تفسير سورة الرحمن

القطان
تفسير سورة سورة الرحمن من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

الرحمن: اسمٌ من اسماء الله الحسنى لا يجوز أن يسمّى به غيره. البيان: تعبير الانسان عما في نفسه. بحسبان: بحساب دقيق منتظم. النَّجم: النباتُ الذي لا ساق له. الشجر: كل ما له ساق كالنخل وغيره. يسجدان: يخضعان لله تعالى. والسماءَ رفعها: خلقها مرفوعة. ووضع الميزان: شرع العدل. وأقيموا الوزن بالقسط: قوّموا وزنكم بالعدل. ولا تخسِروا الميزان: ولا تنقصوا الميزان. الأنام: الخلق. ذات الأكمام: واحدها كم بكسر الكاف، وهي وعاء طَلْع النخل، وبرعوم الثمرة. العصف: ورقُ النبات الذي على السنبلة. الرَّيحان: كل مشموم طيب الرائحة من النبات. الآلاء: النعم واحدها إِلىً بفتح الهمزة وكسرها، وألْيٌ، وأَلْوٌ.
يبين الله تعالى في هذه الآياتِ أنه علّم القرآن وأحكام الشرائع لهداية الخلق، وإتمام سعادتِهم في معاشِهم ومَعادهم. وخلَقَ الانسانَ على أحسنِ تقويم، وكمّله بالعقل وجمّله بالنطق ﴿عَلَّمَهُ البيان﴾ كي يُبينَ عما في نفسه. وتلك ميزةٌ له عن سائر الحيوان.
وسخّر الشمسَ والقمرَ يجريان بحسابٍ دقيق وتقديرٍ منتظم وقوانين ثابتة. والنباتُ الذي لا ساقَ له، والشجرُ بجميع انواعه - مسخَّرة خاضعة لارادة الله في كل ما يريد. كما خلَق السماءَ مرفوعة، ووضعَ العدلَ حتى لا يظلم بعضكم بعضا. وأقيموا الوزن بالعدل في كل معاملاتكم، ولا تنقصوا الميزان.
ولقد أوجد الله في الأرض لكم أنواعاً كثيرة من الفواكه، فيها النخْل ذاتُ الأكمام، وفيها الحبُّ ذو القشر، جعله رزقاً لكم ولأنعامكم. وفيها كل نبتٍ طيب الرائحة. وقد خص النخلَ بالذِكر لأن ثمره فاكهة وغذاء.
﴿فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾
الخطاب للانس والجن وقد جاء بعد ذِكر كثير من النعم، فبعد كل هذه النعم فبأي نعمة من ربكما تجحدان وتكذّبان؟؟.
قراءات: قرأ ابن عامر: والحبَّ ذا العصف والريحانَ بفتح الحب والريحان. وقرأ حمزة والكسائي والريحانِ بالجر. والباقون: والحبّ ذو العصف والريحان بالرفع.
الصلصال: الطين اليابس الذي له صوت اذا نُقر. والفَخّار: الطين المطبوخ المصنّع. المارج: الشعلة الساطعة ذات اللهب الشديد التى لا دخان فيها. رب المشرقَين ورب المغربين: الشمس تشرق كل يوم من مكان، وتغرب في مكان، ولذلك ورد ايضا ﴿وَرَبُّ المشارق﴾ [الصافات: ٥] في سورة الصافات. مرجَ البحرين: أرسلهما واجراهما. يلتقيان: يتجاوران. برزخ: حاجز. لا يبغيان: لا يطغى احدهما على الآخر فيمتزجان. اللؤلؤ: هو الدر المعروف المخلوق في الأصداف. المرجان: نوع احمر من حيوان البحر ايضا يُتخذ حلياً. الجواري: السفن الكبيرة. المنشآت: المصنوعات. كالأعلام: كالجبال، والعلَم هو الجبل العالي.
بعد ان منّ الله على الخلق بما هيأ لهم من نعمٍ لا تحصى في هذا الكون، ينتقل هنا الى الامتنان عليهم بنعمه في ذواتِ أنفسهم، وفي خاصةِ وجودهم وإنشائهم.
