهِ﴾ عذابه قال ذلك تحذيراً منه وتخويفاً فعلم فرعون ظهور حجته فقال ﴿مَآ أُرِيكُمْ﴾ ما أشير عليكم إلا بما أرى لنفسي و ﴿سبيل الرشاد﴾ عنده التكذيب بموسى.
﴿وقال الذي ءامن ياقوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب (٣٠) مثل دأب قوم نوحٍ وعادٍ وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلماً للعباد (٣١) وياقوم إني أخاف عليكم يوم التناد (٣٢) يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد) ﴾
115
﴿ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولاً كذلك يضل الله من هو مسرفٌ مرتاب (٣٤) الذين يجادلون في ءاياتِ الله بغير سلطانٍ أتاهم كبر مقتاً عند الله وعند الذين ءامنوا كذلك يطبعُ الله على كل قلبِ متكبرٍ جبار (٣٥) ﴾
116
٣٢ - ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ يوم القيامة ينادي بعضهم بعضاً يا حسرتا ويا ويليتا ويا ثبوراه، أو ينادي [١٦٨ / ب] / ﴿أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا﴾ [الآية الأعراف: ٤٤]. ويناديهم أصحاب النار ﴿أَفِيضُواْ عَلَيْنَا﴾ الآية [الأعراف: ٥٠]. والتنادِّ بالتشديد الفرار وفي حديث " أن للناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مفراً ثم تلا هذه الآية ".
٣٣ - ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ في انطلاقهم إلى النار، أو في فرارهم منها حين يقذفوا فيها ﴿عاصم﴾ ناصر، أو مانع وأصل العصمة المنع. قاله موسى، أو مؤمن آل فرعون.
٣٤ - ﴿يُوسُفُ﴾ بن يعقوب أُرسل إلى القبط بعد موت الملك
116
﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ وهي الرؤيا، أو بعث الله إليهم رسولاً من الجن يقال له يوسف.
﴿وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحاً لعلي أبلغُ الأسباب (٣٦) أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيدُ فرعونَ إلا في تباب (٣٧) ﴾
117
٣٦ - ﴿صَرْحاً﴾ مجلساً " ح "، أو قصراً، أو بناء بالآجر، أو الآجر معناه أوقد لي على الطين حتى يصير آجراً.
٣٧ - ﴿أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ﴾ طرقها، أو أبوابها، أو ما بينها ﴿فَأَطَّلِعَ﴾ قال ذلك بغلبة الجهل والغباوة عليه، أو تمويها على قومه مع علمه باستحالته " ح " ﴿فِى تَبَابٍ﴾ خسران " ع " أو ضلال في الآخرة لمصيره إلى النار أو في الدنيا لما أطلعه الله عليه من إهلاكه.
{وقال الذي ءامن يا قوم اتبعونِ أهدكم سبيل الرشاد (٣٨) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار (٣٩) من عملَ سيئةً فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب (٤٠) ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار (٤١) تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علمٌ وأنا أدعوكم
117
إلى العزيز الغفار (٤٢) لا جرمَ أنما تدعونني إليه ليس له دعوةٌ في الدنيا ولا في الآخرة وأن مردنا إلى الله وأن المسرفين هم أصحابُ النار (٤٣) فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله إن الله بصيرٌ بالعباد (٤٤) فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاقَ بآل فرعون سوء العذاب (٤٥} النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويومَ تقومُ الساعةُ أدخلوا ءال فرعون أشدَ العذاب (٤٦) }
118
٤٣ - ﴿لا جَرَمَ﴾ لا بد، أو لقد حق واستحق، أو لا يكون إلا جواباً كقول القائل: فعلوا كذا فيقول المجيب لا جرم أنهم سيندمون ﴿ما تدعونني إليه﴾ من عبادة غير الله ﴿لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ﴾ لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة، أو لا ينفع ولا يضر فيهما، أو لا يشفع فيهما ﴿مَرَدَّنَآ﴾ رجوعنا إلى الله بعد الموت ليجزينا بأعمالنا ﴿الْمُسْرِفِينَ﴾ المشركون، أو سافكو الدماء بغير حق.
