تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن
المعروف بـحدائق الروح والريحان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الهرري
.
المتوفي سنة 1441 هـ
ﰡ
ﭑ
ﰀ
﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ..﴾ أردف ذلك بذكر نعمه على عباده بتمكينهم في الأرض، وخلق أنواع المعايش فيها مع بيان أن كثرة النعم توجب عليهم الطاعة له.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) عباده في الآية السابقة بنعمه عليهم بالتمكين لهم في الأرض، وخلق أنواع المعايش لهم فيها.. قفى على ذلك ببيان أنه خلق النوع الإنساني مستعدا للكمال، وأنه قد تعرض له وسوسة من الشيطان تحول بينه وبين هذا الكمال الذي يبتغيه.
قال أبو حيان: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما قدم (٢) ما يدل على تقسيم المكلفين إلى طائع وعاص، فالطائع ممتثل ما أمر الله به مجتنب ما نهى عنه، والعاصي بضده.. أخذ ينبه على أن هذا التقسيم كان في البدء الأول من أمر الله للملائكة بالسجود، فامتثل من امتثل، وامتنع من امتنع، وأنه تعالى أمر آدم ونهى، فحكى عنه ما يأتي خبره، فنبه أولا على موضع الاعتبار، وإبراز الشيء من العدم الصّرف إلى الوجود والتصوير في هذه الصورة الغريبة الشكل المتمكنة من بدائع الصانع.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿المص﴾ (١) هذه حروف تكتب بصورة كلمة ذوات الأربعة الأحرف، لكنّا نقرؤها بأسماء هذه الأحرف، فنقول: ألف لام ميم صاد، وحكمة افتتاح هذه السورة وأمثالها بأسماء الحروف التي ليس لها معنى مفهوم غير مسماها الذي تدل عليه.. تنبيه السامع إلى ما سيلقى إليه بعد هذا الصوت من الكلام حتى لا يفوته منه شيء، فكأنه أداة استفتاح بمنزلة (ألا) و (ها) التنبيه.
وبالاستقراء نرى أن السور التي بدئت بها وبذكر الكتاب هي التي نزلت
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (١) عباده في الآية السابقة بنعمه عليهم بالتمكين لهم في الأرض، وخلق أنواع المعايش لهم فيها.. قفى على ذلك ببيان أنه خلق النوع الإنساني مستعدا للكمال، وأنه قد تعرض له وسوسة من الشيطان تحول بينه وبين هذا الكمال الذي يبتغيه.
قال أبو حيان: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه سبحانه وتعالى لما قدم (٢) ما يدل على تقسيم المكلفين إلى طائع وعاص، فالطائع ممتثل ما أمر الله به مجتنب ما نهى عنه، والعاصي بضده.. أخذ ينبه على أن هذا التقسيم كان في البدء الأول من أمر الله للملائكة بالسجود، فامتثل من امتثل، وامتنع من امتنع، وأنه تعالى أمر آدم ونهى، فحكى عنه ما يأتي خبره، فنبه أولا على موضع الاعتبار، وإبراز الشيء من العدم الصّرف إلى الوجود والتصوير في هذه الصورة الغريبة الشكل المتمكنة من بدائع الصانع.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿المص﴾ (١) هذه حروف تكتب بصورة كلمة ذوات الأربعة الأحرف، لكنّا نقرؤها بأسماء هذه الأحرف، فنقول: ألف لام ميم صاد، وحكمة افتتاح هذه السورة وأمثالها بأسماء الحروف التي ليس لها معنى مفهوم غير مسماها الذي تدل عليه.. تنبيه السامع إلى ما سيلقى إليه بعد هذا الصوت من الكلام حتى لا يفوته منه شيء، فكأنه أداة استفتاح بمنزلة (ألا) و (ها) التنبيه.
وبالاستقراء نرى أن السور التي بدئت بها وبذكر الكتاب هي التي نزلت
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
209
بمكة لدعوة المشركين إلى الإسلام وإثبات النبوة والوحي، وما نزل منها بالمدينة كالزهراوين البقرة وآل عمران؛ فالدعوة فيها موجهة إلى أهل الكتاب، وهكذا الحال في بعض السور كمريم والعنكبوت والروم وص ون، فإن ما فيها يتعلق بإثبات النبوة والكتاب كالفتنة في الدين بإيذاء الضعفاء؛ لإرجاعهم عن دينهم بالقوة القاهرة، والإنباء بقصص فارس والروم، ونصر الله للمؤمنين على المشركين، وكان هذا من أظهر المعجزات الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ويرى بعض العلماء أنها أسماء للسور والأسماء المرتجلة لا تعلل، كما يرى آخرون أن الحكمة في ذكرها بيان إعجاز القرآن بالإشارة إلى أنه مركب من هذه الأحرف المفردة التي يتألف منها الكلام العربي، ومع ذلك لا يستطيعون أن يأتوا بمثله ليؤديهم النظر إلى أنه ليس من كلام البشر، بل من كلام خالق القوى والقدر.
وروي (١) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال معناه: أنا الله أفصّل، وعنه: أنا الله أعلم وأفصّل، وعنه: أن ﴿المص (١)﴾ قسم أقسم الله به، وهو اسم من أسماء الله تعالى. وقال قتادة: ﴿المص (١)﴾ اسم من أسماء القرآن. وقال الحسن: هو اسم للسورة. وقال السدي: هو بعض اسمه تعالى المصور. وقال أبو العالية: الألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد، والصاد مفتاح اسمه صادق وصبور. وقيل: هي حروف مقطعة استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمها، وهي سره في كتابه العزيز؛ وهذا القول هو الأصح الأسلم. وقيل: هي حروف اسمه الأعظم. وقيل هي حروف تحتوي معاني دل الله بها خلقه على مراده، وقد بسط الكلام على معاني الحروف المقطعة أوائل السور في أول سورة البقرة. قال أبو حيان (٢): وهذه الأقوال في الحروف المقطعة، لولا أن المفسرين شحنوا بها كتبهم خلفا عن سلف.. ضربنا عن ذكرها صفحا، فإن ذكرها يدل على ما لا ينبغي ذكره من تأويلات الباطنية، وأصحاب الألغاز والرموز.
وروي (١) عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال معناه: أنا الله أفصّل، وعنه: أنا الله أعلم وأفصّل، وعنه: أن ﴿المص (١)﴾ قسم أقسم الله به، وهو اسم من أسماء الله تعالى. وقال قتادة: ﴿المص (١)﴾ اسم من أسماء القرآن. وقال الحسن: هو اسم للسورة. وقال السدي: هو بعض اسمه تعالى المصور. وقال أبو العالية: الألف مفتاح اسمه الله، واللام مفتاح اسمه لطيف، والميم مفتاح اسمه مجيد، والصاد مفتاح اسمه صادق وصبور. وقيل: هي حروف مقطعة استأثر الله سبحانه وتعالى بعلمها، وهي سره في كتابه العزيز؛ وهذا القول هو الأصح الأسلم. وقيل: هي حروف اسمه الأعظم. وقيل هي حروف تحتوي معاني دل الله بها خلقه على مراده، وقد بسط الكلام على معاني الحروف المقطعة أوائل السور في أول سورة البقرة. قال أبو حيان (٢): وهذه الأقوال في الحروف المقطعة، لولا أن المفسرين شحنوا بها كتبهم خلفا عن سلف.. ضربنا عن ذكرها صفحا، فإن ذكرها يدل على ما لا ينبغي ذكره من تأويلات الباطنية، وأصحاب الألغاز والرموز.
(١) الخازن.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
210
٢ - ﴿كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾؛ أي: هذا القرآن كتاب أنزل إليك من عند ربك يا محمد، ووصفه بالإنزال من عنده تعالى دال على عظم قدره وقدر من أنزل إليه؛ أي: هذا القدر الذي (١) كان قد نزل منه وقت نزول هذه الآية كتاب أنزل؛ أي: أنزل الله تعالى إليك يا محمد ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ﴾ وقلبك ﴿حَرَجٌ﴾ وضيق ﴿مِنْهُ﴾؛ أي: من تبليغه خوفا من تكذيب قومك؛ أي: لا يضيق (٢) صدرك من الإنذار به وإبلاغه من أمرت بإبلاغه إليهم، واصبر لأمري فيما حملتك من عبء النبوة كما صبر أولو العزم من الرسل، فإن الله معك.
وقد كلف ﷺ هداية الثقلين، وكان من المتوقع أن يلقى أشد الإيذاء والمقاومة والطعن والإعراض، وتلك أمور توجب ضيق الصدر كما قال في سورة الحجر: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧)﴾ وقال في سورة النحل: ﴿وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧)﴾ وقال في سورة هود: ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)﴾.
ويراد بالنهي عن مثل هذا الأمر الطبيعي الاجتهاد في مقاومته، والتسلي عنه بوعد الله، والتأسي بمن سبقه من الرسل أولي العزم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقوله: ﴿لِتُنْذِرَ بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾؛ أي: أنزل إليك ذلك الكتاب لتنذر وتخوف به الكافرين من عذاب الله تعالى ﴿وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: ولتذكر وتعظ به المؤمنين به. وقال «الخازن»: وهذا من المؤخر الذي معناه التقدير، تقديره: كتاب أنزلناه إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه، والمراد بالمؤمنين هنا من كتب الله لهم الإيمان، سواء أكانوا مؤمنين حين نزول هذه السورة أم لا.
وقد كلف ﷺ هداية الثقلين، وكان من المتوقع أن يلقى أشد الإيذاء والمقاومة والطعن والإعراض، وتلك أمور توجب ضيق الصدر كما قال في سورة الحجر: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧)﴾ وقال في سورة النحل: ﴿وَاصْبِرْ وَما صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (١٢٧)﴾ وقال في سورة هود: ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)﴾.
ويراد بالنهي عن مثل هذا الأمر الطبيعي الاجتهاد في مقاومته، والتسلي عنه بوعد الله، والتأسي بمن سبقه من الرسل أولي العزم صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين.
وقوله: ﴿لِتُنْذِرَ بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾؛ أي: أنزل إليك ذلك الكتاب لتنذر وتخوف به الكافرين من عذاب الله تعالى ﴿وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: ولتذكر وتعظ به المؤمنين به. وقال «الخازن»: وهذا من المؤخر الذي معناه التقدير، تقديره: كتاب أنزلناه إليك لتنذر به وذكرى للمؤمنين، فلا يكن في صدرك حرج منه، والمراد بالمؤمنين هنا من كتب الله لهم الإيمان، سواء أكانوا مؤمنين حين نزول هذه السورة أم لا.
(١) عمدة التفاسير.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
والخلاصة (١): أنه أنزل إليك الكتاب لتنذر به قومك وسائر الناس، وتذكر به أهل الإيمان ذكرى نافعة مؤثرة.
٣ - قل يا محمد لهؤلاء المشركين، أو للناس كافة: ﴿اتَّبِعُوا﴾ أيها الناس ﴿ما أُنْزِلَ﴾؛ أي: الوحي الذي أنزل ﴿إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ الذي فيه الهدى والنور والبيان بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ وهو القرآن وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أي: قل لهم أيها الرسول: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وخالقكم ومدبر أموركم، فهو وحده الذي له الحق في شرع الدين لكم، وفرض العبادات عليكم، وتحليل ما ينفعكم، وتحريم ما يضركم؛ إذ هو العليم بما فيه الفائدة أو الضر لكم ﴿وَلا تَتَّبِعُوا﴾؛ أي: ولا تتخذوا ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى؛ أي: غيره ﴿أَوْلِياءَ﴾ تولونهم أموركم وتطيعونهم فيما يشرعونه لكم من الشياطين والكهان، والرهبان والأحبار، وقال «الخازن»: ولا تتخذوا (٢) الذين يدعونكم إلى الكفر والشرك أولياء، فتتبعوهم، والمعنى: ولا تتولوا من دونه شياطين الإنس والجن، فيأمروكم بعبادة الأصنام، واتباع البدع والأهواء الفاسدة، انتهى. وفي «البيضاوي»: وقيل: الضمير في ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ لما أنزل؛ أي: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا﴾ من دون دين الله دين أولياء انتهى.
والمعنى: أي ولا تتخذوا من أنفسكم، ولا من الشياطين الذين يوسوسون لكم أولياء تولونهم أموركم، وتطيعونهم فيما يرومون منكم من ضلال التقاليد، والابتداع في الدين، فيضعوا لكم أحكام الحرام والحلال زاعمين أنهم منكم، فيجب عليكم تقليدهم، ولا أولياء ينجونكم من الجزاء على ذنوبكم، وتقصدونهم في جلب النفع لكم، أو رفع الضر عنكم زاعمين أنهم يقربونكم إلى الله زلفى، أو يشفعون لكم عنده في الآخرة.
والخلاصة: أن الله وحده هو الذي يتولى أمر العباد بالتدبير والخلق والتشريع، وله وحده الخلق والأمر، وبيده النفع والضر. وقرأ الجحدري: ﴿ابتغوا ما أنزل إليكم﴾ من الابتغاء. وقرأ مجاهد ومالك بن دينار: {ولا
٣ - قل يا محمد لهؤلاء المشركين، أو للناس كافة: ﴿اتَّبِعُوا﴾ أيها الناس ﴿ما أُنْزِلَ﴾؛ أي: الوحي الذي أنزل ﴿إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ الذي فيه الهدى والنور والبيان بامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ وهو القرآن وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ أي: قل لهم أيها الرسول: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وخالقكم ومدبر أموركم، فهو وحده الذي له الحق في شرع الدين لكم، وفرض العبادات عليكم، وتحليل ما ينفعكم، وتحريم ما يضركم؛ إذ هو العليم بما فيه الفائدة أو الضر لكم ﴿وَلا تَتَّبِعُوا﴾؛ أي: ولا تتخذوا ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ تعالى؛ أي: غيره ﴿أَوْلِياءَ﴾ تولونهم أموركم وتطيعونهم فيما يشرعونه لكم من الشياطين والكهان، والرهبان والأحبار، وقال «الخازن»: ولا تتخذوا (٢) الذين يدعونكم إلى الكفر والشرك أولياء، فتتبعوهم، والمعنى: ولا تتولوا من دونه شياطين الإنس والجن، فيأمروكم بعبادة الأصنام، واتباع البدع والأهواء الفاسدة، انتهى. وفي «البيضاوي»: وقيل: الضمير في ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ لما أنزل؛ أي: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا﴾ من دون دين الله دين أولياء انتهى.
والمعنى: أي ولا تتخذوا من أنفسكم، ولا من الشياطين الذين يوسوسون لكم أولياء تولونهم أموركم، وتطيعونهم فيما يرومون منكم من ضلال التقاليد، والابتداع في الدين، فيضعوا لكم أحكام الحرام والحلال زاعمين أنهم منكم، فيجب عليكم تقليدهم، ولا أولياء ينجونكم من الجزاء على ذنوبكم، وتقصدونهم في جلب النفع لكم، أو رفع الضر عنكم زاعمين أنهم يقربونكم إلى الله زلفى، أو يشفعون لكم عنده في الآخرة.
والخلاصة: أن الله وحده هو الذي يتولى أمر العباد بالتدبير والخلق والتشريع، وله وحده الخلق والأمر، وبيده النفع والضر. وقرأ الجحدري: ﴿ابتغوا ما أنزل إليكم﴾ من الابتغاء. وقرأ مجاهد ومالك بن دينار: {ولا
(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
تبتغوا} من الابتغاء أيضا.
﴿قَلِيلًا ما﴾؛ أي: تذكرا قليلا؛ أي: قلة أو زمانا قليلا؛ أي: قلة ﴿تَذَكَّرُونَ﴾؛ أي: تتعظون أيها المشركون حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره. والمعنى (١): أنتم ما تتعظون بقليل ولا كثير، والمراد: نفي التذكر من أصله، لا إثبات القليل منه. وفي هذا إيماء إلى النهي عن طاعة الخلق في أمر الدين غير ما أنزل الله من وحيه، كما فعل أهل الكتاب في طاعة أحبارهم ورهبانهم فيما أحلوا لهم، وزادوا على الوحي من العبادات، وما حرموا عليهم من المباحات كما جاء في قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فكل من أطاع أحدا في حكم شرعي لم ينزله الله.. فقد اتخذه ربا.
واتباع الرسول ﷺ فيما صح عنه من بيان الدين داخل في عموم ما أنزل إلينا على رسوله؛ لأنه تعالى أمرنا باتباعه وطاعته، وأخبرنا أنه مبين لما نزل إليه كما قال: ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وقد صح الحديث أنه ﷺ قال: «إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر» رواه مسلم (٢٣٦٢) عن رافع بن خديج في مسألة تأبير النخل - تلقيح النخلة بطلع الذكر -.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي (٢): ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ - بتاء واحدة وتخفيف الذال -. وقرأ ابن عامر ﴿يتذكرون﴾ - بالياء والتاء وتخفيف الذال -. وقرأ باقي السبعة: ﴿تذّكّرون﴾ بتاء الخطاب وتشديد الذال. وقرأ أبو الدرداء وابن عباس وابن عامر في رواية بتائين. وقرأ مجاهد بياء وتشديد الذال.
٤ - ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾؛ أي: وكثير من أهل قرية وبلدة ﴿أَهْلَكْناها﴾؛ أي: أردنا إهلاك أهلها لما كذبوا رسلنا ﴿فَجاءَها﴾؛ أي: فجاء أهلها ﴿بَأْسُنا﴾؛ أي: عذابنا ﴿بَياتًا﴾؛ أي: حالة كونهم بائتين واقعين في الليل كقوم لوط ﴿أَوْ هُمْ قائِلُونَ﴾؛ أي: أو حالة كونهم قائلين؛ أي: مستريحين أو نائمين وقت الظهيرة كقوم
﴿قَلِيلًا ما﴾؛ أي: تذكرا قليلا؛ أي: قلة أو زمانا قليلا؛ أي: قلة ﴿تَذَكَّرُونَ﴾؛ أي: تتعظون أيها المشركون حيث تتركون دين الله وتتبعون غيره. والمعنى (١): أنتم ما تتعظون بقليل ولا كثير، والمراد: نفي التذكر من أصله، لا إثبات القليل منه. وفي هذا إيماء إلى النهي عن طاعة الخلق في أمر الدين غير ما أنزل الله من وحيه، كما فعل أهل الكتاب في طاعة أحبارهم ورهبانهم فيما أحلوا لهم، وزادوا على الوحي من العبادات، وما حرموا عليهم من المباحات كما جاء في قوله: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْبابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ فكل من أطاع أحدا في حكم شرعي لم ينزله الله.. فقد اتخذه ربا.
واتباع الرسول ﷺ فيما صح عنه من بيان الدين داخل في عموم ما أنزل إلينا على رسوله؛ لأنه تعالى أمرنا باتباعه وطاعته، وأخبرنا أنه مبين لما نزل إليه كما قال: ﴿وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ وقد صح الحديث أنه ﷺ قال: «إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر» رواه مسلم (٢٣٦٢) عن رافع بن خديج في مسألة تأبير النخل - تلقيح النخلة بطلع الذكر -.
وقرأ حفص وحمزة والكسائي (٢): ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ - بتاء واحدة وتخفيف الذال -. وقرأ ابن عامر ﴿يتذكرون﴾ - بالياء والتاء وتخفيف الذال -. وقرأ باقي السبعة: ﴿تذّكّرون﴾ بتاء الخطاب وتشديد الذال. وقرأ أبو الدرداء وابن عباس وابن عامر في رواية بتائين. وقرأ مجاهد بياء وتشديد الذال.
٤ - ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾؛ أي: وكثير من أهل قرية وبلدة ﴿أَهْلَكْناها﴾؛ أي: أردنا إهلاك أهلها لما كذبوا رسلنا ﴿فَجاءَها﴾؛ أي: فجاء أهلها ﴿بَأْسُنا﴾؛ أي: عذابنا ﴿بَياتًا﴾؛ أي: حالة كونهم بائتين واقعين في الليل كقوم لوط ﴿أَوْ هُمْ قائِلُونَ﴾؛ أي: أو حالة كونهم قائلين؛ أي: مستريحين أو نائمين وقت الظهيرة كقوم
(١) تنوير المقياس.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
شعيب، مأخوذ من القيلولة؛ وهي استراحة وسط النهار، وإن لم يكن معها نوم. قال أبو حيان (١): وخص مجيء البأس بهذين الوقتين؛ لأنهما وقتان للسكون والدعة والاستراحة، فمجيء العذاب فيهما أشق وأفظع؛ لأنه على حين غفلة من المهلكين من غير تقدم أمارة تدلهم على وقت نزول العذاب بهم، وفيه وعيد وتخويف للكفار، فكأنه قيل لهم: لا تغتروا بأسباب الأمن والراحة والفراغ، فإن عذاب الله إذا نزل دفعة واحدة، فلا تغتروا بأحوالكم فلا يجمل بالعاقل أن يأمن غدر الليالي، ولا خدع الأيام، ولا يغتر بالرخاء فيعده علامة على أنه مستحق له، فهو مظنة الدوام.
وفي ذلك (٢): تعريض بغرور كفار قريش بقوتهم وثروتهم وعزهم وعصبيتهم، وأن ذلك من دلائل رضا الله عنهم كما قال تعالى حكاية عنهم: ﴿وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلادًا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾. ﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ﴾؛ أي: دعاءهم وتضرعهم واستغاثتهم، أو ما كان قولهم: ﴿إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا﴾؛ أي: حين جاءهم عذابنا، ورأوا أمارته في الدنيا إلا أن قالوا: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أي: مشركين؛ أي: ما كان قولهم وقتئذ إلا اعترافهم بظلمهم تحصرا وندامة، وهيهات أن ينفع الندم.
٥ - أي: فما كان دعاءهم ربهم واستغاثتهم به حين جاءهم العذاب إلا أن اعترفوا بظلمهم فيما كانوا عليه، وشهدوا ببطلانه تحسرا وندامة، وطمعا في الخلاص، ولكن أنى ينفع الندم، وقد أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة. وفي الآية من العبرة أن كل مذنب يقع عليه عقاب ذنب فعله في الدنيا.. يعترف بجرمه، ويندم على ما فرط منه إذا هو علم أنه سبب العقاب، وقلما يشعر المرء بعقاب في الدنيا على الذنوب؛ لأنه يأتي على التراخي غالبا، فالأمراض التي تتولد من شرب الخمر كأمراض القلب والكبد والجهاز التناسلي، وضعف النسل واستعداده للأمراض إلى نحو ذلك من الأمراض الجسدية والعقلية تحصل ببطء،
وفي ذلك (٢): تعريض بغرور كفار قريش بقوتهم وثروتهم وعزهم وعصبيتهم، وأن ذلك من دلائل رضا الله عنهم كما قال تعالى حكاية عنهم: ﴿وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلادًا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾. ﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ﴾؛ أي: دعاءهم وتضرعهم واستغاثتهم، أو ما كان قولهم: ﴿إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا﴾؛ أي: حين جاءهم عذابنا، ورأوا أمارته في الدنيا إلا أن قالوا: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ أي: مشركين؛ أي: ما كان قولهم وقتئذ إلا اعترافهم بظلمهم تحصرا وندامة، وهيهات أن ينفع الندم.
٥ - أي: فما كان دعاءهم ربهم واستغاثتهم به حين جاءهم العذاب إلا أن اعترفوا بظلمهم فيما كانوا عليه، وشهدوا ببطلانه تحسرا وندامة، وطمعا في الخلاص، ولكن أنى ينفع الندم، وقد أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة. وفي الآية من العبرة أن كل مذنب يقع عليه عقاب ذنب فعله في الدنيا.. يعترف بجرمه، ويندم على ما فرط منه إذا هو علم أنه سبب العقاب، وقلما يشعر المرء بعقاب في الدنيا على الذنوب؛ لأنه يأتي على التراخي غالبا، فالأمراض التي تتولد من شرب الخمر كأمراض القلب والكبد والجهاز التناسلي، وضعف النسل واستعداده للأمراض إلى نحو ذلك من الأمراض الجسدية والعقلية تحصل ببطء،
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
214
وقلما يعرفها غير الأطباء، ومن ثم لا يشعر بها السكارى، وإنما يشعرون بما يعقب الشرب من صداع وغشيان يسهل عليهم احتماله، وترجيح لذة النشوة عليه إلى أنه لو علمها بعد، فقلما يفيد علمه بها شيئا بعد بلوغ تأثيرها هذه الدرجة في السكر حتى تحمله على التوبة إذ داء الخمّار يزمن، وحب السكر يضعف الإرادة. وعقاب الأفراد على الذنوب في الدنيا لا يطرد في الأمم، فعقابها في الدنيا على ما تجترح حتم لا شبهة فيه، ولكن له آجال ومواقيت أطول مما يكون في الأفراد، ويختلف باختلاف أحوال الأمة في القوة والضعف، فأمة نشأ فيها الظلم والطغيان، وعدمت الثقة بين أفرادها، واختلّ نظام الأمن فيها، وكثر فيها الفسق والفجور.. تسوء حالها، وتنحل قواها، وتتفكك روابط الألفة والمودة بين أفرادها، وتضعف منعتها، فتحسب أهلها جميعا وقلوبهم شتى، ولا يزال أمرها يأخذ في التدهور - السقوط في مهواة التسفل - والفساد حتى يستولى عليها العدو القاهر، ويمتص ثروتها، ويجعل أهلها أذلة مستضعفين، وقلما تشعر أمة بعاقبة ذنوبها قبل وقوع العقوبة كما لا يجديها نفعا أن يقول حكماؤها: يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ.
وربما عمّها الجهل، وران على قلوبها الفساد، فلا تشعر بأن ما حل بها إنما كان جزاء وفاقا، ونكالا من الله على ما قدمت من عمل، واقترفت من إثم، فترضى باستذلال الغاصب واستعباده واستئماره، كما رضيت من قبل بما اجترحت من الآثام والذنوب، كما هو مشاهد في بعض شعوب إفريقيا، وإذا أرادت لها علاجا، وتمنت لها دواء من دائها الدوي، وتلفتت يمنة ويسرة سرا وعلانية.. لم تجده إلا ما وصفه الكتاب الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ ولن يكون ذلك إلا بالإقلاع عما ترتكب من الجرائم، والتوبة الصادقة، والعمل الطيب الذي تصلح به القلوب، وتستقيم الأمور، وهاكم ما قاله العباس عم النبي ﷺ حين توسل به عمر والصحابة بتقديمه لصلاة الاستسقاء لما انقطع الغيث، وعم الجدب: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة.
وفي هذا عبرة أيما عبرة للشعوب الإسلامية التي ثلّت عروشها، وخوت صروح عظمتها، وقد كانت أجدر بهدى القرآن، ولكن أنى لها بذلك، وقد هجره
وربما عمّها الجهل، وران على قلوبها الفساد، فلا تشعر بأن ما حل بها إنما كان جزاء وفاقا، ونكالا من الله على ما قدمت من عمل، واقترفت من إثم، فترضى باستذلال الغاصب واستعباده واستئماره، كما رضيت من قبل بما اجترحت من الآثام والذنوب، كما هو مشاهد في بعض شعوب إفريقيا، وإذا أرادت لها علاجا، وتمنت لها دواء من دائها الدوي، وتلفتت يمنة ويسرة سرا وعلانية.. لم تجده إلا ما وصفه الكتاب الكريم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾ ولن يكون ذلك إلا بالإقلاع عما ترتكب من الجرائم، والتوبة الصادقة، والعمل الطيب الذي تصلح به القلوب، وتستقيم الأمور، وهاكم ما قاله العباس عم النبي ﷺ حين توسل به عمر والصحابة بتقديمه لصلاة الاستسقاء لما انقطع الغيث، وعم الجدب: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة.
وفي هذا عبرة أيما عبرة للشعوب الإسلامية التي ثلّت عروشها، وخوت صروح عظمتها، وقد كانت أجدر بهدى القرآن، ولكن أنى لها بذلك، وقد هجره
215
الخاصة، وتبعهم العامة؛ إذ جهلوا أحكامه وحكمه حتى لقد بلغ الأمر بنابتتها، ألا ترى سببا لركود ريحها إلا اتباع القرآن، والعمل بهذا الدين: ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾.
٦ - ﴿فـ﴾ وعزتي وجلالي ﴿لَنَسْئَلَنَّ﴾ الأمم ﴿الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: الأمم التي أرسلت إليهم الرسل جميعا في موقف الحساب يوم القيامة توبيخا وتقريعا لهم هل بلغت الرسل إليكم أوامري، وماذا أجبتم، وماذا عملتم من إيمان وكفر؟ ولا (١) معارضة بين هذه الآية التي تثبت السؤال العام، وبين قوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩)﴾ وقوله: ﴿وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ لأن ليوم القيامة مواقف متعددة، والسؤال والجواب والاعتذار يكون في بعضها دون بعض.
﴿وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾؛ أي: الرسل عن إبلاغ تكاليفي إلى الأمم تأنيسا واستشهادا لهم. قال ابن عباس: معناه نسأل الناس عما أجابوا المرسلين، ونسأل المرسلين عما بلغوه، والمراد بالسؤال حينئذ تقريع الكفار وتوبيخهم كما مر.
٧ - ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على المرسلين والأمم حين سكتوا بما عملوا في الدنيا ﴿بِعِلْمٍ﴾؛ أي: فلنخبرنهم حين سكتوا عن الجواب بما فعلوا في الدنيا إخبارا ناشئا عن علم ويقين.
أي: فلنقصن على الرسل، وعلى أقوامهم الذين أرسلوا إليهم كل ما وقع من الفريقين قصصا بعلم منا محيط بكل ما كان منهم، فلا يعزب عنه مثقال ذرة، وقد روي عن ابن عباس أنه يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما يعملون.
﴿وَما كُنَّا غائِبِينَ﴾ عن إبلاغ الرسل، وعما أجابت به أممهم حتى يخفى علينا شيء من أحوالهم؛ أي: وما كنا غائبين عنهم في وقت من الأوقات، ولا حال من الأحوال، بل كنا معهم نسمع ما يقولون، ونبصر ما يعملون، ونحيط
٦ - ﴿فـ﴾ وعزتي وجلالي ﴿لَنَسْئَلَنَّ﴾ الأمم ﴿الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾؛ أي: الأمم التي أرسلت إليهم الرسل جميعا في موقف الحساب يوم القيامة توبيخا وتقريعا لهم هل بلغت الرسل إليكم أوامري، وماذا أجبتم، وماذا عملتم من إيمان وكفر؟ ولا (١) معارضة بين هذه الآية التي تثبت السؤال العام، وبين قوله تعالى: ﴿فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩)﴾ وقوله: ﴿وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ لأن ليوم القيامة مواقف متعددة، والسؤال والجواب والاعتذار يكون في بعضها دون بعض.
﴿وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾؛ أي: الرسل عن إبلاغ تكاليفي إلى الأمم تأنيسا واستشهادا لهم. قال ابن عباس: معناه نسأل الناس عما أجابوا المرسلين، ونسأل المرسلين عما بلغوه، والمراد بالسؤال حينئذ تقريع الكفار وتوبيخهم كما مر.
٧ - ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ﴾؛ أي: على المرسلين والأمم حين سكتوا بما عملوا في الدنيا ﴿بِعِلْمٍ﴾؛ أي: فلنخبرنهم حين سكتوا عن الجواب بما فعلوا في الدنيا إخبارا ناشئا عن علم ويقين.
أي: فلنقصن على الرسل، وعلى أقوامهم الذين أرسلوا إليهم كل ما وقع من الفريقين قصصا بعلم منا محيط بكل ما كان منهم، فلا يعزب عنه مثقال ذرة، وقد روي عن ابن عباس أنه يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما يعملون.
﴿وَما كُنَّا غائِبِينَ﴾ عن إبلاغ الرسل، وعما أجابت به أممهم حتى يخفى علينا شيء من أحوالهم؛ أي: وما كنا غائبين عنهم في وقت من الأوقات، ولا حال من الأحوال، بل كنا معهم نسمع ما يقولون، ونبصر ما يعملون، ونحيط
(١) المراغي.
216
علما بما يسرون وما يعلنون كما قال تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطًا﴾. وقال ابن كثير: يخبر (١) تعالى عباده يوم القيامة بما قالوا، وبما عملوا من قليل وكثير، وجليل وحقير؛ لأنه تعالى الشهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، انتهى. وقال أبو حيان: والمعنى: نسرد عليهم أعمالهم قصة قصة بعلم منا لذلك، واطلاع عليه، وما كنا غائبين عن شيء منه، بل علمنا محيط بجميع أعمالهم ظاهرها وباطنها، وهذا من أعظم التوبيخ والتقريع، حيث يقرون بالظلم، وتشهد عليهم أنبياؤهم، ويقص عليهم أعمالهم انتهى. وفي هذا إيماء إلى أن السؤال لم يكن للاستعلام والاستبانة لشيء مجهول عنه تعالى، بل للإعلام والإخبار بما حدث منهم توبيخا لهم، وتأنيبا على إهمالهم. وهذا القصص (٢) هو الذي يكون به الحساب، ويتلوه الجزاء، وقد دل عليه الكتاب الكريم في مواضع عدة، ودلت عليه السنة، فمن ذلك ما رواه ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع يسأل عن الناس، والرجل راع يسأل عن أهله، والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيده».
وما رواه المقدام قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه راية يحملها، ويتبعونه فيسأل عنهم ويسألون عنه».
وما رواه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي مرفوعا «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه».
وروى الحاكم وابن ماجه حديث شداد بن أوس مرفوعا «الكيس من دان - حاسب - نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني».
وما رواه المقدام قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا يكون رجل على قوم إلا جاء يقدمهم يوم القيامة بين يديه راية يحملها، ويتبعونه فيسأل عنهم ويسألون عنه».
وما رواه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي مرفوعا «لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم عمل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه».
وروى الحاكم وابن ماجه حديث شداد بن أوس مرفوعا «الكيس من دان - حاسب - نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني».
(١) ابن كثير.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
217
٨ - ﴿وَالْوَزْنُ﴾؛ أي: وزن (١) الأعمال والتمييز بين راجحها وخفيفها، أو وزن صحائف الأعمال، أو وزن فاعليها ثلاثة أقوال: والأول هو الراجح، والوزن: هو عمل يراد به تعرف مقدار الشيء بالميزان، وهو مبتدأ خبره ﴿يَوْمَئِذٍ﴾، وقوله: ﴿الْحَقُّ﴾ صفة للوزن؛ أي: والوزن العدل السوي واقع يومئذ؛ أي: يوم إذ يسأل الله تعالى الرسل وأممهم؛ وهو يوم القيامة ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ ويصح أن يكون الظرف صفة له، والخبر الحق؛ أي: والوزن (٢) الواقع في ذلك اليوم الذي يسأل الله فيه الرسل والأمم، ويقص عليهم كل ما كان منهم هو الحق؛ أي الذي تعرف به حقائق الأمور وما يستحقه كل أحد من ثواب وعقاب.
فإن قلت: أليس (٣) الله عز وجل يعلم مقادير أعمال العباد، فما الحكمة في وزنها؟.
قلت: فيه حكم كثيرة:
منها: إظهار العدل، وأن الله تعالى لا يظلم عباده.
ومنها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، وإقامة الحجة عليهم في العقبى.
ومنها: تعريف العباد ما لهم من خير وشر، وحسنة وسيئة.
ومنها: إظهار علامة السعادة والشقاوة، ونظيره أنه تعالى أثبت أعمال العباد في اللوح المحفوظ، ثم في صحائف الملائكة الموكلين ببني آدم من غير جواز النسيان عليه تعالى.
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ﴾ ورجحت ﴿مَوازِينُهُ﴾؛ أي: حسناته على سيئاته؛ فهو (٤) جمع موزون، وجمعه باعتبار اختلاف الموزونات والحسنات، أو المعنى: فمن رجحت وثقلت موازين أعماله بالإيمان وكثرة الحسنات؛ أي: ثقلت كفة اليمين بسبب قوة الإيمان وكثرة الحسنات على كفة الشمال؛ فهو جمع ميزان، فجمعه حينئذ
فإن قلت: أليس (٣) الله عز وجل يعلم مقادير أعمال العباد، فما الحكمة في وزنها؟.
قلت: فيه حكم كثيرة:
منها: إظهار العدل، وأن الله تعالى لا يظلم عباده.
ومنها: امتحان الخلق بالإيمان بذلك في الدنيا، وإقامة الحجة عليهم في العقبى.
ومنها: تعريف العباد ما لهم من خير وشر، وحسنة وسيئة.
ومنها: إظهار علامة السعادة والشقاوة، ونظيره أنه تعالى أثبت أعمال العباد في اللوح المحفوظ، ثم في صحائف الملائكة الموكلين ببني آدم من غير جواز النسيان عليه تعالى.
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ﴾ ورجحت ﴿مَوازِينُهُ﴾؛ أي: حسناته على سيئاته؛ فهو (٤) جمع موزون، وجمعه باعتبار اختلاف الموزونات والحسنات، أو المعنى: فمن رجحت وثقلت موازين أعماله بالإيمان وكثرة الحسنات؛ أي: ثقلت كفة اليمين بسبب قوة الإيمان وكثرة الحسنات على كفة الشمال؛ فهو جمع ميزان، فجمعه حينئذ
(١) مدارك التنزيل.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٤) البيضاوي.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٤) البيضاوي.
للتعظيم ﴿فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾؛ أي (١): الناجون غدا من عذاب الله، والفائزون بجزيل ثوابه.
أي: فمن رجحت موازين أعماله بالإيمان وكثرت الحسنات.. فأولئك هم الفائزون بالنجاة من العذاب، والحائزون للنعيم في دار الثواب
٩ - ﴿وَمَنْ خَفَّتْ﴾ ونقصت ﴿مَوازِينُهُ﴾؛ أي: حسناته، أو موازين أعماله الحسنة بسبب الكفر وكثرة المعاصي ﴿فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ وغبنوا ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ وحرموها سعادتها، وحظوظها من جزيل ثواب الله تعالى وكرامته ﴿بـ﴾ سبب ﴿ما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ﴾؛ أي: يجحدون؛ أي: بسبب كفرهم وجحودهم، وتكذيبهم بمحمد ﷺ وبالقرآن؛ وهم الكفار، يعني (٢): سبب ذلك الخسران أنهم كانوا بحجج الله وأدلة توحيده يجحدون ولا يقرون بها.
والمعنى: ومن خفت موازين أعماله بسبب خفة الحسنات في الميزان أو بسبب الأعمال التي لا اعتداد بها في الوزن، أو بسبب كفره وكثرة ما اجترح من السيئات.. فأولئك الموصوفون بخفة الموازين هم الذين خسروا أنفسهم بسبب تكذيبهم بآياتنا؛ إذ حرموها السعادة التي كانت مستعدة لها لو لم يفسدوا فطرتها بالكفر والمعاصي، وإصرارهم على ذلك إلى نهاية أعمارهم.
والخلاصة (٣): أن المؤمنين على تفاوت درجاتهم في الأعمال هم المفلحون، فمن مات مؤمنا فهو مفلح، وإن عذب على بعض ذنوبه بمقدارها، وإن الكافرين على تفاوت دركاتهم هم في خسران عظيم، وهناك فريق ثالث استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم أصحاب الأعراف، وسيأتي ذكرهم بعد.
والحكمة في وضع ذلك الميزان (٤): أن يظهر ذلك الرجحان لأهل الموقف، فإن كان ظهور الرجحان في طرف الحسنات ازداد سروره بسبب ظهور فضله، وكمال درجته لأهل الموقف، فإن كان ظهور الرجحان في طرف السيئات، فيزداد حزنه وخوفه في الموقف.
أي: فمن رجحت موازين أعماله بالإيمان وكثرت الحسنات.. فأولئك هم الفائزون بالنجاة من العذاب، والحائزون للنعيم في دار الثواب
٩ - ﴿وَمَنْ خَفَّتْ﴾ ونقصت ﴿مَوازِينُهُ﴾؛ أي: حسناته، أو موازين أعماله الحسنة بسبب الكفر وكثرة المعاصي ﴿فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا﴾ وغبنوا ﴿أَنْفُسَهُمْ﴾ وحرموها سعادتها، وحظوظها من جزيل ثواب الله تعالى وكرامته ﴿بـ﴾ سبب ﴿ما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ﴾؛ أي: يجحدون؛ أي: بسبب كفرهم وجحودهم، وتكذيبهم بمحمد ﷺ وبالقرآن؛ وهم الكفار، يعني (٢): سبب ذلك الخسران أنهم كانوا بحجج الله وأدلة توحيده يجحدون ولا يقرون بها.
والمعنى: ومن خفت موازين أعماله بسبب خفة الحسنات في الميزان أو بسبب الأعمال التي لا اعتداد بها في الوزن، أو بسبب كفره وكثرة ما اجترح من السيئات.. فأولئك الموصوفون بخفة الموازين هم الذين خسروا أنفسهم بسبب تكذيبهم بآياتنا؛ إذ حرموها السعادة التي كانت مستعدة لها لو لم يفسدوا فطرتها بالكفر والمعاصي، وإصرارهم على ذلك إلى نهاية أعمارهم.
والخلاصة (٣): أن المؤمنين على تفاوت درجاتهم في الأعمال هم المفلحون، فمن مات مؤمنا فهو مفلح، وإن عذب على بعض ذنوبه بمقدارها، وإن الكافرين على تفاوت دركاتهم هم في خسران عظيم، وهناك فريق ثالث استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهم أصحاب الأعراف، وسيأتي ذكرهم بعد.
والحكمة في وضع ذلك الميزان (٤): أن يظهر ذلك الرجحان لأهل الموقف، فإن كان ظهور الرجحان في طرف الحسنات ازداد سروره بسبب ظهور فضله، وكمال درجته لأهل الموقف، فإن كان ظهور الرجحان في طرف السيئات، فيزداد حزنه وخوفه في الموقف.
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٤) المراح.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٤) المراح.
219
ثم اختلفوا في كيفية ذلك الرجحان، فبعضهم قال: يظهر هناك نور في رجحان الحسنات، وظلمة في رجحان السيئات. وآخرون قالوا: بل يظهر رجحان في الكفة.
قال العلماء: الناس في الآخرة ثلاث طبقات: متقون لا كبائر لهم، وكفار، ومخلّطون وهم الذين يأتون الكبائر:
فأما المتقون: فإن حسناتهم توضع في الكفة النيرة، وصغائرهم لا يجعل الله لها وزنا، بل تكفر صغائرهم باجتنابهم الكبائر، وتثقل الكفة النيرة، ويؤمر بهم إلى الجنة، ويثاب كل واحد منهم بقدر حسناته.
وأما الكافر: فإنه يوضع كفره في الكفة المظلمة، ولا توجد له حسنة توضع في الكفة الأخرى، فتبقى فارغة، فيأمر الله تعالى بهم إلى النار، ويعذب كل واحد منهم بقدر أوزاره.
وأما الذين خلطوا: فحسناتهم توضع في الكفة النيرة، وسيئاتهم في الكفة المظلمة، فيكون لكبائرهم ثقل، فإن كانت الحسنات أثقل، ولو بصوأبة دخل الجنة، وإن كانت السيئات أثقل ولو بصوأبة دخل النار إلا أن يعفو الله، وإن تساويا كان من أصحاب الأعراف. هذا إن كانت الكبائر فيما بينه وبين الله، وأما إن كان عليه تبعات، وكانت له حسنات كثيرة جدا، فإنه يؤخذ من حسناته فيرد على المظلوم، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم، فيحمل على الظالم من أوزار من ظلمه، ثم يعذب على الجميع.
قال أبو إسحاق الزجاج (١): أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان ويميل بالأعمال.
وقال القرطبي: التي توزن هي الصحائف التي تكتب فيها الأعمال، والحق أن التي توزن هي الأعمال. فقد أخرج أبو داود والترمذي عن جابر مرفوعا: «توضع الموازين يوم القيامة، فتوزن الحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على
قال العلماء: الناس في الآخرة ثلاث طبقات: متقون لا كبائر لهم، وكفار، ومخلّطون وهم الذين يأتون الكبائر:
فأما المتقون: فإن حسناتهم توضع في الكفة النيرة، وصغائرهم لا يجعل الله لها وزنا، بل تكفر صغائرهم باجتنابهم الكبائر، وتثقل الكفة النيرة، ويؤمر بهم إلى الجنة، ويثاب كل واحد منهم بقدر حسناته.
وأما الكافر: فإنه يوضع كفره في الكفة المظلمة، ولا توجد له حسنة توضع في الكفة الأخرى، فتبقى فارغة، فيأمر الله تعالى بهم إلى النار، ويعذب كل واحد منهم بقدر أوزاره.
وأما الذين خلطوا: فحسناتهم توضع في الكفة النيرة، وسيئاتهم في الكفة المظلمة، فيكون لكبائرهم ثقل، فإن كانت الحسنات أثقل، ولو بصوأبة دخل الجنة، وإن كانت السيئات أثقل ولو بصوأبة دخل النار إلا أن يعفو الله، وإن تساويا كان من أصحاب الأعراف. هذا إن كانت الكبائر فيما بينه وبين الله، وأما إن كان عليه تبعات، وكانت له حسنات كثيرة جدا، فإنه يؤخذ من حسناته فيرد على المظلوم، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم، فيحمل على الظالم من أوزار من ظلمه، ثم يعذب على الجميع.
قال أبو إسحاق الزجاج (١): أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان، وأن أعمال العباد توزن يوم القيامة، وأن الميزان له لسان وكفتان ويميل بالأعمال.
وقال القرطبي: التي توزن هي الصحائف التي تكتب فيها الأعمال، والحق أن التي توزن هي الأعمال. فقد أخرج أبو داود والترمذي عن جابر مرفوعا: «توضع الموازين يوم القيامة، فتوزن الحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على
(١) المراغي.
220
سيئاته مثقال حبة دخل الجنة، ومن رجحت سيئاته على حسناته مثقال حبة دخل النار». قيل: ومن استوت حسناته وسيئاته قال: أولئك أصحاب الأعراف.
والذي (١) عليه المعول في الإيمان بعالم الغيب أن كل ما ثبت من أخباره في الكتاب والسنة؛ فهو حق لا ريب فيه، فنؤمن به ولا نحكم رأينا في كيفيته، فنؤمن بأن في الآخرة وزنا للأعمال بميزان يليق بعالم الآخرة توزن به الأعمال، والإيمان، والأخلاق، ولا نبحث عن صورته وكيفيته.
١٠ - ﴿وَ﴾ عزتي وجلالي ﴿لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ﴾ يا بني آدم ﴿فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: جعلنا لكم في الأرض مكانا وقرارا، وأقدرناكم على الصرف فيها بالزراعة والغراس والبناء. وقال البيضاوي: أي مكناكم من سكناها وزرعها، والتصرف فيها ﴿وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها﴾؛ أي: في الأرض ﴿مَعايِشَ﴾ جمع معيشة، وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرها؛ أي: جعلنا لكم فيها أسبابا تعيشون بها أيام حياتكم مما تأكلون وتشربون وتلبسون ﴿قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ الله تعالى؛ أي: تشكرون شكرا قليلا؛ أي: قلة على هذا الفضل والإنعام بالتمكين والجعل المذكورين.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿مَعايِشَ﴾ - بالياء - وهو القياس؛ لأن الياء في المفرد هي أصل لا زائدة، فتهمز، وإنما تهمز الزائدة نحو صحائف في صحيفة. وقرأ الأعرج وزيد بن علي والأعمش وخارجة عن نافع وابن عامر في رواية: ﴿معائش﴾ - بالهمز - وليس بالقياس، لكنهم رووه وهم ثقات، فوجب قبوله، وشذ هذا الهمز كما شذ في منائر جمع منارة، وأصلها منورة، وكان القياس مناور.
والمعنى (٣): وعزتي وجلالي لقد جعلنا لكم يا بني آدم في الأرض أوطانا تتبؤونها وتستقرون فيها، وجعلنا لكم فيها معايش تعيشون بها أيام حياتكم من مطاعم ومشارب نعمة مني عليكم، وإحسانا مني إليكم، وأنشأنا لكم فيها ضروبا شتى من المنافع التي تعيشون بها عيشة راضية من نبات وأنعام، وطير وسمك، ومياه عذبة وأشربة مختلفة الطعوم والروائح، ووسائل مختلفة للتنقل والارتحال
والذي (١) عليه المعول في الإيمان بعالم الغيب أن كل ما ثبت من أخباره في الكتاب والسنة؛ فهو حق لا ريب فيه، فنؤمن به ولا نحكم رأينا في كيفيته، فنؤمن بأن في الآخرة وزنا للأعمال بميزان يليق بعالم الآخرة توزن به الأعمال، والإيمان، والأخلاق، ولا نبحث عن صورته وكيفيته.
١٠ - ﴿وَ﴾ عزتي وجلالي ﴿لَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ﴾ يا بني آدم ﴿فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: جعلنا لكم في الأرض مكانا وقرارا، وأقدرناكم على الصرف فيها بالزراعة والغراس والبناء. وقال البيضاوي: أي مكناكم من سكناها وزرعها، والتصرف فيها ﴿وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها﴾؛ أي: في الأرض ﴿مَعايِشَ﴾ جمع معيشة، وهي ما يعاش به من المطاعم والمشارب وغيرها؛ أي: جعلنا لكم فيها أسبابا تعيشون بها أيام حياتكم مما تأكلون وتشربون وتلبسون ﴿قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾ الله تعالى؛ أي: تشكرون شكرا قليلا؛ أي: قلة على هذا الفضل والإنعام بالتمكين والجعل المذكورين.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿مَعايِشَ﴾ - بالياء - وهو القياس؛ لأن الياء في المفرد هي أصل لا زائدة، فتهمز، وإنما تهمز الزائدة نحو صحائف في صحيفة. وقرأ الأعرج وزيد بن علي والأعمش وخارجة عن نافع وابن عامر في رواية: ﴿معائش﴾ - بالهمز - وليس بالقياس، لكنهم رووه وهم ثقات، فوجب قبوله، وشذ هذا الهمز كما شذ في منائر جمع منارة، وأصلها منورة، وكان القياس مناور.
والمعنى (٣): وعزتي وجلالي لقد جعلنا لكم يا بني آدم في الأرض أوطانا تتبؤونها وتستقرون فيها، وجعلنا لكم فيها معايش تعيشون بها أيام حياتكم من مطاعم ومشارب نعمة مني عليكم، وإحسانا مني إليكم، وأنشأنا لكم فيها ضروبا شتى من المنافع التي تعيشون بها عيشة راضية من نبات وأنعام، وطير وسمك، ومياه عذبة وأشربة مختلفة الطعوم والروائح، ووسائل مختلفة للتنقل والارتحال
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
من جهة إلى أخرى، تتقدم بتقدم العلم والاختراع من طيارات وسيارات، وقطر برية، وبواخر وسفن بحرية، وسبل متعددة لمداواة المرضى بالعقاقير المختلفة على يد نطس الأطباء إلى نحو ذلك، وكل ذلك يقتضي منكم الشكر الكثير، ولكن الشكر من العباد قليل كما قال: ﴿وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ﴾ ومن ثم عقب هذا بقوله: ﴿قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ﴾؛ أي: وأنتم قليلوا الشكر على هذه النعم التي أنعمت بها عليكم لا كثيروه كثرة تناسب كثرة الانتفاع بها، فقد عبدتم سواي واتخذتم الأولياء والشفعاء من دوني.
وشكر النعمة يكون بمعرفة المنعم بها، ثم حمده والثناء عليه بما هو له أهل، ثم التصرف فيها بما يحبه ويرضاه وتحقيق الأغراض التي أسداها لأجلها، فهذه النعم المعيشة ما خلقت إلا لحفظ الحياة الروحية التي بها تزكو النفس، وتستعد للحياة الأخرى الأبدية التي فيها النعيم المقيم، والسعادة المستقرة إلى غير نهاية.
وبالجملة: فنعم الله على الإنسان كثيرة، فلا إنسان إلا ويشكر الله تعالى في بعض الأوقات على نعمه، وإنما التفاوت في أن بعضهم يكون كثير الشكر، وبعضهم يكون قليل الشكر.
١١ - وقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ...﴾ إلخ. تذكير (١) لنعمة عظيمة على آدم سارية إلى ذريته موجبة لشكرهم كافة؛ أي: وعزتي وجلالي لقد خلقنا أباكم آدم، وأوجدناه من العدم حين كان طينا غير مصور ﴿ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾؛ أي: ثم بعد خلقه صورناه حين كان بشرا بتخطيطه وشق حواسه، فالكلام على حذف مضاف كما قدرناه، فالخطاب لبني آدم، والمراد أبوهم، فهو من باب الخطاب لشخص مرادا به غيره. وقيل: الخطاب لآدم، فكأنه قال: ولقد خلقناك يا آدم، ثم صورناك، وإنما خاطبه بصيغة الجمع، وهو واحد تعظيما له، ولأنه أصل الجميع.
والمعنى: ولقد خلقنا مادة هذا النوع الإنساني من الصلصال والحماء المسنون؛ أي: من الماء والطين اللازب، فمنه خلق الإنسان الأول، ثم جعلنا
وشكر النعمة يكون بمعرفة المنعم بها، ثم حمده والثناء عليه بما هو له أهل، ثم التصرف فيها بما يحبه ويرضاه وتحقيق الأغراض التي أسداها لأجلها، فهذه النعم المعيشة ما خلقت إلا لحفظ الحياة الروحية التي بها تزكو النفس، وتستعد للحياة الأخرى الأبدية التي فيها النعيم المقيم، والسعادة المستقرة إلى غير نهاية.
وبالجملة: فنعم الله على الإنسان كثيرة، فلا إنسان إلا ويشكر الله تعالى في بعض الأوقات على نعمه، وإنما التفاوت في أن بعضهم يكون كثير الشكر، وبعضهم يكون قليل الشكر.
١١ - وقوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ...﴾ إلخ. تذكير (١) لنعمة عظيمة على آدم سارية إلى ذريته موجبة لشكرهم كافة؛ أي: وعزتي وجلالي لقد خلقنا أباكم آدم، وأوجدناه من العدم حين كان طينا غير مصور ﴿ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾؛ أي: ثم بعد خلقه صورناه حين كان بشرا بتخطيطه وشق حواسه، فالكلام على حذف مضاف كما قدرناه، فالخطاب لبني آدم، والمراد أبوهم، فهو من باب الخطاب لشخص مرادا به غيره. وقيل: الخطاب لآدم، فكأنه قال: ولقد خلقناك يا آدم، ثم صورناك، وإنما خاطبه بصيغة الجمع، وهو واحد تعظيما له، ولأنه أصل الجميع.
والمعنى: ولقد خلقنا مادة هذا النوع الإنساني من الصلصال والحماء المسنون؛ أي: من الماء والطين اللازب، فمنه خلق الإنسان الأول، ثم جعلنا
(١) أبو السعود.
من تلك المادة صورة بشر سوي قابل للحياة، وقد يكون المعنى: إنا قدرنا إيجادكم تقديرا، ثم صورنا مادتكم تصويرا، ذلك شامل لخلق آدم وخلق مجموع الناس إذ أن كل فرد يقدر الله خلقه، ثم يصور المادة التي يخلقه منها في بطن أمه.
﴿ثُمَّ﴾ بعد إكمال خلقه وتصويره ﴿قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾؛ أي: أمرنا الملائكة بالسجود لآدم تكريما له ولذريته سجود تحية وإكرام بالانحناء. فالمراد (١) به السجود اللغوي، وهو الانحناء، وقيل: إن السجود شرعي بوضع الجبهة على الأرض لله، وآدم قبلة كالكعبة ﴿فَسَجَدُوا﴾؛ أي: سجد الملائكة بعد الأمر؛ أي: سجد جميعهم لآدم، وذلك قبل دخول الجنة ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ أبا الجن كان مفردا مستورا بألوف من الملائكة متصفا بصفاتهم، فغلّبوا عليه في قوله: ﴿لِلْمَلائِكَةِ...﴾ الخ، وقيل: هو أبو الشياطين فرقة من الجن لم يؤمن منهم أحد؛ أي: سجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى وامتنع من السجود له تكبرا وعنادا، فالاستثناء منقطع ﴿لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ له؛ أي: ممن سجدوا له.
والمعنى: وبعد أن سويناه ونفخنا فيه من روحنا، وصار مستعدا لأن يكون خليفة في الأرض، وعلمناه الأسماء كلها.. قلنا لجماعة الملائكة: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾؛ أي: سجد الملائكة جميعا إلا إبليس أبى واستكبر، وهو من الجن لا منهم، وهذا السجود سجود تكريم وتعظيم من الله لآدم، لا سجود عبادة، فقد قامت الدلائل القاطعة على أنه لا معبود إلا الله وحده.
١٢ - ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى توبيخا للّعين ﴿ما مَنَعَكَ﴾ يا إبليس ﴿أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ بالسجود لآدم مع الملائكة؛ أي: أيّ شيء منعك من السجود لآدم حين أمرتك بالسجود له؟ فعلى (٢) هذا التأويل تكون ﴿لا﴾ زائدة في قوله: ﴿أَلَّا تَسْجُدَ﴾ كما في قوله تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾؛ أي: أقسم زيدت لتأكيد معنى النفي في منعك بدليل قوله في سورة ص: ﴿ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾ بحذفها، وهو الأصل؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، فيصير المعنى؛ أي شيء منعك من امتثال أمري،
﴿ثُمَّ﴾ بعد إكمال خلقه وتصويره ﴿قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾؛ أي: أمرنا الملائكة بالسجود لآدم تكريما له ولذريته سجود تحية وإكرام بالانحناء. فالمراد (١) به السجود اللغوي، وهو الانحناء، وقيل: إن السجود شرعي بوضع الجبهة على الأرض لله، وآدم قبلة كالكعبة ﴿فَسَجَدُوا﴾؛ أي: سجد الملائكة بعد الأمر؛ أي: سجد جميعهم لآدم، وذلك قبل دخول الجنة ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ أبا الجن كان مفردا مستورا بألوف من الملائكة متصفا بصفاتهم، فغلّبوا عليه في قوله: ﴿لِلْمَلائِكَةِ...﴾ الخ، وقيل: هو أبو الشياطين فرقة من الجن لم يؤمن منهم أحد؛ أي: سجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس أبى وامتنع من السجود له تكبرا وعنادا، فالاستثناء منقطع ﴿لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ له؛ أي: ممن سجدوا له.
والمعنى: وبعد أن سويناه ونفخنا فيه من روحنا، وصار مستعدا لأن يكون خليفة في الأرض، وعلمناه الأسماء كلها.. قلنا لجماعة الملائكة: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾؛ أي: سجد الملائكة جميعا إلا إبليس أبى واستكبر، وهو من الجن لا منهم، وهذا السجود سجود تكريم وتعظيم من الله لآدم، لا سجود عبادة، فقد قامت الدلائل القاطعة على أنه لا معبود إلا الله وحده.
١٢ - ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى توبيخا للّعين ﴿ما مَنَعَكَ﴾ يا إبليس ﴿أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ بالسجود لآدم مع الملائكة؛ أي: أيّ شيء منعك من السجود لآدم حين أمرتك بالسجود له؟ فعلى (٢) هذا التأويل تكون ﴿لا﴾ زائدة في قوله: ﴿أَلَّا تَسْجُدَ﴾ كما في قوله تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾؛ أي: أقسم زيدت لتأكيد معنى النفي في منعك بدليل قوله في سورة ص: ﴿ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ﴾ بحذفها، وهو الأصل؛ لأن القرآن يفسر بعضه بعضا، فيصير المعنى؛ أي شيء منعك من امتثال أمري،
(١) الصاوي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
223
فرفضت أن تسجد لآدم مع الساجدين؟ وهذا قول الكسائي والفراء والزجاج. وقد تكون ﴿لا﴾ غير زائدة، والمنع بمعنى الحمل والاضطرار، وعليه فالمعنى: ما حملك واضطرك ودعاك إلى أن لا تسجد.
وخلاصة ذلك: أي شيء عرض لك، فحملك على أن لا تكون مع الملائكة في امتثال أمري؟ وقال ابن (١) كثير: واختار ابن جرير أن ﴿مَنَعَكَ﴾ مضمن معنى فعل آخر تقديره: ما أحوجك وألزمك واضطرك أن لا تسجد إذ أمرتك، وهذا القول قوي حسن، لأنه (٢) لا يجوز أن يقال: إن كلمة من كتاب الله تعالى زائدة أو لا معنى لها.
﴿قالَ﴾ اللعين الخبيث مجيبا للمولى عما سأله عنه ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾؛ أي: إنما لم أسجد لآدم؛ لأني أنا خير وأفضل من آدم وأشرف منه، فكيف يسجد الفاضل ويعظم المفضول ولو أمره ربه؟ وإنما (٣) قال في الجواب: أنا خير منه، ولم يقل منعني كذا؛ لأنّ في هذه الجملة التي جاء بها مستأنفة ما يدل على المانع، وهو اعتقاده أنه أفضل منه، والفاضل لا يفعل مثل ذلك للمفضول مع ما تفيده هذه الجملة من إنكار أن يؤمر مثله بالسجود لمثله، ثم علل ما ادعاه من الخيرية بقوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ﴾؛ أي: وإنما كنت خيرا منه؛ لأنني خلقتني من نار نورانية، فهي أغلب أجزائي ﴿وَخَلَقْتَهُ﴾؛ أي: وخلقت آدم ﴿مِنْ طِينٍ﴾ ظلماني، وهو أغلب أجزائه، فالنار أفضل من الطين؛ لأن النار مشرقة علوية لطيفة يابسة، مجاورة لجواهر السموات، والطين مظلم سفلي كثيف بعيد عن مجاورة السموات، والمخلوق من الأفضل أفضل.
