تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني
.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
سورة الأعراف
قال الشيخ الإمام - رضي الله عنه - : اعلم أن سورة الأعراف مكيه إلا قوله - تعالى - :( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) إلى قوله - تعالى - :( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم )( ١ ) فإن هذا القدر نزل بالمدينة، و( قد ) ( ٢ ) روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بطول الطولين »( ٣ ) يعني : سورة الأعراف، وإنما سميت طول الطولين ؛ لأن أطول السور التي نزلت بمكة سورة الأنعام، وسورة الأعراف، والأعراف أطولهما.
قال الشيخ الإمام - رضي الله عنه - : اعلم أن سورة الأعراف مكيه إلا قوله - تعالى - :( واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر ) إلى قوله - تعالى - :( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم )( ١ ) فإن هذا القدر نزل بالمدينة، و( قد ) ( ٢ ) روى «أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بطول الطولين »( ٣ ) يعني : سورة الأعراف، وإنما سميت طول الطولين ؛ لأن أطول السور التي نزلت بمكة سورة الأنعام، وسورة الأعراف، والأعراف أطولهما.
١ - الأعراف: ١٦٣-١٧٢..
٢ - ليست في "ك"..
٣ - رواه البخاري (٢/٢٨٧ رقم ٨٧٤)، وأبو داود (١/٢١٥ رقم ٨١٢)، والنسائي (٢/١٦٩ رقم ٩٨٩، ٩٩٠) من حديث زيد بن ثابت..
٢ - ليست في "ك"..
٣ - رواه البخاري (٢/٢٨٧ رقم ٨٧٤)، وأبو داود (١/٢١٥ رقم ٨١٢)، والنسائي (٢/١٦٩ رقم ٩٨٩، ٩٩٠) من حديث زيد بن ثابت..
ﰡ
ﭑ
ﰀ
قَوْله تَعَالَى ﴿المص﴾ مَعْنَاهُ: أَن الله أعلم وأفصل، وَقيل: مَعْنَاهُ: أَنا الله الْملك الصَّادِق، وَقَالَ الشّعبِيّ: لكل كتاب سر، وسر الْقُرْآن: حُرُوف التهجي فِي فواتح السُّور.
﴿كتاب أنزل إِلَيْك﴾ قَالَ الْفراء: تَقْدِيره: هَذَا كتاب أنزل إِلَيْك ﴿فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ﴾ أَي: شكّ، وَالْخطاب للرسول، وَالْأمة هم المُرَاد.
والحرج بمَكَان الشَّك، قَالَه الْفراء، وأنشدوا:
وَقيل الْحَرج: هُوَ الضّيق، وَمَعْنَاهُ: لَا يضيقن صدرك بالإبلاغ، وَذَلِكَ أَن النَّبِي
والحرج بمَكَان الشَّك، قَالَه الْفراء، وأنشدوا:
(لَوْلَا حرج يعزوني | جئْتُك أغزوك وَلَا تغزوني) |
163
﴿للْمُؤْمِنين (٢) اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء قَلِيلا مَا﴾ لما بعث إِلَى الْكفَّار، قَالَ: " يَا رب إِنِّي أَخَاف أَن يثلغوا رَأْسِي، ويجعلوه كالخبزة؛ فَقَالَ الله تَعَالَى: لَا يكن فِي صدرك ضيق من الإبلاغ؛ فَإِنِّي حافظك وناصرك ".
قَوْله: ﴿لتنذر بِهِ وذكرى للْمُؤْمِنين﴾ فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِير الْآيَة: كتاب أنزل إِلَيْك؛ لتنذر بِهِ، وذكرى للْمُؤْمِنين فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ.
قَوْله: ﴿لتنذر بِهِ وذكرى للْمُؤْمِنين﴾ فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِير الْآيَة: كتاب أنزل إِلَيْك؛ لتنذر بِهِ، وذكرى للْمُؤْمِنين فَلَا يكن فِي صدرك حرج مِنْهُ.
164
قَوْله تَعَالَى: ﴿اتبعُوا مَا أنزل إِلَيْكُم من ربكُم﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن، وَقيل: الْقُرْآن وَالسّنة لأمر الله تَعَالَى لِأَن الله تَعَالَى يَقُول: ﴿وَمَا أَتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ﴾ فَالسنة وَإِن لم تكن (منزلَة)، فَهِيَ كالمنزلة بِحكم تِلْكَ الْآيَة، قَالَ الْحسن فِي هَذِه الْآيَة: يَا ابْن آدم، أمرت بِاتِّبَاع الْقُرْآن، فَمَا من آيَة إِلَّا وَعَلَيْك أَن تعلم فِيمَا نزلت، وماذا أُرِيد بهَا، حَتَّى تتبعه، وتعمل بِهِ.
﴿وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء﴾ يَعْنِي: من عاند الْحق، وَخَالفهُ، فَلَا تَتبعُوهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿من دونه أَوْلِيَاء﴾ لِأَن من اتخذ مذهبا، فَكل من سلك طَرِيقه وَاتبعهُ كَانَ من أوليائه، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء﴾ وَقَالَ مَالك بن دِينَار: وَلَا تَبْتَغُوا، يَعْنِي: الطّلب، وَالْمعْنَى: وَلَا تَبْتَغُوا من دونه أَوْلِيَاء. ﴿قَلِيلا مَا تذكرُونَ﴾، وَقَرَأَ ابْن عَامر: " يتذكرون " وَالْمرَاد بهما وَاحِد، أَي: قَلِيلا مَا تتعظون.
﴿وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء﴾ يَعْنِي: من عاند الْحق، وَخَالفهُ، فَلَا تَتبعُوهُ، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿من دونه أَوْلِيَاء﴾ لِأَن من اتخذ مذهبا، فَكل من سلك طَرِيقه وَاتبعهُ كَانَ من أوليائه، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿وَلَا تتبعوا من دونه أَوْلِيَاء﴾ وَقَالَ مَالك بن دِينَار: وَلَا تَبْتَغُوا، يَعْنِي: الطّلب، وَالْمعْنَى: وَلَا تَبْتَغُوا من دونه أَوْلِيَاء. ﴿قَلِيلا مَا تذكرُونَ﴾، وَقَرَأَ ابْن عَامر: " يتذكرون " وَالْمرَاد بهما وَاحِد، أَي: قَلِيلا مَا تتعظون.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَكم من قَرْيَة أهلكناها﴾ " كم " للتكثير، و " رب " للتقليل.
قَالَ الشَّاعِر:
قَالَ الشَّاعِر:
(كم عمَّة لَك يَا جرير وَخَالَة | فدعاء قد حلبت على عشارى) |
(فَمن يلق خيرا يحمد النَّاس أمره | وَمن يغو لَا يعْدم على الغي لائما) |
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم﴾
روى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن الحكم بن عتيبة أَنه قَالَ: ﴿لآتينهم من بَين أَيْديهم﴾ يَعْنِي: من قبل الدُّنْيَا بِأَن أزينها فِي قُلُوبهم، فيغتروا بهَا ﴿وَمن خَلفهم﴾ أَي: من قبل الْآخِرَة، بِأَن أَقُول: لَا بعث، وَلَا جنَّة، وَلَا نَار ﴿وَعَن أَيْمَانهم﴾ من قبل الْحَسَنَات ﴿وَعَن شمائلهم﴾ من قبل السَّيِّئَات، وَقَالَ ابْن عَبَّاس - فِي رِوَايَة الْوَالِبِي عَنهُ -: لآتينهم من بَين أَيْديهم يَعْنِي: من قبل الْآخِرَة، وَمن خَلفهم (أَي) من قبل الدُّنْيَا، وَعَن أَيْمَانهم: أشبه عَلَيْهِم أَمر الدُّنْيَا، وَعَن شمائلهم: أشهى لَهُم ارْتِكَاب الْمعاصِي، قَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ بِهِ لآتينهم من كل الجوانب، قَالَ قَتَادَة: لم يقل الْخَبيث: من فَوْقهم؛ لِأَن الرَّحْمَة تنزل عَلَيْهِم من فَوْقهم.
روى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن الحكم بن عتيبة أَنه قَالَ: ﴿لآتينهم من بَين أَيْديهم﴾ يَعْنِي: من قبل الدُّنْيَا بِأَن أزينها فِي قُلُوبهم، فيغتروا بهَا ﴿وَمن خَلفهم﴾ أَي: من قبل الْآخِرَة، بِأَن أَقُول: لَا بعث، وَلَا جنَّة، وَلَا نَار ﴿وَعَن أَيْمَانهم﴾ من قبل الْحَسَنَات ﴿وَعَن شمائلهم﴾ من قبل السَّيِّئَات، وَقَالَ ابْن عَبَّاس - فِي رِوَايَة الْوَالِبِي عَنهُ -: لآتينهم من بَين أَيْديهم يَعْنِي: من قبل الْآخِرَة، وَمن خَلفهم (أَي) من قبل الدُّنْيَا، وَعَن أَيْمَانهم: أشبه عَلَيْهِم أَمر الدُّنْيَا، وَعَن شمائلهم: أشهى لَهُم ارْتِكَاب الْمعاصِي، قَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ بِهِ لآتينهم من كل الجوانب، قَالَ قَتَادَة: لم يقل الْخَبيث: من فَوْقهم؛ لِأَن الرَّحْمَة تنزل عَلَيْهِم من فَوْقهم.
169
﴿أَكْثَرهم شاكرين (١٧) قَالَ اخْرُج مِنْهَا مذءوما مَدْحُورًا لمن تبعك مِنْهُم لأملأن جَهَنَّم مِنْكُم أَجْمَعِينَ (١٨) وَيَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة فكلا من حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين (١٩) فوسوس لَهما الشَّيْطَان ليبدي لَهما مَا﴾
﴿وَلَا تَجِد أَكْثَرهم شاكرين﴾ أَي: مُؤمنين فَإِن قيل: بأيش علم الْخَبيث أَنه لَا يجد أَكْثَرهم شاكرين؟ قيل: قَرَأَ من اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَقيل: قَالَ ذَلِك ظنا؛ فَأجَاب كَمَا قَالَ الله - تَعَالَى -: ﴿وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه﴾.
﴿وَلَا تَجِد أَكْثَرهم شاكرين﴾ أَي: مُؤمنين فَإِن قيل: بأيش علم الْخَبيث أَنه لَا يجد أَكْثَرهم شاكرين؟ قيل: قَرَأَ من اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَقيل: قَالَ ذَلِك ظنا؛ فَأجَاب كَمَا قَالَ الله - تَعَالَى -: ﴿وَلَقَد صدق عَلَيْهِم إِبْلِيس ظَنّه﴾.
170
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ اخْرُج مِنْهَا مذءوما﴾ وَقَرَأَ الْأَعْمَش: " مذموما "، وَالْمَعْرُوف. مذءوما من الذأم: وَهُوَ الْعَيْب، وَقيل: مَعْنَاهُ مقيتا من المقت.
﴿مَدْحُورًا﴾ أَي: مطرودا ﴿لمن تبعك مِنْهُم لأملان جَهَنَّم مِنْكُم أَجْمَعِينَ﴾ اللَّام فِيهِ للقسم، يَعْنِي: أقسم لمن تبعك مِنْهُم لأملأن جَهَنَّم مِنْكُم أَجْمَعِينَ.
﴿مَدْحُورًا﴾ أَي: مطرودا ﴿لمن تبعك مِنْهُم لأملان جَهَنَّم مِنْكُم أَجْمَعِينَ﴾ اللَّام فِيهِ للقسم، يَعْنِي: أقسم لمن تبعك مِنْهُم لأملأن جَهَنَّم مِنْكُم أَجْمَعِينَ.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَيَا آدم اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة﴾ وَقد بَينا هَذَا ﴿فكلا من حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة فتكونا من الظَّالِمين﴾ وَقد بَينا على قَول ابْن عَبَّاس: أَنَّهَا كَانَت شَجَرَة السنبلة، وَقيل: شَجَرَة التِّين، وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب: كَانَت شَجَرَة الكافور، وَقيل: كَانَت شَجَرَة تَأْكُل مِنْهَا الْمَلَائِكَة تسمى: شَجَرَة الْخلد.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فوسوس لَهما الشَّيْطَان﴾ الوسوسة: حَدِيث يلقيه الشَّيْطَان فِي قلب الْإِنْسَان، وَاخْتلفُوا كَيفَ وسوس لَهما وهما فِي الْجنَّة، وَهُوَ فِي الأَرْض؟
فَقيل: وسوس لَهما من الأَرْض؛ لِأَن الله - تَعَالَى - أعطَاهُ قُوَّة بذلك حَتَّى وسوس لَهما بِتِلْكَ الْقُوَّة من الأَرْض إِلَى الْجنَّة، وَقيل: حِين وسوس لَهما كَانَ فِي السَّمَاء؛ فَالْتَقَيَا على بَاب الْجنَّة هُوَ وآدَم، فوسوس، وَقيل: إِن الْحَيَّة خبأته فِي [أنيابها] وأدخلته الْجنَّة، فوسوس من بَين [أنيابها] ؛ فمسحت الْحَيَّة، وأخرجت من الْجنَّة.
﴿ليبدي لَهما مَا ووري عَنْهُمَا من سوءاتهما﴾ اللَّام فِيهِ لَام الْعَاقِبَة؛ فَإِنَّهُ لم
فَقيل: وسوس لَهما من الأَرْض؛ لِأَن الله - تَعَالَى - أعطَاهُ قُوَّة بذلك حَتَّى وسوس لَهما بِتِلْكَ الْقُوَّة من الأَرْض إِلَى الْجنَّة، وَقيل: حِين وسوس لَهما كَانَ فِي السَّمَاء؛ فَالْتَقَيَا على بَاب الْجنَّة هُوَ وآدَم، فوسوس، وَقيل: إِن الْحَيَّة خبأته فِي [أنيابها] وأدخلته الْجنَّة، فوسوس من بَين [أنيابها] ؛ فمسحت الْحَيَّة، وأخرجت من الْجنَّة.
﴿ليبدي لَهما مَا ووري عَنْهُمَا من سوءاتهما﴾ اللَّام فِيهِ لَام الْعَاقِبَة؛ فَإِنَّهُ لم
170
﴿ووري عَنْهُمَا من سوءاتهما وَقَالَ مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين (٢٠) وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين (٢١) فدلاهما بغرور﴾ يوسوس لهَذَا، لَكِن عَاقِبَة أَمرهم فِي وسوسته أَنه أبدى لَهما مَا ستر من عورتيهما.
﴿وَقَالَ مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين﴾ وَهَذِه كَانَت وسوسته؛ وَقَرَأَ يحيى بن أبي كثير وَالضَّحَّاك: " إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ " بِكَسْر اللَّام، وَالْمَعْرُوف: " ملكَيْنِ " بِفَتْح اللَّام، قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: لم يكن فِي الْجنَّة ملك لغير الله حَتَّى يَقُول: ملكَيْنِ من الْملك، وَكَانَ فِيهَا الْمَلَائِكَة، وَمَعْنَاهُ: مَا نهاكما الله عَن أكل هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أنكما إِذا اكلتما صرتما ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين.
﴿وَقَالَ مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين﴾ وَهَذِه كَانَت وسوسته؛ وَقَرَأَ يحيى بن أبي كثير وَالضَّحَّاك: " إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ " بِكَسْر اللَّام، وَالْمَعْرُوف: " ملكَيْنِ " بِفَتْح اللَّام، قَالَ أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء: لم يكن فِي الْجنَّة ملك لغير الله حَتَّى يَقُول: ملكَيْنِ من الْملك، وَكَانَ فِيهَا الْمَلَائِكَة، وَمَعْنَاهُ: مَا نهاكما الله عَن أكل هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أنكما إِذا اكلتما صرتما ملكَيْنِ أَو تَكُونَا من الخالدين.
171
﴿وقاسمهما إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين﴾ وسوس لَهما، وَحلف عَلَيْهِ، وَهُوَ أول من حلف بِاللَّه كَاذِبًا، فَكل من حلف بِاللَّه كَاذِبًا؛ فَهُوَ من أَتبَاع إِبْلِيس، وَفِي الحَدِيث:
" إِن الْمُؤمن يخدع بِاللَّه " فَلَمَّا حلف إِبْلِيس على مَا وسوسه بِهِ؛ ظن آدم أَنه لَا يحلف أحد بِاللَّه إِلَّا صَادِقا؛ من سَلامَة قلبه، فاغتر بِهِ.
وَفِيه قَول آخر: أَن قَوْله: ﴿وقاسمهما﴾ من الْقِسْمَة، كَأَن إِبْلِيس قَالَ لَهما: كلا من هَذِه الشَّجَرَة، فَمَا كَانَ من خير فلكما، وَمَا كَانَ من شَرّ وَسُوء فعلي.
وَقَوله: ﴿إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين﴾ يَعْنِي: المرشدين، المريدين للخير.
فَإِن قَالَ قَائِل: قَوْله: ﴿مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ﴾ دَلِيل على أَن الْمَلَائِكَة أفضل من الْآدَمِيّين، قيل: مَعْنَاهُ - وَالله أعلم -: أَنَّهُمَا رَأيا الْمَلَائِكَة فِي أحسن صُورَة، وَأَرْفَع منزلَة، وَفِي تَسْبِيح دَائِم من غير تَعب وَلَا شَهْوَة؛ فتمنيا أَن يصلا إِلَى تِلْكَ الْمنزلَة لَو أكلا من تِلْكَ الشَّجَرَة، ويتخلصا من التَّعَب، وَمن شَهْوَة البشرية، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل على أَن الْملك أفضل من الْآدَمِيّ.
" إِن الْمُؤمن يخدع بِاللَّه " فَلَمَّا حلف إِبْلِيس على مَا وسوسه بِهِ؛ ظن آدم أَنه لَا يحلف أحد بِاللَّه إِلَّا صَادِقا؛ من سَلامَة قلبه، فاغتر بِهِ.
وَفِيه قَول آخر: أَن قَوْله: ﴿وقاسمهما﴾ من الْقِسْمَة، كَأَن إِبْلِيس قَالَ لَهما: كلا من هَذِه الشَّجَرَة، فَمَا كَانَ من خير فلكما، وَمَا كَانَ من شَرّ وَسُوء فعلي.
