تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
المص
سُورَة الْأَعْرَاف هِيَ مَكِّيَّة، إِلَّا ثَمَان آيَات، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى :" وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة " [ الْأَعْرَاف : ١٦٣ ] إِلَى قَوْله :" وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ " [ الْأَعْرَاف : ١٧١ ].
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاة الْمَغْرِب بِسُورَةِ الْأَعْرَاف، فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ.
صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ.
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن، وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ.
فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ، فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تُسْأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبِرُونَ بِهِ، وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ، وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم، اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ.
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظَهِير عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : ٣ ].
قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
سُورَة الْأَعْرَاف هِيَ مَكِّيَّة، إِلَّا ثَمَان آيَات، وَهِيَ قَوْله تَعَالَى :" وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَة " [ الْأَعْرَاف : ١٦٣ ] إِلَى قَوْله :" وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَل فَوْقهمْ " [ الْأَعْرَاف : ١٧١ ].
وَرَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَائِشَة أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي صَلَاة الْمَغْرِب بِسُورَةِ الْأَعْرَاف، فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ.
صَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّد عَبْد الْحَقّ.
اِخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي الْحُرُوف الَّتِي فِي أَوَائِل السُّورَة ; فَقَالَ عَامِر الشَّعْبِيّ وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَجَمَاعَة مِنْ الْمُحَدِّثِينَ : هِيَ سِرّ اللَّه فِي الْقُرْآن، وَلِلَّهِ فِي كُلّ كِتَاب مِنْ كُتُبه سِرّ.
فَهِيَ مِنْ الْمُتَشَابِه الَّذِي اِنْفَرَدَ اللَّه تَعَالَى بِعِلْمِهِ، وَلَا يَجِب أَنْ يُتَكَلَّم فِيهَا، وَلَكِنْ نُؤْمِن بِهَا وَنَقْرَأ كَمَا جَاءَتْ.
وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْل عَنْ أَبِي بَكْر الصِّدِّيق وَعَنْ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا.
وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْث السَّمَرْقَنْدِيّ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن مَسْعُود أَنَّهُمْ قَالُوا : الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة مِنْ الْمَكْتُوم الَّذِي لَا يُفَسَّر.
وَقَالَ أَبُو حَاتِم : لَمْ نَجِد الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن إِلَّا فِي أَوَائِل السُّوَر، وَلَا نَدْرِي مَا أَرَادَ اللَّه جَلَّ وَعَزَّ بِهَا.
قُلْت : وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْر الْأَنْبَارِيّ : حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن الْحُبَاب حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بْن أَبِي طَالِب حَدَّثَنَا أَبُو الْمُنْذِر الْوَاسِطِيّ عَنْ مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ سَعِيد بْن مَسْرُوق عَنْ الرَّبِيع بْن خُثَيْم قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَنْزَلَ هَذَا الْقُرْآن فَاسْتَأْثَرَ مِنْهُ بِعِلْمِ مَا شَاءَ، وَأَطْلَعَكُمْ عَلَى مَا شَاءَ، فَأَمَّا مَا اِسْتَأْثَرَ بِهِ لِنَفْسِهِ فَلَسْتُمْ بِنَائِلِيهِ فَلَا تُسْأَلُوا عَنْهُ، وَأَمَّا الَّذِي أَطْلَعَكُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ وَتُخْبِرُونَ بِهِ، وَمَا بِكُلِّ الْقُرْآن تَعْلَمُونَ، وَلَا بِكُلِّ مَا تَعْلَمُونَ تَعْمَلُونَ.
قَالَ أَبُو بَكْر : فَهَذَا يُوَضِّح أَنَّ حُرُوفًا مِنْ الْقُرْآن سُتِرَتْ مَعَانِيهَا عَنْ جَمِيع الْعَالَم، اِخْتِبَارًا مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَامْتِحَانًا ; فَمَنْ آمَنَ بِهَا أُثِيبَ وَسَعِدَ، وَمَنْ كَفَرَ وَشَكَّ أَثِمَ وَبَعُدَ.
حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُف بْن يَعْقُوب الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ سُفْيَان عَنْ الْأَعْمَش عَنْ عُمَارَة عَنْ حُرَيْث بْن ظَهِير عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ : مَا آمَنَ مُؤْمِن أَفْضَل مِنْ إِيمَان بِغَيْبٍ، ثُمَّ قَرَأَ :" الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " [ الْبَقَرَة : ٣ ].
قُلْت : هَذَا الْقَوْل فِي الْمُتَشَابِه وَحُكْمه، وَهُوَ الصَّحِيح عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه فِي ( آل عِمْرَان ) إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقَالَ جَمْع مِنْ الْعُلَمَاء كَبِير : بَلْ يَجِب أَنْ نَتَكَلَّم فِيهَا، وَيُلْتَمَس الْفَوَائِد الَّتِي تَحْتهَا، وَالْمَعَانِي الَّتِي تَتَخَرَّج عَلَيْهَا ; وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَال عَدِيدَة ; فَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَعَلِيّ أَيْضًا : أَنَّ الْحُرُوف الْمُقَطَّعَة فِي الْقُرْآن اِسْم اللَّه الْأَعْظَم، إِلَّا أَنَّا لَا نَعْرِف تَأْلِيفه مِنْهَا.
وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ.
قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن، فَلَمَّا سَمِعُوا :" الم " وَ " المص " اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا :" لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : ٢٦ ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه، وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل، وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه، وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف، وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم، " الر " أَنَا اللَّه أَرَى، " المص " أَنَا اللَّه أَفْصِل.
فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه، وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا، كَقَوْلِهِ :
فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف
أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت.
وَقَالَ زُهَيْر :
أَرَادَ : وَإِنْ شَرًّا فَشَرّ.
وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء.
وَقَالَ آخَر :
أَرَادَ : أَلَا تَرْكَبُونَ، قَالُوا : أَلَا فَارْكَبُوا.
وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ قُطْرُب وَالْفَرَّاء وَغَيْرهمَا : هِيَ إِشَارَة إِلَى حُرُوف الْهِجَاء أَعْلَمَ اللَّه بِهَا الْعَرَب حِين تَحَدَّاهُمْ بِالْقُرْآنِ أَنَّهُ مُؤْتَلِف مِنْ حُرُوف هِيَ الَّتِي مِنْهَا بِنَاء كَلَامهمْ ; لِيَكُونَ عَجْزهمْ عَنْهُ أَبْلَغَ فِي الْحُجَّة عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يَخْرُج عَنْ كَلَامهمْ.
قَالَ قُطْرُب : كَانُوا يَنْفِرُونَ عِنْد اِسْتِمَاع الْقُرْآن، فَلَمَّا سَمِعُوا :" الم " وَ " المص " اِسْتَنْكَرُوا هَذَا اللَّفْظ، فَلَمَّا أَنْصَتُوا لَهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِالْقُرْآنِ الْمُؤْتَلِف لِيُثَبِّتهُ فِي أَسْمَاعهمْ وَآذَانهمْ وَيُقِيم الْحُجَّة عَلَيْهِمْ.
وَقَالَ قَوْم : رُوِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ سَمَاع الْقُرْآن بِمَكَّة وَقَالُوا :" لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآن وَالْغَوْا فِيهِ " [ فُصِّلَتْ : ٢٦ ] نَزَلَتْ لِيَسْتَغْرِبُوهَا فَيَفْتَحُونَ لَهَا أَسْمَاعهمْ فَيَسْمَعُونَ الْقُرْآن بَعْدهَا فَتَجِب عَلَيْهِمْ الْحُجَّة.
وَقَالَ جَمَاعَة : هِيَ حُرُوف دَالَّة عَلَى أَسْمَاء أُخِذَتْ مِنْهَا وَحُذِفَتْ بَقِيَّتهَا ; كَقَوْلِ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره : الْأَلِف مِنْ اللَّه، وَاللَّام مِنْ جِبْرِيل، وَالْمِيم مِنْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقِيلَ : الْأَلِف مِفْتَاح اِسْمه اللَّه، وَاللَّام مِفْتَاح اِسْمه لَطِيف، وَالْمِيم مِفْتَاح اِسْمه مَجِيد.
وَرَوَى أَبُو الضُّحَى عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله :" الم " قَالَ : أَنَا اللَّه أَعْلَم، " الر " أَنَا اللَّه أَرَى، " المص " أَنَا اللَّه أَفْصِل.
فَالْأَلِف تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَنَا، وَاللَّام تُؤَدِّي عَنْ اِسْم اللَّه، وَالْمِيم تُؤَدِّي عَنْ مَعْنَى أَعْلَم.
وَاخْتَارَ هَذَا الْقَوْل الزَّجَّاج وَقَالَ : أَذْهَب إِلَى أَنَّ كُلّ حَرْف مِنْهَا يُؤَدِّي عَنْ مَعْنًى ; وَقَدْ تَكَلَّمَتْ الْعَرَب بِالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَة نَظْمًا لَهَا وَوَضْعًا بَدَل الْكَلِمَات الَّتِي الْحُرُوف مِنْهَا، كَقَوْلِهِ :
فَقُلْت لَهَا قِفِي فَقَالَتْ قَاف
أَرَادَ : قَالَتْ وَقَفْت.
وَقَالَ زُهَيْر :
بِالْخَيْرِ خَيْرَات وَإِنْ شَرًّا فَا | وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَنْ تَا |
وَأَرَادَ : إِلَّا أَنْ تَشَاء.
وَقَالَ آخَر :
نَادَوْهُمْ أَلَا الْجُمُوا أَلَا تَا | قَالُوا جَمِيعًا كُلّهمْ أَلَا فَا |
وَفِي الْحَدِيث :( مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْل مُسْلِم بِشَطْرِ كَلِمَة ) قَالَ شَقِيق : هُوَ أَنْ يَقُول فِي اُقْتُلْ : اُقْ ; كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام ( كَفَى بِالسَّيْفِ شَا ) مَعْنَاهُ : شَافِيًا.
وَقَالَ زَيْد بْن أَسْلَم : هِيَ أَسْمَاء لِلسُّوَرِ.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : هِيَ أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه تَعَالَى بِهَا لِشَرَفِهَا وَفَضْلِهَا، وَهِيَ مِنْ أَسْمَائِهِ ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا، وَرَدَّ بَعْض الْعُلَمَاء هَذَا الْقَوْل فَقَالَ : لَا يَصِحّ أَنْ يَكُون قَسَمًا لِأَنَّ الْقَسَم مَعْقُود عَلَى حُرُوف مِثْل : إِنَّ وَقَدْ وَلَقَدْ وَمَا ; وَلَمْ يُوجَد هَهُنَا حَرْف مِنْ هَذِهِ الْحُرُوف، فَلَا يَجُوز أَنْ يَكُون يَمِينًا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى :" لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا، وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم.
فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح.
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق، وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم، وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟.
قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" الم " أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله :" الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة، وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيَفْقَهَ النَّاس.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبُهَا.
وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة.
أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ :" الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم ".
وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا.
وَالْجَوَاب أَنْ يُقَال : مَوْضِع الْقَسَم قَوْله تَعَالَى :" لَا رَيْب فِيهِ " فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا حَلَفَ فَقَالَ : وَاَللَّه هَذَا الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ ; لَكَانَ الْكَلَام سَدِيدًا، وَتَكُون " لَا " جَوَاب الْقَسَم.
فَثَبَتَ أَنَّ قَوْل الْكَلْبِيّ وَمَا رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس سَدِيد صَحِيح.
فَإِنْ قِيلَ : مَا الْحِكْمَة فِي الْقَسَم مِنْ اللَّه تَعَالَى، وَكَانَ الْقَوْم فِي ذَلِكَ الزَّمَان عَلَى صِنْفَيْنِ : مُصَدِّق، وَمُكَذِّب ; فَالْمُصَدِّق يُصَدِّق بِغَيْرِ قَسَم، وَالْمُكَذِّب لَا يُصَدِّق مَعَ الْقَسَم ؟.
قِيلَ لَهُ : الْقُرْآن نَزَلَ بِلُغَةِ الْعَرَب ; وَالْعَرَب إِذَا أَرَادَ بَعْضهمْ أَنْ يُؤَكِّد كَلَامه أَقْسَمَ عَلَى كَلَامه ; وَاَللَّه تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّد عَلَيْهِمْ الْحُجَّة فَأَقْسَمَ أَنَّ الْقُرْآن مِنْ عِنْده.
وَقَالَ بَعْضهمْ :" الم " أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْك هَذَا الْكِتَاب مِنْ اللَّوْح الْمَحْفُوظ.
وَقَالَ قَتَادَة فِي قَوْله :" الم " قَالَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء الْقُرْآن.
وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّد بْن عَلِيّ التِّرْمِذِيّ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّ اللَّه تَعَالَى أَوْدَعَ جَمِيع مَا فِي تِلْكَ السُّورَة مِنْ الْأَحْكَام وَالْقَصَص فِي الْحُرُوف الَّتِي ذَكَرَهَا فِي أَوَّل السُّورَة، وَلَا يَعْرِف ذَلِكَ إِلَّا نَبِيّ أَوْ وَلِيّ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَمِيع السُّورَة لِيَفْقَهَ النَّاس.
وَقِيلَ غَيْر هَذَا مِنْ الْأَقْوَال ; فَاَللَّه أَعْلَم.
وَالْوَقْف عَلَى هَذِهِ الْحُرُوف عَلَى السُّكُون لِنُقْصَانِهَا إِلَّا إِذَا أَخْبَرْت عَنْهَا أَوْ عَطَفْتهَا فَإِنَّك تُعْرِبُهَا.
وَاخْتُلِفَ : هَلْ لَهَا مَحَلٌّ مِنْ الْإِعْرَاب ؟ فَقِيلَ : لَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ أَسْمَاء مُتَمَكِّنَة، وَلَا أَفْعَالًا مُضَارِعَة ; وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ حُرُوف التَّهَجِّي فَهِيَ مَحْكِيَّة.
هَذَا مَذْهَب الْخَلِيل وَسِيبَوَيْهِ.
وَمَنْ قَالَ : إِنَّهَا أَسْمَاء السُّوَر فَمَوْضِعهَا عِنْده الرَّفْع عَلَى أَنَّهَا عِنْده خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر ; أَيْ هَذِهِ " الم " ; كَمَا تَقُول : هَذِهِ سُورَة الْبَقَرَة.
أَوْ تَكُون رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر ذَلِكَ ; كَمَا تَقُول : زَيْد ذَلِكَ الرَّجُل.
وَقَالَ اِبْن كَيْسَان النَّحْوِيّ :" الم " فِي مَوْضِع نَصْب ; كَمَا تَقُول : اِقْرَأْ " الم " أَوْ عَلَيْك " الم ".
وَقِيلَ : فِي مَوْضِع خَفْض بِالْقَسَمِ ; لِقَوْلِ اِبْن عَبَّاس : إِنَّهَا أَقْسَام أَقْسَمَ اللَّه بِهَا.
كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ
و " كِتَاب " خَبَره.
كَأَنَّهُ قَالَ :" المص " حُرُوف " كِتَاب أُنْزِلَ إِلَيْك " وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَيْ هَذَا كِتَاب.
و " كِتَاب " خَبَره.
كَأَنَّهُ قَالَ :" المص " حُرُوف " كِتَاب أُنْزِلَ إِلَيْك " وَقَالَ الْكِسَائِيّ : أَيْ هَذَا كِتَاب.
فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ
" حَرَج " أَيْ ضِيق ; أَيْ لَا يَضِيق صَدْرك بِالْإِبْلَاغِ ; لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( إِنِّي أَخَاف أَنْ يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَة ) الْحَدِيث.