وقد أخطأ إبليس اللعين طريق الصواب، فإن عنصر الطين أفضل من عنصر النار من جهة رزانته وسكونه وطول بقائه، والنار خفيفة مضطربة سريعة النفاد، ومع هذا فهو موجود في الجنة دونها، وهي عذاب دونه، وهي محتاجة إليه لتتحيز فيه، وهو مسجد وطهور، وهو سبب للحياة من إنبات النبات، وهي سبب لهلاك الأشياء، وهو سبب جمع الأشياء، وهي سبب تفريقها، ولولا سبق شقاوته
وخلاصة ذلك: أي شيء عرض لك، فحملك على أن لا تكون مع الملائكة في امتثال أمري؟ وقال ابن (١) كثير: واختار ابن جرير أن ﴿مَنَعَكَ﴾ مضمن معنى فعل آخر تقديره: ما أحوجك وألزمك واضطرك أن لا تسجد إذ أمرتك، وهذا القول قوي حسن، لأنه (٢) لا يجوز أن يقال: إن كلمة من كتاب الله تعالى زائدة أو لا معنى لها.
﴿قالَ﴾ اللعين الخبيث مجيبا للمولى عما سأله عنه ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾؛ أي: إنما لم أسجد لآدم؛ لأني أنا خير وأفضل من آدم وأشرف منه، فكيف يسجد الفاضل ويعظم المفضول ولو أمره ربه؟ وإنما (٣) قال في الجواب: أنا خير منه، ولم يقل منعني كذا؛ لأنّ في هذه الجملة التي جاء بها مستأنفة ما يدل على المانع، وهو اعتقاده أنه أفضل منه، والفاضل لا يفعل مثل ذلك للمفضول مع ما تفيده هذه الجملة من إنكار أن يؤمر مثله بالسجود لمثله، ثم علل ما ادعاه من الخيرية بقوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ﴾؛ أي: وإنما كنت خيرا منه؛ لأنني خلقتني من نار نورانية، فهي أغلب أجزائي ﴿وَخَلَقْتَهُ﴾؛ أي: وخلقت آدم ﴿مِنْ طِينٍ﴾ ظلماني، وهو أغلب أجزائه، فالنار أفضل من الطين؛ لأن النار مشرقة علوية لطيفة يابسة، مجاورة لجواهر السموات، والطين مظلم سفلي كثيف بعيد عن مجاورة السموات، والمخلوق من الأفضل أفضل.
وقد أخطأ إبليس اللعين طريق الصواب، فإن عنصر الطين أفضل من عنصر النار من جهة رزانته وسكونه وطول بقائه، والنار خفيفة مضطربة سريعة النفاد، ومع هذا فهو موجود في الجنة دونها، وهي عذاب دونه، وهي محتاجة إليه لتتحيز فيه، وهو مسجد وطهور، وهو سبب للحياة من إنبات النبات، وهي سبب لهلاك الأشياء، وهو سبب جمع الأشياء، وهي سبب تفريقها، ولولا سبق شقاوته
(١) ابن كثير.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٣) الشوكاني.
224
وصدق كلمة الله عليه.. لكان له بالملائكة المطيعين لهذا الأمر أسوة وقدوة، فعنصرهم النوري أشرف من عنصره الناري، ومع ذلك سجدوا طاعة لربهم.
ولا شك (١) أن في جوابه هذا ضروبا من الجهالة، وأنواعا من الفسوق والعصيان، تتجلى وتتضح لك فيما يلي:
١ - اعتراضه على مولاه وخالقه بما تضمنه جوابه.
٢ - احتجاجه عليه بما يؤيد به اعتراضه، والمؤمن المذعن لأمر ربه يعلم أن لله الحجة البالغة والحكمة الكاملة فيما يفعل، ويأمر وينهى.
٣ - أنه جعل امتثال الأمر موقوفا على استحسانه له، وموافقته لهواه، وهذا رفض لطاعة الخالق، وترفع عن مرتبة العبودية، والمرؤوس في الدنيا إذا لم يطع أمر الرئيس إلا فيما يوافق هواه.. صار الأمر فوضى، والعاقبة وخيمة. فلا يصح عمل، ولا يتم الفوز والنجاج.
وقد روى أبو نعيم في «الحلية» عن جعفر الصادق أن رسول الله ﷺ قال:
«أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله تعالى له: اسجد لآدم. قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين». قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قربه الله يوم القيامة بإبليس.
٤ - استدلاله على خيريته بالمادة التي منها التكوين، وخيرية المواد بعضها على بعض أمور اعتبارية تختلف فيها الآراء، ولا تثبت بالبرهان إلى أن كثيرا من المواد النفسية خسيسة الأصل، ألا ترى أن أصل المسك الدم؛ وهو أطيب الطيب إلى أن الملائكة خلقوا من النور، وهو قد خلق من النار، والنور خير من النار، وهم قد سجدوا امتثالا لأمر ربهم.
٥ - أن جميع الأحياء النباتية والحيوانية التي في هذه الأرض إما من الطين مباشرة، أو بالواسطة، وهي خير ما فيها، وليس للنار شيء من هذه المزايا ولا ما يقرب منها.
ولا شك (١) أن في جوابه هذا ضروبا من الجهالة، وأنواعا من الفسوق والعصيان، تتجلى وتتضح لك فيما يلي:
١ - اعتراضه على مولاه وخالقه بما تضمنه جوابه.
٢ - احتجاجه عليه بما يؤيد به اعتراضه، والمؤمن المذعن لأمر ربه يعلم أن لله الحجة البالغة والحكمة الكاملة فيما يفعل، ويأمر وينهى.
٣ - أنه جعل امتثال الأمر موقوفا على استحسانه له، وموافقته لهواه، وهذا رفض لطاعة الخالق، وترفع عن مرتبة العبودية، والمرؤوس في الدنيا إذا لم يطع أمر الرئيس إلا فيما يوافق هواه.. صار الأمر فوضى، والعاقبة وخيمة. فلا يصح عمل، ولا يتم الفوز والنجاج.
وقد روى أبو نعيم في «الحلية» عن جعفر الصادق أن رسول الله ﷺ قال:
«أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس، قال الله تعالى له: اسجد لآدم. قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين». قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قربه الله يوم القيامة بإبليس.
٤ - استدلاله على خيريته بالمادة التي منها التكوين، وخيرية المواد بعضها على بعض أمور اعتبارية تختلف فيها الآراء، ولا تثبت بالبرهان إلى أن كثيرا من المواد النفسية خسيسة الأصل، ألا ترى أن أصل المسك الدم؛ وهو أطيب الطيب إلى أن الملائكة خلقوا من النور، وهو قد خلق من النار، والنور خير من النار، وهم قد سجدوا امتثالا لأمر ربهم.
٥ - أن جميع الأحياء النباتية والحيوانية التي في هذه الأرض إما من الطين مباشرة، أو بالواسطة، وهي خير ما فيها، وليس للنار شيء من هذه المزايا ولا ما يقرب منها.
(١) المراغي.
225
٦ - أنه قد جهل ما خص به آدم من استعداده العلمي والعملي أكثر من سواه، ومن تشريفه بأمر الملائكة بالسجود له، فكان بذلك أفضل منهم، وهم أفضل من إبليس بعنصر الخلقة وبالطاعة لربهم، وكل ما قدمنا مبني على أن الأمر بالسجود أمر تكليف، وأنه قد وقع حوار بين الله وإبليس، ويرى كثير من العلماء أن القصة بيان لغرائز البشر والملائكة والشيطان؛ إذ جعل الملائكة - وهم المدبرون لأمور الأرض بإذن ربهم - مسخرين لآدم وذريته، وجعل هذا النوع الإنساني مستعدا للانتفاع بالأرض كلها بعلمه بسنن الله فيها وعمله بهذه السنن، فالانتفاع بمائها وهوائها، ومعادنها ونباتها وحيوانها، وكهربائها ونورها، وبذلك ظهرت حكمة الله وآياته فيها كما اصطفى بعض أفراده، وخصهم بوحيه ورسالته، وجعلهم مبشرين بدينه وهديه، وجعل الشيطان عاصيا متمردا على الإنسان وعدوا له، وجعل النفوس البشرية وسطا بين النفوس الملكية المفطورة على طاعة الله تعالى، وإقامة سننه في صلاح الخلق، وبين روح الجن الذي يغلب على شرارهم - وهم الشياطين - التمرد والعصيان، كما أنه آتى الإنسان إرادة واختيارا وإن شاء صعد إلى أفق الملائكة، وإن أراد هبط إلى أفق الشيطان.
فائدة: قال هنا (١): ﴿ما مَنَعَكَ﴾ وفي سورة الحجر: ﴿قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ وفي سورة ص: ﴿ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ..﴾ الآية. اختلاف العبارات عند الحكاية: دل على أن اللعين قد أدرج في معصية واحدة ثلاث معاص: مخالفة الأمر، ومفارقة الجماعة، والاستكبار مع تحقير آدم. وقد وبخ على كل واحدة منها، لكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه: اكتفاء بما ذكر في موطن آخر، وقد تركت حكاية التوبيخ رأسا في سورة البقرة والإسراء والكهف وطه اهـ «أبو السعود» انتهت.
١٣ - ﴿قالَ﴾ المولى سبحانه وتعالى للعين عليه لعائن الله ﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾؛ أي (٢): بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي اهبط وانزل من الجنة، وقيل: من
فائدة: قال هنا (١): ﴿ما مَنَعَكَ﴾ وفي سورة الحجر: ﴿قالَ يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ﴾ وفي سورة ص: ﴿ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ..﴾ الآية. اختلاف العبارات عند الحكاية: دل على أن اللعين قد أدرج في معصية واحدة ثلاث معاص: مخالفة الأمر، ومفارقة الجماعة، والاستكبار مع تحقير آدم. وقد وبخ على كل واحدة منها، لكن اقتصر عند الحكاية في كل موطن على ما ذكر فيه: اكتفاء بما ذكر في موطن آخر، وقد تركت حكاية التوبيخ رأسا في سورة البقرة والإسراء والكهف وطه اهـ «أبو السعود» انتهت.
١٣ - ﴿قالَ﴾ المولى سبحانه وتعالى للعين عليه لعائن الله ﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾؛ أي (٢): بسبب عصيانك لأمري وخروجك عن طاعتي اهبط وانزل من الجنة، وقيل: من
(١) الصاوي.
(٢) ابن كثير.
(٢) ابن كثير.
السموات إلى الأرض. والهبوط (١): الإنزال والانحدار من فوق على سبيل القهر والهوان والاستخفاف ﴿فَما يَكُونُ لَكَ﴾؛ أي: فما ينبغي لك ويليق بك ﴿أَنْ تَتَكَبَّرَ﴾ وتتعظم وتعصي ﴿فِيها﴾؛ أي: في الجنة، أو في السموات، فإنها (٢) مكان الخاشع والمطيع، وفيه تنبيه على أن التكبر لا يليق بأهل الجنة، وأنه سبحانه وتعالى إنما طرده وأهبطه؛ لتكبره لا لمجرد عصيانه. وقال الخازن: يعني: فليس لك أن تتكبر في الجنة عن أمري وطاعتي؛ لأنه لا ينبغي أن يسكن في الجنة، أو في السماء متكبر مخالف لأمر الله عز وجل، فأما غير الجنة والسماء.. فقد يسكنها المتكبر عن طاعة الله تعالى، وهم الكفار الساكنون في الأرض. وجملة قوله: ﴿فَاخْرُجْ﴾ لتأكيد الأمر بالهبوط. وجملة قوله: ﴿إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ تعليل للأمر بالخروج؛ أي: فاخرج يا إبليس من الجنة، أو من السموات إنك يا لعين من الصاغرين؛ أي: من المهانين الذليلين بالعقوبة. وقال النسفي: أي (٣) من أهل الصغار والهوان على الله، وعلى أوليائه يذمك كل إنسان، ويلعنك كل لسان؛ لتكبرك، وبه علم أن الصغار لازم للاستكبار، وهكذا كل من تردى برداء الاستكبار.. عوقب بلبس رداء الهوان والصغار، ومن لبس رداء التواضع.. ألبسه الله رداء الترفع. وفي الحديث: «من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر وضعه الله».
١٤ - ﴿قالَ﴾ اللعين عند أمر المولى له بالخروج ﴿أَنْظِرْنِي﴾؛ أي: أجلني وأمهلني وأخرني، فلا تمتني، أو لا تعجل عقوبتي ﴿إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: قال رب أمهلني إلى يوم يبعث فيه آدم وذريته من قبورهم، فأكون أنا وذريتي أحياء ما داموا أحياء، وأشهد انقراضهم وبعثهم، وهو يوم النفخة الثانية عند قيام الساعة، ولا موت حينئذ؛ لأن الموت قد تم عند النفخة الأولى، فغرضه الفرار من الموت، والنجاة من ذوق مرارته، فطلب البقاء والخلود، فلم يجب إلى ما سأل، بل غاية ما أمهله الله تعالى إلى النفخة الأولى
١٥ - ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى في جواب سؤاله: ﴿إِنَّكَ﴾ يا إبليس ﴿مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾؛ أي: من المؤجلين والمؤخرين
١٤ - ﴿قالَ﴾ اللعين عند أمر المولى له بالخروج ﴿أَنْظِرْنِي﴾؛ أي: أجلني وأمهلني وأخرني، فلا تمتني، أو لا تعجل عقوبتي ﴿إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾؛ أي: قال رب أمهلني إلى يوم يبعث فيه آدم وذريته من قبورهم، فأكون أنا وذريتي أحياء ما داموا أحياء، وأشهد انقراضهم وبعثهم، وهو يوم النفخة الثانية عند قيام الساعة، ولا موت حينئذ؛ لأن الموت قد تم عند النفخة الأولى، فغرضه الفرار من الموت، والنجاة من ذوق مرارته، فطلب البقاء والخلود، فلم يجب إلى ما سأل، بل غاية ما أمهله الله تعالى إلى النفخة الأولى
١٥ - ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى في جواب سؤاله: ﴿إِنَّكَ﴾ يا إبليس ﴿مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾؛ أي: من المؤجلين والمؤخرين
(١) الخازن.
(٢) البيضاوي.
(٣) النسفي.
(٢) البيضاوي.
(٣) النسفي.
والممهلين إلى يوم النفخة الأولى حين يموت الخلائق كلهم بدليل قوله تعالى في سورة الحجر: ﴿فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٣٧) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (٣٨)﴾ وهو وقت النفخة الأولى، والموت حينئذ ممكن فيموت كغيره.
والخلاصة: أن إبليس يموت عقب النخفة الأولى التي يتلوها خراب هذه الأرض كما قال في سورة الحاقة: ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤)﴾ ولا يبقى إلى يوم البعث.
١٦ - ﴿قالَ﴾ إبليس اللعين ﴿فَبِما أَغْوَيْتَنِي﴾ وأضللتني؛ أي: فبسبب إغوائك وإضلالك إياي يا رب؛ لأجل آدم وذريته أقسم لك بقولي: ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾؛ أي: لأجلسن مترصدا ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لآدم وذريته ﴿صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾؛ أي: على طريقك الحق الموصل لهم إلى الجنة مترصدا لهم كما يقعد القطاع على الطريق انتهابا للمارة. قال في «الجمل»: فغرض (١) إبليس اللعين بهذا أخذ ثأره منهم؛ لأنه لما طرد ومقت بسببهم على ما تقدم.. أحب أن ينتقم منهم أخذا بالثأر. وفي «السمين»: والمعنى: فبسبب وقوعي في الغيّ لأجتهدن في غوايتهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسببهم.
والمعنى: فبسبب إغوائك إياي لأجلهم؛ لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم، فأصدنهم عنه وأقطعنه عليهم بأن أزين لهم طرقا أخرى أشرعها لهم من جوانب هذا الطريق حتى يضلوا عنه، وهذا ما عناه سبحانه بقوله:
١٧ - ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: لأشككنهم (٢) في الآخرة بأن لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ؛﴾ أي: لأرغبنهم في الدنيا، وأزيننها لهم بأنها لا تفنى، وآمرنهم بالجمع لها، والمنع والبخل والفساد ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾؛ أي: ولأشبّهنّ عليهم أمر دينهم وأمنعنهم من الحسنات ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾؛ أي: ولأزينن لهم المعاصي، وآمرنهم بالسيئات، قال الطبري: معناه: لآتينهم (٣) من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدنهم عن الحق، وأحسنن لهم الباطل. قال ابن عباس: ولا
والخلاصة: أن إبليس يموت عقب النخفة الأولى التي يتلوها خراب هذه الأرض كما قال في سورة الحاقة: ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤)﴾ ولا يبقى إلى يوم البعث.
١٦ - ﴿قالَ﴾ إبليس اللعين ﴿فَبِما أَغْوَيْتَنِي﴾ وأضللتني؛ أي: فبسبب إغوائك وإضلالك إياي يا رب؛ لأجل آدم وذريته أقسم لك بقولي: ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾؛ أي: لأجلسن مترصدا ﴿لَهُمْ﴾؛ أي: لآدم وذريته ﴿صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾؛ أي: على طريقك الحق الموصل لهم إلى الجنة مترصدا لهم كما يقعد القطاع على الطريق انتهابا للمارة. قال في «الجمل»: فغرض (١) إبليس اللعين بهذا أخذ ثأره منهم؛ لأنه لما طرد ومقت بسببهم على ما تقدم.. أحب أن ينتقم منهم أخذا بالثأر. وفي «السمين»: والمعنى: فبسبب وقوعي في الغيّ لأجتهدن في غوايتهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسببهم.
والمعنى: فبسبب إغوائك إياي لأجلهم؛ لأقعدنّ لهم على صراطك المستقيم، فأصدنهم عنه وأقطعنه عليهم بأن أزين لهم طرقا أخرى أشرعها لهم من جوانب هذا الطريق حتى يضلوا عنه، وهذا ما عناه سبحانه بقوله:
١٧ - ﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾؛ أي: لأشككنهم (٢) في الآخرة بأن لا بعث ولا حساب، ولا جنة ولا نار ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ؛﴾ أي: لأرغبنهم في الدنيا، وأزيننها لهم بأنها لا تفنى، وآمرنهم بالجمع لها، والمنع والبخل والفساد ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾؛ أي: ولأشبّهنّ عليهم أمر دينهم وأمنعنهم من الحسنات ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾؛ أي: ولأزينن لهم المعاصي، وآمرنهم بالسيئات، قال الطبري: معناه: لآتينهم (٣) من جميع وجوه الحق والباطل، فأصدنهم عن الحق، وأحسنن لهم الباطل. قال ابن عباس: ولا
(١) الفتوحات.
(٢) تنوير المقباس.
(٣) ابن جرير.
(٢) تنوير المقباس.
(٣) ابن جرير.
يستطيع أن يأتيهم من فوقهم؛ لئلا يحول بين العبد وبين رحمة الله تعالى. وقال النسفي: ولم يقل من فوقهم ومن تحتهم؛ لمكان الرحمة والسجدة وَلا تَجِدُ يا رب ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾؛ أي: أكثر بني آدم ﴿شاكِرِينَ﴾ لك على نعمك التي أنعمت بها عليهم في عقولهم ومشاعرهم ومعايشهم وفي كل ما يهديهم إلى تكميل فطرتهم من تعاليم رسلك لهم، بل الأقلون منهم هم الذين يتبعون ذلك، وقد قال إبليس ذلك عن ظن، فأصاب لقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠)﴾. وقيل: رآه في اللوح المحفوظ، وقيل: سمعه من الملائكة، وقيل: معنى ﴿شاكِرِينَ﴾ مطيعين لك، أو مؤمنين بك.
قال أبو حيان (١): والظاهر أن إتيانه من هذه الجهات الأربع كناية عن وسوسته وإغوائه له، والجد في إضلاله من كل وجه يمكن، ولما كانت هذه الجهات يأتي منها العدو غالبا ذكرها، لا أنه يأتي من الجهات الأربع حقيقة، وإنما خص بين الأيدي والخلف بحرف الابتداء الذي هو أمكن في الإتيان؛ لأنهما أغلب ما يجيء العدو منهما، فينال فرصته وقدم بين الأيدي على الخلف؛ لأنها الجهة التي تدل على إقدام العدو وبسالته في مواجهة قرنه غير خائف منه، والخلف من جهة غدر ومخاتلة، وجهالة القرن بمن يغتاله، ويتطلب غرته وغفلته، وخص الأيمان والشمائل بالحرف الذي يدل على المجاوزة؛ لأنهما ليستا بأغلب ما يأتي منهما العدو، وإنما يتجاوز إتيانه إلى الجهة التي هي أغلب في ذلك، وقدمت الأيمان على الشمائل؛ لأنها الجهة التي هي القوية في ملاقاة العدو، وبالأيمان البطش والدفع، فالقرن الذي يأتي من جهتها أبسل وأشجع إذ جاء من الجهة التي هي أقوى في الدفع والشمائل جهة ليست في القوة والدفع كالإيمان انتهى.
١٨ - ﴿قالَ﴾ سبحانه وتعالى لإبليس اللعين حين طرده عن بابه، وأبعده عن جنابه، وذلك بسبب مخالفته وعصيانه ﴿اخْرُجْ﴾ يا إبليس ﴿مِنْها﴾؛ أي: من الجنة،
قال أبو حيان (١): والظاهر أن إتيانه من هذه الجهات الأربع كناية عن وسوسته وإغوائه له، والجد في إضلاله من كل وجه يمكن، ولما كانت هذه الجهات يأتي منها العدو غالبا ذكرها، لا أنه يأتي من الجهات الأربع حقيقة، وإنما خص بين الأيدي والخلف بحرف الابتداء الذي هو أمكن في الإتيان؛ لأنهما أغلب ما يجيء العدو منهما، فينال فرصته وقدم بين الأيدي على الخلف؛ لأنها الجهة التي تدل على إقدام العدو وبسالته في مواجهة قرنه غير خائف منه، والخلف من جهة غدر ومخاتلة، وجهالة القرن بمن يغتاله، ويتطلب غرته وغفلته، وخص الأيمان والشمائل بالحرف الذي يدل على المجاوزة؛ لأنهما ليستا بأغلب ما يأتي منهما العدو، وإنما يتجاوز إتيانه إلى الجهة التي هي أغلب في ذلك، وقدمت الأيمان على الشمائل؛ لأنها الجهة التي هي القوية في ملاقاة العدو، وبالأيمان البطش والدفع، فالقرن الذي يأتي من جهتها أبسل وأشجع إذ جاء من الجهة التي هي أقوى في الدفع والشمائل جهة ليست في القوة والدفع كالإيمان انتهى.
١٨ - ﴿قالَ﴾ سبحانه وتعالى لإبليس اللعين حين طرده عن بابه، وأبعده عن جنابه، وذلك بسبب مخالفته وعصيانه ﴿اخْرُجْ﴾ يا إبليس ﴿مِنْها﴾؛ أي: من الجنة،
(١) البحر المحيط.
229
أو من السموات، فإنه لا ينبغي أن يسكن فيها العصاة حالة كونك ﴿مَذْؤُمًا﴾؛ أي: مذموما مبغوضا معيبا مهانا عند كل أحد. وفي «ابن كثير» قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ ما نعرف المذؤوم والمذموم إلا واحدا انتهى. وحالة كونك ﴿مَدْحُورًا﴾؛ أي: مطرودا مبعدا من رحمتي، والأمر بالخروج هنا تأكيد لقوله سابقا: ﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾ وتوطئة لما بعده وعزتي وجلالي ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ﴾ وأطاعك يا إبليس ﴿مِنْهُمْ﴾؛ أي؛ من بني آدم ومن الجن، فاللام موطئة للقسم، واللام في قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ﴾ للقسم أيضا مؤكدة للّام الأولى؛ أي: والله لأملان وادي جهنم ﴿مِنْكُمْ﴾؛ أي: منك ومنهم، فغلب ضمير الحاضر؛ لأنه رئيسهم، وقوله: ﴿أَجْمَعِينَ﴾ تأكيد لضمير المخاطبين، فهذا وعيد بالعذاب لكل من أطاع الشيطان، وترك طاعة الرحمن.
والمعنى: أقسم أن من يتبعك من بني آدم فيما تزينه له من الشرك والفجور، ويصدق ظنك عليه.. ليكونن معك في جهنم دار العذاب، ولأملأنها منك، وممن تبعك منهم أجمعين. وفي قوله: ﴿مِنْهُمْ﴾ إشارة إلى أن الملء يكون من بعضهم، فإن بعض من يتبعه في بعض المعاصي من المؤمنين الموحدين يغفر الله لهم، ويعفو عنهم، ونحو الآية قول في سورة ص: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.
وقرأ الزهري وأبو جعفر والأعمش (١): ﴿مذوما﴾ - بضم الذال من غير همز - فتحتمل هذه القراءة وجهين:
أحدهما - وهو الأظهر -: أن تكون من ذأم المهموز سهل، وحذفها وألقى حركتها على الذال.
والثاني: أن يكون من ذام يذيم - كباع يبيع - فأبدل الياء بواو كما قالوا: في مكيل مكول. وقرأ الجمهور: ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ﴾ - بفتح اللام - والظاهر أنها اللام الموطئة للقسم، و ﴿من﴾ شرطية في موضع رفع على الابتداء، وجواب الشرط
والمعنى: أقسم أن من يتبعك من بني آدم فيما تزينه له من الشرك والفجور، ويصدق ظنك عليه.. ليكونن معك في جهنم دار العذاب، ولأملأنها منك، وممن تبعك منهم أجمعين. وفي قوله: ﴿مِنْهُمْ﴾ إشارة إلى أن الملء يكون من بعضهم، فإن بعض من يتبعه في بعض المعاصي من المؤمنين الموحدين يغفر الله لهم، ويعفو عنهم، ونحو الآية قول في سورة ص: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾.
وقرأ الزهري وأبو جعفر والأعمش (١): ﴿مذوما﴾ - بضم الذال من غير همز - فتحتمل هذه القراءة وجهين:
أحدهما - وهو الأظهر -: أن تكون من ذأم المهموز سهل، وحذفها وألقى حركتها على الذال.
والثاني: أن يكون من ذام يذيم - كباع يبيع - فأبدل الياء بواو كما قالوا: في مكيل مكول. وقرأ الجمهور: ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ﴾ - بفتح اللام - والظاهر أنها اللام الموطئة للقسم، و ﴿من﴾ شرطية في موضع رفع على الابتداء، وجواب الشرط
(١) البحر المحيط.
230
محذوف يدل عليه جواب القسم المحذوف قبل اللام الموطئة، ويجوز أن تكون اللام لام الابتداء، و ﴿من﴾ موصولة، و ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾ جواب قسم محذوف بعد ﴿من تبعك﴾ وذلك القسم المحذوف، وجوابه في موضع رفع خبر ﴿من﴾ الموصولة. وقرأ الجحدري وعصمة عن أبي بكر عن عاصم ﴿لمن تبعك منهم﴾ - بكسر اللام - واختلفوا في تخريجها، فقال ابن عطية: المعنى: لأجل من تبعك منهم لأملأن انتهى. وقال الزمخشري: بمعنى: لمن تبعك منهم الوعيد، وهو قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ على أن ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾ في محل الابتداء، ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ﴾ خبره، وهذا خطأ. وقال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي: اللام متعلقة بالذأم والدحر، ومعناه: أخرج بهاتين الصفتين لأجل اتباعك. ذكر ذلك في كتاب «اللوامح في شواذ القراءات».
الإعراب
﴿المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)﴾.
﴿المص﴾ (١): تقدم لك في نظيره من الحروف المقطعة أنه لا يوصف بإعراب ولا بناء؛ لأن الحكم على الكلمة بالإعراب، أو البناء فرع عن إدراك المعنى، وليس معناه معلوما لنا هذا على القول بأنه مما استأثر الله بعلمه، وأما على القول بأنه اسم للسورة؛ فهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا المص، أو مبتدأ خبره: ﴿كِتابٌ أُنْزِلَ﴾ إلى آخر السورة، والجملة الاسمية مستأنفة، وعلى القول الأول ﴿كِتابٌ﴾ خبر لمبتدأ محذوف جوازا تقديره: هذا القرآن كتاب أنزل إليك، والجملة مستأنفة استئنافا نحويا. ﴿أُنْزِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿كِتابٌ﴾، والجملة الفعلية صفة لـ ﴿كِتابٌ﴾. ﴿إِلَيْكَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾. ﴿فَلا يَكُنْ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت يا محمد أن هذا القرآن كتاب أنزل إليك للإنذار به وللتذكير، وأردت بيان ما هو الأرشد والأصلح لك.. فأقول لك: ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾ لأنه لا بد من تبليغه، ﴿لا﴾: ناهية جازمة.
الإعراب
﴿المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)﴾.
﴿المص﴾ (١): تقدم لك في نظيره من الحروف المقطعة أنه لا يوصف بإعراب ولا بناء؛ لأن الحكم على الكلمة بالإعراب، أو البناء فرع عن إدراك المعنى، وليس معناه معلوما لنا هذا على القول بأنه مما استأثر الله بعلمه، وأما على القول بأنه اسم للسورة؛ فهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هذا المص، أو مبتدأ خبره: ﴿كِتابٌ أُنْزِلَ﴾ إلى آخر السورة، والجملة الاسمية مستأنفة، وعلى القول الأول ﴿كِتابٌ﴾ خبر لمبتدأ محذوف جوازا تقديره: هذا القرآن كتاب أنزل إليك، والجملة مستأنفة استئنافا نحويا. ﴿أُنْزِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿كِتابٌ﴾، والجملة الفعلية صفة لـ ﴿كِتابٌ﴾. ﴿إِلَيْكَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾. ﴿فَلا يَكُنْ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت يا محمد أن هذا القرآن كتاب أنزل إليك للإنذار به وللتذكير، وأردت بيان ما هو الأرشد والأصلح لك.. فأقول لك: ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ﴾ لأنه لا بد من تبليغه، ﴿لا﴾: ناهية جازمة.
231
﴿يَكُنْ﴾: فعل مضارع ناقص مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية. ﴿فِي صَدْرِكَ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم لـ ﴿يَكُنْ﴾. ﴿حَرَجٌ﴾: اسمها مؤخر. ﴿مِنْهُ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿حَرَجٌ﴾، والتقدير: فلا يكن حرج كائن منه كائنا في صدرك، وجملة ﴿يَكُنْ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة معترضة بين الجار والمجرور ومتعلقه لا محل لها من الإعراب. ﴿لِتُنْذِرَ﴾: ﴿اللام﴾: لام كي، ﴿تنذر﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمد. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تنذر﴾، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام المتعلقة بـ ﴿أُنْزِلَ﴾ تقديره: أنزل إليك لإنذارك به ﴿وَذِكْرى﴾: معطوف على المصدر المؤول من أن المصدرية، وفعلها مجرور بالكسرة المقدرة للتعذر تقديره: أنزل إليك للإنذار به وللتذكير، ويجوز (١) أن يكون مرفوعا عطفا على ﴿كِتابٌ﴾؛ أي: هذا كتاب وذكرى، أو على أنه خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: هو ذكرى للمؤمنين، وأن يكون منصوبا بفعل من لفظه تقديره: وتذكر به ذكرى؛ أي: تذكرة. ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ ﴿اللام﴾: إما زائدة في المفعول به تقوية له؛ لأن العامل فرع، والتقدير: وتذكر المؤمنين، وإما متعلقة بمحذوف صفة لـ ﴿ذِكْرى﴾ كما في «السمين»، ﴿المؤمنين﴾: مجرور باللام.
﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (٣)﴾.
﴿اتَّبِعُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿أُنْزِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها. ﴿إِلَيْكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾ أيضا، وتكون ﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية المجازية، أو متعلق بمحذوف حال؛ إما من الموصول، أو من عائده القائم مقام الفاعل. ﴿وَلا تَتَّبِعُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾:
﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ (٣)﴾.
﴿اتَّبِعُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿أُنْزِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها. ﴿إِلَيْكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿أُنْزِلَ﴾ أيضا، وتكون ﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية المجازية، أو متعلق بمحذوف حال؛ إما من الموصول، أو من عائده القائم مقام الفاعل. ﴿وَلا تَتَّبِعُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾:
(١) عمدة المعربين للشارح.
232
الناهية، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿اتَّبِعُوا﴾. ﴿مِنْ دُونِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿لا تَتَّبِعُوا﴾، أو متعلق بمحذوف حال من ﴿أَوْلِياءَ﴾ لأنه صفة نكرة قدمت عليه، وإليه ميل الزمخشري، لأنه قال في «تفسيره» أي: لا تتولوا من دونه أحدا من شياطين الإنس والجن؛ ليحملوكم على الأهواء والبدع. ﴿قَلِيلًا﴾: صفة لمصدر محذوف، أي: تذكرا قليلا تذكرون، أو صفة لظرف زمان محذوف أيضا؛ أي: زمانا قليلا تذكرون، فالمصدر، أو الظرف منصوب بالفعل بعده. و ﴿ما﴾: زائدة زيدت لتأكيد القلة. ﴿تَذَكَّرُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، أو في محل النصب حال من فاعل ﴿وَلا تَتَّبِعُوا﴾؛ أي: ولا تتبعوا من دونه أولياء حالة كونكم متذكرين قليلا؛ أي: غير متذكرين أصلا.
﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤)﴾.
﴿وَكَمْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَمْ﴾: خبرية بمعنى عدد كثير، ولم ترد في القرآن إلا خبرية في محل النصب مفعول مقدم وجوبا؛ لكونه مما يلزم الصدارة حملا على الاستفهامية لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعدها تقديره: وكم من قرية أهلكنا أهلكناها، أو في محل الرفع مبتدأ مبني على السكون لشبهها بالحرف شبها معنويا؛ لشبهها برب التكثيرية، أو لشبهها بالحرف شبها وضعيا. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿قَرْيَةٍ﴾: تمييز لـ ﴿كَمْ﴾ منصوب بها، وعلامة نصبه فتحة مقدرة. ﴿أَهْلَكْناها﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، أو جملة مفسرة للفعل المحذوف، والجملة الاسمية أو الفعلية المحذوفة مستأنفة. ﴿فَجاءَها﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وترتيب، ﴿جاءها﴾ فعل ومفعول. ﴿بَأْسُنا﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَهْلَكْناها﴾. ﴿بَياتًا﴾: حال من مفعول ﴿جاء﴾، ولكنه بعد تأويله بمشتق تقديره: حال كونهم بائتين. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتنويع. ﴿هُمْ قائِلُونَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب معطوفة على بياتا على كونها حالا من مفعول ﴿جاء﴾ تقديره: أو حالة كونهم قائلين.
﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥)﴾.
﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتًا أَوْ هُمْ قائِلُونَ (٤)﴾.
﴿وَكَمْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَمْ﴾: خبرية بمعنى عدد كثير، ولم ترد في القرآن إلا خبرية في محل النصب مفعول مقدم وجوبا؛ لكونه مما يلزم الصدارة حملا على الاستفهامية لفعل محذوف يفسره الفعل المذكور بعدها تقديره: وكم من قرية أهلكنا أهلكناها، أو في محل الرفع مبتدأ مبني على السكون لشبهها بالحرف شبها معنويا؛ لشبهها برب التكثيرية، أو لشبهها بالحرف شبها وضعيا. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿قَرْيَةٍ﴾: تمييز لـ ﴿كَمْ﴾ منصوب بها، وعلامة نصبه فتحة مقدرة. ﴿أَهْلَكْناها﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، أو جملة مفسرة للفعل المحذوف، والجملة الاسمية أو الفعلية المحذوفة مستأنفة. ﴿فَجاءَها﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وترتيب، ﴿جاءها﴾ فعل ومفعول. ﴿بَأْسُنا﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة معطوفة على جملة ﴿أَهْلَكْناها﴾. ﴿بَياتًا﴾: حال من مفعول ﴿جاء﴾، ولكنه بعد تأويله بمشتق تقديره: حال كونهم بائتين. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتنويع. ﴿هُمْ قائِلُونَ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب معطوفة على بياتا على كونها حالا من مفعول ﴿جاء﴾ تقديره: أو حالة كونهم قائلين.
﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٥)﴾.
233
﴿فَما﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وترتيب، ﴿ما﴾: نافية. ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿دَعْواهُمْ﴾: اسم ﴿كانَ﴾ ومضاف إليه. ﴿إِذْ﴾: ظرف زمان بمعنى حين مجرد عن معنى المضي في محل النصب على الظرفية مبني على السكون. ﴿جاءَهُمْ بَأْسُنا﴾: فعل ومفعول وفاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾، والظرف متعلق بـ ﴿دَعْواهُمْ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية، والجملة الفعلية في تأويل مصدر منصوب على كونه خبر ﴿كانَ﴾ تقديره: فما كان دعواهم وقت مجيء بأسنا إياهم إلا قولهم: إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ، وجملة ﴿كانَ﴾ من اسمها وخبرها معطوفة على جملة قوله: ﴿جاءَهُمْ بَأْسُنا﴾. ﴿إِنَّا﴾ ﴿إن﴾: حرف نصب، ﴿نا﴾: اسمها. ﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿ظالِمِينَ﴾: خبرها، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾ تقديره: إنا ظالمون، وجملة ﴿إن﴾: من اسمها وخبرها في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧)﴾.
﴿فَلَنَسْئَلَنَّ﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وترتيب لترتيب الأحوال الأخروية على الدنيوية في الذكر حسب ترتيبها عليها في الوجود انتهى. «أبو السعود»، ﴿اللام﴾: موطئة لقسم محذوف جوازا تقديره: فأقسم بعزتي وجلالي، ﴿نسألن﴾: فعل مضارع في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محل لها من الإعراب مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر يعود على الله، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مع جوابه معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول أول لسأل مبني على الفتح والمفعول الثاني محذوف تقديره عما أجابوا الرسل. ﴿أُرْسِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة. ﴿إِلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَلَنَسْئَلَنَّ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿اللام﴾: موطئة لقسم محذوف،
﴿فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (٦) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ (٧)﴾.
﴿فَلَنَسْئَلَنَّ﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وترتيب لترتيب الأحوال الأخروية على الدنيوية في الذكر حسب ترتيبها عليها في الوجود انتهى. «أبو السعود»، ﴿اللام﴾: موطئة لقسم محذوف جوازا تقديره: فأقسم بعزتي وجلالي، ﴿نسألن﴾: فعل مضارع في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محل لها من الإعراب مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر يعود على الله، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مع جوابه معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿الَّذِينَ﴾ اسم موصول في محل النصب مفعول أول لسأل مبني على الفتح والمفعول الثاني محذوف تقديره عما أجابوا الرسل. ﴿أُرْسِلَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة. ﴿إِلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿وَلَنَسْئَلَنَّ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿اللام﴾: موطئة لقسم محذوف،
234
﴿نسألن﴾: فعل مضارع في محل الرفع مبني على الفتح، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾: مفعول أول لسأل، والثاني محذوف تقديره: عما أجيبوا، والجملة الفعلية جواب القسم وجملة القسم معطوفة على جملة القسم المذكورة قبلها. ﴿فَلَنَقُصَّنَّ﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿اللام﴾ موطئة للقسم. ﴿نقصن﴾: فعل مضارع مبني على الفتح، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة جواب القسم، وجملة القسم المحذوف معطوفة على جملة القسم المذكورة قبلها. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نقصن﴾. ﴿بِعِلْمٍ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿نقصن﴾ تقديره: حالة كوننا متلبسين بعلم ﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾: واو الحال. ﴿ما﴾: نافية. ﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿غائِبِينَ﴾: خبره، وجملة ﴿كان﴾ في محل النصب حال ثانية من فاعل ﴿نقصن﴾.
﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾.
﴿وَالْوَزْنُ﴾: ﴿الواو﴾ استنافية. ﴿الْوَزْنُ﴾: مبتدأ. ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ﴿يوم﴾: منصوب على الظرفية الزمانية، وهو مضاف، ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى من الزمان في محل الجر مضاف إليه مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، والظرف متعلق بواجب الحذف؛ لوقوعه خبرا تقديره: والوزن كائن، أو مستقر يومئذ؛ أي: يومئذ يسأل الرسل والمرسل إليهم، فحذفت الجملة المضاف إليها إذ وعوض عنها التنوين هذا مذهب الجمهور خلافا للأخفش. وفي ﴿الْحَقُّ﴾ على هذا الوجه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه نعت للوزن؛ أي: الوزن الحق كائن في ذلك اليوم.
والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه جواب سؤال مقدر من قائل يقول: ما ذلك الوزن؟ فقيل: هو الحق لا الباطل.
والثالث: أنه بدل من الضمير المستكن في الظرف، وهو غريب ذكره المكي، ويصح أن يكون خبر المبتدأ ﴿الْحَقُّ﴾، و ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ متعلق بـ ﴿الْوَزْنُ﴾.
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾.
﴿وَالْوَزْنُ﴾: ﴿الواو﴾ استنافية. ﴿الْوَزْنُ﴾: مبتدأ. ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ﴿يوم﴾: منصوب على الظرفية الزمانية، وهو مضاف، ﴿إذ﴾: ظرف لما مضى من الزمان في محل الجر مضاف إليه مبني بسكون مقدر منع من ظهوره اشتغال المحل بحركة التخلص من التقاء الساكنين، والظرف متعلق بواجب الحذف؛ لوقوعه خبرا تقديره: والوزن كائن، أو مستقر يومئذ؛ أي: يومئذ يسأل الرسل والمرسل إليهم، فحذفت الجملة المضاف إليها إذ وعوض عنها التنوين هذا مذهب الجمهور خلافا للأخفش. وفي ﴿الْحَقُّ﴾ على هذا الوجه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه نعت للوزن؛ أي: الوزن الحق كائن في ذلك اليوم.
والثاني: أنه خبر مبتدأ محذوف كأنه جواب سؤال مقدر من قائل يقول: ما ذلك الوزن؟ فقيل: هو الحق لا الباطل.
والثالث: أنه بدل من الضمير المستكن في الظرف، وهو غريب ذكره المكي، ويصح أن يكون خبر المبتدأ ﴿الْحَقُّ﴾، و ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ متعلق بـ ﴿الْوَزْنُ﴾.
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.
235
﴿فَمَنْ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن الوزن يومئذ الحق، وأردت بيان أحوال الخلائق.. فأقول لك: ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. ﴿ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿من﴾ على كونه فعل شرط لها. ﴿فَأُولئِكَ﴾: ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية وجوبا لكون الجواب جملة اسمية، ﴿أولئك﴾: مبتدأ. هُمُ: ضمير فصل. ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، وجملة ﴿من﴾ الشرطية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة استئنافا بيانيا.
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩)﴾.
﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَنْ﴾: اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط، أو هما. ﴿خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ مَنْ على كونها فعل شرط لها. ﴿فَأُولئِكَ﴾: ﴿الفاء﴾: رابطة، ﴿أولئك﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع خبر، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونها جوابا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿مَنْ﴾ الأولى على كونها مقولا لجواب إذا المقدرة. ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول. ﴿بِما﴾: ﴿الباء﴾: حرف جر وسبب، ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِآياتِنا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَظْلِمُونَ﴾، وجملة ﴿يَظْلِمُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿خَسِرُوا﴾، والتقدير: فأولئك الذين خسروا أنفسهم بسبب: ظلمهم لآياتنا.
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (١٠)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿مَكَّنَّاكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية جواب القسم لا
﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (٩)﴾.
﴿وَمَنْ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿مَنْ﴾: اسم شرط في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب، أو الشرط، أو هما. ﴿خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ مَنْ على كونها فعل شرط لها. ﴿فَأُولئِكَ﴾: ﴿الفاء﴾: رابطة، ﴿أولئك﴾: مبتدأ. ﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع خبر، والجملة الاسمية في محل الجزم بـ ﴿مَنْ﴾ على كونها جوابا لها، وجملة ﴿مَنْ﴾ الشرطية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿مَنْ﴾ الأولى على كونها مقولا لجواب إذا المقدرة. ﴿خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة صلة الموصول. ﴿بِما﴾: ﴿الباء﴾: حرف جر وسبب، ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِآياتِنا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَظْلِمُونَ﴾، وجملة ﴿يَظْلِمُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿خَسِرُوا﴾، والتقدير: فأولئك الذين خسروا أنفسهم بسبب: ظلمهم لآياتنا.
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ (١٠)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿مَكَّنَّاكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية جواب القسم لا
236
محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مع جوابه مستأنفة. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مَكَّنَّاكُمْ﴾. ﴿وَجَعَلْنا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿مَكَّنَّاكُمْ﴾. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جَعَلْنا﴾، وكذا قوله فِيها متعلق به. ﴿مَعايِشَ﴾: مفعول به لـ ﴿جَعَلْنا﴾؛ لأنه بمعنى خلقنا، فلا يتعدى إلا إلى مفعول واحد. ﴿قَلِيلًا﴾: صفة لمصدر محذوف منصوب بـ ﴿تَشْكُرُونَ﴾. ﴿ما﴾: زائدة زيدت لتأكيد القلة. ﴿تَشْكُرُونَ﴾: فعل وفاعل؛ أي: تشكرون شكرا قليلا؛ أي: قلة، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ضمير المخاطبين، والتقدير: وجعلنا لكم فيها معايش حال كونكم شاكرين شكرا قليلا.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿اللام﴾: موطئة لقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿خَلَقْناكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب لقسم محذوف تقديره: أقسم بعزتي وجلالي لقد خلقناكم، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿صَوَّرْناكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿خَلَقْناكُمْ﴾ على كونها جوابا للقسم. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف. ﴿قُلْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿صَوَّرْناكُمْ﴾. ﴿لِلْمَلائِكَةِ﴾: متعلق بـ ﴿قُلْنا﴾. ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قُلْنا﴾، وإن شئت قلت ﴿اسْجُدُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْنا﴾. لِآدَمَ: جار ومجرور متعلق بـ ﴿اسْجُدُوا﴾. ﴿فَسَجَدُوا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب. ﴿سجدوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿قُلْنا﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء. ﴿إِبْلِيسَ﴾ مستثنى منقطع منصوب بـ ﴿إِلَّا﴾. ﴿لَمْ﴾: حرف جزم. ﴿يَكُنْ﴾: فعل ناقص مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، واسمه ضمير يعود على ﴿إِبْلِيسَ﴾. ﴿مِنَ السَّاجِدِينَ﴾: خبر ﴿يَكُنْ﴾، وجملة ﴿يَكُنْ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب حال من ﴿إِبْلِيسَ﴾ تقديره: حالة كونه ممتنعا من السجود، كما قاله أبو البقاء، وقيل: هذه الجملة مستأنفة؛ لأنها جواب سؤال مقدر.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (١١)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية، ﴿اللام﴾: موطئة لقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿خَلَقْناكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب لقسم محذوف تقديره: أقسم بعزتي وجلالي لقد خلقناكم، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿صَوَّرْناكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿خَلَقْناكُمْ﴾ على كونها جوابا للقسم. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف. ﴿قُلْنا﴾ فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿صَوَّرْناكُمْ﴾. ﴿لِلْمَلائِكَةِ﴾: متعلق بـ ﴿قُلْنا﴾. ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قُلْنا﴾، وإن شئت قلت ﴿اسْجُدُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْنا﴾. لِآدَمَ: جار ومجرور متعلق بـ ﴿اسْجُدُوا﴾. ﴿فَسَجَدُوا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب. ﴿سجدوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿قُلْنا﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء. ﴿إِبْلِيسَ﴾ مستثنى منقطع منصوب بـ ﴿إِلَّا﴾. ﴿لَمْ﴾: حرف جزم. ﴿يَكُنْ﴾: فعل ناقص مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، واسمه ضمير يعود على ﴿إِبْلِيسَ﴾. ﴿مِنَ السَّاجِدِينَ﴾: خبر ﴿يَكُنْ﴾، وجملة ﴿يَكُنْ﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب حال من ﴿إِبْلِيسَ﴾ تقديره: حالة كونه ممتنعا من السجود، كما قاله أبو البقاء، وقيل: هذه الجملة مستأنفة؛ لأنها جواب سؤال مقدر.
237
﴿قالَ ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (١٢)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿ما مَنَعَكَ﴾ إلى قوله: قالَ ﴿أَنَا خَيْرٌ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ما: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، والاستفهام فيه للتوبيخ. ﴿مَنَعَكَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: هو يعود على ما، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: أي شيء مانع إياك، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾: مصدرية. ﴿لا﴾: زائدة زيدت لتأكيد معنى النفي في ﴿مَنَعَكَ﴾. ﴿تَسْجُدَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾. وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: ما منعك من سجودك. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بـ ﴿تَسْجُدَ﴾. ﴿أَمَرْتُكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ إِذْ ﴿،﴾ والتقدير: ما منعك من السجود وقت أمري إياك به. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا. ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿أَنَا خَيْرٌ﴾: مبتدأ وخبر. ﴿مِنْهُ﴾ متعلق بـ ﴿خَيْرٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قالَ﴾. ﴿خَلَقْتَنِي﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿مِنْ نارٍ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مستأنفة استئنافا بيانيا. ﴿وَخَلَقْتَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿خَلَقْتَنِي﴾. ﴿مِنْ طِينٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿خلق﴾.
﴿قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿الفاء﴾: سببية، ﴿اهبط﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾. ﴿مِنْها﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾، وقال النسفي: والفاء في قوله:
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿ما مَنَعَكَ﴾ إلى قوله: قالَ ﴿أَنَا خَيْرٌ﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ما: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، والاستفهام فيه للتوبيخ. ﴿مَنَعَكَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: هو يعود على ما، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ تقديره: أي شيء مانع إياك، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَلَّا﴾ ﴿أن﴾: مصدرية. ﴿لا﴾: زائدة زيدت لتأكيد معنى النفي في ﴿مَنَعَكَ﴾. ﴿تَسْجُدَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أن﴾. وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر محذوف تقديره: ما منعك من سجودك. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بـ ﴿تَسْجُدَ﴾. ﴿أَمَرْتُكَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ إِذْ ﴿،﴾ والتقدير: ما منعك من السجود وقت أمري إياك به. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا. ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿أَنَا خَيْرٌ﴾: مبتدأ وخبر. ﴿مِنْهُ﴾ متعلق بـ ﴿خَيْرٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب مقول لـ ﴿قالَ﴾. ﴿خَلَقْتَنِي﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿مِنْ نارٍ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية مستأنفة استئنافا بيانيا. ﴿وَخَلَقْتَهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿خَلَقْتَنِي﴾. ﴿مِنْ طِينٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿خلق﴾.
﴿قالَ فَاهْبِطْ مِنْها فَما يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿الفاء﴾: سببية، ﴿اهبط﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾. ﴿مِنْها﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾، وقال النسفي: والفاء في قوله:
238
﴿فَاهْبِطْ﴾ جواب لقوله ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾؛ أي: إن كنت تتكبر فاهبط انتهى. ﴿فَما﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تعليلية، ﴿ما﴾: نافية. ﴿يَكُونُ﴾: فعل مضارع ناقص. ﴿لَكَ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿يَكُونُ﴾. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿تَتَكَبَّرَ﴾: فعل مضارع منصوب بـ ﴿أَنْ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾. فِيها متعلق بـ ﴿تَتَكَبَّرَ﴾، والجملة الفعلية مع أن المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم ﴿يَكُونُ﴾ مؤخرا، والتقدير: فما يكون تكبرك فيها كائنا لك، ولائقا بك، وجملة ﴿يَكُونُ﴾ في محل النصب معطوفة على جملة ﴿فَاهْبِطْ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قال﴾.
﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)﴾.
﴿فَاخْرُجْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿اخرج﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة في محل النصب معطوفة مفرعة على جملة قوله: ﴿فَما يَكُونُ لَكَ﴾ مؤكدة لجملة قوله: ﴿فَاهْبِطْ إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه. ﴿مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ مسوقة لتعليل الخروج. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة مستأنفة. ﴿أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿أَنْظِرْنِي﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿إِلى يَوْمِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَنْظِرْنِي﴾، وجملة ﴿يُبْعَثُونَ﴾ في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمِ﴾. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة ﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه. ﴿مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة مستأنفة. ﴿فَبِما أَغْوَيْتَنِي﴾ إلى قوله: ﴿شاكِرِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿فَبِما﴾:
﴿فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤) قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (١٥)﴾.
﴿فَاخْرُجْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿اخرج﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة في محل النصب معطوفة مفرعة على جملة قوله: ﴿فَما يَكُونُ لَكَ﴾ مؤكدة لجملة قوله: ﴿فَاهْبِطْ إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه. ﴿مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ مسوقة لتعليل الخروج. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة مستأنفة. ﴿أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿أَنْظِرْنِي﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿إِلى يَوْمِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَنْظِرْنِي﴾، وجملة ﴿يُبْعَثُونَ﴾ في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمِ﴾. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة ﴿إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿إِنَّكَ﴾: ناصب واسمه. ﴿مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (١٦)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة مستأنفة. ﴿فَبِما أَغْوَيْتَنِي﴾ إلى قوله: ﴿شاكِرِينَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿فَبِما﴾:
239
﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا حكمت علي يا رب بالغيّ والصّغار.. فأقول لك: ﴿بما أغويتني﴾: ﴿الباء﴾: حرف جر وقسم، أو حرف جر وسبب كما أشار إليه الزمخشري، ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿أَغْوَيْتَنِي﴾: فعل وفاعل ومفعول ونون وقاية، والجملة الفعلية مع ﴿ما﴾ المصدرية في تأويل مصدر مجرور بباء القسم، أو بباء السبب، وعلى كلا الوجهين فهي متعلقة بفعل قسم محذوف جوازا تقديره: فأقسم بإغوائك إياي، أو أقسم بسبب إغوائك إياي. ﴿لَأَقْعُدَنَ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿أقعدن﴾: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، وفاعله ضمير يعود على ﴿إبليس﴾، والجملة الفعلية جواب القسم، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿لَهُمْ﴾: متعلقان بـ ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾. ﴿صِراطَكَ﴾: منصوب على المفعولية، أو منصوب بنزع الخافض تقديره: على صراطك ﴿الْمُسْتَقِيمَ﴾: صفة لـ ﴿صراط﴾.
﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿لَآتِيَنَّهُمْ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم أيضا، ﴿آتينهم﴾: فعل ومفعول ونون توكيد، وفاعله ضمير يعود على الشيطان، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾ على كونها جوابا لقسم محذوف. ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿آتين﴾. ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور قبله، وكرر حرف الجر إشارة إلى أن كل جهة من الجهتين مقصودة استقلالا. ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه معطوف على الجار والمجرور ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾. ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه معطوف على الجار والمجرور في قوله: ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾، أو ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، وكرر الجار هنا أيضا إشارة إلى استقلال كل من الجهتين بالقصد، وإنما (١) عدّى الفعل إلى الأولين بـ ﴿مِنْ﴾ الابتدائية؛ لأنه منهما متوجه إليهم، وعدى إلى
﴿ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (١٧)﴾.
﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿لَآتِيَنَّهُمْ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم أيضا، ﴿آتينهم﴾: فعل ومفعول ونون توكيد، وفاعله ضمير يعود على الشيطان، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ﴾ على كونها جوابا لقسم محذوف. ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿آتين﴾. ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور قبله، وكرر حرف الجر إشارة إلى أن كل جهة من الجهتين مقصودة استقلالا. ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه معطوف على الجار والمجرور ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾. ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه معطوف على الجار والمجرور في قوله: ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾، أو ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾، وكرر الجار هنا أيضا إشارة إلى استقلال كل من الجهتين بالقصد، وإنما (١) عدّى الفعل إلى الأولين بـ ﴿مِنْ﴾ الابتدائية؛ لأنه منهما متوجه إليهم، وعدى إلى
(١) الفتوحات.
240
الأخيرين بحرف المجاوزة؛ لأن الآتي منهما كالمنحرف المار على عرضهم، انتهى «أبو السعود»، وإشارة إلى نوع تباعد منه في الجهتين الأخيرتين، لقعود ملك اليمين، وملك اليسار فيهما، وهو ينفر من الملائكة، اه شيخنا. ﴿وَلا تَجِدُ﴾: ناف وفعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ...﴾ إلخ. فتكون من جملة المقسم عليه، ويكون اللعين قد أقسم على جملتين مثبتتين، وأخرى منفية. ﴿أَكْثَرَهُمْ﴾: مفعول وجد إن كان وجد من الوجدان بمعنى اللقاء والمصادفة. ﴿شاكِرِينَ﴾: حال من الضمير، والمعنى: ولا تصادف أكثرهم ولا تلاقيهم حالة كونهم شاكرين، ويحتمل كون وجد من أفعال اليقين، ﴿وأَكْثَرَهُمْ﴾: مفعول أول، ﴿شاكِرِينَ﴾: مفعول ثان.
﴿قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُمًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿اخْرُجْ﴾: منها إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿اخْرُجْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿مِنْها﴾: متعلق بـ ﴿اخْرُجْ﴾. ﴿مَذْؤُمًا﴾: حال أولى من فاعل ﴿اخْرُجْ﴾. ﴿مَدْحُورًا﴾: حال ثانية منه عند من يجوز تعدد الحال لذي حال واحد، وأما عند من لا يجوزه فـ ﴿مَدْحُورًا﴾: صفة لـ ﴿مَذْؤُمًا﴾. ﴿لَمَنْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم المحذوف تقديره: والله لمن تبعك.
فائدة: سميت (١) لام القسم موطئة؛ لأنها وطأت الجواب للقسم المحذوف؛ أي: مهدته له، وتسمى أيضا المؤذنة؛ لأنها تؤذن بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها، لا على الشرط.
﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. ﴿تَبِعَكَ﴾: فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على
﴿قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُمًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (١٨)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿اخْرُجْ﴾: منها إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿اخْرُجْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على إبليس، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿مِنْها﴾: متعلق بـ ﴿اخْرُجْ﴾. ﴿مَذْؤُمًا﴾: حال أولى من فاعل ﴿اخْرُجْ﴾. ﴿مَدْحُورًا﴾: حال ثانية منه عند من يجوز تعدد الحال لذي حال واحد، وأما عند من لا يجوزه فـ ﴿مَدْحُورًا﴾: صفة لـ ﴿مَذْؤُمًا﴾. ﴿لَمَنْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم المحذوف تقديره: والله لمن تبعك.
فائدة: سميت (١) لام القسم موطئة؛ لأنها وطأت الجواب للقسم المحذوف؛ أي: مهدته له، وتسمى أيضا المؤذنة؛ لأنها تؤذن بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها، لا على الشرط.
﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط، أو الجواب، أو هما. ﴿تَبِعَكَ﴾: فعل ومفعول في محل الجزم بـ ﴿من﴾ الشرطية على
(١) الفتوحات.
241
كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾. ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿تَبِعَكَ﴾. ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة للقسم أيضا مؤكدة للأولى، ﴿أملأن﴾: فعل مضارع مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد حرف لا محل لها من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره: أنا يعود على الله سبحانه، والجملة من الفعل والفاعل جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجواب الشرط محذوف لسد جواب القسم مسده تقديره: لمن تبعك أعذبه، وهذا الوجه أظهر في الإعراب كما قاله «الجمل». والوجه الثاني أن اللام في قوله ﴿لَمَنْ تَبِعَكَ﴾: لام الابتداء، و ﴿من﴾: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، و ﴿تَبِعَكَ﴾: صلتها. و ﴿مِنْهُمْ﴾: حال من فاعل ﴿تَبِعَكَ﴾، وقوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ﴾: جواب قسم محذوف بعد قوله: ﴿مِنْهُمْ﴾، وذلك القسم المحذوف وجوابه في محل الرفع خبر المبتدأ الذي هو ﴿من﴾ الموصولة، والتقدير: للذي تبعك منهم، والله لأملأن جهنم منكم، فإن قلت (١): أين العائد من الجملة القسمية الواقعة خبرا عن المبتدأ؟.
قلت: هو متضمن في قوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ لأنه لما اجتمع ضميران غيبة وخطاب.. غلب الخطاب كما تقدم. ﴿جَهَنَّمَ﴾: منصوب على الظرفية المكانية، والظرف متعلق بـ ﴿أملأن﴾. ﴿مِنْكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أملأن﴾. ﴿أَجْمَعِينَ﴾: توكيد لضمير المخاطبين مجرور بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿حَرَجٌ﴾ مِنْهُ الحرج: الضيق من عاقبة المخالفة. ﴿وَذِكْرى﴾ والذكرى: التذكر النافع والموعظة المؤثرة، وهو اسم مصدر لذكر يذكر تذكرة وذكرى.
﴿وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ﴾ وولاية (٢) الله لعباده تولي أمورهم فيما لا يصل إليه كسبهم من هدايتهم ونصرهم على أعدائهم، وشرعه لهم عبادته، وبيان الحلال والحرام. ﴿قَلِيلًا ما﴾ ﴿ما﴾: حرف زائد يؤكد به معنى القلة. ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ أصله
قلت: هو متضمن في قوله: ﴿مِنْكُمْ﴾ لأنه لما اجتمع ضميران غيبة وخطاب.. غلب الخطاب كما تقدم. ﴿جَهَنَّمَ﴾: منصوب على الظرفية المكانية، والظرف متعلق بـ ﴿أملأن﴾. ﴿مِنْكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أملأن﴾. ﴿أَجْمَعِينَ﴾: توكيد لضمير المخاطبين مجرور بالياء؛ لأنه جمع مذكر سالم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿حَرَجٌ﴾ مِنْهُ الحرج: الضيق من عاقبة المخالفة. ﴿وَذِكْرى﴾ والذكرى: التذكر النافع والموعظة المؤثرة، وهو اسم مصدر لذكر يذكر تذكرة وذكرى.