وَقَوله: ﴿إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين﴾ يَعْنِي: المرشدين، المريدين للخير.
فَإِن قَالَ قَائِل: قَوْله: ﴿مَا نهاكما رَبكُمَا عَن هَذِه الشَّجَرَة إِلَّا أَن تَكُونَا ملكَيْنِ﴾ دَلِيل على أَن الْمَلَائِكَة أفضل من الْآدَمِيّين، قيل: مَعْنَاهُ - وَالله أعلم -: أَنَّهُمَا رَأيا الْمَلَائِكَة فِي أحسن صُورَة، وَأَرْفَع منزلَة، وَفِي تَسْبِيح دَائِم من غير تَعب وَلَا شَهْوَة؛ فتمنيا أَن يصلا إِلَى تِلْكَ الْمنزلَة لَو أكلا من تِلْكَ الشَّجَرَة، ويتخلصا من التَّعَب، وَمن شَهْوَة البشرية، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيل على أَن الْملك أفضل من الْآدَمِيّ.
وَقَوله: ﴿فدلاهما بغرور﴾ أَي: حطهما من منزلَة الطَّاعَة إِلَى حَالَة الْمعْصِيَة، قَالَ
171
﴿فَلَمَّا ذاقا الشَّجَرَة بَدَت لَهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة وناداهما ربهما ألم أنهكما عَن تلكما الشَّجَرَة وَأَقل لَكمَا إِن الشَّيْطَان لَكمَا عَدو مُبين (٢٢) قَالَا﴾ الشَّاعِر:
وَأما الْغرُور: فَهُوَ إِظْهَار النصح مَعَ إبطان الْغِشّ.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فَلَمَّا ذاقا الشَّجَرَة بَدَت لَهما سوءاتهما﴾ فِي هَذَا دَلِيل على أَنَّهُمَا لم يمتعا فِي الْأكل، قَالَ ابْن عَبَّاس: قيل: إِن إزدادا؛ أخذتهما الْعقُوبَة، وَكَانَت عقوبتهما أَن تهافت عَنْهُمَا لباسهما، وبدت عورتهما.
﴿وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة﴾ قَالَ ثَعْلَب: جعلا يلصقان بعض الْوَرق بِالْبَعْضِ، ويستران الْعَوْرَة بِهِ، وَيُقَال: خصف النَّعْل؛ إِذا جعل طبقًا على طبق، وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك الْوَرق، قَالَ ابْن عَبَّاس - وَبِه قَالَ أَكثر الْمُفَسّرين -: إِنَّه ورق التِّين وَالزَّيْتُون، وَقيل: كَانَ ورق الموز.
﴿وناداهما ربهما ألم أنهكما عَن تلكما الشَّجَرَة﴾ يَعْنِي: عَن الْأكل مِنْهَا ﴿وَأَقل لَكمَا إِن الشَّيْطَان لَكمَا عَدو مُبين﴾ أَي: بَين الْعَدَاوَة، ويحكى عَن أبي بن كَعْب، وَيذكر عَن عَطاء أَيْضا، أَنَّهُمَا قَالَا: لما بَدَت سوتهما فِي الْجنَّة، هرب آدم فِي الْجنَّة؛ فتعلقت شَجَرَة بِشعرِهِ، وناداه الرب: أفرارا مني يَا آدم؟ فَقَالَ: لَا بل حَيَاء مِنْك يَا رب.
(ويوسف إِذْ دلاه أَوْلَاد عِلّة | فَأصْبح فِي قَعْر البريكة ثاويا) |
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فَلَمَّا ذاقا الشَّجَرَة بَدَت لَهما سوءاتهما﴾ فِي هَذَا دَلِيل على أَنَّهُمَا لم يمتعا فِي الْأكل، قَالَ ابْن عَبَّاس: قيل: إِن إزدادا؛ أخذتهما الْعقُوبَة، وَكَانَت عقوبتهما أَن تهافت عَنْهُمَا لباسهما، وبدت عورتهما.
﴿وطفقا يخصفان عَلَيْهِمَا من ورق الْجنَّة﴾ قَالَ ثَعْلَب: جعلا يلصقان بعض الْوَرق بِالْبَعْضِ، ويستران الْعَوْرَة بِهِ، وَيُقَال: خصف النَّعْل؛ إِذا جعل طبقًا على طبق، وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك الْوَرق، قَالَ ابْن عَبَّاس - وَبِه قَالَ أَكثر الْمُفَسّرين -: إِنَّه ورق التِّين وَالزَّيْتُون، وَقيل: كَانَ ورق الموز.
﴿وناداهما ربهما ألم أنهكما عَن تلكما الشَّجَرَة﴾ يَعْنِي: عَن الْأكل مِنْهَا ﴿وَأَقل لَكمَا إِن الشَّيْطَان لَكمَا عَدو مُبين﴾ أَي: بَين الْعَدَاوَة، ويحكى عَن أبي بن كَعْب، وَيذكر عَن عَطاء أَيْضا، أَنَّهُمَا قَالَا: لما بَدَت سوتهما فِي الْجنَّة، هرب آدم فِي الْجنَّة؛ فتعلقت شَجَرَة بِشعرِهِ، وناداه الرب: أفرارا مني يَا آدم؟ فَقَالَ: لَا بل حَيَاء مِنْك يَا رب.
172
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَا رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين﴾ اعْترف آدم بالذنب، وَسَأَلَ الْمَغْفِرَة، وَهَذَا هُوَ الْفرق بَين معصيتة ومعصية إِبْلِيس، أَن إِبْلِيس عصى وأصر على الْمعْصِيَة، وآدَم عصى وَتَابَ عَن الْمعْصِيَة، وَأَن إِبْلِيس كَانَ مُتَعَمدا، وآدَم كَانَ سَاهِيا، وَاخْتلفُوا فِي أَن آدم هَل عرف عِنْد الْأكل أَنه مَعْصِيّة؟ قَالَ بَعضهم: عرف ذَلِك، لَكِن الله غفر لَهُ، وَتَابَ عَلَيْهِ، وَقيل: دخل عَلَيْهِ شُبْهَة من وَسْوَسَة إِبْلِيس، وَلم يكن مُتَعَمدا؛ إِذْ كَانَ مَعْصُوما نَبيا.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: ألم يكن
172
﴿رَبنَا ظلمنَا أَنْفُسنَا وَإِن لم تغْفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (٢٣) قَالَ اهبطوا بَعْضكُم لبَعض عَدو وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين (٢٤) قَالَ فِيهَا تحيون وفيهَا تموتون وَمِنْهَا تخرجُونَ (٢٥) يَا بني آدم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا يواري سوءاتكم﴾ خَاطب إِبْلِيس بالهبوط من قبل، فَمَا معنى هَذِه الْإِعَادَة؟ قيل: إِن هَذَا الثَّانِي خطاب لآدَم وحواء والحية، قَالَه أَبُو صَالح، وإبليس خَارج من الْخطاب، وَقيل: الْخطاب للْكُلّ؛ لأَنهم وَإِن اقترفوا فِي وَقت الْإِخْرَاج والإنزال، (لَكِن) لما اجْتَمعُوا فِي الْإِنْزَال جمع بَينهم فِي الْخطاب، وَالْأول خَاص لإبليس، وَالْخطاب الثَّانِي عَام للْكُلّ.
﴿وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين﴾ وَفِي الْقَصَص: أَن آدم وَقع بِأَرْض الْهِنْد، وحواء بجدة، والحية بِمَيْسَان، وإبليس بأيلة، وَقيل: بمداد، وَقيل: وَقع إِبْلِيس بِأَرْض الْبَصْرَة، ثمَّ خرج إِلَى أَرض مصر وباض وفرخ فِيهِ.
وَعَن ابْن عمر أَنه قَالَ: لما أخرج الله - تَعَالَى - إِبْلِيس إِلَى الأَرْض، قَالَ: يَا رب، أَيْن مسكني؟ قَالَ: الحمامات؛ فَقَالَ: أَيْن مجلسي؟ قَالَ: الْأَسْوَاق، فَقَالَ: وأيش مطعمي؟ قَالَ: كل طَعَام لم يذكر عَلَيْهِ اسْمِي، فَقَالَ: وماذا شرابي؟ فَقَالَ: كل مُسكر. قَالَ: وَمَا حبالتي؟ فَقَالَ: النِّسَاء، فَقَالَ: وَمَا كتابتي؟ قَالَ: الوشم، فَقَالَ: وَمن رُسُلِي؟ قَالَ: الكهنة.
﴿وَلكم فِي الأَرْض مُسْتَقر ومتاع إِلَى حِين﴾ وَفِي الْقَصَص: أَن آدم وَقع بِأَرْض الْهِنْد، وحواء بجدة، والحية بِمَيْسَان، وإبليس بأيلة، وَقيل: بمداد، وَقيل: وَقع إِبْلِيس بِأَرْض الْبَصْرَة، ثمَّ خرج إِلَى أَرض مصر وباض وفرخ فِيهِ.
وَعَن ابْن عمر أَنه قَالَ: لما أخرج الله - تَعَالَى - إِبْلِيس إِلَى الأَرْض، قَالَ: يَا رب، أَيْن مسكني؟ قَالَ: الحمامات؛ فَقَالَ: أَيْن مجلسي؟ قَالَ: الْأَسْوَاق، فَقَالَ: وأيش مطعمي؟ قَالَ: كل طَعَام لم يذكر عَلَيْهِ اسْمِي، فَقَالَ: وماذا شرابي؟ فَقَالَ: كل مُسكر. قَالَ: وَمَا حبالتي؟ فَقَالَ: النِّسَاء، فَقَالَ: وَمَا كتابتي؟ قَالَ: الوشم، فَقَالَ: وَمن رُسُلِي؟ قَالَ: الكهنة.
173
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ فِيهَا تحيون وفيهَا تموتون وَمِنْهَا تخرجُونَ﴾ يَعْنِي: الأَرْض فِيهَا حَيَاتكُم وموتكم، وَمِنْهَا بعثكم.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَا بني آدم قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا يواري سوءاتكم﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: أنزلنَا. وَلم ينزل اللبَاس من السَّمَاء؟ قيل: قد أنزل الْمَطَر، وكل نَبَات من الْمَطَر؛ فَكَأَنَّهُ أنزلهُ، وَقيل: مَعْنَاهُ: أَن كل مَا فِي الأَرْض فَهُوَ من بَرَكَات السَّمَاء؛ فَيكون كالمنزل من السَّمَاء، وعَلى هَذَا معنى قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وأنزلنا الْحَدِيد فِيهِ بَأْس شَدِيد﴾ وَإِنَّمَا يسْتَخْرج من الأَرْض، لَكِن نسبه إِلَى السَّمَاء، كَذَا هَذَا.
173
﴿وريشا ولباس التَّقْوَى ذَلِك خير ذَلِك من آيَات الله لَعَلَّهُم يذكرُونَ (٢٦) يَا بني آدم لَا﴾
وَسبب نزُول الْآيَة: أَنهم فِي الْجَاهِلِيَّة، كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة، وَيَقُولُونَ لَا نطوف فِي (أَثوَاب) عصينا الله - تَعَالَى - فِيهَا، وَكَانَ الرِّجَال يطوفون عُرَاة بِالنَّهَارِ، وَالنِّسَاء بِاللَّيْلِ؛ فَنزلت الْآيَة فِي الْمَنْع عَن ذَلِك. قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَت الْعَرَب يطوفون كَذَلِك عُرَاة إِلَّا الحمس، وهم قُرَيْش وأحلاف قُرَيْش، كَانُوا يطوفون فِي ثِيَابهمْ، وَسموا حمسا؛ بشدتهم فِي دينهم، وَمِنْه الحماسة لشدتها، وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَت النِّسَاء يطفن وعليهن رهاط، والرهط: قِطْعَة من صوف لَا تستتر تَمام الْعَوْرَة، وَرُبمَا كَانَت من سيورة، وَقَالَ قَتَادَة: كَانَت الْمَرْأَة مِنْهُم تَطوف تضع يَدهَا على فرجهَا تستر بهَا عورتها، وَتقول:
فَقَوله: ﴿قد أنزلنَا عَلَيْكُم لباسا يواري سوءاتكم﴾ مَعْنَاهُ: قد أنزلنَا عَلَيْكُم مَا تسترون بِهِ عورتكم؛ فَلَا تطوفوا بِالْبَيْتِ عُرَاة، وَقَوله: ﴿وريشا﴾ وَقُرِئَ: " ورياشا " مِنْهُم من فرق بَينهمَا.
قَالَ مُجَاهِد: الريش: المَال، وَقَالَ الْكسَائي: الريش: اللبَاس.
وَأما الرياش: قيل: هُوَ المعاش، يُقَال: تريش فلَان إِذا وجد مَا يعِيش بِهِ، وَقيل: الرياش: أثاث الْبَيْت، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الريش والرياش وَاحِد، وَهُوَ مَا يَبْدُو من اللبَاس، والشعرة وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:
أَي: قَلِيلا، وَقَوله: ﴿ولباس التَّقْوَى﴾ يقْرَأ بِالنّصب، (يَعْنِي) : وأنزلنا عَلَيْكُم لِبَاس التَّقْوَى، وَيقْرَأ: " ولباس التَّقْوَى " بِالرَّفْع، يَعْنِي: هُوَ لِبَاس التَّقْوَى.
وَسبب نزُول الْآيَة: أَنهم فِي الْجَاهِلِيَّة، كَانُوا يطوفون بِالْبَيْتِ عُرَاة، وَيَقُولُونَ لَا نطوف فِي (أَثوَاب) عصينا الله - تَعَالَى - فِيهَا، وَكَانَ الرِّجَال يطوفون عُرَاة بِالنَّهَارِ، وَالنِّسَاء بِاللَّيْلِ؛ فَنزلت الْآيَة فِي الْمَنْع عَن ذَلِك. قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَت الْعَرَب يطوفون كَذَلِك عُرَاة إِلَّا الحمس، وهم قُرَيْش وأحلاف قُرَيْش، كَانُوا يطوفون فِي ثِيَابهمْ، وَسموا حمسا؛ بشدتهم فِي دينهم، وَمِنْه الحماسة لشدتها، وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَت النِّسَاء يطفن وعليهن رهاط، والرهط: قِطْعَة من صوف لَا تستتر تَمام الْعَوْرَة، وَرُبمَا كَانَت من سيورة، وَقَالَ قَتَادَة: كَانَت الْمَرْأَة مِنْهُم تَطوف تضع يَدهَا على فرجهَا تستر بهَا عورتها، وَتقول:
(الْيَوْم يَبْدُو بعضه أَو كُله | وَمَا بدا مِنْهُ فَلَا أحله) |
قَالَ مُجَاهِد: الريش: المَال، وَقَالَ الْكسَائي: الريش: اللبَاس.
وَأما الرياش: قيل: هُوَ المعاش، يُقَال: تريش فلَان إِذا وجد مَا يعِيش بِهِ، وَقيل: الرياش: أثاث الْبَيْت، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة: الريش والرياش وَاحِد، وَهُوَ مَا يَبْدُو من اللبَاس، والشعرة وَأنْشد سِيبَوَيْهٍ:
(وريشي مِنْكُم وهواي فِيكُم | وَإِن كَانَت زيارتكم لماما) |
174
﴿يفتننكم الشَّيْطَان كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة ينْزع عَنْهُمَا لباسهما ليريهما سوءاتهما﴾
قَالَ القتيبي: يَعْنِي: الثِّيَاب لِبَاس التَّقْوَى؛ فَإِن من اتَّقى الله يطوف لابسا لَا عَارِيا، وَفِي الحَدِيث: " إِن لِبَاس التَّقْوَى هُوَ الْحيَاء " لِأَنَّهُ يبْعَث على التَّقْوَى، وَهُوَ قَول الْحسن،
قَالَ الشَّاعِر:
قَالَ عِكْرِمَة: الْحيَاء وَالْإِيمَان فِي قرن وَاحِد، فَإِذا ذهب أَحدهمَا؛ تبعه الآخر، وَقَالَ قَتَادَة: لِبَاس التَّقْوَى: هوالإيمان، وَقَالَ عُثْمَان بن عَفَّان: لِبَاس التَّقْوَى: هُوَ السمت الْحسن، وَقَالَ عُرْوَة: هُوَ خشيَة الله، وَقيل: لِبَاس التَّقْوَى هَا هُنَا: لِبَاس الصُّوف، وَالثَّوْب (الخشن) الَّذِي يلْبسهُ أهل الْوَرع، وَقيل: هُوَ الْعَمَل الصَّالح.
﴿ذَلِك خير﴾ قيل: " ذَلِك " حِيلَة وَتَقْدِيره: ولباس التَّقْوَى خير، وَهَكَذَا قَرَأَهُ الْأَعْمَش، وَقيل: " ذَلِك " فِي مَوْضِعه، وَمَعْنَاهُ: ذَلِك الَّذِي ذكر من اللبَاس والريش، وكل مَا ذكر خير ﴿ذَلِك من آيَات الله لَعَلَّهُم يذكرُونَ﴾.
قَالَ القتيبي: يَعْنِي: الثِّيَاب لِبَاس التَّقْوَى؛ فَإِن من اتَّقى الله يطوف لابسا لَا عَارِيا، وَفِي الحَدِيث: " إِن لِبَاس التَّقْوَى هُوَ الْحيَاء " لِأَنَّهُ يبْعَث على التَّقْوَى، وَهُوَ قَول الْحسن،
قَالَ الشَّاعِر:
(إِنِّي كَأَنِّي أرى من لَا حَيَاء لَهُ | وَلَا أَمَانَة وسط النَّاس عُريَانا) |
﴿ذَلِك خير﴾ قيل: " ذَلِك " حِيلَة وَتَقْدِيره: ولباس التَّقْوَى خير، وَهَكَذَا قَرَأَهُ الْأَعْمَش، وَقيل: " ذَلِك " فِي مَوْضِعه، وَمَعْنَاهُ: ذَلِك الَّذِي ذكر من اللبَاس والريش، وكل مَا ذكر خير ﴿ذَلِك من آيَات الله لَعَلَّهُم يذكرُونَ﴾.
