تفسير سورة محمد

القطان
تفسير سورة سورة محمد من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

صدوا عن سبيل الله: صرفوا الناس عن الاسلام. أضلّ اعمالهم: أبطلها. اصلح بالَهم: أصلح حالهم، والبال معناه القلب والخاطر. والبال: الامل، ويقال: فلان رضيّ البال وتاعم البال: موفور العيش هادئ النفس. فضرب الرقاب: فاضربوا رقابهم ضرباً واقتلوهم. أثخنتموهم: اكثرتم فيهم القتل. فشدّوا الوثاق: فأسِروهم واربطوهم. الوثاق بفتح الواو وكسرها ما يوثق به. فإما منّاً بعدُ واما فداء: فاما ان تطلقوا سراحهم بدون فداء، واما ان يفدوا أنفسهم بشيء من المال. حتى تضع الحرب أوزارها: حتى تنتهي الحرب، الأوزار: اثقال الحرب من سلاح وغيره.
قسم الله الناس فريقين: أهلَ الكفر الذين صدّوا الناسَ عن دين الله، وبيّن ان هؤلاء قد أبطلَ اعمالهم، وأهل الايمان الذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات، وقد محا عنهم سيئاتهم، وأصلح حالهم في الدين والدنيا.
ثم علل ذلك بان اعمال الفريقين جرت على ما سنَّه الله في الخليقة، بأن الحق منصور، والباطل مخذول، ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾، وهكذا شأن القرآن يوضح الأمور التي فيها عظة وذكرى بضرب الامثال للناس ليعتبروا.
ثم بعد ذلك ذكر الله تعالى هنا وجوبَ القتال وأذِن به بعد ان استقر المؤمنون في المدينة، وبدأوا في تأسيس الدولة الاسلامية. وتبين هذه الآياتُ مشروعيةَ القتال للدفاع عن العقيدة والوطن. فإذا لقيتم الذين كفروا في الحرب فاضرِبوا رقابَهم، حتى إذا أضعفتموهم بكثرة القتل فيهم فأحكِموا قيد الأسرى، وبعد ذلك لكم الخيار: إما ان تُطلقوا الأسرى او بعضَهم بغير فداء وتمنُّوا عليهم بذلك، وإما ان تأخذوا منهم الفدية، او تبادلوا بهم بالمسلمين ممن يقع في الأسر. وليكن هذا شأنكم مع الكافرين حتى تنتهي الحرب وتضع أوزارها.
ثم بين الله تعالى ان هذه هي السنّة التي أرادها من حرب المشركين، ولو شاء لانتقم منهم بلا حرب ولا قتال، ولكنه ليختبر المؤمنين بالكافرين شرع الجهاد.
واما الشهداء الذين يُقتلون في سبيل الله فلن يُبطل أعمالهم، بل ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الجنة عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ وفيها كل ما لذ وطاب، وهم يعرفون منازلهم فيها كما يعرفون منازلهم في الدنيا.
قراءات:
قرأ أهل البصرة وحفص: والذين قُتلوا. بضم القاف وكسر التاء. والباقون والذين قاتلوا.
ان تنصروا الله تنصروا دينه. يثبِّت أقدامكم: ينصركم ويوفقكم. تعساً لهم: هلاكاً لهم. أحبطَ اعمالهم: أبطلها. دمر عليهم: أهلكهم، يقال دمر القوم ودمر عليهم: أهلكهم. وللكافرين امثالُها: للكافرين امثالُ عاقبة الذين دمرهم الله. نولى الذين آمنوا: ناصرهم. وأن الكافرين لا مولى لهم: لا ناصر لهم. والنار مثوى لهم: مقرٌّ لهم. من قريتك: من مكة.
يا ايها الذين آمنوا إن تنصروا الله (وذلك بنصرِ شريعته، والقيام بحقوق الاسلام، والسيرِ على منهاجه القويم) ينصركم الله على عدوّكم. وهذا وعدٌ صادق من الله تعالى، وقد انجزه للمؤمنين الصادقين من اسلافنا. فنحن مطالَبون الآن بنصر دين الله والسير على منهاجه حتى ينصرنا الله ويثبّت أقدامنا، واللهُ لا يخلف الميعاد.
اما الذين كفروا بالله فتعساً لهم وهلاكا، واللهُ تعالى قد أبطلَ اعمالهم، وجعلها على غير هدى لأنها عُملت للشيطان. فلقد كرهوا ما انزل الله من القرآن وكذّبوا به وقالوا عنه انه سحر مبين، ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾، وهكذا بات عملهم كلّه هباءً وذهبوا الى النار.