خَرَّجَهُ مُسْلِم.
قَالَ إِلْكِيَا : فَظَاهِره النَّهْي، وَمَعْنَاهُ نَفْي الْحَرَج عَنْهُ ; أَيْ لَا يَضِيق صَدْرك أَلَّا يُؤْمِنُوا بِهِ، فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ، وَلَيْسَ عَلَيْك سِوَى الْإِنْذَار بِهِ مِنْ شَيْء مِنْ إِيمَانهمْ أَوْ كُفْرهمْ، وَمِثْله قَوْله تَعَالَى :" فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك " [ الْكَهْف : ٦ ] الْآيَة.
وَقَالَ :" لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " [ الشُّعَرَاء : ٣ ].
وَمَذْهَب مُجَاهِد وَقَتَادَة أَنَّ الْحَرَج هُنَا الشَّكّ، وَلَيْسَ هَذَا شَكّ الْكُفْر إِنَّمَا هُوَ شَكُّ الضِّيق.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّك يَضِيقُ صَدْرك بِمَا يَقُولُونَ " [ الْحِجْر : ٩٧ ].
وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّتُهُ.
وَفِيهِ بُعْد.
وَالْهَاء فِي " مِنْهُ " لِلْقُرْآنِ.
وَقِيلَ : لِلْإِنْذَارِ ; أَيْ أُنْزِلَ إِلَيْك الْكِتَاب لِتُنْذِر بِهِ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك حَرَج مِنْهُ.
فَالْكَلَام فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير.
وَقِيلَ لِلتَّكْذِيبِ الَّذِي يُعْطِيه قُوَّة الْكَلَام.
أَيْ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك ضِيق مِنْ تَكْذِيب الْمُكَذِّبِينَ لَهُ.
" وَذِكْرَى " يَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع وَنَصْب وَخَفْض.
فَالرَّفْع مِنْ وَجْهَيْنِ ; قَالَ الْبَصْرِيُّونَ : هِيَ رَفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : عَطْف عَلَى " كِتَاب " وَالنَّصْب مِنْ وَجْهَيْنِ ; عَلَى الْمَصْدَر ; أَيْ وَذَكِّرْ بِهِ ذِكْرَى ; قَالَ الْبَصْرِيُّونَ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : عَطْف عَلَى الْهَاء فِي " أَنْزَلْنَاهُ ".
وَالْخَفْض حَمْلًا عَلَى مَوْضِع " لِتُنْذِر بِهِ " وَالْإِنْذَار لِلْكَافِرِينَ، وَالذِّكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ.
" حَرَج " أَيْ ضِيق ; أَيْ لَا يَضِيق صَدْرك بِالْإِبْلَاغِ ; لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهُ قَالَ :( إِنِّي أَخَاف أَنْ يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَة ) الْحَدِيث.
خَرَّجَهُ مُسْلِم.
قَالَ إِلْكِيَا : فَظَاهِره النَّهْي، وَمَعْنَاهُ نَفْي الْحَرَج عَنْهُ ; أَيْ لَا يَضِيق صَدْرك أَلَّا يُؤْمِنُوا بِهِ، فَإِنَّمَا عَلَيْك الْبَلَاغ، وَلَيْسَ عَلَيْك سِوَى الْإِنْذَار بِهِ مِنْ شَيْء مِنْ إِيمَانهمْ أَوْ كُفْرهمْ، وَمِثْله قَوْله تَعَالَى :" فَلَعَلَّك بَاخِع نَفْسك " [ الْكَهْف : ٦ ] الْآيَة.
وَقَالَ :" لَعَلَّك بَاخِع نَفْسك أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ " [ الشُّعَرَاء : ٣ ].
وَمَذْهَب مُجَاهِد وَقَتَادَة أَنَّ الْحَرَج هُنَا الشَّكّ، وَلَيْسَ هَذَا شَكّ الْكُفْر إِنَّمَا هُوَ شَكُّ الضِّيق.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَلَقَدْ نَعْلَم أَنَّك يَضِيقُ صَدْرك بِمَا يَقُولُونَ " [ الْحِجْر : ٩٧ ].
وَقِيلَ : الْخِطَاب لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَاد أُمَّتُهُ.
وَفِيهِ بُعْد.
وَالْهَاء فِي " مِنْهُ " لِلْقُرْآنِ.
وَقِيلَ : لِلْإِنْذَارِ ; أَيْ أُنْزِلَ إِلَيْك الْكِتَاب لِتُنْذِر بِهِ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك حَرَج مِنْهُ.
فَالْكَلَام فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير.
وَقِيلَ لِلتَّكْذِيبِ الَّذِي يُعْطِيه قُوَّة الْكَلَام.
أَيْ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك ضِيق مِنْ تَكْذِيب الْمُكَذِّبِينَ لَهُ.
" وَذِكْرَى " يَجُوز أَنْ يَكُون فِي مَوْضِع رَفْع وَنَصْب وَخَفْض.
فَالرَّفْع مِنْ وَجْهَيْنِ ; قَالَ الْبَصْرِيُّونَ : هِيَ رَفْع عَلَى إِضْمَار مُبْتَدَأ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : عَطْف عَلَى " كِتَاب " وَالنَّصْب مِنْ وَجْهَيْنِ ; عَلَى الْمَصْدَر ; أَيْ وَذَكِّرْ بِهِ ذِكْرَى ; قَالَ الْبَصْرِيُّونَ.
وَقَالَ الْكِسَائِيّ : عَطْف عَلَى الْهَاء فِي " أَنْزَلْنَاهُ ".
وَالْخَفْض حَمْلًا عَلَى مَوْضِع " لِتُنْذِر بِهِ " وَالْإِنْذَار لِلْكَافِرِينَ، وَالذِّكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ; لِأَنَّهُمْ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ.
اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ
يَعْنِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " [ الْحَشْر : ٧ ].
وَقَالَتْ فِرْقَة : هَذَا أَمْر يَعُمّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته.
وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَمْر لِجَمِيعِ النَّاس دُونه.
أَيْ اِتَّبِعُوا مِلَّة الْإِسْلَام وَالْقُرْآن، وَأَحِلُّوا حَلَاله وَحَرِّمُوا حَرَامه، وَامْتَثِلُوا أَمْره، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ.
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى تَرْك اِتِّبَاع الْآرَاء مَعَ وُجُود النَّصِّ.
يَعْنِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة.
قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " [ الْحَشْر : ٧ ].
وَقَالَتْ فِرْقَة : هَذَا أَمْر يَعُمّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّته.
وَالظَّاهِر أَنَّهُ أَمْر لِجَمِيعِ النَّاس دُونه.
أَيْ اِتَّبِعُوا مِلَّة الْإِسْلَام وَالْقُرْآن، وَأَحِلُّوا حَلَاله وَحَرِّمُوا حَرَامه، وَامْتَثِلُوا أَمْره، وَاجْتَنِبُوا نَهْيَهُ.
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى تَرْك اِتِّبَاع الْآرَاء مَعَ وُجُود النَّصِّ.
وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ
" مِنْ دُونِهِ " مِنْ غَيْره.
وَالْهَاء تَعُود عَلَى الرَّبّ سُبْحَانه، وَالْمَعْنَى : لَا تَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْره، وَلَا تَتَّخِذُوا مَنْ عَدَلَ عَنْ دِين اللَّه وَلِيًّا.
وَكُلّ مَنْ رَضِيَ مَذْهَبًا فَأَهْل ذَلِكَ الْمَذْهَب أَوْلِيَاؤُهُ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِك بْن دِينَار أَنَّهُ قَرَأَ " وَلَا تَبْتَغُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء " أَيْ وَلَا تَطْلُبُوا.
وَلَمْ يَنْصَرِف " أَوْلِيَاء " لِأَنَّ فِيهِ أَلِف التَّأْنِيث.
وَقِيلَ : تَعُود عَلَى " مَا " مِنْ قَوْله :" اِتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ ".
" مِنْ دُونِهِ " مِنْ غَيْره.
وَالْهَاء تَعُود عَلَى الرَّبّ سُبْحَانه، وَالْمَعْنَى : لَا تَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْره، وَلَا تَتَّخِذُوا مَنْ عَدَلَ عَنْ دِين اللَّه وَلِيًّا.
وَكُلّ مَنْ رَضِيَ مَذْهَبًا فَأَهْل ذَلِكَ الْمَذْهَب أَوْلِيَاؤُهُ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِك بْن دِينَار أَنَّهُ قَرَأَ " وَلَا تَبْتَغُوا مِنْ دُونه أَوْلِيَاء " أَيْ وَلَا تَطْلُبُوا.
وَلَمْ يَنْصَرِف " أَوْلِيَاء " لِأَنَّ فِيهِ أَلِف التَّأْنِيث.
وَقِيلَ : تَعُود عَلَى " مَا " مِنْ قَوْله :" اِتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ ".
قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ
" مَا " زَائِدَة.
وَقِيلَ : تَكُون مَعَ الْفِعْل مَصْدَرًا.
" مَا " زَائِدَة.
وَقِيلَ : تَكُون مَعَ الْفِعْل مَصْدَرًا.
وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ
" كَمْ " لِلتَّكْثِيرِ ; كَمَا أَنَّ " رُبَّ " لِلتَّقْلِيلِ.
وَهِيَ فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَ " أَهْلَكْنَا " الْخَبَر.
أَيْ وَكَثِير مِنْ الْقُرَى - وَهِيَ مَوَاضِع اِجْتِمَاع النَّاس - أَهْلَكْنَاهَا.
وَيَجُوز النَّصْب بِإِضْمَارِ فِعْل بَعْدهَا، وَلَا يُقَدَّر قَبْلهَا ; لِأَنَّ الِاسْتِفْهَام لَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله.
وَيُقَوِّي الْأَوَّل قَوْله :" وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُون مِنْ بَعْد نُوح " وَلَوْلَا اِشْتِغَال " أَهْلَكْنَا " بِالضَّمِيرِ لَانْتَصَبَ بِهِ مَوْضِع " كَمْ ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " أَهْلَكْنَا " صِفَة لِلْقَرْيَةِ، وَ " كَمْ " فِي الْمَعْنَى هِيَ الْقَرْيَة ; فَإِذَا وَصَفْت الْقَرْيَة فَكَأَنَّك قَدْ وَصَفْت كَمْ.
يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَكَمْ مِنْ مَلَك فِي السَّمَاوَات لَا تُغْنِي شَفَاعَتهمْ شَيْئًا " [ النَّجْم : ٢٦ ] فَعَادَ الضَّمِير عَلَى " كَمْ ".
عَلَى الْمَعْنَى ; إِذْ كَانَتْ الْمَلَائِكَة فِي الْمَعْنَى.
فَلَا يَصِحّ عَلَى هَذَا التَّقْدِير أَنْ يَكُون " كَمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِإِضْمَارِ فِعْل بَعْدهَا.
" فَجَاءَهَا بَأْسنَا " فِيهِ إِشْكَال لِلْعَطْفِ بِالْفَاءِ.
فَقَالَ الْفَرَّاء : الْفَاء بِمَعْنَى الْوَاو، فَلَا يَلْزَم التَّرْتِيب.
وَقِيلَ : أَيْ وَكَمْ مِنْ قَرْيَة أَرَدْنَا إِهْلَاكهَا فَجَاءَهَا بَأْسنَا ; كَقَوْلِهِ :" فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم " [ النَّحْل : ٩٨ ].
وَقِيلَ : إِنَّ الْهَلَاك.
وَاقِع بِبَعْضِ الْقَوْم ; فَيَكُون التَّقْدِير : وَكَمْ مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَا بَعْضهَا فَجَاءَهَا بَأْسنَا فَأَهْلَكْنَا الْجَمِيع.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَكَمْ مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا فِي حُكْمنَا فَجَاءَهَا بَأْسنَا.
وَقِيلَ : أَهْلَكْنَاهَا بِإِرْسَالِنَا مَلَائِكَة الْعَذَاب إِلَيْهَا، فَجَاءَهَا بَأْسنَا وَهُوَ الِاسْتِئْصَال.
وَالْبَأْس، الْعَذَاب الْآتِي عَلَى النَّفْس.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَهْلَكْنَاهَا فَكَانَ إِهْلَاكنَا إِيَّاهُمْ فِي وَقْت كَذَا ; فَمَجِيء الْبَأْس عَلَى هَذَا هُوَ الْإِهْلَاك.
وَقِيلَ : الْبَأْس غَيْر الْإِهْلَاك ; كَمَا ذَكَرْنَا.
وَحَكَى الْفَرَّاء أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْت أَيّهمَا شِئْت ; فَيَكُون الْمَعْنَى وَكَمْ مِنْ قَرْيَة جَاءَهَا بَأْسنَا فَأَهْلَكْنَاهَا ; مِثْل دَنَا فَقَرُبَ، وَقَرُبَ فَدَنَا، وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ، وَأَسَاءَ فَشَتَمَنِي ; لِأَنَّ الْإِسَاءَة وَالشَّتْم شَيْء وَاحِد.
وَكَذَلِكَ قَوْله :" اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر " [ الْقَمَر : ١ ].
الْمَعْنَى - وَاَللَّه أَعْلَم - اِنْشَقَّ الْقَمَر فَاقْتَرَبَتْ السَّاعَة.
وَالْمَعْنَى وَاحِد.
" بَيَاتًا " أَيْ لَيْلًا ; وَمِنْهُ الْبَيْت، لِأَنَّهُ يُبَات فِيهِ.
يُقَال : بَاتَ يَبِيت بَيْتًا وَبَيَاتًا.
" أَوْ هُمْ قَائِلُونَ " أَيْ أَوْ وَهُمْ قَائِلُونَ، فَاسْتَثْقَلُوا فَحَذَفُوا الْوَاو ; قَالَهُ الْفَرَّاء.
وَقَالَ الزَّجَّاج : هَذَا خَطَأ، إِذَا عَادَ الذِّكْر اُسْتُغْنِيَ عَنْ الْوَاو، تَقُول : جَاءَنِي زَيْد رَاكِبًا أَوْ هُوَ مَاشٍ، وَلَا يُحْتَاج إِلَى الْوَاو.
" كَمْ " لِلتَّكْثِيرِ ; كَمَا أَنَّ " رُبَّ " لِلتَّقْلِيلِ.
وَهِيَ فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ، وَ " أَهْلَكْنَا " الْخَبَر.
أَيْ وَكَثِير مِنْ الْقُرَى - وَهِيَ مَوَاضِع اِجْتِمَاع النَّاس - أَهْلَكْنَاهَا.
وَيَجُوز النَّصْب بِإِضْمَارِ فِعْل بَعْدهَا، وَلَا يُقَدَّر قَبْلهَا ; لِأَنَّ الِاسْتِفْهَام لَا يَعْمَل فِيهِ مَا قَبْله.
وَيُقَوِّي الْأَوَّل قَوْله :" وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ الْقُرُون مِنْ بَعْد نُوح " وَلَوْلَا اِشْتِغَال " أَهْلَكْنَا " بِالضَّمِيرِ لَانْتَصَبَ بِهِ مَوْضِع " كَمْ ".
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " أَهْلَكْنَا " صِفَة لِلْقَرْيَةِ، وَ " كَمْ " فِي الْمَعْنَى هِيَ الْقَرْيَة ; فَإِذَا وَصَفْت الْقَرْيَة فَكَأَنَّك قَدْ وَصَفْت كَمْ.
يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى :" وَكَمْ مِنْ مَلَك فِي السَّمَاوَات لَا تُغْنِي شَفَاعَتهمْ شَيْئًا " [ النَّجْم : ٢٦ ] فَعَادَ الضَّمِير عَلَى " كَمْ ".
