ﰡ
قوله: (يجزون بها في الدنيا) أي بأن يوسع لهم في المال، ويزاد لهم في الولد والعافية، وغير ذلك، حيث لم يقصدوا بها فخراً ولا رياء.
قوله: (ما ذكر) أي من القتل والأسر وما بعدهما. قوله: (بغير قتال) أي كالخسف. قوله: ﴿ لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ أي ليظهر لعباده حال الصادق في الإيمان من غيره، قال تعالى:﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ ٱلْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَٱلصَّابِرِينَ ﴾[محمد: ٣١].
قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ ﴾ مبتدأ، وقوله: ﴿ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ خبره. قوله: (وفي قراءة قاتلوا) أي وهي سبعية أيضاً مفسرة للقراءات الأولى، وحينئذ فليس المراد قتلوا بالفعل، بل المراد قاتلوا قتلوا أو لا. قوله: (وقد فشا) الخ، الجملة حالية، وقوله: (القتل) ورد أنهم سبعون، وقوله: (والجراحات) أي الكثير، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهذا الوعد الحسن، لكل من قاتل في سبيل الله، لنصر دينه إلى يوم القيامة، قتل أو جرح أو سلم. قوله: ﴿ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ ﴾ أي سواء نشأت منهم أو تسببوا فيها. قوله: (إلى ما ينفعهم) أي فالذي ينفعهم في الدنيا، العمل الصالح والإخلاص فيه، والذي ينفعهم في الآخرة، الجنة وما فيها، وحينئذ فلا يقع منهم ما يخالف أمر الله، لحفظ الله إياهم من المخالفات، ومنه حديث:" اطلع الله على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم "وليس فيه توهم إباحة المعاصي لأهل بدر، بل المعنى: كما أفنيتم نفوسكم في محبتي، وخرجتم عن شهواتكم في رضاي، جازيتكم بالحفظ مما يوجب سخطى، فاشتريت نفوسكم، فصارت لي راضية مرضية، قال تعالى:﴿ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ﴾[التوبة: ١١١] الآيات، ولهذا أشار العارف ابن وفار بقوله: وبعد الفنا في الله كن كيفما تشا فعلمك لا جهل وفعلك لا وزرقوله: (وما في الدنيا) أي من الهداية وإصلاح الحال، وقوله: (إن لم يقتل) جواب عما يقال: كيف قال سيهديهم ويصلح بالهم، يعني في الدنيا، مع أن الفرض أنهم قتلوا بالفعل؟ وأجيب: بأن ذلك يحصل في الدنيا إن لم يقتل، وعبر بالذين قتلا تغليباً لهم، أو لأنهم قتلوا حكماً بالنية. وأجيب أيضاً: بأن المراد بالذين قتلوا، الذين وقع منهم القتال، أعم من أن يقتلوا بالفعل أو لا، بدليل القراءة الأخرى. قوله: (فيهتدون إلى مساكنهم) الخ أي إذا دخلوها يتفرقون إلى منازلهم، فهم أعرف لها من أهل الجمعة، إذا انصرفوا إلى منازلهم ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام:" يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، حتى إذا هذبوا ونقوا، أذن لهم في دخول الجنة، فوالذي نفس محمد بيده، لأحدهم أهدى بمنزلة في الجنة، من منزله الذي كان في الدنيا "وما ورد: إن العبد المؤمن، لا يخرج من الدنيا، حتى يشاهد مسكنه في الجنة، وما أعده الله له من النعيم، ويفتح له طاقة في قبره، يشاهد ذلك ما دام في البرزخ، وأن أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر في الجنة، وأرواح الأنبياء في قناديل من ذهب معلقة في العرش، تسرح وتأوي إليها. وقيل: معنى عرفها لهم، طيبها من العرف، وهو طيب الرائحة. قوله: (يثبتكم) أشار بذلك إلى أن المراد بالأقدام الذوات بتمامها، وعبر عنها بالأقدام، لأن الثبات والتزلزل يظهران