﴿وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ﴾ وولاية (٢) الله لعباده تولي أمورهم فيما لا يصل إليه كسبهم من هدايتهم ونصرهم على أعدائهم، وشرعه لهم عبادته، وبيان الحلال والحرام. ﴿قَلِيلًا ما﴾ ﴿ما﴾: حرف زائد يؤكد به معنى القلة. ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ أصله
(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
242
تتذكرون بتاءين أولاهما تاء المضارعة، والثانية تاء المطاوعة، فحذفت إحداهما على الخلاف في المحذوفة منهما.
﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ ﴿كم﴾: اسم يفيد التكثير، وهي خبرية: هنا، وكذا في جميع القرآن حيثما وقعت، وكم في كلام العرب قسمان: خبرية: وهي التي بمعنى عدد كثير، واستفهامية: وهي التي تكون بمعنى أي عدد، وهي اسم (١) بسيط لا مركب من كاف التشبيه، وما الاستفهامية حذف ألفها لدخول حرف الجر عليها، وسكنت كما قالوا: لم؛ تركيبا لا ينفك، كما ركبت في كأين مع أي، ولم يأت تمييزها في القرآن إلا مجرورا وأحكامها في نوعيها مذكورة في كتب النحو.
والقرية تطلق على الموضع الذي يجتمع فيه الناس وعلى الناس معا، وتطلق على كل منهما كما جاء في قوله: ﴿وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ﴾؛ أي: أهل القرية، والقرية هنا تصلح لأن يراد بها القوم أنفسهم، وأن يراد بها المكان؛ لأنه يهلك كما يهلك أهله. ﴿بَأْسُنا﴾ البأس العذاب.
﴿بَياتًا﴾ والبيات: الإغارة على العدو ليلا، والإيقاع به على غرة، وهو في الأصل مصدر بات يبيت بيتا وبيتة وبياتا وبيتوتة. قال الليث: البيتوتة دخولك في الليل، فقوله: بياتا؛ أي: بائتين.
﴿أَوْ هُمْ قائِلُونَ﴾ والقائلون: هم الذين يستريحون، أو ينامون وسط النهار؛ أي: حين القائلة، وقال الليث: القيلولة نوم نصف النهار؛ وهي القائلة، وقال الأزهري: القيلولة الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن نوم.
وقال الفراء: يقال: قال يقيل قيلا - كباع يبيع بيعا - وقائلة وقيلولة إذا استراح نصف النهار، فألفه منقلبة عن ياء بخلاف قال من القول، فهي منقلبة عن واو.
﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ﴾ والدعوى: ما يدعيه الإنسان، وتطلق على القول أيضا.
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: جعلنا لكم (٢) فيها أمكنة تتبوؤنها، وتتمكنون من الإقامة فيها.
﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ ﴿كم﴾: اسم يفيد التكثير، وهي خبرية: هنا، وكذا في جميع القرآن حيثما وقعت، وكم في كلام العرب قسمان: خبرية: وهي التي بمعنى عدد كثير، واستفهامية: وهي التي تكون بمعنى أي عدد، وهي اسم (١) بسيط لا مركب من كاف التشبيه، وما الاستفهامية حذف ألفها لدخول حرف الجر عليها، وسكنت كما قالوا: لم؛ تركيبا لا ينفك، كما ركبت في كأين مع أي، ولم يأت تمييزها في القرآن إلا مجرورا وأحكامها في نوعيها مذكورة في كتب النحو.
والقرية تطلق على الموضع الذي يجتمع فيه الناس وعلى الناس معا، وتطلق على كل منهما كما جاء في قوله: ﴿وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ﴾؛ أي: أهل القرية، والقرية هنا تصلح لأن يراد بها القوم أنفسهم، وأن يراد بها المكان؛ لأنه يهلك كما يهلك أهله. ﴿بَأْسُنا﴾ البأس العذاب.
﴿بَياتًا﴾ والبيات: الإغارة على العدو ليلا، والإيقاع به على غرة، وهو في الأصل مصدر بات يبيت بيتا وبيتة وبياتا وبيتوتة. قال الليث: البيتوتة دخولك في الليل، فقوله: بياتا؛ أي: بائتين.
﴿أَوْ هُمْ قائِلُونَ﴾ والقائلون: هم الذين يستريحون، أو ينامون وسط النهار؛ أي: حين القائلة، وقال الليث: القيلولة نوم نصف النهار؛ وهي القائلة، وقال الأزهري: القيلولة الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر وإن لم يكن نوم.
وقال الفراء: يقال: قال يقيل قيلا - كباع يبيع بيعا - وقائلة وقيلولة إذا استراح نصف النهار، فألفه منقلبة عن ياء بخلاف قال من القول، فهي منقلبة عن واو.
﴿فَما كانَ دَعْواهُمْ﴾ والدعوى: ما يدعيه الإنسان، وتطلق على القول أيضا.
﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: جعلنا لكم (٢) فيها أمكنة تتبوؤنها، وتتمكنون من الإقامة فيها.
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
243
﴿وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ﴾ بالياء (١) باتفاق السبعة، وإن قرىء شاذا بالهمزة، وليس كصحائف؛ لأن المد فيه زائد؛ لأنه من صحف بخلاف معيشة، فإن المد فيها أصلي؛ لأنه من عاش يعيش عيشا ومعاشا وعيشة ومعيشة ومعيشا. قال رؤبة:
فأصل معيشة معيشة كمكرمة، أو معيشة كمنزلة، أو معيشة كمتربة، فالياء فيه أصلية على كل حال، وقد قال في «الخلاصة»:
وياء معيشة عين الكلمة، ثم إنه على الوجه الأول قلبت ضمة الياء كسرة، ثم نقلت للعين، وعلى الثاني نقلت كسرة الياء إلى العين، والوجه الثالث لا صحة له في التصريف. اه من «السمين».
وفي «المصباح»: عاش يعيش عيشا - من باب سار - صار ذا حياة، فهو عائش، والأنثى عائشة، وعيّاش أيضا مبالغة، والمعيش والمعيشة مكسب الإنسان الذي يعبش به، والجمع معايش هذا على قول الجمهور أنه من عاش، فالميم زائدة، ووزن معايش مفاعل، فلا يهمز، وبه قرأ السبعة، وقيل: إنه من معش، فالميم أصلية، ووزن معيش ومعيشة فعيل وفعيلة، ووزن معائش فعائل، فيهمز كصحائف، وبه قرأ أبو جعفر المدني والأعرج. اه.
وفي «القاموس»: العيش الحياة، يقال: عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشة وعيشة - بالكسر - وعيشوشة، والعيش أيضا الطعام وما يعاش به والخبز، والمعيشة أيضا ما يتعيش به من المطعم والمشرب، وما تكون به الحياة، وما يعاش به وفيه، والجمع معايش، والمتعيش من له بلغة من العيش. اه.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ﴾ الخلق: التقدير (٢)، يقال: خلق الخياط الثوب إذا قدره قبل قطعه، وخلق الله الخلق أوجدهم على تقدير أوجبته الحكمة.
إليك أشكو شدّة المعيش | وجهد أيّام نتفن ريشي |
والمد زيد ثالثا في الواحد | همزا يرى في مثل كالفلائد |
وفي «المصباح»: عاش يعيش عيشا - من باب سار - صار ذا حياة، فهو عائش، والأنثى عائشة، وعيّاش أيضا مبالغة، والمعيش والمعيشة مكسب الإنسان الذي يعبش به، والجمع معايش هذا على قول الجمهور أنه من عاش، فالميم زائدة، ووزن معايش مفاعل، فلا يهمز، وبه قرأ السبعة، وقيل: إنه من معش، فالميم أصلية، ووزن معيش ومعيشة فعيل وفعيلة، ووزن معائش فعائل، فيهمز كصحائف، وبه قرأ أبو جعفر المدني والأعرج. اه.
وفي «القاموس»: العيش الحياة، يقال: عاش يعيش عيشا ومعاشا ومعيشة وعيشة - بالكسر - وعيشوشة، والعيش أيضا الطعام وما يعاش به والخبز، والمعيشة أيضا ما يتعيش به من المطعم والمشرب، وما تكون به الحياة، وما يعاش به وفيه، والجمع معايش، والمتعيش من له بلغة من العيش. اه.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ﴾ الخلق: التقدير (٢)، يقال: خلق الخياط الثوب إذا قدره قبل قطعه، وخلق الله الخلق أوجدهم على تقدير أوجبته الحكمة.
(١) الفتوحات البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
244
﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ مأخوذ من أبلس إبلاسا بمعنى أيس؛ لأنه آيس من رحمة الله تعالى.
﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾ والهبوط الانحدار والسقوط من مكان إلى ما دونه، أو من منزلة إلى ما دونها؛ فهو إما حسي، وإما معنوي.
﴿أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها﴾ والتكبر جعل الإنسان نفسه أكبر مما هي عليه. ﴿مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ والصغار: الذلة والهوان ﴿أَنْظِرْنِي﴾: يقال: أنظره إذا أمهله وأخره.
﴿فَبِما أَغْوَيْتَنِي﴾: والإغواء: الإيقاع في الغواية، وهي ضد الرشاد، يقال: غوى يغوي - من باب رمى - غيا وغواية إذا فسد عليه أمره، وفسد هو في نفسه، ومنه غوى الفصيل إذا أكثر من شرب لبن أمه حتى فسد جوفها، وأشرف على الهلاك، وقيل: أصله الهلاك، ومنه: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾. ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾ الشمائل (١): جمع شمال، وهو جمع كثرة، وجمعه في القلة على أشمل. قال الشاعر:
يأتي لها من أيمن وأشمل
وشمال يطلق على اليد اليسرى، وعلى ناحيتها، والشمائل أيضا جمع شمال؛ وهي الريح، والشمائل أيضا: الأخلاق. يقال: هو حسن الشمائل.
﴿مَذْؤُمًا﴾ بالهمز (٢): اسم مفعول من ذأمه يذأمه ذأما - كقطعه يقطعه قطعا - إذا عابه ومقته، وفي «المختار»: الذأم: العيب يهمز ولا يهمز، يقال: ذأمه - من باب قطع - إذا عابه وحقره، فهو مذؤوم. اه. وفيه مقته إذا أبغضه من باب نصر، فهو مقيت، ويجوز (٣) إبدال الهمزة ألفا. قال الشاعر:
وفي المثل: لن يعدم الحسناء ذأما، وقيل: أردت أن تذيمه فمدحته، وقال الليث: ذأمته حقرته، وقال ابن الأنباري وابن قتيبة: ذأمه ذمه وعابه.
﴿مَدْحُورًا﴾ يقال: دحره إذا أبعده وأقصاه، ودحر الجند العدو إذا طرده
﴿فَاهْبِطْ مِنْها﴾ والهبوط الانحدار والسقوط من مكان إلى ما دونه، أو من منزلة إلى ما دونها؛ فهو إما حسي، وإما معنوي.
﴿أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيها﴾ والتكبر جعل الإنسان نفسه أكبر مما هي عليه. ﴿مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾ والصغار: الذلة والهوان ﴿أَنْظِرْنِي﴾: يقال: أنظره إذا أمهله وأخره.
﴿فَبِما أَغْوَيْتَنِي﴾: والإغواء: الإيقاع في الغواية، وهي ضد الرشاد، يقال: غوى يغوي - من باب رمى - غيا وغواية إذا فسد عليه أمره، وفسد هو في نفسه، ومنه غوى الفصيل إذا أكثر من شرب لبن أمه حتى فسد جوفها، وأشرف على الهلاك، وقيل: أصله الهلاك، ومنه: ﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾. ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾ الشمائل (١): جمع شمال، وهو جمع كثرة، وجمعه في القلة على أشمل. قال الشاعر:
يأتي لها من أيمن وأشمل
وشمال يطلق على اليد اليسرى، وعلى ناحيتها، والشمائل أيضا جمع شمال؛ وهي الريح، والشمائل أيضا: الأخلاق. يقال: هو حسن الشمائل.
﴿مَذْؤُمًا﴾ بالهمز (٢): اسم مفعول من ذأمه يذأمه ذأما - كقطعه يقطعه قطعا - إذا عابه ومقته، وفي «المختار»: الذأم: العيب يهمز ولا يهمز، يقال: ذأمه - من باب قطع - إذا عابه وحقره، فهو مذؤوم. اه. وفيه مقته إذا أبغضه من باب نصر، فهو مقيت، ويجوز (٣) إبدال الهمزة ألفا. قال الشاعر:
صحبتك إذ عيني عليها غشاوة | فلمّا انجلت قطّعت نفسي أذيمها |
﴿مَدْحُورًا﴾ يقال: دحره إذا أبعده وأقصاه، ودحر الجند العدو إذا طرده
(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٣) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٣) البحر المحيط.
245
وأبعده. قال الشاعر:
يقال: دحره يدحره دحرا ودحورا - من باب خضع - ومنه: ﴿وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُورًا﴾.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾ لما فيه من إطلاق المسبب وإرادة السبب؛ لأن المراد النهي عن أسباب الحرج. قال أبو السعود: توجيه (١) النهي إلى الحرج مع أن المراد نهيه ﷺ عنه؛ إما للمبالغة في تنزيهه ﷺ عن وقوع مثل الحرج منه، فإن النهي لو وجه له لأوهم إمكان صدور المنهي عنه منه، وإما للمبالغة في النهي، فإن وقوع الحرج في صدره سبب لاتصافه به، والنهي عن السبب نهي عن المسبب بالطريق البرهاني، ونفي له من أصله بالمرة، فالمراد نهيه عما يورث الحرج انتهى.
ومنها: المجاز المرسل أيضا في قوله: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها﴾: لما فيه من إطلاق المحل وإرادة الحال؛ أي: وكم من أهل قرية أهلكناهم.
ومنها: الاعتراض بين الجار ومتعلقه، في قوله: ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾، لأنه معترض بين قوله: ﴿أُنْزِلَ﴾ وبين قوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾.
ومنها: التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة لضمير المخاطبين، في قوله: ﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لمزيد اللطف بهم وترغيبهم في امتثال الأمر.
ومنها: الطباق بين قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ وقوله: ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾، وبين قوله: ﴿بَياتًا﴾ وقوله: ﴿أَوْ هُمْ قائِلُونَ﴾؛ لأن البيات معناه ليلا، وقائلون معناه نهارا وقت الظهيرة.
دحرت بني الحصيب إلى قديد | وقد كانوا ذوي أشر وفخر |
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾ لما فيه من إطلاق المسبب وإرادة السبب؛ لأن المراد النهي عن أسباب الحرج. قال أبو السعود: توجيه (١) النهي إلى الحرج مع أن المراد نهيه ﷺ عنه؛ إما للمبالغة في تنزيهه ﷺ عن وقوع مثل الحرج منه، فإن النهي لو وجه له لأوهم إمكان صدور المنهي عنه منه، وإما للمبالغة في النهي، فإن وقوع الحرج في صدره سبب لاتصافه به، والنهي عن السبب نهي عن المسبب بالطريق البرهاني، ونفي له من أصله بالمرة، فالمراد نهيه عما يورث الحرج انتهى.
ومنها: المجاز المرسل أيضا في قوله: ﴿وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها﴾: لما فيه من إطلاق المحل وإرادة الحال؛ أي: وكم من أهل قرية أهلكناهم.
ومنها: الاعتراض بين الجار ومتعلقه، في قوله: ﴿فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ﴾، لأنه معترض بين قوله: ﴿أُنْزِلَ﴾ وبين قوله: ﴿لِتُنْذِرَ﴾.
ومنها: التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة لضمير المخاطبين، في قوله: ﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لمزيد اللطف بهم وترغيبهم في امتثال الأمر.
ومنها: الطباق بين قوله: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ﴾ وقوله: ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ﴾، وبين قوله: ﴿بَياتًا﴾ وقوله: ﴿أَوْ هُمْ قائِلُونَ﴾؛ لأن البيات معناه ليلا، وقائلون معناه نهارا وقت الظهيرة.
(١) أبو السعود.
246
ومنها: المجاز بالحذف قوله: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكُمْ ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾؛ أي: خلقنا أباكم آدم، وصورنا أباكم.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ لأن الصراط حقيقة في الطريق الحسي، فاستعارة لطريق الهداية الموصل إلى جنات النعيم.
ومنها: المقابلة بين قوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ﴾ وقوله: ﴿وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾، وبين قوله: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ وقوله: ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾، وبين قوله: ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾ وقوله: ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾.
ومنها: تغليب الحاضر على الغائب في قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ﴾ لأن فيه تغليب الحاضر الذي هو إبليس على الغائب، وهو الناس.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ﴾، وقوله: ﴿وَلَنَسْئَلَنَ﴾، وفي قوله: ﴿مَوازِينُهُ﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿اسْجُدُوا﴾ ﴿فَسَجَدُوا﴾
ومنها: المغاير في قوله: ﴿فَسَجَدُوا﴾ وقوله: ﴿مِنَ السَّاجِدِينَ﴾، وفي قوله: ﴿أَنْظِرْنِي﴾ وقوله: ﴿مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾.
ومنها: المقابلة في قوله: ﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ وقوله: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ﴾.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ لأن الصراط حقيقة في الطريق الحسي، فاستعارة لطريق الهداية الموصل إلى جنات النعيم.
ومنها: المقابلة بين قوله: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ﴾ وقوله: ﴿وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾، وبين قوله: ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ وقوله: ﴿وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾، وبين قوله: ﴿وَعَنْ أَيْمانِهِمْ﴾ وقوله: ﴿وَعَنْ شَمائِلِهِمْ﴾.
ومنها: تغليب الحاضر على الغائب في قوله: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ﴾ لأن فيه تغليب الحاضر الذي هو إبليس على الغائب، وهو الناس.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿فَلَنَسْئَلَنَّ﴾، وقوله: ﴿وَلَنَسْئَلَنَ﴾، وفي قوله: ﴿مَوازِينُهُ﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿اسْجُدُوا﴾ ﴿فَسَجَدُوا﴾
ومنها: المغاير في قوله: ﴿فَسَجَدُوا﴾ وقوله: ﴿مِنَ السَّاجِدِينَ﴾، وفي قوله: ﴿أَنْظِرْنِي﴾ وقوله: ﴿مِنَ الْمُنْظَرِينَ﴾.
ومنها: المقابلة في قوله: ﴿اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ﴾ وقوله: ﴿وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ﴾.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
247
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه لا يزال (١) الحديث متصلا في الكلام في النشأة الأولى للبشر، وفي شياطين الجن، وقد ذكرت تمهيدا لهداية الناس بما يتلوها من الآيات في وعظ بني آدم وإرشادهم إلى ما به تكمل فطرتهم، وفي ذلك امتنان عليهم، وذكر لكرامة أبيهم.
قوله تعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ...﴾ الآية، مناسبة
﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٢) قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦) يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨) قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٠)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أنه لا يزال (١) الحديث متصلا في الكلام في النشأة الأولى للبشر، وفي شياطين الجن، وقد ذكرت تمهيدا لهداية الناس بما يتلوها من الآيات في وعظ بني آدم وإرشادهم إلى ما به تكمل فطرتهم، وفي ذلك امتنان عليهم، وذكر لكرامة أبيهم.
قوله تعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ...﴾ الآية، مناسبة
(١) المراغي.
248
هذه الآيات لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أنه أنزل له ولبنيه كل ما يحتاجون إليه في دينهم ودنياهم كاللباس الذي يستترون به عوراتهم، ويتخذونه للزينة واللباس الذي يستعملون في الحرب كالمغافر والجواشن ونحوها،.. فعليكم أن تشكروه سبحانه وتعالى على هذه المنن العظام، وتعبدوه وحده لا شريك له.
وعبارة أبي حيان هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها (٢): هو أنه سبحانه وتعالى لما ذكر قصة آدم، وفيها ستر السوءات، وجعل له في الأرض مستقرا ومتاعا.. ذكر ما امتن به على بنيه، وما أنعم به عليهم من اللباس الذي يواري السوءات، والرياش الذي يمكن به استقرارهم في الأرض واستمتاعهم بما خولهم.
قوله تعالى: ﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله تعالى، لما (٣) بين أنه جعل الشياطين قرناء للكافرين مسلطين عليهم متمكنين من إغوائهم.. ذكر هنا أثر ذلك التسليط عليهم؛ وهو الطاعة لهم في أقبح الأشياء مع عدم شعورهم بذلك القبح.
التفسير وأوجه القراءة
١٩ - وقوله: ﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ﴾ معطوف على قوله: ﴿ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ عطف قصة على قصة؛ أي: وقلنا يا آدم اسكن أنت ﴿وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾؛ أي: انزل أنت وزوجك حواء في الجنة، وهذا القول بعد إخراج إبليس من الجنة، أو من السماء، أو من بين الملائكة، وقيل: معطوف (٤) على ﴿اخْرُجْ﴾؛ أي: وقلنا يا إبليس اخرج منها مذؤوما مدحورا، ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، ومعنى
وعبارة أبي حيان هنا: مناسبة هذه الآيات لما قبلها (٢): هو أنه سبحانه وتعالى لما ذكر قصة آدم، وفيها ستر السوءات، وجعل له في الأرض مستقرا ومتاعا.. ذكر ما امتن به على بنيه، وما أنعم به عليهم من اللباس الذي يواري السوءات، والرياش الذي يمكن به استقرارهم في الأرض واستمتاعهم بما خولهم.
قوله تعالى: ﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله تعالى، لما (٣) بين أنه جعل الشياطين قرناء للكافرين مسلطين عليهم متمكنين من إغوائهم.. ذكر هنا أثر ذلك التسليط عليهم؛ وهو الطاعة لهم في أقبح الأشياء مع عدم شعورهم بذلك القبح.
التفسير وأوجه القراءة
١٩ - وقوله: ﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ﴾ معطوف على قوله: ﴿ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ عطف قصة على قصة؛ أي: وقلنا يا آدم اسكن أنت ﴿وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾؛ أي: انزل أنت وزوجك حواء في الجنة، وهذا القول بعد إخراج إبليس من الجنة، أو من السماء، أو من بين الملائكة، وقيل: معطوف (٤) على ﴿اخْرُجْ﴾؛ أي: وقلنا يا إبليس اخرج منها مذؤوما مدحورا، ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة، ومعنى
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٤) المراح.
249
اسكن؛ أي: اتخذ أنت وزوجك حواء الجنة مسكنا لكما؛ أي: محل سكون وإقامة لكما. وتخصيص (١) الخطاب في قوله: ﴿وَيا آدَمُ﴾ به للإيذان بأصالته في تلقي الوحي، وتعاطي المأمور به، وتعميمه في قوله: ﴿فَكُلا﴾ وفي وقوله: ﴿وَلا تَقْرَبا﴾ للإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به، وتجنب المنهى عنه، فحواء مساوية له فيما ذكر بخلاف السكنى؛ فإنها تابعة له فيها.
وفي «شرح المواهب» للزرقاني ما نصه (٢): واختلفوا في أن حواء خلقت في الجنة، فقال ابن إسحاق: خلقت قبل دخول آدم الجنة؛ لقوله تعالى: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾، وقيل: خلقت في الجنة بعد دخول آدم الجنة؛ لأنه لما أسكن الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت من ضلعه القصرى من شقه الأيسر؛ ليسكن إليها، ويأنس بها. قاله ابن عباس، وينسب لأكثر المفسرين، وعلى هذا قيل: قال الله تعالى: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ بعد خلقها، وهما في الجنة، وقيل: قبل خلقها، وتوجه الخطاب للمعدوم لوجوده في علم الله تعالى. اه.
وقال المراغي: الجنة هي (٣) التي خلق فيها آدم لا جنة الجزاء، فآدم خلق من الأرض في الأرض. وقد (٤) تكررت هذه القصة في سبعة مواضع من الكتاب العزيز، ولم يرد في موضع منها أن الله رفعه إلى الجنة التي هي دار الجزاء، وإن كان الجمهور على أنها جنة الجزاء على الأعمال، ويرده أنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة، ولا تكليف في دار الجزاء، ولأنه نام فيها، وأخرج منها، ودخل عليه إبليس، ولا نوم في الجنة، ولا خروج بعد الدخول، ولا يمكن دخول الشيطان فيها بعد الطرد والإخراج.
والآية تدل على أن آدم كان له زوج في الجنة، وفي التوراة: أن الله ألقى على آدم سباتا، فانتزع في أثنائه ضلعا من أضلاعه، فخلق منه حواء امرأته، وأنها سميت امرأة؛ لأنها من امرىء أخذت وليس في القرآن ما يدل على هذا، وما
وفي «شرح المواهب» للزرقاني ما نصه (٢): واختلفوا في أن حواء خلقت في الجنة، فقال ابن إسحاق: خلقت قبل دخول آدم الجنة؛ لقوله تعالى: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾، وقيل: خلقت في الجنة بعد دخول آدم الجنة؛ لأنه لما أسكن الجنة مشى فيها مستوحشا، فلما نام خلقت من ضلعه القصرى من شقه الأيسر؛ ليسكن إليها، ويأنس بها. قاله ابن عباس، وينسب لأكثر المفسرين، وعلى هذا قيل: قال الله تعالى: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ بعد خلقها، وهما في الجنة، وقيل: قبل خلقها، وتوجه الخطاب للمعدوم لوجوده في علم الله تعالى. اه.
وقال المراغي: الجنة هي (٣) التي خلق فيها آدم لا جنة الجزاء، فآدم خلق من الأرض في الأرض. وقد (٤) تكررت هذه القصة في سبعة مواضع من الكتاب العزيز، ولم يرد في موضع منها أن الله رفعه إلى الجنة التي هي دار الجزاء، وإن كان الجمهور على أنها جنة الجزاء على الأعمال، ويرده أنه كلف فيها أن لا يأكل من تلك الشجرة، ولا تكليف في دار الجزاء، ولأنه نام فيها، وأخرج منها، ودخل عليه إبليس، ولا نوم في الجنة، ولا خروج بعد الدخول، ولا يمكن دخول الشيطان فيها بعد الطرد والإخراج.
والآية تدل على أن آدم كان له زوج في الجنة، وفي التوراة: أن الله ألقى على آدم سباتا، فانتزع في أثنائه ضلعا من أضلاعه، فخلق منه حواء امرأته، وأنها سميت امرأة؛ لأنها من امرىء أخذت وليس في القرآن ما يدل على هذا، وما
(١) أبو السعود.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.
(٤) المراغي.
250
روي من ذلك مأخوذ من الإسرائيليات، وما روي في «الصحيحين» عن أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم: «فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج» فهو من باب التمثيل على حد قوله: ﴿خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ والدليل على ذلك قوله بعد: «فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا».
فإنه لا شك أن المراد منه: لا تحاولوا تقويم النساء بالشدة والغلظة في المعاملة انتهى.
﴿فَكُلا﴾؛ أنتما يا آدم وحواء من ثمار الجنة ﴿مِنْ حَيْثُ شِئْتُما﴾؛ أي: من أي مكان أردتما الأكل منه، وفي أي وقت شئتما ﴿وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ من حيث الأكل منهما ﴿فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم الضارين لها بتعريضها للعقوبة؛ أي: فتصيرا من الضارين لها.
والنهي عن القرب إلى الشيء أبلغ أثرا من النهي عن الشيء نفسه؛ إذ أنه يقتضي البعد عن موارد الشبهات التي تغرى به، كما جاء في الحديث: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه».
وقد أبهم سبحانه وتعالى هذه الشجرة، ولو كان في تعيينها خير لنا لعينها، وقد علل القرآن النهي عنها بأنهما إذا اقتربا منها كانا من الظالمين، لأنفسهما بفعلهما ما يعاقبان عليه، ولو بالحرمان من رغد العيش، وما يعقبه من التعب والمشقة.
فإن قلت: لم قال هنا: ﴿فَكُلا﴾ بالفاء، وفي البقرة ﴿وَكُلا﴾ بالواو؟
قلت: لا منافاة بين الحرفين؛ لأن الواو للجمع المطلق، فتحمل على إحدى معانيها التي هي عطف اللاحق على السابق، فتتحد مع الفاء في المعنى الذي هو الترتيب. فإن قلت (١): لم حذف ﴿رَغَدًا﴾ هنا على سبيل الاختصار، وأثبت في البقرة؟
قلت: لأن تلك مدنية وهذه مكية، فوفى المعنى هنا باللفظ.
فإنه لا شك أن المراد منه: لا تحاولوا تقويم النساء بالشدة والغلظة في المعاملة انتهى.
﴿فَكُلا﴾؛ أنتما يا آدم وحواء من ثمار الجنة ﴿مِنْ حَيْثُ شِئْتُما﴾؛ أي: من أي مكان أردتما الأكل منه، وفي أي وقت شئتما ﴿وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ من حيث الأكل منهما ﴿فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم الضارين لها بتعريضها للعقوبة؛ أي: فتصيرا من الضارين لها.
والنهي عن القرب إلى الشيء أبلغ أثرا من النهي عن الشيء نفسه؛ إذ أنه يقتضي البعد عن موارد الشبهات التي تغرى به، كما جاء في الحديث: «ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه».
وقد أبهم سبحانه وتعالى هذه الشجرة، ولو كان في تعيينها خير لنا لعينها، وقد علل القرآن النهي عنها بأنهما إذا اقتربا منها كانا من الظالمين، لأنفسهما بفعلهما ما يعاقبان عليه، ولو بالحرمان من رغد العيش، وما يعقبه من التعب والمشقة.
فإن قلت: لم قال هنا: ﴿فَكُلا﴾ بالفاء، وفي البقرة ﴿وَكُلا﴾ بالواو؟
قلت: لا منافاة بين الحرفين؛ لأن الواو للجمع المطلق، فتحمل على إحدى معانيها التي هي عطف اللاحق على السابق، فتتحد مع الفاء في المعنى الذي هو الترتيب. فإن قلت (١): لم حذف ﴿رَغَدًا﴾ هنا على سبيل الاختصار، وأثبت في البقرة؟
قلت: لأن تلك مدنية وهذه مكية، فوفى المعنى هنا باللفظ.
(١) البحر المحيط.
251
وقرىء (١): هذي وهو الأصل لتصغيره على ذيا، والهاء بدل من الياء.
٢٠ - ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ﴾؛ أي: حدّث (٢) لهما في أنفسهما، وفي «الخازن» يعني: فوسوس إليهما، والوسوسة: حديث يلقيه الشيطان في قلب الإنسان يقال: وسوس إذا تكلم كلاما خفيا مكررا، ومعنى وسوس لهما: فعل الوسوسة وألقاها إليهما. وقال المراغي: أي: زين لهما ما يضرهما ويسؤهما إذا هما رأيا ما يؤثران ستره، وأن لا يرى مكشوفا. والأرجح أن هذه الوسوسة كانت بأن تمثل الشيطان لآدم وزوجه وكلّمهما. انتهى.
فإن قلت: كيف وسوس إليهما وآدم وحواء في الجنة، وإبليس قد أخرج منها؟
قلت: أجيب عن هذا السؤال بأجوبة:
منها: أنه كان في السماء وكانا يخرجان إليه.
ومنها: أنه كان على باب الجنة، وهما على بابها من داخلها.
ومنها: ما قال الحسن: إنه وصلت وسوسته لهما في الجنة، وهو في الأرض بالقوة التي خلقها الله له، وقيل: كان يدخل إليهما في فم الحية، وهذان القولان ضعيفان؛ لمخالفتهما لفظ القرآن، ولكن البحث عن هذه المسألة ليس مما كلفنا الله بعلمه، فالكلام فيه لا يعنينا.
﴿لِيُبْدِيَ﴾؛ أي: ليظهر ﴿لهما ما ورى عنهما﴾؛ أي: ما ستر عنهما بلباس النور، أو بثياب الجنة. وقال الصاوي: واختلف في ذلك اللباس، فقيل: غطاء على الجسد من جنس الأظفار فنزع عنهما وبقيت الأظفار في اليدين والرجلين تذكرة وزينة وانتفاعا، ولذلك قالوا: إن النظر إلى الأظفار في حال الضحك يقطعه، وقيل: كان نورا، وقيل: كان من ثياب الجنة. انتهى.
﴿مِنْ سَوْآتِهِما﴾؛ أي: من عوراتهما، أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما
٢٠ - ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ﴾؛ أي: حدّث (٢) لهما في أنفسهما، وفي «الخازن» يعني: فوسوس إليهما، والوسوسة: حديث يلقيه الشيطان في قلب الإنسان يقال: وسوس إذا تكلم كلاما خفيا مكررا، ومعنى وسوس لهما: فعل الوسوسة وألقاها إليهما. وقال المراغي: أي: زين لهما ما يضرهما ويسؤهما إذا هما رأيا ما يؤثران ستره، وأن لا يرى مكشوفا. والأرجح أن هذه الوسوسة كانت بأن تمثل الشيطان لآدم وزوجه وكلّمهما. انتهى.
فإن قلت: كيف وسوس إليهما وآدم وحواء في الجنة، وإبليس قد أخرج منها؟
قلت: أجيب عن هذا السؤال بأجوبة:
منها: أنه كان في السماء وكانا يخرجان إليه.
ومنها: أنه كان على باب الجنة، وهما على بابها من داخلها.
ومنها: ما قال الحسن: إنه وصلت وسوسته لهما في الجنة، وهو في الأرض بالقوة التي خلقها الله له، وقيل: كان يدخل إليهما في فم الحية، وهذان القولان ضعيفان؛ لمخالفتهما لفظ القرآن، ولكن البحث عن هذه المسألة ليس مما كلفنا الله بعلمه، فالكلام فيه لا يعنينا.
﴿لِيُبْدِيَ﴾؛ أي: ليظهر ﴿لهما ما ورى عنهما﴾؛ أي: ما ستر عنهما بلباس النور، أو بثياب الجنة. وقال الصاوي: واختلف في ذلك اللباس، فقيل: غطاء على الجسد من جنس الأظفار فنزع عنهما وبقيت الأظفار في اليدين والرجلين تذكرة وزينة وانتفاعا، ولذلك قالوا: إن النظر إلى الأظفار في حال الضحك يقطعه، وقيل: كان نورا، وقيل: كان من ثياب الجنة. انتهى.
﴿مِنْ سَوْآتِهِما﴾؛ أي: من عوراتهما، أراد الشيطان أن يسوءهما بظهور ما
(١) البيضاوي.
(٢) الواحدي.
(٢) الواحدي.
252
كان مستورا عنهما من عوراتهما، فإنهما كانا لا يريان عورة أنفسهما، ولا يراها أحدهما من الآخر. قيل: إنما بدت عوراتهما لهما لا لغيرهما، وكان عليهما نور يمنع رؤيتها، وإنما لم تقلب (١) الواو في ﴿وُورِيَ﴾ همزة؛ لأن الثانية مدة مأخوذة من المواراة؛ وهي الستر يقال: واريته بمعنى سترته، والسوءة فرج الرجل والمرأة، سمي بذلك؛ لأن ظهوره يسوء الإنسان. وفي الآية دليل على أن كشف العورة من المنكرات المحرمات، واللام في قوله: ﴿لِيُبْدِيَ لَهُما﴾: لام العاقبة؛ وذلك لأن إبليس لم يقصد بالوسوسة ظهور عوراتهما، وإنما كان حملهما على المعصية فقط، فكان عاقبة أمرهما أن بدت عوراتهما. ﴿وَقالَ﴾ إبليس لآدم وحواء فيما وسوسهما به ﴿ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ﴾؛ أي: ما منعكما ربكما عن الأكل من هذه الشجرة ﴿إِلَّا﴾ لأحد أمرين كراهة ﴿أَنْ تَكُونا﴾ بالأكل منها ﴿مَلَكَيْنِ﴾؛ أي: كالملكين فيما أوتي الملائكة من الخصائص والمزايا كالقوة، وطول البقاء، وعدم التأثر بتأثيرات الكون المؤلمة المتعبة ﴿أَوْ﴾ كراهة ﴿أن تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ﴾ في الجنة؛ أي: من الذين لا يموتون البتة، ويبقون في الجنة ساكنين يعني (٢): إنما نهاكما عن هذه الشجرة لكي لا تكونا ملكين من الملائكة تعلمان الخير والشر، أو تكونا من الباقين الذين لا يموتون، وإنما أطمع إبليس آدم بهذه الآية؛ لأنه علم أن الملائكة لهم المنزلة والقرب من العرش، فاستشرف لذلك آدم، وأحب أن يعيش مع الملائكة لطول أعمارهم، أو يكون مع الخالدين الذين لا يموتون أبدا.
وفي الآية (٣): إيماء إلى تفضيل الملائكة على آدم، وخصصه بعضهم بملائكة السماء والعرش والكرسي، من العالين المقربين، دون ملائكة الأرض المسخرين لتدبير أمورها، وإحكام نظامها.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿وُورِيَ﴾ وقرأ عبد الله: ﴿أوري﴾ - بإبدال الواو همزة وهو بدل جائز -. وقرأ ابن وثاب: ﴿ما وري﴾ - بواو مضمومة من غير واو
وفي الآية (٣): إيماء إلى تفضيل الملائكة على آدم، وخصصه بعضهم بملائكة السماء والعرش والكرسي، من العالين المقربين، دون ملائكة الأرض المسخرين لتدبير أمورها، وإحكام نظامها.
وقرأ الجمهور (٤): ﴿وُورِيَ﴾ وقرأ عبد الله: ﴿أوري﴾ - بإبدال الواو همزة وهو بدل جائز -. وقرأ ابن وثاب: ﴿ما وري﴾ - بواو مضمومة من غير واو
(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
(٢) الخازن.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
253
بعدها - على وزن كسي. وقرأ مجاهد والحسن: ﴿من سوتهما﴾ - بالإفراد وتسهيل الهمزة بإبدالها واوا وإدغام الواو فيها -. وقرأ الحسن أيضا وأبو جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح: ﴿من سوّاتهما﴾ - بتسهيل الهمزة وتشديد الواو -. وقرىء: ﴿من سواتهما﴾ - بواو واحدة وحذف الهمزة - ووجهه أنه حذفها وألقى حركتها على الواو، فمن قرأ بالجمع؛ فهو من وضع الجمع موضع التثنية كراهة اجتماع مثلين، ومن قرأ بالإفراد؛ فمن وضعه موضع التثنية، ويحتمل أن يكون الجمع على أصل وضعه باعتبار أن كل عورة الدبر والفرج، وذلك أربعة فهي جمع.
وقرأ ابن عباس والحسن بن علي والضحاك ويحيى بن كثير والزهري وابن حكيم عن ابن كثير (١): ﴿ملكين﴾ - بكسر اللام - ويدل لهذه القراءة ما في سورة طه من قوله: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى﴾.
٢١ - ﴿وَقاسَمَهُما﴾؛ أي: أقسم وحلف إبليس لهما، والمفاعلة ليس على بابها بقوله: ﴿والله إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾؛ أي: إني لناصح لكما فيما رغبتكما فيه من الأكل من الشجرة، وأكد ذلك بأشد المؤكدات وأغلظها؛ إذ كان عندهما محل الظنة والتهمة في نصحه؛ لأن الله أخبرهما أنه عدو لهما. وقرىء: ﴿وقاسمهما بالله﴾.
٢٢ - ﴿فَدَلَّاهُما﴾؛ أي: جرأهما إبليس على أكل الشجرة ﴿بِغُرُورٍ﴾؛ أي: بسبب غروره وتزيينه لهما أكل الشجرة بالحلف لهما بالله، أو المعنى: فأسقطهما وحطهما عما كانا عليه من سلامة الفطرة وطاعة المولى بما غرهما به، وزين لهما من أكل الشجرة، وقد اغترا به وانخدعا بقسمه، وصدقا قوله اعتقادا منهما أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا. وفي «الشوكاني» التدلية (٢) والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل، يقال: أدلى دلوه أرسلها، والمعنى: أنه أهبطهما بذلك من الرتبة العلية إلى الأكل من الشجرة، وقيل معناه: أوقعهما في الهلاك، وقيل
وقرأ ابن عباس والحسن بن علي والضحاك ويحيى بن كثير والزهري وابن حكيم عن ابن كثير (١): ﴿ملكين﴾ - بكسر اللام - ويدل لهذه القراءة ما في سورة طه من قوله: ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى﴾.
٢١ - ﴿وَقاسَمَهُما﴾؛ أي: أقسم وحلف إبليس لهما، والمفاعلة ليس على بابها بقوله: ﴿والله إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾؛ أي: إني لناصح لكما فيما رغبتكما فيه من الأكل من الشجرة، وأكد ذلك بأشد المؤكدات وأغلظها؛ إذ كان عندهما محل الظنة والتهمة في نصحه؛ لأن الله أخبرهما أنه عدو لهما. وقرىء: ﴿وقاسمهما بالله﴾.
٢٢ - ﴿فَدَلَّاهُما﴾؛ أي: جرأهما إبليس على أكل الشجرة ﴿بِغُرُورٍ﴾؛ أي: بسبب غروره وتزيينه لهما أكل الشجرة بالحلف لهما بالله، أو المعنى: فأسقطهما وحطهما عما كانا عليه من سلامة الفطرة وطاعة المولى بما غرهما به، وزين لهما من أكل الشجرة، وقد اغترا به وانخدعا بقسمه، وصدقا قوله اعتقادا منهما أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا. وفي «الشوكاني» التدلية (٢) والإدلاء إرسال الشيء من أعلى إلى أسفل، يقال: أدلى دلوه أرسلها، والمعنى: أنه أهبطهما بذلك من الرتبة العلية إلى الأكل من الشجرة، وقيل معناه: أوقعهما في الهلاك، وقيل
(١) البحر المحيط.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
254
معناه: جرأهما على المعصية، فخرجا من الجنة انتهى.
وقيل معناه: فخدعهما (١) بزخرف من القول الباطل حتى أكلا قليلا قصدا إلى معرفة طعم ذلك الثمر؛ لغلبة الشهوة، لا لكونهما صدقا قول إبليس.
ويرى بعض العلماء (٢) أن الغرور كان بتزيين الشهوة، فإن من غرائز البشر وطبائعهم كشف المجهول، والرغبة في الممنوع، فقد نفخ الشيطان في نار هذه الشهوات الغريزية، وأثار النفس إلى مخالفة النهي حتى نسي آدم عهد ربه، ولم يكن له من قوة العزم ما يكفه عن متابعة امرأته، ويعتصم به من تأثير شيطانه كما قال في سورة طه: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)﴾.
وجاء في الصحيح عن أبي هريرة: «ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها»؛ أي: لأنها هي التي زينت له الأكل من الشجرة، وقد فطرت المرأة على تزيين ما تشتهيه للرجل، ولو بالخيانة له.
﴿فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ﴾؛ أي: فلما تناولا من ثمر تلك الشجرة يسيرا لمعرفة طعمه ﴿بَدَتْ لَهُما﴾؛ أي: ظهرت لكل منهما ﴿سَوْآتُهُما﴾؛ أي: سؤته وسؤة صاحبه، وكانت مستورة عنهما؛ أي: ظهر لكل منهما قبل نفسه وقبل صاحبه ودبره، وزال عنهما ثوبهما من حلل الجنة، فدبت فيهما شهوة التناسل بتأثير الأكل من الشجرة، فنبهتهما إلى ما كان خفيا عنهما من أمرها، فخجلا من ظهورها، وشعرا بالحاجة إلى سترها ﴿وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾؛ أي: وشرعا يلزقان ويربطان على أبدانهما من ورق أشجار الجنة العريض ما يسترها.
والخلاصة (٣): أن الشيطان لما وسوس لهما بقوله: ﴿ما نَهاكُما رَبُّكُما...﴾ إلخ، ولم يقبلا منه ما قال.. لجأ إلى اليمين كما دل على ذلك قوله: ﴿وَقاسَمَهُما﴾ فلم يصدقاه أيضا، فعدل بعد ذلك إلى الخداع كما أشار إلى ذلك بقوله: ﴿فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ﴾؛ أي: أنه شغلهما بتحصيل اللذات، فجعلاها نصب أعينهما، ونسيا النهي كما يدل على ذلك قوله: ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.
وقيل معناه: فخدعهما (١) بزخرف من القول الباطل حتى أكلا قليلا قصدا إلى معرفة طعم ذلك الثمر؛ لغلبة الشهوة، لا لكونهما صدقا قول إبليس.
ويرى بعض العلماء (٢) أن الغرور كان بتزيين الشهوة، فإن من غرائز البشر وطبائعهم كشف المجهول، والرغبة في الممنوع، فقد نفخ الشيطان في نار هذه الشهوات الغريزية، وأثار النفس إلى مخالفة النهي حتى نسي آدم عهد ربه، ولم يكن له من قوة العزم ما يكفه عن متابعة امرأته، ويعتصم به من تأثير شيطانه كما قال في سورة طه: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)﴾.
وجاء في الصحيح عن أبي هريرة: «ولولا حواء لم تخن أنثى زوجها»؛ أي: لأنها هي التي زينت له الأكل من الشجرة، وقد فطرت المرأة على تزيين ما تشتهيه للرجل، ولو بالخيانة له.
﴿فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ﴾؛ أي: فلما تناولا من ثمر تلك الشجرة يسيرا لمعرفة طعمه ﴿بَدَتْ لَهُما﴾؛ أي: ظهرت لكل منهما ﴿سَوْآتُهُما﴾؛ أي: سؤته وسؤة صاحبه، وكانت مستورة عنهما؛ أي: ظهر لكل منهما قبل نفسه وقبل صاحبه ودبره، وزال عنهما ثوبهما من حلل الجنة، فدبت فيهما شهوة التناسل بتأثير الأكل من الشجرة، فنبهتهما إلى ما كان خفيا عنهما من أمرها، فخجلا من ظهورها، وشعرا بالحاجة إلى سترها ﴿وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾؛ أي: وشرعا يلزقان ويربطان على أبدانهما من ورق أشجار الجنة العريض ما يسترها.
والخلاصة (٣): أن الشيطان لما وسوس لهما بقوله: ﴿ما نَهاكُما رَبُّكُما...﴾ إلخ، ولم يقبلا منه ما قال.. لجأ إلى اليمين كما دل على ذلك قوله: ﴿وَقاسَمَهُما﴾ فلم يصدقاه أيضا، فعدل بعد ذلك إلى الخداع كما أشار إلى ذلك بقوله: ﴿فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ﴾؛ أي: أنه شغلهما بتحصيل اللذات، فجعلاها نصب أعينهما، ونسيا النهي كما يدل على ذلك قوله: ﴿فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا﴾.
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
255
قال ابن عباس: الورق الذي خصفا منه ورق الزيتون، وقيل: ورق شجر التين، وقيل ورق الموز، ولم يثبت تعيينها لا في القرآن، ولا في حديث صحيح.
وقد قيل فيهما شعر:
وقرأ أبو السمال (١): ﴿وطفقا﴾ - بفتح الفاء - وقرأ الزهري: ﴿يخصفان﴾ من أخصف، فيحتمل أن يكون أفعل بمعنى فعل، ويحتمل أن تكون الهمزة للتعدية من خصف؛ أي: يخصفان أنفسهما. وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وابن وثاب: ﴿يخصّفان﴾ - بفتح الياء وكسر الخاء والصاد وشدها - وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك، إلا أنه فتح الخاء. ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب، وقرىء: ﴿يخصّفان﴾ - بتشديد - من خصف على وزن فعل. وقرأ عبد الله بن يزيد: ﴿يخصّفان﴾ - بضم الياء والخاء وتشديد الصاد وكسرها - وتقرير هذه القراءات في علم العربية. وقد عاتبه الله سبحانه وتعالى على تركه التحفظ والحيطة والتدبر في عواقب الأمور فقال: ﴿وَناداهُما رَبُّهُما﴾ معاتبا لهما، وموبخا لهما، وقال: يا آدم ويا حواء ﴿أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾؛ أي: عن أن تقربا هذه الشجرة وعن الأكل من ثمرها ﴿وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾؛ أي: ظاهر العداوة لكما حيث أبى السجود، فإن أطعتماه أخرجكما من الجنة حيث العيش الرغد إلى حيث الشقاء في العيش والتعب، والنصب في الحياة. والاستفهام في قوله: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُما﴾ تقريري. قيل: لما كان وقت الهناء.. شرف بالتصريح باسمه في النداء، فقيل: ويا آدم اسكن، وحين كان وقت العتاب أخبر أنه ناداه، ولم يصرح باسمه. والظاهر أنه تعالى كلمهما بلا واسطة. وقال الجمهور: إن النداء كان بواسطة الوحي.
روي (٢): أنه تعالى قال لآدم: ألم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة؟ فقال: بلى وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا،
وقد قيل فيهما شعر:
لله درّهم من فتية بكروا | مثل الملوك وراحوا كالمساكين |
روي (٢): أنه تعالى قال لآدم: ألم يكن فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة؟ فقال: بلى وعزتك، ولكن ما ظننت أن أحدا من خلقك يحلف بك كاذبا،
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
256
قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض، ثم لا تنال العيش إلا كدّا، فأهبط وعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث، فحرث وسقى وحصد، ودرس وذرى وعجن وخبز.
قال ابن عباس رضي الله عنهما (١): لما أكل آدم من الشجرة.. قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني. قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها، ولا تضع إلا كرها قال: فرنت - صاحت - حواء عند ذلك رنة - صيحة - فقيل لها: الرنة عليك وعلى بناتك، وقال محمد بن قيس: ناداه ربه: يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك؟ قال: أطعمتني حواء، فقال: لم أطعمتيه؟ قالت: أمرتني الحية، فقال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس، قال الله تعالى: أما أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة تدمين كل شهر، وأما أنت يا حية فأقطع رجليك، فتمشين على وجهك وسيشدخ رأسك من لقيك، وأما أنت يا إبليس فملعون مطرود مدحور عن الرحمة. وقيل: ناداه ربه يا آدم أما خلقتك بيدي، أما نفخت فيك من روحي، أما أسجدت لك ملائكتي، أما أسكنتك جنتي في جواري.
٢٣ - ﴿قالا﴾؛ أي: قال آدم وحواء ﴿رَبَّنا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿ظَلَمْنا أَنْفُسَنا﴾؛ أي: أضررنا أنفسنا بطاعتنا للشيطان ومعصيتنا لأمرك، وقد أنذرتنا ﴿وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا﴾ ما ظلمنا به أنفسنا ﴿وَتَرْحَمْنا﴾ بالرضا عنا، وتوفيقنا إلى الهداية وترك الظلم، وبقبول توبتنا إذا نحن أنبنا إليك، وإعطائنا من فضلك فوق ما نستحق، والله ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ لأنفسنا الهالكين لها بتعريضها للعقوبة.
والخلاصة (٢): أن الظفر بالمقصود والفوز بالسعادة لا ينالهما أحد بمغفرتك ورحمتك إلا من ينيب إليك، ويتبع سبيلك، ولا ينالهما من يصر على ذنبه ويحتج على ربه، كما فعل الذي أبى واستكبر فكان من الخاسرين.
وقال الضحاك في قوله (٣): ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا...﴾ الخ. قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه عز وجل. قالَ الله سبحانه وتعالى لآدم وحواء وإبليس والحية، كما قاله الطبري.
٢٤ - ﴿اهْبِطُوا﴾؛ أي: انزلوا من السماء
قال ابن عباس رضي الله عنهما (١): لما أكل آدم من الشجرة.. قيل له: لم أكلت من الشجرة التي نهيتك عنها؟ قال: حواء أمرتني. قال: فإني أعقبتها أن لا تحمل إلا كرها، ولا تضع إلا كرها قال: فرنت - صاحت - حواء عند ذلك رنة - صيحة - فقيل لها: الرنة عليك وعلى بناتك، وقال محمد بن قيس: ناداه ربه: يا آدم لم أكلت منها وقد نهيتك؟ قال: أطعمتني حواء، فقال: لم أطعمتيه؟ قالت: أمرتني الحية، فقال للحية: لم أمرتها؟ قالت: أمرني إبليس، قال الله تعالى: أما أنت يا حواء فكما أدميت الشجرة تدمين كل شهر، وأما أنت يا حية فأقطع رجليك، فتمشين على وجهك وسيشدخ رأسك من لقيك، وأما أنت يا إبليس فملعون مطرود مدحور عن الرحمة. وقيل: ناداه ربه يا آدم أما خلقتك بيدي، أما نفخت فيك من روحي، أما أسجدت لك ملائكتي، أما أسكنتك جنتي في جواري.
٢٣ - ﴿قالا﴾؛ أي: قال آدم وحواء ﴿رَبَّنا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿ظَلَمْنا أَنْفُسَنا﴾؛ أي: أضررنا أنفسنا بطاعتنا للشيطان ومعصيتنا لأمرك، وقد أنذرتنا ﴿وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا﴾ ما ظلمنا به أنفسنا ﴿وَتَرْحَمْنا﴾ بالرضا عنا، وتوفيقنا إلى الهداية وترك الظلم، وبقبول توبتنا إذا نحن أنبنا إليك، وإعطائنا من فضلك فوق ما نستحق، والله ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ﴾ لأنفسنا الهالكين لها بتعريضها للعقوبة.
والخلاصة (٢): أن الظفر بالمقصود والفوز بالسعادة لا ينالهما أحد بمغفرتك ورحمتك إلا من ينيب إليك، ويتبع سبيلك، ولا ينالهما من يصر على ذنبه ويحتج على ربه، كما فعل الذي أبى واستكبر فكان من الخاسرين.
وقال الضحاك في قوله (٣): ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا...﴾ الخ. قال: هي الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه عز وجل. قالَ الله سبحانه وتعالى لآدم وحواء وإبليس والحية، كما قاله الطبري.
٢٤ - ﴿اهْبِطُوا﴾؛ أي: انزلوا من السماء
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) الخازن.
257
إلى الأرض. وقال الفخر الرازي: إن الذي تقدم ذكره هو آدم وحواء وإبليس، فقوله: ﴿اهْبِطُوا﴾ يجب أن يتناول هؤلاء الثلاثة، قيل: هبط آدم في الهند، وحواء بجدة، وإبليس بالأبلة - بضم الهمزة الموحدة وبتشديد اللام - جبل بقرب البصرة، والحية بأصبهان. وقال المراغي: يرى كثير من سلف الأمة أن هذا الخطاب لآدم وحواء وإبليس عليه اللعنة؛ أي: اهبطوا من هذه الجنة ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾؛ أي: حالة كون بعضكم عدوا لبعض آخر؛ أي: إن الشيطان عدو للإنسان، فعلى الإنسان أن لا يغفل عن عداوته، ولا يأمن وسوسته وإغواءه كما جاء في قوله: ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦)﴾ فالعداوة ثابتة بين آدم وإبليس، وذرية كل منهما. وهذا (١) الإخراج من ذلك النعيم عقاب على تلك المعصية التي بها ظلما أنفسهما، وقد قضت به سنة الله في الخلق، إذ جعله أثرا طبيعيا للعمل السيء مترتبا عليه إما العقاب الأخروي على عصيان الرب، فقد غفره الله له بالتوبة التي أذهبت أثره من النفس، وجعلتها محلا لاصطفائه كما قال في سورة طه: ﴿وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى (١٢١) ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَهَدى (١٢٢)﴾.
﴿وَلَكُمْ﴾ يا آدم وحواء وإبليس مع ذريتكم ﴿فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾؛ أي: استقرار وبقاء إلى زمن مقدر في علم الله؛ وهو الأجل الذي تنتهي فيه أعماركم، وتقوم فيه القيامة ﴿وَ﴾: لكم فيها أيضا ﴿مَتاعٌ﴾؛ أي: ما تستمتعون وتنتفعون به من المطاعم والمشارب والملابس وغيرها ﴿إِلى حِينٍ﴾؛ أي: إلى حين انقضاء آجالكم، ونحو الآية قوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ﴾.
ومعنى الآية (٢): أن الله سبحانه وتعالى أخبر آدم وحواء وإبليس والحية أنه إذا أهبطهم إلى الأرض، فإن بعضهم لبعض عدو، وأن لهم في الأرض موضع قرار يستقرون فيه إلى انقضاء آجالهم، ثم يستقرون في قبورهم إلى انقطاع الدنيا. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ﴾ يعني: إلى يوم القيامة،
﴿وَلَكُمْ﴾ يا آدم وحواء وإبليس مع ذريتكم ﴿فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾؛ أي: استقرار وبقاء إلى زمن مقدر في علم الله؛ وهو الأجل الذي تنتهي فيه أعماركم، وتقوم فيه القيامة ﴿وَ﴾: لكم فيها أيضا ﴿مَتاعٌ﴾؛ أي: ما تستمتعون وتنتفعون به من المطاعم والمشارب والملابس وغيرها ﴿إِلى حِينٍ﴾؛ أي: إلى حين انقضاء آجالكم، ونحو الآية قوله: ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ﴾.
ومعنى الآية (٢): أن الله سبحانه وتعالى أخبر آدم وحواء وإبليس والحية أنه إذا أهبطهم إلى الأرض، فإن بعضهم لبعض عدو، وأن لهم في الأرض موضع قرار يستقرون فيه إلى انقضاء آجالهم، ثم يستقرون في قبورهم إلى انقطاع الدنيا. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ﴾ يعني: إلى يوم القيامة،
(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
258
وإلى انقطاع الدنيا.
٢٥ - ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى لآدم وذريته، وإبليس وأولاده ﴿فِيها﴾؛ أي: في هذه الأرض التي خلقتم منها ﴿تَحْيَوْنَ﴾؛ أي: تعيشون مدة العمر المقدر لكل منكم، وللنوع بأسره ﴿وَفِيها﴾؛ أي: وفي الأرض ﴿تَمُوتُونَ﴾؛ أي: تكون وفاتكم، وموضع قبوركم حين انتهاء أعماركم ﴿وَمِنْها﴾؛ أي: ومن الأرض ﴿تُخْرَجُونَ﴾؛ أي: يخرجكم ربكم بعد موتكم كلكم حين ما يريد أن يبعثكم من مرقدكم للنشأة الآخرة، ويحشركم للحساب يوم القيامة. وهذا الكلام (١) كالتفسير لقوله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ﴾ ولذلك جاء ﴿قالَ﴾ بغير واو العطف، وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان: تخرجون - بالبناء للفاعل هنا - وفي الجاثية والزخرف وأول الروم، وعن ابن ذكوان في أول الروم خلاف. وقرأ باقي السبعة مبنيا للمفعول. ونحو الآية قوله تعالى في سورة طه: ﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥)﴾.
قص الله - سبحانه وتعالى - علينا خبر النشأة الأولى (٢)؛ ليرشدنا إلى ما فطرنا عليه، وإلى ما يجب علينا من شكره وطاعته، ويبين لنا أنه خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض، وجعله مستعدا لعلم كل شيء فيها، وتسخير ما فيها من القوى لمنافعه، وليهدينا إلى أنه كان في نشأته الأولى في جنة النعيم وراحة البال، وقد جعله مستعدا للتأثر بالأرواح الملكية التي تجذبه إلى الحق والخير، والأرواح الشيطانية التي تجذبه إلى الباطل والشر، وعاقبة التأثر الأولى سعادة الدارين، ونتيجة الثاني الشقاء فيهما، وهو أيضا محتاج إلى الوحي لإرشاده وهدايته. فعلينا أن نعرف غرائزنا، ونربي أنفسنا على أن نتذكر عهد الله إلينا بأن نعبده وحده، ولا نعبد معه أحدا سواه، ولا ننساه فننسى أنفسنا، ونغفل عن تزكيتها، ونتركها كالريشة في مهاب أهواء الشهوات، ووساوس شياطين
٢٥ - ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى لآدم وذريته، وإبليس وأولاده ﴿فِيها﴾؛ أي: في هذه الأرض التي خلقتم منها ﴿تَحْيَوْنَ﴾؛ أي: تعيشون مدة العمر المقدر لكل منكم، وللنوع بأسره ﴿وَفِيها﴾؛ أي: وفي الأرض ﴿تَمُوتُونَ﴾؛ أي: تكون وفاتكم، وموضع قبوركم حين انتهاء أعماركم ﴿وَمِنْها﴾؛ أي: ومن الأرض ﴿تُخْرَجُونَ﴾؛ أي: يخرجكم ربكم بعد موتكم كلكم حين ما يريد أن يبعثكم من مرقدكم للنشأة الآخرة، ويحشركم للحساب يوم القيامة. وهذا الكلام (١) كالتفسير لقوله: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ﴾ ولذلك جاء ﴿قالَ﴾ بغير واو العطف، وقرأ حمزة والكسائي وابن ذكوان: تخرجون - بالبناء للفاعل هنا - وفي الجاثية والزخرف وأول الروم، وعن ابن ذكوان في أول الروم خلاف. وقرأ باقي السبعة مبنيا للمفعول. ونحو الآية قوله تعالى في سورة طه: ﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى (٥٥)﴾.