175
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَا بني آدم لَا يفتنتكم الشَّيْطَان كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة﴾ أَي: لَا يضلنكم الشَّيْطَان، كَمَا فتن أبويكم فأخرجهما من الْجنَّة.
﴿ينْزع عَنْهُمَا لباسهما ليريهما سوءاتهما﴾ هُوَ مَا ذكرنَا من تهافت اللبَاس عِنْد أكلهَا من الشَّجَرَة، وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُمَا مَا كَانَا يريان عورتهما من قبل؛ حَيْثُ قَالَ: ليريهما سوءاتهما وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك اللبَاس الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا مَا هُوَ؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: لباسهما كَانَ من الظفر؛ كَأَن الله - تَعَالَى - ألبسهما من جنس ظفرهما، وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: كَانَ لباسا من النُّور.
﴿ينْزع عَنْهُمَا لباسهما ليريهما سوءاتهما﴾ هُوَ مَا ذكرنَا من تهافت اللبَاس عِنْد أكلهَا من الشَّجَرَة، وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُمَا مَا كَانَا يريان عورتهما من قبل؛ حَيْثُ قَالَ: ليريهما سوءاتهما وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك اللبَاس الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا مَا هُوَ؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: لباسهما كَانَ من الظفر؛ كَأَن الله - تَعَالَى - ألبسهما من جنس ظفرهما، وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: كَانَ لباسا من النُّور.
175
﴿إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا ترونهم إِنَّا جعلنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء للَّذين لَا يُؤمنُونَ (٢٧) وَإِذا فعلوا فَاحِشَة قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا قل إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء أتقولون على الله مَا لَا تعلمُونَ (٢٨) قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل مَسْجِد وادعوه مُخلصين لَهُ الدّين كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ (٢٩) فريقا هدى﴾
﴿إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله﴾ أَي: وَجُنُوده ﴿من حَيْثُ لَا ترونهم﴾ يَعْنِي: أَن الشَّيْطَان وَجُنُوده يرونكم، وَأَنْتُم لَا ترونهم ﴿إِنَّا جعلنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء للَّذين لَا يُؤمنُونَ﴾ يَعْنِي: أَن الشَّيَاطِين يوالون الْكفَّار، وَهَذَا قَوْله: ﴿أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزا﴾.
﴿إِنَّه يراكم هُوَ وقبيله﴾ أَي: وَجُنُوده ﴿من حَيْثُ لَا ترونهم﴾ يَعْنِي: أَن الشَّيْطَان وَجُنُوده يرونكم، وَأَنْتُم لَا ترونهم ﴿إِنَّا جعلنَا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء للَّذين لَا يُؤمنُونَ﴾ يَعْنِي: أَن الشَّيَاطِين يوالون الْكفَّار، وَهَذَا قَوْله: ﴿أَنا أرسلنَا الشَّيَاطِين على الْكَافرين تؤزهم أزا﴾.
176
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَإِذا فعلوا فَاحِشَة﴾ قيل: الْفَاحِشَة هَا هُنَا هِيَ طوافهم عُرَاة، وَقيل: هِيَ الشّرك ( ﴿قَالُوا وجدنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَالله أمرنَا بهَا﴾ قل) يَا مُحَمَّد: ﴿إِن الله لَا يَأْمر بالفحشاء﴾ وَهِي كل فعل قَبِيح بلغ النِّهَايَة فِي الْقبْح ﴿أتقولون على الله مَا لَا تعلمُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قل أَمر رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ أَي: بِالْعَدْلِ والصدق ﴿وَأقِيمُوا وُجُوهكُم عِنْد كل مَسْجِد﴾ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا أَن مَعْنَاهُ: أقِيمُوا الصَّلَاة فِي كل مَسْجِد تدرككم فِيهِ الصَّلَاة، وَلَا تَقولُوا نؤخرها إِلَى مَسْجِدنَا، وَالثَّانِي مَعْنَاهُ: استقبلوا الْقبْلَة بوجوهكم فِي كل صَلَاة، وَالثَّالِث مَعْنَاهُ: أَخْلصُوا صَلَاتكُمْ وعبادتكم لله - تَعَالَى -.
﴿وادعوه مُخلصين لَهُ الدّين كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ﴾ يَعْنِي: تعودُونَ فُرَادَى بِلَا أهل وَلَا مَال، كَمَا خَلقكُم فُرَادَى بِلَا أهل وَلَا مَال، وَهَذَا معنى قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة﴾ قَالَ الزّجاج: مَعْنَاهُ: إِن إعادتكم أَحيَاء كخلقكم ابْتِدَاء، كِلَاهُمَا عَليّ هَين، وَالصَّحِيح أَن المُرَاد بِهِ: انه كَمَا خَلقكُم أشقياء وسعداء، ومؤمنين وكافرين، تعودُونَ كَذَلِك؛ وَعَلِيهِ دلّ
﴿وادعوه مُخلصين لَهُ الدّين كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ﴾ يَعْنِي: تعودُونَ فُرَادَى بِلَا أهل وَلَا مَال، كَمَا خَلقكُم فُرَادَى بِلَا أهل وَلَا مَال، وَهَذَا معنى قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَقَد جئتمونا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أول مرّة﴾ قَالَ الزّجاج: مَعْنَاهُ: إِن إعادتكم أَحيَاء كخلقكم ابْتِدَاء، كِلَاهُمَا عَليّ هَين، وَالصَّحِيح أَن المُرَاد بِهِ: انه كَمَا خَلقكُم أشقياء وسعداء، ومؤمنين وكافرين، تعودُونَ كَذَلِك؛ وَعَلِيهِ دلّ
قَوْله - تَعَالَى -: {فريقا
176
﴿وفريقا حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة إِنَّهُم اتَّخذُوا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء من دون الله وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون (٣٠) يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد وكلوا وَاشْرَبُوا وَلَا تسرفوا إِنَّه﴾ هدى وفريقا حق عَلَيْهِم الضَّلَالَة) أَي: فريقا هدَاهُم الله، وفريقا أضلهم الله [تَعَالَى] ؛ فَوَجَبت عَلَيْهِم الضَّلَالَة، وَقد صَحَّ الحَدِيث عَن ابْن مَسْعُود - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: " حَدثنِي الصَّادِق المصدوق - يَعْنِي رَسُول الله -: أَن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل الْجنَّة حَتَّى لَا يكون بَينه وَبَين الْجنَّة إِلَّا ذِرَاعا؛ فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب، فَيعْمل بِعَمَل أهل النَّار؛ فَيدْخل النَّار، وَإِن الرجل ليعْمَل بِعَمَل أهل النَّار، حَتَّى لَا يبْقى بَينه وَبَين النَّار إِلَّا ذِرَاع، فَيَسْبق عَلَيْهِ الْكتاب، فَيعْمل بِعَمَل أهل الْجنَّة؛ فَيدْخل الْجنَّة ".
﴿إِنَّهُم اتَّخذُوا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء من دون الله وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون﴾ وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن المستبصر بالْكفْر الَّذِي يحْسب أَنه على الْحق مثل المعاند سَوَاء.
﴿إِنَّهُم اتَّخذُوا الشَّيَاطِين أَوْلِيَاء من دون الله وَيَحْسبُونَ أَنهم مهتدون﴾ وَفِي هَذَا دَلِيل على أَن المستبصر بالْكفْر الَّذِي يحْسب أَنه على الْحق مثل المعاند سَوَاء.
177
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَا بني آدم خُذُوا زينتكم عِنْد كل مَسْجِد﴾ هُوَ فِي الْأَمر بِالطّوافِ وَالصَّلَاة لابسا، وَفِي شواذ التفاسير: أَنه الْمشْط، وَلبس النَّعْل، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: السكينَة، وَالْوَقار، وَذَلِكَ معنى مَا روى عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " إِذا أتيتم الصَّلَاة فَلَا تأتوها وَأَنْتُم تسعون وَلَكِن ائتوها وَأَنْتُم تمشون، وَعَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار ".
﴿وكلوا وَاشْرَبُوا﴾ قَالَ الْفراء: إِنَّمَا أَمرهم بِالْأَكْلِ وَالشرب؛ لأَنهم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يتركون أكل اللَّحْم وَالدَّسم فِي وَقت الْمَوْسِم، كَمَا يتركون اللبَاس عِنْد الطّواف وَيَقُولُونَ: نَتْرُك اللَّحْم وَالدَّسم لله - تَعَالَى -.
﴿وَلَا تسرفوا﴾ أَي: بتحليل مَا حرم الله، وبتحريم مَا أحل الله، وكل مَال أنْفق
﴿وكلوا وَاشْرَبُوا﴾ قَالَ الْفراء: إِنَّمَا أَمرهم بِالْأَكْلِ وَالشرب؛ لأَنهم كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّة يتركون أكل اللَّحْم وَالدَّسم فِي وَقت الْمَوْسِم، كَمَا يتركون اللبَاس عِنْد الطّواف وَيَقُولُونَ: نَتْرُك اللَّحْم وَالدَّسم لله - تَعَالَى -.
﴿وَلَا تسرفوا﴾ أَي: بتحليل مَا حرم الله، وبتحريم مَا أحل الله، وكل مَال أنْفق
177
﴿لَا يحب المسرفين (٣١) قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ والطيبات من الرزق قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة كَذَلِك نفصل الْآيَات لقوم يعلمُونَ (٣٢) قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن وَالْإِثْم وَالْبَغي بِغَيْر الْحق وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ (٣٣) ﴾ فِي مَعْصِيّة الله؛ فَهُوَ سرف، وأصل الْإِسْرَاف: هُوَ مُجَاوزَة الْحَد بغلو أَو تَقْصِير ﴿إِنَّه لَا يحب المسرفين﴾.
178
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قل من حرم زِينَة الله الَّتِي أخرج لِعِبَادِهِ﴾ يَعْنِي: اللبَاس عِنْد الطّواف ﴿والطيبات من الرزق﴾ يَعْنِي: مَا حرمُوا على أنفسهم من أكل اللَّحْم فِي أَيَّام الْمَوْسِم، مَعَ سَائِر مَا حرمُوا من الْبحيرَة، والسائبة وَنَحْوهَا. ﴿قل هِيَ للَّذين آمنُوا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة﴾ قَالَ أَكثر الْمُفَسّرين - وَهُوَ قَول الضَّحَّاك -: فِيهِ حذف، وَتَقْدِيره: هِيَ للَّذين آمنُوا وللمشركين فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا، خَالِصَة للْمُؤْمِنين يَوْم الْقِيَامَة: وَقيل: مَعْنَاهُ: خَالِصَة يَوْم الْقِيَامَة من التنغيص وَالْغَم، فَإِنَّهَا لَهُم فِي الدُّنْيَا مَعَ التنغيص وَالْغَم. ﴿كَذَلِك نفصل الْآيَات لقوم يعلمُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قل إِنَّمَا حرم رَبِّي الْفَوَاحِش مَا ظهر مِنْهَا وَمَا بطن﴾ قَالَ قَتَادَة: هِيَ الزِّنَا سرا وعلنا، وَقَالَ غَيره: مَا ظهر مِنْهَا: نِكَاح الْمَحَارِم، وَمَا بطن: الزِّنَا ﴿وَالْإِثْم وَالْبَغي يُغير الْحق﴾ أما الْإِثْم فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: قَالَ الْفراء: كل مَا دون الْحَد، وَقيل: هُوَ كل الْمعاصِي، وَقيل: الْإِثْم الْخمر، وَقد ورد ذَلِك فِي الشّعْر:
وَأما الْبَغي، قيل: هُوَ الاستطالة على النَّاس، وَقيل هُوَ الْفساد، وَقَالَ ثَعْلَب: هُوَ أَن يَقع فِي النَّاس بِغَيْر الْحق ﴿وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّه﴾ وَتَقْدِيره: وَحرم أَن تُشْرِكُوا بِاللَّه ﴿مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا﴾ أَي: حجَّة ﴿وَأَن تَقولُوا على الله مَا لَا تعلمُونَ﴾ لأَنهم كَانُوا
أَحدهَا: قَالَ الْفراء: كل مَا دون الْحَد، وَقيل: هُوَ كل الْمعاصِي، وَقيل: الْإِثْم الْخمر، وَقد ورد ذَلِك فِي الشّعْر:
(شربت (الْإِثْم) حَتَّى ضل عَقْلِي | كَذَاك الْإِثْم يذهب بالعقول) |
178
﴿وَلكُل أمة اجل فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤) يَا بني آدم إِمَّا يَأْتينكُمْ رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي فَمن اتَّقى وَأصْلح فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم﴾ ينسبون كل مَا ارتكبوا من الْفَوَاحِش والإشراك إِلَى الله - تَعَالَى - وَيَقُولُونَ: نفعله بِأَمْر الله؛ فَهَذَا قَوْلهم على الله مَا لَا يعلمُونَ.
179
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلكُل أمة أجل﴾ يَعْنِي: مُدَّة الْعُمر ﴿فَإِذا جَاءَ أَجلهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ فَإِن قيل: لم خص السَّاعَة، وهم لَا يَسْتَأْخِرُونَ دون السَّاعَة، وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ؟ قيل: إِنَّمَا خصها لِأَنَّهَا أقل الْأَوْقَات الْمَعْلُومَة.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَا بني آدم إِمَّا يَأْتينكُمْ﴾ فَقَوله: " إِمَّا " كلمتان: " إِن " و " مَا " فأدغمت إِحْدَاهمَا فِي الْأُخْرَى، وَمَعْنَاهُ: مَتى يأتكم، وَإِن يأتكم ﴿رسل مِنْكُم﴾ قيل: أَرَادَ بِهِ رَسُولنَا خَاصَّة، وَقيل: كل الرُّسُل ﴿يقصون عَلَيْكُم آياتي فَمن اتَّقى وَأصْلح﴾ أَي: اتَّقى الشّرك، وَأصْلح مَا بَينه وَبَين ربه ﴿فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا﴾ وَإِنَّمَا ذكر الاستكبار؛ لِأَن كل مكذب وكل كَافِر مستكبر، وَإِنَّمَا كذب وَكفر تكبرا، قَالَ الله - تَعَالَى - ﴿إِنَّهُم كَانُوا إِذا قيل لَهُم لَا إِلَه إِلَّا الله يَسْتَكْبِرُونَ﴾ أَي: استكبروا عَن الْإِقْرَار بالوحدانية ﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو كذب بآياته﴾ وَقد بَينا هَذَا الافتراء ﴿أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب﴾ فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال:
أَحدهَا - وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس: ينالهم مَا قدر لَهُم من خير وَشر.
وَالثَّانِي: قَول مُجَاهِد: ينالهم مَا وعدوا من خير وَشر.
وَالثَّالِث: قَول سعيد بن جُبَير: ينالهم مَا قضى لَهُم من الشقاوة والسعادة.
وَالرَّابِع: قَول مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: أَرَادَ بِهِ: الْأَجَل وَالْعَمَل والرزق.
أَحدهَا - وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس: ينالهم مَا قدر لَهُم من خير وَشر.
وَالثَّانِي: قَول مُجَاهِد: ينالهم مَا وعدوا من خير وَشر.
وَالثَّالِث: قَول سعيد بن جُبَير: ينالهم مَا قضى لَهُم من الشقاوة والسعادة.
وَالرَّابِع: قَول مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ: أَرَادَ بِهِ: الْأَجَل وَالْعَمَل والرزق.
179
﴿يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ (٣٦) فَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو كذب بآياته أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب حَتَّى إِذا جَاءَتْهُم رسلنَا يتوفونهم قَالُوا أَيْن مَا كُنْتُم تدعون من دون الله قَالُوا ضلوا عَنَّا وشهدوا على أنفسهم أَنهم كَانُوا كَافِرين (٣٧) قَالَ ادخُلُوا فِي أُمَم قد خلت من قبلكُمْ من الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا حَتَّى إِذا﴾
وَفِيه قَول خَامِس مَعْرُوف: ينالهم نصِيبهم من الْعَذَاب الْمَذْكُور فِي الْكتاب؛ فَإِنَّهُ ذكر فِي الْكتاب عَذَاب الْفرق من الْكفَّار مثل: الْمُنَافِقين وَالْيَهُود، وَالنَّصَارَى، وَالْمُشْرِكين.
﴿حَتَّى إِذا جَاءَتْهُم رسلنَا يتوفونهم﴾ يَعْنِي: ملك الْمَوْت وأعوانه ﴿يتوفونهم﴾ أَي: يتوفون عدد آجالهم ﴿قَالُوا أَيْن مَا كُنْتُم تدعون من دون الله﴾ يَعْنِي: الرُّسُل يَقُولُونَ للْكفَّار: أَيْن الَّذين كُنْتُم تدعون من دون الله من الْأَصْنَام؟ ﴿قَالُوا ضلوا عَنَّا﴾ أَي: ذَهَبُوا وفاتوا عَنَّا ﴿وشهدوا على أنفسهم أَنهم كَانُوا كَافِرين﴾.
وَفِيه قَول خَامِس مَعْرُوف: ينالهم نصِيبهم من الْعَذَاب الْمَذْكُور فِي الْكتاب؛ فَإِنَّهُ ذكر فِي الْكتاب عَذَاب الْفرق من الْكفَّار مثل: الْمُنَافِقين وَالْيَهُود، وَالنَّصَارَى، وَالْمُشْرِكين.
﴿حَتَّى إِذا جَاءَتْهُم رسلنَا يتوفونهم﴾ يَعْنِي: ملك الْمَوْت وأعوانه ﴿يتوفونهم﴾ أَي: يتوفون عدد آجالهم ﴿قَالُوا أَيْن مَا كُنْتُم تدعون من دون الله﴾ يَعْنِي: الرُّسُل يَقُولُونَ للْكفَّار: أَيْن الَّذين كُنْتُم تدعون من دون الله من الْأَصْنَام؟ ﴿قَالُوا ضلوا عَنَّا﴾ أَي: ذَهَبُوا وفاتوا عَنَّا ﴿وشهدوا على أنفسهم أَنهم كَانُوا كَافِرين﴾.