فيها. قوله: (خبرت تعسوا) الخ، أشار بذلك إلى أن الفاء في قوله: ﴿ فَتَعْساً ﴾ داخلة على محذوف هو الخبر، و ﴿ تَعْساً ﴾ مفعول مطلق لذلك المحذوف، وحينئذ فالمناسب للمفسر أن يقدر الخبر بعد الفاء. قوله: (أي هلاكاً وخيبة لهم) هذان قولان من عشرة أقوال في معنى التعس، وقيل خزياً لهم، وقيل شقاء لهم، وقيل شتماً لهم من الله، وقيل قبحاً لهم، وقيل رغماً لهم، وقيل شراً لهم، وقيل شقوة لهم، وقيل التعس الانحطاط والعثار، وكلها معان متقاربة، وهو في الأصل أن يخر لوجهه، والنكس أن لا يستقل بعد سقطته، حتى يسقط هو ثانية، وهو أشد من الأولى، وضده الانتعاش، وهو قيام من سقط. قوله: ﴿ ذَلِكَ ﴾ مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده، ويصح أن يكون اسم الإشارة خبر مبتدأ محذوف، أي الأمر ذلك. قوله: (المشتمل على التكاليف) أي فهذا وجه كراهتهم له، وذلك لأن في التكاليف ترك الملاذ والشهوات، والنفوس الخبيثة تكره ذلك، وتحب إرخاء العنان لها في الشهوات، فمن تبع نفسه من كل وجه كفر، فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه، حتى تصير معتادة ما يرضاه الله تعالى، ففي الحديث:" لا يكمل إيمان أحدكم، حتى يكون هواه تابعاً لما جئت به "فالأصل في النفوس الخسة، لا تجر لصاحبها خيراً، ولا تسعى إلا فيما يغضب الله، فإذا شمر الإنسان عن ساعد الجد والاجتهاد، وخالف هوى نفسه، سكن وهجها واضمحلت شهوتها، فإذا دام ذلك، حسن حالها، وصارت جميلة الأخلاق مطمئنة بخالقها، نسأل الله أن يملكنا نفوسنا، ولا يسلطها علينا.
﴿ كَأَيِّن ﴾ مركبة من الكاف، وأين بمعنى كم الخبرية، وهي في محل رفع مبتدأ، و ﴿ مِّن قَرْيَةٍ ﴾ تمييز لها، وقوله: ﴿ هِيَ أَشَدُّ ﴾ صفة لقرية، وقوله: ﴿ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ ﴾ صفة لـ ﴿ قَرْيَتِكَ ﴾ وقوله: ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ خبر المبتدأ، وسبب نزول هذه الآية، أنه لما خرج صلى الله عليه وسلم من مكة إلى الغارـ التفت إلى مكة وقال:" أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأحب بلاد الله إليّ، ولو أن المشركين لم يخرجوني، لم أخرج منك "فنزلت هذه الآية تسلية له صلى الله عليه وسلم، والمعنى لا تحزن على خروجك من بلدك، فإن الله يعزك ويذلهم، فليس خروجك من مكة، إلا كخروج آدم من الجنة، من حيث أنه حصل له العز العظيم، وحصل لإبليس الذي تسبب في إخراجه الخزي العظيم. قوله: (أريد أهلها) أي فهو مجاز في الظرف، حيث أطلق المحل، وأريد الحال فيه، لا مجاز بالحذف. قوله: ﴿ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَتْكَ ﴾ هذا الوصف للاحتراز عن قريته التي تكون وطنه فيما يستقبل وهي المدينة. قوله: ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾ أي فكذلك نفعل بأهل قريتك، فاصبر كما صبر رسل أهل تلك القرى. قوله: ﴿ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ ﴾ تفريع على قوله: ﴿ أَهْلَكْنَاهُمْ ﴾.
قوله: ﴿ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ ﴾ الخ، شروع في بيان أحوال المؤمنين والكافرين، والهمزة داخلة على محذوف، والفاء عاطفة عليه، والتقدير: أليس الأمر كما ذكر فمن كان على بينة، الخ، والتعبير بعلى إشارى إلى تمكنهم من الحجج والبراهين، تمكن المستعلي من المستعلى عليه. قوله: ﴿ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ ﴾ فيه مراعاة معنى من، كما روعي لفظها فيما سبق.