فصل في مغزى هذا القصص
قص الله - سبحانه وتعالى - علينا خبر النشأة الأولى (٢)؛ ليرشدنا إلى ما فطرنا عليه، وإلى ما يجب علينا من شكره وطاعته، ويبين لنا أنه خلق الإنسان ليكون خليفة في الأرض، وجعله مستعدا لعلم كل شيء فيها، وتسخير ما فيها من القوى لمنافعه، وليهدينا إلى أنه كان في نشأته الأولى في جنة النعيم وراحة البال، وقد جعله مستعدا للتأثر بالأرواح الملكية التي تجذبه إلى الحق والخير، والأرواح الشيطانية التي تجذبه إلى الباطل والشر، وعاقبة التأثر الأولى سعادة الدارين، ونتيجة الثاني الشقاء فيهما، وهو أيضا محتاج إلى الوحي لإرشاده وهدايته. فعلينا أن نعرف غرائزنا، ونربي أنفسنا على أن نتذكر عهد الله إلينا بأن نعبده وحده، ولا نعبد معه أحدا سواه، ولا ننساه فننسى أنفسنا، ونغفل عن تزكيتها، ونتركها كالريشة في مهاب أهواء الشهوات، ووساوس شياطين
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
الضلالات، وعلينا أن نعرف أن آدم لم يكن نبيا ولا رسولا عند بدء خلقه، ولا موضعا للرسالة في ذلك الحين، بل أنكر بعضهم أن يكون رسولا مطلقا، وقال: إن أول الرسل نوح عليه السلام كما تدل على ذلك الآيات الواردة في الرسل والأحاديث، وما ورد في هذه القصة من التفسير بالمأثور، فأكثره مدخول مأخوذ من الإسرائيليات عن زنادقة اليهود الذين دخلوا في الإسلام للكيد له، وكان الرواة ينقلون عن الصحابي أو التابعي ما مصدره من الإسرائيليات؛ فيغتر به بعض الناس فيظنون أنه لا بد له من أصل مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يعرف بالرأي.
٢٦ - ويقول سبحانه وتعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ﴾ بقدرتنا من سمائنا لتدبير أموركم ﴿لِباسًا يُوارِي﴾ ويستر ﴿سَوْآتِكُمْ﴾ وعوراتكم التي قصد إبليس إبداءها من أبويكم حتى اضطروا إلى لزق الأوراق، فأنتم مستغنون عن ذلك باللباس يعني: ثياب القطن وغيره كالصوف والوبر والشعر ﴿وَ﴾ أنزلنا عليكم لباسا ﴿رِيشًا﴾ لكم؛ أي: يكون زينة لكم؛ أي: لباسا يزين لابسه كالريش الذي يزين الطائر، استعير من ريش الطائر؛ لأنه لباسه وزينته، وذلك كالحرير والخز والقز وحلي الذهب والفضة؛ أي أنزلنا عليكم لباسين؛ لباسا يواري سؤاتكم ولباسا يزينكم؛ لأن الزينة غرض صحيح. والمعنى (١): خلقناه لكم بتدبيرات سماوية، وأسباب نازلة منها كالمطر، فهو سبب لنبات القطن والكتان وغيرهما كالتوت، ولمعيشة الحيوانات ذوات الصوف وغيره فبهذا الاعتبار كأن اللباس نفسه أنزل من السماء، ونظير هذا: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ...﴾ إلخ. ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ...﴾ إلخ. ومعنى إنزال ما ذكر من السماء: إنزال مادته من القطن والصوف والوبر والحرير وريش الطير وغيرها مما ولدته الحاجة، وافتن الناس في استعماله بعد أن تعلموا وسائل صنعه بما أوجد فيهم من الغرائز والصفات التي بها غزلوا ونسجوا وحاكوا ذلك على ضروب شتى، وخاطوه على أشكال لا حصر لها ولا عد، ولا سيما في هذا العهد الذي وفيت فيه الصناعات إلى أقصى مدى وأبعد غاية. ولا شك أن امتنانه علينا بلباس الزينة دليل على إباحتها والرغبة في استعمالها، والإسلام دين
٢٦ - ويقول سبحانه وتعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ﴾ بقدرتنا من سمائنا لتدبير أموركم ﴿لِباسًا يُوارِي﴾ ويستر ﴿سَوْآتِكُمْ﴾ وعوراتكم التي قصد إبليس إبداءها من أبويكم حتى اضطروا إلى لزق الأوراق، فأنتم مستغنون عن ذلك باللباس يعني: ثياب القطن وغيره كالصوف والوبر والشعر ﴿وَ﴾ أنزلنا عليكم لباسا ﴿رِيشًا﴾ لكم؛ أي: يكون زينة لكم؛ أي: لباسا يزين لابسه كالريش الذي يزين الطائر، استعير من ريش الطائر؛ لأنه لباسه وزينته، وذلك كالحرير والخز والقز وحلي الذهب والفضة؛ أي أنزلنا عليكم لباسين؛ لباسا يواري سؤاتكم ولباسا يزينكم؛ لأن الزينة غرض صحيح. والمعنى (١): خلقناه لكم بتدبيرات سماوية، وأسباب نازلة منها كالمطر، فهو سبب لنبات القطن والكتان وغيرهما كالتوت، ولمعيشة الحيوانات ذوات الصوف وغيره فبهذا الاعتبار كأن اللباس نفسه أنزل من السماء، ونظير هذا: ﴿وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ...﴾ إلخ. ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ...﴾ إلخ. ومعنى إنزال ما ذكر من السماء: إنزال مادته من القطن والصوف والوبر والحرير وريش الطير وغيرها مما ولدته الحاجة، وافتن الناس في استعماله بعد أن تعلموا وسائل صنعه بما أوجد فيهم من الغرائز والصفات التي بها غزلوا ونسجوا وحاكوا ذلك على ضروب شتى، وخاطوه على أشكال لا حصر لها ولا عد، ولا سيما في هذا العهد الذي وفيت فيه الصناعات إلى أقصى مدى وأبعد غاية. ولا شك أن امتنانه علينا بلباس الزينة دليل على إباحتها والرغبة في استعمالها، والإسلام دين
(١) أبو السعود.
260
الفطرة، وليس فيه ما يخالف ما تدعو إليه الحاجة وحب الزينة من أقوى غرائز البشر الدافعة لهم إلى إظهار سنن الله في الخليقة.
وقرأ عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسلمي وعلي بن الحسين وابنه زيد وأبو رجاء وزر بن جيش وعاصم في رواية وأبو عمرو في رواية (١): ورياشا فقيل: هما مصدران بمعنى واحد، يقال: راشه الله يريشه ريشا ورياشا إذا أنعم عليه.
﴿وَلِباسُ التَّقْوى﴾ بالرفع مبتدأ خبره جملة قوله: ﴿ذلِكَ خَيْرٌ﴾؛ أي: اللباس الناشيء عن تقوى الله تعالى وخوفه، وهو العمل الصالح والإخلاص فيه ذلك خير؛ أي: هذا اللباس الأخير خير من اللباسين الأولين؛ لأن الإنسان يكسى من عمله يوم القيامة، وإنما كان خيرا لأنه يستر من فضائح الآخرة. وفي (٢) الحديث: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، فإذا كان كذلك فينبغي للإنسان أن يشتغل بتحسين ظاهره بالأعمال الصالحة، وباطنه بالإخلاص، فإنه محل نظر لله تعالى، ولذلك قال بعضهم: إلهي زين ظاهري بامتثال ما أمرتني به ونهيتني عنه، وزين سري بالإسرار، وعن الأغيار فصنه. وقال المراغي: المشهور من كلام التابعين أن لباس التقوى لباس معنوي لا حسي. فقد قال ابن زيد: لباس هو التقوى خير، وعن ابن عباس أنه هو الإيمان والعمل الصالح، فإنهما خير من الريش واللباس، وروي عن زيد بن علي بن الحسين أنه لباس الحرب كالدرع والمغفر والآلات التي يتقى بها العدو، واختاره أبو مسلم الأصفهاني، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصب (٣) ﴿لباس﴾ عطفا على ﴿لِباسًا﴾؛ أي: وأنزلنا عليكم لباس التقوى، وهو الإيمان كما قاله قتادة والسدي وابن جريج، أو العمل الصالح كما قاله ابن عباس، أو السمت الحسن كما قاله
وقرأ عثمان وابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والسلمي وعلي بن الحسين وابنه زيد وأبو رجاء وزر بن جيش وعاصم في رواية وأبو عمرو في رواية (١): ورياشا فقيل: هما مصدران بمعنى واحد، يقال: راشه الله يريشه ريشا ورياشا إذا أنعم عليه.
﴿وَلِباسُ التَّقْوى﴾ بالرفع مبتدأ خبره جملة قوله: ﴿ذلِكَ خَيْرٌ﴾؛ أي: اللباس الناشيء عن تقوى الله تعالى وخوفه، وهو العمل الصالح والإخلاص فيه ذلك خير؛ أي: هذا اللباس الأخير خير من اللباسين الأولين؛ لأن الإنسان يكسى من عمله يوم القيامة، وإنما كان خيرا لأنه يستر من فضائح الآخرة. وفي (٢) الحديث: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»، فإذا كان كذلك فينبغي للإنسان أن يشتغل بتحسين ظاهره بالأعمال الصالحة، وباطنه بالإخلاص، فإنه محل نظر لله تعالى، ولذلك قال بعضهم: إلهي زين ظاهري بامتثال ما أمرتني به ونهيتني عنه، وزين سري بالإسرار، وعن الأغيار فصنه. وقال المراغي: المشهور من كلام التابعين أن لباس التقوى لباس معنوي لا حسي. فقد قال ابن زيد: لباس هو التقوى خير، وعن ابن عباس أنه هو الإيمان والعمل الصالح، فإنهما خير من الريش واللباس، وروي عن زيد بن علي بن الحسين أنه لباس الحرب كالدرع والمغفر والآلات التي يتقى بها العدو، واختاره أبو مسلم الأصفهاني، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ﴾.
وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بنصب (٣) ﴿لباس﴾ عطفا على ﴿لِباسًا﴾؛ أي: وأنزلنا عليكم لباس التقوى، وهو الإيمان كما قاله قتادة والسدي وابن جريج، أو العمل الصالح كما قاله ابن عباس، أو السمت الحسن كما قاله
(١) البحر المحيط.
(٢) الصاوي.
(٣) المراح.
(٢) الصاوي.
(٣) المراح.
261
عثمان بن عفان، أو خشية الله تعالى كما قاله ابن الزبير، أو الحياء كما قاله معبد والحسن.
﴿ذلِكَ﴾؛ أي: اللباس ﴿خَيْرٌ﴾ لصاحبه من اللباسين الأولين؛ لأنه يستر من فضائح الآخرة، وقرأ باقي السبعة بالرفع كما مر. ﴿ذلِكَ﴾: المنزل من اللباسين ﴿مِنْ آياتِ اللَّهِ﴾؛ أي: من دلائل قدرته؛ أي: ذلك الذي تقدم ذكره من النعم بإنزال الملابس من آيات الله الدالة على قدرته، وعظيم فضله، وعميم رحمته لعباده، وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، والمعنى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم أنواع الملابس؛ لكي تذكرون وتعرفون عظيم النعمة في ذلك اللباس، وتقومون بما يجب عليكم من الشكر والابتعاد من فتنة الشيطان، وإبداء العورات، أو لإسراف في استعمال الزينة.
٢٧ - ولما ذكر سبحانه وتعالى نعمة اللباس.. أراد أن ينبههم على أن الشيطان حسود وعدو لهم كما أنه حسود وعدو لأبيهم، فقال: ﴿يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ﴾؛ أي: لا يخرجنكم الشيطان عن طاعتي بفتنه ووسوته، فتمنعوا من دخول جنتي ﴿كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ﴾ آدم وحواء ﴿مِنَ الْجَنَّةِ﴾؛ أي: إخراجا مثل إخراجه أبويكم من الجنة بفتنته بأمره لهما بمخالفة أمري، فمنعا من سكنى الجنة.
وهذا في الظاهر نهي للشيطان، وفي الحقيقة نهي لبني آدم عن الإصغاء لفتنته ووسوسته واتباعه، فليس المراد النهي عن تسلطه؛ إذ لا قدرة لمخلوق على منع ذلك؛ لأنه قضاء مبرم، بل المراد النهي عن الميل إليه.
والمعنى (١): أي لا تغفلوا يا بني آدم عن أنفسكم، فتمكنوا الشيطان من وسوسته لكم، والتحيل في خداعكم، وإيقاعكم في المعاصي كما وسوس لأبويكم آدم وحواء، فزين لهما معصية ربهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهم عنها، وكان ذلك سببا في خروجهما من الجنة التي كانا يتمتعان بنعيمها ودخولهما في طور آخر يكابدان فيه شقاء المعيشة وهمومها.
﴿ذلِكَ﴾؛ أي: اللباس ﴿خَيْرٌ﴾ لصاحبه من اللباسين الأولين؛ لأنه يستر من فضائح الآخرة، وقرأ باقي السبعة بالرفع كما مر. ﴿ذلِكَ﴾: المنزل من اللباسين ﴿مِنْ آياتِ اللَّهِ﴾؛ أي: من دلائل قدرته؛ أي: ذلك الذي تقدم ذكره من النعم بإنزال الملابس من آيات الله الدالة على قدرته، وعظيم فضله، وعميم رحمته لعباده، وقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ فيه التفات من الخطاب إلى الغيبة، والمعنى: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم أنواع الملابس؛ لكي تذكرون وتعرفون عظيم النعمة في ذلك اللباس، وتقومون بما يجب عليكم من الشكر والابتعاد من فتنة الشيطان، وإبداء العورات، أو لإسراف في استعمال الزينة.
٢٧ - ولما ذكر سبحانه وتعالى نعمة اللباس.. أراد أن ينبههم على أن الشيطان حسود وعدو لهم كما أنه حسود وعدو لأبيهم، فقال: ﴿يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ﴾؛ أي: لا يخرجنكم الشيطان عن طاعتي بفتنه ووسوته، فتمنعوا من دخول جنتي ﴿كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ﴾ آدم وحواء ﴿مِنَ الْجَنَّةِ﴾؛ أي: إخراجا مثل إخراجه أبويكم من الجنة بفتنته بأمره لهما بمخالفة أمري، فمنعا من سكنى الجنة.
وهذا في الظاهر نهي للشيطان، وفي الحقيقة نهي لبني آدم عن الإصغاء لفتنته ووسوسته واتباعه، فليس المراد النهي عن تسلطه؛ إذ لا قدرة لمخلوق على منع ذلك؛ لأنه قضاء مبرم، بل المراد النهي عن الميل إليه.
والمعنى (١): أي لا تغفلوا يا بني آدم عن أنفسكم، فتمكنوا الشيطان من وسوسته لكم، والتحيل في خداعكم، وإيقاعكم في المعاصي كما وسوس لأبويكم آدم وحواء، فزين لهما معصية ربهما، فأكلا من الشجرة التي نهاهم عنها، وكان ذلك سببا في خروجهما من الجنة التي كانا يتمتعان بنعيمها ودخولهما في طور آخر يكابدان فيه شقاء المعيشة وهمومها.
(١) المراغي.
262
وقرأ ابن وثاب وإبراهيم: ﴿لا يفتننكم﴾ - بضم حرف المضارعة - من أفتنه بمعنى حمله على الفتنة. وقرأ زيد بن علي: ﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ﴾ - بغير نون توكيد - اه «سمين» وقوله: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما﴾ حال من الضمير في ﴿أَخْرَجَ﴾، أو من ﴿أَبَوَيْكُمْ﴾؛ لأن الجملة فيها ضمير الشيطان، وضمير الأبوين؛ أي: حالة كون الشيطان ينزع ويسقط عن أبويكم لباسهما؛ أي: حالة كونه تسبب في سقوط لباسهما عنهما بأمرهما بالأكل من الشجرة ﴿لِيُرِيَهُما﴾؛ أي: ليظهر لهما ﴿سَوْآتِهِما﴾؛ أي: عوراتهما أي: ليري آدم سوأة حواء، وترى هي سوأة آدم؛ أي: أنه أخرجهما من الجنة، وكان سببا في نزع لباسهما من ثياب الجنة، أو مما اتخذاه لباسا لهما من ورق الجنة؛ لأجل أن يريهما سؤاتهما، وفي ذلك إيماء إلى أنهما كانا يعيشان عريانين بعدما أهبطا إلى الأرض؛ لأنه ليس في الأرض ثياب تصنع، وليس هناك إلا أوراق الأشجار، وعلماء العاديات والآثار يحكمون حكما جازما بأن البشر قبل اهتدائهم إلى الصناعات كانوا يعيشون عراة، ثم اكتسوا بورق الشجر وجلود الحيوان التي يصطادونها، ولا يزال المتوحشون منهم إلى الآن يعيشون كذلك.
وقوله: ﴿إِنَّهُ يَراكُمْ﴾ تعليل للتحرز من الشيطان اللازم للنهي، كأنه قيل: فاحذروه لأنه يراكم ﴿هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾؛ أي أن إبليس وجنوده وأعوانه من شياطين الجن يرونكم يا بني آدم من مكان لا ترونهم فيه، والضرر إذا جاء من حيث لا يرى كان خطره أشد، ووجوب العناية باتقائه أعظم، كما يرى ذلك في بعض الأوبئة التي ثبت وجودها في هذا العصر بالمجهر، فإنها تنفذ إلى الأجسام بنقل الذباب، أو البعوض، أو مع الطعام أو الشراب، أو الهواء، فتتوالد وتنمو بسرعة، وقد تسبب للإنسان أمراضا مستعصية العلاج كالحمى الصفراء، والسل والسرطان إلى غير ذلك.
وفعل جنة الشياطين في أرواح البشر كفعل هذه الجنة التي يسميها الأطباء الميكروبات في الأجسام، فكلاهما يؤثر من حيث لا يرى فيتقى، والثانية تتقى بالأخذ بنصائح الأطباء، واستعمال الوسائل العلاجية الواقية، والأولى تتقى أيضا
وقوله: ﴿إِنَّهُ يَراكُمْ﴾ تعليل للتحرز من الشيطان اللازم للنهي، كأنه قيل: فاحذروه لأنه يراكم ﴿هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾؛ أي أن إبليس وجنوده وأعوانه من شياطين الجن يرونكم يا بني آدم من مكان لا ترونهم فيه، والضرر إذا جاء من حيث لا يرى كان خطره أشد، ووجوب العناية باتقائه أعظم، كما يرى ذلك في بعض الأوبئة التي ثبت وجودها في هذا العصر بالمجهر، فإنها تنفذ إلى الأجسام بنقل الذباب، أو البعوض، أو مع الطعام أو الشراب، أو الهواء، فتتوالد وتنمو بسرعة، وقد تسبب للإنسان أمراضا مستعصية العلاج كالحمى الصفراء، والسل والسرطان إلى غير ذلك.
وفعل جنة الشياطين في أرواح البشر كفعل هذه الجنة التي يسميها الأطباء الميكروبات في الأجسام، فكلاهما يؤثر من حيث لا يرى فيتقى، والثانية تتقى بالأخذ بنصائح الأطباء، واستعمال الوسائل العلاجية الواقية، والأولى تتقى أيضا
263
بتقوية الأرواح بالإيمان بالله وصفاته، وإخلاص العبادة له، والتخلق بالأخلاق الكريمة، وترك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فتبتعد تلك الأرواح الشيطانية عنها، ولا تستطيع القرب منها.
والحاصل:
أن الشياطين يرون بني آدم لكثافة أجسامهم وتلونهم، وبنو آدم لا يرونهم للطافتهم وعدم تلونهم، فأجسام الشياطين كالهواء، وأما رؤية الشياطين بعضهم بعضا، فحاصلة لقوة في أبصارهم. قال مجاهد: قال إبليس: جعل لنا أربع: نرى، ولا نرى، ونخرج من تحت الثرى، ويعود شيخنا شابا. وقال مالك بن دينار: إن عدوا يراك ولا تراه لشديد المجاهدة إلا من عصمه الله.
وهذا حيث كانوا بصورتهم الأصلية، وأما إذا تصوروا بغيرهم فنراهم؛ لأن الله تعالى جعل لهم قدرة على التشكل بالصور الجميلة أو الخسيسة، وتحكم عليهم الصورة كما في الأحاديث الصحيحة، فالآية ليست على عمومها، فالفرق بينهم وبين الملائكة أن الملائكة لا يتشكلون إلا في الصورة الجميلة، ولا تحكم عليهم، بخلاف الجن. وقد ورد أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وجعلت صدور بني آدم مساكن لهم إلا من عصمه الله تعالى. وقرأ اليزيدي: ﴿وقبيله﴾ - بالنصب - عطفا على اسم ﴿إن﴾.
ثم زاد في التحذير من الشيطان، وبيّن شديد عداوته للإنسان، فقال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا﴾ وصيرنا ﴿الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ﴾ وأعوانا وأصحابا ﴿لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾: أي: لغير المؤمنين؛ أي: مكناهم من إغوائهم، فتحرزوا أنتم أيها المؤمنون منهم؛ أي: إنا صيرنا الشياطين قرناء للذين لا يؤمنون بمحمد ﷺ وبالقرآن مسلطين عليهم؛ أي: أن (١) سنتنا جرت بأن يكون الشياطين الذين هم شرار الجن أولياء لشرار الإنس؛ وهم الكفار الذين لا يؤمنون بالله تعالى وملائكته إيمان إذعان تزكو به نفوسهم لما بينهما من التناسب والتشاكل.
واكتساب الكفار لولاية الشياطين جاءت بسبب استعدادهم لقبول وسوستهم
والحاصل:
أن الشياطين يرون بني آدم لكثافة أجسامهم وتلونهم، وبنو آدم لا يرونهم للطافتهم وعدم تلونهم، فأجسام الشياطين كالهواء، وأما رؤية الشياطين بعضهم بعضا، فحاصلة لقوة في أبصارهم. قال مجاهد: قال إبليس: جعل لنا أربع: نرى، ولا نرى، ونخرج من تحت الثرى، ويعود شيخنا شابا. وقال مالك بن دينار: إن عدوا يراك ولا تراه لشديد المجاهدة إلا من عصمه الله.
وهذا حيث كانوا بصورتهم الأصلية، وأما إذا تصوروا بغيرهم فنراهم؛ لأن الله تعالى جعل لهم قدرة على التشكل بالصور الجميلة أو الخسيسة، وتحكم عليهم الصورة كما في الأحاديث الصحيحة، فالآية ليست على عمومها، فالفرق بينهم وبين الملائكة أن الملائكة لا يتشكلون إلا في الصورة الجميلة، ولا تحكم عليهم، بخلاف الجن. وقد ورد أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وجعلت صدور بني آدم مساكن لهم إلا من عصمه الله تعالى. وقرأ اليزيدي: ﴿وقبيله﴾ - بالنصب - عطفا على اسم ﴿إن﴾.
ثم زاد في التحذير من الشيطان، وبيّن شديد عداوته للإنسان، فقال: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا﴾ وصيرنا ﴿الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ﴾ وأعوانا وأصحابا ﴿لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾: أي: لغير المؤمنين؛ أي: مكناهم من إغوائهم، فتحرزوا أنتم أيها المؤمنون منهم؛ أي: إنا صيرنا الشياطين قرناء للذين لا يؤمنون بمحمد ﷺ وبالقرآن مسلطين عليهم؛ أي: أن (١) سنتنا جرت بأن يكون الشياطين الذين هم شرار الجن أولياء لشرار الإنس؛ وهم الكفار الذين لا يؤمنون بالله تعالى وملائكته إيمان إذعان تزكو به نفوسهم لما بينهما من التناسب والتشاكل.
واكتساب الكفار لولاية الشياطين جاءت بسبب استعدادهم لقبول وسوستهم
(١) المراغي.
264
وإغوائهم، وعدم احتراسهم من الخواطر الرديئة، كاكتساب ضعفاء البنية للأمراض باستعدادهم لها، وعدم احتراسهم من أسبابها، كتناول الأطعمة والأشربة الفاسدة، والوجود في جو مملوء بالجراثيم القاتلة بعدم تعرضه للشمس والنور والهواء المتجدد.
٢٨ - ﴿وَإِذا فَعَلُوا﴾؛ أي: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله ورسوله ممن جعلوا الشياطين أولياء لأنفسهم فعلة ﴿فاحِشَةً﴾؛ أي: فعلا قبيحا شرعا وعقلا من الأفعال التي تدينوا بها كتعريهم حين الطواف بالبيت، وسجودهم للأصنام، فلامهم لائم على ذلك ونهاهم عنه. قال أكثر المفسرين: المراد بالفاحشة هنا هي طواف المشركين بالبيت عراة. وقيل: هي الشرك، والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعا، والفاحشة في أصلها هي الذنوب التي بلغت الغاية في فحشها وقبحها. ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال الذين لا يؤمنون بالله في جواب اللائم والناهي محتجين بأمرين، تقليد الآباء والافتراء على الله ﴿وَجَدْنا﴾ ورأينا ﴿عَلَيْها﴾؛ أي: على هذه الفاحشة ﴿آباءَنا﴾ وأجدادنا وأسلافنا؛ أي: قالوا: وجدنا آباءنا يفعلون مثل ما نفعل، فنحن نقتدي بهم ونستن بسنتهم ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَمَرَنا بِها﴾؛ أي: بهذه الفعلة، فنحن نتبع أمره، فإن أجدادنا إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى بها، وقد رد تعالى عن الأمر الثاني بأمر رسوله أن يدحضه بقوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد في جوابهم ردا عليهم في المقالة الثانية ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ﴾؛ أي: إن هذا الفعل من الفحشاء، والله سبحانه بكماله منزه عن أن يأمر بالفحشاء، فإن عادته تعالى جارية على الأمر بمحاسن الأعمال، والحث على نفائس الخصال، وإنما يأمر بالفحشاء الشيطان، كما جاء في قوله سبحانه: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ﴾.
ثم رد عليهم المقالة الأولى، ووبخهم على تقليد الآباء والأجداد بقوله: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ، وهذا من جملة المأمور به في الجواب؛ أي: وقل لهم يا محمد: إنكم باتباعكم للآباء والأجداد في الآراء والشرائع غير المستندة إلى الوحي تقولون على الله ما لا تعلمون أنه
٢٨ - ﴿وَإِذا فَعَلُوا﴾؛ أي: وإذا فعل الذين لا يؤمنون بالله ورسوله ممن جعلوا الشياطين أولياء لأنفسهم فعلة ﴿فاحِشَةً﴾؛ أي: فعلا قبيحا شرعا وعقلا من الأفعال التي تدينوا بها كتعريهم حين الطواف بالبيت، وسجودهم للأصنام، فلامهم لائم على ذلك ونهاهم عنه. قال أكثر المفسرين: المراد بالفاحشة هنا هي طواف المشركين بالبيت عراة. وقيل: هي الشرك، والظاهر أنها تصدق على ما هو أعم من الأمرين جميعا، والفاحشة في أصلها هي الذنوب التي بلغت الغاية في فحشها وقبحها. ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال الذين لا يؤمنون بالله في جواب اللائم والناهي محتجين بأمرين، تقليد الآباء والافتراء على الله ﴿وَجَدْنا﴾ ورأينا ﴿عَلَيْها﴾؛ أي: على هذه الفاحشة ﴿آباءَنا﴾ وأجدادنا وأسلافنا؛ أي: قالوا: وجدنا آباءنا يفعلون مثل ما نفعل، فنحن نقتدي بهم ونستن بسنتهم ﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿أَمَرَنا بِها﴾؛ أي: بهذه الفعلة، فنحن نتبع أمره، فإن أجدادنا إنما كانوا يفعلونها بأمر الله تعالى بها، وقد رد تعالى عن الأمر الثاني بأمر رسوله أن يدحضه بقوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد في جوابهم ردا عليهم في المقالة الثانية ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ﴾؛ أي: إن هذا الفعل من الفحشاء، والله سبحانه بكماله منزه عن أن يأمر بالفحشاء، فإن عادته تعالى جارية على الأمر بمحاسن الأعمال، والحث على نفائس الخصال، وإنما يأمر بالفحشاء الشيطان، كما جاء في قوله سبحانه: ﴿الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ﴾.
ثم رد عليهم المقالة الأولى، ووبخهم على تقليد الآباء والأجداد بقوله: ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ، وهذا من جملة المأمور به في الجواب؛ أي: وقل لهم يا محمد: إنكم باتباعكم للآباء والأجداد في الآراء والشرائع غير المستندة إلى الوحي تقولون على الله ما لا تعلمون أنه
265
شرعه لعباده يعني: أنكم (١) ما سمعتم كلام الله مشافهة، ولا أخذتموه عن الأنبياء الذين هم وسائط بين الله وعباده في تبليغ أوامره ونواهيه؛ لأنكم تنكرون نبوة الأنبياء، فكيف تقولون على الله ما لا تعلمون.
والخلاصة (٢): أنهم في عملهم الفاحشة استندوا إلى أمرين: أمر الله تعالى بها، وتقليد الآباء والأجداد، وقد رد الله عليهم في كل منهما، فرد على الأول ببيان أن الله لا يأمر بفاحشة، وأن الذي يأمر بها إنما هو الشيطان، ورد على الثاني بأن التشريع لا يعلم إلا بوحي من عنده إلى رسول يؤيده بالآيات البينات، وهو لم ينزل عليهم بفعل الفاحشة، فقولهم هذا إنما هو اتباع للأهواء فيما هو قبيح تنفر منه الطباع السليمة، وتستنقصه العقول الراجحة الحكيمة.
واعلم: أن في هذه الآية الشريفة لأعظم (٣) زاجر وأبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: إنا وجدنا آباؤنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون، والقائلون: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به، وأنه الحق لم يبق عليه، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية، والنصراني على النصرانية، والمبتدع على بدعته، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية أو النصرانية أو البدعية، وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به، ولم ينظروا لأنفسهم، ولا طلبوا الحق كما يجب، ولا بحثوا عن دين الله كما ينبغي، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية إنا لك النذير المبالغ في التحذير من أن تقول هذه المقالة، وتستمر على الضلالة، فقد اختلط الشر بالخير، والصحيح بالسقيم، وفاسد الرأي بصحيح الرواية، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبيا واحدا أمرهم باتباعه، ونهى عن مخالفته، فقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما
والخلاصة (٢): أنهم في عملهم الفاحشة استندوا إلى أمرين: أمر الله تعالى بها، وتقليد الآباء والأجداد، وقد رد الله عليهم في كل منهما، فرد على الأول ببيان أن الله لا يأمر بفاحشة، وأن الذي يأمر بها إنما هو الشيطان، ورد على الثاني بأن التشريع لا يعلم إلا بوحي من عنده إلى رسول يؤيده بالآيات البينات، وهو لم ينزل عليهم بفعل الفاحشة، فقولهم هذا إنما هو اتباع للأهواء فيما هو قبيح تنفر منه الطباع السليمة، وتستنقصه العقول الراجحة الحكيمة.
واعلم: أن في هذه الآية الشريفة لأعظم (٣) زاجر وأبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق، فإنهم القائلون: إنا وجدنا آباؤنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون، والقائلون: وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها، والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع اعتقاده بأنه الذي أمر الله به، وأنه الحق لم يبق عليه، وهذه الخصلة هي التي بقي بها اليهودي على اليهودية، والنصراني على النصرانية، والمبتدع على بدعته، فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية أو النصرانية أو البدعية، وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به، ولم ينظروا لأنفسهم، ولا طلبوا الحق كما يجب، ولا بحثوا عن دين الله كما ينبغي، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص، فيا من نشأ على مذهب من هذه المذاهب الإسلامية إنا لك النذير المبالغ في التحذير من أن تقول هذه المقالة، وتستمر على الضلالة، فقد اختلط الشر بالخير، والصحيح بالسقيم، وفاسد الرأي بصحيح الرواية، ولم يبعث الله إلى هذه الأمة إلا نبيا واحدا أمرهم باتباعه، ونهى عن مخالفته، فقال: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) الشوكاني.
266
نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ولو كان محض رأي أئمة المذاهب واتباعهم حجة على العباد.. لكان لهذه الأمة رسل كثيرة متعددون بعدد أهل الرأي المكلفين للناس بما لم يكلفهم الله به، وإن من أعجب الغفلة، وأعظم الذهول عن الحق اختيار المقلدة لآراء الرجال مع وجود كتاب الله، ووجود سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ووجود من يأخذونهما عنه، ووجود آلة الفهم لديهم، وملكة العقل عندهم.
٢٩ - وبعد أن أنكر عليهم أن يكونوا على علم بأمر الله فيما فعلوا.. بين ما يأمر به من محاسن الأعمال، ومكارم الأخلاق بقوله لرسوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد: ﴿إنما أَمَرَ﴾ ني ﴿رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾؛ أي: بالاستقامة، والعدل في الأمور كلها، فأطيعوه، وقوله: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ معطوف على المحذوف المقدر، أو على معنى ﴿بِالْقِسْطِ﴾ قال لهم: أمرني ربي بالقسط، فأقسطوا في الأمور كلها، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد؛ أي (١): وجهوا وجوهكم في الصلاة إلى القبلة في أي مسجد كنتم فيه، أو في كل وقت سجود، أو في كل مكان سجود على أن المراد بالسجود الصلاة، أو المعنى (٢) أعطوا توجهكم إلى الله تعالى حقه من صحة النية، وحضور القلب، وصرف الشواغل عند كل مسجد تعبدونه فيه سواء كانت العبادة طوافا، أو صلاة، أو ذكرا ﴿وَادْعُوهُ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: واعبدوه وحده حالة كونكم ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ والعبادة، ولا تتوجهوا إلى غيره من عباده المكرمين زعما منكم أنهم يشفعون لكم عند ربكم، ويقربونكم إليه زلفى، وقد جعلتم هذا من الدين افتراء على الله، وقولا عليه بغير علم.
٣٠ - وبعد أن أبان أصل الدين ومناط الأمر والنهي فيه.. ذكرنا بالبعث والجزاء على الأعمال، فقال: ﴿كَما بَدَأَكُمْ﴾ وأنشأكم ربكم خلقا وتكوينا بقدرته ﴿تَعُودُونَ﴾ إليه سبحانه وتعالى بالبعث يوم القيامة، وأنتم فريقان سعداء وأشقياء ﴿فَرِيقًا﴾ منكم ﴿هَدى﴾ هـ الله سبحانه وتعالى في الدنيا ببعثة الرسل، فاهتدى بهديهم، وأقام
٢٩ - وبعد أن أنكر عليهم أن يكونوا على علم بأمر الله فيما فعلوا.. بين ما يأمر به من محاسن الأعمال، ومكارم الأخلاق بقوله لرسوله: ﴿قُلْ﴾ لهم يا محمد: ﴿إنما أَمَرَ﴾ ني ﴿رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾؛ أي: بالاستقامة، والعدل في الأمور كلها، فأطيعوه، وقوله: ﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ معطوف على المحذوف المقدر، أو على معنى ﴿بِالْقِسْطِ﴾ قال لهم: أمرني ربي بالقسط، فأقسطوا في الأمور كلها، وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد؛ أي (١): وجهوا وجوهكم في الصلاة إلى القبلة في أي مسجد كنتم فيه، أو في كل وقت سجود، أو في كل مكان سجود على أن المراد بالسجود الصلاة، أو المعنى (٢) أعطوا توجهكم إلى الله تعالى حقه من صحة النية، وحضور القلب، وصرف الشواغل عند كل مسجد تعبدونه فيه سواء كانت العبادة طوافا، أو صلاة، أو ذكرا ﴿وَادْعُوهُ﴾ سبحانه وتعالى؛ أي: واعبدوه وحده حالة كونكم ﴿مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ والعبادة، ولا تتوجهوا إلى غيره من عباده المكرمين زعما منكم أنهم يشفعون لكم عند ربكم، ويقربونكم إليه زلفى، وقد جعلتم هذا من الدين افتراء على الله، وقولا عليه بغير علم.
٣٠ - وبعد أن أبان أصل الدين ومناط الأمر والنهي فيه.. ذكرنا بالبعث والجزاء على الأعمال، فقال: ﴿كَما بَدَأَكُمْ﴾ وأنشأكم ربكم خلقا وتكوينا بقدرته ﴿تَعُودُونَ﴾ إليه سبحانه وتعالى بالبعث يوم القيامة، وأنتم فريقان سعداء وأشقياء ﴿فَرِيقًا﴾ منكم ﴿هَدى﴾ هـ الله سبحانه وتعالى في الدنيا ببعثة الرسل، فاهتدى بهديهم، وأقام
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
267
وجهه له وحده في العبادة، ودعاه مخلصا له الدين لا يشرك به أحدا ﴿وَ﴾ أضل ﴿فَرِيقًا﴾ آخر منكم ﴿حَقَّ﴾ وثبت ﴿عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ أزلا؛ لاتباعهم إغواء الشيطان، وإعراضهم عن طاعة بارئهم، وكل فريق يموت على ما عاش عليه، ويبعث على ما مات عليه.
وقرأ أبي: ﴿تعودون فريقين فريقا هدى﴾. وقيل المعنى: ﴿كَما بَدَأَكُمْ﴾ في (١) الخلق شقيا وسعيدا، فكذلك ﴿تَعُودُونَ﴾ سعداء وأشقياء يدل على صحة هذا المعنى قوله: ﴿فَرِيقًا هَدى﴾؛ أي: أرشد إلى دينه، وهم أولياؤه ﴿وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾؛ أي: أضلهم، وهم أولياء الشياطين، أو المعنى: كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب.
وإنما حقت على الفريق الثاني الضلالة؛ لأنهم اقترفوا أسبابها، فوجدت نتائجها ومسبباتها، لا أنها جعلت لهم غرائز، فكانوا عليها مجبورين يرشد إلى ذلك قوله: ﴿إِنَّهُمُ﴾؛ أي: إن هؤلاء الفريق الثاني ﴿اتَّخَذُوا﴾ وجعلوا لأنفسهم ﴿الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ تعالى يطيعونهم في معصية الله، وهذه الجملة تعليل لقوله: ﴿وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾؛ أي: أنهم حين أطاعوا الشياطين فيما زينوا لهم من الفواحش والمنكرات، فكأنهم ولّوهم أمورهم من دون الله الذي يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر ﴿وَ﴾ هم مع عملهم هذا ﴿يَحْسَبُونَ ويظنون أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ راشدون فيما تلقنهم الشياطين من الشبهات، كجعل التوجه إلى غير الله، والتوسل إليه في الدعاء مما يقربهم إلى الله زلفى قياسا على الملوك الجاهلين الذين لا يقبلون الصفح عن مذنب إلا بواسطة بعض المقربين عنده، ودلت هذه الآية على أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في حصة الدين، بل لا بد من الجزم والقطع؛ لأنه تعالى ذم الكفار بأنهم بحسبون كونهم مهتدين، ولولا أن هذا الحسبان مذموم لما ذمهم بذلك، ودلت أيضا على أن كل من شرع في باطل؛ فهو مستحق للذم سواء حسب كونه هدى، أو لم
وقرأ أبي: ﴿تعودون فريقين فريقا هدى﴾. وقيل المعنى: ﴿كَما بَدَأَكُمْ﴾ في (١) الخلق شقيا وسعيدا، فكذلك ﴿تَعُودُونَ﴾ سعداء وأشقياء يدل على صحة هذا المعنى قوله: ﴿فَرِيقًا هَدى﴾؛ أي: أرشد إلى دينه، وهم أولياؤه ﴿وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾؛ أي: أضلهم، وهم أولياء الشياطين، أو المعنى: كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب.
وإنما حقت على الفريق الثاني الضلالة؛ لأنهم اقترفوا أسبابها، فوجدت نتائجها ومسبباتها، لا أنها جعلت لهم غرائز، فكانوا عليها مجبورين يرشد إلى ذلك قوله: ﴿إِنَّهُمُ﴾؛ أي: إن هؤلاء الفريق الثاني ﴿اتَّخَذُوا﴾ وجعلوا لأنفسهم ﴿الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ تعالى يطيعونهم في معصية الله، وهذه الجملة تعليل لقوله: ﴿وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾؛ أي: أنهم حين أطاعوا الشياطين فيما زينوا لهم من الفواحش والمنكرات، فكأنهم ولّوهم أمورهم من دون الله الذي يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر ﴿وَ﴾ هم مع عملهم هذا ﴿يَحْسَبُونَ ويظنون أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ راشدون فيما تلقنهم الشياطين من الشبهات، كجعل التوجه إلى غير الله، والتوسل إليه في الدعاء مما يقربهم إلى الله زلفى قياسا على الملوك الجاهلين الذين لا يقبلون الصفح عن مذنب إلا بواسطة بعض المقربين عنده، ودلت هذه الآية على أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في حصة الدين، بل لا بد من الجزم والقطع؛ لأنه تعالى ذم الكفار بأنهم بحسبون كونهم مهتدين، ولولا أن هذا الحسبان مذموم لما ذمهم بذلك، ودلت أيضا على أن كل من شرع في باطل؛ فهو مستحق للذم سواء حسب كونه هدى، أو لم
(١) الواحدي.
268
يحسب ذلك اه «كرخي». والكثير (١) من أهل الضلال يحسبون أنهم مهتدون، وهم ما بين كافر جحود للحق كبرا وعنادا - كأعداء الرسل في عصورهم وحاسديهم على ما آتاهم الله من فضله، كما حكى سبحانه عن فرعون وملئه: ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾ وكالكبراء من قريش أمثال أبي جهل، والوليد بن المغيرة، والنضر بن الحارث في جمع كثير منهم، وهم الذين قال فيهم: ﴿فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ وهؤلاء هم الأقلون عددا. وكافر بالتقليد واتباع نزغات الشيطان، أو باتباع الآراء الخاطئة والنظريات الفاسدة، وهم الذين قال الله فيهم: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)﴾ وهؤلاء هم جمهرة الناس في جميع الأمم، وذهب كثير من العلماء إلى أن من بذل جهده في البحث والنظر في الحق، ثم اتبع ما ظهر له أنه الحق بحسب ما وصلت إليه طاقته، وكان مخالفا في شيء منه لما جاءت به الرسل لا يدخل في مدلول هذه الآية ونحوها، بل يكون معذورا عند الله تعالى لقوله: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها﴾.
الإعراب
﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)﴾.
﴿وَيا آدَمُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿يا آدَمُ﴾: منادى مضافا، وجملة النداء في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قُلْنا﴾، والتقدير: ثم قلنا للملائكة: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾، وقلنا: ﴿يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾، كما ذكره صاحب «زاده» ﴿اسْكُنْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر وجوبا. ﴿أَنْتَ﴾: ضمير منفصل مؤكد لضمير الفاعل؛ ليصح عطف ما بعده عليه كما قال ابن مالك:
الإعراب
﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (١٩)﴾.
﴿وَيا آدَمُ﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿يا آدَمُ﴾: منادى مضافا، وجملة النداء في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قُلْنا﴾، والتقدير: ثم قلنا للملائكة: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾، وقلنا: ﴿يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾، كما ذكره صاحب «زاده» ﴿اسْكُنْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير مستتر وجوبا. ﴿أَنْتَ﴾: ضمير منفصل مؤكد لضمير الفاعل؛ ليصح عطف ما بعده عليه كما قال ابن مالك:
وإن على ضمير رفع متصل | عطفت فافصل بالضمير المنفصل |
(١) المراغي.
269
﴿وَزَوْجُكَ﴾: معطوف على الضمير المستتر. ﴿الْجَنَّةَ﴾: منصوب على الظرفية المكانية متعلف بـ ﴿اسْكُنْ﴾، والجملة الفعلية جواب النداء لا محل لها من الإعراب. ﴿فَكُلا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وترتيب، ﴿كلا﴾: فعل وفاعل معطوف على اسكن. ﴿مِنْ حَيْثُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿كلا﴾. ﴿شِئْتُما﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حَيْثُ﴾. ﴿وَلا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَقْرَبا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَكُلا﴾. هذِهِ: في محل النصب مفعول به. ﴿الشَّجَرَةَ﴾: بدل من اسم الإشارة. ﴿فَتَكُونا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿تكونا﴾: فعل ناقص، واسمه معطوف على ﴿تَقْرَبا﴾ مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية. مِنَ الظَّالِمِينَ: جار ومجرور خبر ﴿تكونا﴾ وإن شئت قلت ﴿الفاء﴾: عاطفة سببية، ﴿تكونا﴾: فعل ناقص، واسمه منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي، وعلامة نصبه حذف النون، والتقدير على هذا الوجه: لا يكن منكما قربان هذه الشجرة فكونكما من الظالمين.
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)﴾.
﴿فَوَسْوَسَ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن الله سبحانه وتعالى نهاهما عن تلك الشجرة، وأوردت بيان هل امتثلا لذلك النهي أم لا.. فأقول لك: ﴿وسوس لهما الشيطان﴾: ﴿وسوس﴾: فعل ماض. ﴿لَهُمَا﴾ جار ومجرور متعلق به. ﴿الشَّيْطانُ﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿لِيُبْدِيَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف جر وعاقبة، ﴿يبدي﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشَّيْطانُ﴾. ﴿لَهُمَا﴾: متعلق به، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لإبدائه لهما ما ووري، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿فَوَسْوَسَ﴾. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (٢٠)﴾.
﴿فَوَسْوَسَ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أن الله سبحانه وتعالى نهاهما عن تلك الشجرة، وأوردت بيان هل امتثلا لذلك النهي أم لا.. فأقول لك: ﴿وسوس لهما الشيطان﴾: ﴿وسوس﴾: فعل ماض. ﴿لَهُمَا﴾ جار ومجرور متعلق به. ﴿الشَّيْطانُ﴾: فاعل، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿لِيُبْدِيَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف جر وعاقبة، ﴿يبدي﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشَّيْطانُ﴾. ﴿لَهُمَا﴾: متعلق به، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لإبدائه لهما ما ووري، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿فَوَسْوَسَ﴾. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به
270
لـ ﴿يبدي﴾. ﴿وُورِيَ﴾: فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾. ﴿عَنْهُما﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط الضمير المستتر في ﴿وُورِيَ﴾ مِنْ ﴿سَوْآتِهِما﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من ضمير ﴿وُورِيَ﴾. ﴿وَقالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشَّيْطانُ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَوَسْوَسَ﴾ على أنها عطف بيان لها. ﴿ما نَهاكُما رَبُّكُما﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿ما﴾ نافية. ﴿نَهاكُما﴾ فعل ومفعول. ﴿رَبُّكُما﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿عَنْ هذِهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نَهاكُما﴾. ﴿الشَّجَرَةِ﴾: بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان منه. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿تَكُونا﴾: فعل ناقص، واسمه منصوب بـ ﴿أَنْ﴾. ﴿مَلَكَيْنِ﴾: خبرها، والجملة الفعلية صلة ﴿أَنْ﴾ المصدرية، ﴿أَنْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بإضافة المصدر المقدر المنصوب على أنه مفعول لأجله تقديره: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا كراهية كونكما ملكين. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتفصيل. ﴿تَكُونا﴾: فعل ناقص، واسمه معطوف على ﴿تَكُونا﴾. ﴿مِنَ الْخالِدِينَ﴾: خبر ﴿تَكُونا﴾، والتقدير: أو كراهية كونكما من الخالدين.
﴿وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١)﴾.
﴿وَقاسَمَهُما﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الشيطان، والجملة معطوفة على جملة ﴿قالَ﴾. ﴿إِنِّي﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿لَكُما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿النَّاصِحِينَ﴾. ﴿لَمِنَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿من الناصحين﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾ تقديره: إني لكائن من الناصحين لكما، وجملة ﴿إن﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
﴿فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾.
﴿فَدَلَّاهُما﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿دلى﴾: فعل ماض من باب فعل المضعف،
﴿وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (٢١)﴾.
﴿وَقاسَمَهُما﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الشيطان، والجملة معطوفة على جملة ﴿قالَ﴾. ﴿إِنِّي﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب، والياء اسمها. ﴿لَكُما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿النَّاصِحِينَ﴾. ﴿لَمِنَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿من الناصحين﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾ تقديره: إني لكائن من الناصحين لكما، وجملة ﴿إن﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
﴿فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾.
﴿فَدَلَّاهُما﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿دلى﴾: فعل ماض من باب فعل المضعف،
271
و ﴿الهاء﴾: مفعول به، وفاعله ضمير يعود على الشيطان، والجملة معطوفة على جملة ﴿قاسَمَهُما﴾. ﴿بِغُرُورٍ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿دلى﴾ تقديره: فدلاهما الشيطان حالة كونه متلبسا بغرور وخداع لهما. ﴿فَلَمَّا﴾: ﴿الفاء﴾ عاطفة، ﴿لما﴾: حرف شرط غير جازم. ﴿ذاقَا الشَّجَرَةَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة فعل شرط لـ ﴿لما﴾ لا محل لها من الأعراب. ﴿بَدَتْ﴾: فعل ماض. ﴿لَهُما﴾: متعلق به. ﴿سَوْآتُهُما﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة جواب ﴿لما﴾، وجملة ﴿لما﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿فَدَلَّاهُما﴾. ﴿وَطَفِقا﴾: فعل ناقص واسمه؛ لأنه من أفعال الشروع، وجملة ﴿يَخْصِفانِ﴾ خبره، وجملة ﴿وَطَفِقا﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿بَدَتْ﴾ على كونها جواب ﴿لما﴾. ﴿عَلَيْهِما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَخْصِفانِ﴾. ﴿مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَخْصِفانِ﴾ أيضا.
﴿وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
﴿وَناداهُما رَبُّهُما﴾ فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة بَدَتْ. ﴿أَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام التقريري، ﴿لَمْ﴾: حرف جزم ونفي. ﴿أَنْهَكُما﴾ فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة جملة مفسرة للنداء لا محل لها من الإعراب. ﴿عَنْ تِلْكُمَا﴾: ﴿عَنْ﴾: حرف جر. ﴿تـ﴾: اسم إشارة يشار بها للمفردة المؤنثة البعيدة في محل الجر بـ ﴿عَنْ﴾ مبني على الكسر لشبهه بالحرف شبها معنويا، ﴿اللام﴾: لبعد المشار إليه، و ﴿الكاف﴾: حرف دال على الخطاب، و ﴿الميم﴾: حرف عماد، و ﴿الألف﴾: حرف دال على التثنية. ﴿الشَّجَرَةَ﴾ بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان له، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أَنْهَكُما﴾. ﴿وَأَقُلْ﴾: فعل مضارع معطوف على أنه مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿لَكُما﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ﴾ إلى آخره مقول محكي لـ ﴿أَقُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿إِنَّ﴾ حرف نصب. ﴿الشَّيْطانَ﴾: اسمها. ﴿لَكُما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَدُوٌّ﴾. ﴿عَدُوٌّ﴾: خبر إن ﴿مُبِينٌ﴾: صفة ﴿عَدُوٌّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول القول لـ ﴿أَقُلْ﴾.
﴿وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾.
﴿وَناداهُما رَبُّهُما﴾ فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة بَدَتْ. ﴿أَلَمْ﴾ ﴿الهمزة﴾ للاستفهام التقريري، ﴿لَمْ﴾: حرف جزم ونفي. ﴿أَنْهَكُما﴾ فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة جملة مفسرة للنداء لا محل لها من الإعراب. ﴿عَنْ تِلْكُمَا﴾: ﴿عَنْ﴾: حرف جر. ﴿تـ﴾: اسم إشارة يشار بها للمفردة المؤنثة البعيدة في محل الجر بـ ﴿عَنْ﴾ مبني على الكسر لشبهه بالحرف شبها معنويا، ﴿اللام﴾: لبعد المشار إليه، و ﴿الكاف﴾: حرف دال على الخطاب، و ﴿الميم﴾: حرف عماد، و ﴿الألف﴾: حرف دال على التثنية. ﴿الشَّجَرَةَ﴾ بدل من اسم الإشارة، أو عطف بيان له، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿أَنْهَكُما﴾. ﴿وَأَقُلْ﴾: فعل مضارع معطوف على أنه مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿لَكُما﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿إِنَّ الشَّيْطانَ﴾ إلى آخره مقول محكي لـ ﴿أَقُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿إِنَّ﴾ حرف نصب. ﴿الشَّيْطانَ﴾: اسمها. ﴿لَكُما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَدُوٌّ﴾. ﴿عَدُوٌّ﴾: خبر إن ﴿مُبِينٌ﴾: صفة ﴿عَدُوٌّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول القول لـ ﴿أَقُلْ﴾.
272
﴿قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣)﴾.
﴿قالا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا. ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت ﴿رَبَّنا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿ظَلَمْنا أَنْفُسَنا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب النداء على كونها مقول القول. ﴿وَإِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿لَمْ﴾: حرف جزم. ﴿تَغْفِرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها. ﴿لَنا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَغْفِرْ﴾. ﴿وَتَرْحَمْنا﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿تَغْفِرْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم المقدر تقديره: نكن من الخاسرين، وجملة الشرط مع جوابه المحذوف معطوفة على جملة ﴿ظَلَمْنا﴾ على كونها جواب النداء. ﴿لَنَكُونَنَّ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة لقسم محذوف تقديره: والله لئن لم تغفر لنا لنكونن، ﴿نكونن﴾: فعل مضارع ناقص في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، واسمها ضمير يعود على آدم وحواء. ﴿مِنَ الْخاسِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿نكون﴾، وجملة ﴿نكونن﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
﴿قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿اهْبِطُوا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿اهْبِطُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿بَعْضُكُمْ﴾: مبتدأ ومضاف إليه. ﴿لِبَعْضٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَدُوٌّ﴾. ﴿عَدُوٌّ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿اهْبِطُوا﴾ تقديره: اهبطوا حالة كونكم موصوفين بعداوة بعضكم لبعض. ﴿وَلَكُمْ﴾ ﴿الواو﴾: واو الحال، أو عاطفة. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾. مُسْتَقَرٌّ: مبتدأ مؤخر. ﴿وَمَتاعٌ﴾: معطوف عليه. ﴿إِلى حِينٍ﴾: جار
﴿قالا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة استئنافا بيانيا. ﴿رَبَّنا ظَلَمْنا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت ﴿رَبَّنا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿ظَلَمْنا أَنْفُسَنا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب النداء على كونها مقول القول. ﴿وَإِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿لَمْ﴾: حرف جزم. ﴿تَغْفِرْ﴾: فعل مضارع مجزوم بـ ﴿لَمْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها. ﴿لَنا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَغْفِرْ﴾. ﴿وَتَرْحَمْنا﴾: فعل ومفعول معطوف على ﴿تَغْفِرْ﴾، وفاعله ضمير يعود على الله، وجواب الشرط محذوف دل عليه جواب القسم المقدر تقديره: نكن من الخاسرين، وجملة الشرط مع جوابه المحذوف معطوفة على جملة ﴿ظَلَمْنا﴾ على كونها جواب النداء. ﴿لَنَكُونَنَّ﴾: ﴿اللام﴾: موطئة لقسم محذوف تقديره: والله لئن لم تغفر لنا لنكونن، ﴿نكونن﴾: فعل مضارع ناقص في محل الرفع مبني على الفتح لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، واسمها ضمير يعود على آدم وحواء. ﴿مِنَ الْخاسِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿نكون﴾، وجملة ﴿نكونن﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
﴿قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿اهْبِطُوا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿اهْبِطُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿بَعْضُكُمْ﴾: مبتدأ ومضاف إليه. ﴿لِبَعْضٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿عَدُوٌّ﴾. ﴿عَدُوٌّ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿اهْبِطُوا﴾ تقديره: اهبطوا حالة كونكم موصوفين بعداوة بعضكم لبعض. ﴿وَلَكُمْ﴾ ﴿الواو﴾: واو الحال، أو عاطفة. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾. مُسْتَقَرٌّ: مبتدأ مؤخر. ﴿وَمَتاعٌ﴾: معطوف عليه. ﴿إِلى حِينٍ﴾: جار
273
ومجرور تنازع فيه ﴿مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ﴾، والجملة الاسمية في محل النصب حال ثانية من فاعل ﴿اهْبِطُوا﴾، أو معطوفة على جملة ﴿اهْبِطُوا﴾ على كونها مقول ﴿قالَ﴾.
﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿فِيها تَحْيَوْنَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت فِيها: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَحْيَوْنَ﴾. ﴿تَحْيَوْنَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ ﴿وَفِيها﴾: متعلق بـ ﴿تَمُوتُونَ﴾. ﴿تَمُوتُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿تَحْيَوْنَ﴾. ﴿وَمِنْها﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تُخْرَجُونَ﴾. ﴿تُخْرَجُونَ﴾: فعل ونائب فاعل معطوف على ﴿تَحْيَوْنَ﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة. ﴿قَدْ أَنْزَلْنا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلْنا﴾. ﴿لِباسًا﴾: مفعول به لـ ﴿أَنْزَلْنا﴾. ﴿يُوارِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿لِباسًا﴾. وجملة ﴿يُوارِي﴾ صفة لـ ﴿لِباسًا﴾ ﴿سَوْآتِكُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿وَرِيشًا﴾: معطوف على ﴿لِباسًا﴾. ﴿وَلِباسُ التَّقْوى﴾: بالنصب معطوف على ﴿لِباسًا﴾ أيضا. ﴿لِباسُ﴾ - بالرفع -: مبتدأ أول، ومضاف إليه. ذلِكَ: ﴿مبتدأ﴾ ثان. ﴿خَيْرٌ﴾: خبر للمبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر للأول، والجملة مستأنفة. ﴿ذلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿مِنْ آياتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿يَذَّكَّرُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل جملة ﴿أَنْزَلْنا﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ﴾: منادى مضاف، والجملة مستأنفة. ﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ﴾:
﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿فِيها تَحْيَوْنَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت فِيها: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَحْيَوْنَ﴾. ﴿تَحْيَوْنَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ ﴿وَفِيها﴾: متعلق بـ ﴿تَمُوتُونَ﴾. ﴿تَمُوتُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿تَحْيَوْنَ﴾. ﴿وَمِنْها﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تُخْرَجُونَ﴾. ﴿تُخْرَجُونَ﴾: فعل ونائب فاعل معطوف على ﴿تَحْيَوْنَ﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة. ﴿قَدْ أَنْزَلْنا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿أَنْزَلْنا﴾. ﴿لِباسًا﴾: مفعول به لـ ﴿أَنْزَلْنا﴾. ﴿يُوارِي﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿لِباسًا﴾. وجملة ﴿يُوارِي﴾ صفة لـ ﴿لِباسًا﴾ ﴿سَوْآتِكُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿وَرِيشًا﴾: معطوف على ﴿لِباسًا﴾. ﴿وَلِباسُ التَّقْوى﴾: بالنصب معطوف على ﴿لِباسًا﴾ أيضا. ﴿لِباسُ﴾ - بالرفع -: مبتدأ أول، ومضاف إليه. ذلِكَ: ﴿مبتدأ﴾ ثان. ﴿خَيْرٌ﴾: خبر للمبتدأ الثاني، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر للأول، والجملة مستأنفة. ﴿ذلِكَ﴾: مبتدأ. ﴿مِنْ آياتِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر المبتدأ، والجملة مستأنفة. ﴿لَعَلَّهُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿يَذَّكَّرُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل جملة ﴿أَنْزَلْنا﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ﴾: منادى مضاف، والجملة مستأنفة. ﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ﴾:
274
فعل ومفعول وفاعل، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب، ﴿كَما﴾: ﴿الكاف﴾: حرف جر وتشبيه، ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿مِنَ الْجَنَّةِ﴾ متعلق بـ ﴿أَخْرَجَ﴾، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشَّيْطانُ﴾، والجملة الفعلية صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف، والتقدير: لا يفتننكم الشيطان فتنة مثل إخراج أبويكم، أو لا يفتننكم فتنة مثل فتنة إخراج أبويكم، أو لا يخرجنكم بفتنته إخراجا مثل إخراجه أبويكم. ﴿يَنْزِعُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشَّيْطانُ﴾. ﴿عَنْهُما﴾ متعلق به. ﴿لِباسَهُما﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل النصب حال من فاعل ﴿أَخْرَجَ﴾ تقديره: حالة كونه ينزع عنهما لباسهما، أو في محل النصب حال من ﴿أَبَوَيْكُمْ﴾. ﴿لِيُرِيَهُما﴾: فعل ومفعول أول منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشَّيْطانُ﴾. ﴿سَوْآتِهِما﴾: مفعول ثان لأرى؛ لأن رأى بصرية تعدت إلى مفعولين بالهمزة، وجملة أرى صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يَنْزِعُ﴾ تقديره: ينزع عنهما لباسهما لإزائته إياهما سؤاتهما.
﴿إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾.
﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه. ﴿يَراكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشّيطان﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجر باللام المقدره مسوقة لتعليل النهي المستفاد من قوله: ﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ﴾ فكأنه قيل: فاحذروه لأنه يراكم. ﴿هُوَ﴾: تأكيد لضمير الفاعل المستتر في ﴿يَراكُمْ﴾ ليصح العطف عليه كما قيل. ﴿وَقَبِيلُهُ﴾: بالرفع معطوف على ضمير الفاعل، وبالنصب معطوف على اسم ﴿إن﴾. ﴿مِنْ حَيْثُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَراكُمْ﴾. ﴿لا تَرَوْنَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حَيْثُ﴾. ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه. ﴿جَعَلْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ﴾: مفعولان لـ ﴿جَعَلْنَا﴾، وجملة ﴿جَعَلْنَا﴾: في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ جملة معللة مؤكدة لجملة قوله: ﴿إِنَّهُ يَراكُمْ﴾. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار
﴿إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾.
﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه. ﴿يَراكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الشّيطان﴾، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل الجر باللام المقدره مسوقة لتعليل النهي المستفاد من قوله: ﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ﴾ فكأنه قيل: فاحذروه لأنه يراكم. ﴿هُوَ﴾: تأكيد لضمير الفاعل المستتر في ﴿يَراكُمْ﴾ ليصح العطف عليه كما قيل. ﴿وَقَبِيلُهُ﴾: بالرفع معطوف على ضمير الفاعل، وبالنصب معطوف على اسم ﴿إن﴾. ﴿مِنْ حَيْثُ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿يَراكُمْ﴾. ﴿لا تَرَوْنَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿حَيْثُ﴾. ﴿إِنَّا﴾: ناصب واسمه. ﴿جَعَلْنَا﴾: فعل وفاعل. ﴿الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ﴾: مفعولان لـ ﴿جَعَلْنَا﴾، وجملة ﴿جَعَلْنَا﴾: في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ جملة معللة مؤكدة لجملة قوله: ﴿إِنَّهُ يَراكُمْ﴾. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار
275
ومجرور صفة لـ ﴿أَوْلِياءَ﴾، أو متعلق بـ ﴿جَعَلْنَا﴾، وجملة ﴿لا يُؤْمِنُونَ﴾ صلة الموصول.
﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿فَعَلُوا فاحِشَةً﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفص بإضافة إِذا إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب. ﴿قالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب إِذا لا محل لها من الإعراب، وجملة إِذا مستأنفة. ﴿وَجَدْنا عَلَيْها﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت ﴿وَجَدْنا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْها﴾: متعلق به. ﴿آباءَنا﴾: مفعول به ومضاف إليه؛ لأن وجد هنا بمعنى أصاب، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ. ﴿أَمَرَنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾. ﴿بِها﴾: متعلق بـ ﴿أَمَرَنا﴾، وجملة ﴿أَمَرَنا﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿اللَّهُ﴾: اسمها. لا: نافية. ﴿يَأْمُرُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾. ﴿بِالْفَحْشاءِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أَتَقُولُونَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري التوبخي، وفيه معنى النهي، ﴿تَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿عَلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَقُولُونَ﴾. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به لـ ﴿تَقُولُونَ﴾؛ لأنه بمعنى تذكرون وتفترون. ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما لا تعلمونه.
﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)﴾.
﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿فَعَلُوا فاحِشَةً﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الخفص بإضافة إِذا إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب. ﴿قالُوا﴾ فعل وفاعل، والجملة جواب إِذا لا محل لها من الإعراب، وجملة إِذا مستأنفة. ﴿وَجَدْنا عَلَيْها﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت ﴿وَجَدْنا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْها﴾: متعلق به. ﴿آباءَنا﴾: مفعول به ومضاف إليه؛ لأن وجد هنا بمعنى أصاب، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿وَاللَّهُ﴾: مبتدأ. ﴿أَمَرَنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾. ﴿بِها﴾: متعلق بـ ﴿أَمَرَنا﴾، وجملة ﴿أَمَرَنا﴾ في محل الرفع خبر المبتدأ والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿اللَّهُ﴾: اسمها. لا: نافية. ﴿يَأْمُرُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾. ﴿بِالْفَحْشاءِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿أَتَقُولُونَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري التوبخي، وفيه معنى النهي، ﴿تَقُولُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿عَلَى اللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿تَقُولُونَ﴾. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به لـ ﴿تَقُولُونَ﴾؛ لأنه بمعنى تذكرون وتفترون. ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما لا تعلمونه.
﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)﴾.
276
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾ إلى قوله: ﴿كَما بَدَأَكُمْ﴾: مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾ وإن شئت قلت: ﴿أَمَرَ رَبِّي﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول ﴿قُلْ﴾. ﴿بِالْقِسْطِ﴾: متعلق بـ ﴿أَمَرَ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على محذوف معلوم من السياق: قل أمر ربي بالقسط فأقسطوا وأقيموا وجوهكم. ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَقِيمُوا﴾. ﴿وَادْعُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿أَقِيمُوا﴾. ﴿مُخْلِصِينَ﴾: حال من واو ﴿وَادْعُوهُ﴾. ﴿لَهُ﴾: متعلق بـ ﴿مُخْلِصِينَ﴾. ﴿الدِّينَ﴾: مفعول لـ ﴿مُخْلِصِينَ﴾. ﴿كَما﴾: ﴿الكاف﴾: حرف جر، ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿بَدَأَكُمْ﴾ فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾. ﴿تَعُودُونَ﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿بَدَأَكُمْ﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف، والتقدير: كبدئه إياكم، والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: تعودون عودا مثل بدئه إياكم في كونه عن عدم محض، وجملة ﴿تَعُودُونَ﴾ مستأنفة.
﴿فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾.
﴿فَرِيقًا﴾: مفعول مقدم لـ ﴿هَدى﴾. ﴿هَدى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة مستأنفة، أو حال من فاعل بدأ؛ أي: تعودون كما بدأكم حال كونه هاديا فريقا، ومضلا فريقا، وقد مضمرة هنا. ﴿وَفَرِيقًا﴾: مفعول لفعل محذوف تقديره: وأضل فريقا، وجملة ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ صفة لـ ﴿فَرِيقًا﴾، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَرِيقًا هَدى﴾ على كونه مستأنفة، أو حالا من فاعل بدأ تقديره: تعودون كما بدأكم حال كونه هاديا فريقا، ومضلا فريقا حق عليهم الضلالة.
﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
﴿إِنَّهُمُ﴾: ناصب واسمه. ﴿اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل قوله: ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور
﴿فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾.
﴿فَرِيقًا﴾: مفعول مقدم لـ ﴿هَدى﴾. ﴿هَدى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة مستأنفة، أو حال من فاعل بدأ؛ أي: تعودون كما بدأكم حال كونه هاديا فريقا، ومضلا فريقا، وقد مضمرة هنا. ﴿وَفَرِيقًا﴾: مفعول لفعل محذوف تقديره: وأضل فريقا، وجملة ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾ صفة لـ ﴿فَرِيقًا﴾، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَرِيقًا هَدى﴾ على كونه مستأنفة، أو حالا من فاعل بدأ تقديره: تعودون كما بدأكم حال كونه هاديا فريقا، ومضلا فريقا حق عليهم الضلالة.
﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾.
﴿إِنَّهُمُ﴾: ناصب واسمه. ﴿اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل قوله: ﴿حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور
277
ومضاف إليه متعلق بـ ﴿اتَّخَذُوا﴾ أو حال من فاعل ﴿اتَّخَذُوا﴾، والتقدير: اتخذوا الشياطين أولياء حالة كونهم مجاوزين الله. ﴿وَيَحْسَبُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع معطوفة على ﴿اتَّخَذُوا﴾، أو حال من فاعل ﴿اتَّخَذُوا﴾. ﴿إِنَّهُمُ﴾: ناصب واسمه. ﴿مُهْتَدُونَ﴾: خبر ﴿أن﴾، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي ﴿حسب﴾، والتقدير: ويحسبون هدايتهم.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ قرب يستعمل لازما، فيكون بضم الراء في الماضي والمضارع، ويستعمل متعديا كما هنا فيكون بكسرها في الماضي، وفتحها في المضارع، وبفتحها في الماضي وضمها في المضارع، وفي «المصباح» قرب الشيء منا قربا؛ أي: دنا إلى أن قال: وقربت الأمر أقربه - من باب تعب، وفي لغة من باب قتل - قربانا - بالكسر - فعلته، أو دانيته، اه.
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ﴾ أصل الوسوسة: الصوت الخفي المكرر، ومنه قيل لصوت الحلي: وسوسة، ووسوسة الشيطان للبشر ما يجدونه في أنفسهم من الخواطر الرديئة التي تزين لهم ما يضرهم في أبدانهم أو أرواحهم، يقال: وسوس إذا تكلم كلاما خفيا مكررا.
﴿الشَّيْطانُ﴾ مأخوذ من شاط إذا احترق، أو من شطن بمعنى بعد.
﴿ما وُورِيَ﴾؛ أي: غطى وستر، وهو بوزن فوعل؛ لأنه مغير وارى على وزن فاعل كضارب، فلما بني للمفعول أبدلت الألف واوا كضورب، فالواو الأولى فاء الكلمة، والثانية: زائدة، فحينئذ لا يجب قلب الأولى همزة، وإنما يجب قلبها لو كانت الثانية أصلية كما أوضحوه في قول «الخلاصة»: وهمزا أول الواوين رد.
وقرأ عبد الله (١): ﴿أوري﴾ - بإبدال الأولى همزة - وهو بدل جائز لا واجب، وهذه قاعدة كلية، وهي أنه إذا اجتمع في أول الكلمة واوان، وتحركت الثانية، أو كان لها نظير متحرك.. وجب إبدال الأولى همزة تخفيفا، فإن لم
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ قرب يستعمل لازما، فيكون بضم الراء في الماضي والمضارع، ويستعمل متعديا كما هنا فيكون بكسرها في الماضي، وفتحها في المضارع، وبفتحها في الماضي وضمها في المضارع، وفي «المصباح» قرب الشيء منا قربا؛ أي: دنا إلى أن قال: وقربت الأمر أقربه - من باب تعب، وفي لغة من باب قتل - قربانا - بالكسر - فعلته، أو دانيته، اه.
﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ﴾ أصل الوسوسة: الصوت الخفي المكرر، ومنه قيل لصوت الحلي: وسوسة، ووسوسة الشيطان للبشر ما يجدونه في أنفسهم من الخواطر الرديئة التي تزين لهم ما يضرهم في أبدانهم أو أرواحهم، يقال: وسوس إذا تكلم كلاما خفيا مكررا.
﴿الشَّيْطانُ﴾ مأخوذ من شاط إذا احترق، أو من شطن بمعنى بعد.
﴿ما وُورِيَ﴾؛ أي: غطى وستر، وهو بوزن فوعل؛ لأنه مغير وارى على وزن فاعل كضارب، فلما بني للمفعول أبدلت الألف واوا كضورب، فالواو الأولى فاء الكلمة، والثانية: زائدة، فحينئذ لا يجب قلب الأولى همزة، وإنما يجب قلبها لو كانت الثانية أصلية كما أوضحوه في قول «الخلاصة»: وهمزا أول الواوين رد.
وقرأ عبد الله (١): ﴿أوري﴾ - بإبدال الأولى همزة - وهو بدل جائز لا واجب، وهذه قاعدة كلية، وهي أنه إذا اجتمع في أول الكلمة واوان، وتحركت الثانية، أو كان لها نظير متحرك.. وجب إبدال الأولى همزة تخفيفا، فإن لم
(١) الفتوحات.
278
تتحرك، ولم تحمل على متحرك جاز الإبدال كهذه الآية الكريمة.
﴿مِنْ سَوْآتِهِما﴾ جمع سوءة، والسوءة ما يسوء الإنسان أن يراه غيره من أمر شائن، وعمل قبيح، وإذا أضيفت إلى الإنسان أريد بها عورته الفاحشة؛ لأنه يسوءه ظهورها بمقتضى الحياء الفطري. ﴿مِنَ الْخالِدِينَ﴾؛ أي: من الذين لا يموتون أبدا.
﴿وَقاسَمَهُما﴾؛ أي: أقسم وحلف لهما، وفي «السمين» المفاعلة هنا يحتمل أن تكون على بابها. فقال الزمخشري: كأنه قال لهما: أقسم لكما إني لمن الناصحين، فقالا له: أتقسم بالله أنت إنك لمن الناصحين لنا، فجعل ذلك مقاسمة بينهم، أو أقسم لهما بالنصيحة، وأقسما له بقبولها، أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة؛ لأنه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم. وقال ابن عطية: وقاسمهما؛ أي: حلف لهما، وهي مفاعلة؛ إذ قبول المحلوف له، وإقباله على معنى اليمين، وتقديره: كالقسم وإن كان بادىء الرأي يعطي أنها من واحد، ويحتمل أن يكون فاعل بمعنى أفعل كباعدته وأبعدته، وذلك أن الحلف لما كان من إبليس دونهما كان فاعل بمعنى أصل الفعل. انتهى.
﴿لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ جمع ناصح اسم فاعل من نصح، ونصح يتعدى لواحد؛ تارة بنفسه، وتارة بحرف الجر، ومثله شكر وكال ووزن، وهل الأصل التعدي بحرف الجر، أو التعدي بنفسه، أو كل منهما أصل؟ الراجح الثالث، وزعم بعضهم أن المفعول في هذه الأفعال محذوف، وأن المجرور باللام هو الثاني، فإذا قلت: نصحت لزيد، فالتقدير: نصحت لزيد الرأي، وكذلك شكرت له صنيعه، وكلت له طعامه، ووزنت له متاعه، فهذا مذهب رابع، وقال الفراء: العرب لا تكاد تقول: نصحتك إنما يقولون: نصحت لك، وأنصح لك، وقد يجوز نصحتك، اه «سمين». والنصيحة: هي إرادة الخير للغير، وإظهاره له.
﴿فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ﴾ يقال: دلى الشيء تدلية - كزكى تزكية - إذا أرسله، وأنزله من أعلى إلى أسفل رويدا رويدا، وقال الأزهري: وأصله أن الرجل العطشان يتدلى في البئر ليأخذ الماء، فلا يجد فيها ماء، فوضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه. والغرور: إظهار النصح مع إبطان الغش، وقيل: حطهما من منزلة
﴿مِنْ سَوْآتِهِما﴾ جمع سوءة، والسوءة ما يسوء الإنسان أن يراه غيره من أمر شائن، وعمل قبيح، وإذا أضيفت إلى الإنسان أريد بها عورته الفاحشة؛ لأنه يسوءه ظهورها بمقتضى الحياء الفطري. ﴿مِنَ الْخالِدِينَ﴾؛ أي: من الذين لا يموتون أبدا.
﴿وَقاسَمَهُما﴾؛ أي: أقسم وحلف لهما، وفي «السمين» المفاعلة هنا يحتمل أن تكون على بابها. فقال الزمخشري: كأنه قال لهما: أقسم لكما إني لمن الناصحين، فقالا له: أتقسم بالله أنت إنك لمن الناصحين لنا، فجعل ذلك مقاسمة بينهم، أو أقسم لهما بالنصيحة، وأقسما له بقبولها، أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة؛ لأنه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم. وقال ابن عطية: وقاسمهما؛ أي: حلف لهما، وهي مفاعلة؛ إذ قبول المحلوف له، وإقباله على معنى اليمين، وتقديره: كالقسم وإن كان بادىء الرأي يعطي أنها من واحد، ويحتمل أن يكون فاعل بمعنى أفعل كباعدته وأبعدته، وذلك أن الحلف لما كان من إبليس دونهما كان فاعل بمعنى أصل الفعل. انتهى.
﴿لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ جمع ناصح اسم فاعل من نصح، ونصح يتعدى لواحد؛ تارة بنفسه، وتارة بحرف الجر، ومثله شكر وكال ووزن، وهل الأصل التعدي بحرف الجر، أو التعدي بنفسه، أو كل منهما أصل؟ الراجح الثالث، وزعم بعضهم أن المفعول في هذه الأفعال محذوف، وأن المجرور باللام هو الثاني، فإذا قلت: نصحت لزيد، فالتقدير: نصحت لزيد الرأي، وكذلك شكرت له صنيعه، وكلت له طعامه، ووزنت له متاعه، فهذا مذهب رابع، وقال الفراء: العرب لا تكاد تقول: نصحتك إنما يقولون: نصحت لك، وأنصح لك، وقد يجوز نصحتك، اه «سمين». والنصيحة: هي إرادة الخير للغير، وإظهاره له.
﴿فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ﴾ يقال: دلى الشيء تدلية - كزكى تزكية - إذا أرسله، وأنزله من أعلى إلى أسفل رويدا رويدا، وقال الأزهري: وأصله أن الرجل العطشان يتدلى في البئر ليأخذ الماء، فلا يجد فيها ماء، فوضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه. والغرور: إظهار النصح مع إبطان الغش، وقيل: حطهما من منزلة
279
الطاعة إلى حالة المعصية؛ لأن التدلي لا يكون إلا من علو إلى سفل.
ومعنى الآية (١): أن إبليس لعنه الله غر آدم باليمين الكاذبة، وكان آدم عليه السلام يظن أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا، وإبليس أول من حلف بالله كاذبا، فلما حلف إبليس ظن آدم أنه صادق فاغتر به، والغرور: مصدر حذف فاعله ومفعوله، والتقدير بغروره إياهما.
﴿وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما﴾؛ أي: شرعا وأخذا يلزقان عليهما؛ أي: على القبل والدبر؛ أي: جعل كل منهما يستر عورتيه. يخصفان؛ أي (٢): يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة، من قولهم: خصف الإسكافي النعل إذا وضع عليها مثلها. وفي «المختار»: طفق يفعل كذا؛ أي: جعل يفعل كذا، وبابه طرب، وبعضهم يقول: هو من باب جلس. اه. وفي «المصباح»: خصف الرجل نعله خصفا - من باب ضرب - فهو خصاف، وهو فيه كرقع الثوب.
﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ﴾ من حيي (٣) من باب رضي، فتحيون أصله تحييون بوزن ترضيون، تحركت الياء الثانية وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، فوزنه تفعون بحذف لام الكلمة.
﴿وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى﴾ الريش: لباس (٤) الحاجة والزينة، ولباس التقوى ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها مما يتقى به في الحرب.
وفي «الفتوحات»: والريش فيه قولان: أحدهما: أنه اسم لهذا الشيء المعروف.
والثاني: أنه مصدر يقال: راشه يرشه ريشا إذا جعل فيه الريش، فينبغي أن يكون الريش مشتركا بين المصدر والعين، وهذا هو التحقيق.
وقرىء: ﴿ورياشا﴾ وفيه تأويلان (٥):
ومعنى الآية (١): أن إبليس لعنه الله غر آدم باليمين الكاذبة، وكان آدم عليه السلام يظن أن أحدا لا يحلف بالله كاذبا، وإبليس أول من حلف بالله كاذبا، فلما حلف إبليس ظن آدم أنه صادق فاغتر به، والغرور: مصدر حذف فاعله ومفعوله، والتقدير بغروره إياهما.
﴿وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما﴾؛ أي: شرعا وأخذا يلزقان عليهما؛ أي: على القبل والدبر؛ أي: جعل كل منهما يستر عورتيه. يخصفان؛ أي (٢): يرقعان ويلزقان ورقة فوق ورقة، من قولهم: خصف الإسكافي النعل إذا وضع عليها مثلها. وفي «المختار»: طفق يفعل كذا؛ أي: جعل يفعل كذا، وبابه طرب، وبعضهم يقول: هو من باب جلس. اه. وفي «المصباح»: خصف الرجل نعله خصفا - من باب ضرب - فهو خصاف، وهو فيه كرقع الثوب.
﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ﴾ من حيي (٣) من باب رضي، فتحيون أصله تحييون بوزن ترضيون، تحركت الياء الثانية وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفا، ثم حذفت لالتقاء الساكنين، فوزنه تفعون بحذف لام الكلمة.
﴿وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى﴾ الريش: لباس (٤) الحاجة والزينة، ولباس التقوى ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها مما يتقى به في الحرب.
وفي «الفتوحات»: والريش فيه قولان: أحدهما: أنه اسم لهذا الشيء المعروف.
والثاني: أنه مصدر يقال: راشه يرشه ريشا إذا جعل فيه الريش، فينبغي أن يكون الريش مشتركا بين المصدر والعين، وهذا هو التحقيق.
وقرىء: ﴿ورياشا﴾ وفيه تأويلان (٥):
(١) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.
(٤) المراغي.
(٥) الفتوحات.
(٢) المراغي.
(٣) الفتوحات.
(٤) المراغي.
(٥) الفتوحات.
280
أحدهما: وبه قال الزمخشري: أنه جمع ريش كشعب وشعاب.
والثاني: أنه مصدر أيضا، فيكون ريش ورياش مصدرين لراشه الله ريشا ورياشا؛ أي: أنعم عليه. وقال الزجاج: هما اللباس، فعلى هذا هما اسمان للشيء الملبوس كما قالوا: لبس ولباس.
﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ﴾ الفتنة: الابتلاء والاختبار من قولهم: فتن الصائغ الذهب، أو الفضة إذا عرضهما على النار ليعرف الزيف من النضار.
﴿وَقَبِيلُهُ﴾ والقبيل: الجماعة يكونون من ثلاثة فصاعدا من جماعة شتى، هذا قول أبي عبيد، والقبيلة: الجماعة من أب واحد، فليست القبيلة تأنيث القبيل لهذه المغايرة اه «سمين». وفي «المصباح»: والقبيل: الجماعة ثلاثة فصاعدا من قوم شتى، والجمع قبل بضمتين، والقبيلة لغة فيه، وقبائل الرأس القطع المتصل بعضها ببعض، وبها سميت قبائل العرب، الواحدة قبيلة، وهم بنو أب واحد. اه.
﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً﴾ الفاحشة (١): الفعلة المتناهية في القبح، والمراد بها هنا طواف أهل الجاهلية عراة كما ولدتهم أمهاتهم، ويقولون لا نطوف بيت ربنا في ثياب عصيناه بها.
﴿بِالْقِسْطِ﴾ والقسط الاعتدال في جميع الأمور، وهو الوسط بين الإفراط والتفريط.
﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ﴾ وإقامة الشيء: إعطاؤه حقه، وتوفيته شروطه كإقامة الصلاة، وإقامة الوزن بالقسط، والوجه قد يطلق على العضو المعروف من الإنسان كما في قوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ وقد يطلق على توجه القلب وصحة القصد كما في قوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾. ﴿فَرِيقًا هَدى﴾: وفي «القاموس»: والفرقة - بالكسر - الطائفة من الناس، والجمع فرق، والفريق كأمير أكثر منها، والجمع أفرقاء وأفرقة وفروق. اه.
والثاني: أنه مصدر أيضا، فيكون ريش ورياش مصدرين لراشه الله ريشا ورياشا؛ أي: أنعم عليه. وقال الزجاج: هما اللباس، فعلى هذا هما اسمان للشيء الملبوس كما قالوا: لبس ولباس.
﴿لا يَفْتِنَنَّكُمُ﴾ الفتنة: الابتلاء والاختبار من قولهم: فتن الصائغ الذهب، أو الفضة إذا عرضهما على النار ليعرف الزيف من النضار.
﴿وَقَبِيلُهُ﴾ والقبيل: الجماعة يكونون من ثلاثة فصاعدا من جماعة شتى، هذا قول أبي عبيد، والقبيلة: الجماعة من أب واحد، فليست القبيلة تأنيث القبيل لهذه المغايرة اه «سمين». وفي «المصباح»: والقبيل: الجماعة ثلاثة فصاعدا من قوم شتى، والجمع قبل بضمتين، والقبيلة لغة فيه، وقبائل الرأس القطع المتصل بعضها ببعض، وبها سميت قبائل العرب، الواحدة قبيلة، وهم بنو أب واحد. اه.
﴿وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً﴾ الفاحشة (١): الفعلة المتناهية في القبح، والمراد بها هنا طواف أهل الجاهلية عراة كما ولدتهم أمهاتهم، ويقولون لا نطوف بيت ربنا في ثياب عصيناه بها.
﴿بِالْقِسْطِ﴾ والقسط الاعتدال في جميع الأمور، وهو الوسط بين الإفراط والتفريط.
﴿وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ﴾ وإقامة الشيء: إعطاؤه حقه، وتوفيته شروطه كإقامة الصلاة، وإقامة الوزن بالقسط، والوجه قد يطلق على العضو المعروف من الإنسان كما في قوله: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ﴾ وقد يطلق على توجه القلب وصحة القصد كما في قوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾. ﴿فَرِيقًا هَدى﴾: وفي «القاموس»: والفرقة - بالكسر - الطائفة من الناس، والجمع فرق، والفريق كأمير أكثر منها، والجمع أفرقاء وأفرقة وفروق. اه.
(١) المراغي.
281
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿وَيا آدَمُ﴾؛ أي: وقلنا يا آدم، وفي قوله: ﴿فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما﴾؛ أي: فكلا منها؛ أي: من ثمارها حيث شئتما.
ومنها: المبالغة في النهي عن الأكل في قوله: ﴿وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾؛ لأنه عبر عن النهي من الأكل بالنهي عن القربان مبالغة.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ﴾ وفي قوله: ﴿وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ أكد الخبر بالقسم وبـ ﴿إن﴾ وباللام وبإسمية الجملة؛ لدفع شبهة الكذب، وهو من الضرب الذي يسمى إنكاريا؛ لأن السامع متردد.
ومنها: تخصيص الخطاب بآدم (١)، في قوله: ﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ﴾ للإيذان بأصالته في تلقي الوحي، وتعاطي المأمور به، وتعميمه في قوله: ﴿فَكُلا﴾، وقوله: ﴿وَلا تَقْرَبا﴾ للإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به، وتجنب المنهى عنه.
ومنها: المجاز المرسل، في قوله: ﴿فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ﴾ لأنه مجاز عن الأكل من إطلاق المسبب وإرادة السبب.
ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُما﴾ وهو (٢) حمل المخاطب على الإقرار بما علم عنده ثبوته أو نفيه. والمعنى (٣): أقر بذلك على حد ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ (١).
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿وَرِيشًا﴾ شبه لباس الزينة بريش الطائر بجامع الزينة في كل؛ لأن الريش زينة الطائر، كما أن اللباس زينة الأدميين، فاستعير اسم المشبه به للمشبه على طريقة الاستعارة التصريحية.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿وَلا تَقْرَبا﴾ لأنه من إضافة المشبه به إلى المشبه، فهو من قبيل إضافة لجين الماء، وقال الشوكاني (٤): ومثل هذه الاستعارة كثير
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإيجاز بالحذف في قوله: ﴿وَيا آدَمُ﴾؛ أي: وقلنا يا آدم، وفي قوله: ﴿فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما﴾؛ أي: فكلا منها؛ أي: من ثمارها حيث شئتما.
ومنها: المبالغة في النهي عن الأكل في قوله: ﴿وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ﴾؛ لأنه عبر عن النهي من الأكل بالنهي عن القربان مبالغة.
ومنها: التأكيد في قوله: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ﴾ وفي قوله: ﴿وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ أكد الخبر بالقسم وبـ ﴿إن﴾ وباللام وبإسمية الجملة؛ لدفع شبهة الكذب، وهو من الضرب الذي يسمى إنكاريا؛ لأن السامع متردد.
ومنها: تخصيص الخطاب بآدم (١)، في قوله: ﴿وَيا آدَمُ اسْكُنْ﴾ للإيذان بأصالته في تلقي الوحي، وتعاطي المأمور به، وتعميمه في قوله: ﴿فَكُلا﴾، وقوله: ﴿وَلا تَقْرَبا﴾ للإيذان بتساويهما في مباشرة المأمور به، وتجنب المنهى عنه.
ومنها: المجاز المرسل، في قوله: ﴿فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ﴾ لأنه مجاز عن الأكل من إطلاق المسبب وإرادة السبب.
ومنها: الاستفهام التقريري في قوله: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُما﴾ وهو (٢) حمل المخاطب على الإقرار بما علم عنده ثبوته أو نفيه. والمعنى (٣): أقر بذلك على حد ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ (١).
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿وَرِيشًا﴾ شبه لباس الزينة بريش الطائر بجامع الزينة في كل؛ لأن الريش زينة الطائر، كما أن اللباس زينة الأدميين، فاستعير اسم المشبه به للمشبه على طريقة الاستعارة التصريحية.
ومنها: التشبيه في قوله: ﴿وَلا تَقْرَبا﴾ لأنه من إضافة المشبه به إلى المشبه، فهو من قبيل إضافة لجين الماء، وقال الشوكاني (٤): ومثل هذه الاستعارة كثير
(١) الفتوحات.
(٢) الصاوي.
(٣) الصاوي.
(٤) فتح القدير.
(٢) الصاوي.
(٣) الصاوي.
(٤) فتح القدير.
282
الوقوع في كلام العرب، ومنه قوله:
ومثله قوله:
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ وكان (١) مقتضى الظاهر لعلكم تذكرون، ونكتته دفع الثقل في الكلام.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ﴾؛ لأن بين الجملتين طباقا، وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: المقابلة في قوله: ﴿فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما﴾؛ لأنه أسند النزع إليه لتسببه فيه.
ومنها: حكاية الحال الماضية، في قوله: ﴿يَنْزِعُ﴾: عبر (٢) بلفظ المضارع وعلى أنه حكاية حال؛ لأنها قد وقعت وانقضت.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى | تقلب عريانا، وإن كان كاسيا |
تغط بأثواب السخاء فإنني | أرى كل عيب والسخاء غطاؤه |
ومنها: الطباق في قوله: ﴿قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ﴾؛ لأن بين الجملتين طباقا، وهو من المحسنات البديعية.
ومنها: المقابلة في قوله: ﴿فَرِيقًا هَدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ﴾.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: ﴿يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما﴾؛ لأنه أسند النزع إليه لتسببه فيه.
ومنها: حكاية الحال الماضية، في قوله: ﴿يَنْزِعُ﴾: عبر (٢) بلفظ المضارع وعلى أنه حكاية حال؛ لأنها قد وقعت وانقضت.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) الصاوي.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
283
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤) يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧) قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...﴾ الآية، مناسبة (١)
﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤) يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧) قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠)
لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢) وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٤٣)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...﴾ الآية، مناسبة (١)
(١) المراغي.
284
هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أمر عباده في الآية السالفة بالعدل في كل الأمور، واتباع الوسط منها.. طلب إلينا أن نأخذ بالزينة في كل مجتمع للعبادة، فلنستعمل الثياب الحسنة في الصلاة والطواف ونحو ذلك، كما أباح لنا أن نأكل ونشرب مما خلق الله، بشرط أن لا نسرف في شيء من ذلك.
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أنكر في الآية السالفة على المشركين وغيرهم من أرباب الملل الأخرى تحريم زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق.. ذكر هنا أصول المحرمات التي حرمها على عباده لضررها، وجميعها من الأعمال الكسبية، لا من المواهب الخلقية؛ ليستبين للناس أن الله لم يحرم على عباده إلا ما هو ضار لهم.
قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين جماع المحرمات على بني آدم لما فيها من المفاسد والمضار للأفراد والمجتمع إثر بيان المباحات من الزينة والطيبات من الرزق بشرط عدم الإسراف فيها.. ذكر هنا حال الأمم في قبول هذه الأصول، أو ردها، والسير على منهاجها بعد قبولها، أو الزيغ عنها.
قوله تعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي...﴾ الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أن لكل أمة أجلا لا تعدوه.. حكى هنا ما خاطب به كل أمة على لسان رسولها، وبينه لها من أصول الدين الذي شرعه لهدايتها، وتكميل فطرتها، وأرشدها إلى أنها إن كانت مطيعة تتقي الله فيما تأتي وتذر، وتصلح أعمالها، فلا يحصل لها في الآخرة خوف ولا حزن، وإن هي تمردت واستكبرت، وكذبت الرسل كانت عاقبتها النار، وبئس القرار.
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا...﴾ الآيات، مناسبة هذه
قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما أنكر في الآية السالفة على المشركين وغيرهم من أرباب الملل الأخرى تحريم زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق.. ذكر هنا أصول المحرمات التي حرمها على عباده لضررها، وجميعها من الأعمال الكسبية، لا من المواهب الخلقية؛ ليستبين للناس أن الله لم يحرم على عباده إلا ما هو ضار لهم.
قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما بين جماع المحرمات على بني آدم لما فيها من المفاسد والمضار للأفراد والمجتمع إثر بيان المباحات من الزينة والطيبات من الرزق بشرط عدم الإسراف فيها.. ذكر هنا حال الأمم في قبول هذه الأصول، أو ردها، والسير على منهاجها بعد قبولها، أو الزيغ عنها.
قوله تعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي...﴾ الآيتين، مناسبة هاتين الآيتين لما قبلها (١): أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر أن لكل أمة أجلا لا تعدوه.. حكى هنا ما خاطب به كل أمة على لسان رسولها، وبينه لها من أصول الدين الذي شرعه لهدايتها، وتكميل فطرتها، وأرشدها إلى أنها إن كانت مطيعة تتقي الله فيما تأتي وتذر، وتصلح أعمالها، فلا يحصل لها في الآخرة خوف ولا حزن، وإن هي تمردت واستكبرت، وكذبت الرسل كانت عاقبتها النار، وبئس القرار.
قوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا...﴾ الآيات، مناسبة هذه
(١) المراغي.
285
الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر في الآية السابقة عاقبة المكذبين بآياته المستكبرين عن قبولها والإذعان لها.. ذكر هنا أن من أشدهم ظلما من يتقولون على الله الكذب، فينسبون إليه ما لم يقله كمن يثبت الشريك لله تعالى سواء كانت صنما، أو كوكبا، أو يضيف إليه أحكاما باطلة، أو يكذب ما قاله، كمن ينكر أن القرآن نزل من عند الله تعالى على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حيان: مناسبتها لما قبلها (١): أنه تعالى لما ذكر المكذبين.. ذكر من هو أسوأ حالا منهم، وهو من يفتري الكذب على الله، وذكر أيضا من كذب بآياته.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن هذه الآية من تتمة ما سلف من وعيد الكفار، وجزاء المكذبين بالقرآن المستكبرين عن الايمان، بين بها أنهم خالدون في النار، وأنهم يلاقون فيها من الشدائد والأهوال ما لا يدرك العقل حقيقة كنهه، وأن هذا كفاء ظلمهم لأنفسهم، واستكبارهم عن طاعة ربهم، واتباع أوامره.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها، أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (٢) وعيد أهل الكفار والمعاصي.. أردفه وعد أهل الطاعات، وقد جرت سنة القرآن بالجمع بينهما، فيبدأ بأحدهما لمناسبة سياق الكلام قبله، ثم يقفوه بالآخر.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...﴾ الآية، سبب نزولها (٣): ما روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية، وهي عريانة وعلى فرجها خرقة، وهي تقول:
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن هذه الآية من تتمة ما سلف من وعيد الكفار، وجزاء المكذبين بالقرآن المستكبرين عن الايمان، بين بها أنهم خالدون في النار، وأنهم يلاقون فيها من الشدائد والأهوال ما لا يدرك العقل حقيقة كنهه، وأن هذا كفاء ظلمهم لأنفسهم، واستكبارهم عن طاعة ربهم، واتباع أوامره.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها، أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (٢) وعيد أهل الكفار والمعاصي.. أردفه وعد أهل الطاعات، وقد جرت سنة القرآن بالجمع بينهما، فيبدأ بأحدهما لمناسبة سياق الكلام قبله، ثم يقفوه بالآخر.
أسباب النزول
قوله تعالى: ﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...﴾ الآية، سبب نزولها (٣): ما روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت المرأة تطوف بالبيت في الجاهلية، وهي عريانة وعلى فرجها خرقة، وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه | فما بدا منه فلا أحلّه |
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) لباب النقول.
(٢) المراغي.
(٣) لباب النقول.
286
فنزلت: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ...﴾، ونزلت: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ...﴾ الآيتين.
وأخرج (١) عبد بن حميد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الناس يطوفون بالبيت عراة، ويقولون لا نطوف في ثياب أذنبنا فيها، فجاءت امرأة فألقت ثيابها، فطافت ووضعت يدها على قبلها، وقالت:
فنزلت هذه الآية.
وقال مجاهد (٢): كان حي من أهل اليمن، كان أحدهم إذا قدم حاجا أو معتمرا يقول: لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد عصيت فيه، فيقول: من يعيرني مئزرا، فإن قدر عليه، وإلا طاف عريانا، فأنزل الله تعالى فيه ما تسمعون: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.
وقال الزهري: إن العرب كانت تطوف بالبيت عراة إلا الحمس، وهم قريش وأحلافهم، فمن جاء من غير الحمس وضع ثيابه، وطاف في ثوب أحمسي، ويرى أنه لا يحل له أن يلبس ثيابه، فإن لم يجد من يعيره من الحمس، فإنه يلقي ثيابه، ويطوف عريانا، وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه وحرمها؛ أي: جعلها حراما عليه؛ فلذلك قال الله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ والمراد من الزينة لبس الثياب التي تستر العورة.
قال مجاهد: ما يواري عوراتكم ولو عباءة. وقال الكلبي: الزينة ما يواري العورة عند كل مسجد كطواف وصلاة، وقوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ أمر، وظاهره الوجوب، وفيه دليل على أن ستر العورة واجب في الصلاة، والطواف، وفي كل حال من الأحوال، وإن كان الرجل خاليا كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة.
وأخرج (١) عبد بن حميد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: كان الناس يطوفون بالبيت عراة، ويقولون لا نطوف في ثياب أذنبنا فيها، فجاءت امرأة فألقت ثيابها، فطافت ووضعت يدها على قبلها، وقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كلّه | فما بدا منه فلا أحلّه |
وقال مجاهد (٢): كان حي من أهل اليمن، كان أحدهم إذا قدم حاجا أو معتمرا يقول: لا ينبغي أن أطوف في ثوب قد عصيت فيه، فيقول: من يعيرني مئزرا، فإن قدر عليه، وإلا طاف عريانا، فأنزل الله تعالى فيه ما تسمعون: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.
وقال الزهري: إن العرب كانت تطوف بالبيت عراة إلا الحمس، وهم قريش وأحلافهم، فمن جاء من غير الحمس وضع ثيابه، وطاف في ثوب أحمسي، ويرى أنه لا يحل له أن يلبس ثيابه، فإن لم يجد من يعيره من الحمس، فإنه يلقي ثيابه، ويطوف عريانا، وإن طاف في ثياب نفسه ألقاها إذا قضى طوافه وحرمها؛ أي: جعلها حراما عليه؛ فلذلك قال الله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ والمراد من الزينة لبس الثياب التي تستر العورة.
قال مجاهد: ما يواري عوراتكم ولو عباءة. وقال الكلبي: الزينة ما يواري العورة عند كل مسجد كطواف وصلاة، وقوله تعالى: ﴿خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ أمر، وظاهره الوجوب، وفيه دليل على أن ستر العورة واجب في الصلاة، والطواف، وفي كل حال من الأحوال، وإن كان الرجل خاليا كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة.
(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
287
التفسير وأوجه القراءة
٣١ - والخطاب في قوله: ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾ عام (١) لجميع بني آدم، وإن كان واردا في سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالذي ينبغي للأمة التجمل بالثياب عند حضور مشاهد الخير مع القدرة ﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾؛ أي: البسوا ثيابكم التي تستر عوراتكم ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾؛ أي: في كل وقت صلاة وطواف، والزينة ما يزين الشيء، أو الشخص، ومعنى أخذها: التزين بها، والمراد بالزينة هنا: الثياب الحسنة كما يدل على ذلك سبب نزول الآيات. وأقل هذه الزينة ما يدفع عن المرء أقبح ما يشينه بين الناس، وهو ما يستر عورته، وهو الواجب لصحة الصلاة والطواف، وما زاد على ذلك من التجمل بزينة اللباس عند الصلاة - ولا سيما صلاة الجمعة والعيد - فهو سنة لا واجب.
ويرى بعض العلماء (٢) وجوب الزينة عند كل مسجد بحسب عرف الناس في تزينهم في المجامع والمحافل؛ ليكون المؤمن حين عبادة ربه مع عباده المؤمنين في أجمل حال، لا تقصير فيها ولا إسراف. أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «إذا صلى أحدكم.. فليلبس ثوبيه، فإن الله عز وجل أحق من تزين له، فإن لم يكن له ثوبان. فليتزر إذا صلى، ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود».
وأخرج الشافعي وأحمد والبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء».
وعلى الجملة: فالزينة تختلف باختلاف حال الناس في السعة والضيق، فمن عنده ثوب واحد يستر جميع بدنه.. فليستر به جميع بدنه، وليصل به، فإن لم يستر إلا العورة كلها، أو الغليظة منها؛ وهي السوءتان... فليستر به ما يستره، ومن وجد ثوبين، أو أكثر فليصل بهما.
وهذا (٣) الأمر بالزينة عند كل مسجد أصل من الأصول الدينية والمدنية عند
٣١ - والخطاب في قوله: ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾ عام (١) لجميع بني آدم، وإن كان واردا في سبب خاص، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالذي ينبغي للأمة التجمل بالثياب عند حضور مشاهد الخير مع القدرة ﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾؛ أي: البسوا ثيابكم التي تستر عوراتكم ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾؛ أي: في كل وقت صلاة وطواف، والزينة ما يزين الشيء، أو الشخص، ومعنى أخذها: التزين بها، والمراد بالزينة هنا: الثياب الحسنة كما يدل على ذلك سبب نزول الآيات. وأقل هذه الزينة ما يدفع عن المرء أقبح ما يشينه بين الناس، وهو ما يستر عورته، وهو الواجب لصحة الصلاة والطواف، وما زاد على ذلك من التجمل بزينة اللباس عند الصلاة - ولا سيما صلاة الجمعة والعيد - فهو سنة لا واجب.
ويرى بعض العلماء (٢) وجوب الزينة عند كل مسجد بحسب عرف الناس في تزينهم في المجامع والمحافل؛ ليكون المؤمن حين عبادة ربه مع عباده المؤمنين في أجمل حال، لا تقصير فيها ولا إسراف. أخرج الطبراني والبيهقي عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «إذا صلى أحدكم.. فليلبس ثوبيه، فإن الله عز وجل أحق من تزين له، فإن لم يكن له ثوبان. فليتزر إذا صلى، ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود».
وأخرج الشافعي وأحمد والبخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي ﷺ قال: «لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء».
وعلى الجملة: فالزينة تختلف باختلاف حال الناس في السعة والضيق، فمن عنده ثوب واحد يستر جميع بدنه.. فليستر به جميع بدنه، وليصل به، فإن لم يستر إلا العورة كلها، أو الغليظة منها؛ وهي السوءتان... فليستر به ما يستره، ومن وجد ثوبين، أو أكثر فليصل بهما.
وهذا (٣) الأمر بالزينة عند كل مسجد أصل من الأصول الدينية والمدنية عند
(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
288
المسلمين، وكان سببا في تعليم القبائل المتوحشة القاطنة في الكهوف والغابات أفرادا وجماعات لبس الثياب عند دخولها في حظيرة الإسلام، وكانوا قبل ذلك يعيشون عراة الأجسام رجالا ونساء حتى ذكر بعض المنصفين من الإفرنج أن لانتشار الإسلام في إفريقية منه على أوروبا بنشره للمدينة بين أهلها؛ إذ ألزمهم ترك العرى، وأوجب لبس الثياب، فكان ذلك سببا في رواج تجارة المنسوجات.
وبهذا نقل الإسلام أمما وشعوبا كثيرة من الوحشية إلى الحضارة الراقية؛ أي: خذوا زينتكم عند المساجد وأداء العبادات ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ من الطيبات ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾ فيها بالتعدي إلى الحرام، أو بتحريم الحلال، أو بالإفراط في الطعام، بل عليكم بالاعتدال في جميع ذلك ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾؛ أي: لأن الله سبحانه وتعالى الخالق لهذه النعم لا يحب المسرفين؛ أي: لا يرتضي عنهم فعلهم، بل يعاقبهم على هذا الإسراف بمقدار ما ينشأ عنه من المضار والمفاسد؛ لأنهم قد خالفوا سنن الفطرة، وجنوا على أنفسهم في أبدانهم وأموالهم، وجنوا على أسرهم وأوطانهم إذ هم أعضاء في جسم الأسرة والأمة.
روى النسائي وابن ماجه أن النبي ﷺ قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة - كبر وإعجاب بالنفس - ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمه على عبده».
وعن ابن عباس أنه قال: كل ما شئت، واشرب ما شئت، والبس ما شئت إذا أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة. والإسراف تجاوز الحد في كل شيء، والحدود لها أقسام:
منها: طبيعي كالجوع والشبع، والظمأ والري، فمن أكل إذا أحس بالجوع، أو كف عن الأكل إذا شعر بالشبع، وإن كان يستلذ الاستزادة أو شرب إذا شعر بالظمأ، واكتفى بما يزيله، ولم يزد على ذلك.. لم يكن مسرفا في أكله وشربه، وكان طعامه وشرابه نافعين له.
ومنها: اقتصادي؛ وهو أن تكون النفقة على نسبة معينة من دخل الإنسان بحيث لا تستغرق كسبه.
وبهذا نقل الإسلام أمما وشعوبا كثيرة من الوحشية إلى الحضارة الراقية؛ أي: خذوا زينتكم عند المساجد وأداء العبادات ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ من الطيبات ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾ فيها بالتعدي إلى الحرام، أو بتحريم الحلال، أو بالإفراط في الطعام، بل عليكم بالاعتدال في جميع ذلك ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾؛ أي: لأن الله سبحانه وتعالى الخالق لهذه النعم لا يحب المسرفين؛ أي: لا يرتضي عنهم فعلهم، بل يعاقبهم على هذا الإسراف بمقدار ما ينشأ عنه من المضار والمفاسد؛ لأنهم قد خالفوا سنن الفطرة، وجنوا على أنفسهم في أبدانهم وأموالهم، وجنوا على أسرهم وأوطانهم إذ هم أعضاء في جسم الأسرة والأمة.
روى النسائي وابن ماجه أن النبي ﷺ قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة - كبر وإعجاب بالنفس - ولا سرف، فإن الله يحب أن يرى أثر نعمه على عبده».
وعن ابن عباس أنه قال: كل ما شئت، واشرب ما شئت، والبس ما شئت إذا أخطأتك اثنتان: سرف أو مخيلة. والإسراف تجاوز الحد في كل شيء، والحدود لها أقسام:
منها: طبيعي كالجوع والشبع، والظمأ والري، فمن أكل إذا أحس بالجوع، أو كف عن الأكل إذا شعر بالشبع، وإن كان يستلذ الاستزادة أو شرب إذا شعر بالظمأ، واكتفى بما يزيله، ولم يزد على ذلك.. لم يكن مسرفا في أكله وشربه، وكان طعامه وشرابه نافعين له.
ومنها: اقتصادي؛ وهو أن تكون النفقة على نسبة معينة من دخل الإنسان بحيث لا تستغرق كسبه.
289
ومنها: شرعي، فإن الشارع حرم من الطعام الميتة والدم، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وحرم من الشراب الخمر، وحرم من اللباس الحرير الخالص، أو الغالب على الرجال دون النساء، وحرم الأكل والشرب في أواني الذهب والفضة، وعده من السرف المنهي عنه، فهذه الأشياء لا يباح استعمالها إلا لضرورة تقدر بقدرها.
والمعول عليه في الإنفاق في كل طبقة عرف المعتدلين فيها، فمن تجاوز طاقته مباراة لمن هم أغنى منه وأقدر كان مسرفا، وكم جر الإسراف إلى خراب بيوت عامرة، ولا سيما في المهور، وتجهيز العرائس، وحفل العرس والمأتم (١)، والزار، قال الشاعر:
وهذا السرف كبير الضرر، عظيم الخطر على الأمم، أكثر من ضرره على الأفراد، ولا سيما في البلاد التي تأتي إليها أنواع الزينة من البلاد الأجنبية عنها، إذ تذهب الثروة إلى غير أهلها، وربما ذهبت إلى من يستعين بها على استذلالهم، والعدوان عليهم.
والخلاصة:
أن الطعام والشراب من ضرورات الحياة الحيوانية، ولكن ضل في ذلك فريقان:
١ - فريق البخلاء والغلاة في الدين، تركوا الأكل والشرب من الطيبات المستلذة؛ إما بخلا وشحا، أو تحرجا وتأثما؛ إما دائما، أو
في أوقات مخصوصة من السنة.
٢ - فريق المترفين الذين أسرفوا في اللذات البدنية، وجعلوها جل هممهم، فهم يأكلون ويشربون ويتمتعون كما تتمتع الأنعام، وليس لهم غاية يقفون عندها،
والمعول عليه في الإنفاق في كل طبقة عرف المعتدلين فيها، فمن تجاوز طاقته مباراة لمن هم أغنى منه وأقدر كان مسرفا، وكم جر الإسراف إلى خراب بيوت عامرة، ولا سيما في المهور، وتجهيز العرائس، وحفل العرس والمأتم (١)، والزار، قال الشاعر:
ثلاثة تشقى بها الدّار | العرس والمأتم والزّار |
والخلاصة:
أن الطعام والشراب من ضرورات الحياة الحيوانية، ولكن ضل في ذلك فريقان:
١ - فريق البخلاء والغلاة في الدين، تركوا الأكل والشرب من الطيبات المستلذة؛ إما بخلا وشحا، أو تحرجا وتأثما؛ إما دائما، أو
في أوقات مخصوصة من السنة.
٢ - فريق المترفين الذين أسرفوا في اللذات البدنية، وجعلوها جل هممهم، فهم يأكلون ويشربون ويتمتعون كما تتمتع الأنعام، وليس لهم غاية يقفون عندها،
(١) والمأتم عند العرب نساء يجتمعن في الخير والشر، والجمع مآتم، وعند العامة المصيبة يقولون: كنا في مأتم فلان، والصواب كنا في مناحة فلان اه «مختار».
290
أو نهاية ينتهون إليها.
٣٢ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يطوفون بالبيت عراة ﴿مَنْ حَرَّمَ﴾؛ أي: من الذي حرم عليكم ﴿زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ﴾ ـها وخلقها ﴿لِعِبادِهِ﴾ من النبات كالقطن والكتان، ومن الحيوان كالحرير والصوف، ومن المعادن كالدروع ﴿وَ﴾ من الذي حرم عليكم ﴿الطَّيِّباتِ﴾؛ أي: المستلذات ﴿مِنَ الرِّزْقِ﴾؛ أي: من المآكل والمشارب، والاستفهام فيه إنكاري توبيخي؛ أي: لا أحد حرم عليكم أن تتزينوا بها، وتلبسوها في الطواف وغيره، ولا أن تأكلوا المستلذات من الرزق في الحج وغيره.
ومعنى إخراج الله للزينة (١): خلق موادها، وتعليم طرق صنعها بما أودع في فطرهم من حبها، والميل إلى الافتتان في استعمالها؛ إذ خلقهم مستعدين لإظهار آياته في جميع ما خلق في هذا العالم الذي يعيشون فيه بما أودع في غرائزها من الميل إلى البحث في كشف المجهول، والاطلاع على خفايا الأمور، فهم لا يدعون شيئا عرفوه بحواسهم أو عقولهم حتى يبحثوه من طرق شتى، وأوجه لا نهاية لها، ولم تنتهي بحوثهم ما دام الإنسان على ظهر البسيطة.
وغريزة حب الزينة، وحب التمتع بالطيبات كانت من أهم الأسباب في اتساع أعمال الفلاحة والزراعة، ورقي ضروب الصناعة، واتساع وسائل العمران، ومعرفة سنن الله وآياته في الأكوان، وهما لا يذمان إلا بالإسراف فيهما، والغفلة عن شكر المنعم بهما.
والخلاصة:
أن الدين لم يحرمهما إلا إذا كانا عائقين عن الكمال الروحي، والكمال الخلقي، وأنه لم يجعل تركهما قربة إلى الله كما جرى على ذلك الوثنيون من البراهمة وغيرهم، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين، وصاروا يبثون في الأمم الإسلامية تعاليم تقضي بأن روح الدين ومخ العبادة في التقشف، وحرمان النفس من التمتع بلذات الحياة. وقد بين الله سبحانه وتعالى وجه
٣٢ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء الجهلة من العرب الذين يطوفون بالبيت عراة ﴿مَنْ حَرَّمَ﴾؛ أي: من الذي حرم عليكم ﴿زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ﴾ ـها وخلقها ﴿لِعِبادِهِ﴾ من النبات كالقطن والكتان، ومن الحيوان كالحرير والصوف، ومن المعادن كالدروع ﴿وَ﴾ من الذي حرم عليكم ﴿الطَّيِّباتِ﴾؛ أي: المستلذات ﴿مِنَ الرِّزْقِ﴾؛ أي: من المآكل والمشارب، والاستفهام فيه إنكاري توبيخي؛ أي: لا أحد حرم عليكم أن تتزينوا بها، وتلبسوها في الطواف وغيره، ولا أن تأكلوا المستلذات من الرزق في الحج وغيره.
ومعنى إخراج الله للزينة (١): خلق موادها، وتعليم طرق صنعها بما أودع في فطرهم من حبها، والميل إلى الافتتان في استعمالها؛ إذ خلقهم مستعدين لإظهار آياته في جميع ما خلق في هذا العالم الذي يعيشون فيه بما أودع في غرائزها من الميل إلى البحث في كشف المجهول، والاطلاع على خفايا الأمور، فهم لا يدعون شيئا عرفوه بحواسهم أو عقولهم حتى يبحثوه من طرق شتى، وأوجه لا نهاية لها، ولم تنتهي بحوثهم ما دام الإنسان على ظهر البسيطة.
وغريزة حب الزينة، وحب التمتع بالطيبات كانت من أهم الأسباب في اتساع أعمال الفلاحة والزراعة، ورقي ضروب الصناعة، واتساع وسائل العمران، ومعرفة سنن الله وآياته في الأكوان، وهما لا يذمان إلا بالإسراف فيهما، والغفلة عن شكر المنعم بهما.
والخلاصة:
أن الدين لم يحرمهما إلا إذا كانا عائقين عن الكمال الروحي، والكمال الخلقي، وأنه لم يجعل تركهما قربة إلى الله كما جرى على ذلك الوثنيون من البراهمة وغيرهم، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين، وصاروا يبثون في الأمم الإسلامية تعاليم تقضي بأن روح الدين ومخ العبادة في التقشف، وحرمان النفس من التمتع بلذات الحياة. وقد بين الله سبحانه وتعالى وجه
(١) المراغي.
291
الصواب في ذلك بقوله لرسوله: ﴿قُلْ﴾ يا محمد لأمتك ﴿هِيَ﴾؛ أي: الزينة والطيبات ثابتة ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسوله بطريق الأصالة، فالضمير عائد على الزينة والطيبات من الرزق، لكن على وجه أعم بأن يراد بها الأعم من الدنيوية والأخروية؛ لأجل أن يصح الإخبار عنها بقوله: ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾، وبقوله: ﴿خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ ﴿فِي الْحَياةِ الدُّنْيا﴾ غير خالصة لهم؛ لأنه يشركهم فيها المشركون، وإن لم يستحقوها مثلهم حالة كونها ﴿خالِصَةً﴾ لهم ومختصة بهم ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ لا يشاركهم فيها غيرهم؛ لأنه لا حظ للمشركين يوم القيامة في الطيبات من الرزق. وقيل (١): معناه خالصة لهم يوم القيامة من التكدير والتنغيض والغم؛ لأنه قد يقع لهم في الحياة الدنيا في تناول الطيبات من الرزق كدر وتنغيص، فأعلمهم أنها خالصة لهم في الآخرة من ذلك كله.
وقرأ قتادة (٢): ﴿قل هي لمن آمن﴾ وقرأ نافع: ﴿خالصة﴾ - بالرفع -، وقرأ باقي السبعة ﴿خالِصَةً﴾ بالنصب، فأما النصب فعلى الحال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا، وأما الرفع فعلى أنه خبر بعد خبر، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وهي خالصة.
وقصارى ذلك: أن الدين يورث أهلها سعادة الدنيا والآخرة جميعا كما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤)﴾، وقوله: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقًا﴾.
ذاك أن المؤمن يزداد علما وإيمانا بربه، وشكرا له كلما عرف شيئا من سننه وآياته في نفسه، أو في غيرها من الكائنات، ومن أهم أركان الشكر استعمال النعمة فيما وهبها المنعم لأجله من شكر الجوارح، كشكر اللسان بالثناء عليه، وشكر سائر الأعضاء كذلك.
ففي حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي والحاكم: «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر» والسر في هذا: أن الأكل والشرب من الطيبات بدون
وقرأ قتادة (٢): ﴿قل هي لمن آمن﴾ وقرأ نافع: ﴿خالصة﴾ - بالرفع -، وقرأ باقي السبعة ﴿خالِصَةً﴾ بالنصب، فأما النصب فعلى الحال من الضمير المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا، وأما الرفع فعلى أنه خبر بعد خبر، أو خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وهي خالصة.
وقصارى ذلك: أن الدين يورث أهلها سعادة الدنيا والآخرة جميعا كما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى (١٢٤)﴾، وقوله: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقًا﴾.
ذاك أن المؤمن يزداد علما وإيمانا بربه، وشكرا له كلما عرف شيئا من سننه وآياته في نفسه، أو في غيرها من الكائنات، ومن أهم أركان الشكر استعمال النعمة فيما وهبها المنعم لأجله من شكر الجوارح، كشكر اللسان بالثناء عليه، وشكر سائر الأعضاء كذلك.
ففي حديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي والحاكم: «الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر» والسر في هذا: أن الأكل والشرب من الطيبات بدون
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
292
إسراف هما قوام الحياة والصحة، وهما الدعامتان اللتان يتوقف عليهما القيام بجميع الأعمال الدينية والدنيوية من عقلية وبدنية، ولهما التأثير في جودة النسل الذي به يكثر سواد الأمة، والملابس الجيدة النظيفة لها فوائد:
١ - حفظ الصحة.
٢ - كرامة من يتجمل بها في نفوس الناس.
٣ - إظهار نعمة الله على لابسها، والمؤمن يثاب بنيته على كل ما هو محمود من هذه الأمور بالشكر عليها.
روى أبو داود عن أبي الأحوص قال: أتيت رسول الله ﷺ في ثوب دون، فقال: «ألك مال»؟ قلت: نعم. قال: «من أي المال»؟ قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق قال: «فإذا آتاك الله.. فلير أثر نعمته عليك وكرامته لك».
وأخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» وقد كانت العرب تحرم زينة اللباس في الطواف تعبدا، وتحرم الادهان ونحوه حال الإحرام بالحج كذلك، وتحرم من الأنعام والحرث ما ذكر في سورة الأنعام، وحرم أهل الكتاب كثيرا من الطيبات، فجاء الدين الإسلامي الجامع بين مصالح الدنيا ومصالح الآخرة، والمطهر للنفوس، والمهذب للأخلاق، فأنكر هذا التحكم المخالف لسنن الفطرة، وبين أن هذا التحريم لم يكن إلا من وساوس الشيطان، ولم يوح به الله تعالى إلى أنبيائه ورسله المصطفين الأخيار.
﴿كَذلِكَ﴾؛ أي: كتفصيلنا هذا الحكم المذكور وتبيينا إياه ﴿نُفَصِّلُ﴾ ونبين ﴿الْآياتِ﴾؛ أي: الأحكام من الحلال والحرام ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أني أنا الله وحدي لا شريك لي، فأحلوا حلالي، وحرموا حرامي.
أي: أن هذا التفصيل لحكم الزينة والطيبات، الذي ضل فيه كثير من الأمم والأفراد ما بين إفراط وتفريط، لا يعقله إلا الذين يعلمون سنن الاجتماع وطبائع
١ - حفظ الصحة.
٢ - كرامة من يتجمل بها في نفوس الناس.
٣ - إظهار نعمة الله على لابسها، والمؤمن يثاب بنيته على كل ما هو محمود من هذه الأمور بالشكر عليها.
روى أبو داود عن أبي الأحوص قال: أتيت رسول الله ﷺ في ثوب دون، فقال: «ألك مال»؟ قلت: نعم. قال: «من أي المال»؟ قال: قد آتاني الله من الإبل والغنم والخيل والرقيق قال: «فإذا آتاك الله.. فلير أثر نعمته عليك وكرامته لك».
وأخرج الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» وقد كانت العرب تحرم زينة اللباس في الطواف تعبدا، وتحرم الادهان ونحوه حال الإحرام بالحج كذلك، وتحرم من الأنعام والحرث ما ذكر في سورة الأنعام، وحرم أهل الكتاب كثيرا من الطيبات، فجاء الدين الإسلامي الجامع بين مصالح الدنيا ومصالح الآخرة، والمطهر للنفوس، والمهذب للأخلاق، فأنكر هذا التحكم المخالف لسنن الفطرة، وبين أن هذا التحريم لم يكن إلا من وساوس الشيطان، ولم يوح به الله تعالى إلى أنبيائه ورسله المصطفين الأخيار.
﴿كَذلِكَ﴾؛ أي: كتفصيلنا هذا الحكم المذكور وتبيينا إياه ﴿نُفَصِّلُ﴾ ونبين ﴿الْآياتِ﴾؛ أي: الأحكام من الحلال والحرام ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أني أنا الله وحدي لا شريك لي، فأحلوا حلالي، وحرموا حرامي.
أي: أن هذا التفصيل لحكم الزينة والطيبات، الذي ضل فيه كثير من الأمم والأفراد ما بين إفراط وتفريط، لا يعقله إلا الذين يعلمون سنن الاجتماع وطبائع
293
البشر ومصالحهم، ونحن قد فصلناه على لسان هذا النبي الأمي، الذي لم يكن يعرف شيئا من تاريخ البشر في أطوار بداوتهم وأطوار حضارتهم قبل أن ننزلها عليه، فكان ذلك آية دالة على نبوته؛ إذ ما كان لمثله أن يعلمها إلا بالوحي من عندنا، ولولا الكتاب الكريم.. لما خرجت العرب من ظلمات الوثنية والجهالة إلى ذلك النور الذي صلحت به، وأصلحت أمما كثيرة بالدين والفنون والآداب، وما أحيت من علوم الأوائل.
ولكن وا أسفا قد أضحى المسلمون من أجهل الشعوب بسنن الله في الأكوان، وبالعلوم والمعارف اللازمة لتقدم الحضارة والمدنية، وأصبحوا في مؤخرة الأمم، وصاروا مضرب الأمثال في التأخر والخمول والكسل، وبذلك استكانوا وذلوا، وصاروا أفقر الأمم وأضعفهم وأقلهم خدمة لدينهم، وخالفوا ما رسمه لهم ذلك من أن لهم زينة الدنيا وطيباتها وسعادتها وملكها، وأن عليهم أن يشكروا الله على ما يؤتيهم من ذلك، وأن عليهم أن يقوموا بما يرضيه من اتباع الحق والعدل، وكل ما تقتضيه خلافتهم في الأرض.