عَلَى الْمَعْنَى ; إِذْ كَانَتْ الْمَلَائِكَة فِي الْمَعْنَى.
فَلَا يَصِحّ عَلَى هَذَا التَّقْدِير أَنْ يَكُون " كَمْ " فِي مَوْضِع نَصْب بِإِضْمَارِ فِعْل بَعْدهَا.
" فَجَاءَهَا بَأْسنَا " فِيهِ إِشْكَال لِلْعَطْفِ بِالْفَاءِ.
فَقَالَ الْفَرَّاء : الْفَاء بِمَعْنَى الْوَاو، فَلَا يَلْزَم التَّرْتِيب.
وَقِيلَ : أَيْ وَكَمْ مِنْ قَرْيَة أَرَدْنَا إِهْلَاكهَا فَجَاءَهَا بَأْسنَا ; كَقَوْلِهِ :" فَإِذَا قَرَأْت الْقُرْآن فَاسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيم " [ النَّحْل : ٩٨ ].
وَقِيلَ : إِنَّ الْهَلَاك.
وَاقِع بِبَعْضِ الْقَوْم ; فَيَكُون التَّقْدِير : وَكَمْ مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَا بَعْضهَا فَجَاءَهَا بَأْسنَا فَأَهْلَكْنَا الْجَمِيع.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَكَمْ مِنْ قَرْيَة أَهْلَكْنَاهَا فِي حُكْمنَا فَجَاءَهَا بَأْسنَا.
وَقِيلَ : أَهْلَكْنَاهَا بِإِرْسَالِنَا مَلَائِكَة الْعَذَاب إِلَيْهَا، فَجَاءَهَا بَأْسنَا وَهُوَ الِاسْتِئْصَال.
وَالْبَأْس، الْعَذَاب الْآتِي عَلَى النَّفْس.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى أَهْلَكْنَاهَا فَكَانَ إِهْلَاكنَا إِيَّاهُمْ فِي وَقْت كَذَا ; فَمَجِيء الْبَأْس عَلَى هَذَا هُوَ الْإِهْلَاك.
وَقِيلَ : الْبَأْس غَيْر الْإِهْلَاك ; كَمَا ذَكَرْنَا.
وَحَكَى الْفَرَّاء أَيْضًا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْنَى الْفِعْلَيْنِ وَاحِدًا أَوْ كَالْوَاحِدِ قَدَّمْت أَيّهمَا شِئْت ; فَيَكُون الْمَعْنَى وَكَمْ مِنْ قَرْيَة جَاءَهَا بَأْسنَا فَأَهْلَكْنَاهَا ; مِثْل دَنَا فَقَرُبَ، وَقَرُبَ فَدَنَا، وَشَتَمَنِي فَأَسَاءَ، وَأَسَاءَ فَشَتَمَنِي ; لِأَنَّ الْإِسَاءَة وَالشَّتْم شَيْء وَاحِد.
وَكَذَلِكَ قَوْله :" اِقْتَرَبَتْ السَّاعَة وَانْشَقَّ الْقَمَر " [ الْقَمَر : ١ ].
الْمَعْنَى - وَاَللَّه أَعْلَم - اِنْشَقَّ الْقَمَر فَاقْتَرَبَتْ السَّاعَة.
وَالْمَعْنَى وَاحِد.
" بَيَاتًا " أَيْ لَيْلًا ; وَمِنْهُ الْبَيْت، لِأَنَّهُ يُبَات فِيهِ.
يُقَال : بَاتَ يَبِيت بَيْتًا وَبَيَاتًا.
" أَوْ هُمْ قَائِلُونَ " أَيْ أَوْ وَهُمْ قَائِلُونَ، فَاسْتَثْقَلُوا فَحَذَفُوا الْوَاو ; قَالَهُ الْفَرَّاء.
وَقَالَ الزَّجَّاج : هَذَا خَطَأ، إِذَا عَادَ الذِّكْر اُسْتُغْنِيَ عَنْ الْوَاو، تَقُول : جَاءَنِي زَيْد رَاكِبًا أَوْ هُوَ مَاشٍ، وَلَا يُحْتَاج إِلَى الْوَاو.
قَالَ الْمَهْدَوِيّ : وَلَمْ يَقُلْ بَيَاتًا أَوْ وَهُمْ قَائِلُونَ لِأَنَّ فِي الْجُمْلَة ضَمِيرًا يَرْجِع إِلَى الْأَوَّل فَاسْتُغْنِيَ عَنْ الْوَاو.
وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الزَّجَّاج سَوَاء، وَلَيْسَ أَوْ لِلشَّكِّ بَلْ لِلتَّفْصِيلِ ; كَقَوْلِك : لَأُكْرِمَنَّك مُنْصِفًا لِي أَوْ ظَالِمًا.
وَهَذِهِ الْوَاو تُسَمَّى عِنْد النَّحْوِيِّينَ وَاو الْوَقْت.
وَ " قَائِلُونَ " مِنْ الْقَائِلَة وَهِيَ الْقَيْلُولَة ; وَهِيَ نَوْم نِصْف النَّهَار.
وَقِيلَ : الِاسْتِرَاحَة نِصْف النَّهَار إِذَا اِشْتَدَّ الْحَرّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْم.
وَالْمَعْنَى جَاءَهُمْ عَذَابُنَا وَهُمْ غَافِلُونَ إِمَّا لَيْلًا وَإِمَّا نَهَارًا.
وَالدَّعْوَى الدُّعَاء ; وَمِنْهُ قَوْل :" وَآخِر دَعْوَاهُمْ " [ يُونُس : ١٠ ].
وَحَكَى النَّحْوِيُّونَ : اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي صَالِح دَعْوَى مَنْ دَعَاك.
وَقَدْ تَكُون الدَّعْوَى بِمَعْنَى الِادِّعَاء.
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُصُوا عِنْد الْإِهْلَاك إِلَّا عَلَى الْإِقْرَار بِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ.
وَهُوَ مَعْنَى قَوْل الزَّجَّاج سَوَاء، وَلَيْسَ أَوْ لِلشَّكِّ بَلْ لِلتَّفْصِيلِ ; كَقَوْلِك : لَأُكْرِمَنَّك مُنْصِفًا لِي أَوْ ظَالِمًا.
وَهَذِهِ الْوَاو تُسَمَّى عِنْد النَّحْوِيِّينَ وَاو الْوَقْت.
وَ " قَائِلُونَ " مِنْ الْقَائِلَة وَهِيَ الْقَيْلُولَة ; وَهِيَ نَوْم نِصْف النَّهَار.
وَقِيلَ : الِاسْتِرَاحَة نِصْف النَّهَار إِذَا اِشْتَدَّ الْحَرّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْم.
وَالْمَعْنَى جَاءَهُمْ عَذَابُنَا وَهُمْ غَافِلُونَ إِمَّا لَيْلًا وَإِمَّا نَهَارًا.
وَالدَّعْوَى الدُّعَاء ; وَمِنْهُ قَوْل :" وَآخِر دَعْوَاهُمْ " [ يُونُس : ١٠ ].
وَحَكَى النَّحْوِيُّونَ : اللَّهُمَّ أَشْرِكْنَا فِي صَالِح دَعْوَى مَنْ دَعَاك.
وَقَدْ تَكُون الدَّعْوَى بِمَعْنَى الِادِّعَاء.
وَالْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُصُوا عِنْد الْإِهْلَاك إِلَّا عَلَى الْإِقْرَار بِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ.
فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ
و " دَعْوَاهُمْ " فِي مَوْضِع نَصْب خَبَر كَانَ، وَاسْمهَا " إِلَّا أَنْ قَالُوا ".
" إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ " الْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُصُوا عِنْد الْإِهْلَاك إِلَّا عَلَى الْإِقْرَار بِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ.
نَظِيره " فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا " [ النَّمْل : ٥٦ ] وَيَجُوز أَنْ تَكُون الدَّعْوَى رَفْعًا، وَ " أَنْ قَالُوا " نَصْبًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا " [ الْبَقَرَة : ١٧٧ ] بِرَفْعِ " الْبِرّ " وَقَوْله :" ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَ أَنْ كَذَّبُوا " [ الرُّوم : ١٠ ] بِرَفْعِ " عَاقِبَة ".
و " دَعْوَاهُمْ " فِي مَوْضِع نَصْب خَبَر كَانَ، وَاسْمهَا " إِلَّا أَنْ قَالُوا ".
" إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ " الْمَعْنَى : أَنَّهُمْ لَمْ يَخْلُصُوا عِنْد الْإِهْلَاك إِلَّا عَلَى الْإِقْرَار بِأَنَّهُمْ كَانُوا ظَالِمِينَ.
نَظِيره " فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا " [ النَّمْل : ٥٦ ] وَيَجُوز أَنْ تَكُون الدَّعْوَى رَفْعًا، وَ " أَنْ قَالُوا " نَصْبًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :" لَيْسَ الْبِرُّ أَنْ تُوَلُّوا " [ الْبَقَرَة : ١٧٧ ] بِرَفْعِ " الْبِرّ " وَقَوْله :" ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَ أَنْ كَذَّبُوا " [ الرُّوم : ١٠ ] بِرَفْعِ " عَاقِبَة ".
فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ
دَلِيل عَلَى أَنَّ الْكُفَّار يُحَاسَبُونَ.
وَفِي التَّنْزِيل " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ " [ الْغَاشِيَة : ٢٦ ].
وَفِي سُورَة الْقَصَص " وَلَا يُسْأَل عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ " [ الْقَصَص : ٧٨ ] يَعْنِي إِذَا اِسْتَقَرُّوا فِي الْعَذَاب.
وَالْآخِرَة مَوَاطِن : مَوْطِن يُسْأَلُونَ فِيهِ لِلْحِسَابِ.
وَمَوْطِن لَا يُسْأَلُونَ فِيهِ.
وَسُؤَالُهُمْ تَقْرِير وَتَوْبِيخ وَإِفْضَاح.
وَسُؤَال الرُّسُل سُؤَال اِسْتِشْهَاد بِهِمْ وَإِفْصَاح ; أَيْ عَنْ جَوَاب الْقَوْم لَهُمْ.
وَهُوَ مَعْنَى قَوْله :" لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ " [ الْأَحْزَاب : ٨ ] عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ " أَيْ الْأَنْبِيَاء " وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ " أَيْ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ.
وَاللَّام فِي " فَلَنَسْأَلَنَّ " لَام الْقَسَم وَحَقِيقَتهَا التَّوْكِيد.
دَلِيل عَلَى أَنَّ الْكُفَّار يُحَاسَبُونَ.
وَفِي التَّنْزِيل " ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ " [ الْغَاشِيَة : ٢٦ ].
وَفِي سُورَة الْقَصَص " وَلَا يُسْأَل عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ " [ الْقَصَص : ٧٨ ] يَعْنِي إِذَا اِسْتَقَرُّوا فِي الْعَذَاب.
وَالْآخِرَة مَوَاطِن : مَوْطِن يُسْأَلُونَ فِيهِ لِلْحِسَابِ.
وَمَوْطِن لَا يُسْأَلُونَ فِيهِ.
وَسُؤَالُهُمْ تَقْرِير وَتَوْبِيخ وَإِفْضَاح.
وَسُؤَال الرُّسُل سُؤَال اِسْتِشْهَاد بِهِمْ وَإِفْصَاح ; أَيْ عَنْ جَوَاب الْقَوْم لَهُمْ.
وَهُوَ مَعْنَى قَوْله :" لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ " [ الْأَحْزَاب : ٨ ] عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ " أَيْ الْأَنْبِيَاء " وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ " أَيْ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ.
وَاللَّام فِي " فَلَنَسْأَلَنَّ " لَام الْقَسَم وَحَقِيقَتهَا التَّوْكِيد.
فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَنْطِق عَلَيْهِمْ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يَنْطِق عَلَيْهِمْ.
وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ
أَيْ كُنَّا شَاهِدِينَ لِأَعْمَالِهِمْ.
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَالِمٌ بِعِلْمٍ.
أَيْ كُنَّا شَاهِدِينَ لِأَعْمَالِهِمْ.
وَدَلَّتْ الْآيَة عَلَى أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَالِمٌ بِعِلْمٍ.
وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الْحَقّ " نَعْته، وَالْخَبَر " يَوْمئِذٍ ".
وَيَجُوز نَصْب " الْحَقّ " عَلَى الْمَصْدَر.
وَالْمُرَاد بِالْوَزْنِ وَزْن أَعْمَال الْعِبَاد بِالْمِيزَانِ.
قَالَ اِبْن عُمَر : تُوزَن صَحَائِف أَعْمَال الْعِبَاد.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْخَبَر عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقِيلَ : الْمِيزَان الْكِتَاب الَّذِي فِيهِ أَعْمَال الْخَلْق.
وَقَالَ مُجَاهِد : الْمِيزَان الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات بِأَعْيَانِهَا.
وَعَنْهُ أَيْضًا وَالضَّحَّاك وَالْأَعْمَش : الْوَزْن وَالْمِيزَان بِمَعْنَى الْعَدْل وَالْقَضَاء، وَذِكْر الْوَزْن ضَرْب مَثَل ; كَمَا تَقُول : هَذَا الْكَلَام فِي وَزْن هَذَا وَفِي وِزَانِهِ، أَيْ يُعَادِلهُ وَيُسَاوِيه وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَزْن.
قَالَ الزَّجَّاج : هَذَا سَائِغ مِنْ جِهَة اللِّسَان، وَالْأَوْلَى أَنْ يُتَّبَع مَا جَاءَ فِي الْأَسَانِيد الصِّحَاح مِنْ ذِكْر الْمِيزَان.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ أَحْسَنَ فِيمَا قَالَ، إِذْ لَوْ حُمِلَ الْمِيزَان عَلَى هَذَا فَلْيُحْمَلْ الصِّرَاط عَلَى الدِّين الْحَقّ، وَالْجَنَّة وَالنَّار عَلَى مَا يَرِد عَلَى الْأَرْوَاح دُون الْأَجْسَاد، وَالشَّيَاطِين وَالْجِنّ عَلَى الْأَخْلَاق الْمَذْمُومَة، وَالْمَلَائِكَة عَلَى الْقُوَى الْمَحْمُودَة.
وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة فِي الصَّدْر الْأَوَّل عَلَى الْأَخْذ بِهَذِهِ الظَّوَاهِر مِنْ غَيْر تَأْوِيل.
وَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْع التَّأْوِيل وَجَبَ الْأَخْذ بِالظَّاهِرِ، وَصَارَتْ هَذِهِ الظَّوَاهِر نُصُوصًا.
قَالَ اِبْن فُورك : وَقَدْ أَنْكَرَتْ الْمُعْتَزِلَة الْمِيزَان بِنَاء مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَاض يَسْتَحِيل وَزْنهَا، إِذْ لَا تَقُوم بِأَنْفُسِهَا.
وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مَنْ يَقُول : إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُقَلِّب الْأَعْرَاض أَجْسَامًا فَيَزِنهَا يَوْم الْقِيَامَة.
وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَنَا، وَالصَّحِيح أَنَّ الْمَوَازِين تَثْقُل بِالْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَال مَكْتُوبَة، وَبِهَا تَخِفُّ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْخَبَر مَا يُحَقِّق ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ رُوِيَ ( أَنَّ مِيزَان بَعْض بَنِي آدَم كَادَ يَخِفُّ بِالْحَسَنَاتِ فَيُوضَع فِيهِ رَقٌّ مَكْتُوب فِيهِ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " فَيَثْقُل ).
فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِع إِلَى وَزْن مَا كُتِبَ فِيهِ الْأَعْمَال لَا نَفْس الْأَعْمَال، وَأَنَّ اللَّه سُبْحَانه يُخَفِّف الْمِيزَان إِذَا أَرَادَ، وَيُثْقِلهُ إِذَا أَرَادَ بِمَا يُوضَع فِي كِفَّتَيْهِ مِنْ الصُّحُف الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَال.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ صَفْوَان بْن مُحْرِز قَالَ قَالَ رَجُل لِابْنِ عُمَر : كَيْفَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْوَى ؟ قَالَ سَمِعْته يَقُول :( يُدْنَى الْمُؤْمِن مِنْ رَبّه يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يَضَع عَلَيْهِ كَنَفه فَيُقَرِّرهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُول هَلْ تَعْرِف فَيَقُول أَيْ رَبّ أَعْرِف قَالَ فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتهَا عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرهَا لَك الْيَوْم فَيُعْطَى صَحِيفَة حَسَنَاته وَأَمَّا الْكُفَّار وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوس الْخَلَائِق هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّه ).
اِبْتِدَاء وَخَبَر.
وَيَجُوز أَنْ يَكُون " الْحَقّ " نَعْته، وَالْخَبَر " يَوْمئِذٍ ".
وَيَجُوز نَصْب " الْحَقّ " عَلَى الْمَصْدَر.
وَالْمُرَاد بِالْوَزْنِ وَزْن أَعْمَال الْعِبَاد بِالْمِيزَانِ.
قَالَ اِبْن عُمَر : تُوزَن صَحَائِف أَعْمَال الْعِبَاد.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْخَبَر عَلَى مَا يَأْتِي.
وَقِيلَ : الْمِيزَان الْكِتَاب الَّذِي فِيهِ أَعْمَال الْخَلْق.
وَقَالَ مُجَاهِد : الْمِيزَان الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات بِأَعْيَانِهَا.
وَعَنْهُ أَيْضًا وَالضَّحَّاك وَالْأَعْمَش : الْوَزْن وَالْمِيزَان بِمَعْنَى الْعَدْل وَالْقَضَاء، وَذِكْر الْوَزْن ضَرْب مَثَل ; كَمَا تَقُول : هَذَا الْكَلَام فِي وَزْن هَذَا وَفِي وِزَانِهِ، أَيْ يُعَادِلهُ وَيُسَاوِيه وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَزْن.
قَالَ الزَّجَّاج : هَذَا سَائِغ مِنْ جِهَة اللِّسَان، وَالْأَوْلَى أَنْ يُتَّبَع مَا جَاءَ فِي الْأَسَانِيد الصِّحَاح مِنْ ذِكْر الْمِيزَان.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ : وَقَدْ أَحْسَنَ فِيمَا قَالَ، إِذْ لَوْ حُمِلَ الْمِيزَان عَلَى هَذَا فَلْيُحْمَلْ الصِّرَاط عَلَى الدِّين الْحَقّ، وَالْجَنَّة وَالنَّار عَلَى مَا يَرِد عَلَى الْأَرْوَاح دُون الْأَجْسَاد، وَالشَّيَاطِين وَالْجِنّ عَلَى الْأَخْلَاق الْمَذْمُومَة، وَالْمَلَائِكَة عَلَى الْقُوَى الْمَحْمُودَة.
وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّة فِي الصَّدْر الْأَوَّل عَلَى الْأَخْذ بِهَذِهِ الظَّوَاهِر مِنْ غَيْر تَأْوِيل.
وَإِذَا أَجْمَعُوا عَلَى مَنْع التَّأْوِيل وَجَبَ الْأَخْذ بِالظَّاهِرِ، وَصَارَتْ هَذِهِ الظَّوَاهِر نُصُوصًا.
قَالَ اِبْن فُورك : وَقَدْ أَنْكَرَتْ الْمُعْتَزِلَة الْمِيزَان بِنَاء مِنْهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَعْرَاض يَسْتَحِيل وَزْنهَا، إِذْ لَا تَقُوم بِأَنْفُسِهَا.
وَمِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ مَنْ يَقُول : إِنَّ اللَّه تَعَالَى يُقَلِّب الْأَعْرَاض أَجْسَامًا فَيَزِنهَا يَوْم الْقِيَامَة.
وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَنَا، وَالصَّحِيح أَنَّ الْمَوَازِين تَثْقُل بِالْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَال مَكْتُوبَة، وَبِهَا تَخِفُّ.
وَقَدْ رُوِيَ فِي الْخَبَر مَا يُحَقِّق ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ رُوِيَ ( أَنَّ مِيزَان بَعْض بَنِي آدَم كَادَ يَخِفُّ بِالْحَسَنَاتِ فَيُوضَع فِيهِ رَقٌّ مَكْتُوب فِيهِ " لَا إِلَه إِلَّا اللَّه " فَيَثْقُل ).
فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ يَرْجِع إِلَى وَزْن مَا كُتِبَ فِيهِ الْأَعْمَال لَا نَفْس الْأَعْمَال، وَأَنَّ اللَّه سُبْحَانه يُخَفِّف الْمِيزَان إِذَا أَرَادَ، وَيُثْقِلهُ إِذَا أَرَادَ بِمَا يُوضَع فِي كِفَّتَيْهِ مِنْ الصُّحُف الَّتِي فِيهَا الْأَعْمَال.
وَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ صَفْوَان بْن مُحْرِز قَالَ قَالَ رَجُل لِابْنِ عُمَر : كَيْفَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّجْوَى ؟ قَالَ سَمِعْته يَقُول :( يُدْنَى الْمُؤْمِن مِنْ رَبّه يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يَضَع عَلَيْهِ كَنَفه فَيُقَرِّرهُ بِذُنُوبِهِ فَيَقُول هَلْ تَعْرِف فَيَقُول أَيْ رَبّ أَعْرِف قَالَ فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتهَا عَلَيْك فِي الدُّنْيَا وَإِنِّي أَغْفِرهَا لَك الْيَوْم فَيُعْطَى صَحِيفَة حَسَنَاته وَأَمَّا الْكُفَّار وَالْمُنَافِقُونَ فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوس الْخَلَائِق هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّه ).
فَقَوْله :( فَيُعْطَى صَحِيفَة حَسَنَاته ) دَلِيل عَلَى أَنَّ الْأَعْمَال تُكْتَب فِي الصُّحُف وَتُوزَن.
وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يُصَاح بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس الْخَلَائِق فَيُنْشَر عَلَيْهِ تِسْعَة وَتِسْعُونَ سِجِلًّا كُلّ سِجِلّ مَدّ الْبَصَر ثُمَّ يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ تُنْكِر مِنْ هَذَا شَيْئًا فَيَقُول لَا يَا رَبّ فَيَقُول أَظْلَمَتْك كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُول لَا ثُمَّ يَقُول أَلَك عُذْر أَلَك حَسَنَة فَيَهَاب الرَّجُل فَيَقُول لَا فَيَقُول بَلَى إِنَّ لَك عِنْدنَا حَسَنَات وَإِنَّهُ لَا ظُلْم عَلَيْك الْيَوْم فَتُخْرَج لَهُ بِطَاقَة فِيهَا أَشْهَد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُول يَا رَبّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَة مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّات فَيَقُول إِنَّك لَا تُظْلَمُ فَتُوضَع السِّجِلَّات فِي كِفَّة وَالْبِطَاقَة فِي كِفَّة فَطَاشَتْ السِّجِلَّات وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَة ).
زَادَ التِّرْمِذِيّ ( فَلَا يَثْقُل مَعَ اِسْم اللَّه شَيْء ) وَقَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان فِي " الْكَهْف وَالْأَنْبِيَاء " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله تَعَالَى :" فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ.
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ " جَمْع مِيزَان، وَأَصْله مِوْزَان، قُلِبَتْ الْوَاو يَاء لِكَسْرَةِ مَا قَبْلهَا.
وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون هُنَاكَ مَوَازِين لِلْعَامِلِ الْوَاحِد يُوزَن بِكُلِّ مِيزَان مِنْهَا صِنْف مِنْ أَعْمَالِهِ.
وَيُمْكِن أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِيزَانًا وَاحِدًا عُبِّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْع ; كَمَا تَقُول : خَرَجَ فُلَان إِلَى مَكَّة عَلَى الْبِغَال، وَخَرَجَ إِلَى الْبَصْرَة فِي السُّفُن.
وَفِي التَّنْزِيل :" كَذَّبَتْ قَوْم نُوح الْمُرْسَلِينَ " [ الشُّعَرَاء : ١٠٥ ].
" كَذَّبَتْ عَاد الْمُرْسَلِينَ " [ الشُّعَرَاء : ١٢٣ ].
وَإِنَّمَا هُوَ رَسُول وَاحِد فِي أَحَد التَّأْوِيلَيْنِ.
وَقِيلَ : الْمَوَازِين جَمْع مَوْزُون، لَا جَمْع مِيزَان.
أَرَادَ بِالْمَوَازِينِ الْأَعْمَال الْمَوْزُونَة.
" وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينه " مِثْله.
وَرَوَى اِبْن مَاجَهْ مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( يُصَاح بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْم الْقِيَامَة عَلَى رُءُوس الْخَلَائِق فَيُنْشَر عَلَيْهِ تِسْعَة وَتِسْعُونَ سِجِلًّا كُلّ سِجِلّ مَدّ الْبَصَر ثُمَّ يَقُول اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى هَلْ تُنْكِر مِنْ هَذَا شَيْئًا فَيَقُول لَا يَا رَبّ فَيَقُول أَظْلَمَتْك كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ فَيَقُول لَا ثُمَّ يَقُول أَلَك عُذْر أَلَك حَسَنَة فَيَهَاب الرَّجُل فَيَقُول لَا فَيَقُول بَلَى إِنَّ لَك عِنْدنَا حَسَنَات وَإِنَّهُ لَا ظُلْم عَلَيْك الْيَوْم فَتُخْرَج لَهُ بِطَاقَة فِيهَا أَشْهَد أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُول يَا رَبّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَة مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّات فَيَقُول إِنَّك لَا تُظْلَمُ فَتُوضَع السِّجِلَّات فِي كِفَّة وَالْبِطَاقَة فِي كِفَّة فَطَاشَتْ السِّجِلَّات وَثَقُلَتْ الْبِطَاقَة ).
زَادَ التِّرْمِذِيّ ( فَلَا يَثْقُل مَعَ اِسْم اللَّه شَيْء ) وَقَالَ : حَدِيث حَسَن غَرِيب.
وَسَيَأْتِي لِهَذَا الْبَاب مَزِيد بَيَان فِي " الْكَهْف وَالْأَنْبِيَاء " إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
قَوْله تَعَالَى :" فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ.
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسهمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ " جَمْع مِيزَان، وَأَصْله مِوْزَان، قُلِبَتْ الْوَاو يَاء لِكَسْرَةِ مَا قَبْلهَا.
وَقِيلَ : يَجُوز أَنْ يَكُون هُنَاكَ مَوَازِين لِلْعَامِلِ الْوَاحِد يُوزَن بِكُلِّ مِيزَان مِنْهَا صِنْف مِنْ أَعْمَالِهِ.
وَيُمْكِن أَنْ يَكُون ذَلِكَ مِيزَانًا وَاحِدًا عُبِّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْع ; كَمَا تَقُول : خَرَجَ فُلَان إِلَى مَكَّة عَلَى الْبِغَال، وَخَرَجَ إِلَى الْبَصْرَة فِي السُّفُن.
وَفِي التَّنْزِيل :" كَذَّبَتْ قَوْم نُوح الْمُرْسَلِينَ " [ الشُّعَرَاء : ١٠٥ ].
" كَذَّبَتْ عَاد الْمُرْسَلِينَ " [ الشُّعَرَاء : ١٢٣ ].
وَإِنَّمَا هُوَ رَسُول وَاحِد فِي أَحَد التَّأْوِيلَيْنِ.
وَقِيلَ : الْمَوَازِين جَمْع مَوْزُون، لَا جَمْع مِيزَان.
أَرَادَ بِالْمَوَازِينِ الْأَعْمَال الْمَوْزُونَة.
" وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينه " مِثْله.
فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
قَالَ اِبْن عَبَّاس : تُوزَن الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات فِي مِيزَان لَهُ لِسَان وَكِفَّتَانِ ; فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيُؤْتَى بِعَمَلِهِ فِي أَحْسَن صُورَة فَيُوضَع فِي كِفَّة الْمِيزَان فَتَثْقُل حَسَنَاته عَلَى سَيِّئَاته ; فَذَلِكَ قَوْله :" فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ "
قَالَ اِبْن عَبَّاس : تُوزَن الْحَسَنَات وَالسَّيِّئَات فِي مِيزَان لَهُ لِسَان وَكِفَّتَانِ ; فَأَمَّا الْمُؤْمِن فَيُؤْتَى بِعَمَلِهِ فِي أَحْسَن صُورَة فَيُوضَع فِي كِفَّة الْمِيزَان فَتَثْقُل حَسَنَاته عَلَى سَيِّئَاته ; فَذَلِكَ قَوْله :" فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينه فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ "
وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ
يُؤْتَى بِعَمَلِ الْكَافِر فِي أَقْبَح صُورَة فَيُوضَع فِي كِفَّة الْمِيزَان فَيَخِفّ وَزْنه حَتَّى يَقَع فِي النَّار.
وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس قَرِيب مِمَّا قِيلَ : يَخْلُق اللَّه تَعَالَى كُلّ جُزْء مِنْ أَعْمَال الْعِبَاد جَوْهَرًا فَيَقَع الْوَزْن عَلَى تِلْكَ الْجَوَاهِر.
وَرَدَّهُ اِبْن فُورك وَغَيْره.
وَفِي الْخَبَر ( إِذَا خَفَّتْ حَسَنَات الْمُؤْمِن أَخْرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاقَة كَالْأُنْمُلَةِ فَيُلْقِيهَا فِي كِفَّة الْمِيزَان الْيُمْنَى الَّتِي فِيهَا حَسَنَاته فَتَرْجَح الْحَسَنَات فَيَقُول ذَلِكَ الْعَبْد الْمُؤْمِن لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ! مَا أَحْسَنَ وَجْهَك وَمَا أَحْسَنَ خَلْقَك فَمَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُول أَنَا مُحَمَّد نَبِيُّك وَهَذِهِ صَلَوَاتك الَّتِي كُنْت تُصَلِّي عَلَيَّ قَدْ وَفَّيْتُك أَحْوَج مَا تَكُون إِلَيْهَا ).
ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ فِي تَفْسِيره.
وَذَكَرَ أَنَّ الْبِطَاقَة ( بِكَسْرِ الْبَاء ) رُقْعَة فِيهَا رَقْم الْمَتَاع بِلُغَةِ أَهْل مِصْر.
وَقَالَ اِبْن مَاجَهْ : قَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى : الْبِطَاقَة الرُّقْعَة، وَأَهْل مِصْر يَقُولُونَ لِلرُّقْعَةِ بِطَاقَة.
وَقَالَ حُذَيْفَة : صَاحِب الْمَوَازِين يَوْم الْقِيَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، يَقُول اللَّه تَعَالَى :( يَا جِبْرِيل زِنْ بَيْنهمْ فَرُدَّ مِنْ بَعْض عَلَى بَعْض ).
قَالَ : وَلَيْسَ ثَمَّ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّة ; فَإِنْ كَانَ لِلظَّالِمِ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ حَسَنَاته فَرُدَّ عَلَى الْمَظْلُوم، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات الْمَظْلُوم فَتُحْمَل عَلَى الظَّالِم ; فَيَرْجِع الرَّجُل وَعَلَيْهِ مِثْل الْجِبَال.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول يَوْم الْقِيَامَة يَا آدَم اُبْرُزْ إِلَى جَانِب الْكُرْسِيّ عِنْد الْمِيزَان وَانْظُرْ مَا يُرْفَع إِلَيْك مِنْ أَعْمَال بَنِيك فَمَنْ رَجَحَ خَيْره عَلَى شَرّه مِثْقَال حَبَّة فَلَهُ الْجَنَّة وَمَنْ رَجَحَ شَرّه عَلَى خَيْره مِثْقَال حَبَّة فَلَهُ النَّار حَتَّى تَعْلَم أَنِّي لَا أُعَذِّب إِلَّا ظَالِمًا ).