خلَقَ جنسَ الانسان من طينٍ يابس غير مطبوخ، وخلق الجانَّ من لهيبٍ مشتعل من نار، وهو ربُّ مشرِقَي الشمسِ في الصيف والشتاء، ورب مغربَيها اللذين يترتب عليهما تقلُّبُ الفصول الأربعة وتقلب الهوا ءوتنوعه، وما يلي ذلك من الأمطار والشجر والنبات والأنهار الجارية.
ثم ذكر نعمه تعالى على عبادِه في البحر وما فيه من فوائدَ وخيرات فقال:
﴿مَرَجَ البحرين يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ﴾
أرسل البحرَ المالحَ والبحرَ العذب متجاورَين متلاقيين لا يبغي أحدُهما على الآخر، فقد حجَز بينهما ربُّهما بحاجزٍ من قدرته.. فبأيّ هذه المنافع تكذّبان ايها الثّقلان!!.
ومن البحر المالح والعذب يخرجُ اللؤلؤ والمرجان، يتّخذ الناس منهما حِليةً يلبسونها. وفيهما تجري السفن الكبار المصنوعات بأيديكم كالجبال الشاهقة، حاملةً ما ينفع الناس ويقضي مصالحهم.
وبعد ذكر هذه النِعم التي أوجدها في البر والبحر - بيّن ان هذا كله فانٍ لا يدوم، وانه لا يبقى الا الله تعالى، وكل من في الوجود مفتقِر إليه، وهو الحي الباقي في شئونه يُحيي ويميت، ويرزقُ ويعزّ ويذلّ، ويعطي ويمنع.
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام﴾
فجميعُ أهل الأرض يذهبون ويموتون، وكذلك أهلُ السموات، ولا يبقى سوى الله، فَهو ذو الجلال وحده. ولا يقال ذو الجلال الا في النسبة الى الله. ثم قال والاكرام لأن الله تعالى كريمٌ يكرم الانسان وينظر اليه بعين العطف والعناية، والكريم لا يُخاف بل يُحَبُّ ويطاع.
وكل من في السموات والارض مفتقِر إليه تعالى، محتاجٌ الى رحمته ونواله ولذلك يقول:
﴿يَسْأَلُهُ مَن فِي السماوات والأرض كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾.
فهو يحيي ويميت، ويعزّ ويذلّ، ويعطي ويمنع، ويغفر ويعاقب. قال عبد الله بن حنيف: تلا علينا رسول الله صلى الله عليه سولم هذه الآية فقلنا: يا رسول الله، وما ذلك الشأن؟ قال: ان يغفر ذنبا، ويفرّج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين.
قراءات
قرأ الجمهور: يخرُج بفتح الياء وضم الراء. وقرأ نافع وابو عمرو ويعقوب: يُخرَج بضم الياؤ وفتح الراء على البناء للمجهول. وقرأ الجمهور: المنشَئات بفتح الشين. وقرأ حمزة وابو بكر: المنشِئات بكسر الشين.
سنفرُغ لكم: هو مجرد تهديد لأن الله تعالى لا يشغله شيء، والمعنى سنحاسبكم. ايها الثقلان: الانس والجن. أن تنفذوا: تخرجوا. أقطار السموات والأرض: جوانبهما. بسلطان: بقوة وقهر. الشواظ: لهب خالص بلا دخان. النحاس: الدخان لا لهب فيه. وهذا من بعض معانيه. وردة: لونها كحمرة الورد. كالدهان: وهو ما يدهن به. السيما: العلامة. النواصي: واحدها ناصية وهي مقدم الرأس، والأقدام معروفة، يعني يُجرّون من نواصيهم واقدامهم. الحميم: الماء الحار. آن: متناهٍ في الحرارة.
سنحاسِبُكم أيها الانسُ والجنّ يومَ القيامة، وهذا وعيدٌ شديد من الله لعباده، فان الله تعالى لا يَشغَله شيء. ثم بين الله انه لا مهربَ في ذلك اليوم من الحساب والجزاء، كل واحد يحاسَب على عمله فقال:
﴿يامعشر الجن والإنس إِنِ استطعتم أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ السماوات والأرض فانفذوا﴾
ان استطعتم ان تخرجوا من جوانب السموات والارض هارِبين فافعلوا... والحقيقةُ أنكم لا تستطيعون ذلك، إلا ان تَفِرّوا الى اللهِ بالتوبة الخالصة. ﴿لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ﴾ وأعظمُ سلطان يتحصّن به الانسانُ هو التوبة، فإنها أكبر حصنٍ يقي التائب المخلص من عذاب الله. فبأيّ نعمة من نعم ربّكما تجحدان!؟.