180
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ ادخُلُوا فِي أُمَم﴾ يَعْنِي: مَعَ أُمَم، وَهُوَ مثل قَول امْرِئ الْقَيْس:
أَي: مَعَ ثَلَاثَة أَحْوَال: وَقيل: مَعْنَاهُ: ادخُلُوا بَين أُمَم (قد خلت) أَي: مَضَت ﴿من قبلكُمْ من الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار﴾ وَفِيه دَلِيل على أَن الْجِنّ يموتون كالإنس؛ خلافًا لقَوْل الْحسن، حَيْثُ قَالَ: لَا يموتون.
﴿كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا﴾ قَالَ الْفراء: يَعْنِي: أُخْتهَا فِي الدّين لَا فِي النّسَب، يَعْنِي: يلعن الْيَهُود الْيَهُود، وَالنَّصَارَى النَّصَارَى.
﴿حَتَّى إِذا اداركوا﴾ أَي: تداركوا وتتابعوا واجتمعوا ﴿فِيهَا جَمِيعًا قَالَت أخراهم لأولاهم﴾ أَرَادَ بِهِ: أُخْرَى كل أمة، وَأولى كل أمة، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: آخِرهم دُخُولا، وأولهم دُخُولا، وهم القادة مَعَ الأتباع؛ فَإِن القادة يدْخلُونَ أَولا.
(وَهل ينعمن من كَانَ أقرب عَهده | ثَلَاثِينَ شهرا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال) |
﴿كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا﴾ قَالَ الْفراء: يَعْنِي: أُخْتهَا فِي الدّين لَا فِي النّسَب، يَعْنِي: يلعن الْيَهُود الْيَهُود، وَالنَّصَارَى النَّصَارَى.
﴿حَتَّى إِذا اداركوا﴾ أَي: تداركوا وتتابعوا واجتمعوا ﴿فِيهَا جَمِيعًا قَالَت أخراهم لأولاهم﴾ أَرَادَ بِهِ: أُخْرَى كل أمة، وَأولى كل أمة، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: آخِرهم دُخُولا، وأولهم دُخُولا، وهم القادة مَعَ الأتباع؛ فَإِن القادة يدْخلُونَ أَولا.
180
﴿فضل فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكسبون (٣٩) إِن الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط وَكَذَلِكَ نجزي الْمُجْرمين (٤٠) لَهُم من جَهَنَّم مهاد وَمن فَوْقهم غواش وَكَذَلِكَ نجزي الظَّالِمين﴾
﴿رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا﴾ يَعْنِي: القادة أضلونا ﴿فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار﴾ أَي: ضاعف لَهُم الْعَذَاب ﴿قَالَ لكل ضعف وَلَكِن لَا تعلمُونَ﴾ بِالتَّاءِ فَقَوله ﴿وَلَكِن لَا تعلمُونَ﴾ يَعْنِي: أَيهَا النَّاس لَا تعلمُونَ، أما من قَرَأَ بِالْيَاءِ فَمَعْنَاه: لَا يعلم القادة مَا للأتباع وَلَا الأتباع الأتباع مَا للقادة.
﴿رَبنَا هَؤُلَاءِ أضلونا﴾ يَعْنِي: القادة أضلونا ﴿فآتهم عذَابا ضعفا من النَّار﴾ أَي: ضاعف لَهُم الْعَذَاب ﴿قَالَ لكل ضعف وَلَكِن لَا تعلمُونَ﴾ بِالتَّاءِ فَقَوله ﴿وَلَكِن لَا تعلمُونَ﴾ يَعْنِي: أَيهَا النَّاس لَا تعلمُونَ، أما من قَرَأَ بِالْيَاءِ فَمَعْنَاه: لَا يعلم القادة مَا للأتباع وَلَا الأتباع الأتباع مَا للقادة.
181
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَقَالَت أولاهم﴾ يَعْنِي: القادة ﴿لأخراهم﴾ يَعْنِي: الأتباع ﴿فَمَا كَانَ لكم علينا من فضل﴾ قَالَ السّديّ: مَعْنَاهُ: أَنكُمْ كَفرْتُمْ، كَمَا كفرنا، وجحدتم كَمَا جحدنا، فَلَيْسَ لكم علينا من فضل، وَقيل: مَعْنَاهُ: مَا كَانَ لكم علينا من فضل فِي تَخْفيف الْعَذَاب ﴿فَذُوقُوا الْعَذَاب بِمَا كُنْتُم تكسبون﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِن الَّذين كفرُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب السَّمَاء﴾ اعْلَم أَن أَبْوَاب السَّمَاء تفتح لثَلَاثَة: للأعمال، والأدعية، والأرواح، وَفِي الْخَبَر. " أَن الْملك يصعد بِروح الْمُؤمن، وَلها ريح طيبَة؛ فتفتح لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء، ويصعد بِروح الْكَافِر، وَلها ريح مُنْتِنَة؛ فتغلق لَهَا أَبْوَاب السَّمَاء، وَيُؤمر بطرحها فِي السجين فَذَلِك قَوْله - تَعَالَى -: ( ﴿كلا إِن كتاب الْأَبْرَار لفي عليين﴾ كلا إِن كتاب الْفجار لفي سِجِّين) " وَمعنى الْآيَة: أَنه لَا تفتح أَبْوَاب السَّمَاء لأعمال الْكفَّار وأدعيتهم وأرواحهم.
181
( ﴿٤١) وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة﴾
وَقيل: مَعْنَاهُ: لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب الْجنَّة، لَكِن عبر عَنْهَا بِأَبْوَاب السَّمَاء؛ لِأَن أَبْوَاب الْجنَّة فِي السَّمَاء.
﴿وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط﴾ وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: " يلج الْجمل " بِرَفْع الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم، وَقَرَأَ سعيد بن جُبَير: " حَتَّى يلج الْجمل " بِرَفْع الْجِيم مُخَفّفَة الْمِيم، وَقَرَأَ ابْن سِيرِين: " فِي سم الْخياط " بِرَفْع السِّين، وَالْمَعْرُوف ﴿حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط﴾ وَهُوَ الْجمل الْمَعْرُوف، وَسُئِلَ ابْن مَسْعُود عَن هَذَا الْجمل فَقَالَ: هُوَ زوج النَّاقة، كَأَنَّهُ استحمق السَّائِل حِين سَأَلَهُ عَمَّا لَا يخفى، ويحكى عَن الْحسن أَنه قَالَ: هُوَ الأشطر الَّذِي عَلَيْهِ جولقان أسودان، وَأما الْجمل الَّذِي قَرَأَهُ ابْن مَسْعُود: فَهُوَ قلس السَّفِينَة، وَأما الْجمل بِالتَّخْفِيفِ، قيل: هُوَ أَيْضا قلس السَّفِينَة، وَقيل: هُوَ حَبل السَّفِينَة، وَأما السم والسم وَاحِد، وَهُوَ ثقبة الْمخيط، وَالْمرَاد بِالْآيَةِ: تَأْكِيد منع دُخُولهمْ الْجنَّة، وَذَلِكَ سَائِر فِي كَلَام الْعَرَب، وَهُوَ مثل قَوْلهم: لَا أفعل كَذَا حَتَّى يشيب الْغُرَاب، وَحَتَّى يبيض القار، وَقَالَ الشَّاعِر:
والقار والقير: شَيْء أسود، يضْرب بِهِ الْمثل، يُقَال: شَيْء كالقير والقار فِي السوَاد ﴿وَكَذَلِكَ نجزي الْمُجْرمين﴾.
وَقيل: مَعْنَاهُ: لَا تفتح لَهُم أَبْوَاب الْجنَّة، لَكِن عبر عَنْهَا بِأَبْوَاب السَّمَاء؛ لِأَن أَبْوَاب الْجنَّة فِي السَّمَاء.
﴿وَلَا يدْخلُونَ الْجنَّة حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط﴾ وَقَرَأَ ابْن عَبَّاس: " يلج الْجمل " بِرَفْع الْجِيم وَتَشْديد الْمِيم، وَقَرَأَ سعيد بن جُبَير: " حَتَّى يلج الْجمل " بِرَفْع الْجِيم مُخَفّفَة الْمِيم، وَقَرَأَ ابْن سِيرِين: " فِي سم الْخياط " بِرَفْع السِّين، وَالْمَعْرُوف ﴿حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط﴾ وَهُوَ الْجمل الْمَعْرُوف، وَسُئِلَ ابْن مَسْعُود عَن هَذَا الْجمل فَقَالَ: هُوَ زوج النَّاقة، كَأَنَّهُ استحمق السَّائِل حِين سَأَلَهُ عَمَّا لَا يخفى، ويحكى عَن الْحسن أَنه قَالَ: هُوَ الأشطر الَّذِي عَلَيْهِ جولقان أسودان، وَأما الْجمل الَّذِي قَرَأَهُ ابْن مَسْعُود: فَهُوَ قلس السَّفِينَة، وَأما الْجمل بِالتَّخْفِيفِ، قيل: هُوَ أَيْضا قلس السَّفِينَة، وَقيل: هُوَ حَبل السَّفِينَة، وَأما السم والسم وَاحِد، وَهُوَ ثقبة الْمخيط، وَالْمرَاد بِالْآيَةِ: تَأْكِيد منع دُخُولهمْ الْجنَّة، وَذَلِكَ سَائِر فِي كَلَام الْعَرَب، وَهُوَ مثل قَوْلهم: لَا أفعل كَذَا حَتَّى يشيب الْغُرَاب، وَحَتَّى يبيض القار، وَقَالَ الشَّاعِر:
(إِذا شَاب الْغُرَاب أتيت أَهلِي | وَصَارَ القار كاللبن الحليب) |
182
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿لَهُم من جَهَنَّم مهاد﴾ أَي: فرش ﴿وَمن فَوْقهم غواش﴾ أَي: لحف وَهَذَا مثل قَوْله: ﴿لَهُم من فَوْقهم ظلل من النَّار وَمن تَحْتهم ظلل﴾.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ - رَحمَه الله -: التَّنْوِين فِي قَوْله ﴿غواش﴾ غير أُصَلِّي، وَإِنَّمَا هُوَ بدل عَن الْيَاء وَأَصله: " غواشي " وَمثله كثير ( ﴿وَكَذَلِكَ نجزي الظَّالِمين﴾
قَالَ سِيبَوَيْهٍ - رَحمَه الله -: التَّنْوِين فِي قَوْله ﴿غواش﴾ غير أُصَلِّي، وَإِنَّمَا هُوَ بدل عَن الْيَاء وَأَصله: " غواشي " وَمثله كثير ( ﴿وَكَذَلِكَ نجزي الظَّالِمين﴾
وَالَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات لَا نكلف نفسا إِلَّا وسعهَا) أَي: طاقتها ﴿أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة هم فِيهَا خَالدُونَ﴾.
182
﴿هم فِيهَا خَالدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورهمْ من غل تجْرِي من تَحْتهم الْأَنْهَار وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله لقد جَاءَت رسل رَبنَا﴾
183
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صدروهم من غل تجْرِي من تَحْتهم الْأَنْهَار﴾. الغل الْغِشّ والحقد، وَعَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أَرْجُو أَن أكون أَنا وَعُثْمَان وَطَلْحَة وَالزُّبَيْر من الَّذين قَالَ الله - تَعَالَى -: ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صدروهم من غل﴾.
وروى مُسلم فِي الصَّحِيح بِإِسْنَادِهِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِذا خلص الْمُؤْمِنُونَ عَن الصِّرَاط حبسوا على قنطرة بَين الْجنَّة وَالنَّار، فيقتص بَعضهم من بعض، حَتَّى إِذا نقوا وهذبوا، أذن لَهُم فِي دُخُول الْجنَّة؛ فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ، لأَحَدهم أهْدى إِلَى منزله فِي الْجنَّة مِنْهُ إِلَى منزله فِي الدُّنْيَا ". وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن على بَاب الْجنَّة عينا يشرب مِنْهَا أهل الْجنَّة ويغتسلون؛ فَيذْهب الغل والحقد من قُلُوبهم، ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة ".
﴿وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله﴾، وَفِي هَذَا دَلِيل على الْقَدَرِيَّة ﴿لقد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ تِلْكَ تَأْنِيث ذَلِك، وَمعنى الْآيَة: كَأَنَّهُمْ إِذا رَأَوْا الْجنَّة من بعيد نُودُوا: أَن تلكم الْجنَّة، وَقيل: هَذَا النداء يكون فِي الْجنَّة، فينادون: هَذِه الْجنَّة الَّتِي أورثتموها، وَفِي الْخَبَر: " أَن لكل وَاحِد منزلا فِي الْجنَّة ومنزلا فِي النَّار، ثمَّ يَرث الْمُؤمن من الْكَافِر منزله فِي الْجنَّة، وَيَرِث الْكَافِر من الْمُؤمن منزله فِي النَّار ".
وروى مُسلم فِي الصَّحِيح بِإِسْنَادِهِ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ - رَضِي الله عَنهُ - عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِذا خلص الْمُؤْمِنُونَ عَن الصِّرَاط حبسوا على قنطرة بَين الْجنَّة وَالنَّار، فيقتص بَعضهم من بعض، حَتَّى إِذا نقوا وهذبوا، أذن لَهُم فِي دُخُول الْجنَّة؛ فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ، لأَحَدهم أهْدى إِلَى منزله فِي الْجنَّة مِنْهُ إِلَى منزله فِي الدُّنْيَا ". وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن على بَاب الْجنَّة عينا يشرب مِنْهَا أهل الْجنَّة ويغتسلون؛ فَيذْهب الغل والحقد من قُلُوبهم، ثمَّ يدْخلُونَ الْجنَّة ".
﴿وَقَالُوا الْحَمد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله﴾، وَفِي هَذَا دَلِيل على الْقَدَرِيَّة ﴿لقد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ تِلْكَ تَأْنِيث ذَلِك، وَمعنى الْآيَة: كَأَنَّهُمْ إِذا رَأَوْا الْجنَّة من بعيد نُودُوا: أَن تلكم الْجنَّة، وَقيل: هَذَا النداء يكون فِي الْجنَّة، فينادون: هَذِه الْجنَّة الَّتِي أورثتموها، وَفِي الْخَبَر: " أَن لكل وَاحِد منزلا فِي الْجنَّة ومنزلا فِي النَّار، ثمَّ يَرث الْمُؤمن من الْكَافِر منزله فِي الْجنَّة، وَيَرِث الْكَافِر من الْمُؤمن منزله فِي النَّار ".
183
﴿بِالْحَقِّ ونودوا أَن تلكم الْجنَّة أورثتموها بِمَا كُنْتُم تعلمُونَ (٤٣) ونادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار أَن قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل جدتم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين (٤٤) الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله﴾
184
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ونادى أَصْحَاب الْجنَّة أَصْحَاب النَّار أَن قد وجدنَا مَا وعدنا رَبنَا حَقًا فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا﴾ وَهَذَا قبل التطبيق على جَهَنَّم ﴿قَالُوا نعم﴾ وَقد بَينا أَن جَوَاب الِاسْتِفْهَام الَّذِي فِيهِ جحد: " بلَى "، وَجَوَاب الِاسْتِفْهَام الَّذِي لَيْسَ فِيهِ تجحد: " نعم " ﴿فَأذن مُؤذن بَينهم أَن لعنة الله على الظَّالِمين﴾.
﴿الَّذين يصدون عَن سَبِيل الله﴾ أَي: يعرضون عَن الدّين ﴿ويبغونها عوجا﴾ أَي: يطْلبُونَ الدّين بالزيغ، والعوج بِمَعْنى الزيغ هَا هُنَا ( ﴿وهم بِالآخِرَة كافرون﴾
وَبَينهمَا حجاب) وَهُوَ حجاب بَين الْجنَّة وَالنَّار. ﴿وعَلى الْأَعْرَاف رجال﴾ قيل: الْأَعْرَاف: سور بَين الْجنَّة وَالنَّار، وَذَلِكَ قَوْله: ﴿فَضرب بَينهم بسور﴾ وَقيل: هُوَ مَكَان مُرْتَفع، وَالْأول أصح، وَعَلِيهِ الْأَكْثَرُونَ.
وَأما الرِّجَال الَّذين على الْأَعْرَاف، اخْتلفُوا فيهم، قَالَ ابْن مَسْعُود، وَحُذَيْفَة، وَعَطَاء: هم قوم اسْتَوَت حسناتهم وسيئاتهم، وَقَالَ أَبُو مجلز لَاحق بن حميد، هم قوم من الْمَلَائِكَة فِي صُورَة رجال من الْإِنْس، وَحكى مقَاتل بن سُلَيْمَان فِي تَفْسِيره عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " هم قوم غزوا بِغَيْر إِذن آبَائِهِم، فاستشهدوا، فبقوا على الْأَعْرَاف تمنع شَهَادَتهم دُخُولهمْ النَّار، وَيمْنَع عصيانهم الْآبَاء دُخُولهمْ الْجنَّة ".
وَأما الرِّجَال الَّذين على الْأَعْرَاف، اخْتلفُوا فيهم، قَالَ ابْن مَسْعُود، وَحُذَيْفَة، وَعَطَاء: هم قوم اسْتَوَت حسناتهم وسيئاتهم، وَقَالَ أَبُو مجلز لَاحق بن حميد، هم قوم من الْمَلَائِكَة فِي صُورَة رجال من الْإِنْس، وَحكى مقَاتل بن سُلَيْمَان فِي تَفْسِيره عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " هم قوم غزوا بِغَيْر إِذن آبَائِهِم، فاستشهدوا، فبقوا على الْأَعْرَاف تمنع شَهَادَتهم دُخُولهمْ النَّار، وَيمْنَع عصيانهم الْآبَاء دُخُولهمْ الْجنَّة ".