٤٤ - ﴿فَسَتَذْكُرُونَ﴾ في الآخرة، أو عند نزول العذاب ﴿وَأُفَوِّضُ﴾ أسلم، أو أتوكل على الله، أو أشهده عليكم ﴿بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ﴾ بمصيرهم، أو بأعمالهم قاله موسى، أو المؤمن فأظهر به إيمانه.
٤٥ - ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ﴾ بإنجائه مع موسى وغرق فرعون، أو خرج هارباً من فرعون إلى جبل يصلي فيه فأرسل فرعون في طلبه فوجدوه يصلي فذبت السباع والوحوش عنه فرجعوا فأخبروا به فرعون فقتلهم. ﴿وَحَاقَ بِآلِ فِرعَوْنَ﴾ الفرق، أو قتله للذين أخبروه عن المؤمن، أو عبّر عن فرعون بآل فرعون.
٤٦ - ﴿يُعْرَضُونَ﴾ يعرض عليهم مقاعدهم غدوة وعشية ويقال يا آل فرعون هذه منازلكم، أو أرواحهم في أجواف طير سود تغدوا على جهنم وتروح، أو يعذبون بالنار في قبورهم غدوة وعشية وهذا خاص بهم ﴿تَقُومُ السَّاعَةُ﴾ قيامها وجود صفتها على استقامة قامت السوق إذا حضر أهلها على استقامة في وقت العادة ﴿أَشَدَ الْعَذَابِ﴾ لأن عذاب جهنم مختلف قال الفَرَّاء فيه
118
تقديم وتأخير تقديره: أدخلوا آل فرعون أشد العذاب النار يعرضون عليها.
﴿وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار (٤٧) قال الذينَ استكبروا إنا كلٌ فيها إن الله قد حكم بين العباد (٤٨) وقال الذين في النار لخزنةِ جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب (٤٩) قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال (٥٠) إنا لننصر رسلنا والذين ءامنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد (٥١) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار (٥٢) ولقد ءاتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب (٥٣) هدى وذكرى لأولي الألباب (٥٤) فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار (٥٥) إن الذين يجادلون في ءاياتِ اللهِ بغير سلطانٍ أتاهم إن في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير (٥٦) ﴾
119
٥١ - ﴿لننصر رسلنا والذين آمنوا﴾ بإفلاج حججهم، أو بالانتقام لهم فما قتل قوم نبياً أو قوماً من دعاة الحق إلا بُعث من ينتقم لهم فصاروا منصورين في الدنيا وإن قتلوا ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ﴾ بنصرهم في القيامة بإعلاء كلمتهم وإجزال
119
ثوابهم، أو بالانتقام من أعدائهم ﴿الأَشْهَادُ﴾ الأنبياء [١٦٩ / أ] / شهدوا على الأنبياء بالإبلاغ وعلى أممهم بالتكذيب، أو الأنبياء والملائكة أو الملائكة والنبيون والمؤمنون جمع شهيد كشريف وأشراف، أو جمع شاهد كصاحب وأصحاب.
120
٥٥ - ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ ما وعد الرسول [صلى الله عليه وسلم] والمؤمنين بعطائه، أو أن يعذب كفار مكة ﴿وَاسْتَغْفِرْ﴾ من ذنب إن كان منك ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ صلِّ بأمر ربك ﴿بِالْعَشِىِّ وَالإِبْكَارِ﴾ صلاة العصر والغداة، أو العشي ميل الشمس إلى أن تغيب والإبكار أول الفجر، أو هي صلاة مكة قبل فرض الصلوات الخمس ركعتان غدوة وركعتان عشية " ح ".
٥٦ - ﴿سُلْطَانٍ﴾ حجة ﴿كِبْرٌ﴾ العظمة التي في كفار قريش ما هم ببالغيها، أو ما يستكبر من الاعتقاد وهو تأميل قريش أن يهلك الرسول [صلى الله عليه وسلم] ومن معه، أو قول اليهود الدجَّال منا وتعظيمه واعتقادهم أنهم سيملكون وينتقمون منا ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ من كفرهم ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿البصير﴾ بضمائرهم.