يُؤْتَى بِعَمَلِ الْكَافِر فِي أَقْبَح صُورَة فَيُوضَع فِي كِفَّة الْمِيزَان فَيَخِفّ وَزْنه حَتَّى يَقَع فِي النَّار.
وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ اِبْن عَبَّاس قَرِيب مِمَّا قِيلَ : يَخْلُق اللَّه تَعَالَى كُلّ جُزْء مِنْ أَعْمَال الْعِبَاد جَوْهَرًا فَيَقَع الْوَزْن عَلَى تِلْكَ الْجَوَاهِر.
وَرَدَّهُ اِبْن فُورك وَغَيْره.
وَفِي الْخَبَر ( إِذَا خَفَّتْ حَسَنَات الْمُؤْمِن أَخْرَجَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاقَة كَالْأُنْمُلَةِ فَيُلْقِيهَا فِي كِفَّة الْمِيزَان الْيُمْنَى الَّتِي فِيهَا حَسَنَاته فَتَرْجَح الْحَسَنَات فَيَقُول ذَلِكَ الْعَبْد الْمُؤْمِن لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي ! مَا أَحْسَنَ وَجْهَك وَمَا أَحْسَنَ خَلْقَك فَمَنْ أَنْتَ ؟ فَيَقُول أَنَا مُحَمَّد نَبِيُّك وَهَذِهِ صَلَوَاتك الَّتِي كُنْت تُصَلِّي عَلَيَّ قَدْ وَفَّيْتُك أَحْوَج مَا تَكُون إِلَيْهَا ).
ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيّ فِي تَفْسِيره.
وَذَكَرَ أَنَّ الْبِطَاقَة ( بِكَسْرِ الْبَاء ) رُقْعَة فِيهَا رَقْم الْمَتَاع بِلُغَةِ أَهْل مِصْر.
وَقَالَ اِبْن مَاجَهْ : قَالَ مُحَمَّد بْن يَحْيَى : الْبِطَاقَة الرُّقْعَة، وَأَهْل مِصْر يَقُولُونَ لِلرُّقْعَةِ بِطَاقَة.
وَقَالَ حُذَيْفَة : صَاحِب الْمَوَازِين يَوْم الْقِيَامَة جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام، يَقُول اللَّه تَعَالَى :( يَا جِبْرِيل زِنْ بَيْنهمْ فَرُدَّ مِنْ بَعْض عَلَى بَعْض ).
قَالَ : وَلَيْسَ ثَمَّ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّة ; فَإِنْ كَانَ لِلظَّالِمِ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ حَسَنَاته فَرُدَّ عَلَى الْمَظْلُوم، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَات أُخِذَ مِنْ سَيِّئَات الْمَظْلُوم فَتُحْمَل عَلَى الظَّالِم ; فَيَرْجِع الرَّجُل وَعَلَيْهِ مِثْل الْجِبَال.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَنَّ اللَّه تَعَالَى يَقُول يَوْم الْقِيَامَة يَا آدَم اُبْرُزْ إِلَى جَانِب الْكُرْسِيّ عِنْد الْمِيزَان وَانْظُرْ مَا يُرْفَع إِلَيْك مِنْ أَعْمَال بَنِيك فَمَنْ رَجَحَ خَيْره عَلَى شَرّه مِثْقَال حَبَّة فَلَهُ الْجَنَّة وَمَنْ رَجَحَ شَرّه عَلَى خَيْره مِثْقَال حَبَّة فَلَهُ النَّار حَتَّى تَعْلَم أَنِّي لَا أُعَذِّب إِلَّا ظَالِمًا ).
وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ
أَيْ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ قَرَارًا وَمِهَادًا، وَهَيَّأْنَا لَكُمْ فِيهَا أَسْبَاب الْمَعِيشَة.
وَالْمَعَايِش جَمْع مَعِيشَة، أَيْ مَا يُتَعَيَّش بِهِ مِنْ الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَمَا تَكُون بِهِ الْحَيَاة.
يُقَال : عَاشَ يَعِيش عَيْشًا وَمَعَاشًا وَمَعِيشًا وَمَعِيشَة وَعِيشَة.
وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعِيشَة مَا يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْعَيْش.
وَمَعِيشَة فِي قَوْل الْأَخْفَش وَكَثِير مِنْ النَّحْوِيِّينَ مَفْعَلَة.
وَقَرَأَ الْأَعْرَج :" مَعَائِش " بِالْهَمْزِ.
وَكَذَا رَوَى خَارِجَة بْن مُصْعَب عَنْ نَافِع.
قَالَ النَّحَّاس : وَالْهَمْز لَحْن لَا يَجُوز ; لِأَنَّ الْوَاحِدَة مَعِيشَة، أَصْلهَا مَعِيشَة، فَزِيدَتْ أَلِف الْوَصْل وَهِيَ سَاكِنَة وَالْيَاء سَاكِنَة، فَلَا بُدّ مِنْ تَحْرِيك إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْحَذْف، وَالْأَلِف لَا تُحَرَّك فَحُرِّكَتْ الْيَاء بِمَا كَانَ يَجِب لَهَا فِي الْوَاحِد.
وَنَظِيره مِنْ الْوَاو مَنَارَة وَمَنَاوِر، وَمَقَام وَمَقَاوِم ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
وَكَذَا مُصِيبَة وَمَصَاوِب.
هَذَا الْجَيِّد، وَلُغَة شَاذَّة مَصَائِب.
قَالَ الْأَخْفَش : إِنَّمَا جَازَ مَصَائِب ; لِأَنَّ الْوَاحِدَة مُعْتَلَّة.
قَالَ الزَّجَّاج : هَذَا خَطَأ يَلْزَمهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُول مَقَائِم.
وَلَكِنَّ الْقَوْل أَنَّهُ مِثْل وِسَادَة وَإِسَادَة.
وَقِيلَ : لَمْ يَجُزْ الْهَمْز فِي مَعَايِش لِأَنَّ الْمَعِيشَة مَفْعَلَة ; فَالْيَاء أَصْلِيَّة، وَإِنَّمَا يُهْمَز إِذَا كَانَتْ الْيَاء زَائِدَة مِثْل مَدِينَة وَمَدَائِن، وَصَحِيفَة وَصَحَائِف، وَكَرِيمَة وَكَرَائِم، وَوَظِيفَة وَوَظَائِف، وَشَبَهه.
أَيْ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ قَرَارًا وَمِهَادًا، وَهَيَّأْنَا لَكُمْ فِيهَا أَسْبَاب الْمَعِيشَة.
وَالْمَعَايِش جَمْع مَعِيشَة، أَيْ مَا يُتَعَيَّش بِهِ مِنْ الْمَطْعَم وَالْمَشْرَب وَمَا تَكُون بِهِ الْحَيَاة.
يُقَال : عَاشَ يَعِيش عَيْشًا وَمَعَاشًا وَمَعِيشًا وَمَعِيشَة وَعِيشَة.
وَقَالَ الزَّجَّاج : الْمَعِيشَة مَا يُتَوَصَّل بِهِ إِلَى الْعَيْش.
وَمَعِيشَة فِي قَوْل الْأَخْفَش وَكَثِير مِنْ النَّحْوِيِّينَ مَفْعَلَة.
وَقَرَأَ الْأَعْرَج :" مَعَائِش " بِالْهَمْزِ.
وَكَذَا رَوَى خَارِجَة بْن مُصْعَب عَنْ نَافِع.
قَالَ النَّحَّاس : وَالْهَمْز لَحْن لَا يَجُوز ; لِأَنَّ الْوَاحِدَة مَعِيشَة، أَصْلهَا مَعِيشَة، فَزِيدَتْ أَلِف الْوَصْل وَهِيَ سَاكِنَة وَالْيَاء سَاكِنَة، فَلَا بُدّ مِنْ تَحْرِيك إِذْ لَا سَبِيل إِلَى الْحَذْف، وَالْأَلِف لَا تُحَرَّك فَحُرِّكَتْ الْيَاء بِمَا كَانَ يَجِب لَهَا فِي الْوَاحِد.
وَنَظِيره مِنْ الْوَاو مَنَارَة وَمَنَاوِر، وَمَقَام وَمَقَاوِم ; كَمَا قَالَ الشَّاعِر :
وَإِنِّي لَقَوَّام مَقَاوِم لَمْ يَكُنْ | جَرِير وَلَا مَوْلَى جَرِير يَقُومهَا |
هَذَا الْجَيِّد، وَلُغَة شَاذَّة مَصَائِب.
قَالَ الْأَخْفَش : إِنَّمَا جَازَ مَصَائِب ; لِأَنَّ الْوَاحِدَة مُعْتَلَّة.
قَالَ الزَّجَّاج : هَذَا خَطَأ يَلْزَمهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُول مَقَائِم.
وَلَكِنَّ الْقَوْل أَنَّهُ مِثْل وِسَادَة وَإِسَادَة.
وَقِيلَ : لَمْ يَجُزْ الْهَمْز فِي مَعَايِش لِأَنَّ الْمَعِيشَة مَفْعَلَة ; فَالْيَاء أَصْلِيَّة، وَإِنَّمَا يُهْمَز إِذَا كَانَتْ الْيَاء زَائِدَة مِثْل مَدِينَة وَمَدَائِن، وَصَحِيفَة وَصَحَائِف، وَكَرِيمَة وَكَرَائِم، وَوَظِيفَة وَوَظَائِف، وَشَبَهه.
وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ
لَمَّا ذَكَرَ نِعَمَهُ ذَكَرَ اِبْتِدَاء خَلْقه.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْخَلْق فِي غَيْر مَوْضِع " ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " أَيْ خَلَقْنَاكُمْ نُطَفًا ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ، ثُمَّ إِنَّا نُخْبِركُمْ أَنَّا قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا : الْمَعْنَى خَلَقْنَا آدَم ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ فِي ظَهْره.
وَقَالَ الْأَخْفَش :" ثُمَّ " بِمَعْنَى الْوَاو.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ " يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم، ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ; عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير.
وَقِيلَ :" وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ " يَعْنِي آدَم ; ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْع لِأَنَّهُ أَبُو الْبَشَر.
" ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " رَاجِع إِلَيْهِ أَيْضًا.
كَمَا يُقَال : نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ ; أَيْ قَتَلْنَا سَيِّدَكُمْ.
" ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم " وَعَلَى هَذَا لَا تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ، يُرِيد آدَم وَحَوَّاء ; فَآدَم مِنْ التُّرَاب وَحَوَّاء مِنْ ضِلَع مِنْ أَضْلَاعه، ثُمَّ وَقَعَ التَّصْوِير بَعْد ذَلِكَ.
فَالْمَعْنَى : وَلَقَدْ خَلَقْنَا أَبَوَيْكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاهُمَا ; قَالَهُ الْحَسَن.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى خَلَقْنَاكُمْ فِي ظَهْر آدَم ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ حِين أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ الْمِيثَاق.
هَذَا قَوْل مُجَاهِد، رَوَاهُ عَنْهُ اِبْن جُرَيْج وَابْن أَبِي نَجِيح.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا أَحْسَن الْأَقْوَال.
يَذْهَب مُجَاهِد إِلَى أَنَّهُ خَلَقَهُمْ فِي ظَهْر آدَم، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ حِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقَ، ثُمَّ كَانَ السُّجُود بَعْد.
وَيُقَوِّي هَذَا " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ " [ الْأَعْرَاف : ١٧٢ ].
وَالْحَدِيث ( أَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ أَمْثَال الذَّرّ فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق ).
وَقِيلَ :" ثُمَّ " لِلْإِخْبَارِ، أَيْ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ يَعْنِي فِي ظَهْر آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ أَيْ فِي الْأَرْحَام.
قَالَ النَّحَّاس : هَذَا صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس.
قُلْت : كُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال مُحْتَمَل، وَالصَّحِيح مِنْهَا مَا يُعَضِّدُهُ التَّنْزِيل ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٢ ] يَعْنِي آدَم.
وَقَالَ :" وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا " [ النِّسَاء : ١ ].
ثُمَّ قَالَ :" جَعَلْنَاهُ " أَيْ جَعَلْنَا نَسْلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ " نُطْفَة فِي قَرَار مَكِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٣ ] الْآيَة.
فَآدَم خُلِقَ مِنْ طِينٍ ثُمَّ صُوِّرَ وَأُكْرِمَ بِالسُّجُودِ، وَذُرِّيَّته صُوِّرُوا فِي أَرْحَام الْأُمَّهَات بَعْد أَنْ خُلِقُوا فِيهَا وَفِي أَصْلَاب الْآبَاء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل سُورَة " الْأَنْعَام " أَنَّ كُلّ إِنْسَان مَخْلُوق مِنْ نُطْفَة وَتُرْبَة ; فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ هُنَا :" خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " وَقَالَ فِي آخِر الْحَشْر :" هُوَ اللَّه الْخَالِق الْبَارِئ الْمُصَوِّر " [ الْحَشْر : ٢٤ ].
فَذَكَرَ التَّصْوِير بَعْد الْبَرْء.
لَمَّا ذَكَرَ نِعَمَهُ ذَكَرَ اِبْتِدَاء خَلْقه.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْخَلْق فِي غَيْر مَوْضِع " ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " أَيْ خَلَقْنَاكُمْ نُطَفًا ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ، ثُمَّ إِنَّا نُخْبِركُمْ أَنَّا قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم.
وَعَنْ اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا : الْمَعْنَى خَلَقْنَا آدَم ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ فِي ظَهْره.
وَقَالَ الْأَخْفَش :" ثُمَّ " بِمَعْنَى الْوَاو.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ " يَعْنِي آدَم عَلَيْهِ السَّلَام، ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم، ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ; عَلَى التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير.
وَقِيلَ :" وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ " يَعْنِي آدَم ; ذُكِرَ بِلَفْظِ الْجَمْع لِأَنَّهُ أَبُو الْبَشَر.
" ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " رَاجِع إِلَيْهِ أَيْضًا.
كَمَا يُقَال : نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ ; أَيْ قَتَلْنَا سَيِّدَكُمْ.
" ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اُسْجُدُوا لِآدَم " وَعَلَى هَذَا لَا تَقْدِيم وَلَا تَأْخِير ; عَنْ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ، يُرِيد آدَم وَحَوَّاء ; فَآدَم مِنْ التُّرَاب وَحَوَّاء مِنْ ضِلَع مِنْ أَضْلَاعه، ثُمَّ وَقَعَ التَّصْوِير بَعْد ذَلِكَ.
فَالْمَعْنَى : وَلَقَدْ خَلَقْنَا أَبَوَيْكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاهُمَا ; قَالَهُ الْحَسَن.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى خَلَقْنَاكُمْ فِي ظَهْر آدَم ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ حِين أَخَذْنَا عَلَيْكُمْ الْمِيثَاق.
هَذَا قَوْل مُجَاهِد، رَوَاهُ عَنْهُ اِبْن جُرَيْج وَابْن أَبِي نَجِيح.
قَالَ النَّحَّاس : وَهَذَا أَحْسَن الْأَقْوَال.
يَذْهَب مُجَاهِد إِلَى أَنَّهُ خَلَقَهُمْ فِي ظَهْر آدَم، ثُمَّ صَوَّرَهُمْ حِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقَ، ثُمَّ كَانَ السُّجُود بَعْد.