184
﴿ويبغونها عوجا وهم بِالآخِرَة كافرون (٤٥) وَبَينهمَا حجاب وعَلى الْأَعْرَاف رجال يعْرفُونَ كلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجنَّة أَن سَلام عَلَيْكُم لم يدخلوها وهم يطمعون (٤٦) وَإِذا صرفت أَبْصَارهم تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار قَالُوا رَبنَا لَا تجعلنا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين (٤٧) ونادى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رجَالًا يعرفونهم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أغْنى عَنْكُم جمعكم﴾
وَقَالَ الْحسن: هم أهل الْفضل من الْمُؤمنِينَ، جعلُوا على الْأَعْرَاف؛ فيطلعون على أهل الْجنَّة وَالنَّار، يطالعون أَحْوَال الْفَرِيقَيْنِ ﴿يعْرفُونَ كلا بِسِيمَاهُمْ﴾ أَي: يعْرفُونَ أهل الْجنَّة ببياض وُجُوههم، وَأهل النَّار بسواد وُجُوههم.
﴿وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجنَّة أَن سَلام عَلَيْكُم﴾ فَإِذا رَأَوْا أهل الْجنَّة قَالُوا: سَلام عَلَيْكُم ﴿لم يدخلوها﴾ يَعْنِي: أَصْحَاب الْأَعْرَاف لم يدخلُوا الْجنَّة ﴿وهم يطمعون﴾ يَعْنِي: فِي دُخُول الْجنَّة، قَالَ الْحسن: الَّذِي جعل الطمع فِي قُلُوبهم يوصلهم إِلَى مَا يطمعون. وَقَالَ حُذَيْفَة - رَضِي الله عَنهُ: لَا يخيب الله أطماعهم.
وَقَالَ الْحسن: هم أهل الْفضل من الْمُؤمنِينَ، جعلُوا على الْأَعْرَاف؛ فيطلعون على أهل الْجنَّة وَالنَّار، يطالعون أَحْوَال الْفَرِيقَيْنِ ﴿يعْرفُونَ كلا بِسِيمَاهُمْ﴾ أَي: يعْرفُونَ أهل الْجنَّة ببياض وُجُوههم، وَأهل النَّار بسواد وُجُوههم.
﴿وَنَادَوْا أَصْحَاب الْجنَّة أَن سَلام عَلَيْكُم﴾ فَإِذا رَأَوْا أهل الْجنَّة قَالُوا: سَلام عَلَيْكُم ﴿لم يدخلوها﴾ يَعْنِي: أَصْحَاب الْأَعْرَاف لم يدخلُوا الْجنَّة ﴿وهم يطمعون﴾ يَعْنِي: فِي دُخُول الْجنَّة، قَالَ الْحسن: الَّذِي جعل الطمع فِي قُلُوبهم يوصلهم إِلَى مَا يطمعون. وَقَالَ حُذَيْفَة - رَضِي الله عَنهُ: لَا يخيب الله أطماعهم.
185
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَإِذا صرفت أَبْصَارهم تِلْقَاء أَصْحَاب النَّار قَالُوا رَبنَا لَا تجعلنا مَعَ الْقَوْم الظَّالِمين﴾ يَعْنِي: إِذا اطلعوا على أهل النَّار، وَمَا هم فِيهِ؛ استعاذوا بِاللَّه من النَّار.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ونادى أَصْحَاب الْأَعْرَاف رجَالًا يعرفونهم بِسِيمَاهُمْ﴾ قيل: إِنَّهُم يرَوْنَ الْكفَّار؛ فيعرفونهم، مثل: الْوَلِيد بن الْمُغيرَة، وَأبي جهل، وَأبي لَهب، وَنَحْوهم فينادونهم ﴿قَالُوا مَا أغْنى عَنْكُم جمعكم﴾ يَعْنِي: مَا نفعكم اجتماعكم وتظاهركم فِي الدُّنْيَا ﴿وَمَا كُنْتُم تستكبرون﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة﴾ وَذَلِكَ حِين قَالُوا
185
﴿وَمَا كُنْتُم تستكبرون (٤٨) أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة ادخُلُوا الْجنَّة لَا خوف عَلَيْكُم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ (٤٩) ونادى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجنَّة أَن أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله قَالُوا إِن الله حرمهما على الْكَافرين (٥٠) الَّذين﴾ للْكفَّار مَا قَالُوا، ثمَّ ينظرُونَ إِلَى أهل الْجنَّة؛ فيرون خبابا، وَعمَّارًا، وبلالا، وصهيبا وَنَحْوهم، فَيَقُول أَصْحَاب الْأَعْرَاف لأولئك الْكفَّار: ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة﴾ يَعْنِي: أَهَؤُلَاءِ الَّذين حلفتم أَنهم لَا يدْخلُونَ الْجنَّة، وَقد دخلُوا، يَعْنِي: خبابا، وَعمَّارًا، وَنَحْوهمَا.
ثمَّ يَقُول الله - تَعَالَى -: ﴿ادخُلُوا الْجنَّة لَا خوف عَلَيْكُم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ﴾ وَفِيه قَول آخر: أَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف إِذا قَالُوا لأولئك الْكفَّار مَا قَالُوا؛ يَقُول الْكفَّار لَهُم: إِن دخلُوا أُولَئِكَ الْجنَّة وَنحن فِي النَّار فَأنْتم لم تدْخلُوا الْجنَّة بعد، فيعيرونهم على ذَلِك، ويحلفون أَنهم (لَا يدْخلُونَ) الْجنَّة؛ فَيَقُول الله - تَعَالَى - لأولئك الْكفَّار: ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة ادخُلُوا الْجنَّة لَا خوف عَلَيْكُم﴾ يَقُوله لأَصْحَاب الْأَعْرَاف؛ فيدخلهم الْجنَّة ﴿وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ﴾.
ثمَّ يَقُول الله - تَعَالَى -: ﴿ادخُلُوا الْجنَّة لَا خوف عَلَيْكُم وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ﴾ وَفِيه قَول آخر: أَن أَصْحَاب الْأَعْرَاف إِذا قَالُوا لأولئك الْكفَّار مَا قَالُوا؛ يَقُول الْكفَّار لَهُم: إِن دخلُوا أُولَئِكَ الْجنَّة وَنحن فِي النَّار فَأنْتم لم تدْخلُوا الْجنَّة بعد، فيعيرونهم على ذَلِك، ويحلفون أَنهم (لَا يدْخلُونَ) الْجنَّة؛ فَيَقُول الله - تَعَالَى - لأولئك الْكفَّار: ﴿أَهَؤُلَاءِ الَّذين أقسمتم لَا ينالهم الله برحمة ادخُلُوا الْجنَّة لَا خوف عَلَيْكُم﴾ يَقُوله لأَصْحَاب الْأَعْرَاف؛ فيدخلهم الْجنَّة ﴿وَلَا أَنْتُم تَحْزَنُونَ﴾.
186
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ونادى أَصْحَاب النَّار أَصْحَاب الْجنَّة أَن أفيضوا علينا من المَاء أَو مِمَّا رزقكم الله﴾ فِي هَذَا دَلِيل على أَنهم كَمَا يُعَذبُونَ بالنَّار؛ فَيكون عَلَيْهِم عَذَاب الْجُوع والعطش مَعَ عَذَاب النَّار؛ حَتَّى يسْأَلُوا الطَّعَام وَالشرَاب.
وَفِي الْخَبَر " أَن الرجل من أهل النَّار يرى أَخَاهُ أَو قرينه فِي الْجنَّة؛ فَيَقُول لَهُ من النَّار: يَا أخي أَغِثْنِي بِشَربَة مَاء فقد احترقت. فَيَقُول: إِن الله حرمه على الْكَافرين؛ فَذَلِك قَول الله - تَعَالَى -: ﴿قَالُوا إِن الله حرمهما على الْكَافرين﴾ يَعْنِي: الطَّعَام وَالشرَاب، وَهَذَا تَحْرِيم منع لَا تَحْرِيم تعبد، وَاعْلَم أَن لسقي المَاء أجر عَظِيم، وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من سقى مُؤمنا شربة مَاء؛ بعده الله من جَهَنَّم شوط فرس ".
وَفِي الْخَبَر " أَن الرجل من أهل النَّار يرى أَخَاهُ أَو قرينه فِي الْجنَّة؛ فَيَقُول لَهُ من النَّار: يَا أخي أَغِثْنِي بِشَربَة مَاء فقد احترقت. فَيَقُول: إِن الله حرمه على الْكَافرين؛ فَذَلِك قَول الله - تَعَالَى -: ﴿قَالُوا إِن الله حرمهما على الْكَافرين﴾ يَعْنِي: الطَّعَام وَالشرَاب، وَهَذَا تَحْرِيم منع لَا تَحْرِيم تعبد، وَاعْلَم أَن لسقي المَاء أجر عَظِيم، وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من سقى مُؤمنا شربة مَاء؛ بعده الله من جَهَنَّم شوط فرس ".
186
﴿اتَّخذُوا دينهم لهوا وَلَعِبًا وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا فاليوم ننساهم كَمَا نسوا لِقَاء يومهم هَذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون (٥١) وَلَقَد جئناهم بِكِتَاب فصلناه على علم هدى وَرَحْمَة لقوم يُؤمنُونَ (٥٢) هَل ينظرُونَ إِلَّا تَأْوِيله يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله يَقُول الَّذين نسوه من قبل قد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ فَهَل لنا من شُفَعَاء فيشفعوا لنا أَو نرد فنعمل غير الَّذِي كُنَّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عَنْهُم مَا كَانُوا يفترون (٥٣) إِن ربكُم الله الَّذِي خلق﴾
187
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿الَّذين اتَّخذُوا دينهم لهوا وَلَعِبًا وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ مَعْنَاهُ: أكلا وشربا، قَالَه عبد الله بن الْحَارِث، وَقيل: مَعْنَاهُ: الَّذين كَانَت همتهم الدُّنْيَا، واشتغالهم بهَا؛ فهم الَّذين اتَّخذُوا دينهم لهوا وَلَعِبًا، وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا.
﴿فاليوم ننساهم﴾ أَي: نتركهم ﴿كَمَا نسوا لِقَاء يومهم هَذَا﴾ أَي: كَمَا تركُوا الْعَمَل للقاء يومهم هَذَا ﴿وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون﴾.
﴿فاليوم ننساهم﴾ أَي: نتركهم ﴿كَمَا نسوا لِقَاء يومهم هَذَا﴾ أَي: كَمَا تركُوا الْعَمَل للقاء يومهم هَذَا ﴿وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يجحدون﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَقَد جئناهم بِكِتَاب﴾ أَي: أتيناهم بِالْقُرْآنِ ﴿فصلناه﴾ أَي: بَينا مَا فِيهِ من الْحَلَال وَالْحرَام ﴿على علم﴾ أَي: على علم بِمَا يصلحهم، وَقيل: مَعْنَاهُ: على علم بالثواب وَالْعِقَاب ﴿هدى﴾ أَي: هاديا ﴿وَرَحْمَة﴾ أَي: ذُو رَحْمَة ﴿لقوم يُؤمنُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿هَل ينظرُونَ﴾ أَي: هَل ينتظرون ﴿إِلَّا تَأْوِيله﴾ قَالَ مُجَاهِد: (مَعْنَاهُ) إِلَّا جزاءه، وَقَالَ قَتَادَة: إِلَّا عاقبته، وَحَقِيقَة الْمَعْنى: أَنهم هَل ينتظرون إِلَّا مَا يؤول إِلَيْهِ أَمرهم من مصير أهل الْجنَّة إِلَى الْجنَّة، وَأهل النَّار إِلَى النَّار ﴿يَوْم يَأْتِي تَأْوِيله﴾ أَي: جَزَاؤُهُ، وَمَا يؤول إِلَيْهِ أَمرهم.
﴿يَقُول الَّذين نسوه﴾ أَي: تَرَكُوهُ من قبل ﴿قد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ﴾ اعْتَرَفُوا بِهِ حِين لَا يَنْفَعهُمْ الِاعْتِرَاف ﴿فَهَل لنا من شُفَعَاء فيشفعوا لنا أَو نرد﴾ يَعْنِي: إِلَى الدُّنْيَا ﴿فنعمل غير الَّذِي كُنَّا نعمل﴾ ﴿قد خسروا أنفسهم﴾ أَي: نَقَصُوا حق أنفسهم ﴿وضل عَنْهُم﴾ أَي: ذهب وَفَاتَ عَنْهُم ﴿مَا كَانُوا يفترون﴾.
﴿يَقُول الَّذين نسوه﴾ أَي: تَرَكُوهُ من قبل ﴿قد جَاءَت رسل رَبنَا بِالْحَقِّ﴾ اعْتَرَفُوا بِهِ حِين لَا يَنْفَعهُمْ الِاعْتِرَاف ﴿فَهَل لنا من شُفَعَاء فيشفعوا لنا أَو نرد﴾ يَعْنِي: إِلَى الدُّنْيَا ﴿فنعمل غير الَّذِي كُنَّا نعمل﴾ ﴿قد خسروا أنفسهم﴾ أَي: نَقَصُوا حق أنفسهم ﴿وضل عَنْهُم﴾ أَي: ذهب وَفَاتَ عَنْهُم ﴿مَا كَانُوا يفترون﴾.
187
﴿السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش يغشي اللَّيْل النَّهَار يَطْلُبهُ حثيثا﴾
188
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام﴾.
قَالَ مُجَاهِد: هِيَ من يَوْم الْأَحَد إِلَى الْجُمُعَة، فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: فِي سِتَّة أَيَّام، وَلم تكن أَيَّام حِين خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ قيل: وَمَا يُدْرِينَا أَنَّهَا لم تكن، بل كَانَت؛ فَإِن الله - تَعَالَى - أخبر، وَقَوله وَخَبره صدق، وَقيل: يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ على تَقْدِير سِتَّة أَيَّام، فَإِن قيل: وَمَا الْحِكْمَة فِي خلقهَا فِي سِتَّة أَيَّام، وَكَانَ قَادِرًا على خلقهَا فِي طرفَة عين؟ قيل: لِأَن خلقهَا على التأني أدل على الْحِكْمَة، فخلقها على التأني ليَكُون أدل على حكمته، ولطف تَدْبيره، وَفِيه أَيْضا تَعْلِيم النَّاس، وتنبيه الْعباد على التأني فِي الْأُمُور، وَفِي الْخَبَر " التأني من الله، والعجلة من الشَّيْطَان ".
﴿ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش﴾ أول الْمُعْتَزلَة الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ، وأنشدوا فِيهِ:
(وَأما أهل السّنة فيتبرءون من هَذَا التَّأْوِيل، وَيَقُولُونَ: إِن الاسْتوَاء على الْعَرْش صفة لله - تَعَالَى - بِلَا كَيفَ، وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب، كَذَلِك يحْكى عَن مَالك بن أنس، وَغَيره من السّلف، أَنهم قَالُوا فِي هَذِه الْآيَة: الْإِيمَان بِهِ وَاجِب، وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة.
﴿يغشى اللَّيْل النَّهَار﴾ أَي: يُغطي اللَّيْل على النَّهَار، وَفِيه حذف، وَتَقْدِيره: يغشي اللَّيْل النَّهَار، ويغشي النَّهَار اللَّيْل؛ كَمَا قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: ( ﴿يكور اللَّيْل على النَّهَار ويكور النَّهَار على اللَّيْل﴾ يَطْلُبهُ حثيثا) أَي: سَرِيعا، وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ
قَالَ مُجَاهِد: هِيَ من يَوْم الْأَحَد إِلَى الْجُمُعَة، فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: فِي سِتَّة أَيَّام، وَلم تكن أَيَّام حِين خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ قيل: وَمَا يُدْرِينَا أَنَّهَا لم تكن، بل كَانَت؛ فَإِن الله - تَعَالَى - أخبر، وَقَوله وَخَبره صدق، وَقيل: يجوز أَن يكون المُرَاد بِهِ على تَقْدِير سِتَّة أَيَّام، فَإِن قيل: وَمَا الْحِكْمَة فِي خلقهَا فِي سِتَّة أَيَّام، وَكَانَ قَادِرًا على خلقهَا فِي طرفَة عين؟ قيل: لِأَن خلقهَا على التأني أدل على الْحِكْمَة، فخلقها على التأني ليَكُون أدل على حكمته، ولطف تَدْبيره، وَفِيه أَيْضا تَعْلِيم النَّاس، وتنبيه الْعباد على التأني فِي الْأُمُور، وَفِي الْخَبَر " التأني من الله، والعجلة من الشَّيْطَان ".
﴿ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش﴾ أول الْمُعْتَزلَة الاسْتوَاء بِالِاسْتِيلَاءِ، وأنشدوا فِيهِ:
(قد اسْتَوَى بشر على الْعرَاق | من غير سيف وَدم مهراق) |
﴿يغشى اللَّيْل النَّهَار﴾ أَي: يُغطي اللَّيْل على النَّهَار، وَفِيه حذف، وَتَقْدِيره: يغشي اللَّيْل النَّهَار، ويغشي النَّهَار اللَّيْل؛ كَمَا قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: ( ﴿يكور اللَّيْل على النَّهَار ويكور النَّهَار على اللَّيْل﴾ يَطْلُبهُ حثيثا) أَي: سَرِيعا، وَذَلِكَ أَنه لما كَانَ
188
﴿وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين (٥٤) ادعوا ربكُم تضرعا وخفية إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها وادعوه خوفًا وَطَمَعًا إِن رحمت الله قريب من الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَهُوَ﴾ يعقب أَحدهمَا الآخر، ويخلفه على أَثَره فَكَأَنَّهُ فِي طلبه.
﴿وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره﴾ أَي: مذللات بِمَا أُرِيد مِنْهَا ﴿أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين﴾ أَي: تَعَالَى بالوحدانية.
﴿وَالشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم مسخرات بأَمْره﴾ أَي: مذللات بِمَا أُرِيد مِنْهَا ﴿أَلا لَهُ الْخلق وَالْأَمر تبَارك الله رب الْعَالمين﴾ أَي: تَعَالَى بالوحدانية.