ولقد بلغ الجهل بكثير من المسلمين أن ظن - وبعض الظن إثم - أن دين الإسلام هو سبب ضعف المسلمين وجهلهم ومسكنتهم، وذهاب ملكهم، واستعباد الكفار لهم حتى رغب الجهال منهم الدخول في المسيحية والشيوعية؛ لطول ما عليهم من الاستئمار، كما رأينا ذلك في بعض القبائل من الشعوب الآرومية في شرقي إفريقيا؛ لاستعباد الجيوش لهم بأخذ أراضيهم، وضرب الجزية عليهم استعبادا لا نظير له إلا استعباد فرعون لبني إسرائيل، ولكن كتاب الله وسنة رسوله وتاريخ هذه الأمة شاهد صدق على فساد هذه القضية، وتزييف تلك الدعوى فليس لها من دعائم تستند إليها وتقف بها على رجليها.
٣٣ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتجردون من ثيابهم في الطواف، والذين يحرمون أكل الطيبات ﴿إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ﴾؛ أي: الزنا ﴿ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾؛ أي: جهرها وسرها ﴿وَالْإِثْمَ﴾؛ أي: شرب الخمر ﴿وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾؛ أي: الظلم على الناس بغير الحق، فالقتل والقهر بالحق ليس بغيا {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ
ولكن وا أسفا قد أضحى المسلمون من أجهل الشعوب بسنن الله في الأكوان، وبالعلوم والمعارف اللازمة لتقدم الحضارة والمدنية، وأصبحوا في مؤخرة الأمم، وصاروا مضرب الأمثال في التأخر والخمول والكسل، وبذلك استكانوا وذلوا، وصاروا أفقر الأمم وأضعفهم وأقلهم خدمة لدينهم، وخالفوا ما رسمه لهم ذلك من أن لهم زينة الدنيا وطيباتها وسعادتها وملكها، وأن عليهم أن يشكروا الله على ما يؤتيهم من ذلك، وأن عليهم أن يقوموا بما يرضيه من اتباع الحق والعدل، وكل ما تقتضيه خلافتهم في الأرض.
ولقد بلغ الجهل بكثير من المسلمين أن ظن - وبعض الظن إثم - أن دين الإسلام هو سبب ضعف المسلمين وجهلهم ومسكنتهم، وذهاب ملكهم، واستعباد الكفار لهم حتى رغب الجهال منهم الدخول في المسيحية والشيوعية؛ لطول ما عليهم من الاستئمار، كما رأينا ذلك في بعض القبائل من الشعوب الآرومية في شرقي إفريقيا؛ لاستعباد الجيوش لهم بأخذ أراضيهم، وضرب الجزية عليهم استعبادا لا نظير له إلا استعباد فرعون لبني إسرائيل، ولكن كتاب الله وسنة رسوله وتاريخ هذه الأمة شاهد صدق على فساد هذه القضية، وتزييف تلك الدعوى فليس لها من دعائم تستند إليها وتقف بها على رجليها.
٣٣ - ﴿قُلْ﴾ يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يتجردون من ثيابهم في الطواف، والذين يحرمون أكل الطيبات ﴿إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ﴾؛ أي: الزنا ﴿ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾؛ أي: جهرها وسرها ﴿وَالْإِثْمَ﴾؛ أي: شرب الخمر ﴿وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾؛ أي: الظلم على الناس بغير الحق، فالقتل والقهر بالحق ليس بغيا {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ
294
ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا}؛ أي: وحرم أن تسووا بالله في العبادة معبودا ليس على ثبوته حجة، ولا يخفى ما فيه من التهكم بالمشركين (١) والكفار؛ لأنه لا يجوز أن ينزل حجة وبرهانا بأن يشرك به غيره؛ لأن الإقرار بشيء ليس على ثبوته حجة ولا برهان ممتنع، فلما امتنع حصول الحجة والبينة على صحة القول بالشرك.. وجب أن يكون باطلا على الإطلاق ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾ بالإلحاد في صفاته، والافتراء عليه في التحريم والتحليل؛ أي: أن تقولوا على الله ما لا تعلمون حقيقته، وأن الله قاله، مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها.
فالجنايات محصورة في خمسة أنواع (٢):
أحدها: الجناية على الأنساب؛ وهي المرادة بالفواحش الظاهرة والباطنة، وقد تقدم تفسيرها في سورة الأنعام، وهي إحدى الوصايا التي ذكرت هناك، وقد تقدم تخصيصها بفاحشة الزنا، وإن كان الأولى التعميم.
وثانيها: الجناية على العقول؛ وهي المشار إليها بالإثم والإثم (٣) يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم والذم، وعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص، والثلاثة بعده معطوفة عليه عطف خاص على عام؛ لمزيد الاعتناء بها، وقيل: هو الخمر خاصة ومنه قول الشاعر:
ومثله قول الآخر:
يشرب الإثم بالصّواع جهارا
وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصا بالخمر. قال النحاس: فأما أن يكون الإثم الخمر.. فلا يعرف ذلك، وحقيقته أنه جميع المعاصي كما قال الشاعر:
فالجنايات محصورة في خمسة أنواع (٢):
أحدها: الجناية على الأنساب؛ وهي المرادة بالفواحش الظاهرة والباطنة، وقد تقدم تفسيرها في سورة الأنعام، وهي إحدى الوصايا التي ذكرت هناك، وقد تقدم تخصيصها بفاحشة الزنا، وإن كان الأولى التعميم.
وثانيها: الجناية على العقول؛ وهي المشار إليها بالإثم والإثم (٣) يتناول كل معصية يتسبب عنها الإثم والذم، وعطفه على ما قبله من عطف العام على الخاص، والثلاثة بعده معطوفة عليه عطف خاص على عام؛ لمزيد الاعتناء بها، وقيل: هو الخمر خاصة ومنه قول الشاعر:
شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي | كذاك الإثم تذهب بالعقول |
يشرب الإثم بالصّواع جهارا
وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصا بالخمر. قال النحاس: فأما أن يكون الإثم الخمر.. فلا يعرف ذلك، وحقيقته أنه جميع المعاصي كما قال الشاعر:
(١) المراح والمراغي والشوكاني.
(٢) الشوكاني.
(٢) الشوكاني.
295
إنّي وجدت الأمر أرشده... تقوى الإله وشرّه الإثم
قال في «الصحاح»: وقد يسمى الخمر إثما، وأنشد: شربت الإثم... البيت، وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته.
وثالثها: الجناية على النفوس والأموال والأعراض، وإليها الإشارة بقوله: ﴿وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ وهو (١) الإثم الذي فيه تجاوز لحدود الحق، أو اعتداء على حقوق الأفراد أو جماعتهم، ومن ثم قرن بالعدوان في قوله: ﴿تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾ وقيد البغي بكونه بغير الحق؛ لأن تجاوز الحدود المعروفة قد يكون فيما لا ظلم فيه ولا فساد، ولا هضم لحقوق الأفراد والجماعات كما في الأمور التي ليس لهم فيها حقوق، أو التي تطيب أنفسهم فيها عن بعض حقوقهم، فيبذلونها عن رضى وارتياح لمصلحة لهم يرجونها.
ورابعها: الجناية على الأديان؛ وهي من وجهين:
إما بالطعن في توحيد الله تعالى؛ وهو الشرك، وإليه الإشارة بقوله: ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ﴾ وهو أقبح الفواحش، فلا تقوم عليه حجة من عقل ولا برهان من وحي، وسميت الحجة سلطانا؛ لأن لها سلطانا على العقل والقلب.
وفي هذا إيماء إلى أن أصول الإيمان لا تقبل إلا بوحي من الله يؤيده البرهان كما قال: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ كما أن فيه إرشادا إلى عظم شأن الدليل والبرهان في الدين، حتى كأن من جاء بالبرهان على الشرك يصدق، وهذا من فرض المحال مبالغة في فضل الاستدلال كما قال: ﴿أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.
وإما بالقول في دين الله بغير معرفة، وإليه الاشارة بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾: وهو من أسس المحرمات التي حرمت على ألسنة الرسل جميعا؛ إذ هو منشأ تحريف الأديان المحرفة، وسبب الابتداع في الدين الحق، وقد انتشر الابتداع بين أهله، وتحكمت بينهم الأهواء، واتبعوا سنن من قبلهم
قال في «الصحاح»: وقد يسمى الخمر إثما، وأنشد: شربت الإثم... البيت، وكذا أنشده الهروي قبله في غريبته.
وثالثها: الجناية على النفوس والأموال والأعراض، وإليها الإشارة بقوله: ﴿وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ وهو (١) الإثم الذي فيه تجاوز لحدود الحق، أو اعتداء على حقوق الأفراد أو جماعتهم، ومن ثم قرن بالعدوان في قوله: ﴿تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ﴾ وقيد البغي بكونه بغير الحق؛ لأن تجاوز الحدود المعروفة قد يكون فيما لا ظلم فيه ولا فساد، ولا هضم لحقوق الأفراد والجماعات كما في الأمور التي ليس لهم فيها حقوق، أو التي تطيب أنفسهم فيها عن بعض حقوقهم، فيبذلونها عن رضى وارتياح لمصلحة لهم يرجونها.
ورابعها: الجناية على الأديان؛ وهي من وجهين:
إما بالطعن في توحيد الله تعالى؛ وهو الشرك، وإليه الإشارة بقوله: ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ﴾ وهو أقبح الفواحش، فلا تقوم عليه حجة من عقل ولا برهان من وحي، وسميت الحجة سلطانا؛ لأن لها سلطانا على العقل والقلب.
وفي هذا إيماء إلى أن أصول الإيمان لا تقبل إلا بوحي من الله يؤيده البرهان كما قال: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾ كما أن فيه إرشادا إلى عظم شأن الدليل والبرهان في الدين، حتى كأن من جاء بالبرهان على الشرك يصدق، وهذا من فرض المحال مبالغة في فضل الاستدلال كما قال: ﴿أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.
وإما بالقول في دين الله بغير معرفة، وإليه الاشارة بقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾: وهو من أسس المحرمات التي حرمت على ألسنة الرسل جميعا؛ إذ هو منشأ تحريف الأديان المحرفة، وسبب الابتداع في الدين الحق، وقد انتشر الابتداع بين أهله، وتحكمت بينهم الأهواء، واتبعوا سنن من قبلهم
(١) المراغي.
296
كما جاء في الحديث: «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟». رواه الشيخان. ورأس البلية في هذا الابتداع القول في الدين بالرأي، فما من أحد يبتدع، أو يتبع مبتدعا إلا استدل على بدعته بالرأي. وقد ظهرت مبادىء هذه البدع والأهواء في القرون الأولى قرون العلم بالسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما زال أمرها يستفحل حتى وصلت إلى ما نراه الآن. وما شرع (١) من اجتهاد الرأي في حديث معاذ وغيره؛ فهو خاص بالقضاء لا بأصول الدين وعباداته، فقد أكمل الله دينه، فلم يترك فيه نقصا يكمله غيره بظنه ورأيه بعد وفاة رسوله، وليس لقاض ولا مفت أن يسند رأيه الاجتهادي إلى الله، فيقول: هذا حكم الله، وهذا دينه، بل يقول: هذا مبلغ اجتهادي، فإن كان صوابا فمن توفيق الله وإلهامه، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان.
والخلاصة: أنه لا ينبغي لأحد أن يحرم شيئا تحريما دينيا على عباد الله، أو يوجب عليهم شيئا إلا بنص صريح عن الله ورسوله، ومن تهجم على ذلك.. فقد جعل نفسه شريكا لله، ومن تبعه في ذلك.. فقد جعله ربا له، ومن ثم كان فقهاء الصحابة والتابعين يتحامون القول في الدين بالرأي، وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على من نسب إلى دينه تحليل شيء أو تحريمه من عنده بلا برهان، فقال:
﴿وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾.
وهذه الجنايات الخمسة المذكورة في هذه الآية أصول الجنايات، وأما غيرها فهي كالفروع.
٣٤ - ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾: من الأمم التي كذبت الرسل ﴿أَجَلٌ﴾؛ أي: وقت معين لهلاكها ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ﴾؛ أي: وقت هلاكهم؛ أي: أجل واحد اندرج تحت الأمة ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً﴾؛ أي: لا يتركون بعد الأجل طرفة عين {وَلا
والخلاصة: أنه لا ينبغي لأحد أن يحرم شيئا تحريما دينيا على عباد الله، أو يوجب عليهم شيئا إلا بنص صريح عن الله ورسوله، ومن تهجم على ذلك.. فقد جعل نفسه شريكا لله، ومن تبعه في ذلك.. فقد جعله ربا له، ومن ثم كان فقهاء الصحابة والتابعين يتحامون القول في الدين بالرأي، وقد أنكر الله سبحانه وتعالى على من نسب إلى دينه تحليل شيء أو تحريمه من عنده بلا برهان، فقال:
﴿وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾.
وهذه الجنايات الخمسة المذكورة في هذه الآية أصول الجنايات، وأما غيرها فهي كالفروع.
٣٤ - ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾: من الأمم التي كذبت الرسل ﴿أَجَلٌ﴾؛ أي: وقت معين لهلاكها ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ﴾؛ أي: وقت هلاكهم؛ أي: أجل واحد اندرج تحت الأمة ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً﴾؛ أي: لا يتركون بعد الأجل طرفة عين {وَلا
(١) المراغي.
297
يَسْتَقْدِمُونَ}؛ أي: ولا يهلكون قبل الأجل طرفة عين، فقوله: ﴿ساعَةً﴾؛ أي: شيئا قليلا من الزمان؛ فهي مثل يضرب لغاية القلة من الزمان. ذكره أبو السعود. فالجزاء (١) مجموع الأمرين، لا كل واحد على حدته، والمعنى: أن الوقت المحدود لا يتغير، وهذا وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله كما نزل بالأمم السابقة؛ إذ خالفوا أمر ربهم؛ يعني (٢): فلا يؤخرون ولا يمهلون قدر ساعة ولا أقل من ساعة، وإنما ذكرت الساعة؛ لأنها أقل أسماء الأوقات في العرف يقول المستعجل لصاحبه: في ساعة، يريد في أقصر وقت وأقربه، وإنما أفرد (٣) الأجل؛ لأنه اسم جنس، أو لتقارب أعمال أهل كل عصر، أو لكون التقدير: لكل واحد من أمة. وقرأ الحسن وابن سيرين: ﴿فإذا جاء آجالهم﴾ بالجمع.
والمعنى (٤): قل يا محمد لقومك ولغيرهم لكل أمة أمد مضروب لحياتها مقدر لها بحسب السنن التي وضعها الخالق لوجودها، وهذا الأجل على ضربين: أجل لوجودها في الحياة الدنيا، وأجل لعزها وسعادتها بين الأمم:
الأول: أجل لأمة بعث فيها رسول لهدايتها، فردوا دعوته كبرا وعنادا، واقترحوا عليه الآيات فأعطوها مع إنذارهم بالهلاك إذا لم يؤمنوا، فاستمروا في تكذيبهم، فأخذهم ربهم أخذ عزيز مقتدر، كما وقع لقوم نوح وعاد وثمود وفرعون وإخوان لوط وغيرهم.
وهذا النوع من الهلاك كان خاصا بأقوام الرسل أولي الدعوة الخاصة بأقوامهم، وقد انتهى ذلك ببعثة النبي ﷺ الذي خاطبه الله بقوله: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ..﴾ وقد مضت سنة الله في الأمم أن الذين يقترحون الآيات لا يؤمنون بها، ومن ثم لم يعط الله تعالى رسوله شيئا مما كانوا يقترحونه عليه.
والمعنى (٤): قل يا محمد لقومك ولغيرهم لكل أمة أمد مضروب لحياتها مقدر لها بحسب السنن التي وضعها الخالق لوجودها، وهذا الأجل على ضربين: أجل لوجودها في الحياة الدنيا، وأجل لعزها وسعادتها بين الأمم:
الأول: أجل لأمة بعث فيها رسول لهدايتها، فردوا دعوته كبرا وعنادا، واقترحوا عليه الآيات فأعطوها مع إنذارهم بالهلاك إذا لم يؤمنوا، فاستمروا في تكذيبهم، فأخذهم ربهم أخذ عزيز مقتدر، كما وقع لقوم نوح وعاد وثمود وفرعون وإخوان لوط وغيرهم.
وهذا النوع من الهلاك كان خاصا بأقوام الرسل أولي الدعوة الخاصة بأقوامهم، وقد انتهى ذلك ببعثة النبي ﷺ الذي خاطبه الله بقوله: ﴿وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ..﴾ وقد مضت سنة الله في الأمم أن الذين يقترحون الآيات لا يؤمنون بها، ومن ثم لم يعط الله تعالى رسوله شيئا مما كانوا يقترحونه عليه.
(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.
(٤) المراغي.
298
والثاني: أجل مقدر لحياة الأمم سعيدة عزيزة باستقلالها ومكانتها بين الأمم، وهذا منوط بسنن الله في الاجتماع البشري، وعوامل الرقي والعمران، وأسباب انتهاء هذا الاجتماع لا تعد، ومخالفة ما أرشدت إليه الآيات السالفة كإسراف في الزينة، أو إسراف في التمتع بالطيبات، أو باقتراف الفواحش والآثام والبغي على الناس، أو بالتوغل في خرافات الشرك والوثنية، أو بالكذب على الله بإرهاق الأمة بما لم يشرعه لها من الأحكام. فالأمم التي ترتكب هذه الضلالات والمفاسد يسلبها الله سعادتها، ويسلط عليها من يستذلها كما قال تعالى: ﴿وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢)﴾ وهاكم شاهد صدق على ما نقول، إن الأمم التي كان لها شأن يذكر في التاريخ كالرومان والفرس والعرب والترك وغيرهم، ممن سلب ملكهم كله أو بعضه، لم يكن لذلك من سبب سوى ما أسلفنا، وهذا الضرب من الأجل، وإن عرفت أسبابه لا يمكن أن يحد بالسنين والأعوام والليالي والأيام، ولكن الله يعلم تحديده بما أوجده من الأسباب التي تنتهي بمسبباتها، وبالمقدمات التي تترتب عليها نتائجها كما قال: ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾.
الساعة لغة: أقل مدة من الزمن؛ أي: فإذا جاء الوقت الذي وقته الله لهلاكهم، وحلول العقاب بهم لا يتأخرون عنه بالبقاء في الدنيا أقل تأخر، كما أنهم لا يتقدمون أيضا عن الوقت الذي جعله لهم وقتا للفناء والهلاك. فإن قلت:
لم أتى بالفاء هنا وفي سائر المواضع إلا في يونس فحذفها؟
قلت: لأن مدخولها في غير يونس جملة معطوفة على أخرى مصدرة بالواو، وبينهما اتصال وتعقيب، فحسن الإتيان بالفاء الدالة على التعقيب بخلاف ما في يونس. انتهى من «الفتوحات».
وفي الآية إيماء إلى أن الأمة قد تملك طلب تأخير الهلاك قبل مجيئه؛ أي:
قبل أن تغلبها على إرادتها أسباب الهلاك بأن تترك الفواحش والآثام والظلم والبغي، والإسراف المفسد للأخلاق، وخرافات الشرك المفسدة للعقول، وتترك البدع في التحريم والتحليل بما لم يخاطب به المولى بأن يقوم فيها جماعة من
الساعة لغة: أقل مدة من الزمن؛ أي: فإذا جاء الوقت الذي وقته الله لهلاكهم، وحلول العقاب بهم لا يتأخرون عنه بالبقاء في الدنيا أقل تأخر، كما أنهم لا يتقدمون أيضا عن الوقت الذي جعله لهم وقتا للفناء والهلاك. فإن قلت:
لم أتى بالفاء هنا وفي سائر المواضع إلا في يونس فحذفها؟
قلت: لأن مدخولها في غير يونس جملة معطوفة على أخرى مصدرة بالواو، وبينهما اتصال وتعقيب، فحسن الإتيان بالفاء الدالة على التعقيب بخلاف ما في يونس. انتهى من «الفتوحات».
وفي الآية إيماء إلى أن الأمة قد تملك طلب تأخير الهلاك قبل مجيئه؛ أي:
قبل أن تغلبها على إرادتها أسباب الهلاك بأن تترك الفواحش والآثام والظلم والبغي، والإسراف المفسد للأخلاق، وخرافات الشرك المفسدة للعقول، وتترك البدع في التحريم والتحليل بما لم يخاطب به المولى بأن يقوم فيها جماعة من
299
المصلحين، فيرشدوها إلى تغير ما بأنفسها من الفساد، فيغير الله ما بها، وهذا من استئخار الهلاك، أو منعه عنها قبل مجيء أهلها.
وخلاصة معنى الآية: أن لكل أمة أجلا لا يتأخرون عنه إذا جاء ولا يتقدمون عليه أيضا، فيهلكوا قبل مجيئه، ونحو الآية قوله: ﴿ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥)﴾ - ﷺ -.
٣٥ - ﴿يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾؛ أي يا بني آدم إن يأتكم رسل من أبناء جنسكم من البشر ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي﴾؛ أي: يتلون عليكم آياتي التي أنزلتها عليكم لبيان ما آمركم به من صالح الأعمال، وترك ما أنهاكم عنه من الشرك والرذائل وقبيح الأعمال ﴿فَمَنِ اتَّقى﴾ واجتنب منكم ما نهيته عنه ﴿وَأَصْلَحَ﴾ نفسه بفعل ما أوجبته عليه ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من عذاب الآخرة حين يخاف غيرهم ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ حين الجزاء على ما فاتهم في الدنيا، أما حزنهم على عقاب الآخرة فيرتفع بما حصل لهم من زوال الخوف.
وحكمة كون الرسول منهم (١): أنه أقطع لعذرهم، وأظهر في الحجة عليهم إذ معرفتهم بأحواله تبين لهم أن المعجزات التي ظهرت على يديه إنما هي بقدرة الله لا بقدرته إلى ما في ذلك من حصول الألفة، فالجنس يألف بالجنس ويركن إليه، ومن ثم قال: ﴿وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا﴾.
وقرأ أبيّ والأعرج (٢): ﴿إما تأتينكم﴾ - بالتاء على تأنيث الجماعة - ﴿ويَقُصُّونَ﴾ محمول على المعنى إذ ذاك؛ إذ لو حمل على اللفظ لكان تقص.
٣٦ - ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ المنزلة على أحد من رسلنا ﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾ عَنْها؛ أي: امتنعوا عن اتباع من جاء بها حسدا له على الرياسة، وتفضيلا لأنفسهم عليه، أو لقومهم على قومه فـ ﴿أُولئِكَ﴾ المكذبون المستكبرون عنها ﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾ ملازمون لها ﴿هُمْ فِيها﴾؛ أي: ماكثون فيها مكثا لا نهاية له.
وخلاصة معنى الآية: أن لكل أمة أجلا لا يتأخرون عنه إذا جاء ولا يتقدمون عليه أيضا، فيهلكوا قبل مجيئه، ونحو الآية قوله: ﴿ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ (٥)﴾ - ﷺ -.
٣٥ - ﴿يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾؛ أي يا بني آدم إن يأتكم رسل من أبناء جنسكم من البشر ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي﴾؛ أي: يتلون عليكم آياتي التي أنزلتها عليكم لبيان ما آمركم به من صالح الأعمال، وترك ما أنهاكم عنه من الشرك والرذائل وقبيح الأعمال ﴿فَمَنِ اتَّقى﴾ واجتنب منكم ما نهيته عنه ﴿وَأَصْلَحَ﴾ نفسه بفعل ما أوجبته عليه ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من عذاب الآخرة حين يخاف غيرهم ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ حين الجزاء على ما فاتهم في الدنيا، أما حزنهم على عقاب الآخرة فيرتفع بما حصل لهم من زوال الخوف.
وحكمة كون الرسول منهم (١): أنه أقطع لعذرهم، وأظهر في الحجة عليهم إذ معرفتهم بأحواله تبين لهم أن المعجزات التي ظهرت على يديه إنما هي بقدرة الله لا بقدرته إلى ما في ذلك من حصول الألفة، فالجنس يألف بالجنس ويركن إليه، ومن ثم قال: ﴿وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا﴾.
وقرأ أبيّ والأعرج (٢): ﴿إما تأتينكم﴾ - بالتاء على تأنيث الجماعة - ﴿ويَقُصُّونَ﴾ محمول على المعنى إذ ذاك؛ إذ لو حمل على اللفظ لكان تقص.
٣٦ - ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ المنزلة على أحد من رسلنا ﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾ عَنْها؛ أي: امتنعوا عن اتباع من جاء بها حسدا له على الرياسة، وتفضيلا لأنفسهم عليه، أو لقومهم على قومه فـ ﴿أُولئِكَ﴾ المكذبون المستكبرون عنها ﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾ ملازمون لها ﴿هُمْ فِيها﴾؛ أي: ماكثون فيها مكثا لا نهاية له.
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
ومعنى الاستكبار عن قبول الآيات: رفضها كبرا وعنادا لمن جاء بها، كما حدث من رؤساء قريش حين استكبروا أن يكون محمد ﷺ إماما لهم، إذ رأوا أنفسهم أحق بالرياسة منه؛ لأنهم أكثر منه مالا وأعز نفرا.
والخلاصة: أن جميع الرسل قد بلغوا أممهم أن اتقاءهم لما يفسد فطرتهم من الشرك والمعاصي، وإصلاح أنفسهم بالطاعة يوجب الأمن وعدم الخوف مما يتوقع، وعدم الحزن على ما وقع منهم في الدار الأولى، وأن تكذيب ما جاؤوا به من الآيات والاستكبار عن اتباعها يترتب عليه المكث في نار جهنم خالدين فيها أبدا كفاء ما فعلوا من التمرد وعصيان أوامر الديان.
٣٧ - والاستفهام في قوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنكاري﴾؛ أي: لا أحد أظلم وأقبح وأشنع ممن افترى واختلق على الله الكذب بأن أوجب على عباده من العبادات ما لم يوجبه، أو حرم عليهم من الدين ما لم يحرمه، أو عزا إلى دينه أحكاما لم تنزل على رسله، أو بنسبة الشريك والولد إليه ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ﴾ المنزلة عليهم سواء أكان بالقول، أو بما هو أدل منه كالاستهزاء بها، أو الاستكبار عن اتباعها، أو بتفضيل غيرها عليها.
﴿أُولئِكَ﴾ المفترون المكذبون بآيات الله ﴿يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ﴾؛ أي يصيبهم، ويوفى لهم نصيبهم وحظهم من الكتاب؛ أي: من الأعمار والأرزاق المكتوبة لهم في اللوح المحفوظ، فهم مع ظلمهم وافترائهم على الله لا يحرمون مما قدر لهم من الأرزاق إلى انقضاء آجالهم تفضلا منه سبحانه وتعالى؛ لكي يصلحوا ويتوبوا، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ﴾، وقوله: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤)﴾. و ﴿حَتَّى﴾ في قوله: ﴿حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا﴾ غاية (١) لنيلهم نصيبهم واستيفائهم له، وهي حتى التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام هنا الجملة الشرطية، وهي ﴿إِذا جاءَتْهُمْ﴾: أي: يوفى لهم نصيبهم من الأرزاق والأعمار المكتوبة لهم في اللوح
والخلاصة: أن جميع الرسل قد بلغوا أممهم أن اتقاءهم لما يفسد فطرتهم من الشرك والمعاصي، وإصلاح أنفسهم بالطاعة يوجب الأمن وعدم الخوف مما يتوقع، وعدم الحزن على ما وقع منهم في الدار الأولى، وأن تكذيب ما جاؤوا به من الآيات والاستكبار عن اتباعها يترتب عليه المكث في نار جهنم خالدين فيها أبدا كفاء ما فعلوا من التمرد وعصيان أوامر الديان.
٣٧ - والاستفهام في قوله: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنكاري﴾؛ أي: لا أحد أظلم وأقبح وأشنع ممن افترى واختلق على الله الكذب بأن أوجب على عباده من العبادات ما لم يوجبه، أو حرم عليهم من الدين ما لم يحرمه، أو عزا إلى دينه أحكاما لم تنزل على رسله، أو بنسبة الشريك والولد إليه ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ﴾ المنزلة عليهم سواء أكان بالقول، أو بما هو أدل منه كالاستهزاء بها، أو الاستكبار عن اتباعها، أو بتفضيل غيرها عليها.
﴿أُولئِكَ﴾ المفترون المكذبون بآيات الله ﴿يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ﴾؛ أي يصيبهم، ويوفى لهم نصيبهم وحظهم من الكتاب؛ أي: من الأعمار والأرزاق المكتوبة لهم في اللوح المحفوظ، فهم مع ظلمهم وافترائهم على الله لا يحرمون مما قدر لهم من الأرزاق إلى انقضاء آجالهم تفضلا منه سبحانه وتعالى؛ لكي يصلحوا ويتوبوا، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ﴾، وقوله: ﴿نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤)﴾. و ﴿حَتَّى﴾ في قوله: ﴿حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا﴾ غاية (١) لنيلهم نصيبهم واستيفائهم له، وهي حتى التي يبتدأ بعدها الكلام، والكلام هنا الجملة الشرطية، وهي ﴿إِذا جاءَتْهُمْ﴾: أي: يوفى لهم نصيبهم من الأرزاق والأعمار المكتوبة لهم في اللوح
(١) النسفي.
المحفوظ مدة حياتهم، حتى إذا جاءتهم رسلنا ملك الموت وأعوانه حالة كون رسلنا ﴿يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾؛ أي: يقبضون أرواحهم؛ أي: يوفى لهم نصيبهم الذي كتب لهم مدة حياتهم حتى إذا ما انتهى بانتهاء آجالهم، وجاءتهم رسلنا يقبضون أرواحهم ﴿قالُوا﴾؛ أي: قالت رسلنا لأولئك المفترين المكذبين بآيات الله تعالى على سبيل التوبيخ والتقريع: ﴿أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾؛ أي: أين الشركاء والآلهة التي كنتم تعبدونهم في الدنيا من دون الله سبحانه وتعالى لقضاء الحاجات، ودفع المضرات، فادعوهم لينجوكم وينقذوكم مما أنتم فيه من الشدائد والعذاب ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال المفترون للملائكة ﴿ضَلُّوا عَنَّا﴾؛ أي: غابت الآلهة عنا وذهبوا، لا ندري أين مكانهم؛ أي: غابوا عنا، فلا نرجوا منهم الآن جلب النفع، ولا دفع الضر ﴿وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾؛ أي: واعترفوا على أنفسهم بـ ﴿أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ﴾ بدعائهم إياهم وعبادتهم لهم؛ إذ هم قد زعموا أنهم عنده تعالى كأعوان الأمراء والسلاطين، وحاش الله أن يتخذ الأعوان والمساعدين، فالله غني بعلمه المحيط وقدرته الكاملة عن أن يحتاج إلى الأعوان والمساعدين، فإنما يحتاج إليها من يجهل أمور الناس، ويعجز عن معرفة أحوالهم، ولا تعارض بين هذا وبين قوله: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ لاحتمال ذلك من طوائف، أو في أوقات مختلفة.
[الخلاصة:]
وخلاصة هذا: زجر الكافرين عما هم عليه من الكفر، وحملهم على النظر والتأمل في عواقب أمورهم، والتحذير من التقليد الذي سيرديهم في الهاوية.
٣٨ - ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؛ أي: يقول الله تعالى يوم القيامة لهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، وجعلوا له شركاء بواسطة الملائكة ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾؛ أي: ادخلوا بين أمم ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ ومضت وسبقت ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ﴾؛ أي: أمم تقدم زمانهم على زمانكم؛ أي: ادخلوا في النار فيما بين الأمم الكافرين الذين تقدم زمانهم زمانكم من هذين النوعين الجن والإنس.
وفي هذا إيماء إلى أنه تعالى، لا يسوق الكفار بأجمعهم إلى النار دفعة
[الخلاصة:]
وخلاصة هذا: زجر الكافرين عما هم عليه من الكفر، وحملهم على النظر والتأمل في عواقب أمورهم، والتحذير من التقليد الذي سيرديهم في الهاوية.
٣٨ - ﴿قالَ﴾ الله سبحانه وتعالى يوم القيامة؛ أي: يقول الله تعالى يوم القيامة لهؤلاء الذين افتروا على الله الكذب، وجعلوا له شركاء بواسطة الملائكة ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾؛ أي: ادخلوا بين أمم ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ ومضت وسبقت ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ﴾؛ أي: أمم تقدم زمانهم على زمانكم؛ أي: ادخلوا في النار فيما بين الأمم الكافرين الذين تقدم زمانهم زمانكم من هذين النوعين الجن والإنس.
وفي هذا إيماء إلى أنه تعالى، لا يسوق الكفار بأجمعهم إلى النار دفعة
302
واحدة، بل يدخلهم فوجا فوجا، فيكون منهم سابق ومسبوق، ويشاهد من الأمة في النار من سبقه ﴿كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ﴾؛ أي: كلما دخلت جماعة منهم في النار، ورأت ما حل بالسابقة من الخزي والنكال ﴿لَعَنَتْ أُخْتَها﴾ في الدين والملة؛ إذ هي قد ضلت باتباعها والاقتداء بها في كفرها كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾.
والخلاصة: فيلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس.
﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا﴾؛ أي: حتى إذا تداركوا في النار وتلاحقوا فيها، واجتمع بعضهم بعضا، واستقروا فيها ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ﴾؛ أي: قالت أخرى كل أمة منزلة وهم الأتباع والسفلة ﴿لِأُولاهُمْ﴾؛ أي: لأجل أولاهم منزلة، وهم القادة والرؤساء ﴿رَبَّنا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿هؤُلاءِ﴾ الرؤساء والقادة ﴿أَضَلُّونا﴾ عن الحق باتباعنا لهم، وتقليدنا إياهم فيما كانوا عليه من أمر الدين وسائر أعمالنا ﴿فَآتِهِمْ﴾؛ أي: أعطهم ﴿عَذابًا ضِعْفًا﴾؛ أي: عذابا مضاعفا مزادا ﴿مِنَ النَّارِ﴾ مثلي عذابنا لإضلالهم إيانا فوق العذاب على ضلالهم في أنفسهم حتى يكون عذابهم ضعفي عذابنا ضعفا للضلال، وضعفا للإضلال؛ أي: عذبهم مثل عذابنا مرتين.
ومعنى قوله: ﴿لِأُولاهُمْ﴾؛ أي: في شأنهم، ولأجل إضلالهم، وليس المراد أنهم ذكروا هذا القول لأولاهم؛ لأنهم ما خاطبوهم، بل خاطبوا الله سبحانه بهذا الكلام.
﴿قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾؛ أي: يقول الله سبحانه وتعالى جوابا لأخراهم: لكل منهم ومنكم (١) ضعف؛ أي: عذاب مضاعف، فكل ألم يحصل له يعقبه ألم آخر إلى غير نهاية، فالآلام متزايدة من غير نهاية، أما القادة فلكفرهم وإضلالهم، وأما الأتباع فلكفرهم وتقليدهم. ﴿وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أيها السائلون ما لكل فريق
والخلاصة: فيلعن المشركون المشركين، واليهود اليهود، والنصارى النصارى، والصابئون الصابئين، والمجوس المجوس.
﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا﴾؛ أي: حتى إذا تداركوا في النار وتلاحقوا فيها، واجتمع بعضهم بعضا، واستقروا فيها ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ﴾؛ أي: قالت أخرى كل أمة منزلة وهم الأتباع والسفلة ﴿لِأُولاهُمْ﴾؛ أي: لأجل أولاهم منزلة، وهم القادة والرؤساء ﴿رَبَّنا﴾ ويا مالك أمرنا ﴿هؤُلاءِ﴾ الرؤساء والقادة ﴿أَضَلُّونا﴾ عن الحق باتباعنا لهم، وتقليدنا إياهم فيما كانوا عليه من أمر الدين وسائر أعمالنا ﴿فَآتِهِمْ﴾؛ أي: أعطهم ﴿عَذابًا ضِعْفًا﴾؛ أي: عذابا مضاعفا مزادا ﴿مِنَ النَّارِ﴾ مثلي عذابنا لإضلالهم إيانا فوق العذاب على ضلالهم في أنفسهم حتى يكون عذابهم ضعفي عذابنا ضعفا للضلال، وضعفا للإضلال؛ أي: عذبهم مثل عذابنا مرتين.
ومعنى قوله: ﴿لِأُولاهُمْ﴾؛ أي: في شأنهم، ولأجل إضلالهم، وليس المراد أنهم ذكروا هذا القول لأولاهم؛ لأنهم ما خاطبوهم، بل خاطبوا الله سبحانه بهذا الكلام.
﴿قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾؛ أي: يقول الله سبحانه وتعالى جوابا لأخراهم: لكل منهم ومنكم (١) ضعف؛ أي: عذاب مضاعف، فكل ألم يحصل له يعقبه ألم آخر إلى غير نهاية، فالآلام متزايدة من غير نهاية، أما القادة فلكفرهم وإضلالهم، وأما الأتباع فلكفرهم وتقليدهم. ﴿وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾ أيها السائلون ما لكل فريق
(١) المراح.
303
منكم من العذاب، أو المعنى: ولكن لا تعلمون يا أهل الدنيا مقدار ذلك.
وقيل معنى: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾؛ أي: يقول الله تعالى للأتباع السائلين: لكل (١) من الرؤساء القادة ضعف من العذاب بإضلاله فوق عذابه على ضلاله، ولكن أيها الأتباع لا تعلمون عذابهم، فإن العذاب روحي ونفسي، والأول أنكى وأشد ألما، فالرئيس العزيز في قومه إذا دخل السجن مع السفلة، وأوشاب الناس لا يكون ألمه كألمهم، وإن كان يشركهم فيما يأكلون ويشربون، وفي جميع ما يعملون؛ إذ يشعر بعذاب النفس وقهر الذل مما لا يشعر به الآخرون، وإن كانوا يظنون أن عقوبتهما واحدة في ألمها كما هي في صورتها، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
وقرأ أبو عمرو (٢): ﴿اداركوا﴾ - بقطع ألف الوصل - قال أبو الفتح: هذا مشكل، ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالا، فذلك إنما يجيء شاذا في ضرورة الشعر في الاسم أيضا، لكنه وقف مثل وقفة المستنكر، ثم ابتدأ فقطع. وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدال وفتح الراء بمعنى أدرك بعضهم بعضا. وقرأ حميد: ﴿أدركوا﴾ - بضم الهمزة وكسر الراء -؛ أي: ادخلوا في أدراكها. وقرأ ابن مسعود والأعمش: ﴿تداركوا﴾ ورويت عن أبي عمرو وقال أبو البقاء، وقرىء: ﴿إذا ادّركوا﴾ - بألف واحدة ساكنة والدال بعدها مشددة -، وهو جمع بين ساكنين، وجاز في المنفصل كما جاز في المتصل.
وقرأ الجمهور: ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾ - بالتاء على الخطاب للسائلين - كما مر تفسيره آنفا. وقرأ أبو بكر والمفضل عن عاصم بالياء في: ﴿لا يعلمون﴾؛ أي: لا يعلم كل فريق قدر ما أعد له من العذاب، أو قدر ما أعد للفريق الآخر من العذاب قال أبو حيان: وهذه الجملة رد على أولئك السائلين، وعدم إسعاف لما طلبوا.
٣٩ - ﴿وَقالَتْ أُولاهُمْ﴾ في الكفر، أو في الدخول يعني القادة مخاطبة ﴿لِأُخْراهُمْ﴾ يعني الأتباع حين سمعوا جواب الله تعالى لهم، إذا كان الأمر كما قلتم من أننا
وقيل معنى: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾؛ أي: يقول الله تعالى للأتباع السائلين: لكل (١) من الرؤساء القادة ضعف من العذاب بإضلاله فوق عذابه على ضلاله، ولكن أيها الأتباع لا تعلمون عذابهم، فإن العذاب روحي ونفسي، والأول أنكى وأشد ألما، فالرئيس العزيز في قومه إذا دخل السجن مع السفلة، وأوشاب الناس لا يكون ألمه كألمهم، وإن كان يشركهم فيما يأكلون ويشربون، وفي جميع ما يعملون؛ إذ يشعر بعذاب النفس وقهر الذل مما لا يشعر به الآخرون، وإن كانوا يظنون أن عقوبتهما واحدة في ألمها كما هي في صورتها، ونحو الآية قوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾.
وقرأ أبو عمرو (٢): ﴿اداركوا﴾ - بقطع ألف الوصل - قال أبو الفتح: هذا مشكل، ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالا، فذلك إنما يجيء شاذا في ضرورة الشعر في الاسم أيضا، لكنه وقف مثل وقفة المستنكر، ثم ابتدأ فقطع. وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدال وفتح الراء بمعنى أدرك بعضهم بعضا. وقرأ حميد: ﴿أدركوا﴾ - بضم الهمزة وكسر الراء -؛ أي: ادخلوا في أدراكها. وقرأ ابن مسعود والأعمش: ﴿تداركوا﴾ ورويت عن أبي عمرو وقال أبو البقاء، وقرىء: ﴿إذا ادّركوا﴾ - بألف واحدة ساكنة والدال بعدها مشددة -، وهو جمع بين ساكنين، وجاز في المنفصل كما جاز في المتصل.
وقرأ الجمهور: ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾ - بالتاء على الخطاب للسائلين - كما مر تفسيره آنفا. وقرأ أبو بكر والمفضل عن عاصم بالياء في: ﴿لا يعلمون﴾؛ أي: لا يعلم كل فريق قدر ما أعد له من العذاب، أو قدر ما أعد للفريق الآخر من العذاب قال أبو حيان: وهذه الجملة رد على أولئك السائلين، وعدم إسعاف لما طلبوا.
٣٩ - ﴿وَقالَتْ أُولاهُمْ﴾ في الكفر، أو في الدخول يعني القادة مخاطبة ﴿لِأُخْراهُمْ﴾ يعني الأتباع حين سمعوا جواب الله تعالى لهم، إذا كان الأمر كما قلتم من أننا
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
أضللناكم ﴿فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ﴾؛ أي: أدنى فضل في الدنيا؛ أي: إنا وإياكم متساوون في الضلال واستحقاق العذاب؛ لأنكم كفرتم اختيارا، لا أنا حملناكم على الكفر إجبارا، فلا يكون عذابنا ضعفا ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾ أيتها الأخرى ﴿بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾؛ أي: بما كنتم تقولونه وتعملونه في الدنيا من الشرك والمعاصي، فلا يكون عذابكم دون عذابنا مع أن الذنب واحد، وقد اعترفتم بتلبسكم بالضلال المقتضي، فذوقوا بكسبكم له مهما يكن سببه.
وقد جاء في سورة الصافات: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣)﴾.
٤٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾؛ أي: كذبوا بدلائل توحيدنا، ولم يصدقوا بها، ولم يتبعوا رسلنا ﴿وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها﴾؛ أي: وتكبروا عن الإيمان بها، والتصديق لها، وأنفوا عن اتباعها، والانقياد لها، والعمل بمقتضاها تكبرا ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ﴾؛ أي: لا تفتح لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم إلى الله عز وجل في وقت حياتهم قول ولا عمل؛ لأن أرواحهم وأقوالهم وأعمالهم كلها خبيثة، وإنما يصعد إلى الله سبحانه وتعالى الكلم الطيب، والعمل الصالح كما قال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾. قال ابن عباس رضي الله عنهما (١): لا تفتح أبواب السماء لأرواح الكفار، وتفتح لأرواح المؤمنين. وفي رواية عن ابن عباس أيضا قال: لا يصعد لهم قول ولا عمل. وقال ابن جريج: لا تفتح أبواب السماء لأعمالهم ولا لأرواحهم.
وروى الطبري بسنده عن البراء بن عازب (٢): أن رسول الله ﷺ ذكر قبض
وقد جاء في سورة الصافات: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣)﴾.
٤٠ - ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾؛ أي: كذبوا بدلائل توحيدنا، ولم يصدقوا بها، ولم يتبعوا رسلنا ﴿وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها﴾؛ أي: وتكبروا عن الإيمان بها، والتصديق لها، وأنفوا عن اتباعها، والانقياد لها، والعمل بمقتضاها تكبرا ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ﴾؛ أي: لا تفتح لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم أبواب السماء، ولا يصعد لهم إلى الله عز وجل في وقت حياتهم قول ولا عمل؛ لأن أرواحهم وأقوالهم وأعمالهم كلها خبيثة، وإنما يصعد إلى الله سبحانه وتعالى الكلم الطيب، والعمل الصالح كما قال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾. قال ابن عباس رضي الله عنهما (١): لا تفتح أبواب السماء لأرواح الكفار، وتفتح لأرواح المؤمنين. وفي رواية عن ابن عباس أيضا قال: لا يصعد لهم قول ولا عمل. وقال ابن جريج: لا تفتح أبواب السماء لأعمالهم ولا لأرواحهم.
وروى الطبري بسنده عن البراء بن عازب (٢): أن رسول الله ﷺ ذكر قبض
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
305
روح الفاجر، وأنه يصعد بها إلى السماء. قال: «فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ قال: فيقولون: فلان بأقبح أسمائه التي كان يدعى بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء، فيستفتحون له، فلا يفتح له»، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾. وقيل في معنى الآية: لا تنزل عليهم البركة والخير؛ لأن ذلك لا ينزل إلا من السماء، فإذا لم تفتح لهم أبواب السماء، فلا ينزل عليهم من البركة والخير والرحمة شيء.
﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾؛ أي: ولا يدخل هؤلاء المكذبون المستكبرون الجنة ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ﴾؛ أي: حتى يدخل ذكر الإبل فِي ﴿سَمِّ الْخِياطِ﴾؛ أي: في ثقب الإبرة، والجمل معروف؛ وهو الذكر من الإبل، وسم الخياط: ثقب الإبرة. قال الفراء: الخياط والمخيط ما يخاط به، والمراد به في هذه الآية: الإبرة، وإنما خص (١) الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات؛ لأنه أكبر من سائر الحيوانات جسما عند العرب. قال الشاعر:
جسم الجمال وأحلام العصافير
وصف من هجاه بهذا بعظم الجسم مع صغر العقل، فجسم الجمل من أعظم الأجسام، وثقب الإبرة من أضيق المنافذ، فكان ولوج الجمل مع عظم جسمه في ثقب الإبرة الضيق محالا، فكذلك دخول الكفار الجنة محال؛ لأن المعلق بالمحال محال؛ لأن العرب إذا علقت ما يجوز كونه بما لا يجوز كونه استحال كون ذلك الجائز، وهذا كقوله: لا آتيك حتى يشيب الغراب، ويبيضّ القار. ومنه قول الشاعر:
وقال آخر:
﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ﴾؛ أي: ولا يدخل هؤلاء المكذبون المستكبرون الجنة ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ﴾؛ أي: حتى يدخل ذكر الإبل فِي ﴿سَمِّ الْخِياطِ﴾؛ أي: في ثقب الإبرة، والجمل معروف؛ وهو الذكر من الإبل، وسم الخياط: ثقب الإبرة. قال الفراء: الخياط والمخيط ما يخاط به، والمراد به في هذه الآية: الإبرة، وإنما خص (١) الجمل بالذكر من بين سائر الحيوانات؛ لأنه أكبر من سائر الحيوانات جسما عند العرب. قال الشاعر:
جسم الجمال وأحلام العصافير
وصف من هجاه بهذا بعظم الجسم مع صغر العقل، فجسم الجمل من أعظم الأجسام، وثقب الإبرة من أضيق المنافذ، فكان ولوج الجمل مع عظم جسمه في ثقب الإبرة الضيق محالا، فكذلك دخول الكفار الجنة محال؛ لأن المعلق بالمحال محال؛ لأن العرب إذا علقت ما يجوز كونه بما لا يجوز كونه استحال كون ذلك الجائز، وهذا كقوله: لا آتيك حتى يشيب الغراب، ويبيضّ القار. ومنه قول الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي | وصار القار كاللّبن الحليب |
من رام العلم بلا كدّ | سيدركها حين شاب الغراب |
(١) الخازن.
306
والمعنى: كما (١) يستحيل دخول الذكر من الإبل في خرق الإبرة يستحيل دخول الكفار الجنة، ويقال: حتى يدخل القلس الغليظ - وهو الحبل الذي تشد به السفينة - في خرق الإبرة.
وقرأ أبو عمرو: ﴿لا تفتح﴾ - بتاء التأنيث والتخفيف -. وقرأ الكسائي وحمزة: - بالياء والتخفيف -. وقرأ باقي السبعة: بالتاء من فوق التشديد. وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسم بالتاء من فوق مفتوحة والتشديد.
وقرأ ابن عباس (٢) فيما روى عنه شهر بن حوشب ومجاهد وابن يعمر وأبو مجلز والشعبي ومالك بن الشخير وأبو رجاء وأبو رزين وابن محيصن وأبان عن عاصم: ﴿الجُمَّل﴾ - بضم الجيم وفتح الميم مشددة - وفسر بالقلس الغليظ؛ وهو حبل السفينة تجمع حبال وتفتل وتصير حبلا واحدا. وقيل: هو الحبل الغليظ من القنب. وقيل: الحبل الذي يصعد به في النخل.
وقرأ ابن عباس في رواية مجاهد وابن جبير وقتادة وسالم الأفطس بضم الجيم وفتح الميم مخففة. وقرأ ابن عباس في رواية عطاء والضحاك والجحدري بضم الجيم والميم مخففة. وقرأ عكرمة وابن جبير في رواية بضم الجيم وسكون الميم. وقرأ المتوكل وأبو الجوزاء بفتح الجيم وسكون الميم. ومعناه في هذه القرآت كلها: القلس الغليظ؛ وهو حبل السفينة. وقراءة الجمهور: ﴿الْجَمَلُ﴾ - بفتح الجيم والميم - أوقع لأن سم الإبرة يضرب بها المثل في الضيق، والجمل وهو هذا الحيوان المعروف
يضرب به المثل في عظم الجثة كما ذكرناه سابقا. وقرأ عبد الله بن مسعود (٣): ﴿حتى يلج الجمل الأصغر في سم الخياط﴾.
وقرأ عبد الله وقتادة وأبو رزين وابن مصرف وطلحة بضم سين (٤): ﴿سم﴾. وقرأ أبو عمران الحوفي وأبو نهيك والأصمعي عن نافع بكسر السين. وقرأ عبد الله وأبو رزين وأبو مجلز: ﴿المِخْيَط﴾ - بكسر الميم وسكون الخاء وفتح
وقرأ أبو عمرو: ﴿لا تفتح﴾ - بتاء التأنيث والتخفيف -. وقرأ الكسائي وحمزة: - بالياء والتخفيف -. وقرأ باقي السبعة: بالتاء من فوق التشديد. وقرأ أبو حيوة وأبو البرهسم بالتاء من فوق مفتوحة والتشديد.
وقرأ ابن عباس (٢) فيما روى عنه شهر بن حوشب ومجاهد وابن يعمر وأبو مجلز والشعبي ومالك بن الشخير وأبو رجاء وأبو رزين وابن محيصن وأبان عن عاصم: ﴿الجُمَّل﴾ - بضم الجيم وفتح الميم مشددة - وفسر بالقلس الغليظ؛ وهو حبل السفينة تجمع حبال وتفتل وتصير حبلا واحدا. وقيل: هو الحبل الغليظ من القنب. وقيل: الحبل الذي يصعد به في النخل.
وقرأ ابن عباس في رواية مجاهد وابن جبير وقتادة وسالم الأفطس بضم الجيم وفتح الميم مخففة. وقرأ ابن عباس في رواية عطاء والضحاك والجحدري بضم الجيم والميم مخففة. وقرأ عكرمة وابن جبير في رواية بضم الجيم وسكون الميم. وقرأ المتوكل وأبو الجوزاء بفتح الجيم وسكون الميم. ومعناه في هذه القرآت كلها: القلس الغليظ؛ وهو حبل السفينة. وقراءة الجمهور: ﴿الْجَمَلُ﴾ - بفتح الجيم والميم - أوقع لأن سم الإبرة يضرب بها المثل في الضيق، والجمل وهو هذا الحيوان المعروف
يضرب به المثل في عظم الجثة كما ذكرناه سابقا. وقرأ عبد الله بن مسعود (٣): ﴿حتى يلج الجمل الأصغر في سم الخياط﴾.
وقرأ عبد الله وقتادة وأبو رزين وابن مصرف وطلحة بضم سين (٤): ﴿سم﴾. وقرأ أبو عمران الحوفي وأبو نهيك والأصمعي عن نافع بكسر السين. وقرأ عبد الله وأبو رزين وأبو مجلز: ﴿المِخْيَط﴾ - بكسر الميم وسكون الخاء وفتح
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الشوكاني.
(٤) البحر المحيط.
307
الياء -. وقرأ طلحة بفتح الميم.
﴿وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾؛ أي: ونجزي كل من صار الإجرام والشرك وصفا له جزاء مثل جزاء هؤلاء المكذبين المستكبرين من عدم فتح أبواب السماء، وعدم دخولهم الجنة، لا من أجرموا جرما بثورة غضب، أو نزوة شهوة، ثم لا يلبثون أن يندموا على ما فرط منهم كما قال تعالى في وصف المؤمنين: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ وقال أيضا: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
٤١ - ولما بين الله سبحانه وتعالى أنّ الكفار لا يدخلون الجنة أبدا.. بين أنهم من أهل النار، ووصف ما أعد لهم فيها، فقال ﴿لَهُمْ﴾: أي: لهؤلاء المكذبين المستكبرين ﴿مِنْ﴾ نار ﴿جَهَنَّمَ مِهادٌ﴾؛ أي: فرش من تحتهم ﴿وَ﴾ لهم ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ منها ﴿غَواشٍ﴾؛ أي: لحف وأغطية تغطيهم، والمراد: أنها محيطة بهم مطبقة عليهم من كل جانب، فلهم منها غطاء ووطاء وفراش ولحاف، وأصل المهاد المتمهد الذي يقعد عليه، ويضطجع عليه كالفراش والبساط، والغواش جمع غاشية، وهي الغطاء كاللحاف ونحوه. وقرىء: ﴿غواش﴾ - بالرفع - كقراءة عبد الله: ﴿وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ﴾. ﴿وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: ونجزي كل من صار الظلم لنفسه وللناس وصفا لازما له جزاء مثل جزاء المكذبين المستكبرين من كون جهنم مهادا وغطاء لهم.
والآيتان تدلان على أن المجرمين والظالمين الراسخين في صفتي الإجرام والظلم هم الكافرون كما قال: ﴿وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ والمؤمنون لا يكونون كذلك بحال.
٤٢ - ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: والذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به من وحيه وتنزيله وشرائع دينه ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾؛ أي: وعملوا بما أمرهم به وأطاعوه في ذلك واجتنبوا ما نهاهم عنه، وقوله: ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها﴾؛ أي: ولا نكلف نفسا مكلفة إلا ما يسهل عليها من الأعمال، وما يدخل في قدرتها، ولا يضيق فيه عليها، كلام معترض بين المبتدأ والخبر، اعترض به لأنه من جنس ما قبله، فإنه بيان أن ذلك العمل غير خارج عن قدرتهم، وتنبيه على أن
﴿وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾؛ أي: ونجزي كل من صار الإجرام والشرك وصفا له جزاء مثل جزاء هؤلاء المكذبين المستكبرين من عدم فتح أبواب السماء، وعدم دخولهم الجنة، لا من أجرموا جرما بثورة غضب، أو نزوة شهوة، ثم لا يلبثون أن يندموا على ما فرط منهم كما قال تعالى في وصف المؤمنين: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ﴾ وقال أيضا: ﴿وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾.
٤١ - ولما بين الله سبحانه وتعالى أنّ الكفار لا يدخلون الجنة أبدا.. بين أنهم من أهل النار، ووصف ما أعد لهم فيها، فقال ﴿لَهُمْ﴾: أي: لهؤلاء المكذبين المستكبرين ﴿مِنْ﴾ نار ﴿جَهَنَّمَ مِهادٌ﴾؛ أي: فرش من تحتهم ﴿وَ﴾ لهم ﴿مِنْ فَوْقِهِمْ﴾ منها ﴿غَواشٍ﴾؛ أي: لحف وأغطية تغطيهم، والمراد: أنها محيطة بهم مطبقة عليهم من كل جانب، فلهم منها غطاء ووطاء وفراش ولحاف، وأصل المهاد المتمهد الذي يقعد عليه، ويضطجع عليه كالفراش والبساط، والغواش جمع غاشية، وهي الغطاء كاللحاف ونحوه. وقرىء: ﴿غواش﴾ - بالرفع - كقراءة عبد الله: ﴿وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ﴾. ﴿وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: ونجزي كل من صار الظلم لنفسه وللناس وصفا لازما له جزاء مثل جزاء المكذبين المستكبرين من كون جهنم مهادا وغطاء لهم.
والآيتان تدلان على أن المجرمين والظالمين الراسخين في صفتي الإجرام والظلم هم الكافرون كما قال: ﴿وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ والمؤمنون لا يكونون كذلك بحال.
٤٢ - ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾؛ أي: والذين صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به من وحيه وتنزيله وشرائع دينه ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾؛ أي: وعملوا بما أمرهم به وأطاعوه في ذلك واجتنبوا ما نهاهم عنه، وقوله: ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها﴾؛ أي: ولا نكلف نفسا مكلفة إلا ما يسهل عليها من الأعمال، وما يدخل في قدرتها، ولا يضيق فيه عليها، كلام معترض بين المبتدأ والخبر، اعترض به لأنه من جنس ما قبله، فإنه بيان أن ذلك العمل غير خارج عن قدرتهم، وتنبيه على أن
الجنة مع عظم قدرها يتوصل إليها بالعمل السهل من غير تحمل الصعب، والتقدير: والذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات ﴿أُولئِكَ﴾ الموصوفون بما ذكر ﴿أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾ لا غيرهم ﴿هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾؛ أي: ماكثون فيها مكثا مؤبدا لا يخرجون منها، ولا يسلبون نعيمها.
٤٣ - ﴿وَنَزَعْنا﴾؛ أي: وقلعنا وأخرجنا، وأزلنا وصفينا ما في صدور المؤمنين ﴿مِنْ غِلٍّ﴾ وحسد وحقد وعداوة كانت بينهم في الدنيا، فجعلناهم إخوانا على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضا على شيء خص الله تعالى به بعضهم دون بعض. ومعنى نزع الغل: تصفية الطباع، وإسقاط الوساوس، ودفعها عن أن ترد على القلوب، والمراد خلقناهم في الجنة على هذه الحالة، وليس المراد أنهم دخلوا الجنة بما ذكر، ثم نزع منهم فيها، بل المراد أنهم دخلوها مطهرين منه. قاله أبو حيان.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقّوا أذن الله لهم في دخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا». أخرجه البخاري.
وجملة قوله: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ﴾ حال (١) من ضمير ﴿صُدُورُهُمْ﴾، والعامل فيها معنى الإضافة؛ أي حالة كونهم تجري وتسيل من تحت أشجارهم وقصورهم أنهار الخمر والعسل واللبن والماء زيادة في لذتهم وسرورهم، فيرونها وهم في غرفات قصورهم تتدفق في جناتها وبساتينها، فيزدادون حبورا وسرورا، لا تشوب صفاءهم شائبة كدر. قال أبو حيان: والظاهر أن جملة ﴿تَجْرِي﴾ خبر مستأنف عن صفة حالهم.
٤٣ - ﴿وَنَزَعْنا﴾؛ أي: وقلعنا وأخرجنا، وأزلنا وصفينا ما في صدور المؤمنين ﴿مِنْ غِلٍّ﴾ وحسد وحقد وعداوة كانت بينهم في الدنيا، فجعلناهم إخوانا على سرر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضا على شيء خص الله تعالى به بعضهم دون بعض. ومعنى نزع الغل: تصفية الطباع، وإسقاط الوساوس، ودفعها عن أن ترد على القلوب، والمراد خلقناهم في الجنة على هذه الحالة، وليس المراد أنهم دخلوا الجنة بما ذكر، ثم نزع منهم فيها، بل المراد أنهم دخلوها مطهرين منه. قاله أبو حيان.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخلص المؤمنون من النار، فيحبسون على قنطرة بين الجنة والنار، فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هذبوا ونقّوا أذن الله لهم في دخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا». أخرجه البخاري.
وجملة قوله: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ﴾ حال (١) من ضمير ﴿صُدُورُهُمْ﴾، والعامل فيها معنى الإضافة؛ أي حالة كونهم تجري وتسيل من تحت أشجارهم وقصورهم أنهار الخمر والعسل واللبن والماء زيادة في لذتهم وسرورهم، فيرونها وهم في غرفات قصورهم تتدفق في جناتها وبساتينها، فيزدادون حبورا وسرورا، لا تشوب صفاءهم شائبة كدر. قال أبو حيان: والظاهر أن جملة ﴿تَجْرِي﴾ خبر مستأنف عن صفة حالهم.
(١) النسفي.
309
﴿وَ﴾ إذا دخلوا الجنة، واستقروا في منازلهم ﴿قالُوا﴾ شاكرين لله بألسنتهم معبرين عن غبطتهم وبهجتهم: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا﴾: ؛ أي: وفقنا وأرشدنا في الدنيا للعمل الذي هذا ثوابه، وتفضل علينا به رحمة منه وإحسانا إلينا ﴿وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ﴾ ونرشد لذلك العمل الذي هذا ثوابه ﴿لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى إليه؛ أي: لولا أنه سبحانه وتعالى أرشدنا إليه ووفقنا بفضله ومنه وكرمه؛ أي: وما كان من شأننا ولا مقتضى فكرنا أن نهتدي إليه بأنفسنا لولا أن هدانا الله إليه بتوفيقه إيانا لاتباع رسله ومعونته لنا عليه، ورحمته الخاصة بنا إلى هدايته التي فطرنا عليها، وهداية ما خلق لنا من المشاعر والعقل. وفي الآية دليل على أن المهتدي من هداه الله، ومن لم يهده الله.. فليس بمهتد.