ثم بين بعض اهوال الساعة بقوله تعالى:
﴿يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ﴾
يُصَبّ عليكما لهبٌ من نارٍ ونحاسٌ مذاب، فلا تقدران على دفع هذا العذاب، بل يُساق المجرمون الى الحشْر سَوقاً نعوذ بالله منه.
ثم بين الله تعالى أنه إذا جاء ذلك اليوم الشديد اختلّ نظام العالم، فتتصدّع السموات ويصير لونها أحمر كالدِهان، وتصير مذابةً غير متماسكة.
ويكون للمجرمين حينئذٍ علاماتٌ يمتازون بها عن سواهم كما قال تعالى:
﴿يُعْرَفُ المجرمون بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بالنواصي والأقدام﴾
فيُجَرّون إلى جهنم من مقدَّم رؤوسهم وأَرجلِهم ويقال لهم توبيخاً وتقريعا: ﴿هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذِّبُ بِهَا المجرمون﴾ فهم يترددون بين نارِها وبين ماءٍ متناهٍ في الحرارة. فاذا استغاثوا من النار يُغاثوا بالماءِ الحار الذي يشوي الوجوهَ كما قال تعالى في سورة الكهف: ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كالمهل يَشْوِي الوجوه بِئْسَ الشراب وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً﴾ [الكهف: ٢٩].
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: سيفرغ لكم بالياء. والباقون: سنفرُغ لكم بالنون. وقرأ ابن كثير: شواظ بكسر الشين، والباقون: شواظ بضم الشين. وقرأ ابن كثير وابو عمرو ويعقوب: ونحاس بالجر، والباقون: ونحاس بالرفع.
ذواتا: تثنية ذات. أفنان: جمع فَنَن وهو الغصن. زوجان: صنفان من جميع الانواع. بطائنُها: بطاناتها يعني أنها مبطنة بالحرير وهو الاستبرق. وجنَى الجنتين: ثمرُ الجنتين. دانٍ: قريب في متناول اليد. قاصرات الطرف: نساء عفيفات لا ينظرن الا الى ازواجهن. لم يطمثهن: لم يمسَسْهن أحد.. كأنهن الياقوت في الصفاء والمرجان في الجمال والبهاء. مدهامتان: خضراوان، الدهمة السواد، والعرب تقول لكل أخضرٍ هو اسود. ومنه سواد العراق لكثرة نخيله. نضّاختان: فوارتان بالماء. حُور: واحدتهن حوراء: بيضاء. خيرات: بسكون الياء يعني خيّرات بتشديدها. مقصورات في الخيام: مخدَّرات، ملازمات بيوتهن. رفرف: واحدهُ رفرفة: وهي الوسادة، المخدة. عبقري حسان: معناه النادر الموشى من البسُط والفرش، والعرب تُسنِد كلَّ عملٍ عجيب الى عبقر.
بعد ان بيّن مقام المجرمين، وما يشاهدونه من أهوال، وما ينالهم من عذاب، وذكَر ان مقامهم النار وبئس القرار - ذكر هنا مقام المؤمنين الذين يخافون ربهم، ويطيعونه فيما أمرهم، وفصّل تفصيلا جميلاً في ذلك النعيم الرباني، جزاءً من العليّ الكريم.
ولمن خافَ مقام ربه، وأطاعه وأخلص في إيمانه وعبادته جنتان. ومعنى هذا ان في الجنة مقاماتٍ ومنازلَ للمؤمنين حسب ما قدّموه من اعمال صالحة، لأنه سيأتي ايضا قوله تعالى: ﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ فهناك ايضاً جنّتان أُخريان.
وهاتان الجنتان ذواتا أفنان، أي ان فيهما أغصاناً نضرة حسنةً من جميع الشجر وألوان الثمار المتنوعة. وفي هاتين الجنتين داخل الجنة عَيْنان تجريان بالماء الصافي العذْب. أما الجنة الكبرى فان فيها انهاراً متعدّدة كما ورد في عدة آيات. فكيف تكذّبون بهذه النعم الجليلة التي لا تُحصَى أيها الجاحدون!؟.
هذا ويجلس أهل الجنتين متكئين على انواع من فُرش الحرير، وفي متناول أيديهم ثمارُ الجنتين يقطفون منها متى شاؤا ما يلذّ لهم وما يطيب.