189
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ادعوا ربكُم تضرعا وخفية﴾ أَي: ضارعين متذللين خاشعين، وخفية أَي: سرا ﴿إِنَّه لَا يحب الْمُعْتَدِينَ﴾ قَالَ ابْن جريج: الْجَهْر بِالدُّعَاءِ عدوان، وَفِي الْخَبَر عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " سَيكون أَقوام يعتدون فِي الطّهُور وَالدُّعَاء " وروى: " أَنه رأى أَقْوَامًا يصيحون بِالدُّعَاءِ، فَقَالَ لَهُم: أربعوا على أَنفسكُم، فَإِنَّكُم لَا تدعون [أصما] وَلَا غَائِبا، وَإِنَّمَا تدعون سميعا قَرِيبا، وَهُوَ مَعكُمْ " بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة وَقيل: من الاعتداء فِي الدُّعَاء: أَن يسْأَل لنَفسِهِ دَرَجَة لَيْسَ من أَهلهَا؛ بِأَن يسْأَل دَرَجَة الْأَنْبِيَاء، وَلَيْسَ بِنَبِي، ودرجة الشُّهَدَاء، وَلَيْسَ بِشَهِيد.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها﴾ أَي: بعد إصْلَاح الأَرْض بِالدّينِ والشريعة، وَقَالَ الضَّحَّاك: من الْفساد فِي الأَرْض تغوير الْمِيَاه، وَقطع الْأَشْجَار المثمرة، وَكسر الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير.
﴿وادعوه خوفًا وَطَمَعًا﴾ أَي: خوفًا من الله وَطَمَعًا لثوابه {إِن رَحْمَة الله قريب
﴿وادعوه خوفًا وَطَمَعًا﴾ أَي: خوفًا من الله وَطَمَعًا لثوابه {إِن رَحْمَة الله قريب
189
﴿الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح بشرا بَين يَدي رَحمته حَتَّى إِذا أقلت سَحَاب اثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرات كَذَلِك نخرج الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ﴾ من الْمُحْسِنِينَ) فَإِن قيل: الْقَرِيب نعت الْمُذكر، وَالرَّحْمَة مُؤَنّثَة، وَالله - تَعَالَى - قَالَ: قريب، وَلم يقل: قريبَة؛ قيل: قَالَ الزّجاج: الرَّحْمَة هَاهُنَا بِمَعْنى الْعَفو والغفران، وَقَالَ الْأَخْفَش: هِيَ بِمَعْنى الإنعام؛ فَيكون النَّعْت رَاجعا إِلَى الْمَعْنى دون اللَّفْظ، قَالَ الْفراء: إِذا كَانَ الْقرب فِي النّسَب؛ فنعت الْمُؤَنَّث مِنْهُ يكون على التَّأْنِيث، وَأما الْقرب فِي غير النّسَب؛ فالنعت مِنْهُ يذكر وَيُؤَنث، وانشدوا فِيهِ:
فَذكر النَّعْت مرّة على التَّأْنِيث، وَمرَّة على التَّذْكِير.
(عَشِيَّة لَا عفراء مِنْك قريبَة | فتدنو وَلَا عفراء مِنْك بعيد) |
190
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسل الرِّيَاح بشرا﴾ يقْرَأ: " بشرا " من الْبشَارَة، وَيقْرَأ: " نشرا " وَهُوَ جمع النشور، كالرسول وَالرسل، وَذَلِكَ ريح طيبَة، وَيقْرَأ: " نشرا " بجزم الشين، وَهُوَ جمع النشور أَيْضا كالرسول وَالرسل وَالْكتاب والكتب.
﴿بَين يَدي رَحمته﴾ يَعْنِي: الْمَطَر ﴿حَتَّى إِذا أقلت﴾ أَي: حملت: ﴿سحابا ثقالا﴾ يَعْنِي: بِالْمَاءِ ﴿سقناه لبلد ميت فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرات كَذَلِك نخرج الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ﴾ اسْتدلَّ بإحياء الأَرْض بعد مَوتهَا على إحْيَاء الْمَوْتَى، وَفِي ذَلِك دَلِيل بَين، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن بَين النفختين أَرْبَعِينَ عَاما فَيُرْسل الله - تَعَالَى - مَطَرا من السَّمَاء كَمثل منى الرِّجَال، فَيدْخل الأَرْض؛ فينبت مِنْهُ النَّاس، ثمَّ يحشرون بالنفخة الثَّانِيَة ".
﴿بَين يَدي رَحمته﴾ يَعْنِي: الْمَطَر ﴿حَتَّى إِذا أقلت﴾ أَي: حملت: ﴿سحابا ثقالا﴾ يَعْنِي: بِالْمَاءِ ﴿سقناه لبلد ميت فأنزلنا بِهِ المَاء فأخرجنا بِهِ من كل الثمرات كَذَلِك نخرج الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تذكرُونَ﴾ اسْتدلَّ بإحياء الأَرْض بعد مَوتهَا على إحْيَاء الْمَوْتَى، وَفِي ذَلِك دَلِيل بَين، وَفِي بعض الْأَخْبَار: " أَن بَين النفختين أَرْبَعِينَ عَاما فَيُرْسل الله - تَعَالَى - مَطَرا من السَّمَاء كَمثل منى الرِّجَال، فَيدْخل الأَرْض؛ فينبت مِنْهُ النَّاس، ثمَّ يحشرون بالنفخة الثَّانِيَة ".
190
( ﴿٥٧) والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه وَالَّذِي خبث لَا يخرج إِلَّا نكدا كَذَلِك نصرف الْآيَات لقوم يشكرون (٥٨) لقد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم (٥٩) قَالَ الْمَلأ من قومه إِنَّا لنراك فِي ضلال مُبين (٦٠) قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي ضَلَالَة وَلَكِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين (٦١) أبلغكم رسالات رَبِّي وأنصح لكم وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ (٦٢) أَو عجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم على رجل مِنْكُم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون (٦٣) ﴾
191
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه﴾ ﴿وَالَّذِي خبث﴾ يَعْنِي: الأَرْض السبخة ﴿لَا يخرج إِلَّا نكدا﴾ أَي: نزرا قَلِيلا، قَالَ الشَّاعِر:
وَهَذَا مثل ضربه الله - تَعَالَى - للْمُؤْمِنين وللكافرين؛ فَإِن الْمُؤمن يخرج مَا يخرج من نَفسه من الْإِيمَان والخيرات سهلا سَمحا، وَالْكَافِر يخرج مَا يخرج من الْخيرَات نزرا قَلِيلا ﴿كَذَلِك نصرف الْآيَات لقوم يشكرون﴾.
(فأعط مَا أَعْطيته طيبا | لَا خير فِي المنكود والناكد) |
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿لقد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم﴾ ذكر فِي هَذِه الْآيَة قصَّة نوح وَقَومه، وَسَيَأْتِي.
﴿قَالَ الْمَلأ من قومه إِنَّا لنراك فِي ضلال مُبين، قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي ضَلَالَة وَلَكِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين﴾ علم الله - تَعَالَى - النَّاس بِذكر قَوْله حسن الْجَواب، حَيْثُ قَالَ: " لَيْسَ بِي ضَلَالَة " وَلم يقل: أَنْتُم الضلال، كَمَا جرت عادتنا.
قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من ربّ العالمين ) علّم الله - تعالى - الناس بذكر قوله حسن الجواب، حيث قال :«ليس بي ضلالة » ولم يقل : أنتم الضلال، كما جرت عادتنا.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أبلغكم رسالات رَبِّي وأنصح لكم﴾ النصح: هُوَ أَن يُرِيد لغيره من الْخَيْر مثل مَا يُرِيد لنَفسِهِ، وَمَعْنَاهُ: أرشدكم أَنِّي أُرِيد لنَفْسي مَا أُرِيد لكم ﴿وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أَو عجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم على رجل مِنْكُم لينذركم﴾ الْعجب: هُوَ تَغْيِير النَّفس عِنْد رُؤْيَة أَمر خَفِي عَلَيْهِ بَاطِنه {ولتتقوا ولعلكم ترحمون
فَكَذبُوهُ فأنجيناه وَالَّذين مَعَه فِي الْفلك) أَي: فِي السَّفِينَة.
191
﴿فَكَذبُوهُ فأنجيناه وَالَّذين مَعَه فِي الْفلك وأغرقنا الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُم كَانُوا قوما عمين (٦٤) وَإِلَى عَاد أَخَاهُم هودا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره أَفلا تَتَّقُون (٦٥) قَالَ الْمَلأ الَّذين كفرُوا من قومه إِنَّا لنراك فِي سفاهة وَإِنَّا لنظنك من الْكَاذِبين (٦٦) قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي سفاهة وَلَكِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين (٦٧) أبلغكم رسالات رَبِّي وَأَنا لكم نَاصح أَمِين (٦٨) أَو عجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم على رجل مِنْكُم لينذركم واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فِي الْخلق بصطة فاذكروا﴾
﴿وأغرقنا الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا﴾ وَسَتَأْتِي الْقِصَّة ﴿إِنَّهُم كَانُوا قوما عمين﴾ أَي: عَن الْحق.
﴿وأغرقنا الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا﴾ وَسَتَأْتِي الْقِصَّة ﴿إِنَّهُم كَانُوا قوما عمين﴾ أَي: عَن الْحق.
192
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَإِلَى عَاد﴾ أَي: وَأَرْسَلْنَا إِلَى عَاد ﴿أَخَاهُم هودا﴾ قَالَ الْفراء: كَانَ أَخَاهُم فِي النّسَب لَا فِي الدّين، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: كَانَ آدَمِيًّا مثلهم ﴿قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره أَفلا تَتَّقُون﴾.
﴿قَالَ الْمَلأ الَّذين كفرُوا من قومه إِنَّا لنراك فِي سفاهة﴾ أَي: فِي حمق وجهالة {وَإِنَّا لنظنك من الْكَاذِبين
قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي سفاهة وَلَكِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين) وَهُوَ أَيْضا من حسن الْجَواب
﴿أبلغكم رسالات رَبِّي وَأَنا لكم نَاصح أَمِين﴾ وَقد بَينا معنى النصح.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أَو عجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم على رجل مِنْكُم لينذركم واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء﴾ يَعْنِي: فِي الأَرْض ﴿من بعد قوم نوح﴾ أَي: من بعد إهلاكهم.
(وزادكم فِي الْخلق بسطة) وَأَرَادَ بِهِ: البسطة فِي الطول، قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن يسَار وَالسُّديّ: كَانَت قامة الطَّوِيل من قوم عَاد مائَة ذِرَاع، وقامة الْقصير مِنْهُم سِتِّينَ ذِرَاعا ﴿فاذكروا آلَاء الله لَعَلَّكُمْ تفلحون﴾.
(وزادكم فِي الْخلق بسطة) وَأَرَادَ بِهِ: البسطة فِي الطول، قَالَ مُحَمَّد بن إِسْحَاق ابْن يسَار وَالسُّديّ: كَانَت قامة الطَّوِيل من قوم عَاد مائَة ذِرَاع، وقامة الْقصير مِنْهُم سِتِّينَ ذِرَاعا ﴿فاذكروا آلَاء الله لَعَلَّكُمْ تفلحون﴾.
192
{آلَاء الله لَعَلَّكُمْ تفلحون (٦٩) قَالُوا أجئتنا لنعبد الله وَحده وَنذر مَا كَانَ يعبد آبَاؤُنَا فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين (٧٠) قَالَ قد وَقع عَلَيْكُم من ربكُم رِجْس وَغَضب أتجادلونني فِي أَسمَاء سميتموها أَنْتُم وآباؤكم مَا نزل الله بهَا من سُلْطَان فانتظروا إِنِّي مَعكُمْ من المنتظرين (٧١) فأنجيناه وَالَّذين مَعَه برحمة منا وقطعنا دابر الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤمنين (٧٢) وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم صَالحا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة فذروها تَأْكُل فِي أَرض الله وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب أَلِيم (٧٣) واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء
193
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالُوا أجئتنا لنعبد الله وَحده وَنذر مَا كَانَ يعبد آبَاؤُنَا﴾ يَعْنِي: من الْأَصْنَام ﴿فأتنا بِمَا تعدنا﴾ أَي: من الْعَذَاب ﴿إِن كنت من الصَّادِقين﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ قد وَقع عَلَيْكُم من ربكُم رِجْس وَغَضب﴾ الرجس وَالرجز: هُوَ الْعَذَاب، وَالْغَضَب: السخط ﴿آأتجادلونني فِي أَسمَاء﴾ أَي: لأجل أَسمَاء ﴿سميتموها أَنْتُم وآباؤكم﴾ أَي الْأَصْنَام نحتموها وسميتموها أَنْتُم وآباؤكم ﴿مَا أنزل الله بهَا من سُلْطَان﴾ أَي: برهَان ( ﴿فانتظروا إِنِّي مَعكُمْ من المنتظرين﴾
فأنجيناه وَالَّذين مَعَه) هودا وَقَومه ﴿برحمة منا وقطعنا دابر الَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤمنين﴾ أَي: قَطعنَا أصلهم، واستأصلناهم بِالْعَذَابِ.
قَوْله - تَعَالَى - ﴿وَإِلَى ثَمُود أَخَاهُم﴾ أَي: وَأَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُود أَخَاهُم ﴿صَالحا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم هَذِه نَاقَة الله لكم آيَة﴾ سَأَلُوهُ أَن يخرج من الصَّخْرَة نَاقَة، وأشاروا إِلَى صَخْرَة صماء ملساء؛ فَدَعَا صَالح - عَلَيْهِ السَّلَام - فتمخضت الصَّخْرَة كَمَا تتمخض الحبلى، وأخرجت النَّاقة؛ فَخرجت ألفت " سقبا " من ساعتها ﴿فذروها تَأْكُل فِي أَرض الله﴾ قيل: كَانَ لَهُم وَاد يشربون مِنْهُ فَجعلُوا يَوْمًا للناقة، وَيَوْما لَهُم؛ فَتَشرب النَّاقة يَوْمهَا جَمِيع مَاء الْوَادي، وتبدلهم بذلك لَبَنًا ﴿وَلَا تمسوها بِسوء فيأخذكم عَذَاب أَلِيم﴾.
193
(من بعد عَاد وبوأكم فِي الأَرْض تَتَّخِذُونَ من سهولها قصورا وتنحتون الْجبَال بُيُوتًا فاذكروا آلَاء الله وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين (٧٤) قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه للَّذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُم أتعلمون أَن صَالحا مُرْسل من ربه قَالُوا إِنَّا بِمَا أرسل بِهِ مُؤمنُونَ (٧٥) قَالَ الَّذين استكبروا إِنَّا بِالَّذِي آمنتم بِهِ كافرون (٧٦) فعقروا النَّاقة وعتوا عَن أَمر رَبهم وَقَالُوا يَا صَالح ائتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الْمُرْسلين (٧٧))
194
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿واذْكُرُوا إِذْ جعلكُمْ خلفاء من بعد عَاد وبوأكم فِي الأَرْض﴾ أَي: أنزلكم، قَالَ الشَّاعِر:
﴿تَتَّخِذُونَ من سهولها قصورا وتنحتون الْجبَال بُيُوتًا﴾ كَانُوا فِي الصَّيف يسكنون فِي بيُوت من الطين، وَفِي الشتَاء يسكنون فِي بيُوت نحتوها فِي الْجَبَل، وَقيل: إِنَّمَا كَانُوا ينحتون الْبيُوت فِي الْجَبَل؛ لِأَن بيُوت الطين مَا كَانَت تبقى مُدَّة أعمارهم؛ لطول أعمارهم. ﴿فاذكروا آلَاء الله﴾ أَي نعم الله ﴿وَلَا تعثوا فِي الأَرْض مفسدين﴾ العيث: أَشد الْفساد.
(فبوئت فِي صميم معشرها | فتم فِي قَومهَا مبوؤها) |
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه للَّذين استضعفوا لمن آمن مِنْهُم﴾ يَعْنِي: قَالَ الْكفَّار مِنْهُم للْمُؤْمِنين ﴿أتعلمون أَن صَالحا مُرْسل من ربه﴾ وَهَذَا اسْتِفْهَام أُرِيد بِهِ الْجحْد؛ لأَنهم كَانُوا يجحدون إرْسَاله {قَالُوا إِنَّا بِمَا أرسل بِهِ مُؤمنُونَ
قَالَ الَّذين استكبروا إِنَّا بِالَّذِي آمنتم بِهِ كافرون فعقروا النَّاقة وعتوا عَن أَمر رَبهم) العتو الغلو فِي الْبَاطِل ﴿وَقَالُوا يَا صَالح ائتنا بِمَا تعدنا﴾ أَي: من الْعَذَاب ﴿إِن كنت من الْمُرْسلين فَأَخَذتهم الرجفة﴾ الرجفة: زَلْزَلَة الأَرْض وحركتها، وَكَانُوا قد أهلكوا بالصيحة والرجفة ﴿فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين﴾ أَي: خامدين ميتين، وَمِنْه الرماد الجاثم، وَقيل: جاثمين أَي: خارين على ركبهمْ ووجوههم، وَقيل: إِنَّهُم احترقوا بالصاعقة حَتَّى صَارُوا كالرماد الجاثم.
194
﴿فَأَخَذتهم الرجفة فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين (٧٨) فَتَوَلّى عَنْهُم وَقَالَ يَا قوم لقد أبلغتكم رِسَالَة رَبِّي وَنَصَحْت لكم وَلَكِن لَا تحبون الناصحين (٧٩) ولوطا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾
195
فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم ) العتو الغلو في الباطل ( وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا ) أي : من العذاب ( إن كنت من المرسلين
فأخذتهم الرجفة ) الرجفة : زلزلة الأرض وحركتها، وكانوا قد أهلكوا بالصيحة والرجفة ( فأصبحوا في دارهم جاثمين ) أي : خامدين ميتين، ومنه الرماد الجاثم، وقيل : جاثمين أي : خارّين على ركبهم ووجوههم، وقيل : إنهم احترقوا بالصاعقة حتى صاروا كالرماد الجاثم.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فَتَوَلّى عَنْهُم وَقَالَ يَا قوم لقد أبلغتكم رِسَالَة رَبِّي وَنَصَحْت لكم وَلَكِن لَا تحبون الناصحين﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ خاطبهم وَقد هَلَكُوا؟ قيل: هُوَ كَمَا خَاطب الرَّسُول الْكفَّار الْقَتْلَى يَوْم بدر حِين ألقاهم فِي القليب؛ جَاءَ إِلَى رَأس الْبِئْر، وَقَالَ: " يَا عتبَة، يَا شيبَة، وَيَا أَبَا جهل، قد وجدت مَا وَعَدَني رَبِّي حَقًا؛ فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا؟ فَقَالَ عمر: يَا رَسُول الله، كَيفَ تخاطب قوما قد جيفوا؟ فَقَالَ: مَا أَنْتُم بأسمع مِنْهُم؛ وَلَكنهُمْ لَا يقدرُونَ على الْإِجَابَة " وَقيل: إِنَّمَا خاطبهم بِهِ؛ ليَكُون عِبْرَة لمن خَلفهم، وَقيل: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وتقديرها: فَتَوَلّى عَنْهُم، فَأَخَذتهم الرجفة، فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين، وَذَلِكَ أَن الله - تَعَالَى - مَا كَانَ ليعذب قوما ونبيهم بَينهم.