قوله: ﴿ ٱلْجَنَّةِ ﴾ (أي صفة) أشار بذلك إلى أن المراد بالمثل الصفة، فكأنه قال: وصف الجنة كذا وكذا، فليس في الكلام مشبه ومشبه به. قوله: ﴿ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾ المراد من لم يحكم الشرع بكفره، فيشمل عصاة المؤمنين، وأهل الفترة، وأولاد الكفار، الذين ماتوا قبل البلوغ. قوله: (المشتركة بين داخليها) أي فهو بيان لمطلق نعيم الجنة، المشترك بين أعلى أهل الجنة وأدناهم، وأما تفصيل ما لكل فريق، فسيأتي في سورة الواقعة. قوله: (خبره) ﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ ﴾ الخ، فيه أن الخبر جملة حالية من رابط يعود على المبتدأ. وأجيب: بأن الخبر عين المبتدأ في المعنى، وحينئذ فلا يحتاج لرابط، وهذا أسهل الأعاريب، وقيل: إن ﴿ مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ﴾ مبتدأ، خبره ﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ ﴾ وفي الكلام حذف مضاف وهمزة الإنكار، والتقدير: أمثل أهل الجنة، كمن هو خالد في النار، وقوله: ﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ ﴾ إما حال من ﴿ ٱلْجَنَّةِ ﴾، أو خبر لمبتدأ محذوف، أي هي ﴿ فِيهَآ أَنْهَارٌ ﴾ وقيل غير ذلك. قوله: ﴿ غَيْرِ ءَاسِنٍ ﴾ (بالمد والقصر) أي وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (كضارب) أي ففعله أسن يأسن، كضرب يضرب، وقوله: (وحذر) أي ففعله أسن يأسن، كحذر يحذر. قوله: ﴿ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ ﴾ أي فلا يعود حامضاً، ولا مكروه الطعم. قوله: ﴿ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ أي ليس فيه حموضة ولا مرارة، ولم تدنسها الأرجل بالدوس، ولا الأيدي بالعصر، وليس في شربها ذاهب عقل، بل هي لمجرد الالتذاذ. إن قلت: لم لم يقل في جانب اللبن لم يتغير طعمه للطاعمين، وفي العسل مصفى للناظرين؟ أجيب: بأن اللذة تختلف باختلاف الأشخاص، فرب طعام يلتذ به شخص ويعافه الآخر، فلذا قال ﴿ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ بأسرهم، ولأن الخمر كريهة الطعم في الدنيا فقال ﴿ لَّذَّةٍ ﴾ أي ليس في خمر الآخرة كراهة طعم، وأما الطعم واللون فلا يختلفان باختلاف الناس، فلم يكن للتصريح بالتعميم مزيد فائدة. قوله: (لذيذة) أشار بذلك لدفع ما قيل إن ﴿ لَّذَّةٍ ﴾ مصدر بمعنى الالتذاذ، فلا يصح وصف الخمر به، لكونها اسم عين. فأجاب المفسر بأنها تؤول بالمشتق على حد: زيد عدل. قوله: ﴿ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى ﴾ يجوز في العسل التذكير والتأنيث، والقرآن جاء على التذكير قوله: (يخالطه الشمع وغيره) أي كفضلات النحل. قوله: ﴿ وَلَهُمْ ﴾ خبر مقدم، وقوله: ﴿ فِيهَا ﴾ متعلق بما تعلق به الخبر، والمبتدأ محذوف قدره بقوله: (أصناف) وقوله: ﴿ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ ﴾ نعت للمبتدأ المحذوف، والمعنى: لهم في الجنة أنواع متعددة من كل الثمرات، فالتفاح أنواع، والرمان أنواع، وهكذا. قوله: (فهو راض عنهم) الخ، دفع بذلك ما يقال: إن المغفرة تكون قبل دخول الجنة، والآية تقتضي أنها فيها. فأجاب المفسر: بأن المراد بالمغفرة الرضا، وهو يكون في الجنة، وإيضاحه أنه يرفع عنهم التكاليف فيما يأكلونه ويشربونه، بخلاف الدنيا، فإن مأكولها ومشروبها يترتب عليه الحساب والعقاب؛ ونعيم الجنة لا حساب عليه، ولا عقاب فيه. قوله: (خبر مبتدأ مقدر) أي أن قوله: ﴿ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ ﴾ خبر لمحذوف، والاستفهام للإنكار، أي لا يستوي من هو في هذا النعيم المقيم، بمن هو خالد في النار. قوله: ﴿ وَسُقُواْ ﴾ معطوف على ﴿ خَالِدٌ ﴾ عطف صلة فعلية على صلة اسمية. قوله: (في خطبة الجمعة) أي فهذه الآيات مدنيات، وحينئذ فتكون مستثنيات من القول بأن السورة مكية. قوله: (وهم المنافقون) تفسير لمن. قوله: (استهزاء) علة لقالوا، فالاستفهام انكاري، والمعنى: لم يقل شيئاً يعتد به، فلا عبرة بقوله. قوله: ﴿ آنِفاً ﴾ حال، والمعنى: ماذا قال مؤتنفاً؟ أي مبتدئاً ومخترعاً. قوله: (بالمد والقصر) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي الساعة) أي فآنفاً ظرف حالي بمعنى الآن، وهو أحد استعمالين فيه، والثاني اسم فاعل بمعنى مؤتنفاً كما تقدم. قوله: (أي لا يرجع إليه) أي إلى قوله الذي قال آنفاً، أي لا نعمل به. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ مبتدأ، وقوله: ﴿ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ ﴾ الخ، خبره. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ ﴾ الخ، لما بين الله حال المنافقين، وأنهم لا ينتفعون بما يسمعون بين حال المؤمنين، وأنهم ينتفعون بما يسمعون. قوله: (ألهمهم ما يتقون به النار) أي خلق فيهم التقوى والخاصة، وهي ترك متابعة الهوى، والتنزه عما سوى الله تعالى؛ وصرف القلب إلى ما يرضي الله.