وَيُقَوِّي هَذَا " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّك مِنْ بَنِي آدَم مِنْ ظُهُورهمْ ذُرِّيَّتهمْ " [ الْأَعْرَاف : ١٧٢ ].
وَالْحَدِيث ( أَنَّهُ أَخْرَجَهُمْ أَمْثَال الذَّرّ فَأَخَذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاق ).
وَقِيلَ :" ثُمَّ " لِلْإِخْبَارِ، أَيْ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ يَعْنِي فِي ظَهْر آدَم صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ أَيْ فِي الْأَرْحَام.
قَالَ النَّحَّاس : هَذَا صَحِيح عَنْ اِبْن عَبَّاس.
قُلْت : كُلّ هَذِهِ الْأَقْوَال مُحْتَمَل، وَالصَّحِيح مِنْهَا مَا يُعَضِّدُهُ التَّنْزِيل ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ سُلَالَة مِنْ طِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٢ ] يَعْنِي آدَم.
وَقَالَ :" وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا " [ النِّسَاء : ١ ].
ثُمَّ قَالَ :" جَعَلْنَاهُ " أَيْ جَعَلْنَا نَسْلَهُ وَذُرِّيَّتَهُ " نُطْفَة فِي قَرَار مَكِين " [ الْمُؤْمِنُونَ : ١٣ ] الْآيَة.
فَآدَم خُلِقَ مِنْ طِينٍ ثُمَّ صُوِّرَ وَأُكْرِمَ بِالسُّجُودِ، وَذُرِّيَّته صُوِّرُوا فِي أَرْحَام الْأُمَّهَات بَعْد أَنْ خُلِقُوا فِيهَا وَفِي أَصْلَاب الْآبَاء.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّل سُورَة " الْأَنْعَام " أَنَّ كُلّ إِنْسَان مَخْلُوق مِنْ نُطْفَة وَتُرْبَة ; فَتَأَمَّلْهُ وَقَالَ هُنَا :" خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ " وَقَالَ فِي آخِر الْحَشْر :" هُوَ اللَّه الْخَالِق الْبَارِئ الْمُصَوِّر " [ الْحَشْر : ٢٤ ].
فَذَكَرَ التَّصْوِير بَعْد الْبَرْء.
وَسَيَأْتِي بَيَان ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّه تَعَالَى.
وَقِيلَ : مَعْنَى " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ " أَيْ خَلْقنَا الْأَرْوَاح أَوَّلًا ثُمَّ صَوَّرْنَا الْأَشْبَاح آخِرًا.
وَقِيلَ : مَعْنَى " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ " أَيْ خَلْقنَا الْأَرْوَاح أَوَّلًا ثُمَّ صَوَّرْنَا الْأَشْبَاح آخِرًا.
فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ
اِسْتِثْنَاء مِنْ غَيْر الْجِنْس.
وَقِيلَ : مِنْ الْجِنْس.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء : هَلْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة أَمْ لَا.
كَمَا سَبَقَ بَيَانه فِي " الْبَقَرَة "
اِسْتِثْنَاء مِنْ غَيْر الْجِنْس.
وَقِيلَ : مِنْ الْجِنْس.
وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء : هَلْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَة أَمْ لَا.
كَمَا سَبَقَ بَيَانه فِي " الْبَقَرَة "
قَالَ مَا مَنَعَكَ
" مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ ; أَيْ أَيُّ شَيْء مَنَعَك.
وَهَذَا سُؤَال تَوْبِيخ.
" مَا " فِي مَوْضِع رَفْع بِالِابْتِدَاءِ ; أَيْ أَيُّ شَيْء مَنَعَك.
وَهَذَا سُؤَال تَوْبِيخ.
أَلَّا تَسْجُدَ
فِي مَوْضِع نَصْب، أَيْ مِنْ أَنْ تَسْجُد.
وَ " لَا " زَائِدَة.
وَفِي ص " مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد " [ ص : ٧٥ ] وَقَالَ الشَّاعِر :
أَرَادَ أَبَى جُوده الْبُخْل، فَزَادَ " لَا ".
وَقِيلَ : لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ ; فَإِنَّ الْمَنْع فِيهِ طَرَف مِنْ الْقَوْل وَالدُّعَاء، فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَنْ قَالَ لَك أَلَّا تَسْجُد ؟ أَوْ مَنْ دَعَاك إِلَى أَلَّا تَسْجُد ؟ كَمَا تَقُول : قَدْ قُلْت لَك أَلَّا تَفْعَل كَذَا.
وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف، وَالتَّقْدِير : مَا مَنَعَك مِنْ الطَّاعَة وَأَحْوَجَك إِلَى أَلَّا تَسْجُد.
قَالَ الْعُلَمَاء : الَّذِي أَحْوَجَهُ إِلَى تَرْك السُّجُود هُوَ الْكِبْر وَالْحَسَد ; وَكَانَ أَضْمَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسه إِذَا أُمِرَ بِذَلِكَ.
وَكَانَ أَمْره مِنْ قَبْل خَلْق آدَم ; يَقُول اللَّه تَعَالَى :" إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين.
فَإِذَا سَوَّيْته وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " [ ص :
٧١ - ٧٢ ].
فَكَأَنَّهُ دَخَلَهُ أَمْر عَظِيم مِنْ قَوْله " فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ".
فَإِنَّ فِي الْوُقُوع تَوْضِيع الْوَاقِع وَتَشْرِيفًا لِمَنْ وَقَعَ لَهُ ; فَأَضْمَرَ فِي نَفْسه أَلَّا يَسْجُد إِذَا أَمَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت.
فَلَمَّا نُفِخَ فِيهِ الرُّوح وَقَعَتْ الْمَلَائِكَة سُجَّدًا، وَبَقِيَ هُوَ قَائِمًا بَيْن أَظْهُرِهِمْ ; فَأَظْهَرَ بِقِيَامِهِ وَتَرَكَ السُّجُود مَا فِي ضَمِيره.
فَقَالَ اللَّه تَعَالَى :" مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد " أَيْ مَا مَنَعَك مِنْ الِانْقِيَاد لِأَمْرِي ; فَأَخْرَجَ سِرَّ ضَمِيره فَقَالَ :" أَنَا خَيْر مِنْهُ ".
فِي مَوْضِع نَصْب، أَيْ مِنْ أَنْ تَسْجُد.
وَ " لَا " زَائِدَة.
وَفِي ص " مَا مَنَعَك أَنْ تَسْجُد " [ ص : ٧٥ ] وَقَالَ الشَّاعِر :
أَبَى جُوده لَا الْبُخْل فَاسْتَعْجَلَتْ بِهِ | نَعَمْ مِنْ فَتًى لَا يَمْنَع الْجُود نَائِله |
وَقِيلَ : لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ ; فَإِنَّ الْمَنْع فِيهِ طَرَف مِنْ الْقَوْل وَالدُّعَاء، فَكَأَنَّهُ قَالَ : مَنْ قَالَ لَك أَلَّا تَسْجُد ؟ أَوْ مَنْ دَعَاك إِلَى أَلَّا تَسْجُد ؟ كَمَا تَقُول : قَدْ قُلْت لَك أَلَّا تَفْعَل كَذَا.
وَقِيلَ : فِي الْكَلَام حَذْف، وَالتَّقْدِير : مَا مَنَعَك مِنْ الطَّاعَة وَأَحْوَجَك إِلَى أَلَّا تَسْجُد.
قَالَ الْعُلَمَاء : الَّذِي أَحْوَجَهُ إِلَى تَرْك السُّجُود هُوَ الْكِبْر وَالْحَسَد ; وَكَانَ أَضْمَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسه إِذَا أُمِرَ بِذَلِكَ.
وَكَانَ أَمْره مِنْ قَبْل خَلْق آدَم ; يَقُول اللَّه تَعَالَى :" إِنِّي خَالِق بَشَرًا مِنْ طِين.
فَإِذَا سَوَّيْته وَنَفَخْت فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ " [ ص :
٧١ - ٧٢ ].
فَكَأَنَّهُ دَخَلَهُ أَمْر عَظِيم مِنْ قَوْله " فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ".
فَإِنَّ فِي الْوُقُوع تَوْضِيع الْوَاقِع وَتَشْرِيفًا لِمَنْ وَقَعَ لَهُ ; فَأَضْمَرَ فِي نَفْسه أَلَّا يَسْجُد إِذَا أَمَرَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْت.
فَلَمَّا نُفِخَ فِيهِ الرُّوح وَقَعَتْ الْمَلَائِكَة سُجَّدًا، وَبَقِيَ هُوَ قَائِمًا بَيْن أَظْهُرِهِمْ ; فَأَظْهَرَ بِقِيَامِهِ وَتَرَكَ السُّجُود مَا فِي ضَمِيره.
فَقَالَ اللَّه تَعَالَى :" مَا مَنَعَك أَلَّا تَسْجُد " أَيْ مَا مَنَعَك مِنْ الِانْقِيَاد لِأَمْرِي ; فَأَخْرَجَ سِرَّ ضَمِيره فَقَالَ :" أَنَا خَيْر مِنْهُ ".
إِذْ أَمَرْتُكَ
يَدُلّ عَلَى مَا يَقُولهُ الْفُقَهَاء مِنْ أَنَّ الْأَمْر يَقْتَضِي الْوُجُوب بِمُطْلَقِهِ مِنْ غَيْر قَرِينَة ; لِأَنَّ الذَّمّ عُلِّقَ عَلَى تَرْك الْأَمْر الْمُطْلَق الَّذِي هُوَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ :" اُسْجُدُوا لِآدَم " وَهَذَا بَيِّن.
يَدُلّ عَلَى مَا يَقُولهُ الْفُقَهَاء مِنْ أَنَّ الْأَمْر يَقْتَضِي الْوُجُوب بِمُطْلَقِهِ مِنْ غَيْر قَرِينَة ; لِأَنَّ الذَّمّ عُلِّقَ عَلَى تَرْك الْأَمْر الْمُطْلَق الَّذِي هُوَ قَوْله عَزَّ وَجَلَّ لِلْمَلَائِكَةِ :" اُسْجُدُوا لِآدَم " وَهَذَا بَيِّن.
قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
أَيْ مَنَعَنِي مِنْ السُّجُود فَضْلِي عَلَيْهِ ; فَهَذَا مِنْ إِبْلِيس جَوَاب عَلَى الْمَعْنَى.
كَمَا تَقُول : لِمَنْ هَذِهِ الدَّار ؟ فَيَقُول الْمُخَاطَب : مَالِكهَا زَيْد.
فَلَيْسَ هَذَا عَيْن الْجَوَاب، بَلْ هُوَ كَلَام يَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْجَوَاب.
أَيْ مَنَعَنِي مِنْ السُّجُود فَضْلِي عَلَيْهِ ; فَهَذَا مِنْ إِبْلِيس جَوَاب عَلَى الْمَعْنَى.
كَمَا تَقُول : لِمَنْ هَذِهِ الدَّار ؟ فَيَقُول الْمُخَاطَب : مَالِكهَا زَيْد.
فَلَيْسَ هَذَا عَيْن الْجَوَاب، بَلْ هُوَ كَلَام يَرْجِع إِلَى مَعْنَى الْجَوَاب.
خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ
فَرَأَى أَنَّ النَّار أَشْرَف مِنْ الطِّين ; لِعُلُوِّهَا وَصُعُودهَا وَخِفَّتِهَا، وَلِأَنَّهَا جَوْهَر مُضِيء.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَابْن سِيرِينَ : أَوَّل مَنْ قَاسَ إِبْلِيس فَأَخْطَأَ الْقِيَاس.
فَمَنْ قَاسَ الدِّين بِرَأْيِهِ قَرَنَهُ مَعَ إِبْلِيس.
قَالَ اِبْن سِيرِينَ : وَمَا عُبِدَتْ الشَّمْس وَالْقَمَر إِلَّا بِالْمَقَايِيسِ.
وَقَالَتْ الْحُكَمَاء : أَخْطَأَ عَدُوّ اللَّه مِنْ حَيْثُ فَضَّلَ النَّار عَلَى الطِّين، وَإِنْ كَانَا فِي دَرَجَة وَاحِدَة مِنْ حَيْثُ هِيَ جَمَاد مَخْلُوق.
فَإِنَّ الطِّين أَفْضَل مِنْ النَّار مِنْ وُجُوه أَرْبَعَة : أَحَدهَا : أَنَّ مِنْ جَوْهَر الطِّين الرَّزَانَة وَالسُّكُون، وَالْوَقَار وَالْأَنَاة، وَالْحِلْم، وَالْحَيَاء، وَالصَّبْر.
وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد السَّعَادَة الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إِلَى التَّوْبَة وَالتَّوَاضُع وَالتَّضَرُّع، فَأَوْرَثَهُ الْمَغْفِرَة وَالِاجْتِبَاء وَالْهِدَايَة.
وَمِنْ جَوْهَر النَّار الْخِفَّة، وَالطَّيْش، وَالْحِدَّة، وَالِارْتِفَاع، وَالِاضْطِرَاب.
وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِإِبْلِيس بَعْد الشَّقَاوَة الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إِلَى الِاسْتِكْبَار وَالْإِصْرَار ; فَأَوْرَثَهُ الْهَلَاك وَالْعَذَاب وَاللَّعْنَة وَالشَّقَاء ; قَالَهُ الْقَفَّال.
الثَّانِي : أَنَّ الْخَبَر نَاطِق بِأَنَّ تُرَاب الْجَنَّة مِسْك أَذْفَر، وَلَمْ يَنْطِق الْخَبَر بِأَنَّ فِي الْجَنَّة نَارًا وَأَنَّ فِي النَّار تُرَابًا.
الثَّالِث : أَنَّ النَّار سَبَب الْعَذَاب، وَهِيَ عَذَاب اللَّه لِأَعْدَائِهِ ; وَلَيْسَ التُّرَاب سَبَبًا لِلْعَذَابِ.
الرَّابِع : أَنَّ الطِّين مُسْتَغْنٍ عَنْ النَّار، وَالنَّار مُحْتَاجَة إِلَى الْمَكَان وَمَكَانهَا التُّرَاب.
قُلْت : وَيَحْتَمِل قَوْلًا خَامِسًا، وَهُوَ أَنَّ التُّرَاب مَسْجِد وَطَهُور ; كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح الْحَدِيث.
وَالنَّار تَخْوِيف وَعَذَاب ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :" ذَلِكَ يُخَوِّف اللَّه بِهِ عِبَاده " [ الزُّمَر : ١٦ ].
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ الطَّاعَة أَوْلَى بِإِبْلِيسَ مِنْ الْقِيَاس فَعَصَى رَبّه، وَهُوَ أَوَّل مَنْ قَاسَ بِرَأْيِهِ.
وَالْقِيَاس فِي مُخَالَفَة النَّصّ مَرْدُود.
الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي الْقِيَاس إِلَى قَائِلٍ بِهِ، وَرَادٍّ لَهُ ; فَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِهِ فَهُمْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعُونَ، وَجُمْهُور مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَنَّ التَّعَبُّد بِهِ جَائِزٌ عَقْلًا وَاقِعٌ شَرْعًا، وَهُوَ الصَّحِيح.
وَذَهَبَ الْقَفَّال مِنْ الشَّافِعِيَّة وَأَبُو الْحَسَن الْبَصْرِيّ إِلَى وُجُوب التَّعَبُّد بِهِ عَقْلًا.
وَذَهَبَ النَّظَّام إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيل التَّعَبُّد بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا ; وَرَدَّهُ بَعْض أَهْل الظَّاهِر.
وَالْأَوَّل الصَّحِيح.