بعد ذلك يوجه الله الناسَ الى النظر في احوال الأمم السابقة ورؤية آثارهم، لأن المشاهَدة للأمور المحسوسة تؤثر في النفوس، فيقول لهم: افلم تسيروا في الأرض فتنظروا ديار الأمم السابقة التي كذّبت الرسل! اتّعظوا بذلك، واحذروا ان نفعل بكم كما فعلنا بمن قبلكم، ممن اوقعنا بهم الهلاك ودمرنا ديارهم. ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ ان كل من يكفر بالله ينتظره مثل ذلك العذاب. والله وليُّ من آمن به واطاع رسوله، وليس للكافرين من ناصر على الاطلاق.
وبعد ان بيّن حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بيّن هنا نصيب المؤمنين، ونصيب الكافرين في الآخرة، وشتان بين الحالين وبين النصيبين. فالمؤمنون يدخلون جناتٍ عظيمة تجري من تحتها الأنهار إكراماً لهم على إيمانهم بالله ونصرهم لدينه وشريعته. والكافرون يتمتعون في الدنيا قليلا، ويأكلون كما تأكل الحيوانات، غافلين عما ينتظرهم من عذاب أليم، ﴿والنار مَثْوًى لَّهُمْ﴾ فهي مأواهم الذي يستقرون فيه.
﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ...﴾
وهنا يسلّي الله تعالى رسوله الكريم فيخبره ان كثيراً من أهل القرى السابقين كانوا اشدَّ بأساً وقوة من مكة التي أخرجك اهلُها، ومع ذلك فقد أهلكهم الله بأنواع العذاب فلم ينصُرهم احد، ولم يمنعهم احد.
ثم يبين الله الفرق بين المؤمنين المصدّقين، والكافرين الجاحدين، والسببَ في كون المؤمنين في اعلى الجنان، والكافرين في اسفل الجحيم:
﴿أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ﴾
هل يستوي الفريقان في الجزاء؟ لا يمكن، فالذين آمنوا ﴿على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ رأوا الحق وعرفوه واتبعوه. والذين كفروا زين لهم الشيطان سوء اعمالهم فرأوه حسنا فضلّوا ﴿واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ فهل يستوي الفريقان؟ لا يستويان ابدا.
مثل الجنة: صفتها. آسِن: متغير الطعم والريح، والفعل: أسَن يأسِن مثل ضرب يضرب وأسَن يأسُن مثل نصر ينصر، وأسِن يأسَن مثل علم يعلم. لذة للشاربين: لذيذ للشاربين. مصفى: قد اخذ منه الشّمع. حميماً: شديد الحرارة. آنفا: قريبا. وآتاهم تقواهم: الهمهم تقواهم، وفقهم اليها. أشراطها: علاماتها. فأنّى لهم: فكيف لهم. ذكراهم: تذكرهم. متقلَّبكم: تصرفكم في اعمالكم. مثواكم. مأواكم ومصيركم في الآخرة.
صفة الجنة التي وعد الله بها عباده المؤمنين انها: فيها انهار من ماء عذب لم يتغير طعمه، فالماء الراكد المتغيّر ضارٌّ لما فيه من الجراثيم، وأنهارٌ من لبن لم يفسد طعمه، وانهار من خمر لذيذة للشاربين، وانهار من عسلٍ صافٍ من كل كَدَر. وفيها من جميع انواع الثمرات. وفوق كل هذه النعم يأتي رضى الله عنهم ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾.
فهل صفةُ هذه الجنة وما فيها من خيرات ونعم مثل صفة الذين خُلِّدوا في النار، ﴿وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ﴾ ؟؟.
وبعد بيان حال المشركين وسوء مصيرهم، وصفَ حال المنافقين الذين كانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ لكنهم ساعة يخرجون من عنده يقولون للواعين من الصحابة: ماذا قال محمد ونحن في مجلسه؟ فإننا لم نفهم منه شيئا. وهذا كله سخرية واستهزاء.
﴿أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ﴾
فهم مشغولون بالخبث وحطام الدنيا. اما الذين اهتدوا الى طريق الحق فقد زادهم الله هدى، وألهمهم تقواهم وصلاحَهم. ثم عنّف الله اولئك المكذّبين، وأكد انهم لم يتّعظوا بأحوال السابقين، وعليهم ان يتوبوا قبل ان تأتيهم الساعة بغتة وقد بدت علاماتها بمبعث محمد ﷺ. ففي البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنهـ قال: قال رسول الله ﷺ «بُعثت انا والساعة كهاتين»، واشار بإصبعيه السبّابة والتي تليها. ولا ينفعهم شيء اذا جاءتهم الساعة كما قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنسان وأنى لَهُ الذكرى﴾ [الفجر: ٢٣].