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر: " أَن النَّبِي مر بمنازل ثَمُود فِي أَرَاضِي تَبُوك، فَقَالَ لأَصْحَابه: يَا أَيهَا النَّاس، لَا تسألوا الله الْآيَات؛ فَإِن هَؤُلَاءِ سَأَلُوا النَّاقة؛ فأخرجها الله لَهُم؛ فَكَانَت ترد من هَذَا الْفَج، وتصدر من هَذَا الْفَج، فَعَقَرُوهَا؛ فَأنْزل الله عَلَيْهِم الْعَذَاب فَلم ينج مِنْهُم أحد إِلَّا رجل كَانَ فِي الْحرم؛ فَلَمَّا خرج أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُم من الْعَذَاب وَكَانَ ذَلِك الرجل يكنى أَبَا رِغَال ".
وروى أَبُو الزبير عَن جَابر: " أَن النَّبِي مر بمنازل ثَمُود فِي أَرَاضِي تَبُوك، فَقَالَ لأَصْحَابه: يَا أَيهَا النَّاس، لَا تسألوا الله الْآيَات؛ فَإِن هَؤُلَاءِ سَأَلُوا النَّاقة؛ فأخرجها الله لَهُم؛ فَكَانَت ترد من هَذَا الْفَج، وتصدر من هَذَا الْفَج، فَعَقَرُوهَا؛ فَأنْزل الله عَلَيْهِم الْعَذَاب فَلم ينج مِنْهُم أحد إِلَّا رجل كَانَ فِي الْحرم؛ فَلَمَّا خرج أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُم من الْعَذَاب وَكَانَ ذَلِك الرجل يكنى أَبَا رِغَال ".
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ولوطا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ أَي: وَأَرْسَلْنَا لوطا، وَاذْكُر لوطا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴿أتأتون الْفَاحِشَة﴾ الْفَاحِشَة: الفعلة القبيحة الَّتِي هِيَ فِي غَايَة الْقبْح ﴿مَا سبقكم بهَا من أحد من الْعَالمين﴾ قَالَ الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: إِن تِلْكَ الفعلة لم
195
﴿أتأتون الْفَاحِشَة مَا سبقكم بهَا من أحد من الْعَالمين (٨٠) إِنَّكُم لتأتون الرِّجَال شَهْوَة من دون النِّسَاء بل أَنْتُم قوم مسرفون (٨١) وَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا أخرجوهم من قريتكم إِنَّهُم أنَاس يتطهرون (٨٢) فأنجيناه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته كَانَت من الغابرين (٨٣) وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين (٨٤) وَإِلَى﴾ يَفْعَلهَا أحد قبلهم
196
﴿إِنَّكُم لتأتون الرِّجَال شَهْوَة من دون النِّسَاء﴾ فسر تِلْكَ الْفَاحِشَة ﴿بل أَنْتُم قوم مسرفون﴾ أَي: مجاوزون حد الْأَمر.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَمَا كَانَ جَوَاب قومه إِلَّا أَن قَالُوا أخرجوهم من قريتكم إِنَّهُم أنَاس يتطهرون﴾ مَعْنَاهُ: يتنزهون عَن أدبار الرِّجَال، قَالَ قَتَادَة: ذموهم من غير ذمّ، وعابوهم من غير عيب.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فأنجيناه وَأَهله إِلَّا امْرَأَته كَانَت من الغابرين﴾ أَي: من البَاقِينَ فِي الْعَذَاب؛ يُقَال: غبر إِذا بقى. وأنشدوا:
وَقيل مَعْنَاهُ: من الغابرين عَن النجَاة.
(وَلست يَا معد فِي الرِّجَال | أسائل هَذَا وَذَا مَا الْخَبَر) |
(وَلَكِنِّي مدده الْأَصْفَر بن قيس | بِمَا قد مضى وَمَا غبر) |
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وأمطرنا عَلَيْهِم مَطَرا﴾ فِي الْقِصَّة: أَن الله - تَعَالَى - أرسل جِبْرِيل - صلوَات الله عَلَيْهِ - حَتَّى قلع مدينتهم، وَقيل: كَانَت مَدَائِن قلعهَا ورفعها إِلَى السَّمَاء ثمَّ قَلبهَا؛ وَبِذَلِك سموا مؤتفكة؛ لأَنهم قلبوا وأفكوا، وَأما الإمطار بِالْحِجَارَةِ، كَانَ على من شَذَّ مِنْهُم فِي الطّرق، وَقيل: بَعْدَمَا قلبهم أمط عَلَيْهِم بِالْحِجَارَةِ ﴿فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الْمُجْرمين﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَإِلَى مَدين﴾ أَي: وَأَرْسَلْنَا إِلَى مَدين، قيل: هُوَ مَدين بن إِبْرَاهِيم الْخَلِيل - صلوَات الله عَلَيْهِ - وَكَانَ أُولَئِكَ من نَسْله، وَقيل: لَيْسَ بِذَاكَ، وَإِنَّمَا هُوَ اسْم قَبيلَة.
196
﴿مَدين أَخَاهُم شعيبا قَالَ يَا قوم اعبدوا الله من لكم من إِلَه غَيره قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم فأوفوا الْكَيْل وَالْمِيزَان وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين (٨٥) وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون وتصدون عَن سَبِيل الله من آمن بِهِ وتبغونها عوجا واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا فكثركم﴾
وَقَوله: ﴿أَخَاهُم شعيبا﴾ أَي: فِي النّسَب لَا فِي الدّين ﴿قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله ﴿قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم﴾ وَلم تكن لَهُم آيَة؟ قيل: بل كَانَت لَهُم آيَة، إِلَّا أَنَّهَا لم تذكر فِي الْقُرْآن، وَلَيْسَت كل الْآيَات مَذْكُورَة فِي الْقُرْآن ﴿فأوفوا الْكَيْل وَالْمِيزَان﴾ وَكَانُوا يعْبدُونَ الْأَصْنَام، ويبخسون فِي الموازين ﴿وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم﴾ أَي: لَا تنقصوهم من حُقُوقهم.
﴿وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها﴾ يَعْنِي: إصلاحها ببعث الرَّسُول وَالْأَمر بِالْعَدْلِ ﴿ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين﴾ يَعْنِي: إِن آمنتم فَذَلِك خير لكم، وَقيل: مَعْنَاهُ: مَا كُنْتُم مُؤمنين.
وَقَوله: ﴿أَخَاهُم شعيبا﴾ أَي: فِي النّسَب لَا فِي الدّين ﴿قَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: مَا معنى قَوْله ﴿قد جاءتكم بَيِّنَة من ربكُم﴾ وَلم تكن لَهُم آيَة؟ قيل: بل كَانَت لَهُم آيَة، إِلَّا أَنَّهَا لم تذكر فِي الْقُرْآن، وَلَيْسَت كل الْآيَات مَذْكُورَة فِي الْقُرْآن ﴿فأوفوا الْكَيْل وَالْمِيزَان﴾ وَكَانُوا يعْبدُونَ الْأَصْنَام، ويبخسون فِي الموازين ﴿وَلَا تبخسوا النَّاس أشياءهم﴾ أَي: لَا تنقصوهم من حُقُوقهم.
﴿وَلَا تفسدوا فِي الأَرْض بعد إصلاحها﴾ يَعْنِي: إصلاحها ببعث الرَّسُول وَالْأَمر بِالْعَدْلِ ﴿ذَلِكُم خير لكم إِن كُنْتُم مُؤمنين﴾ يَعْنِي: إِن آمنتم فَذَلِك خير لكم، وَقيل: مَعْنَاهُ: مَا كُنْتُم مُؤمنين.
197
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَا تقعدوا بِكُل صِرَاط توعدون﴾ أَي: طَرِيق، قَالَ الشَّاعِر:
يَعْنِي: من الطَّرِيق.
﴿توعدون وتصدون عَن سَبِيل الله﴾ قيل: إِنَّهُم كَانُوا يبعثون إِلَى الطّرق من يهدد النَّاس، فَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ الْإِيمَان بشعيب وقصده يهددونه وَيَقُولُونَ: إِن آمَنت بشعيب نقتلك؛ فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿توعدون﴾ أَي: تهددون. والإيعاد: التهديد، وَأما الْوَعْد فيذكر فِي الْخَيْر وَالشَّر؛ إِذا ذكر الْخَيْر وَالشَّر مَقْرُونا بِهِ، فَأَما إِذا أطلق فَلَا يذكر إِلَّا فِي الْخَيْر، أما فِي الشَّرّ عِنْد الْإِطْلَاق، يُقَال: أوعد.
﴿وتصدون عَن سَبِيل الله من آمن﴾ أَي: تمْنَعُونَ عَن الدّين من قصد الْإِيمَان ﴿وتبغونها عوجا﴾ أَي: تطلبون الاعوجاج فِي الدّين، والعدول عَن الْقَصْد؛ قَالَه الزّجاج؛ وَذكر الْأَزْهَرِي فِي التَّقْرِيب: أَنه يُقَال: فِي الدّين عوج، وَفِي الْعود عوج.
(حشونا قَومهمْ بِالْخَيْلِ حَتَّى | جعلناهم أذلّ من الصِّرَاط) |
﴿توعدون وتصدون عَن سَبِيل الله﴾ قيل: إِنَّهُم كَانُوا يبعثون إِلَى الطّرق من يهدد النَّاس، فَكَانَ الرجل إِذا أَرَادَ الْإِيمَان بشعيب وقصده يهددونه وَيَقُولُونَ: إِن آمَنت بشعيب نقتلك؛ فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿توعدون﴾ أَي: تهددون. والإيعاد: التهديد، وَأما الْوَعْد فيذكر فِي الْخَيْر وَالشَّر؛ إِذا ذكر الْخَيْر وَالشَّر مَقْرُونا بِهِ، فَأَما إِذا أطلق فَلَا يذكر إِلَّا فِي الْخَيْر، أما فِي الشَّرّ عِنْد الْإِطْلَاق، يُقَال: أوعد.
﴿وتصدون عَن سَبِيل الله من آمن﴾ أَي: تمْنَعُونَ عَن الدّين من قصد الْإِيمَان ﴿وتبغونها عوجا﴾ أَي: تطلبون الاعوجاج فِي الدّين، والعدول عَن الْقَصْد؛ قَالَه الزّجاج؛ وَذكر الْأَزْهَرِي فِي التَّقْرِيب: أَنه يُقَال: فِي الدّين عوج، وَفِي الْعود عوج.
197
﴿وانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين (٨٦) وَإِن كَانَ طَائِفَة مِنْكُم آمنُوا بِالَّذِي أرْسلت بِهِ وَطَائِفَة لم يُؤمنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَهُوَ خير الْحَاكِمين (٨٧) قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه لنخرجنك يَا شُعَيْب وَالَّذين آمنُوا مَعَك من قريتنا أَو لتعودن فِي ملتنا قَالَ أَو لَو كُنَّا كارهين (٨٨) قد افترينا على الله كذبا إِن عدنا فِي ملتكم بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا وسع رَبنَا كل شَيْء علما﴾
﴿واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا فكثركم﴾ أَي: فِي الْعدَد، وَقيل مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم قَلِيلا أَي: بِالْمَالِ؛ فكثركم بالغنى ﴿وانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين﴾ أَي: مِمَّن كَانَ قبلكُمْ.
﴿واذْكُرُوا إِذْ كُنْتُم قَلِيلا فكثركم﴾ أَي: فِي الْعدَد، وَقيل مَعْنَاهُ: إِذْ كُنْتُم قَلِيلا أَي: بِالْمَالِ؛ فكثركم بالغنى ﴿وانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين﴾ أَي: مِمَّن كَانَ قبلكُمْ.
198
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَإِن كَانَ طَائِفَة مِنْكُم آمنُوا بِالَّذِي أرْسلت بِهِ وَطَائِفَة لم يُؤمنُوا﴾ وَذَلِكَ أَن بَعضهم آمن، وَبَعْضهمْ كفر ﴿فَاصْبِرُوا حَتَّى يحكم الله بَيْننَا وَهُوَ خير الْحَاكِمين﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ الْمَلأ الَّذين استكبروا من قومه لنخرجنك يَا شُعَيْب وَالَّذين آمنُوا مَعَك من قريتنا أَو لتعودن فِي ملتنا﴾ قَالَه كفار قومه ﴿قَالَ أَو لَو كُنَّا كارهين﴾ يَعْنِي: تَفْعَلُونَ هَذَا، وَإِن كُنَّا كارهين
﴿قد افترينا على الله كذبا إِن عدنا فِي ملتكم بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا﴾ فَإِن قيل: كَيفَ يَصح لفظ الْعود من شُعَيْب، وَلم يكن على ملتهم قطّ؟ قيل مَعْنَاهُ: إِن صرنا فِي ملتكم، وَعَاد بِمَعْنى صَار وَكَانَ، كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
أَي: كَانَت لَهُنَّ ذنُوب.
وَقَوله: ﴿بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا﴾ يَعْنِي: من الدُّخُول فِي ملتهم ابْتِدَاء، وَقيل المُرَاد بِهِ: قوم شُعَيْب ﴿وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا﴾ فَإِن قيل: وَهل يَشَاء الله عودهم إِلَى الْكفْر؟ قيل: وَمَا الْمَانِع مِنْهُ؟ وَإِنَّمَا الْآيَة على وفْق قَول أهل السّنة، وكل ذَلِك جَائِز فِي الْمَشِيئَة، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: ﴿وسع رَبنَا كل شَيْء علما على الله توكلنا رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ﴾ أَي: اقْضِ بِالْحَقِّ، فَإِن قيل: كَيفَ طلب
(لَئِن كَانَت الْأَيَّام أحسن مرّة | [إِلَيّ] فقد عَادَتْ لَهُنَّ ذنُوب) |
وَقَوله: ﴿بعد إِذْ نجانا الله مِنْهَا﴾ يَعْنِي: من الدُّخُول فِي ملتهم ابْتِدَاء، وَقيل المُرَاد بِهِ: قوم شُعَيْب ﴿وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا﴾ فَإِن قيل: وَهل يَشَاء الله عودهم إِلَى الْكفْر؟ قيل: وَمَا الْمَانِع مِنْهُ؟ وَإِنَّمَا الْآيَة على وفْق قَول أهل السّنة، وكل ذَلِك جَائِز فِي الْمَشِيئَة، وَيدل عَلَيْهِ قَوْله: ﴿وسع رَبنَا كل شَيْء علما على الله توكلنا رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ﴾ أَي: اقْضِ بِالْحَقِّ، فَإِن قيل: كَيفَ طلب
198
﴿على الله توكلنا رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وَأَنت خير الفاتحين (٨٩) وَقَالَ الْمَلأ الَّذين كفرُوا من قومه لَئِن اتبعتم شعيبا إِنَّكُم إِذا لخاسرون (٩٠) فَأَخَذتهم الرجفة فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين (٩١) الَّذين كذبُوا شعيبا كَأَن لم يغنوا فِيهَا الَّذين كذبُوا شعيبا كَانُوا هم الخاسرين (٩٢) فَتَوَلّى عَنْهُم وَقَالَ يَا قوم لقد أبلغتكم رسالات رَبِّي وَنَصَحْت لكم فَكيف آسى على قوم كَافِرين (٩٣) وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة من نَبِي إِلَّا﴾ الْقَضَاء من الله بِالْحَقِّ، وَهُوَ لَا يقْضِي إِلَّا بِالْحَقِّ، وَقيل: لَيْسَ ذَلِك على طَرِيق طلب الْقَضَاء الْحق، وَإِنَّمَا هُوَ على نعت قَضَائِهِ بِالْحَقِّ؛ فَإِن صفة قَضَائِهِ الْحق، وَهُوَ مثل قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ رب احكم بِالْحَقِّ﴾ فِي سُورَة الْأَنْبِيَاء ﴿وَأَنت خير الفاتحين﴾.
199
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَقَالَ الْمَلأ الَّذين كفرُوا من قومه لَئِن اتبعتم شعيبا﴾ يَعْنِي: فِي دينهم {إِنَّكُم إِذا لخاسرون
فَأَخَذتهم الرجفة فَأَصْبحُوا فِي دَارهم جاثمين) وَقد بَينا هَذَا فِي قصَّة ثَمُود.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿الَّذين كذبُوا شعيبا كَأَن لم يغنوا فِيهَا﴾ أَي: كَأَن لم يقيموا فِيهَا، يُقَال: غنيت بِموضع كَذَا، أَي أَقمت، والمغاني: الْمنَازل؛ قَالَه ثَعْلَب، وَقَالَ الشَّاعِر، وَهُوَ حَاتِم الطَّائِي:
وَقَالَ الْأَخْفَش: معنى قَوْله: ﴿كَأَن لم يغنوا فِيهَا﴾ أَي: كَأَن لم يتنعموا فِيهَا {الَّذين كذبُوا شعيبا كَانُوا هم الخاسرين
(عنينا زَمَانا بالتصعلك والغنى | وكلا سقاناه بكأسيهما الدَّهْر) |
(فَمَا زادنا بأوا على ذِي قرَابَة | غنانا وَلَا أزرى بأحسابنا الْفقر) |
فَتَوَلّى عَنْهُم وَقَالَ يَا قوم لقد أبلغتكم رسالات رَبِّي وَنَصَحْت لكم فَكيف آسى) أَي: أَحْزَن ﴿على قوم كَافِرين﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَمَا أرسلنَا فِي قَرْيَة من نَبِي إِلَّا أَخذنَا أَهلهَا بالبأساء وَالضَّرَّاء﴾.