قَالَ الْبُخَارِيّ فِي ( كِتَاب الِاعْتِصَام بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة ) : الْمَعْنَى لَا عِصْمَة لِأَحَدٍ إِلَّا فِي كِتَاب اللَّه أَوْ سُنَّة نَبِيّه أَوْ فِي إِجْمَاع الْعُلَمَاء إِذَا وُجِدَ فِيهَا الْحُكْم فَإِنْ لَمْ يُوجَد فَالْقِيَاس.
وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَى هَذَا ( بَاب مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهَا لِيَفْهَمَ السَّائِلُ ).
فَرَأَى أَنَّ النَّار أَشْرَف مِنْ الطِّين ; لِعُلُوِّهَا وَصُعُودهَا وَخِفَّتِهَا، وَلِأَنَّهَا جَوْهَر مُضِيء.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن وَابْن سِيرِينَ : أَوَّل مَنْ قَاسَ إِبْلِيس فَأَخْطَأَ الْقِيَاس.
فَمَنْ قَاسَ الدِّين بِرَأْيِهِ قَرَنَهُ مَعَ إِبْلِيس.
قَالَ اِبْن سِيرِينَ : وَمَا عُبِدَتْ الشَّمْس وَالْقَمَر إِلَّا بِالْمَقَايِيسِ.
وَقَالَتْ الْحُكَمَاء : أَخْطَأَ عَدُوّ اللَّه مِنْ حَيْثُ فَضَّلَ النَّار عَلَى الطِّين، وَإِنْ كَانَا فِي دَرَجَة وَاحِدَة مِنْ حَيْثُ هِيَ جَمَاد مَخْلُوق.
فَإِنَّ الطِّين أَفْضَل مِنْ النَّار مِنْ وُجُوه أَرْبَعَة : أَحَدهَا : أَنَّ مِنْ جَوْهَر الطِّين الرَّزَانَة وَالسُّكُون، وَالْوَقَار وَالْأَنَاة، وَالْحِلْم، وَالْحَيَاء، وَالصَّبْر.
وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِآدَم عَلَيْهِ السَّلَام بَعْد السَّعَادَة الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إِلَى التَّوْبَة وَالتَّوَاضُع وَالتَّضَرُّع، فَأَوْرَثَهُ الْمَغْفِرَة وَالِاجْتِبَاء وَالْهِدَايَة.
وَمِنْ جَوْهَر النَّار الْخِفَّة، وَالطَّيْش، وَالْحِدَّة، وَالِارْتِفَاع، وَالِاضْطِرَاب.
وَذَلِكَ هُوَ الدَّاعِي لِإِبْلِيس بَعْد الشَّقَاوَة الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ إِلَى الِاسْتِكْبَار وَالْإِصْرَار ; فَأَوْرَثَهُ الْهَلَاك وَالْعَذَاب وَاللَّعْنَة وَالشَّقَاء ; قَالَهُ الْقَفَّال.
الثَّانِي : أَنَّ الْخَبَر نَاطِق بِأَنَّ تُرَاب الْجَنَّة مِسْك أَذْفَر، وَلَمْ يَنْطِق الْخَبَر بِأَنَّ فِي الْجَنَّة نَارًا وَأَنَّ فِي النَّار تُرَابًا.
الثَّالِث : أَنَّ النَّار سَبَب الْعَذَاب، وَهِيَ عَذَاب اللَّه لِأَعْدَائِهِ ; وَلَيْسَ التُّرَاب سَبَبًا لِلْعَذَابِ.
الرَّابِع : أَنَّ الطِّين مُسْتَغْنٍ عَنْ النَّار، وَالنَّار مُحْتَاجَة إِلَى الْمَكَان وَمَكَانهَا التُّرَاب.
قُلْت : وَيَحْتَمِل قَوْلًا خَامِسًا، وَهُوَ أَنَّ التُّرَاب مَسْجِد وَطَهُور ; كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح الْحَدِيث.
وَالنَّار تَخْوِيف وَعَذَاب ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :" ذَلِكَ يُخَوِّف اللَّه بِهِ عِبَاده " [ الزُّمَر : ١٦ ].
وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : كَانَتْ الطَّاعَة أَوْلَى بِإِبْلِيسَ مِنْ الْقِيَاس فَعَصَى رَبّه، وَهُوَ أَوَّل مَنْ قَاسَ بِرَأْيِهِ.
وَالْقِيَاس فِي مُخَالَفَة النَّصّ مَرْدُود.
الرَّابِعَة : وَاخْتَلَفَ النَّاس فِي الْقِيَاس إِلَى قَائِلٍ بِهِ، وَرَادٍّ لَهُ ; فَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِهِ فَهُمْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعُونَ، وَجُمْهُور مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَنَّ التَّعَبُّد بِهِ جَائِزٌ عَقْلًا وَاقِعٌ شَرْعًا، وَهُوَ الصَّحِيح.
وَذَهَبَ الْقَفَّال مِنْ الشَّافِعِيَّة وَأَبُو الْحَسَن الْبَصْرِيّ إِلَى وُجُوب التَّعَبُّد بِهِ عَقْلًا.
وَذَهَبَ النَّظَّام إِلَى أَنَّهُ يَسْتَحِيل التَّعَبُّد بِهِ عَقْلًا وَشَرْعًا ; وَرَدَّهُ بَعْض أَهْل الظَّاهِر.
وَالْأَوَّل الصَّحِيح.
قَالَ الْبُخَارِيّ فِي ( كِتَاب الِاعْتِصَام بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة ) : الْمَعْنَى لَا عِصْمَة لِأَحَدٍ إِلَّا فِي كِتَاب اللَّه أَوْ سُنَّة نَبِيّه أَوْ فِي إِجْمَاع الْعُلَمَاء إِذَا وُجِدَ فِيهَا الْحُكْم فَإِنْ لَمْ يُوجَد فَالْقِيَاس.
وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَى هَذَا ( بَاب مَنْ شَبَّهَ أَصْلًا مَعْلُومًا بِأَصْلٍ مُبَيَّنٍ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ حُكْمَهَا لِيَفْهَمَ السَّائِلُ ).
وَتَرْجَمَ بَعْد هَذَا ( بَاب الْأَحْكَام الَّتِي تُعْرَف بِالدَّلَائِلِ وَكَيْفَ مَعْنَى الدَّلَالَة وَتَفْسِيرهَا ).
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : الِاجْتِهَاد وَالِاسْتِنْبَاط مِنْ كِتَاب اللَّه وَسُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاع الْأُمَّة هُوَ الْحَقّ الْوَاجِب، وَالْفَرْض اللَّازِم لِأَهْلِ الْعِلْم.
وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الْأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ جَمَاعَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.
وَقَالَ أَبُو تَمَّام الْمَالِكِيّ : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى الْقِيَاس ; فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قِيَاس الذَّهَب وَالْوَرِق فِي الزَّكَاة.
وَقَالَ أَبُو بَكْر : أَقِيلُونِي بَيْعَتِي.
فَقَالَ عَلِيّ : وَاَللَّه لَا نُقِيلُك وَلَا نَسْتَقِيلُك، رَضِيَك رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا ؟ فَقَاسَ الْإِمَامَة عَلَى الصَّلَاة.
وَقَاسَ الصِّدِّيق الزَّكَاة عَلَى الصَّلَاة وَقَالَ : وَاَللَّه لَا أُفَرِّق بَيْن مَا جَمَعَ اللَّه.
وَصَرَّحَ عَلِيّ بِالْقِيَاسِ فِي شَارِب الْخَمْر بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَة وَقَالَ : إِنَّهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى اِفْتَرَى ; فَحَدُّهُ حَدُّ الْقَاذِف.
وَكَتَبَ عُمَر إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كِتَابًا فِيهِ : الْفَهْم الْفَهْم فِيمَا يَخْتَلِج فِي صَدْرك مِمَّا لَمْ يَبْلُغْك فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة، اعْرِف الْأَمْثَال وَالْأَشْبَاه، ثُمَّ قِسْ الْأُمُور عِنْد ذَلِكَ، فَاعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى.
الْحَدِيث بِطُولِهِ ذَكَرَهُ الدَّار قُطْنِيّ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي حَدِيث الْوَبَاء، حِين رَجَعَ عُمَر مِنْ سَرْغ : نَفِرُّ مِنْ قَدَر اللَّه ؟ فَقَالَ عُمَر : نَعَمْ ! نَفِرُّ مِنْ قَدَر اللَّه إِلَى قَدَر اللَّه.
ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَر : أَرَأَيْت.
فَقَايَسَهُ وَنَاظَرَهُ بِمَا يُشْبِه مِنْ مَسْأَلَته بِمَحْضَرٍ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار، وَحَسْبُك.
وَأَمَّا الْآثَار وَآي الْقُرْآن فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَثِير.
وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْقِيَاس أَصْل مِنْ أُصُول الدِّين، وَعِصْمَة مِنْ عِصَم الْمُسْلِمِينَ، يَرْجِع إِلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ، وَيَفْزَع إِلَيْهِ الْعُلَمَاء الْعَامِلُونَ، فَيَسْتَنْبِطُونَ بِهِ الْأَحْكَام.
وَهَذَا قَوْل الْجَمَاعَة الَّذِينَ هُمْ الْحُجَّة، وَلَا يُلْتَفَت إِلَى مَنْ شَذَّ عَنْهَا.
وَأَمَّا الرَّأْي الْمَذْمُوم وَالْقِيَاس الْمُتَكَلَّف الْمَنْهِيّ عَنْهُ فَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الْأُصُول الْمَذْكُورَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ ظَنٌّ وَنَزْغٌ مِنْ الشَّيْطَان ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم " [ الْإِسْرَاء : ٣٦ ].
وَكُلّ مَا يُورِدهُ الْمُخَالِف مِنْ الْأَحَادِيث الضَّعِيفَة وَالْأَخْبَار الْوَاهِيَة فِي ذَمّ الْقِيَاس فَهِيَ مَحْمُولَة عَلَى هَذَا النَّوْع مِنْ الْقِيَاس الْمَذْمُوم، الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الشَّرْع أَصْل مَعْلُوم.
وَتَتْمِيم هَذَا الْبَاب فِي كُتُب الْأُصُول.
وَقَالَ الطَّبَرِيّ : الِاجْتِهَاد وَالِاسْتِنْبَاط مِنْ كِتَاب اللَّه وَسُنَّة نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِجْمَاع الْأُمَّة هُوَ الْحَقّ الْوَاجِب، وَالْفَرْض اللَّازِم لِأَهْلِ الْعِلْم.
وَبِذَلِكَ جَاءَتْ الْأَخْبَار عَنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنْ جَمَاعَة الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ.
وَقَالَ أَبُو تَمَّام الْمَالِكِيّ : أَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى الْقِيَاس ; فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى قِيَاس الذَّهَب وَالْوَرِق فِي الزَّكَاة.
وَقَالَ أَبُو بَكْر : أَقِيلُونِي بَيْعَتِي.
فَقَالَ عَلِيّ : وَاَللَّه لَا نُقِيلُك وَلَا نَسْتَقِيلُك، رَضِيَك رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدِينِنَا أَفَلَا نَرْضَاك لِدُنْيَانَا ؟ فَقَاسَ الْإِمَامَة عَلَى الصَّلَاة.
وَقَاسَ الصِّدِّيق الزَّكَاة عَلَى الصَّلَاة وَقَالَ : وَاَللَّه لَا أُفَرِّق بَيْن مَا جَمَعَ اللَّه.
وَصَرَّحَ عَلِيّ بِالْقِيَاسِ فِي شَارِب الْخَمْر بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَة وَقَالَ : إِنَّهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى اِفْتَرَى ; فَحَدُّهُ حَدُّ الْقَاذِف.
وَكَتَبَ عُمَر إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ كِتَابًا فِيهِ : الْفَهْم الْفَهْم فِيمَا يَخْتَلِج فِي صَدْرك مِمَّا لَمْ يَبْلُغْك فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّة، اعْرِف الْأَمْثَال وَالْأَشْبَاه، ثُمَّ قِسْ الْأُمُور عِنْد ذَلِكَ، فَاعْمِدْ إِلَى أَحَبِّهَا إِلَى اللَّه تَعَالَى وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ فِيمَا تَرَى.
الْحَدِيث بِطُولِهِ ذَكَرَهُ الدَّار قُطْنِيّ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة لِعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا فِي حَدِيث الْوَبَاء، حِين رَجَعَ عُمَر مِنْ سَرْغ : نَفِرُّ مِنْ قَدَر اللَّه ؟ فَقَالَ عُمَر : نَعَمْ ! نَفِرُّ مِنْ قَدَر اللَّه إِلَى قَدَر اللَّه.
ثُمَّ قَالَ لَهُ عُمَر : أَرَأَيْت.
فَقَايَسَهُ وَنَاظَرَهُ بِمَا يُشْبِه مِنْ مَسْأَلَته بِمَحْضَرٍ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار، وَحَسْبُك.
وَأَمَّا الْآثَار وَآي الْقُرْآن فِي هَذَا الْمَعْنَى فَكَثِير.
وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْقِيَاس أَصْل مِنْ أُصُول الدِّين، وَعِصْمَة مِنْ عِصَم الْمُسْلِمِينَ، يَرْجِع إِلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ، وَيَفْزَع إِلَيْهِ الْعُلَمَاء الْعَامِلُونَ، فَيَسْتَنْبِطُونَ بِهِ الْأَحْكَام.
وَهَذَا قَوْل الْجَمَاعَة الَّذِينَ هُمْ الْحُجَّة، وَلَا يُلْتَفَت إِلَى مَنْ شَذَّ عَنْهَا.
وَأَمَّا الرَّأْي الْمَذْمُوم وَالْقِيَاس الْمُتَكَلَّف الْمَنْهِيّ عَنْهُ فَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى هَذِهِ الْأُصُول الْمَذْكُورَة ; لِأَنَّ ذَلِكَ ظَنٌّ وَنَزْغٌ مِنْ الشَّيْطَان ; قَالَ اللَّه تَعَالَى :" وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم " [ الْإِسْرَاء : ٣٦ ].
وَكُلّ مَا يُورِدهُ الْمُخَالِف مِنْ الْأَحَادِيث الضَّعِيفَة وَالْأَخْبَار الْوَاهِيَة فِي ذَمّ الْقِيَاس فَهِيَ مَحْمُولَة عَلَى هَذَا النَّوْع مِنْ الْقِيَاس الْمَذْمُوم، الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الشَّرْع أَصْل مَعْلُوم.
وَتَتْمِيم هَذَا الْبَاب فِي كُتُب الْأُصُول.
قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا
أَيْ مِنْ السَّمَاء.
أَيْ مِنْ السَّمَاء.
فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا
لِأَنَّ أَهْلَهَا الْمَلَائِكَة الْمُتَوَاضِعُونَ.
لِأَنَّ أَهْلَهَا الْمَلَائِكَة الْمُتَوَاضِعُونَ.
فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ
أَيْ مِنْ الْأَذَلِّينَ.
وَدَلَّ هَذَا أَنَّ مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ فَهُوَ ذَلِيل.
وَقَالَ أَبُو رَوْق وَالْبَجَلِيّ :" فَاهْبِطْ مِنْهَا " أَيْ مِنْ صُورَتك الَّتِي أَنْتَ فِيهَا ; لِأَنَّهُ اِفْتَخَرَ بِأَنَّهُ مِنْ النَّار فَشُوِّهَتْ صُورَته بِالْإِظْلَامِ وَزَوَال إِشْرَاقه.