وقرأ ابن عامر (١): ﴿ما كنا﴾ بغير واو وكذا هي في مصاحف أهل الشام، وذلك لأنه جار مجرى التفسير لقوله: ﴿هَدانا لِهذا﴾ فلما كان أحدهما عين الآخر وجب حذف الحرف العاطف.
وقالوا أيضا حين رأوا ما وعدهم به الرسل عيانا تبجحا بما نالوه: والله ﴿لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا﴾ في الدنيا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: ما أخبرونا به في الدنيا من الثواب صدق، فقد حصل لنا عيانا، وهذا مصداق ما وعدنا به في الدنيا على التوحيد وصالح العمل ﴿وَنُودُوا﴾؛ أي: نادتهم الملائكة عند رؤيتهم الجنة من مكان بعيد ﴿أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾؛ أي: تلك الدار التي ترى لكم من بعد هي الجنة التي وعدتكم الرسل بها في الدنيا، فـ ﴿أَنْ﴾ مفسرة لما في النداء، وكذا في سائر المواضع الخمسة الآتية. وجملة قوله: ﴿أُورِثْتُمُوها﴾؛ أي: أعطيتموها حال من الجنة، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة؛ أي: حالة كونها موروثة معطاة لكم ﴿بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، أي: بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا، فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمة الله تعالى، فإذا دخلوها بأعمالهم.. فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته؛ إذ أعمالهم رحمة منه لهم، وتفضل منه عليهم.
وقرأ ابن عامر (١): ﴿ما كنا﴾ بغير واو وكذا هي في مصاحف أهل الشام، وذلك لأنه جار مجرى التفسير لقوله: ﴿هَدانا لِهذا﴾ فلما كان أحدهما عين الآخر وجب حذف الحرف العاطف.
وقالوا أيضا حين رأوا ما وعدهم به الرسل عيانا تبجحا بما نالوه: والله ﴿لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا﴾ في الدنيا ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: ما أخبرونا به في الدنيا من الثواب صدق، فقد حصل لنا عيانا، وهذا مصداق ما وعدنا به في الدنيا على التوحيد وصالح العمل ﴿وَنُودُوا﴾؛ أي: نادتهم الملائكة عند رؤيتهم الجنة من مكان بعيد ﴿أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾؛ أي: تلك الدار التي ترى لكم من بعد هي الجنة التي وعدتكم الرسل بها في الدنيا، فـ ﴿أَنْ﴾ مفسرة لما في النداء، وكذا في سائر المواضع الخمسة الآتية. وجملة قوله: ﴿أُورِثْتُمُوها﴾؛ أي: أعطيتموها حال من الجنة، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة؛ أي: حالة كونها موروثة معطاة لكم ﴿بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، أي: بسبب أعمالكم الصالحة في الدنيا، فالجنة ومنازلها لا تنال إلا برحمة الله تعالى، فإذا دخلوها بأعمالهم.. فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته؛ إذ أعمالهم رحمة منه لهم، وتفضل منه عليهم.
(١) البحر المحيط والمراح.
310
روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال (١): «ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار، فأما الكافر فإنه يرث المؤمن منزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة». زاد في: «رواية فذلك قوله تعالى: ﴿أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾».
وأخرج ابن جرير عن السدي قال (٢): ليس من مؤمن ولا كافر إلا وله في الجنة والنار منزل مبين، فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ودخلوا منازلهم رفعت الجنة لأهل النار، فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله، ثم يقال: يا أهل الجنة، أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فيقتسم أهل الجنة منازلهم.
وفي الآية (٣): دلالة واضحة على أن الجنة تنال بالعمل، وفي معناها آيات وأحاديث كثيرة. أما حديث أبي هريرة الذي رواه الشيخان: «لن يدخل أحدا عمله الجنة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته» فيراد منه أن عمل الإنسان مهما كان عظيما.. فلا يستحق به الجنة لذاته لولا رحمة الله وفضله حين جعل هذا الجزاء العظيم على ذلك العمل القليل، فدخول الجنة بالعمل دخول بفضل الله ورحمته، ومن ثم قال بعده:
«فسددوا وقاربوا»؛ أي: لا تبالغوا ولا تغلوا في دينكم، ولا تتكلفوا من العمل ما لا طاقة لكم به.
وأدغم النحويان (٤) - أبو عمرو والكسائي - وحمزة وهشام الثاء المثلثة في التاء الفوقية في قوله: ﴿أُورِثْتُمُوها﴾ وأظهرها باقي السبعة.
الإعراب
﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)﴾.
وأخرج ابن جرير عن السدي قال (٢): ليس من مؤمن ولا كافر إلا وله في الجنة والنار منزل مبين، فإذا دخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ودخلوا منازلهم رفعت الجنة لأهل النار، فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله، ثم يقال: يا أهل الجنة، أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فيقتسم أهل الجنة منازلهم.
وفي الآية (٣): دلالة واضحة على أن الجنة تنال بالعمل، وفي معناها آيات وأحاديث كثيرة. أما حديث أبي هريرة الذي رواه الشيخان: «لن يدخل أحدا عمله الجنة»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضله ورحمته» فيراد منه أن عمل الإنسان مهما كان عظيما.. فلا يستحق به الجنة لذاته لولا رحمة الله وفضله حين جعل هذا الجزاء العظيم على ذلك العمل القليل، فدخول الجنة بالعمل دخول بفضل الله ورحمته، ومن ثم قال بعده:
«فسددوا وقاربوا»؛ أي: لا تبالغوا ولا تغلوا في دينكم، ولا تتكلفوا من العمل ما لا طاقة لكم به.
وأدغم النحويان (٤) - أبو عمرو والكسائي - وحمزة وهشام الثاء المثلثة في التاء الفوقية في قوله: ﴿أُورِثْتُمُوها﴾ وأظهرها باقي السبعة.
الإعراب
﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١)﴾.
(١) الخازن.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
311
﴿يا بَنِي آدَمَ﴾: منادى مضاف منصوب بالياء؛ لأنه ملحق بجمع المذكر السالم، وجملة النداء مستأنفة. ﴿خُذُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب النداء لا محل لها من الإعراب. ﴿زِينَتَكُمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿خُذُوا﴾، والكلام على (١) حذف مضاف تقديره: عند قصد كل مسجد. ﴿وَكُلُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿خُذُوا﴾. وكذلك قوله: ﴿وَاشْرَبُوا﴾ معطوف عليه. ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة معطوفة على جملة ﴿خُذُوا﴾. ﴿إِنَّهُ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة لتعليل النهي المذكور قبلها.
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.
﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ. ﴿حَرَّمَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿زِينَةَ اللَّهِ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول القول. ﴿الَّتِي﴾: اسم موصول في محل النصب صفة لـ ﴿زِينَةَ﴾. ﴿أَخْرَجَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾. ﴿لِعِبادِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَخْرَجَ﴾، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: أخرجها لعباده. ﴿وَالطَّيِّباتِ﴾: معطوف على ﴿زِينَةَ اللَّهِ﴾. ﴿مِنَ الرِّزْقِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿وَالطَّيِّباتِ﴾.
﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلى قوله: ﴿كَذلِكَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿هِيَ﴾: مبتدأ. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول
﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾.
﴿قُلْ﴾ فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿قُلْ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿مَنْ﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ. ﴿حَرَّمَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿زِينَةَ اللَّهِ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول القول. ﴿الَّتِي﴾: اسم موصول في محل النصب صفة لـ ﴿زِينَةَ﴾. ﴿أَخْرَجَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهِ﴾. ﴿لِعِبادِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَخْرَجَ﴾، والجملة صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: أخرجها لعباده. ﴿وَالطَّيِّباتِ﴾: معطوف على ﴿زِينَةَ اللَّهِ﴾. ﴿مِنَ الرِّزْقِ﴾: جار ومجرور حال من ﴿وَالطَّيِّباتِ﴾.
﴿قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلى قوله: ﴿كَذلِكَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿هِيَ﴾: مبتدأ. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب مقول
(١) العكبري.
312
القول. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿فِي الْحَياةِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿آمَنُوا﴾. ﴿الدُّنْيا﴾: صفة لـ ﴿الْحَياةِ﴾. ﴿خالِصَةً﴾ بالنصب: حال من الضمير المستكن في الخبر المحذوف؛ أي: هي كائنة لهم في الدنيا حالة كونها خالصة يوم القيامة، وبالرفع: خبر ثان لـ ﴿هِيَ﴾. ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿خالِصَةً﴾. كَذلِكَ: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿نُفَصِّلُ الْآياتِ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة، والتقدير: نفصل الآيات تفصيلا مثل ذلك التفصيل السابق. ﴿لِقَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نُفَصِّلُ﴾، وجملة ﴿يَعْلَمُونَ﴾ صفة لـ ﴿قوم﴾.
﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّما﴾: أداة حصر بمعنى ما النافية، وإلا المثبتة. ﴿حَرَّمَ رَبِّيَ﴾: فعل وفاعل. ﴿الْفَواحِشَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿ما﴾: موصولة في محل النصب بدل من ﴿الْفَواحِشَ﴾ بدل تفصيل من مجمل. ﴿ظَهَرَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنْها﴾: متعلق بـ ﴿ظَهَرَ﴾. ﴿وَما﴾: معطوف على ما الأولى. ﴿بَطَنَ﴾: صلته. ﴿وَالْإِثْمَ﴾: معطوف على ﴿الْفَواحِشَ﴾ عطف عام على خاص. ﴿وَالْبَغْيَ﴾: معطوف على ﴿الْإِثْمَ﴾ عطف خاص على عام لمزيد الاعتناء به، وكذلك ما بعده. ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿الْبَغْيَ﴾. ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا﴾: فعل وفاعل وناصب. ﴿بِاللَّهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية صلة ﴿أَنْ﴾ المصدرية، ﴿أَنْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على ﴿الْإِثْمَ﴾ عطف خاص على عام تقديره: وإشراككم بالله. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة. ﴿لَمْ يُنَزِّلْ﴾: فعل وجازم، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿يُنَزِّلْ﴾. ﴿سُلْطانًا﴾: مفعول به لـ ﴿يُنَزِّلْ﴾، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير
﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣)﴾.
﴿قُلْ﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قُلْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّما﴾: أداة حصر بمعنى ما النافية، وإلا المثبتة. ﴿حَرَّمَ رَبِّيَ﴾: فعل وفاعل. ﴿الْفَواحِشَ﴾: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لـ ﴿قُلْ﴾. ﴿ما﴾: موصولة في محل النصب بدل من ﴿الْفَواحِشَ﴾ بدل تفصيل من مجمل. ﴿ظَهَرَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿ما﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنْها﴾: متعلق بـ ﴿ظَهَرَ﴾. ﴿وَما﴾: معطوف على ما الأولى. ﴿بَطَنَ﴾: صلته. ﴿وَالْإِثْمَ﴾: معطوف على ﴿الْفَواحِشَ﴾ عطف عام على خاص. ﴿وَالْبَغْيَ﴾: معطوف على ﴿الْإِثْمَ﴾ عطف خاص على عام لمزيد الاعتناء به، وكذلك ما بعده. ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿الْبَغْيَ﴾. ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا﴾: فعل وفاعل وناصب. ﴿بِاللَّهِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية صلة ﴿أَنْ﴾ المصدرية، ﴿أَنْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على ﴿الْإِثْمَ﴾ عطف خاص على عام تقديره: وإشراككم بالله. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة. ﴿لَمْ يُنَزِّلْ﴾: فعل وجازم، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿يُنَزِّلْ﴾. ﴿سُلْطانًا﴾: مفعول به لـ ﴿يُنَزِّلْ﴾، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط ضمير
313
﴿بِهِ﴾. ﴿وَأَنْ تَقُولُوا﴾: فعل وفاعل وناصب. ﴿عَلَى اللَّهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة ﴿أَنْ﴾ المصدرية، ﴿أَنْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على ﴿الْإِثْمَ﴾ عطف خاص على عام تقديره: وقولكم على الله. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿بِهِ﴾. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما لا تعلمونه.
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)﴾.
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿أَجَلٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿فَإِذا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، أو فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت لكل أمة أجلا، وأردت بيان كيفية ذلك الأجل.. فأقول لك: ﴿إذا جاء أجلهم﴾ ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جاءَ أَجَلُهُمْ﴾: فعل وفاعل والجملة في محل جر مضاف إليه لجواب ﴿إذا﴾، على كونها فعل شرط لها والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ فعل وفاعل والجملة جواب ﴿إذا﴾ ولم يؤت هنا بالفاء الرابطة للجواب مع اقترانه بلا النافية؛ لأن المضارع المنفي بلا إذا وقع جوابا لإذا في الظاهر.. جاز أن يتلقى بالفاء، وأن لا يتلقى بها. قال الشيخ: ويبنغي أن يعتقد أن بين الفاء والفعل بعدها اسما مبتدأ، فتصير الجملة اسمية، ومتى كانت كذلك.. وجب أن تتلقى بالفاء أو إذا الفجائية ذكره في «الفتوحات». ﴿ساعَةً﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿يَسْتَأْخِرُونَ﴾. ﴿وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿يَسْتَأْخِرُونَ﴾: على كونها جوابا لـ ﴿إذا﴾، وجملة ﴿إذا﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥)﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة. ﴿إِمَّا﴾ ﴿إن﴾: حرف شرط جازم مبني بسكون على النون المدغمة في ميم ﴿ما﴾ الزائدة، ﴿ما﴾:
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤)﴾.
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿أَجَلٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿فَإِذا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، أو فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت لكل أمة أجلا، وأردت بيان كيفية ذلك الأجل.. فأقول لك: ﴿إذا جاء أجلهم﴾ ﴿إذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جاءَ أَجَلُهُمْ﴾: فعل وفاعل والجملة في محل جر مضاف إليه لجواب ﴿إذا﴾، على كونها فعل شرط لها والظرف متعلق بالجواب الآتي ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ﴾ فعل وفاعل والجملة جواب ﴿إذا﴾ ولم يؤت هنا بالفاء الرابطة للجواب مع اقترانه بلا النافية؛ لأن المضارع المنفي بلا إذا وقع جوابا لإذا في الظاهر.. جاز أن يتلقى بالفاء، وأن لا يتلقى بها. قال الشيخ: ويبنغي أن يعتقد أن بين الفاء والفعل بعدها اسما مبتدأ، فتصير الجملة اسمية، ومتى كانت كذلك.. وجب أن تتلقى بالفاء أو إذا الفجائية ذكره في «الفتوحات». ﴿ساعَةً﴾: منصوب على الظرفية متعلق بـ ﴿يَسْتَأْخِرُونَ﴾. ﴿وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿يَسْتَأْخِرُونَ﴾: على كونها جوابا لـ ﴿إذا﴾، وجملة ﴿إذا﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
﴿يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥)﴾.
﴿يا بَنِي آدَمَ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مستأنفة. ﴿إِمَّا﴾ ﴿إن﴾: حرف شرط جازم مبني بسكون على النون المدغمة في ميم ﴿ما﴾ الزائدة، ﴿ما﴾:
314
زائدة. ﴿يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ ﴿يأتين﴾: فعل مضارع في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها مبني على الفتح؛ لاتصاله بنون التوكيد الثقيلة، ونون التوكيد الثقيلة: حرف لا محل له من الإعراب، و ﴿الكاف﴾: ضمير المخاطبين في محل النصب مفعول به. رُسُلٌ: فاعل. مِنْكُمْ: جار ومجرور صفة أولى لـ رُسُلٌ. يَقُصُّونَ: فعل وفاعل. عَلَيْكُمْ: متعلق به. آياتِي: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة ثانية لـ رُسُلٌ. فَمَنِ: ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿إن﴾ الشرطية وجوبا؛ لكون الجواب جملة اسمية. ﴿من﴾: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الجواب أو الشرط أو هما، أو ﴿من﴾ موصولة في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة قوله: ﴿فَلا خَوْفٌ...﴾ إلخ. ﴿اتَّقى﴾: فعل ماض في محل الجزم بـ ﴿من﴾ على كونه فعل شرط لها، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾. ﴿وَأَصْلَحَ﴾: معطوف على ﴿اتَّقى﴾. ﴿فَلا خَوْفٌ﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿من﴾ الشرطية، ﴿لا﴾: نافية تعمل عمل ليس. ﴿خَوْفٌ﴾: اسمها مرفوع. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لا﴾، وفيه مراعاة لمعنى ﴿من﴾ بعد مراعاة لفظها في ﴿اتَّقى وَأَصْلَحَ﴾، وجملة ﴿لا﴾ في محل الجزم جواب ﴿من﴾ الشرطية، أو خبر ﴿من﴾ الموصولة، وعلى هذا الوجه، فجملة ﴿اتَّقى وَأَصْلَحَ﴾ صلة ﴿من﴾ الموصولة، وجملة ﴿من﴾ الشرطية من فعل شرطها وجوابها في محل الجزم بـ ﴿إن﴾ الشرطية على كونها جوابا لها، أو جملة ﴿من﴾ الموصولة من المبتدأ والخبر جواب ﴿إن﴾ الشرطية، وجملة ﴿إن﴾ الشرطية من فعل شرطها وجوابها جواب النداء لا محل لها من الإعراب. وَ ﴿لا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لا﴾: نافية تعمل عمل ليس. ﴿هُمْ﴾: في محل الرفع اسمها، وجملة ﴿يَحْزَنُونَ﴾: في محل النصب خبر ﴿لا﴾، وجملة ﴿لا﴾ من اسمها وخبرها في محل الجزم معطوف على جملة ﴿لا﴾ الأولى.
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾ مبتدأ أول. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِآياتِنا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿عَنْها﴾: متعلق بـ ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾. ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ
﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾ مبتدأ أول. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِآياتِنا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿عَنْها﴾: متعلق بـ ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾. ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ
315
ثان. ﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾: خبر للمبتدأ الثاني ومضاف إليه، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره في محل الرفع خبر للمبتدأ الأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره في محل الجزم معطوفة على جملة قوله: ﴿فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ﴾ على كونها جواب ﴿إن﴾ الشرطية، وإيراد الاتقاء في الجواب الأول للإيذان بأن مدار الفلاح ليس مجرد عدم التكذيب، بل هو الاتقاء والاجتناب، وإدخال الفاء في الجزاء الأول دون الثاني للمبالغة في الوعد، والمسامحة في الوعيد. اه «كرخي». ﴿هُمْ﴾: مبتدأ. ﴿فِيها﴾: متعلق بـ ﴿خالِدُونَ﴾. ﴿خالِدُونَ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من ﴿أَصْحابُ النَّارِ﴾.
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ﴾.
﴿فَمَنْ﴾ ﴿الفاء﴾: استئنافية. ﴿من﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ. ﴿أَظْلَمُ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿مِمَّنِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَظْلَمُ﴾. افْتَرى: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿عَلَى اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿افْتَرى﴾. ﴿كَذِبًا﴾: مفعول به. ﴿أَوْ﴾ حرف عطف. ﴿كَذَّبَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿افْتَرى﴾ على كونها صلة لـ ﴿من﴾ الموصولة. ﴿بِآياتِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبَ﴾. ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ. ﴿يَنالُهُمْ﴾ فعل ومفعول. ﴿نَصِيبُهُمْ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة استئنافا بيانيا. ﴿مِنَ الْكِتابِ﴾: جار ومجرور حال من قوله: ﴿نَصِيبُهُمْ﴾.
﴿حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿حَتَّى﴾: غائية لكونها غاية لما قبلها، ابتدائية لدخولها على الجملة. ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جاءَتْهُمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿رُسُلُنا﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إِذا﴾، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال
﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ﴾.
﴿فَمَنْ﴾ ﴿الفاء﴾: استئنافية. ﴿من﴾: اسم استفهام للاستفهام الإنكاري في محل الرفع مبتدأ. ﴿أَظْلَمُ﴾: خبره، والجملة مستأنفة. ﴿مِمَّنِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَظْلَمُ﴾. افْتَرى: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿عَلَى اللَّهِ﴾: متعلق بـ ﴿افْتَرى﴾. ﴿كَذِبًا﴾: مفعول به. ﴿أَوْ﴾ حرف عطف. ﴿كَذَّبَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿افْتَرى﴾ على كونها صلة لـ ﴿من﴾ الموصولة. ﴿بِآياتِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبَ﴾. ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ. ﴿يَنالُهُمْ﴾ فعل ومفعول. ﴿نَصِيبُهُمْ﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة استئنافا بيانيا. ﴿مِنَ الْكِتابِ﴾: جار ومجرور حال من قوله: ﴿نَصِيبُهُمْ﴾.
﴿حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾.
﴿حَتَّى﴾: غائية لكونها غاية لما قبلها، ابتدائية لدخولها على الجملة. ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿جاءَتْهُمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿رُسُلُنا﴾: فاعل ومضاف إليه، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إِذا﴾، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال
316
من ﴿رُسُلُنا﴾. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة من حيث اللفظ، وغاية لما قبلها من حيث المعنى. ﴿أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَيْنَ﴾: اسم استفهام للاستفهام الاستخباري في محل الرفع خبر مقدم. ﴿ما﴾: موصولة في محل الرفع مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول القول. ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص واسمه. ﴿تَدْعُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من الضمير المحذوف في ﴿تَدْعُونَ﴾، أو متعلق به، وجملة ﴿تَدْعُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: أين الآلهة التي كنتم تدعونهم من دون الله.
﴿قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ﴾.
﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿ضَلُّوا عَنَّا﴾: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ضَلُّوا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَنَّا﴾: متعلق به، والجملة مقول لـ ﴿قالُوا﴾. ﴿وَشَهِدُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على قالُوا. ﴿عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿شَهِدُوا﴾. ﴿أَنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿كافِرِينَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿أن﴾، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿شَهِدُوا﴾ تقديره: وشهدوا على أنفسهم كونهم كافرين.
﴿قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾: إلى قوله: ﴿كُلَّما دَخَلَتْ﴾: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ادْخُلُوا﴾: فعل وفاعل، ﴿فِي أُمَمٍ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿أُمَمٍ﴾، والجملة في محل الجر صفة أولى لـ ﴿أُمَمٍ﴾ ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه صفة ثانية لـ ﴿أُمَمٍ﴾. ﴿مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ جار ومجرور، صفة ثالثة لـ ﴿أُمَمٍ﴾. ﴿فِي النَّارِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿ادْخُلُوا﴾، واعترض بأنه: كيف يتعلق حرفا جر
﴿قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ﴾.
﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿ضَلُّوا عَنَّا﴾: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ضَلُّوا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَنَّا﴾: متعلق به، والجملة مقول لـ ﴿قالُوا﴾. ﴿وَشَهِدُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على قالُوا. ﴿عَلى أَنْفُسِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿شَهِدُوا﴾. ﴿أَنَّهُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿كافِرِينَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿أن﴾، وجملة ﴿أن﴾ في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ ﴿شَهِدُوا﴾ تقديره: وشهدوا على أنفسهم كونهم كافرين.
﴿قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾: إلى قوله: ﴿كُلَّما دَخَلَتْ﴾: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿ادْخُلُوا﴾: فعل وفاعل، ﴿فِي أُمَمٍ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿أُمَمٍ﴾، والجملة في محل الجر صفة أولى لـ ﴿أُمَمٍ﴾ ﴿مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه صفة ثانية لـ ﴿أُمَمٍ﴾. ﴿مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾ جار ومجرور، صفة ثالثة لـ ﴿أُمَمٍ﴾. ﴿فِي النَّارِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿ادْخُلُوا﴾، واعترض بأنه: كيف يتعلق حرفا جر
317
متحدا اللفظ والمعنى بعامل واحد؟ فأجيب عنه بأحد جوابين: إما بأن في الأولى ليست للظرفية، بل للمعية كأنه قيل: ادخلوا مصاحبين لأمم في الدخول، وإما بأن قوله ﴿فِي النَّارِ﴾: بدل من قوله: ﴿فِي أُمَمٍ﴾ بدل اشتمال، فتكون الظرفية الأولى مجازا؛ لأن الأمم ليسوا ظروفا لهم حقيقة، وإنما المعنى: ادخلوا في جملة أمم. كذا في «الفتوحات».
﴿كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ﴾.
﴿كُلَّما﴾: اسم شرط غير جازم في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿دَخَلَتْ أُمَّةٌ﴾: فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿كُلَّما﴾ لا محل لها من الإعراب، أو في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿كُلَّما﴾. ﴿لَعَنَتْ أُخْتَها﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿أُمَّةٌ﴾، والجملة جواب ﴿كُلَّما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿كُلَّما﴾ مستأنفة. ﴿حَتَّى﴾: غائية ابتدائية. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿ادَّارَكُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿فِيها﴾: متعلق به. ﴿جَمِيعًا﴾: حال من واو ﴿ادَّارَكُوا﴾، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إِذَا﴾، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿لِأُولاهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قالَتْ﴾، واللام فيه للتعليل؛ أي: لأجلهم، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذَا﴾ مستأنفة، ولكنها غاية لما قبلها في المعنى. ﴿رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا﴾ إلى قوله: ﴿قالَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَتْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبَّنا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول. ﴿هؤُلاءِ﴾: مبتدأ. ﴿أَضَلُّونا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول القول على كونها جواب النداء. ﴿فَآتِهِمْ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، لكون ما قبلها علة لما بعدها، ﴿آتهم عذابا﴾: فعل ومفعولان؛ لأنه بمعنى أعطهم، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة: ﴿أَضَلُّونا﴾ على كونها خبر المبتدأ. ﴿ضِعْفًا﴾: صفة أولى لـ ﴿عَذابًا﴾؛ لأنه بمعنى مضاعف. ﴿مِنَ النَّارِ﴾: صفة ثانية لـ ﴿عَذابًا﴾.
﴿كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعًا قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ﴾.
﴿كُلَّما﴾: اسم شرط غير جازم في محل النصب على الظرفية، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿دَخَلَتْ أُمَّةٌ﴾: فعل وفاعل، والجملة فعل شرط لـ ﴿كُلَّما﴾ لا محل لها من الإعراب، أو في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿كُلَّما﴾. ﴿لَعَنَتْ أُخْتَها﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿أُمَّةٌ﴾، والجملة جواب ﴿كُلَّما﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿كُلَّما﴾ مستأنفة. ﴿حَتَّى﴾: غائية ابتدائية. ﴿إِذَا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿ادَّارَكُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿فِيها﴾: متعلق به. ﴿جَمِيعًا﴾: حال من واو ﴿ادَّارَكُوا﴾، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ ﴿إِذَا﴾، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿لِأُولاهُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قالَتْ﴾، واللام فيه للتعليل؛ أي: لأجلهم، والجملة جواب ﴿إِذَا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذَا﴾ مستأنفة، ولكنها غاية لما قبلها في المعنى. ﴿رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا﴾ إلى قوله: ﴿قالَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَتْ﴾، وإن شئت قلت: ﴿رَبَّنا﴾ منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول القول. ﴿هؤُلاءِ﴾: مبتدأ. ﴿أَضَلُّونا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول القول على كونها جواب النداء. ﴿فَآتِهِمْ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، لكون ما قبلها علة لما بعدها، ﴿آتهم عذابا﴾: فعل ومفعولان؛ لأنه بمعنى أعطهم، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الرفع معطوفة على جملة: ﴿أَضَلُّونا﴾ على كونها خبر المبتدأ. ﴿ضِعْفًا﴾: صفة أولى لـ ﴿عَذابًا﴾؛ لأنه بمعنى مضاعف. ﴿مِنَ النَّارِ﴾: صفة ثانية لـ ﴿عَذابًا﴾.
318
﴿قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لِكُلٍّ﴾ خبر مقدم. ﴿ضِعْفٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿وَلكِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لكِنْ﴾: حرف استدراك. ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ على كونها مقول ﴿قالَ﴾.
﴿وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)﴾.
﴿وَقالَتْ أُولاهُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ﴾، وما بينهما اعتراض. ﴿لِأُخْراهُمْ﴾: متعلق بـ ﴿قالَتْ﴾. ﴿فَما كانَ لَكُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿فَما﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ما قال لكم الرب جل جلاله، وأردتم بيان حالنا وحالكم.. فأقول لكم. ﴿ما كان لكم﴾:
﴿ما﴾: نافية. ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿كانَ﴾. ﴿عَلَيْنا﴾: متعلق بـ ﴿فَضْلٍ﴾. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿فَضْلٍ﴾: اسم ﴿كانَ﴾ مؤخر، والتقدير: فما كان من فضل علينا كائنا لكم، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قالَتْ﴾. ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، و ﴿الفاء﴾ حرف عطف وتفريع، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿كانَ﴾. بِما ﴿الباء﴾: حرف جر وسبب، ﴿ما﴾: موصولة في محل الجر بالباء. ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَكْسِبُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: بالذي كنتم تكسبونه، أو بكسبكم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿ذوقوا﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل صلة
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿لِكُلٍّ﴾ خبر مقدم. ﴿ضِعْفٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿وَلكِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لكِنْ﴾: حرف استدراك. ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ على كونها مقول ﴿قالَ﴾.
﴿وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)﴾.
﴿وَقالَتْ أُولاهُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ﴾، وما بينهما اعتراض. ﴿لِأُخْراهُمْ﴾: متعلق بـ ﴿قالَتْ﴾. ﴿فَما كانَ لَكُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿فَما﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ما قال لكم الرب جل جلاله، وأردتم بيان حالنا وحالكم.. فأقول لكم. ﴿ما كان لكم﴾:
﴿ما﴾: نافية. ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم لـ ﴿كانَ﴾. ﴿عَلَيْنا﴾: متعلق بـ ﴿فَضْلٍ﴾. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿فَضْلٍ﴾: اسم ﴿كانَ﴾ مؤخر، والتقدير: فما كان من فضل علينا كائنا لكم، وجملة ﴿كانَ﴾ في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قالَتْ﴾. ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، و ﴿الفاء﴾ حرف عطف وتفريع، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿كانَ﴾. بِما ﴿الباء﴾: حرف جر وسبب، ﴿ما﴾: موصولة في محل الجر بالباء. ﴿كُنْتُمْ﴾ فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَكْسِبُونَ﴾ خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: بالذي كنتم تكسبونه، أو بكسبكم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿ذوقوا﴾.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿الَّذِينَ﴾: اسمها. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل صلة
319
الموصول. ﴿بِآياتِنا﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿وَاسْتَكْبَرُوا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿عَنْها﴾: متعلق بـ ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾. ﴿لا﴾ نافية. ﴿تُفَتَّحُ﴾: فعل مضارع مغيّر الصيغة. ﴿لَهُمْ﴾: متعلق به. ﴿أَبْوابُ السَّماءِ﴾: نائب فاعل ومضاف إليه، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إِنَّ﴾، ولكنها خبر سببي، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة.
﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾.
﴿وَلا يَدْخُلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿لا تُفَتَّحُ﴾. ﴿الْجَنَّةَ﴾: منصوب على الظرفية المكانية متعلق بـ ﴿يَدْخُلُونَ﴾. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية. ﴿يَلِجَ الْجَمَلُ﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد ﴿حَتَّى﴾: بمعنى إلى. ﴿فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَلِجَ﴾، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى تقديره: إلى ولوج الجملة في سم الخياط، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يَدْخُلُونَ﴾. ﴿وَكَذلِكَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَذلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة، والتقدير: ونجزي المجرمين جزاء مثل جزاء المكذبين المستكبرين من عدم فتح أبواب السماء لهم، وعدم دخول الجنة إلى ولوج الجمل في سم الخياط.
﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)﴾.
﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ جَهَنَّمَ﴾: جار ومجرور بالفتحة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتأنيث المعنوي، الجار والمجرور حال من ﴿مِهادٌ﴾؛ لأنه صفة نكرة تقدمت عليها. ﴿مِهادٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل النصب حال من واو ﴿يَدْخُلُونَ﴾. ﴿وَمِنْ فَوْقِهِمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿غَواشٍ﴾: مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل؛ لأنه اسم منقوص، وسيأتي البحث عنه في مبحث الصرف إن
﴿وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾.
﴿وَلا يَدْخُلُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع معطوفة على جملة ﴿لا تُفَتَّحُ﴾. ﴿الْجَنَّةَ﴾: منصوب على الظرفية المكانية متعلق بـ ﴿يَدْخُلُونَ﴾. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية. ﴿يَلِجَ الْجَمَلُ﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد ﴿حَتَّى﴾: بمعنى إلى. ﴿فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَلِجَ﴾، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى تقديره: إلى ولوج الجملة في سم الخياط، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿يَدْخُلُونَ﴾. ﴿وَكَذلِكَ﴾: ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿كَذلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة، والتقدير: ونجزي المجرمين جزاء مثل جزاء المكذبين المستكبرين من عدم فتح أبواب السماء لهم، وعدم دخول الجنة إلى ولوج الجمل في سم الخياط.
﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)﴾.
﴿لَهُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ جَهَنَّمَ﴾: جار ومجرور بالفتحة؛ لأنه اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف العلمية والتأنيث المعنوي، الجار والمجرور حال من ﴿مِهادٌ﴾؛ لأنه صفة نكرة تقدمت عليها. ﴿مِهادٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل النصب حال من واو ﴿يَدْخُلُونَ﴾. ﴿وَمِنْ فَوْقِهِمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿غَواشٍ﴾: مبتدأ مؤخر مرفوع، وعلامة رفعه ضمة مقدرة على الياء المحذوفة؛ للتخلص من التقاء الساكنين منع من ظهورها الثقل؛ لأنه اسم منقوص، وسيأتي البحث عنه في مبحث الصرف إن
320
شاء الله تعالى، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ﴾. ﴿وَكَذلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف. ﴿نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والتقدير: ونجزي الظالمين جزاء مثل جزاء الذين كذبوا واستكبروا، والجملة مستأنفة.
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿آمَنُوا﴾. ﴿لا﴾: نافية. ﴿نُكَلِّفُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿نَفْسًا﴾: مفعول به. ﴿إِلَّا وُسْعَها﴾: منصوب على الاستثناء، والجملة الفعلية معترضة بين المبتدأ والخبر الآتي، أو هي خبر أول له مع تقدير الرابط تقدر: لا نكلف نفسا منهم إلا وسعها. ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ ثان. ﴿أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾: خبر للمبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره جملة كبرى في ضمنها جملة صغرى مستأنفة. ﴿هُمْ﴾: مبتدأ. ﴿فِيها﴾: متعلق بـ ﴿خالِدُونَ﴾. ﴿خالِدُونَ﴾: خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب حال من ﴿أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾.
﴿وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ﴾.
﴿وَنَزَعْنا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿نَزَعْنا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿فِي صُدُورِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها. ﴿مِنْ غِلٍّ﴾: جار ومجرور حال من ﴿ما﴾. ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع. ﴿مِنْ تَحْتِهِمُ﴾: متعلق به. ﴿الْأَنْهارُ﴾: فاعل، والجملة الفعلية حال من ضمير ﴿صُدُورِهِمْ﴾. ﴿وَقالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿نَزَعْنا﴾. ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿ونودي﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٤٢﴾.
﴿وَالَّذِينَ﴾: مبتدأ. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿آمَنُوا﴾. ﴿لا﴾: نافية. ﴿نُكَلِّفُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على الله. ﴿نَفْسًا﴾: مفعول به. ﴿إِلَّا وُسْعَها﴾: منصوب على الاستثناء، والجملة الفعلية معترضة بين المبتدأ والخبر الآتي، أو هي خبر أول له مع تقدير الرابط تقدر: لا نكلف نفسا منهم إلا وسعها. ﴿أُولئِكَ﴾: مبتدأ ثان. ﴿أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾: خبر للمبتدأ الثاني، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر للأول، والجملة من المبتدأ الأول وخبره جملة كبرى في ضمنها جملة صغرى مستأنفة. ﴿هُمْ﴾: مبتدأ. ﴿فِيها﴾: متعلق بـ ﴿خالِدُونَ﴾. ﴿خالِدُونَ﴾: خبر المبتدأ، والجملة في محل النصب حال من ﴿أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾.
﴿وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ﴾.
﴿وَنَزَعْنا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿نَزَعْنا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول به. ﴿فِي صُدُورِهِمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها. ﴿مِنْ غِلٍّ﴾: جار ومجرور حال من ﴿ما﴾. ﴿تَجْرِي﴾: فعل مضارع. ﴿مِنْ تَحْتِهِمُ﴾: متعلق به. ﴿الْأَنْهارُ﴾: فاعل، والجملة الفعلية حال من ضمير ﴿صُدُورِهِمْ﴾. ﴿وَقالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿نَزَعْنا﴾. ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ إلى قوله: ﴿ونودي﴾ مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول
321
القول. ﴿الَّذِي﴾: صفة للجلالة. ﴿هَدانا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿لِهذا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿هَدانا﴾. ﴿وَما﴾: ﴿الواو﴾: واو الحال، أو استئنافية. ﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه، ﴿لِنَهْتَدِيَ﴾: ﴿اللام﴾: لام الجحود، ﴿نهتدي﴾: منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد لام الجحود، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر مجرور باللام، الجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر ﴿كان﴾ تقديره: وما كنا مريدين للهداية لولا أن هدانا، وجملة ﴿كان﴾: مستأنفة، أو في محل النصب حال من ضمير المفعول في ﴿هَدانا﴾، والتقدير: الحمد لله الذي هدانا لهذا حالة كوننا عادمين الهداية لولا هدايته إيانا. ﴿لَوْلا﴾: حرف امتناع لوجود. ﴿أَنْ﴾: مصدرية. ﴿هَدانا﴾: فعل ومفعول في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية، ولفظ الجلالة ﴿اللَّهُ﴾ فاعل، والجملة الفعلية صلة ﴿أَنْ﴾ المصدرية، ﴿أَنْ﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبا تقديره: لولا هدايته إيانا موجودة، وجواب ﴿لَوْلا﴾ محذوف دل عليها ما قبلها تقديره: لولا هدايته موجودة ما كنا لنهتدي، وجملة ﴿لَوْلا﴾ في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
﴿لَقَدْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه. ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جاءَتْ﴾، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف تقديره: نقسم والله، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿وَنُودُوا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، أو استئنافية. ﴿نُودُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿قالُوا﴾، أو مستأنفة. ﴿أَنْ﴾: مفسرة بمعنى: أي. ﴿تِلْكُمُ﴾ مبتدأ. ﴿الْجَنَّةُ﴾: خبر، والجملة مفسرة لجملة ﴿نُودُوا﴾ لا محل لها من الإعراب، أو ﴿أَنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. ﴿تِلْكُمُ﴾، مبتدأ. ﴿الْجَنَّةُ﴾: خبره، والجملة في محل الرفع خبر ﴿أَنْ﴾ المخففة، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿نُودُوا﴾. ﴿أُورِثْتُمُوها﴾: فعل ونائب فاعل، ﴿الهاء﴾ في محل النصب مفعول ثان
﴿لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
﴿لَقَدْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه. ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جاءَتْ﴾، والجملة الفعلية جواب القسم المحذوف تقديره: نقسم والله، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿وَنُودُوا﴾ ﴿الواو﴾: عاطفة، أو استئنافية. ﴿نُودُوا﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿قالُوا﴾، أو مستأنفة. ﴿أَنْ﴾: مفسرة بمعنى: أي. ﴿تِلْكُمُ﴾ مبتدأ. ﴿الْجَنَّةُ﴾: خبر، والجملة مفسرة لجملة ﴿نُودُوا﴾ لا محل لها من الإعراب، أو ﴿أَنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. ﴿تِلْكُمُ﴾، مبتدأ. ﴿الْجَنَّةُ﴾: خبره، والجملة في محل الرفع خبر ﴿أَنْ﴾ المخففة، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة في محل النصب مفعول ثان لـ ﴿نُودُوا﴾. ﴿أُورِثْتُمُوها﴾: فعل ونائب فاعل، ﴿الهاء﴾ في محل النصب مفعول ثان
322
لأورثتموا، والجملة الفعلية في محل النصب حال من ﴿الْجَنَّةُ﴾، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة، والتقدير: حالة كونها موروثة لكم، ولا يجوز أن يكون حالا من ﴿تلك﴾ لوجهين:
أحدهما: أنه فصل بينهما بالخبر.
والثاني: أن تلك مبتدأ، والابتداء لا يعمل في الحال، ويجوز أن تكون ﴿الْجَنَّةُ﴾ نعتا لـ ﴿تِلْكُمُ﴾، أو بدلا، ﴿وأُورِثْتُمُوها﴾ الخبر، ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الكاف والميم؛ لأن الكاف حرف للخطاب، وصاحب الحال لا يكون حرفا، ولأن الحال تكون بعد تمام الكلام، والكلام لا يتم بتلكم. ذكره أبو البقاء. ﴿بِما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أورث﴾. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوفا تقديره: تعملونه.
التصريف ومفردات اللغة
﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ والزينة (١): فعلة من التزين، وهو اسم لما يتجمل به من ثياب وغيرها كقوله: ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾؛ أي: بالنبات، والزينة هنا المأمور بأخذها هو ما يستر العورة في الصلاة. قاله مجاهد والسدي والزجاج.
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ قال الكلبي: معناه كلوا من اللحم والدسم، واشربوا من الألبان، وكانوا يحرمون جميع ذلك في الإحرام. ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾ قال ابن عباس: الإسراف: الخروج عن حد الاستواء.
﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ﴾ الفواحش (٢): جمع فاحشة؛ وهي الخصلة التي يقبح فعلها لدى أرباب الفطر السليمة، والعقول الراجحة، ويطلقونها أحيانا على الزنا، والبخل، والقذف بالفحشاء، والبذاء المتناهي في القبح.
أحدهما: أنه فصل بينهما بالخبر.
والثاني: أن تلك مبتدأ، والابتداء لا يعمل في الحال، ويجوز أن تكون ﴿الْجَنَّةُ﴾ نعتا لـ ﴿تِلْكُمُ﴾، أو بدلا، ﴿وأُورِثْتُمُوها﴾ الخبر، ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الكاف والميم؛ لأن الكاف حرف للخطاب، وصاحب الحال لا يكون حرفا، ولأن الحال تكون بعد تمام الكلام، والكلام لا يتم بتلكم. ذكره أبو البقاء. ﴿بِما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أورث﴾. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَعْمَلُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿كان﴾ صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوفا تقديره: تعملونه.
التصريف ومفردات اللغة
﴿يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ﴾ والزينة (١): فعلة من التزين، وهو اسم لما يتجمل به من ثياب وغيرها كقوله: ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾؛ أي: بالنبات، والزينة هنا المأمور بأخذها هو ما يستر العورة في الصلاة. قاله مجاهد والسدي والزجاج.
﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ قال الكلبي: معناه كلوا من اللحم والدسم، واشربوا من الألبان، وكانوا يحرمون جميع ذلك في الإحرام. ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾ قال ابن عباس: الإسراف: الخروج عن حد الاستواء.
﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ﴾ الفواحش (٢): جمع فاحشة؛ وهي الخصلة التي يقبح فعلها لدى أرباب الفطر السليمة، والعقول الراجحة، ويطلقونها أحيانا على الزنا، والبخل، والقذف بالفحشاء، والبذاء المتناهي في القبح.
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
323
﴿وَالْإِثْمَ﴾ الإثم لغة: القبيح الضار؛ وهو شامل لجميع المعاصي كبائرها كالفواحش، وصغائرها كالنظر بشهوة لغير الحليلة. وقال (١) الفضل: الإثم: الخمر وأنشد:
وأنشد الأصمعي أيضا:
قال: وقد تسمى الخمر إثما، وأنشد:
شربت الإثم حتى زال عقلي
﴿وَالْبَغْيَ﴾ والبغي: تجاوز الحد، وقد يقال: بغى الجرح إذا تجاوز الحد في الفساد، ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾.
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾؛ أي: مدة (٢) العمر من أولها إلى آخرها.
وقوله: ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ﴾؛ أي: آخر هذه المدة، فلذلك أظهر لاختلاف معنى الأجل في الموضعين، فالأجل يطلق على جميع مدة العمر بتمامها، وعلى الجزء الأخير منها. وفي «المصباح»: أجل الشيء مدته ووقته الذي يحل فيه، وهو مصدر أجل الشيء أجلا - من باب تعب - وأجل أجولا - من باب قعد لغة - وأجلته تأجيلا جعلت له أجلا، والآجال جمع أجل مثل سبب وأسباب. والأمة: قال ابن عطية: الفرقة والجماعة من الناس؛ وهي لفظة تستعمل في الكثير من الناس. وقال غيره: والأمة الجماعة قلوا أو كثروا، وقد يطلق على الواحد كقوله في قس بن ساعدة: يبعث يوم القيامة أمة وحده، وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ﴾. ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾ المراد بهم الجماعات والأحزاب وأهل الملل.
﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها﴾ أصله: تداركوا بوزن تفاعلوا، فأدغمت التاء في الدال بعد قلبها دالا وتسكينها، ثم اجتلبت همزة الوصل، فصار اداركوا، وهذه (٣) المسألة نصوا على نظيرتها، وهي أن تاء الافتعال إذا أبدلت إلى حرف
نهانا رسول الله أن نقرب الخنا | وأن نشرب الإثم الّذي يوجب الوزرا |
ورحت حزينا ذاهل العقل بعدهم | كأنّي شربت الإثم أو مسّني خبل |
شربت الإثم حتى زال عقلي
﴿وَالْبَغْيَ﴾ والبغي: تجاوز الحد، وقد يقال: بغى الجرح إذا تجاوز الحد في الفساد، ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾.
﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ﴾؛ أي: مدة (٢) العمر من أولها إلى آخرها.
وقوله: ﴿فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ﴾؛ أي: آخر هذه المدة، فلذلك أظهر لاختلاف معنى الأجل في الموضعين، فالأجل يطلق على جميع مدة العمر بتمامها، وعلى الجزء الأخير منها. وفي «المصباح»: أجل الشيء مدته ووقته الذي يحل فيه، وهو مصدر أجل الشيء أجلا - من باب تعب - وأجل أجولا - من باب قعد لغة - وأجلته تأجيلا جعلت له أجلا، والآجال جمع أجل مثل سبب وأسباب. والأمة: قال ابن عطية: الفرقة والجماعة من الناس؛ وهي لفظة تستعمل في الكثير من الناس. وقال غيره: والأمة الجماعة قلوا أو كثروا، وقد يطلق على الواحد كقوله في قس بن ساعدة: يبعث يوم القيامة أمة وحده، وقال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتًا لِلَّهِ﴾. ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾ المراد بهم الجماعات والأحزاب وأهل الملل.
﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها﴾ أصله: تداركوا بوزن تفاعلوا، فأدغمت التاء في الدال بعد قلبها دالا وتسكينها، ثم اجتلبت همزة الوصل، فصار اداركوا، وهذه (٣) المسألة نصوا على نظيرتها، وهي أن تاء الافتعال إذا أبدلت إلى حرف
(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٣) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
(٣) الفتوحات.
324
مجانس لما بعدها - كما تبدل طاء أو دالا في نحو: اصطبر، واضطرب، وازدجر - إذا وزن ما هي فيه قالوا: نلفظ في الوزن بأصل تاء الافتعال، ولا نلفظ بما صارت إليه من طاء أو دال، فنقول: وزن اصطبر افتعل لا افطعل، ووزن ازدجر افتعل لا افدعل، فكذلك نقول هنا: وزن اداركوا تفاعلوا لا افّاعلوا، فلا فرق بين تاء الافتعال، وتاء التفاعل في ذلك.
﴿قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ﴾ وأخراهم وأولاهم يحتمل أن يكون فعلى أنثى أفعل الذي للمفاضلة، والمعنى على هذا كما قال الزمخشري: أخراهم منزلة؛ وهم الأتباع والسفلة لأولاهم منزلة؛ وهم القادة والسادة والرؤساء، ويحتمل أن تكون أخرى بمعنى آخرة تأنيث آخر مقابل أول، لا تأنيث آخر الذي للمفاضلة كقوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ والفرق بين أخرى بمعنى آخرة، وبين أخرى تأنيث آخر بزنة أفعل التفضيل أن التي للتفضيل لا تدل على الانتهاء كما لا يدل عليه مذكرها، ولذلك يعطف أمثالها عليها في نوع واحد تقول: مررت بامرأة وأخرى وأخرى، كما تقول: مررت برجل وآخر وآخر، وهذه تدل على الانتهاء كما يدل عليه مذكرها، ولذلك لا يعطف أمثالها عليها، ولأن الأولى تفيد إفادة غير، وهذه لا تفيد إفادة غير، والظاهر في هذه الآية الكريمة أنهما ليستا للتفضيل، بل لما ذكرت لك. اه «سمين».
﴿عَذابًا ضِعْفًا﴾ والمراد بالضعف هنا (١): تضعيف الشيء وزيادته إلى ما لا يتناهى، لا الضعف بمعنى مثل الشيء مرة واحدة. اه. «كرخي». وفي «السمين»: قوله: ﴿ضِعْفًا﴾ قال أبو عبيدة: الضعف: مثل الشيء مرة واحدة. وقال الأزهري: ما قاله أبو عبيدة هو ما يستعمله الناس في مجاري كلامهم، والضعف في كلام العرب المثل إلى ما زاد، ولا يقتصر به على مثلين، بل تقول: هذا ضعفه؛ أي: مثلاه وثلاثة أمثاله؛ لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة، ألا ترى إلى قول الله تعالى: ﴿فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ﴾ لم يرد به مثلا ولا مثلين، وأولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله كقوله تعالى: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ
﴿قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ﴾ وأخراهم وأولاهم يحتمل أن يكون فعلى أنثى أفعل الذي للمفاضلة، والمعنى على هذا كما قال الزمخشري: أخراهم منزلة؛ وهم الأتباع والسفلة لأولاهم منزلة؛ وهم القادة والسادة والرؤساء، ويحتمل أن تكون أخرى بمعنى آخرة تأنيث آخر مقابل أول، لا تأنيث آخر الذي للمفاضلة كقوله: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ والفرق بين أخرى بمعنى آخرة، وبين أخرى تأنيث آخر بزنة أفعل التفضيل أن التي للتفضيل لا تدل على الانتهاء كما لا يدل عليه مذكرها، ولذلك يعطف أمثالها عليها في نوع واحد تقول: مررت بامرأة وأخرى وأخرى، كما تقول: مررت برجل وآخر وآخر، وهذه تدل على الانتهاء كما يدل عليه مذكرها، ولذلك لا يعطف أمثالها عليها، ولأن الأولى تفيد إفادة غير، وهذه لا تفيد إفادة غير، والظاهر في هذه الآية الكريمة أنهما ليستا للتفضيل، بل لما ذكرت لك. اه «سمين».
﴿عَذابًا ضِعْفًا﴾ والمراد بالضعف هنا (١): تضعيف الشيء وزيادته إلى ما لا يتناهى، لا الضعف بمعنى مثل الشيء مرة واحدة. اه. «كرخي». وفي «السمين»: قوله: ﴿ضِعْفًا﴾ قال أبو عبيدة: الضعف: مثل الشيء مرة واحدة. وقال الأزهري: ما قاله أبو عبيدة هو ما يستعمله الناس في مجاري كلامهم، والضعف في كلام العرب المثل إلى ما زاد، ولا يقتصر به على مثلين، بل تقول: هذا ضعفه؛ أي: مثلاه وثلاثة أمثاله؛ لأن الضعف في الأصل زيادة غير محصورة، ألا ترى إلى قول الله تعالى: ﴿فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ﴾ لم يرد به مثلا ولا مثلين، وأولى الأشياء به أن يجعل عشرة أمثاله كقوله تعالى: {مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ
(١) الفتوحات.
325
فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها} فأقل الضعف محصور وهو المثل، وأكثره غير محصور اه.
﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾ وفي «السمين»: والولوج: الدخول بشدة، ولذلك يقال: هو الدخول في ضيق، فهو أخص من مطلق الدخول، والوليجة: كل ما يعتمده الإنسان، والوليجة: الداخل في قوم ليس هو منهم. وفي «المصباح»: ولج الشيء في غيره يلج - من باب وعد - ولوجا إذا دخل، وأولجته إيلاجا: أدخلته. اه. والجمل: الذكر من الإبل قيل: لا يقال له ذلك إلا إذا بلغ أربع سنين، وأول ما يخرج ولد الناقة حوار إلى الفطام، وبعده فصيل إلى سنة، وفي الثانية ابن مخاض وبنت مخاض، وفي الثالثة ابن لبون وبنت لبون، وفي الرابعة حق وحقة، وفي الخامسة جذع وجذعة، وفي السادسة ثني وثنية، وفي السابعة رباع ورباعية مخففة، وفي الثامنة سديس لهما، وقيل: سديسة للأنثى، وفي التاسعة بازل وبازلة، وفي العاشر خلف وخلفة، وليس بعد البزول والأخلاف سن بل يقال: بازل عام أو عامين، وخلف عام وعامين حتى يهرم، فيقال: له عود.
﴿سَمِّ الْخِياطِ﴾ وفي «المصباح»: السم: ما يقتل بالفتح في الأكثر، وجمعه سموم - مثل فلس وفلوس - وسمام أيضا مثل: سهم وسهما، والضم لغة لأهل العالية، والكسر لغة لبني تميم، والسم ثقب الإبرة، وفيه اللغات الثلاث، وجمعه سمام كسهام. وفي «السمين»: وسم الخياط: ثقب الإبرة، وهو الخرق وسينه مثلثة، وكل ثقب ضيق فهو سم، وقيل: كل ثقب في البدن، وقيل: كل ثقب في أنف أو أذن فهو سم، وجمعه سموم، والسم القاتل سمي بذلك للطفه، وتأثيره في مسام البدن حتى يصل إلى القلب، وهو في الأصل مصدر، ثم أريد به معنى الفاعل؛ لدخوله باطن والبدن، وقد سمه إذا أدخله فيه، ومنه السامة للخاصة الذين يدخلون في باطن الأمور ومسامها، ولذلك يقال لهم: الدخال، والسموم: الريح الحارة؛ لأنها تؤثر تأثير السم القاتل. والخياط والمخيط: الآلة التي يخاط بها فعال ومفعل كإزار ومئزر، ولحاف وملحف، وقناع ومقنع. اه.
﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ﴾؛ أي: فراش ﴿وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾: جمع غاشية أصله: غواشي بتنوين الصرف، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فاجتمع ساكنان الياء والتنوين، فحذفت الياء، ثم لوحظ كونه على صيغة مفاعل في
﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ﴾ وفي «السمين»: والولوج: الدخول بشدة، ولذلك يقال: هو الدخول في ضيق، فهو أخص من مطلق الدخول، والوليجة: كل ما يعتمده الإنسان، والوليجة: الداخل في قوم ليس هو منهم. وفي «المصباح»: ولج الشيء في غيره يلج - من باب وعد - ولوجا إذا دخل، وأولجته إيلاجا: أدخلته. اه. والجمل: الذكر من الإبل قيل: لا يقال له ذلك إلا إذا بلغ أربع سنين، وأول ما يخرج ولد الناقة حوار إلى الفطام، وبعده فصيل إلى سنة، وفي الثانية ابن مخاض وبنت مخاض، وفي الثالثة ابن لبون وبنت لبون، وفي الرابعة حق وحقة، وفي الخامسة جذع وجذعة، وفي السادسة ثني وثنية، وفي السابعة رباع ورباعية مخففة، وفي الثامنة سديس لهما، وقيل: سديسة للأنثى، وفي التاسعة بازل وبازلة، وفي العاشر خلف وخلفة، وليس بعد البزول والأخلاف سن بل يقال: بازل عام أو عامين، وخلف عام وعامين حتى يهرم، فيقال: له عود.
﴿سَمِّ الْخِياطِ﴾ وفي «المصباح»: السم: ما يقتل بالفتح في الأكثر، وجمعه سموم - مثل فلس وفلوس - وسمام أيضا مثل: سهم وسهما، والضم لغة لأهل العالية، والكسر لغة لبني تميم، والسم ثقب الإبرة، وفيه اللغات الثلاث، وجمعه سمام كسهام. وفي «السمين»: وسم الخياط: ثقب الإبرة، وهو الخرق وسينه مثلثة، وكل ثقب ضيق فهو سم، وقيل: كل ثقب في البدن، وقيل: كل ثقب في أنف أو أذن فهو سم، وجمعه سموم، والسم القاتل سمي بذلك للطفه، وتأثيره في مسام البدن حتى يصل إلى القلب، وهو في الأصل مصدر، ثم أريد به معنى الفاعل؛ لدخوله باطن والبدن، وقد سمه إذا أدخله فيه، ومنه السامة للخاصة الذين يدخلون في باطن الأمور ومسامها، ولذلك يقال لهم: الدخال، والسموم: الريح الحارة؛ لأنها تؤثر تأثير السم القاتل. والخياط والمخيط: الآلة التي يخاط بها فعال ومفعل كإزار ومئزر، ولحاف وملحف، وقناع ومقنع. اه.
﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ﴾؛ أي: فراش ﴿وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾: جمع غاشية أصله: غواشي بتنوين الصرف، فاستثقلت الضمة على الياء فحذفت، فاجتمع ساكنان الياء والتنوين، فحذفت الياء، ثم لوحظ كونه على صيغة مفاعل في
326
الأصل، فحذف تنوين الصرف، فخيف من رجوع الياء فيحصل الثقل، فأتي بالتنوين عوضا عنها، فغواش المنون ممنوع من الصرف؛ لأن تنوينه تنوين عوض كما علمت، وتنوين الصرف قد حذف، وهذا بناء على أن الإعلال؛ أي: التغيير والتصرف بالحذف مقدم على منع الصرف؛ أي: حذف التنوين، وإنما كان الراجح تقديم الإعلال؛ لأن سببه ظاهر؛ وهو الثقل، وسبب منع الصرف خفي؛ وهو مشابهة الفعل.
وفي «السمين»: وللنحاة في الجمع الذي على مفاعل إذا كان منقوصا بقياس خلاف: هل هو منصرف أو غير منصرف؟ فبعضهم قال: هو منصرف؛ لأنه قد زالت منه صيغة منتهى الجموع، فصار وزنه وزن جناح، وقد زال فانصرف. وقال الجمهور: هو ممنوع من الصرف، والتنوين تنوين عوض، واختلف في المعوض عنه ماذا؟ فالجمهور: على أنه عوض من الياء المحذوفة.
وذهب المبرد: إلى أنه عوض من حركتها، والكسر ليس كسر إعراب، وهكذا جوار وموال، وبعض العرب يعرب غواش ونحوه بالحركات على الحرف الذي قبل الياء المحذوفة، فيقول: هؤلاء جوار، وقرىء: ﴿وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ - برفع الشين - كما مر.
﴿مِنْ غِلٍّ﴾ والغل: - بالكسر - الغش والحق أيضا، وقد غل صدره يغل - بالكسر - غلا إذا كان ذا غش أو ضغن أو حقد. اه من «المختار» ويجمع على غلال.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ لأن المراد بالمسجد الصلاة والطواف علاقته المحلية، ولما كان المسجد محل الصلاة والطواف أطلق عليهما ذلك.
وفي «السمين»: وللنحاة في الجمع الذي على مفاعل إذا كان منقوصا بقياس خلاف: هل هو منصرف أو غير منصرف؟ فبعضهم قال: هو منصرف؛ لأنه قد زالت منه صيغة منتهى الجموع، فصار وزنه وزن جناح، وقد زال فانصرف. وقال الجمهور: هو ممنوع من الصرف، والتنوين تنوين عوض، واختلف في المعوض عنه ماذا؟ فالجمهور: على أنه عوض من الياء المحذوفة.
وذهب المبرد: إلى أنه عوض من حركتها، والكسر ليس كسر إعراب، وهكذا جوار وموال، وبعض العرب يعرب غواش ونحوه بالحركات على الحرف الذي قبل الياء المحذوفة، فيقول: هؤلاء جوار، وقرىء: ﴿وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ - برفع الشين - كما مر.
﴿مِنْ غِلٍّ﴾ والغل: - بالكسر - الغش والحق أيضا، وقد غل صدره يغل - بالكسر - غلا إذا كان ذا غش أو ضغن أو حقد. اه من «المختار» ويجمع على غلال.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات أنواعا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿يا بَنِي آدَمَ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ لأن المراد بالمسجد الصلاة والطواف علاقته المحلية، ولما كان المسجد محل الصلاة والطواف أطلق عليهما ذلك.
327
ومنها: الجناس المغاير بين ﴿وَلا تُسْرِفُوا﴾ وبين ﴿الْمُسْرِفِينَ﴾.
ومنها: الطباق بين ظهر وبطن في قوله: ﴿ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾ وبين أولاهم وأخراهم، في قوله: ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ﴾ وبين مهاد وغواش، في قوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾.
ومنها: الظرفية المجازية في قوله: ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾؛ أي: ادخلوا حال كونكم في أمم.
ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: ﴿وَالْإِثْمَ﴾؛ لأنه معطوف على ﴿الْفَواحِشَ﴾، فيشمل الفواحش وغيرها.
ومنها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به في الثلاثة المذكورة بعد ﴿الْإِثْمَ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿سُلْطانًا﴾ استعاره للحجة؛ لأن لها تسلطا على القلب.