وبعد أن بيّن أن الذِكرى لا تنفع يوم القيامة أمرَ رسولَه الكريم بالثبات على ما هو عليه من وحدانية الله واصلاح نفسه بالاستغفار من ذنبه، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات.
﴿والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾
هو العليم بتصرفكم في الدنيا، ومصيركم في الآخرة.
قراءات:
قرأ ابن كثير: أسِن بفتح الهمزة بغي رمد وكسر السين. والباقون: آسن: بمد الهمزة. وقرأ ابن كثير: أنفا بهمزة بغير مد على وزن حذر. والباقون: آنفا بمد الهمزة على وزن فاعل.
لولا نُزّلت سورة: هلاّ أنزلت سورة. محكمة: بينة، واضحة. في قلوبهم مرض: شك ونفاق. نظ رالمغشيّ عليه من الموت: كالجبان الذي يخاف من كل شيء. أولَى لهم: ويل لهم. عزم الأمرُ: جد ولزم. إن توليتم: صرتم حكاما وتوليتم امور الناء.
ان المؤمنين المخلصين يقولون: هلاّ أنزِلتْ سورةٌ تدعونا الى القتال، فإذا انزلت سورةٌ مُحكَمة تأمر به، رايتَ يا محمد الذين في قلوبهم نفاق ينظرون إليكَ بهلَع وخوفٍ كأن الموت يغشاهم، خوفا من القتال وكرها له.
﴿فأولى لَهُمْ﴾
فالموتُ أَولى لمثل هؤلاء المنافقين، أهلكهم الله.
﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾ ان طاعةً لله وكلمة طيبة لهي أمثل لهم وأحسن مما هم فيه من الهلع والجبن من لقاء العدو، فاذا جدَّ الأمرُ ولزمهم القتال - كرهوه وتخلفوا عنه خوفا وجبنا، ولو صدَقوا في ايمانهم لكان خيرا ًلهم من نفاقهم هذا.
ثم زاد في تأنيبهم وتوبيخهم بقوله:
﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض وتقطعوا أَرْحَامَكُمْ أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أَبْصَارَهُمْ﴾
أولئك المنافقون الذين طردهم الله من رحمته، فأصمَّهم عن سماع الحق، وأعمَى أبصارَهم عن رؤية طريق الهدى.
يتدبرون القرآن: يتفهمون معانيه ويتفكرون فيه. ارتدّوا على أدبارهم: رجعوا الى الكفر. سوّل لهم: زين لهم. وأملَى لهم: مدّ لهم الأماني والآمال. أضغانهم: جمع ضِغن وهو الحقد الشديد. بسِيماهم: بعلامتهم. ولتعرفنّهم في لحن القول: في اسلوبه الذي يتكلمون به ومغزاه. ولنبلونَّكم: لنختبرنكم.
افلا يتفهّمون معاني القرآن ويتفكرون فيه، ام ان قلوبهم مغلقةٌ كأن عليها الاقفال! ان الذين رجعوا الى الكفر بعد أن ظهر لهم طريق الحق والهداية، انما زين لهم الشيطانُ الكفر واغراهم بالنفاق، ومد لهم في الآمال الباطلة. ولقد جاءهم ذلك الضلال من جيرانهم اليهود من بني قريظة والنضير الذين كرهوا الاسلام والقرآن ورسالة الرسول الكريم. فهؤلاء المنافقون مالأوا اليهود فأطمعهم أولئك ببعض الامر، والله يعلم اسرار المنافقين.
هذه الحيل وذلك النفاق وان نفعت في حياتهم فلن تنفع آخر الأمر. ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ انها خاتمة سيئة، ومشهد مخيف مفزع.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَآ أَسْخَطَ الله وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾
ان هذا الهول الذي سوف يرونه عند الوفاة انما سببُه أنهم اتّبعوا الباطل الذي لا يرضى الله عنه، وكرهوا الحق الذي يرضاه، فأبطل أعمالَهم جميعها.
ثم بين الله انه يعلم خباياهم ومكرهم وخبثهم فقال:
﴿أَمْ حَسِبَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ﴾
فهل يظن هؤلاء المنافقون ان الله لن يُظه~رَ أحقادهم ويفضحهم للرسول والمؤمنين! ولو نشاء لعرّفناك يا محمد أشخاصَهم، فعرفَته بعلاماتٍ خاصة بهم.
﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول﴾
وأُقسِم أيّها الرسول لتعرفنّهم في اسلوبِ كلامهم المعوج، ﴿والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾.
وقد ثبت في الحديث الصحيح ان الرسول الكريم كان يعرفهم جميعا، وقد عرّفهم الى حذيفة بن اليمان الصحابي الجليل رضي الله عنهـ.