﴿ وَمَثْوَاكُمْ ﴾ مصيركم في الآخرة إلى الجنة والنار. قوله: (والخطاب للمؤمنين وغيرهم) أي ولكن خطاب المؤمنين، ارشاد لهم إلى مقام المراقبة لله تعالى، وهي أن يشاهد الإنسان، أن الله مطلع عليه في كل لمحة وطرفة وحركة وسكون، وهذا سر، وهو معكم أينما كنتم، وهو مطلب العارفين، وكنز الراسخين، قال العارف ابن الفارض: أنلنا مع الأحباب رؤيتك التي إليها قلوب الأولياء تسارعوقال العارف الدسوقي: قد كان في القلب أهواء مفرقة فاستجمعت مذ رأتك العين أهوائيتركت للناس دنياهم ودينهم شغلاً بحبك يا ديني ودنيائيوفيه فليتنافس المتنافسون، وخطاب غيرهم تخويف وتحذير. قوله: ﴿ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ الخ، أي حين اشتد كرب المسلمين من أذى المشركين، تمنوا الأمر بالجهاد، ووافقهم في الظاهر على هذا التمني المنافقون، فهذه الآيات من هنا إلى آخر السورة مدنيات قطعاً، ولو على القول بأن السورة مكية، لأن القتال لم يشرع إلا بها، وكذا النفاق لم يظهر إلا بها. قوله: (أي طلبه) أي ذكر فيها الأمر به والحث عليه. قوله: (أي شك) وقيل ضعف في الدين. قوله: ﴿ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ ﴾ أي نظراً مثل نظر المغشي عليه، والمعنى: تشخص أبصارهم كالشخص الذي حضره الموت. قوله: (خوفاً منه) أي الموت. قوله: ﴿ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ ﴾ أي الحق والواجب لهم، أي عليهم الطاعة الخ، هذا ما مشى عليه المفسر، وهو أوضح ما قيل في هذا المقام. قوله: (أي حسن) تفسير لمعروف، وقوله: (لك) متعلق لكل من ﴿ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ ﴾ والمعنى: الواجب عليهم أن يطيعوك ويخاطبوك بالقول الحسن. قوله: (وجملة لو) أي مع جوابها. قوله: (بكسر السين وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (وفيه التفات) أي لتأكيد التوبيخ. قوله: (أي لعلكم) الخ، تفسير لعسى، ولم يذكر تفسير الاستفهام وهو التقرير، والمعنى: قروا بأنه يتوقع منكم إن توليتم الخ، والتوقع في الآية جار على لسان من يشاهد حصرهم على الدنيا وتفريطهم في الدين، لا الله لأنه هو الخالق لهم، العالم بأحوالهم. قوله: (أعضرتم عن الإيمان) تفسير للتولي، وقيل: معناه تأمرتم وتوليتم أمر الأمة.