قَالَ ابْن مَسْعُود: البأساء: الْفقر، وَالضَّرَّاء: الْمَرَض، وَهَذَا معنى قَول من قَالَ:
قَالَ ابْن مَسْعُود: البأساء: الْفقر، وَالضَّرَّاء: الْمَرَض، وَهَذَا معنى قَول من قَالَ:
199
﴿أَخذنَا أَهلهَا بالبأساء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُم يضرعون (٩٤) ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة حَتَّى عفوا وَقَالُوا قد مس آبَاءَنَا الضراء والسراء فأخذناهم بَغْتَة وهم لَا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض وَلَكِن كذبُوا فأخذناهم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أفأمن أهل الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا بياتا وهم نائمون﴾ البأساء فِي المَال، وَالضَّرَّاء فِي النَّفس، وَقيل: البأساء: الْجُوع، وَالضَّرَّاء: الْفقر، وَقيل: أَخذنَا أَهلهَا بالبأساء يَعْنِي: بالحروب ﴿لَعَلَّهُم يَتَضَرَّعُونَ﴾ أَي: لكَي (يتضرعوا).
200
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ثمَّ بدلنا مَكَان السَّيئَة الْحَسَنَة﴾ قَالَ مُجَاهِد: السَّيئَة: الشدَّة، والحسنة: الخصب ﴿حَتَّى عفوا﴾ أَي: حَتَّى كَثُرُوا، وَمِنْه قَول النَّبِي: " قصوا الشَّوَارِب وَاعْفُوا اللحى " أَي: كَثُرُوا اللحى، وَقيل: حَتَّى عفوا: حَتَّى سمنوا.
﴿وَقَالُوا قد مس آبَاءَنَا الضراء والسراء﴾ أَي: هَذَا كَانَ عَادَة الدَّهْر قَدِيما لنا ولآبائنا؛ فَلم ينتبهوا لما أَصَابَهُم من الشدَّة ﴿فأخذناهم بَغْتَة﴾ أَي: فَجْأَة ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾.
﴿وَقَالُوا قد مس آبَاءَنَا الضراء والسراء﴾ أَي: هَذَا كَانَ عَادَة الدَّهْر قَدِيما لنا ولآبائنا؛ فَلم ينتبهوا لما أَصَابَهُم من الشدَّة ﴿فأخذناهم بَغْتَة﴾ أَي: فَجْأَة ﴿وهم لَا يَشْعُرُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَو أَن أهل الْقرى آمنُوا وَاتَّقوا لفتحنا عَلَيْهِم بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض﴾ يَعْنِي: من السَّمَاء بالمطر، وَمن الأَرْض بالنبات، وَقيل: بَرَكَات السَّمَاء: إِجَابَة الدَّعْوَات، وبركات الأَرْض: تسهيل الْحَاجَات ﴿وَلَكِن كذبُوا فأخذناهم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أفأمن أهل الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أَو أَمن أهل الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا ضحى وهم يَلْعَبُونَ﴾ يَعْنِي: أَن يَأْتِيهم عذابنا لَيْلًا وَنَهَارًا
200
( ﴿٩٧) أَو أَمن أهل الْقرى أَن يَأْتِيهم بأسنا ضحى وهم يَلْعَبُونَ (٩٨) أفأمنوا مكر الله فَلَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم لخاسرون (٩٩) أَو لم يهد للَّذين يَرِثُونَ الأَرْض من بعد أَهلهَا أَن لَو نشَاء أصبناهم بِذُنُوبِهِمْ ونطبع على قُلُوبهم فهم لَا يسمعُونَ (١٠٠) تِلْكَ الْقرى نقص عَلَيْك من أنبائها وَلَقَد جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا من قبل كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الْكَافرين (١٠١) وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين (١٠٢) ثمَّ بعثنَا من بعدهمْ مُوسَى بآيتنا إِلَى فِرْعَوْن وملئه﴾ ﴿وهم يَلْعَبُونَ﴾ وكل من اشْتغل بِمَا لَا يجزى عَلَيْهِ؛ فَهُوَ لاعب.
201
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٧:قوله - تعالى - :( أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون ) يعني : أن يأتيهم عذابنا ليلا ونهارا
( وهم يلعبون ) وكل من اشتغل بما لا يجزى عليه ؛ فهو لاعب.
( وهم يلعبون ) وكل من اشتغل بما لا يجزى عليه ؛ فهو لاعب.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أفأمنوا مكر الله﴾ أَي: عَذَاب الله، ومكر الله أَخذه فَجْأَة ﴿فَلَا يَأْمَن مكر الله إِلَّا الْقَوْم الخاسرون﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أَو لم يهد للَّذين يَرِثُونَ الأَرْض﴾ يَعْنِي: أَو لم يتَبَيَّن للَّذين يَرِثُونَ الأَرْض من بعد هَلَاك قَومهَا ﴿أَن لَو نشَاء أصبناهم﴾ يَعْنِي: أَنا لَو نشَاء أَخَذْنَاهُم ( ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ ونطبع على قُلُوبهم فهم لَا يسمعُونَ) أَي: نختم على قُلُوبهم حَتَّى لَا يفقهوا وَلَا يسمعوا.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿تِلْكَ الْقرى نقص عَلَيْك من أنبائها وَلَقَد جَاءَتْهُم رسلهم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا ليؤمنوا بِمَا كذبُوا من قبل﴾ هَذَا فِي قوم مخصوصين، علم الله أَنهم لَا يُؤمنُونَ ﴿كَذَلِك يطبع الله على قُلُوب الْكَافرين﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَمَا وجدنَا لأكثرهم من عهد﴾ أَي: من وَفَاء بالعهد، قل السّديّ: هُوَ الْعَهْد يَوْم الْمِيثَاق، لم يوفوا بِهِ ﴿وَإِن وجدنَا أَكْثَرهم لفاسقين﴾ أَي: مَا وجدنَا أَكْثَرهم إِلَّا فاسقين، قيل: أَرَادَ بِالْفِسْقِ هَا هُنَا الْخُرُوج عَمَّا يَقْتَضِيهِ دينهم من الْوَفَاء بالعهد، وَكَانَ هَذَا من بَعضهم دون بعض.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ثمَّ بعثنَا من بعدهمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْن وملئه فظلموا بهَا﴾ وَقد بَينا أَن الظُّلم: وضع الشَّيْء فِي غير مَوْضِعه، وظلمهم: وضع الْكفْر مَوضِع
201
﴿فظلموا بهَا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين (١٠٣) وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْن إِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين (١٠٤) حقيق على أَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق قد جِئتُكُمْ بِبَيِّنَة من ربكُم فَأرْسل معي بني إِسْرَائِيل (١٠٥) قَالَ إِن كنت جِئْت بِآيَة فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين (١٠٦) فَألْقى عَصَاهُ فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين (١٠٧) وَنزع يَده فَإِذا هِيَ بَيْضَاء للناظرين (١٠٨) قَالَ الْمَلأ من قوم فِرْعَوْن إِن هَذَا لساحر عليم (١٠٩) يُرِيد أَن﴾ الْإِيمَان ﴿فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين﴾.
202
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْن إِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين حقيق على أَن لَا أَقُول﴾ أَي: حقيق بِأَن لَا أَقُول، وَهَكَذَا قَرَأَ ابْن مَسْعُود، وَمَعْنَاهُ: حَرِيص بِأَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق، وَقُرِئَ: " حقيق عَليّ " أَي: وَاجِب على أَن لَا أَقُول على الله إِلَّا الْحق.
﴿قد جِئتُكُمْ بِبَيِّنَة من ربكُم فَأرْسل معي بني إِسْرَائِيل﴾ وَذَلِكَ أَنه أَرَادَ مُوسَى أَن يخرج بهم إِلَى الشَّام ﴿قَالَ﴾ ي - يَعْنِي: فِرْعَوْن - ﴿إِن كنت جِئْت بِآيَة فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين﴾.
﴿قد جِئتُكُمْ بِبَيِّنَة من ربكُم فَأرْسل معي بني إِسْرَائِيل﴾ وَذَلِكَ أَنه أَرَادَ مُوسَى أَن يخرج بهم إِلَى الشَّام ﴿قَالَ﴾ ي - يَعْنِي: فِرْعَوْن - ﴿إِن كنت جِئْت بِآيَة فأت بهَا إِن كنت من الصَّادِقين﴾.
﴿ حقيق على أن لا أقول ﴾ أي : حقيق بأن لا أقول، وهكذا قرأ ابن مسعود، ومعناه : حريص بأن لا أقول على الله إلا الحق، وقرئ :" حقيق علي " ( ١ ) أي : واجب علىّ أن لا أقول على الله إلا الحق.
( قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ) وذلك أنه أراد موسى أن يخرج بهم إلى الشام
( قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل ) وذلك أنه أراد موسى أن يخرج بهم إلى الشام
١ - هي قراءة نافع، بتشديد الياء، وفتحها. انظر النشر (٢/٢٧٠)..
( قال ) - يعني : فرعون - ( إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين ).
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فَألْقى عَصَاهُ﴾ قيل: إِن ملكا أعطَاهُ تِلْكَ الْعَصَا، وللعصا قصَّة، ستأتي فِي قصَّة شُعَيْب فِي سُورَة الْقَصَص إِن شَاءَ الله.
﴿فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين﴾ الثعبان: الْحَيَّة الذّكر، وَفِي الْقَصَص: أَن مُوسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ - لما ألْقى الْعَصَا، صَارَت ثعبانا عَظِيما، مَلأ قصر فِرْعَوْن، وَقيل: كَانَ بَين شدقيه ثَمَانُون ذِرَاعا، وَقيل: إِنَّه أَخذ قصر فِرْعَوْن بَين نابيه؛ فهرب مِنْهُ فِرْعَوْن وَأَخذه الْبَطن فِي ذَلِك الْيَوْم أَرْبَعمِائَة مرّة.
﴿فَإِذا هِيَ ثعبان مُبين﴾ الثعبان: الْحَيَّة الذّكر، وَفِي الْقَصَص: أَن مُوسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ - لما ألْقى الْعَصَا، صَارَت ثعبانا عَظِيما، مَلأ قصر فِرْعَوْن، وَقيل: كَانَ بَين شدقيه ثَمَانُون ذِرَاعا، وَقيل: إِنَّه أَخذ قصر فِرْعَوْن بَين نابيه؛ فهرب مِنْهُ فِرْعَوْن وَأَخذه الْبَطن فِي ذَلِك الْيَوْم أَرْبَعمِائَة مرّة.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَنزع يَده فَإِذا هِيَ بَيْضَاء للناظرين﴾ قيل: إِنَّه نزع يَده من جيبه، وَقيل: من تَحت إبطه ﴿فَإِذا هِيَ بَيْضَاء﴾ لَهَا شُعَاع كَالشَّمْسِ يتلألأ، وَكَانَ مُوسَى آدم اللَّوْن.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ الْمَلأ من قوم فِرْعَوْن إِن هَذَا لساحر عليم﴾ يَعْنِي: مُوسَى
202
﴿يخرجكم من أَرْضكُم فَمَاذَا تأمرون (١١٠) قَالُوا أرجه وأخاه وَأرْسل فِي الْمَدَائِن حاشرين (١١١) يأتوك بِكُل سَاحر عليم (١١٢) وَجَاء السَّحَرَة فِرْعَوْن قَالُوا إِن لنا لأجرا إِن كُنَّا نَحن الغالبين (١١٣) قَالَ نعم وَإِنَّكُمْ لمن المقربين (١١٤) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن﴾
203
﴿يُرِيد أَن يخرجكم من أَرْضكُم فَمَاذَا تأمرون﴾ أَي: بِمَاذَا تشيرون؟ قَالَه فِرْعَوْن لِقَوْمِهِ، وَقيل: إِن هَذَا من قَول الْمَلأ، قَالُوا لفرعون وخاصته: مَاذَا تأمرون وَقيل: إِنَّهُم قَالُوا ذَلِك لفرعون خَاصَّة؛ لَكِن ذكرُوا بِلَفْظ الْجمع تفخيما وتعظيما.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالُوا أرجه وأخاه﴾ أَي: أرجئه، والإرجاء: التَّأْخِير، يُقَال: أرجأت أَمر كَذَا، أَي أخرت، وَمِنْه المرجئة، سموا بذلك؛ لتأخيرهم الْعَمَل فِي الْإِيمَان، فَإِنَّهُم زَعَمُوا أَن الْعَمَل لَيْسَ من الْإِيمَان، وَيقْرَأ: " أرجه " من غير همز، قيل مَعْنَاهُ: التَّأْخِير أَيْضا، قَالَ الْمبرد: مَعْنَاهُ: اتركه يَرْجُو، وَمعنى الْكل وَاحِد؛ فَإِنَّهُم أشاروا عَلَيْهِ بِتَأْخِير أمره، وَترك التَّعَرُّض لَهُ، وَذكر النقاش فِي تَفْسِيره: أَنهم أشاروا بِتَأْخِيرِهِ؛ لِأَنَّهُ لم يكن فيهم ولد عاهر، إِذْ لَو كَانَ فيهم ولد عاهر لأشاروا بِالْقَتْلِ.
﴿وَأرْسل فِي الْمَدَائِن حاشرين﴾ هِيَ مَدَائِن الصَّعِيد، وَهُوَ فَوق مصر
﴿وَأرْسل فِي الْمَدَائِن حاشرين﴾ هِيَ مَدَائِن الصَّعِيد، وَهُوَ فَوق مصر
﴿يأتوك بِكُل سَاحر عليم﴾ وَفِي الْقِصَّة: أَن فِرْعَوْن أرسل أَصْحَاب الشَّرْط إِلَى تِلْكَ الْمَدَائِن ليجمعوا السَّحَرَة ويأتوا بهم.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَجَاء السَّحَرَة فِرْعَوْن﴾ وَفِيه حذف، يَعْنِي: فَأرْسل؛ فجَاء السَّحَرَة، وَاخْتلفُوا فِي عَددهمْ، قَالَ ابْن عَبَّاس: كَانُوا اثْنَي وَسبعين رجلا، وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار: كَانُوا (اثْنَي) عشر ألفا، وَقَالَ مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر: كَانُوا ثَمَانِينَ ألفا. وَالْمَعْرُوف أَنهم كَانُوا سبعين ألفا.
﴿قَالُوا إِن لنا لأجرا إِن كُنَّا نَحن الغالبين قَالَ نعم﴾ لكم الْأجر ﴿وَإِنَّكُمْ لمن المقربين﴾ أَي: لكم الْمنزلَة الرفيعة مَعَ الْأجر.
﴿قَالُوا إِن لنا لأجرا إِن كُنَّا نَحن الغالبين قَالَ نعم﴾ لكم الْأجر ﴿وَإِنَّكُمْ لمن المقربين﴾ أَي: لكم الْمنزلَة الرفيعة مَعَ الْأجر.
203
﴿تلقي وَإِمَّا أَن نَكُون نَحن الملقين (١١٥) قَالَ ألقوا فَلَمَّا ألقوا سحروا أعين النَّاس واسترهبوهم وَجَاءُوا بِسحر عَظِيم (١١٦) وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن ألق عصاك فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون (١١٧) فَوَقع الْحق وَبَطل مَا كَانُوا يعْملُونَ (١١٨) فغلبوا هُنَالك﴾
204
( قال نعم ) لكم الأجر ( وإنكم لمن المقربين ) أي : لكم المنزلة الرفيعة مع الأجر.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَن تلقى﴾ يَعْنِي: الْعَصَا ﴿وَإِمَّا أَن نَكُون نَحن الملقين﴾ يَعْنِي: عصينا
﴿قَالَ ألقوا فَلَمَّا ألقوا سحروا أعين النَّاس﴾ أَي: صرفُوا أعين النَّاس عَن إِدْرَاك حَقِيقَتهَا؛ فعلوا من التمويه والتخييل، وَهَذَا هُوَ السحر.
﴿واسترهبوهم﴾ أَي: السَّحَرَة طلبُوا رهبة النَّاس؛ فرهبوهم، وَقَالَ الْمبرد: السِّين فِيهِ زَائِدَة، وَمَعْنَاهُ: أرهبوهم ﴿وَجَاءُوا بِسحر عَظِيم﴾.
﴿واسترهبوهم﴾ أَي: السَّحَرَة طلبُوا رهبة النَّاس؛ فرهبوهم، وَقَالَ الْمبرد: السِّين فِيهِ زَائِدَة، وَمَعْنَاهُ: أرهبوهم ﴿وَجَاءُوا بِسحر عَظِيم﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وأوحينا إِلَى مُوسَى أَن ألق عصاك فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون﴾ وَيقْرَأ: " تلقف مَا يأفكون " مخففا، وَيقْرَأ فِي الشواذ " تلقم " وَقَرَأَ سعيد بن جُبَير: " تلقم " مخففا، وَمعنى الْكل وَاحِد. والتلقف: الْأَخْذ بِسُرْعَة، وَمَعْنَاهُ: تتلقم مَا يأفكون أَي: مَا يكذبُون من التخاييل الكاذبة، وَفِي الْقَصَص: أَن السَّحَرَة كَانُوا سبعين ألف، مَعَ كل وَاحِد مِنْهُم عَصا، فَألْقوا عصيهم؛ فَإِذا هِيَ تتحرك كالحيات، ثمَّ ألْقى مُوسَى عَصَاهُ؛ فَصَارَت ثعبانا، وتلقف كل ذَلِك، وَقصد النَّاس الَّذين حَضَرُوا؛ فَوَقع الزحام عَلَيْهِم؛ فَهَلَك خَمْسَة وَعِشْرُونَ ألفا فِي الزحام، ثمَّ أَخذه مُوسَى؛ فَصَارَت عَصا كَمَا كَانَت؛ فَذَلِك قَوْله ﴿فَإِذا هِيَ تلقف مَا يأفكون﴾ قَالَ الشَّاعِر:
وَقَالَ آخر:
(أَنْت عَصا مُوسَى الَّتِي لم تزل | تلقف مَا يأفكه السَّاحر) |