ولنختبرنّكم أيها المؤمنون بالجهاد وتكاليف الشريعة، حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين في البأساء والضراء، ونعرفَ الصادقَ منكم في إيمانه من الكاذب.
قال ابراهيم بن الاشعث: كان الفضيل بن عياض، شيخ الحرم واستاذ زمانه، اذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهمّ لا تبتلينا، فإنك اذا بَلَوْتنا فضحْتَنا وهتكتَ أستارنا.
قراءات:
قرأ ابو عمرو: وأُمليَ لهم، بالبناء للمجهول. وقرأ يعقوب: واملي لهم، بضم الهمزة وكسر اللام على الإخبار. والباقون: وأَملَى لهم بفتح الهمزة واللام على انه فعل ماضٍ.
قرأ حمزة والكسائي وحفص: إسرارهم بكسر الهمزة. وقرأ الباقون: أسرارهم بفتح الهمزة جمع سر. وقرأ ابو بكر: وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين.... ويبلوا اخباركم. هذه الافعال الثلاثة بالياء. والباقون: بالنون كما هو في المصحف.
شاقّوا الرسول: عادوه وخالفوه. فلا تهِنوا: فلا تضعُفوا عن القتال. وتدعوا الى السلم: تدعوا الكفار الى الصلح خوفا منهم. الأعلَون: الغالبون. لن يتركم اعمالكم: لن يُنقص اعمالكم يعني ان الله لا يظلمكم. فيُحْفِكم: فيلحّ عليكم ويجهدكم بطلبها، يقال احفاه بالمسألة: اذا لم يترك شيئا من الالحاح. أضغانكم: أحقادكم.
بعد ان بيّن الله تعالى حال المنافقين ذكَر هنا حال أساتذتهم اليهود الذين كفروا بالله وصدّوا الناس عن الاسلام بهبثهم ومكرهم، وعادَوا رسولَ الله ﷺ. وقد تبين لهم صدقُه وأنه رسولُ من عند الله، وعندهم وصفُه في التوراة.. فهؤلاء لن يضروا الله شيئا، وإنما يضرّون أنفسَهم، وسيحبط الله مكايدَهم التي نصبوها للاسلام والمسلمين.
ثم أمر الله عباده المؤمنين بطاعته وطاعةِ رسوله الكريم في كل ما يأمران به، وان لا يبطلوا أعمالَهم برفض طاعتهما فيرتدّوا، ولا يقبل الله مع الشرك اي عمل.
وعن قتادة قال في الآية: من استطاع منكم ان لا يُبطل عملاً صالحاً بعمل سوءٍ فليفعل. ثم بين الله مصير الذين كفروا وصدّوا الناسَ عن الدخول في الاسلام، ثم ماتوا وهم كفار، فلن يغفر الله لهم. وحرّض المسلمين بأن يقاتلوا الكفار بقوله:
﴿فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم وَأَنتُمُ الأعلون﴾
إياكم ان تضعفوا وتدعوا اعدائكم الى السلم فأنتم المنتصرون. والله معكم بنصره، ولن ينقصكم ثواب اعمالكم.
ثم أكد على المؤمنين بأنه لا ينبغي الحِرصُ على الدنيا فإنها ظلٌّ زائل، وما هذه الحياة الا لعب ولهو.
﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ﴾ الا القليل النزر الذي فيه اصلاح المجتمع للمعونة على القيام بالمرافق العامة. وهو عليم بأنكم أشحّة على أموالكم، فلو طلبها لبخلتم بها وظهرتْ أحقادكم على طالبيها. واللهُ قد طلب إليكم الانفاق في سبيله، فان بخلتم فضرر ذلك عائد اليكم. وهذا حاصل اليوم، فان معظم أموال البترول مكدّصة في بلاد الغرب، والمسيطرون على هذه الاموال ينفقون على ملذّاتهم الملايين، ويبخلون بالإنفاق في سبيل الله وتسليح المخلصين من العرب ليصدّوا عدونا اليهود وغيرهم من الاعداء.
﴿هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ والله الغني وَأَنتُمُ الفقرآء﴾
كأن الآيةَ نزلت في وقتنا الحاضر، وهي صريحةٌُ في شرح احوالنا.
وهنا يأتي التهديد المخيف اذ يقول تعالى:
﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم﴾
فان تعرِضوا وبتخَلوا باموالكم ولا تنفقوا في سبيل الله، فان الله غنيٌّ عنكم يستبدلُ مكانكم قوماً غيركم، فيكونوا خيراً منكم، يقيمون دينه، ويبذلون أموالَهم في سبيلِ الله بسَخاء، وينصرون هذا الدينَ العظيم. اللهم ألهمنا الصوابَ في القول والعمل.
Icon