قوله: ﴿ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ﴾ أي فلا يهتدون إلى سبيل الرشاد. قوله: ﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ أي يتفكرون في معانيه فيهتدون؛ وهذه الآية لتقرير ما قبلها كأنه قال: أولئك الذين لعنهم الله، أي أبعدهم عنه، فجعلهم لا يسمعون النصيحة، ولا يبصرون طريقة الإسلام، فتسبب عن ذلك كونهم لا يتدبرون القرآن. قوله: ﴿ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ ﴾ الخ ﴿ أَمْ ﴾ منقطعة بمعنى بل، وهو انتقال من توبيخهم على عدم التدبر إلى توبيخهم، بكون قلوبهم مقفلة، لا تقبل التدبر والتفكر. قوله: (لهم) صفة لقلوب. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱرْتَدُّواْ عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ ﴾ أي رجعوا إلى ما كانوا عليه من الكفر، وهم المنافقون الموصوفون بما تقدم، دل عليه قوله: (بالنفاق) وقيل هم اليهود، وقيل أهل الكتابين، داموا على الكفر به عليه السلام، بعد ما واجدوا نعته في كتابهم. قوله: ﴿ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْهُدَى ﴾ أي الطريق القويم بالأدلة والحجج الظاهرة. قوله: (بضم أوله) أي وكسر ثالثه وفتح الياء، والجار والمجرور نائب الفاعل، وقوله: (وبفتحه واللام) أي مبنياً للفاعل، والفاعل ضمير يعود على ﴿ #١٦٤٩; لشَّيْطَانُ ﴾ وهما قراءتان سبعيتان. قوله: (والمملي الشيطان) الخ، جواب عن سؤال مقدر تقديره الإملاء، معناه الإهمال. وهو لا يكون إلا من الله، لأنه الفاعل المختار، فكيف ينسب للشيطان؟ فأجاب: بأن المملي حقيقة الله، وأسند للشيطان باعتبار أنه جار على يديه، لأنه يوسوس لهم سعة الأجل. قوله: (أي للمشركين) أي والقائل هم اليهود أو المنافقون، كما حكى الله عنهم ذلك في سورة الحشر بقوله:﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ نَافَقُواْ ﴾[الحشر: ١١] الآيات.
قوله: (في أصحاب القليب) هو بئر في بدر، ألقيت فيه القتلى من الكفار، لكن حكمها عام في كل كافر مات على كفره. قوله: ﴿ فَلاَ تَهِنُواْ ﴾ الفاء فصيحة وقعت في جواب شرط مقدر، أي إذا تبين لكم بالأدلة القطعية عن الإسلام، وذل الكفر في الدنيا والآخرة ﴿ فَلاَ تَهِنُواْ ﴾.
قوله: (بفتح السين وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان، وهذه الآية قيل ناسخة لآية﴿ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا ﴾[الأنفال: ٦١] لأن الله منع من الميل إلى الصلح، إذ لم يكن بالمسلمين حاجة إيه، وقيل إنهما في وقتين مختلفين فيجوز الصلح عند الضرورة والاحتياج إليه، ولا يجوز عند القدرة والاستعداد، فهذه الآية مخصصة للآية المتقدمة. قوله: ﴿ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ ﴾ الجملة حالية، وكذا قوله: ﴿ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ ﴾.
قوله: (لام الفعل) أي وأصله الأعلوون بواوين، الأولى لام الفعل، والثانية واو الجمع، تحركت الواو الأولى وانفتح ما قبلها، قلبت ألفاً فالتقى ساكنان فحذفت الألف. قوله: (بالعون والنصر) أي فالمراد معية معنوية. قوله: (ينقصكم) أي أو يفردكم عنها، لأن الترة تطلق بالمعنيين، يقال: وتره حقه بتره وتراً نقصه، وأوتر أرضه بمعنى أفرده. قوله: ﴿ إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ﴾ اللعب ما يشغل الإنسان، وليس فيه منفعة الحال ولا في المآل، واللهو ما يشغل الإنسان عن مهمات نفسه. قوله: ﴿ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ ﴾ أي لا يأمركم بإخراج جميع أموالكم في الزكاة، بل يأمركم بإخراج بعضها. قوله: ﴿ فَيُحْفِكُمْ ﴾ عطف على الشرط و ﴿ تَبْخَلُواْ ﴾ جوابه. قوله: (يبالغ في طلبها) أي حتى يستأصلها. قوله: ﴿ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ ﴾ (لدين الإسلام) أي أحقادكم وبغضكم لدين الإسلام، وذلك لأن الإنسان جبل على محبة الأموال، ومن نوزع في حبيبه ظهرت سرائره، فمن رحمته على عباده، عدم التشديد عليهم في التكاليف.