وَقِيلَ :" فَاهْبِطْ مِنْهَا " أَيْ اِنْتَقِلْ مِنْ الْأَرْض إِلَى جَزَائِر الْبِحَار ; كَمَا يُقَال : هَبَطْنَا أَرْض كَذَا أَيْ اِنْتَقَلْنَا إِلَيْهَا مِنْ مَكَان آخَر، فَكَأَنَّهُ أُخْرِجَ مِنْ الْأَرْض إِلَى جَزَائِر الْبِحَار فَسُلْطَانه فِيهَا، فَلَا يَدْخُل الْأَرْض إِلَّا كَهَيْئَةِ السَّارِق يَخَاف فِيهَا حَتَّى يَخْرُج مِنْهَا.
وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة "
أَيْ مِنْ الْأَذَلِّينَ.
وَدَلَّ هَذَا أَنَّ مَنْ عَصَى مَوْلَاهُ فَهُوَ ذَلِيل.
وَقَالَ أَبُو رَوْق وَالْبَجَلِيّ :" فَاهْبِطْ مِنْهَا " أَيْ مِنْ صُورَتك الَّتِي أَنْتَ فِيهَا ; لِأَنَّهُ اِفْتَخَرَ بِأَنَّهُ مِنْ النَّار فَشُوِّهَتْ صُورَته بِالْإِظْلَامِ وَزَوَال إِشْرَاقه.
وَقِيلَ :" فَاهْبِطْ مِنْهَا " أَيْ اِنْتَقِلْ مِنْ الْأَرْض إِلَى جَزَائِر الْبِحَار ; كَمَا يُقَال : هَبَطْنَا أَرْض كَذَا أَيْ اِنْتَقَلْنَا إِلَيْهَا مِنْ مَكَان آخَر، فَكَأَنَّهُ أُخْرِجَ مِنْ الْأَرْض إِلَى جَزَائِر الْبِحَار فَسُلْطَانه فِيهَا، فَلَا يَدْخُل الْأَرْض إِلَّا كَهَيْئَةِ السَّارِق يَخَاف فِيهَا حَتَّى يَخْرُج مِنْهَا.
وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة "
قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ
سَأَلَ النَّظِرَة وَالْإِمْهَال إِلَى يَوْم الْبَعْث وَالْحِسَاب.
طَلَبَ أَلَّا يَمُوت لِأَنَّ يَوْم الْبَعْث لَا مَوْت بَعْده ;
سَأَلَ النَّظِرَة وَالْإِمْهَال إِلَى يَوْم الْبَعْث وَالْحِسَاب.
طَلَبَ أَلَّا يَمُوت لِأَنَّ يَوْم الْبَعْث لَا مَوْت بَعْده ;
قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهُمَا : أَنْظَرَهُ إِلَى النَّفْخَة الْأُولَى حَيْثُ يَمُوت الْخَلْق كُلّهمْ.
وَكَانَ طَلَبَ الْإِنْظَارَ إِلَى النَّفْخَة الثَّانِيَة حَيْثُ يَقُوم النَّاس لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ; فَأَبَى اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ :" إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ " وَلَمْ يَتَقَدَّم ذِكْر مَنْ يُبْعَث ; لِأَنَّ الْقِصَّة فِي آدَم وَذُرِّيَّته، فَدَلَّتْ الْقَرِينَة عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ الْمَبْعُوثُونَ.
قَالَ اِبْن عَبَّاس وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهُمَا : أَنْظَرَهُ إِلَى النَّفْخَة الْأُولَى حَيْثُ يَمُوت الْخَلْق كُلّهمْ.
وَكَانَ طَلَبَ الْإِنْظَارَ إِلَى النَّفْخَة الثَّانِيَة حَيْثُ يَقُوم النَّاس لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ; فَأَبَى اللَّه ذَلِكَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ :" إِلَى يَوْم يُبْعَثُونَ " وَلَمْ يَتَقَدَّم ذِكْر مَنْ يُبْعَث ; لِأَنَّ الْقِصَّة فِي آدَم وَذُرِّيَّته، فَدَلَّتْ الْقَرِينَة عَلَى أَنَّهُمْ هُمْ الْمَبْعُوثُونَ.
قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي
الْإِغْوَاء إِيقَاع الْغَيّ فِي الْقَلْب ; أَيْ فَبِمَا أَوْقَعْت فِي قَلْبِي مِنْ الْغَيّ وَالْعِنَاد وَالِاسْتِكْبَار.
وَهَذَا لِأَنَّ كُفْر إِبْلِيس لَيْسَ كُفْر جَهْل ; بَلْ هُوَ كُفْر عِنَاد وَاسْتِكْبَار.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة ".
قِيلَ : مَعْنَى الْكَلَام الْقَسَم، أَيْ فَبِإِغْوَائِك إِيَّايَ لَأَقْعُدَن لَهُمْ عَلَى صِرَاطِك، أَوْ فِي صِرَاطِك ; فَحُذِفَ.
دَلِيل عَلَى هَذَا الْقَوْل قَوْله فِي ( ص ) :" فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ " [ ص : ٨٢ ] فَكَأَنَّ إِبْلِيس أَعْظَمَ قَدْرَ إِغْوَاء اللَّه إِيَّاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْلِيط عَلَى الْعِبَاد، فَأَقْسَمَ بِهِ إِعْظَامًا لِقَدْرِهِ عِنْده.
وَقِيلَ : الْبَاء بِمَعْنَى اللَّام، كَأَنَّهُ قَالَ : فَلِإِغْوَائِك إِيَّايَ.
وَقِيلَ : هِيَ بِمَعْنَى مَعَ، وَالْمَعْنَى فَمَعَ إِغْوَائِك إِيَّايَ.
وَقِيلَ : هُوَ اِسْتِفْهَام، كَأَنَّهُ سَأَلَ بِأَيِّ شَيْء أَغْوَاهُ ؟.
وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَكُون : فَبِمَ أَغْوَيْتنِي ؟.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَبِمَا أَهْلَكْتنِي بِلَعْنِك إِيَّايَ.
وَالْإِغْوَاء الْإِهْلَاك، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " [ مَرْيَم : ٥٩ ] أَيْ هَلَاكًا.
وَقِيلَ : فَبِمَا أَضْلَلْتنِي.
وَالْإِغْوَاء : الْإِضْلَال وَالْإِبْعَاد ; قَالَ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : خَيَّبْتنِي مِنْ رَحْمَتك ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَمَنْ يَغْوِ لَا يَعْدَم عَلَى الْغَيِّ لَائِمَا
أَيْ مَنْ يَخِبْ.
وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : يُقَال غَوَى الرَّجُل يَغْوِي غَيًّا إِذَا فَسَدَ عَلَيْهِ أَمْره، أَوْ فَسَدَ هُوَ فِي نَفْسه.
وَهُوَ أَحَد مَعَانِي قَوْله تَعَالَى :" وَعَصَى آدَم رَبّه فَغَوَى " [ طَه : ١٢١ ] أَيْ فَسَدَ عَيْشه فِي الْجَنَّة.
وَيُقَال : غَوَى الْفَصِيل إِذَا لَمْ يَدْرِ لَبَن أُمّه.
مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَضَلَّهُ وَخَلَقَ فِيهِ الْكُفْر ; وَلِذَلِكَ نَسَبَ الْإِغْوَاء فِي هَذَا إِلَى اللَّه تَعَالَى.
وَهُوَ الْحَقِيقَة، فَلَا شَيْء فِي الْوُجُود إِلَّا وَهُوَ مَخْلُوق لَهُ، صَادِر عَنْ إِرَادَته تَعَالَى.
وَخَالَفَ الْإِمَامِيَّة وَالْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمَا شَيْخَهُمْ إِبْلِيس الَّذِي طَاوَعُوهُ فِي كُلّ مَا زَيَّنَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يُطَاوِعُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَيَقُولُونَ : أَخْطَأَ إِبْلِيس، وَهُوَ أَهْل لِلْخَطَأِ حَيْثُ نَسَبَ الْغَوَايَة إِلَى رَبّه، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ.
فَيُقَال لَهُمْ : وَإِبْلِيس وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلْخَطَأِ فَمَا تَصْنَعُونَ فِي نَبِيّ مُكَرَّم مَعْصُوم، وَهُوَ وَنُوح عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ قَالَ لِقَوْمِهِ :" وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [ هُود : ٣٤ ] وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ طَاوُسًا جَاءَهُ رَجُل فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَكَانَ مُتَّهَمًا بِالْقَدَرِ، وَكَانَ مِنْ الْفُقَهَاء الْكِبَار ; فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ طَاوُس : تَقُوم أَوْ تُقَام ؟ فَقِيلَ لِطَاوُس : تَقُول هَذَا لِرَجُلٍ فَقِيه ! فَقَالَ : إِبْلِيس أَفْقَه مِنْهُ، يَقُول إِبْلِيس : رَبّ بِمَا أَغْوَيْتنِي.
وَيَقُول هَذَا : أَنَا أَغْوِي نَفْسِي.
الْإِغْوَاء إِيقَاع الْغَيّ فِي الْقَلْب ; أَيْ فَبِمَا أَوْقَعْت فِي قَلْبِي مِنْ الْغَيّ وَالْعِنَاد وَالِاسْتِكْبَار.
وَهَذَا لِأَنَّ كُفْر إِبْلِيس لَيْسَ كُفْر جَهْل ; بَلْ هُوَ كُفْر عِنَاد وَاسْتِكْبَار.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي " الْبَقَرَة ".
قِيلَ : مَعْنَى الْكَلَام الْقَسَم، أَيْ فَبِإِغْوَائِك إِيَّايَ لَأَقْعُدَن لَهُمْ عَلَى صِرَاطِك، أَوْ فِي صِرَاطِك ; فَحُذِفَ.
دَلِيل عَلَى هَذَا الْقَوْل قَوْله فِي ( ص ) :" فَبِعِزَّتِك لَأُغْوِيَنهمْ أَجْمَعِينَ " [ ص : ٨٢ ] فَكَأَنَّ إِبْلِيس أَعْظَمَ قَدْرَ إِغْوَاء اللَّه إِيَّاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْلِيط عَلَى الْعِبَاد، فَأَقْسَمَ بِهِ إِعْظَامًا لِقَدْرِهِ عِنْده.
وَقِيلَ : الْبَاء بِمَعْنَى اللَّام، كَأَنَّهُ قَالَ : فَلِإِغْوَائِك إِيَّايَ.
وَقِيلَ : هِيَ بِمَعْنَى مَعَ، وَالْمَعْنَى فَمَعَ إِغْوَائِك إِيَّايَ.
وَقِيلَ : هُوَ اِسْتِفْهَام، كَأَنَّهُ سَأَلَ بِأَيِّ شَيْء أَغْوَاهُ ؟.
وَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ يَكُون : فَبِمَ أَغْوَيْتنِي ؟.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى فَبِمَا أَهْلَكْتنِي بِلَعْنِك إِيَّايَ.
وَالْإِغْوَاء الْإِهْلَاك، قَالَ اللَّه تَعَالَى :" فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا " [ مَرْيَم : ٥٩ ] أَيْ هَلَاكًا.
وَقِيلَ : فَبِمَا أَضْلَلْتنِي.
وَالْإِغْوَاء : الْإِضْلَال وَالْإِبْعَاد ; قَالَ اِبْن عَبَّاس.
وَقِيلَ : خَيَّبْتنِي مِنْ رَحْمَتك ; وَمِنْهُ قَوْل الشَّاعِر :
وَمَنْ يَغْوِ لَا يَعْدَم عَلَى الْغَيِّ لَائِمَا
أَيْ مَنْ يَخِبْ.
وَقَالَ اِبْن الْأَعْرَابِيّ : يُقَال غَوَى الرَّجُل يَغْوِي غَيًّا إِذَا فَسَدَ عَلَيْهِ أَمْره، أَوْ فَسَدَ هُوَ فِي نَفْسه.
وَهُوَ أَحَد مَعَانِي قَوْله تَعَالَى :" وَعَصَى آدَم رَبّه فَغَوَى " [ طَه : ١٢١ ] أَيْ فَسَدَ عَيْشه فِي الْجَنَّة.
وَيُقَال : غَوَى الْفَصِيل إِذَا لَمْ يَدْرِ لَبَن أُمّه.
مَذْهَب أَهْل السُّنَّة أَنَّ اللَّه تَعَالَى أَضَلَّهُ وَخَلَقَ فِيهِ الْكُفْر ; وَلِذَلِكَ نَسَبَ الْإِغْوَاء فِي هَذَا إِلَى اللَّه تَعَالَى.
وَهُوَ الْحَقِيقَة، فَلَا شَيْء فِي الْوُجُود إِلَّا وَهُوَ مَخْلُوق لَهُ، صَادِر عَنْ إِرَادَته تَعَالَى.
وَخَالَفَ الْإِمَامِيَّة وَالْقَدَرِيَّة وَغَيْرهمَا شَيْخَهُمْ إِبْلِيس الَّذِي طَاوَعُوهُ فِي كُلّ مَا زَيَّنَهُ لَهُمْ، وَلَمْ يُطَاوِعُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة وَيَقُولُونَ : أَخْطَأَ إِبْلِيس، وَهُوَ أَهْل لِلْخَطَأِ حَيْثُ نَسَبَ الْغَوَايَة إِلَى رَبّه، تَعَالَى اللَّه عَنْ ذَلِكَ.
فَيُقَال لَهُمْ : وَإِبْلِيس وَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِلْخَطَأِ فَمَا تَصْنَعُونَ فِي نَبِيّ مُكَرَّم مَعْصُوم، وَهُوَ وَنُوح عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ قَالَ لِقَوْمِهِ :" وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ " [ هُود : ٣٤ ] وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ طَاوُسًا جَاءَهُ رَجُل فِي الْمَسْجِد الْحَرَام، وَكَانَ مُتَّهَمًا بِالْقَدَرِ، وَكَانَ مِنْ الْفُقَهَاء الْكِبَار ; فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ طَاوُس : تَقُوم أَوْ تُقَام ؟ فَقِيلَ لِطَاوُس : تَقُول هَذَا لِرَجُلٍ فَقِيه ! فَقَالَ : إِبْلِيس أَفْقَه مِنْهُ، يَقُول إِبْلِيس : رَبّ بِمَا أَغْوَيْتنِي.
وَيَقُول هَذَا : أَنَا أَغْوِي نَفْسِي.
لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ
أَيْ بِالصَّدِّ عَنْهُ، وَتَزْيِين الْبَاطِل حَتَّى يَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ، أَوْ يَضِلُّوا كَمَا ضَلَّ، أَوْ يَخِيبُوا كَمَا خُيِّبَ ; حَسَب مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَعَانِي الثَّلَاثَة فِي " أَغْوَيْتنِي ".
وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْمُوَصِّل إِلَى الْجَنَّة.
وَ " صِرَاطك " مَنْصُوب عَلَى حَذْف " عَلَى " أَوْ " فِي " مِنْ قَوْله :" صِرَاطك الْمُسْتَقِيم " ; كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ " ضَرَبَ زَيْد الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ ".
وَأَنْشَدَ :
أَيْ بِالصَّدِّ عَنْهُ، وَتَزْيِين الْبَاطِل حَتَّى يَهْلِكُوا كَمَا هَلَكَ، أَوْ يَضِلُّوا كَمَا ضَلَّ، أَوْ يَخِيبُوا كَمَا خُيِّبَ ; حَسَب مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمَعَانِي الثَّلَاثَة فِي " أَغْوَيْتنِي ".
وَالصِّرَاط الْمُسْتَقِيم هُوَ الطَّرِيق الْمُوَصِّل إِلَى الْجَنَّة.
وَ " صِرَاطك " مَنْصُوب عَلَى حَذْف " عَلَى " أَوْ " فِي " مِنْ قَوْله :" صِرَاطك الْمُسْتَقِيم " ; كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ " ضَرَبَ زَيْد الظَّهْرَ وَالْبَطْنَ ".
وَأَنْشَدَ :