﴿لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون (٥٧) وما يستوي الأعمى والبصير والذين ءامنوا وعملوا الصالحات ولا المسيءُ قليلاُ ما تتذكرون (٥٨) إن الساعة لاتيةٌ لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (٥٩) ﴾
٥٧ - ﴿لَخَلْقُ الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ﴾ من خلق الدجَّال لما عظمت اليهود شأنه، أو أكبر من إعادة خلق الناس، أو أكبر من أفعال الناس حين أذل الكفار بالقوة وتواعدوهم بالقهر.
﴿وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين (٦٠) ﴾
٦٠ - ﴿أدْعُونِى أَسْتَجِبْ﴾ وحدوني بالربوبية أغفر لكم ذنوبكم " ع " أو اعبدوني أثبكم على العبادة، أو سلوني أعطكم وإجابة الدعاء مقيدة بشروط المصلحة والحكمة.
{الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن الله لذو فضلٍ على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون (٦١) ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون (٦٢) كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون (٦٣) الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناءً وصوركم فأحسنَ صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين (٦٤) هو الحيُّ لا إلهَ إلا هو فادعوه مخلصين له الدين
121
الحمد لله رب العالمين (٦٥) }
122
٦١ - ﴿لِتَسْكُنُواْ فِيهِ﴾ عن عمل النهار، أو لتكفوا عن طلب الرزق أو لتحاسبوا فيه أنفسكم على ما عملتموه بالنهار ﴿مُبْصِراً﴾ لقدرة الله في خلقه، أو لطلب الأرزاق.
٦٣ - ﴿يُؤْفَكُ﴾ يصرف، أو يكذب بالتوحيد، أو يعدل عن الحق، أو يقلب عن الدين.
﴿قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين (٦٦) هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمىً ولعلكم تعقلون (٦٧) هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون (٦٨) ألم تر إلى الذين يجادلون في ءايات الله أنى يصرفون (٦٩) الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون (٧٠) إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون (٧١) في الحميم ثم في النار يسجرون﴾ ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون (٧٣) من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً كذلك يضل الله الكافرين (٧٤) ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون (٧٥) ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين (٧٦) }
٧٥ - ﴿تفرحون﴾ الفرح: السرور والمرح: البطر، سروا بالإمهال وبطروا بالنعم، أو الفرح: السرور والمرح: العدوان.
122
﴿فاصبر إن وعد الله حق فإما نرينك بعض الذين نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون (٧٧) ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضيَ بالحق وخسرَ هنالك المبطلون (٧٨) الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون (٧٩) ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون (٨٠) ويريكم ءاياته فأي ءاياتِ الله تنكرون (٨١) أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وأشد قوة وءاثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون (٨٢) فلما جاءتهم رسلهم بالبيناتِ فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (٨٣) فلما رأوا بأسنا قالوا ءامنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين (٨٤) فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون (٨٥) ﴾
123
٨٣ - ﴿بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ﴾ قالوا نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب، أو كان عندهم أنه علم وهو جهل، أو فرحت الرسل بما عندها من العلم بنجاتها وهلاك أعدائها، أو رضوا بعلمهم واستهزءوا برسلهم. ﴿وَحَاقَ بهم﴾ أحاط وعاد عليهم.
123
سورة السجدة
مكية اتفاقاً

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿حم (١) تنزيلٌ من الرحمن الرحيم (٢) كتابٌ فصلتْ ءاياته قرآناً عربياً لقوم يعلمون (٣) بشيراً ونذيراً فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (٤) وقالوا قلوبنا في أكنةٍ مما تدعونا إليه وفي ءاذننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ فاعمل إننا عاملون (٥) ﴾
124
Icon