وعندهم ما يشاؤون من الحُور العفيفات اللاتي لا ينظُرن الى أحدٍ سوى أزواجهن، كأنهن في الحسن والجمال الياقوتُ والمرجان، عذارى لم يمسَسهنّ أحد قبل ازواجهن.
ذلك كله جزاء من خافَ مقام ربه، وعَبدَه وأخلص في عبادته، وسعى في إعمار الدنيا وأعطى من ماله وجاهه وبذل ما يستطيع.
﴿هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان﴾.
ثم هناك داخل الجنة جنتان أخريان. وهما كما يقول تعالى: ﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ فهناك ايضاً جنّتان أُخريان.
وهاتان الجنتان ذواتا أفنان، أي ان فيهما أغصاناً نضرة حسنةً من جميع الشجر وألوان الثمار المتنوعة. وفي هاتين الجنتين داخل الجنة عَيْنان تجريان بالماء الصافي العذْب. أما الجنة الكبرى فان فيها انهاراً متعدّدة كما ورد في عدة آيات. فكيف تكذّبون بهذه النعم الجليلة التي لا تُحصَى أيها الجاحدون!؟.
هذا ويجلس أهل الجنتين متكئين على انواع من فُرش الحرير، وفي متناول أيديهم ثمارُ الجنتين يقطفون منها متى شاؤا ما يلذّ لهم وما يطيب.
294
وعندهم ما يشاؤون من الحُور العفيفات اللاتي لا ينظُرن الى أحدٍ سوى أزواجهن، كأنهن في الحسن والجمال الياقوتُ والمرجان، عذارى لم يمسَسهنّ أحد قبل ازواجهن.
ذلك كله جزاء من خافَ مقام ربه، وعَبدَه وأخلص في عبادته، وسعى في إعمار الدنيا وأعطى من ماله وجاهه وبذل ما يستطيع.
﴿هَلْ جَزَآءُ الإحسان إِلاَّ الإحسان﴾.
ثم هناك داخل الجنة جنتان أخريان. وهما كما يقول تعالى: ﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ لفريق آخر من المؤمنين العاملين المخلصين. وهما ﴿مُدْهَآمَّتَانِ﴾ خضراوان لونهما يميلُ الى السواد من شدّة الخضرة.
وفي هاتين الجنتين عينان من الماء العذب تفوران بالماء لا تنقطعان، كما أن ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ وأنواع منوعة من افخر الفاكهة. وقد خص النخلَ والرمان لأن الله تعالى اودع فيهما كثيراً من المزايا الهامة. فثمر النخل غذاء كامل، فيه نسبة عالية من الكالسيوم والحديد والفوسفور التي يحتاج اليها الجسم. وفيه عدد من الفيتامينات المفيدة، وهو يحتوي ايضا على نسبة من البروتينات والدهنيات.
كذلك في الرمان نسبة مرتفعة من حمض الليمونيك الذي يساعد عند احتراقه على تقليل أثر الحموضة في البول والدم، مما يكون سببا في تجنب النِّقرِس وتكوين بعض حصى الكلى، مع احتوائه على نسبة لا بأس بها من السكّريات السهلة الاحتراق، والمولِّدة للطاقة. وهناك فوائد هامة في قشر ثمر الرمان، وقشور سُوقِ اشجاره.
وفي هاتين الجنتين زوجات طيّبات الأخلاق وفيّات جميلات، من الحور العين الملازمات لمجالسهن في الخيام، لم يقربْهن أحدٌ من الانس ولا الجان.
وهؤلاء المؤمنون مع ازواجهم في غاية السعادة والسرور، متكئين على فُرشٍ عليها وسائد وأغطية خُضْر وطنافس حسان عجيبة الصنع من صنع وادي عبقر. والعربُ تنسب كل شيء عجيب الى وادي الجن، ويكنّون عنه بِعَبْقَرَ. فبأي نعمة من نعم ربكما تكذبان ايها الثقلان!؟.
قراءات:
قرأ الكسائي: لم يظمُثْهن: بضم الميم، والباقون: لم يطْمِثهن بكسر الميم. وقرأ ابن عامر: ﴿تَبَارَكَ اسم رَبِّكَ ذِي الجلال والإكرام﴾.
295
Icon