ومنها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ﴿ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ.. وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
ومنها: الاعتراض في قوله: ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها﴾ اعترض به بين المبتدأ والخبر.
ومنها: التهكم في قوله: ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ﴾ لأنه كناية عن عدم قبول عملهم ودعائهم.
ومنها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ﴾ فاستفيد منه أن دخول الكافر الجنة مستحيل.
ومنها: الطباق بين ظهر وبطن في قوله: ﴿ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾ وبين أولاهم وأخراهم، في قوله: ﴿قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ﴾ وبين مهاد وغواش، في قوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾.
ومنها: الظرفية المجازية في قوله: ﴿ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ﴾؛ أي: ادخلوا حال كونكم في أمم.
ومنها: عطف العام على الخاص في قوله: ﴿وَالْإِثْمَ﴾؛ لأنه معطوف على ﴿الْفَواحِشَ﴾، فيشمل الفواحش وغيرها.
ومنها: عطف الخاص على العام؛ لمزيد الاعتناء به في الثلاثة المذكورة بعد ﴿الْإِثْمَ﴾.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: ﴿سُلْطانًا﴾ استعاره للحجة؛ لأن لها تسلطا على القلب.
ومنها: التفصيل بعد الإجمال في قوله: ﴿ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ﴾.
ومنها: الطباق بين ﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ.. وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾
ومنها: الاعتراض في قوله: ﴿لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها﴾ اعترض به بين المبتدأ والخبر.
ومنها: التهكم في قوله: ﴿فَذُوقُوا الْعَذابَ﴾.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ﴾ لأنه كناية عن عدم قبول عملهم ودعائهم.
ومنها: تعليق الممكن بالمستحيل إفادة لاستحالته في قوله: ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ﴾ فاستفيد منه أن دخول الكافر الجنة مستحيل.
328
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ﴾ لأن المراد ما في قلوبهم علاقته المحلية.
ومنها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: ﴿أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾ إشارة إلى عظم رتبتها ومكانتها على حد قوله: ﴿ذلِكَ الْكِتابُ﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ قال أبو حيان: هذا استعارة لما يحيط بهم من النار.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: الإتيان باسم الإشارة البعيدة في قوله: ﴿أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ﴾ إشارة إلى عظم رتبتها ومكانتها على حد قوله: ﴿ذلِكَ الْكِتابُ﴾.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ﴾ قال أبو حيان: هذا استعارة لما يحيط بهم من النار.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
329
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١) وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما
﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨) أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١) وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما
330
قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (١) وعيد الكفار وثواب أهل الإيمان.. أردف ذلك ببيان بعض ما يكون بين الفريقين، فريق أهل الجنة وفريق أهل النار من المناظرة والحوار بعد استقرار كل منهما في داره.
وفيها دليل على أن الدارين في أرض واحدة يفصل بينهما سور لا يمنع إشراف أهل الجنة، وهم في أعلى عليين على أهل النار؛ وهم في هاوية الجحيم، وأن بعضهم يخاطب بعضا بما يزيد أهل الجنة عرفانا بقيمة النعمة، ويزيد أهل النار حسرة وشقاء على ما كان من التفريط في جنب الله تعالى.
وهذا التخاطب لا يقتضي قرب المكان على ما هو معهود في الدنيا، فعالم الآخرة عالم تغلب فيه الروحانية على ظلمة الكثافة الجسدية، فيمكن الإنسان أن يسمع من بعيد المسافات، ويرى من أقاصي الجهات. وإن ما جد الآن من المخترعات والآلات التي يتخاطب بها الناس من شاسع البلاد، وتفصل بينهما ألوف الأميال، إما بالإشارات الكتابية كالبرق - التلغراف اللاسلكي والسلكي - وإما بالكلام اللساني كالمسرة التليفون اللاسلكي والسلكي، ليقرب هذا أتم التقريب، ويزيدنا فهما له. وقد تم لهم الآن أن يروا صورة المتكلم بالتليفون مطبوعة على الآلة التي بها الكلام، وأن ينقلوا الصور من أقصى البلدان إلى أقصاها بهذه الآلة التلفاز.
قوله تعالى: ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (٢) مقال أهل الجنة لأهل النار، ومقال أصحاب الأعراف لأهل النار.. أردف ذلك بما قال أهل النار لأهل الجنة، وطلبهم منهم بعض ما عندهم من نعم الله عليهم.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ...﴾ الآية، مناسبة هذه
وفيها دليل على أن الدارين في أرض واحدة يفصل بينهما سور لا يمنع إشراف أهل الجنة، وهم في أعلى عليين على أهل النار؛ وهم في هاوية الجحيم، وأن بعضهم يخاطب بعضا بما يزيد أهل الجنة عرفانا بقيمة النعمة، ويزيد أهل النار حسرة وشقاء على ما كان من التفريط في جنب الله تعالى.
وهذا التخاطب لا يقتضي قرب المكان على ما هو معهود في الدنيا، فعالم الآخرة عالم تغلب فيه الروحانية على ظلمة الكثافة الجسدية، فيمكن الإنسان أن يسمع من بعيد المسافات، ويرى من أقاصي الجهات. وإن ما جد الآن من المخترعات والآلات التي يتخاطب بها الناس من شاسع البلاد، وتفصل بينهما ألوف الأميال، إما بالإشارات الكتابية كالبرق - التلغراف اللاسلكي والسلكي - وإما بالكلام اللساني كالمسرة التليفون اللاسلكي والسلكي، ليقرب هذا أتم التقريب، ويزيدنا فهما له. وقد تم لهم الآن أن يروا صورة المتكلم بالتليفون مطبوعة على الآلة التي بها الكلام، وأن ينقلوا الصور من أقصى البلدان إلى أقصاها بهذه الآلة التلفاز.
قوله تعالى: ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر (٢) مقال أهل الجنة لأهل النار، ومقال أصحاب الأعراف لأهل النار.. أردف ذلك بما قال أهل النار لأهل الجنة، وطلبهم منهم بعض ما عندهم من نعم الله عليهم.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ...﴾ الآية، مناسبة هذه
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
331
الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر أحوال أهل الجنة، وأهل النار، وأهل الأعراف، وذكر الحوار الذي كان بين هذه الفرق الثلاثة على وجه يحمل الناظر فيها على الحذر والاحتراس، والتأمل في العواقب لعله يرعوي عن غيه، ويهتدي إلى سبيل رشده.. عقب ذلك بذكر حال الكتاب الكريم، وعظيم فضله، وجليل منفعته، وأنه حجة الله على البشر كافة، وأنه أزاح به علل الكفار، وأبطل معاذيرهم، ثم يذكر حال المكذبين، وما يكون منهم يوم القيامة من الندم والحسرة، وتمني العودة إلى الدنيا لإصلاح أعمالهم.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ...﴾ الآيات، علمت مما سلف من قبل أن الأسس التي عني القرآن الكريم بشأنها هي التوحيد والنبوة والمعاد والقضاء والقدر، وإثبات المعاد موقوف على إثبات الوحدانية لله تعالى، والعلم الشامل والقدرة التامة. ومناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بسط القول فيما سلف في أمر المعاد، وبين فئات الناس في ذلك اليوم، وما يدور من حوار بين أصحاب النار وأصحاب الجنة.. قفى على ذلك بذكر الخلق والتكوين، وبيان مقدوراته تعالى وعظيم مصنوعاته؛ لتكون دليلا على الربوبية والألوهية، وأنه لا معبود سواه.
قوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما ذكر الأدلة على توحيد الربوبية.. قفى على ذلك بالأمر بتوحيد الألوهية بإفراده تعالى بالعبادة، وروحها ومخها الدعاء والتضرع له.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) تفرده بالملك والملكوت، وتصرفه في العلوي والسفلي وتدبيره الأمر وحده، وطلب إلينا أن ندعوه متضرعين خفية وجهرا، ونهانا عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، وأبان لنا أن رحمته
قوله تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ...﴾ الآيات، علمت مما سلف من قبل أن الأسس التي عني القرآن الكريم بشأنها هي التوحيد والنبوة والمعاد والقضاء والقدر، وإثبات المعاد موقوف على إثبات الوحدانية لله تعالى، والعلم الشامل والقدرة التامة. ومناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) بسط القول فيما سلف في أمر المعاد، وبين فئات الناس في ذلك اليوم، وما يدور من حوار بين أصحاب النار وأصحاب الجنة.. قفى على ذلك بذكر الخلق والتكوين، وبيان مقدوراته تعالى وعظيم مصنوعاته؛ لتكون دليلا على الربوبية والألوهية، وأنه لا معبود سواه.
قوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً...﴾ الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: لما ذكر الأدلة على توحيد الربوبية.. قفى على ذلك بالأمر بتوحيد الألوهية بإفراده تعالى بالعبادة، وروحها ومخها الدعاء والتضرع له.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا...﴾ الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما ذكر (٢) تفرده بالملك والملكوت، وتصرفه في العلوي والسفلي وتدبيره الأمر وحده، وطلب إلينا أن ندعوه متضرعين خفية وجهرا، ونهانا عن الإفساد في الأرض بعد إصلاحها، وأبان لنا أن رحمته
(١) المراغي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
332
قريب من المحسنين.. قفى على ذلك بذكر بعض ضروب من رحمته؛ إذ أرسل إلينا الرياح وما فيها من منافع للناس فيها ينزل المطر الذي هو مصدر الرزق وسبب حياة كل حي في هذه الأرض، وفي ذلك عظيم الدلالة على قدرته تعالى على البعث والنشور.
وقال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) ذكر الدلائل على كمال إلهيته وقدرته وعلمه من العالم العلوي.. أتبعها بالدلائل من العالم السفلي؛ وهي محصورة في آثار العالم العلوي، منها الريح والسحاب والمطر، وفي المعدن والنبات والحيوان، ويترتب على نزول المطر أحوال النبات، وذلك هو المذكور في الآية، وانجر مع ذلك الدلالة على صحة الحشر والنشر، والبعث والقيامة، وانتظمت هاتان الآيتان محصلتين المبدأ والمعاد.
انتهى.
التفسير وأوجه القراءة
٤٤ - ﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ﴾ حين استقرار أهل الجنة في الجنة، واستقرار أهل النار في النار إذا ما وجهوا إليهم أبصارهم يسألونهم سؤال افتخار على حسن حالهم، وسؤال تهكم وتذكير بجناية أهل النار على أنفسهم بتكذيب الرسل، وسؤال تقرير لهم بصدق ما بلغهم الرسل من وعد ربهم لمن آمن واتقى بجنات النعيم قائلين لهم: ﴿أَنْ قَدْ وَجَدْنا﴾؛ أي: قد وجدنا وتيقنا ﴿ما وَعَدَنا رَبُّنا﴾ على ألسنة رسله من النعيم والكرامة ﴿حَقًّا﴾ وصدقا لا شبهة فيه، وها نحن نستمتع بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ﴾ يا أهل النار ﴿ما وَعَدَ رَبُّكُمْ﴾؛ أي: ما أوعدكم ربكم من الخزي والنكال والعذاب على الكفر ﴿حَقًّا﴾؛ أي: صدقا ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال أهل النار مجيبين لأهل الجنة: ﴿نَعَمْ﴾؛ أي: وجدنا ما أوعدنا به ربنا حقا كما بلغنا على ألسنة الرسل، و ﴿نَعَمْ﴾ حرف يجاب به عن الاستفهام في إثبات المستفهم عنه، ونونها
وقال أبو حيان: مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى لما (١) ذكر الدلائل على كمال إلهيته وقدرته وعلمه من العالم العلوي.. أتبعها بالدلائل من العالم السفلي؛ وهي محصورة في آثار العالم العلوي، منها الريح والسحاب والمطر، وفي المعدن والنبات والحيوان، ويترتب على نزول المطر أحوال النبات، وذلك هو المذكور في الآية، وانجر مع ذلك الدلالة على صحة الحشر والنشر، والبعث والقيامة، وانتظمت هاتان الآيتان محصلتين المبدأ والمعاد.
انتهى.
التفسير وأوجه القراءة
٤٤ - ﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ﴾ حين استقرار أهل الجنة في الجنة، واستقرار أهل النار في النار إذا ما وجهوا إليهم أبصارهم يسألونهم سؤال افتخار على حسن حالهم، وسؤال تهكم وتذكير بجناية أهل النار على أنفسهم بتكذيب الرسل، وسؤال تقرير لهم بصدق ما بلغهم الرسل من وعد ربهم لمن آمن واتقى بجنات النعيم قائلين لهم: ﴿أَنْ قَدْ وَجَدْنا﴾؛ أي: قد وجدنا وتيقنا ﴿ما وَعَدَنا رَبُّنا﴾ على ألسنة رسله من النعيم والكرامة ﴿حَقًّا﴾ وصدقا لا شبهة فيه، وها نحن نستمتع بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ﴾ يا أهل النار ﴿ما وَعَدَ رَبُّكُمْ﴾؛ أي: ما أوعدكم ربكم من الخزي والنكال والعذاب على الكفر ﴿حَقًّا﴾؛ أي: صدقا ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال أهل النار مجيبين لأهل الجنة: ﴿نَعَمْ﴾؛ أي: وجدنا ما أوعدنا به ربنا حقا كما بلغنا على ألسنة الرسل، و ﴿نَعَمْ﴾ حرف يجاب به عن الاستفهام في إثبات المستفهم عنه، ونونها
(١) البحر المحيط.
333
وعينها مفتوحتان، ويقرأ بكسر العين؛ وهي لغة، ويجوز كسرهما جميعا على الإتباع. ذكره أبو البقاء.
فإن قلت (١): هل هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار، أو من البعض للبعض؟
قلت: ظاهر قوله: ﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ﴾ يفيد العموم، والجمع إذا قابل الجمع يوزع الفرد على الفرد، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا. فإن قلت: إذا كانت الجنة في السماء، والنار في الأرض فكيف يمكن أن يبلغ هذا النداء، أو كيف يصح أن يقع؟
قلت: إن الله قادر على أن يقوي الأصوات والأسماع، فيصير البعيد كالقريب. اه «خازن». ويحتمل أنه تعالى يقرب إحدى الدارين من الأخرى؛ إما بإنزال العليا، وإما برفع السفلى.
فإن قلت: كيف يرى أهل الجنة أهل النار وبالعكس مع أن بينهما حجابا وهو سور الجنة؟.
أجيب: باحتمال أن سور الجنة لا يمنع الرؤية لما وراءه لكونه شفافا كالزجاج، وباحتمال أن فيه طاقات تحصل الرؤية منها. وقرأ (٢) ابن وثاب والأعمش والكسائي في جميع القرآن: ﴿نعم﴾ - بكسر العين -. قال مكي من قال: ﴿نِعَم﴾ بكسر العين فكأنه أراد أن يفرق بين نعم التي هي جواب، وبين نعم التي هي اسم للبقر والغنم والإبل.
﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾؛ أي: فنادى مناد ﴿بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: بين أهل الجنة وأهل النار؛ أي: نادى مناد أسمع الفريقين كلهم قائلا: ﴿أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم الجانين عليها بما أوجب حرمانها من النعيم المقيم، وهذا المؤذن إما مالك خازن النار، وإما ملك غيره يأمره الله بذلك.
فإن قلت (١): هل هذا النداء من كل أهل الجنة لكل أهل النار، أو من البعض للبعض؟
قلت: ظاهر قوله: ﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ﴾ يفيد العموم، والجمع إذا قابل الجمع يوزع الفرد على الفرد، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا. فإن قلت: إذا كانت الجنة في السماء، والنار في الأرض فكيف يمكن أن يبلغ هذا النداء، أو كيف يصح أن يقع؟
قلت: إن الله قادر على أن يقوي الأصوات والأسماع، فيصير البعيد كالقريب. اه «خازن». ويحتمل أنه تعالى يقرب إحدى الدارين من الأخرى؛ إما بإنزال العليا، وإما برفع السفلى.
فإن قلت: كيف يرى أهل الجنة أهل النار وبالعكس مع أن بينهما حجابا وهو سور الجنة؟.
أجيب: باحتمال أن سور الجنة لا يمنع الرؤية لما وراءه لكونه شفافا كالزجاج، وباحتمال أن فيه طاقات تحصل الرؤية منها. وقرأ (٢) ابن وثاب والأعمش والكسائي في جميع القرآن: ﴿نعم﴾ - بكسر العين -. قال مكي من قال: ﴿نِعَم﴾ بكسر العين فكأنه أراد أن يفرق بين نعم التي هي جواب، وبين نعم التي هي اسم للبقر والغنم والإبل.
﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾؛ أي: فنادى مناد ﴿بَيْنَهُمْ﴾؛ أي: بين أهل الجنة وأهل النار؛ أي: نادى مناد أسمع الفريقين كلهم قائلا: ﴿أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهم الجانين عليها بما أوجب حرمانها من النعيم المقيم، وهذا المؤذن إما مالك خازن النار، وإما ملك غيره يأمره الله بذلك.
(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط وفتح القدير.
(٢) البحر المحيط وفتح القدير.
334
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي والبزي بتشديد (١): ﴿أنّ﴾ ونصب ﴿لعنة﴾ وهو الأصل، وقرأ الباقون ﴿أَنْ﴾ بالتخفيف ورفع ﴿لَعْنَةُ﴾ على أنها المخففة من الثقيلة، أو المفسرة. وقرأ الأعمش بكسر همزة ﴿إن﴾ على إضمار القول،
٤٥ - ثم المراد بالظالمين ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: الذين يعرضون بأنفسهم عن سلوك سبيل الله الموصلة إلى مرضاته وثوابه، ويمنعون الناس عن سلوكها تارة بالزجر والقهر، وأخرى بسائر الحيل ﴿وَيَبْغُونَها عِوَجًا﴾؛ أي: يطلبون اعوجاجها؛ أي: يريدون إثبات كونها معوجة مائلة عن الحق بإلقاء الشكوك في أدلتها، أو ينفرون الناس عنها، ويقدحون في استقامتها بقولهم: إنها غير حق، وأن الحق ما هم عليه. وفي «أبي السعود» في آل عمران: بأن يلبسوا على الناس، ويوهموهم أن فيها ميلا عن الحق بنفي النسخ، وتغيير صفة الرسول ﷺ عن وجهها، ونحو ذلك. اه. وفي «الخازن»: هنا (٢) ﴿وَيَبْغُونَها عِوَجًا﴾؛ أي: يحاولون أن يغيروا دين الله وطريقته التي شرع لعباده ويبدلونها. وقيل معناه: أنهم يصلون لغير الله، ويعظمون ما لم يعظمه الله، وذلك أنهم طلبوا سبيل الحق بالصلاة لغير الله، وتعظيم ما لم يعظمه الله، فأخطؤوا الطريق وضلوا عن السبيل. اه.
٤٦ - ﴿وَبَيْنَهُما﴾؛ أي: وبين الفريقين؛ فريقي أهل الجنة وأهل النار، أو بين الجنة والنار ﴿حِجابٌ﴾؛ أي: حاجز يفصل كلّا منهما من الآخر، ويمنعه من الاستطراق إليه، وهذا الحجاب هو السور الذي سيأتي ذكره في سورة الحديد بقوله: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)...﴾ الآية. ﴿وَعَلَى الْأَعْرافِ﴾؛ أي: وعلى أعالي ذلك السور المضروب بين الجنة والنار ﴿رِجالٌ﴾ يرون أهل الجنة وأهل النار جميعا قبل الدخول فيها، فـ ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا﴾ من أهل الجنة وأهل النار ﴿بِسِيماهُمْ﴾؛ أي: بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها كبياض الوجه وسواده، وهي التي وصفهم الله تعالى بها في نحو قوله: {وُجُوهٌ
٤٥ - ثم المراد بالظالمين ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: الذين يعرضون بأنفسهم عن سلوك سبيل الله الموصلة إلى مرضاته وثوابه، ويمنعون الناس عن سلوكها تارة بالزجر والقهر، وأخرى بسائر الحيل ﴿وَيَبْغُونَها عِوَجًا﴾؛ أي: يطلبون اعوجاجها؛ أي: يريدون إثبات كونها معوجة مائلة عن الحق بإلقاء الشكوك في أدلتها، أو ينفرون الناس عنها، ويقدحون في استقامتها بقولهم: إنها غير حق، وأن الحق ما هم عليه. وفي «أبي السعود» في آل عمران: بأن يلبسوا على الناس، ويوهموهم أن فيها ميلا عن الحق بنفي النسخ، وتغيير صفة الرسول ﷺ عن وجهها، ونحو ذلك. اه. وفي «الخازن»: هنا (٢) ﴿وَيَبْغُونَها عِوَجًا﴾؛ أي: يحاولون أن يغيروا دين الله وطريقته التي شرع لعباده ويبدلونها. وقيل معناه: أنهم يصلون لغير الله، ويعظمون ما لم يعظمه الله، وذلك أنهم طلبوا سبيل الحق بالصلاة لغير الله، وتعظيم ما لم يعظمه الله، فأخطؤوا الطريق وضلوا عن السبيل. اه.
٤٦ - ﴿وَبَيْنَهُما﴾؛ أي: وبين الفريقين؛ فريقي أهل الجنة وأهل النار، أو بين الجنة والنار ﴿حِجابٌ﴾؛ أي: حاجز يفصل كلّا منهما من الآخر، ويمنعه من الاستطراق إليه، وهذا الحجاب هو السور الذي سيأتي ذكره في سورة الحديد بقوله: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣)...﴾ الآية. ﴿وَعَلَى الْأَعْرافِ﴾؛ أي: وعلى أعالي ذلك السور المضروب بين الجنة والنار ﴿رِجالٌ﴾ يرون أهل الجنة وأهل النار جميعا قبل الدخول فيها، فـ ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا﴾ من أهل الجنة وأهل النار ﴿بِسِيماهُمْ﴾؛ أي: بعلامتهم التي أعلمهم الله تعالى بها كبياض الوجه وسواده، وهي التي وصفهم الله تعالى بها في نحو قوله: {وُجُوهٌ
(١) الشوكاني.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
335
يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)}.
وهؤلاء الرجال هم طائفة من الموحدين قصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار جعلوا هناك حتى يقضى بين الناس، فبينما هم كذلك إذ يطلع عليهم ربهم فيقول لهم: «قوموا ادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم». أخرجه أبو الشيخ والبيهقي وغيرهما عن حذيفة، وفي رواية عنه: «يجمع الله الناس، ثم يقول لأصحاب الأعراف: ما تنتظرون؟ قالوا: ننتظر أمرك، فيقال: إن حسناتكم تجاوزن بكم النار أن تدخلوها، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم، فادخلوها بمغفرتي ورحمتي».
وقيل (١): هؤلاء الرجال قوم قتلوا في سبيل الله، وهم عصاة لآبائهم، وقيل: هم قوم كان فيهم عجب، وقيل: هم قوم كان عليهم دين، فهذه الأقوال تدل على أن أصحاب الأعراف أقوام يكونون في الدرجة النازلة من أهل الثواب، وقيل: إنهم الأشراف من أهل الثواب، وقيل: إنهم الأنبياء، وإنما أجلسهم الله على ذلك المكان العالي تمييزا لهم على سائر أهل القيامة، وقيل: إنهم الشهداء وهم شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة، وعلى أهل الكفر والمعصية، فهم يعرفون أن أهل الثواب وصلوا إلى الدرجات، وأهل العقاب وصلوا إلى الدركات، كما قال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ﴾.
﴿وَنادَوْا﴾؛ أي: ونادى رجال الأعراف ﴿أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾ حين رأوهم قائلين لهم ﴿أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ يا أهل الجنة، وهذا السلام إما تحية ودعاء، وإما إخبار بالسلامة من المكروه والنجاة من العذاب؛ أي سلمتم من الآفات، وحصل لكم الأمن والسلام، هذا إن كان قبل دخول الجنة. فإن كان بعدها فهي تحية خالصة تدخل في عموم قوله تعالى: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا (٢٦)﴾ وجملة قوله: ﴿لَمْ يَدْخُلُوها﴾ حال من فاعل ﴿نادَوْا﴾ ﴿وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ حال
وهؤلاء الرجال هم طائفة من الموحدين قصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار جعلوا هناك حتى يقضى بين الناس، فبينما هم كذلك إذ يطلع عليهم ربهم فيقول لهم: «قوموا ادخلوا الجنة فإني قد غفرت لكم». أخرجه أبو الشيخ والبيهقي وغيرهما عن حذيفة، وفي رواية عنه: «يجمع الله الناس، ثم يقول لأصحاب الأعراف: ما تنتظرون؟ قالوا: ننتظر أمرك، فيقال: إن حسناتكم تجاوزن بكم النار أن تدخلوها، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم، فادخلوها بمغفرتي ورحمتي».
وقيل (١): هؤلاء الرجال قوم قتلوا في سبيل الله، وهم عصاة لآبائهم، وقيل: هم قوم كان فيهم عجب، وقيل: هم قوم كان عليهم دين، فهذه الأقوال تدل على أن أصحاب الأعراف أقوام يكونون في الدرجة النازلة من أهل الثواب، وقيل: إنهم الأشراف من أهل الثواب، وقيل: إنهم الأنبياء، وإنما أجلسهم الله على ذلك المكان العالي تمييزا لهم على سائر أهل القيامة، وقيل: إنهم الشهداء وهم شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة، وعلى أهل الكفر والمعصية، فهم يعرفون أن أهل الثواب وصلوا إلى الدرجات، وأهل العقاب وصلوا إلى الدركات، كما قال تعالى: ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ﴾.
﴿وَنادَوْا﴾؛ أي: ونادى رجال الأعراف ﴿أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾ حين رأوهم قائلين لهم ﴿أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ يا أهل الجنة، وهذا السلام إما تحية ودعاء، وإما إخبار بالسلامة من المكروه والنجاة من العذاب؛ أي سلمتم من الآفات، وحصل لكم الأمن والسلام، هذا إن كان قبل دخول الجنة. فإن كان بعدها فهي تحية خالصة تدخل في عموم قوله تعالى: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا (٢٥) إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا (٢٦)﴾ وجملة قوله: ﴿لَمْ يَدْخُلُوها﴾ حال من فاعل ﴿نادَوْا﴾ ﴿وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ حال
(١) المراح.
336
من فاعل ﴿يَدْخُلُوها﴾؛ أي: نادوهم مسلمين عليهم حال كونهم؛ أي: حالة كون رجال الأعراف لم يدخلوا الجنة بعد؛ أي: الآن، والحال أنهم طامعون في دخولها لما بدا لهم من يسر الحساب. وقد جاء (١) في الآثار، أن الناس يكونون في الموقف بين الخوف والرجاء، لا تطمئن قلوب أهل الجنة حتى يدخولها. وروى أبو نعيم عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: لو نادى مناد يا أهل الموقف ادخلوا النار إلا رجلا واحدا.. لوجدت أن أكون ذلك الرجل، ولو نادى ادخلوا الجنة إلا رجلا واحدا.. لخشيت أن أكون ذلك الرجل. وقرأ ابن النحوي (٢): ﴿وهم طامعون﴾ وقرأ إياد بن لقيط: ﴿وهم ساخطون﴾ وقال مجاهد: أصحاب الأعراف قوم صالحون فقهاء علماء، فعلى هذا القول: إنما يكون لبثهم على الأعراف على سبيل النزهة، وليرى غيرهم شرفهم وفضلهم، والمراد من هذا الطمع طمع يقين؛ أي: وهم يعلمون أنهم سيدخلون الجنة.
٤٧ - ﴿وَإِذا صُرِفَتْ﴾؛ أي: وجهت ﴿أَبْصارُهُمْ﴾؛ أي: أبصار رجال الأعراف بغير قصد. وقرأ الأعمش: ﴿وإذا قلبت أبصارهم﴾. ﴿تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ﴾؛ أي: إلى جهنم، وقد قرىء ﴿تِلْقاءَ﴾ هنا بمده وقصره قراءتان سبعيتان. ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال رجال الأعراف نعوذ بالله ﴿رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: وكلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النار تضرعوا إلى الله تعالى في أن لا يجعلهم من زمرتهم، والمقصود من جميع هذه الآيات الإنذار والتخويف من التقليد الرديء؛ ليتبصر المرء في عاقبة أمره، فيفوز بالثواب المقيم في جنات النعيم. وفي التعبير (٣) بصرف الأبصار وتحويلها إيماء إلى أنهم يوجهون أبصارهم إلى أصحاب الجنة بالقصد والرغبة، ويلقون إليهم السلام، ويكرهون رؤية أهل النار، فإذا حولت أبصارهم إليهم من غير قصد ولا رغبة، بل بصارف يصرفهم إليها.. قالوا: ربنا لا تجعلنا معهم حيث يكونون، وفي ذلك من استعظام حال الظالمين،
٤٧ - ﴿وَإِذا صُرِفَتْ﴾؛ أي: وجهت ﴿أَبْصارُهُمْ﴾؛ أي: أبصار رجال الأعراف بغير قصد. وقرأ الأعمش: ﴿وإذا قلبت أبصارهم﴾. ﴿تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ﴾؛ أي: إلى جهنم، وقد قرىء ﴿تِلْقاءَ﴾ هنا بمده وقصره قراءتان سبعيتان. ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال رجال الأعراف نعوذ بالله ﴿رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: وكلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النار تضرعوا إلى الله تعالى في أن لا يجعلهم من زمرتهم، والمقصود من جميع هذه الآيات الإنذار والتخويف من التقليد الرديء؛ ليتبصر المرء في عاقبة أمره، فيفوز بالثواب المقيم في جنات النعيم. وفي التعبير (٣) بصرف الأبصار وتحويلها إيماء إلى أنهم يوجهون أبصارهم إلى أصحاب الجنة بالقصد والرغبة، ويلقون إليهم السلام، ويكرهون رؤية أهل النار، فإذا حولت أبصارهم إليهم من غير قصد ولا رغبة، بل بصارف يصرفهم إليها.. قالوا: ربنا لا تجعلنا معهم حيث يكونون، وفي ذلك من استعظام حال الظالمين،
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) المراغي.
واستفظاع مآلهم، وشناعة أمرهم ما لا يخفى. وعن سعيد بن جبير أن ابن مسعود رضي الله عنه قال: يحاسب الله الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة.. دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة.. دخل النار، ثم قرأ قول الله تعالى: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ...﴾ الآيتين، ثم قال: إن الميزان يخفف بمثقال حبة ويرجح، ومن استوت حسناته وسيئاته.. كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرض أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الحنة قالوا سلام عليكم، وإذا صرفت أبصارهم إلى يسارهم رأوا أهل النار فقالوا: ﴿رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ نعوذوا بالله من منازلهم.
قال: فأما أصحاب الحسنات، فإنهم يعطون نورا يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطي كل عبد يومئذ نورا، وكل أمة نورا، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون ﴿يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا﴾ وأما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم، فلم ينزع من أيديهم، فهنالك يقول الله تعالى: ﴿لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ فكان الطمع دخولا قال سعيد: فقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة، ثم قال: هلك من غلب وحدانه أعشاره. اه.
٤٨ - ﴿وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا﴾ من أهل النار كانوا عظماء في الدنيا، وهذا نداء آخر من بعض أصحاب الأعراف لبعض المستكبرين الذين كانوا يعتزون في الدنيا بغناهم وقوتهم، ويحتقرون ضعفاء المؤمنين لفقرهم وضعف عصبيتهم، أو لحرمانهم من عصبية تمنعم وتذود عنهم، ويزعمون أن من أغناه الله، وجعله قويا في الدنيا فهو الذي يكون له نعيم الآخرة كما قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلادًا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)﴾. ومن هؤلاء زعماء قريش وطغاتها الذين قاوموا الإسلام في مكة، وعذبوا أهله كأبي جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل.
أي: نادى أصحاب الأعراف رجالا من أهل النار ﴿يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ﴾؛ أي: يعرف أصحاب الأعراف أولئك الرجال بسيماهم وعلاماتهم كسواد الوجوه وزرقة
قال: فأما أصحاب الحسنات، فإنهم يعطون نورا يمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطي كل عبد يومئذ نورا، وكل أمة نورا، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون ﴿يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا﴾ وأما أصحاب الأعراف، فإن النور كان في أيديهم، فلم ينزع من أيديهم، فهنالك يقول الله تعالى: ﴿لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ فكان الطمع دخولا قال سعيد: فقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشر، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة، ثم قال: هلك من غلب وحدانه أعشاره. اه.
٤٨ - ﴿وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا﴾ من أهل النار كانوا عظماء في الدنيا، وهذا نداء آخر من بعض أصحاب الأعراف لبعض المستكبرين الذين كانوا يعتزون في الدنيا بغناهم وقوتهم، ويحتقرون ضعفاء المؤمنين لفقرهم وضعف عصبيتهم، أو لحرمانهم من عصبية تمنعم وتذود عنهم، ويزعمون أن من أغناه الله، وجعله قويا في الدنيا فهو الذي يكون له نعيم الآخرة كما قال تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلادًا وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٣٥)﴾. ومن هؤلاء زعماء قريش وطغاتها الذين قاوموا الإسلام في مكة، وعذبوا أهله كأبي جهل، والوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل.
أي: نادى أصحاب الأعراف رجالا من أهل النار ﴿يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ﴾؛ أي: يعرف أصحاب الأعراف أولئك الرجال بسيماهم وعلاماتهم كسواد الوجوه وزرقة
العيون وتشويه الخلق، واختار أبو مسلم أنهم يعرفونهم بسيماهم الخاصة التي كانوا عليها في الدنيا، وقيل: بسيما المستكبرين؛ إذ قد جاء في الأثر ما يدل على أن لمن تغلب عليهم رذيلة خاصة علامة تدل عليهم، فيعرفون بها، فقد روى البخاري: «يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة، وعلى وجه آزر قترة وغبرة، فيعرفه، فيشفع له، فلا تقبل شفاعته، ثم يمسخه الله ذئبا منتنا ليزول عن إبراهيم خزيه» فمسخه ذئبا مناسب لحماقته ونتن الشرك. وقوله: ﴿قالُوا﴾ بدل من ﴿نادى﴾؛ أي قال أصحاب الأعراف لأولئك الرجال وهم في النار: يا وليد بن المغيرة، ويا أبا جهل بن هشام، ويا أمية بن خلف مثلا ﴿ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ﴾؛ أي: أي شيء دفع عنكم جمعكم في الدنيا من المال والخدم والأتباع ﴿وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾؛ أي: وما أغنى عنكم استكباركم عن قبول الحق، وعلى الناس المحقين، والاستفهام فيه للتقريع والتوبيخ.
والخلاصة (١): أنهم نادوهم قائلين لهم: ما أغنى عنكم جمعكم للأموال والخدم، ولا استكباركم على المستضعفين والفقراء من أهل الإيمان؛ إذ لم يمنع عنكم العقاب، ولا أفادكم شيئا من الثواب. وقرىء: ﴿تستكثرون﴾ - بالثاء المثلثة - من الكثرة؛ أي: وما أغنى عنكم إكثاركم من الأموال والجند.
٤٩ - ثم زادوا لهم على هذا التبكيت بقولهم: ﴿أَهؤُلاءِ﴾ الضعفاء الذين عذبتموهم في الدنيا كصهيب وبلال وسلمان وخباب وعمار وأشباههم هم ﴿الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ﴾؛ أي: حلفتم في الدنيا يا معشر الكفار ﴿لا يَنالُهُمُ اللَّهُ﴾ تعالى ولا يصيبهم ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ منه؛ إذ لم يعطوا في الدنيا مثل ما أعطيتم من الأتباع والأشياع وكثرة الأموال؛ أي: أقسمتم في الدنيا لا يدخلهم الله الجنة في الآخرة، وقد دخلوا الجنة الآن على رغم أنوفكم. وقد قيل الآن من جهة الله لهؤلاء الذين أقسمتم على عدم دخولهم الجنة ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ بفضل الله تعالى، فهذا من بقية كلام أصحاب الأعراف، فهو خبر ثان عن اسم الاشارة؛ أي: أهؤلاء قد قيل لهم من
والخلاصة (١): أنهم نادوهم قائلين لهم: ما أغنى عنكم جمعكم للأموال والخدم، ولا استكباركم على المستضعفين والفقراء من أهل الإيمان؛ إذ لم يمنع عنكم العقاب، ولا أفادكم شيئا من الثواب. وقرىء: ﴿تستكثرون﴾ - بالثاء المثلثة - من الكثرة؛ أي: وما أغنى عنكم إكثاركم من الأموال والجند.
٤٩ - ثم زادوا لهم على هذا التبكيت بقولهم: ﴿أَهؤُلاءِ﴾ الضعفاء الذين عذبتموهم في الدنيا كصهيب وبلال وسلمان وخباب وعمار وأشباههم هم ﴿الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ﴾؛ أي: حلفتم في الدنيا يا معشر الكفار ﴿لا يَنالُهُمُ اللَّهُ﴾ تعالى ولا يصيبهم ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ منه؛ إذ لم يعطوا في الدنيا مثل ما أعطيتم من الأتباع والأشياع وكثرة الأموال؛ أي: أقسمتم في الدنيا لا يدخلهم الله الجنة في الآخرة، وقد دخلوا الجنة الآن على رغم أنوفكم. وقد قيل الآن من جهة الله لهؤلاء الذين أقسمتم على عدم دخولهم الجنة ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ بفضل الله تعالى، فهذا من بقية كلام أصحاب الأعراف، فهو خبر ثان عن اسم الاشارة؛ أي: أهؤلاء قد قيل لهم من
(١) المراغي.
جهة الله تعالى: ادخلوا الجنة ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾ من العذاب ﴿وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ على ما خلفتم في الدنيا، فظهر كذبكم في إقسامكم وحلفكم، ويدل على هذا المعنى قراءتان شاذتان: ﴿أدخلوا﴾ - بصيغة الماضي المبني للمفعول - من أدخل الرباعي، و ﴿دخلوا﴾، وعلى هاتين القراءتين تقع هذه الجملة خبرا، والتقدير: دخلوا الجنة مقولا فيهم: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ.
وقيل (١): إن أصحاب الأعراف لما قالوا لأهل النار ما قالوا.. قال لهم أهل النار: إن دخل هؤلاء الضعفاء، فأنتم لم تدخلوا الجنة، فلما عيروهم بذلك.. قيل لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، أي: لا خوف عليكم مما يكون في مستقبل أمركم، ولا أنتم تحزنون مما ينغص عليكم حاضركم. وقرأ الحسن وابن هرمز (٢): ﴿أدخلوا﴾ أمر من أدخل الرباعي؛ أي: أدخلوا أنفسكم، أو يكون خطابا للملائكة؛ أي: أدخلوا أيها الملائكة هؤلاء الضعفاء الجنة، ثم خاطب بعد للبشر بقوله: ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾. وقرأ عكرمة: ﴿دخلوا﴾ إخبارا بفعل ماض. وقرأ طلحة وابن وثاب والنخعي: ﴿ادخلوا﴾ خبرا مبنيا للمفعول كما ذكرنا هاتين القراءتين آنفا.
٥٠ - ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ﴾؛ أي: بقولهم صبوا علينا من الماء صبا كثيرا ﴿أَوْ﴾ ألقوا علينا ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى من ثمار الجنة، وأطعمونا منها. وهذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد، والجوع الشديد لأهل النار.
والمعنى: أن أهل النار يستغيثون بأهل الجنة ويطلبون منهم أن يفيضوا عليهم من النعم الكثيرة التي يتمتعون بها من شراب وطعام. وعن ابن عباس ينادي الرجل أخاه، فيقول: يا أخي أغثني، فإني قد احترقت، فأفض علي من الماء، فيقال: أجبه، فيقول: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ.
وقيل (١): إن أصحاب الأعراف لما قالوا لأهل النار ما قالوا.. قال لهم أهل النار: إن دخل هؤلاء الضعفاء، فأنتم لم تدخلوا الجنة، فلما عيروهم بذلك.. قيل لأصحاب الأعراف: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، أي: لا خوف عليكم مما يكون في مستقبل أمركم، ولا أنتم تحزنون مما ينغص عليكم حاضركم. وقرأ الحسن وابن هرمز (٢): ﴿أدخلوا﴾ أمر من أدخل الرباعي؛ أي: أدخلوا أنفسكم، أو يكون خطابا للملائكة؛ أي: أدخلوا أيها الملائكة هؤلاء الضعفاء الجنة، ثم خاطب بعد للبشر بقوله: ﴿لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾. وقرأ عكرمة: ﴿دخلوا﴾ إخبارا بفعل ماض. وقرأ طلحة وابن وثاب والنخعي: ﴿ادخلوا﴾ خبرا مبنيا للمفعول كما ذكرنا هاتين القراءتين آنفا.
٥٠ - ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ﴾؛ أي: بقولهم صبوا علينا من الماء صبا كثيرا ﴿أَوْ﴾ ألقوا علينا ﴿مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى من ثمار الجنة، وأطعمونا منها. وهذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد، والجوع الشديد لأهل النار.
والمعنى: أن أهل النار يستغيثون بأهل الجنة ويطلبون منهم أن يفيضوا عليهم من النعم الكثيرة التي يتمتعون بها من شراب وطعام. وعن ابن عباس ينادي الرجل أخاه، فيقول: يا أخي أغثني، فإني قد احترقت، فأفض علي من الماء، فيقال: أجبه، فيقول: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ.
(١) المراح.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
وعن أبي الدرداء (١): أنّ الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يزداد عذابهم، فيستغيثون، فيغاثون بالضريع - نبات رطبه يسمى شبرقا، ويابسه يسمى ضريعا - لا تقربه دابة لنتن ريحه - لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ - ثم يستغيثون، فيغاثون بطعام ذي غصة، ثم يذكرون ويستغيثون، فيدفع إليهم الحميم والصديد بكلاليب الحديد، فيقطع ما في بطونهم، ويستغيثون إلى أهل الجنة، فيقول أهل الجنة: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ، ويقولون لمالك: لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ، فيجيبهم بعد ألف عام، ويقولون: رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها، فيجيبهم الله سبحانه وتعالى بقوله: اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ، فعند ذلك ييأسون من كل خير، ويأخذون في الزفير والشهيق. وهذا طلب (٢) منهم مع علمهم باليأس من إجابته؛ إذ يعرفون دوام عقابهم، وأنه لا يفتر عنهم أبدا، ولكن اليائس من الشيء قد يطلبه كما قالوا في أمثالهم: الغريق يتعلق.
﴿قالُوا﴾؛ أي: قال أصحاب الجنة لأهل النار في جواب سؤالهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى قد ﴿حَرَّمَهُما﴾؛ أي قد حرم ماء الجنة ورزقها ﴿عَلَى الْكافِرِينَ﴾ كما حرم عليهم دخولها، فلا سبيل لإفاضة شيء منهما عليهم، وهم في النار، إذ ليس لهم إلا ماؤها الحميم، وطعامها من الضريع والزقوم. وقوله:
٥١ - ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا﴾؛ أي: باطلا ﴿وَلَعِبًا﴾؛ أي: فرحا صفة للكافرين؛ أي: الذين جعلوا اللهو واللعب دينا وديدنا لهم، فاللهو صرف الهم إلى ما لا يحسن أن يصرف إليه، واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ عن الآخرة؛ أي: شغلهم
الطمع في طول العمر، وحسن العيش، وكثرة المال، وقوة الجاه، ونيل الشهوات عن الاستعداد والتزود للآخرة.
والخلاصة: أن الدنيا شغلتهم بزخارفها العاجلة، وشهواتها الباطلة، فغرتهم
﴿قالُوا﴾؛ أي: قال أصحاب الجنة لأهل النار في جواب سؤالهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ سبحانه وتعالى قد ﴿حَرَّمَهُما﴾؛ أي قد حرم ماء الجنة ورزقها ﴿عَلَى الْكافِرِينَ﴾ كما حرم عليهم دخولها، فلا سبيل لإفاضة شيء منهما عليهم، وهم في النار، إذ ليس لهم إلا ماؤها الحميم، وطعامها من الضريع والزقوم. وقوله:
٥١ - ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا﴾؛ أي: باطلا ﴿وَلَعِبًا﴾؛ أي: فرحا صفة للكافرين؛ أي: الذين جعلوا اللهو واللعب دينا وديدنا لهم، فاللهو صرف الهم إلى ما لا يحسن أن يصرف إليه، واللعب طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب به ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾ عن الآخرة؛ أي: شغلهم
الطمع في طول العمر، وحسن العيش، وكثرة المال، وقوة الجاه، ونيل الشهوات عن الاستعداد والتزود للآخرة.
والخلاصة: أن الدنيا شغلتهم بزخارفها العاجلة، وشهواتها الباطلة، فغرتهم
(١) المراغي والمراح.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
وضرتهم، وهي من شأنها أن تغر وتضر وتمر، ثم ذكر عاقبة أمرهم، فقال: ﴿فَالْيَوْمَ﴾؛ أي: في هذا اليوم الحاضر يعني: يوم القيامة ﴿نَنْساهُمْ﴾؛ أي: نتركهم في النار ﴿كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا﴾؛ أي: كما تركوا هم في الدنيا الاستعداد والتزود للقاء يومهم هذا؛ أي: نتركهم في عذابهم تركا مثل تركهم العمل للقاء يومهم هذا، أو المعنى: نعاملهم معاملة من نسي، فنتركهم في النار؛ لأنهم أعرضوا عن آياتنا، والمراد من هذا النسيان: أن الله سبحانه وتعالى لا يجيب دعاءهم، ولا يرحمهم، بل يتركهم في النار كما تركوا العمل وقوله: ﴿وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ﴾ معطوف على ﴿ما نسوا﴾؛ أي: كَما نَسُوا وك ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ؛ أي: ينكرونها؛ أي: وكما كانوا منكرين أن الآيات من عند الله إنكارا مستمرا، ورفضوا ما جاءت به رسله ظلما وعلوا.
والخلاصة: فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله وحججه التي احتج بها عليهم الأنبياء والرسل يجحدون، ولا يصدقون بشيء منها. ويجوز (١) أن تكون الكاف للتعليل، أي: نتركهم في النار لأجل نسيانهم وجحودهم بآياتنا، والتعليل واضح في المعطوف دون التشبيه.
٥٢ - ﴿وَلَقَدْ جِئْناهُمْ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد جئنا هؤلاء الكفار من مشركي مكة وغيرهم ﴿بِكِتابٍ﴾؛ أي: بقرآن كريم أنزلناه عليك يا محمد ﴿وفَصَّلْناهُ﴾؛ أي: بينا حلاله وحرامه، ومواعظه وقصصه حالة كوننا ﴿عَلى عِلْمٍ﴾ منا بما فيه من العقائد والأحكام وغيرها؛ أي: عالمين بكيفية تفصيل أحكامه، أو المعنى: حالة كون ذلك الكتاب مشتملا على علم كثير، وفضل كثير مختلف، وقد نظم بعضهم الأنواع التسعة التي اشتمل عليها القرآن في قوله:
وقرأ ابن محيصن والجحدري (٢): ﴿فضلناه﴾ - بالضاد المنقوطة - والمعنى:
والخلاصة: فاليوم نتركهم في العذاب كما تركوا العمل في الدنيا للقاء الله يوم القيامة، وكما كانوا بآيات الله وحججه التي احتج بها عليهم الأنبياء والرسل يجحدون، ولا يصدقون بشيء منها. ويجوز (١) أن تكون الكاف للتعليل، أي: نتركهم في النار لأجل نسيانهم وجحودهم بآياتنا، والتعليل واضح في المعطوف دون التشبيه.
٥٢ - ﴿وَلَقَدْ جِئْناهُمْ﴾؛ أي: وعزتي وجلالي لقد جئنا هؤلاء الكفار من مشركي مكة وغيرهم ﴿بِكِتابٍ﴾؛ أي: بقرآن كريم أنزلناه عليك يا محمد ﴿وفَصَّلْناهُ﴾؛ أي: بينا حلاله وحرامه، ومواعظه وقصصه حالة كوننا ﴿عَلى عِلْمٍ﴾ منا بما فيه من العقائد والأحكام وغيرها؛ أي: عالمين بكيفية تفصيل أحكامه، أو المعنى: حالة كون ذلك الكتاب مشتملا على علم كثير، وفضل كثير مختلف، وقد نظم بعضهم الأنواع التسعة التي اشتمل عليها القرآن في قوله:
حلال حرام محكم متشابه | بشير نذير قصّة عظة مثل |
(١) زاده.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
فضلناه على جميع الكتب عالمين بأنه أهل للتفضيل عليها حالة كون ذلك الكتاب ﴿هُدىً﴾؛ أي: هاديا من الضلالة إلى الرشد ﴿وَرَحْمَةً﴾؛ أي: وذا رحمة ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ به، ويعملون بما فيه من الأحكام، أو فصلناه لأجل الهداية والرحمة للمؤمنين. وقرىء ﴿هدى ورحمة﴾ - بالرفع؛ أي: هو هدى ورحمة لهم. وقرأ زيد بن علي: ﴿هدى ورحمة﴾ بالخفض على البدل من ﴿كتاب﴾، أو النعت، وعلى النعت لـ ﴿كتاب﴾ خرجه الكسائي والفراء رحمهما الله تعالى.
وحاصل المعنى: ولقد (١) جئنا هؤلاء القوم بكتاب كامل البيان؛ وهو القرآن فصلنا آياته تفصيلا على علم منا بما يحتاج إليه المكلفون من العلم والعمل تزكية لنفوسهم، وتطهيرا لقلوبهم، وجعلناه سبب سعادتهم في معاشهم ومعادهم، وهدى ورحمة لمن يؤمن به إيمانا يبعثه على العمل بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه. انظر إليه تجده قد أوضح أصول الدين العامة بما لا يطلب معه زيادة لمستزيد، فنعى على المقلدين الأخذ بآراء من تقدمهم من آبائهم ورؤسائهم دون بحث ولا تمحيص في مثل قوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ وكرر القول ببطلان التقليد وضلال المقلدين، وحث على النظر والاستدلال، والاعتماد على البرهان في مثل قوله: ﴿قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ وبهذا كان الإسلام دين العقل والفطرة، وينبوع الهدى والحكمة.
٥٣ - والاستفهام في قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ إنكاري؛ أي: ما ينتظر هؤلاء الكفار من أهل مكة وغيرهم إذ أعرضوا عن الإيمان به ﴿إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ وتفسيره؛ أي: إلا عاقبة ما وعدوا به في القرآن من حلول العذاب بهم يوم القيامة؛ أي ليس أمامهم شيء ينتظرونه في أمره إلا وقوع تأويله، وهو وقوع ما أخبر به من أمر الغيب الذي يقع في المستقبل في الدنيا، ثم في الآخرة مما وعد به المؤمنين من نصر وثواب، وأوعد به الكافرين من خذلان وعقاب.
وحاصل المعنى: ولقد (١) جئنا هؤلاء القوم بكتاب كامل البيان؛ وهو القرآن فصلنا آياته تفصيلا على علم منا بما يحتاج إليه المكلفون من العلم والعمل تزكية لنفوسهم، وتطهيرا لقلوبهم، وجعلناه سبب سعادتهم في معاشهم ومعادهم، وهدى ورحمة لمن يؤمن به إيمانا يبعثه على العمل بما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه. انظر إليه تجده قد أوضح أصول الدين العامة بما لا يطلب معه زيادة لمستزيد، فنعى على المقلدين الأخذ بآراء من تقدمهم من آبائهم ورؤسائهم دون بحث ولا تمحيص في مثل قوله: ﴿إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ﴾ وكرر القول ببطلان التقليد وضلال المقلدين، وحث على النظر والاستدلال، والاعتماد على البرهان في مثل قوله: ﴿قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ وبهذا كان الإسلام دين العقل والفطرة، وينبوع الهدى والحكمة.
٥٣ - والاستفهام في قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ إنكاري؛ أي: ما ينتظر هؤلاء الكفار من أهل مكة وغيرهم إذ أعرضوا عن الإيمان به ﴿إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ وتفسيره؛ أي: إلا عاقبة ما وعدوا به في القرآن من حلول العذاب بهم يوم القيامة؛ أي ليس أمامهم شيء ينتظرونه في أمره إلا وقوع تأويله، وهو وقوع ما أخبر به من أمر الغيب الذي يقع في المستقبل في الدنيا، ثم في الآخرة مما وعد به المؤمنين من نصر وثواب، وأوعد به الكافرين من خذلان وعقاب.
(١) المراغي.
343
روي عن الربيع بن حسن أنه قال (١): لا يزال يقع من تأويله أمر حتى يتم تأويله يوم القيامة حين يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فيتم تأويله يومئذ. ﴿يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾؛ أي: يوم يأتي عاقبة ما وعد لهم في القرآن، وهو يوم القيامة، وهو ظرف لقوله: ﴿يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ﴾؛ أي: تركوا القرآن، وأعرضوا عن الايمان به ﴿مِنْ قَبْلُ﴾؛ أي: من قبل أن يأتي تأويله، والمعنى (٢): إن الذين تركوا الإيمان بالقرآن في الدنيا يقولون يوم القيامة: ﴿قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ﴾ الذي أرسلهم الله تعالى به إلينا، وكذبناهم؛ أي: أنهم أقروا يوم القيامة بأن ما جاءت به الرسل من ثبوت البعث والنشر، والحشر والقيامة، والثواب والعقاب كل ذلك كان حقا، وقوله: ﴿فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ﴾: استفهام معناه التمني ﴿فَيَشْفَعُوا لَنا﴾ اليوم من العذاب ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ إلى الدنيا ﴿فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾؛ أي: أو يردنا الله إلى الدنيا حتى نوحده بدل ما أشركنا به، أو نطيعه بدل ما عصيناه، والمعنى: نتمنى وجود الشفعاء، فشفاعتهم لنا من العذاب، أو ردنا إلى الدنيا، فعملنا عملا غير الذي كنا علمناه أولا، فيقال لهم في جواب الاستفهامين: لا. وقال الشوكاني: ومعنى الآية (٣): هل لنا شفعاء يخلصونا مما نحن فيه من العذاب، أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل صالحا غير ما كنا نعمل من المعاصي.
والحاصل: أنهم (٤) يتمنون الخلاص بكل وسيلة ممكنة؛ إما بشفاعة الشفعاء، وإما بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا فيها غير ما كانوا يعملون في حياتهم الأولى، فيكونون أهلا لمرضاة ربهم. وإنما تمنوا الشفعاء وتساءلوا عنهم من حيث كان من أسس الشرك أن النجاة عند الله إنما تكون بوساطة الشفعاء، وعندما يستبين لهم الحق الذي جاءت به الرسل؛ وهو أن النجاة إنما تكون بالإيمان
والحاصل: أنهم (٤) يتمنون الخلاص بكل وسيلة ممكنة؛ إما بشفاعة الشفعاء، وإما بالرجوع إلى الدنيا ليعملوا فيها غير ما كانوا يعملون في حياتهم الأولى، فيكونون أهلا لمرضاة ربهم. وإنما تمنوا الشفعاء وتساءلوا عنهم من حيث كان من أسس الشرك أن النجاة عند الله إنما تكون بوساطة الشفعاء، وعندما يستبين لهم الحق الذي جاءت به الرسل؛ وهو أن النجاة إنما تكون بالإيمان
(١) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) فتح القدير.
(٤) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) فتح القدير.
(٤) المراغي.
344
الصحيح والعمل الصالح.. يتمنون لو يردون إلى الدنيا؛ ليعملوا بما أمرهم به الرسل.
وقرأ الجمهور (١): ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ - برفع الدال - ﴿فَنَعْمَلَ﴾ - بنصب اللام - عطف جملة فعلية على جملة اسمية، وتقدمهما استفهام، فانتصب الجوابان؛ أي: هل شفعاء لنا فيشفعوا لنا في الخلاص من العذاب، أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل عملا صالحا. وقرأ الحسن فيما نقل الزمخشري بنصب الدال ورفع اللام. وقرأ الحسن فيما نقل ابن عطية وغيره برفعهما: عطف ﴿فَنَعْمَلَ﴾ على ﴿نُرَدُّ﴾. وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو حيوة بنصبهما، فنصب ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ عطفا على ﴿فَيَشْفَعُوا لَنا﴾ جوابا على جواب، فيكون الشفعاء في أحد أمرين؛ إما في الخلاص من العذاب، وإما في الرد إلى الدنيا لاستئناف العمل الصالح، وتكون الشفاعة قد انسحبت على الرد، أو الخلاص، و ﴿فَنَعْمَلَ﴾ عطف على: ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾، ويحتمل أن يكون ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ من باب لألزمنك أو تقضيني حقي، على تقدير من قدر ذلك: حتى تقضيني حقي، أو كي تقضيني حقي، فجعل اللزوم مغيا بقضاء حقه، أو معلولا له لقضاء حقه، وتكون الشفاعة إذ ذاك في الرد فقط.
قال تعالى: ﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾؛ أي: خسروا وغبنوا في تجارة أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا بالنفيس الباقي من الآخرة ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾؛ أي: بطل وذهب وغاب عنهم ما كانوا يزعمون ويكذبون في الدنيا من أن الأصنام تشفع لهم، فلما أفضوا إلى الآخرة ذهب ذلك عنهم وعلموا أنهم في دعواهم كانوا كاذبين، والمعنى: أنه بطل كذبهم وافتراؤهم الذي كانوا يقولونه في الدنيا، أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكا لله، فلم ينفعهم ولا حضر معهم.
وخلاصة ذلك: أنهم قد خسروا أنفسهم بتدنيسها بالشرك والمعاصي وعدم تزكيتهما بلفضائل والأعمال الصالحة فخسروا حظوظهما فيها وبطل كذبهم الذي
وقرأ الجمهور (١): ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ - برفع الدال - ﴿فَنَعْمَلَ﴾ - بنصب اللام - عطف جملة فعلية على جملة اسمية، وتقدمهما استفهام، فانتصب الجوابان؛ أي: هل شفعاء لنا فيشفعوا لنا في الخلاص من العذاب، أو هل نرد إلى الدنيا فنعمل عملا صالحا. وقرأ الحسن فيما نقل الزمخشري بنصب الدال ورفع اللام. وقرأ الحسن فيما نقل ابن عطية وغيره برفعهما: عطف ﴿فَنَعْمَلَ﴾ على ﴿نُرَدُّ﴾. وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو حيوة بنصبهما، فنصب ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ عطفا على ﴿فَيَشْفَعُوا لَنا﴾ جوابا على جواب، فيكون الشفعاء في أحد أمرين؛ إما في الخلاص من العذاب، وإما في الرد إلى الدنيا لاستئناف العمل الصالح، وتكون الشفاعة قد انسحبت على الرد، أو الخلاص، و ﴿فَنَعْمَلَ﴾ عطف على: ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾، ويحتمل أن يكون ﴿أَوْ نُرَدُّ﴾ من باب لألزمنك أو تقضيني حقي، على تقدير من قدر ذلك: حتى تقضيني حقي، أو كي تقضيني حقي، فجعل اللزوم مغيا بقضاء حقه، أو معلولا له لقضاء حقه، وتكون الشفاعة إذ ذاك في الرد فقط.
قال تعالى: ﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾؛ أي: خسروا وغبنوا في تجارة أنفسهم حيث ابتاعوا الخسيس الفاني من الدنيا بالنفيس الباقي من الآخرة ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾؛ أي: بطل وذهب وغاب عنهم ما كانوا يزعمون ويكذبون في الدنيا من أن الأصنام تشفع لهم، فلما أفضوا إلى الآخرة ذهب ذلك عنهم وعلموا أنهم في دعواهم كانوا كاذبين، والمعنى: أنه بطل كذبهم وافتراؤهم الذي كانوا يقولونه في الدنيا، أو غاب عنهم ما كانوا يجعلونه شريكا لله، فلم ينفعهم ولا حضر معهم.
وخلاصة ذلك: أنهم قد خسروا أنفسهم بتدنيسها بالشرك والمعاصي وعدم تزكيتهما بلفضائل والأعمال الصالحة فخسروا حظوظهما فيها وبطل كذبهم الذي
(١) البحر المحيط.
345
كانوا يفترونه على الله، أو غاب عنهم ما كانوا يعبدونه من الأصنام.
٥٤ - ثم ذكر سبحانه وتعالى دلائل القدرة والوحدانية، فقال: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ﴾ أيها العباد وخالقكم ومعبودكم الذي يستحق منكم العبادة هو ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود بحق في الوجود المنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وأوجد ﴿السَّماواتِ﴾ السبع ﴿وَالْأَرْضَ﴾ على غير مثال سابق فِي مقدار ﴿سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من أيام الدنيا التي أولها الأحد، وآخرها الجمعة، وإنما خلقها في ستة أيام مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة بأن يقول لها: كوني فتكون؛ ليعلم عباده الرفق والتأني والتثبت في الأمور، وعدم العجلة، وفي آية أخرى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)﴾. ﴿ثُمَّ﴾ بعد خلق السموات والأرض وما بينهما ﴿اسْتَوى﴾؛ أي: علا وارتفع سبحانه وتعالى ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ استواء يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تعطيل نثبته، ونؤمن به على الوجه الذي يليق به مع تنزيهه عما لا يجوز عليه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ والإيمان بذلك غير موقوف على معرفة حقيقته وكيفيته، فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم، والأئمة من بعضهم لم يشتبه أحد منهم فيه.
وقد أثر عن ربيعة شيخ الإمام مالك أنه سئل عن قوله: ﴿اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. وقال الحافظ بن حجر: مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه. وقال نعيم بن حماد شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه.. فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت ما وردت به الآثار الصريحة والأخبار الصحيحية على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله النقائص... فقد سلك سبيل الهدى. انتهى.
وقال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان
٥٤ - ثم ذكر سبحانه وتعالى دلائل القدرة والوحدانية، فقال: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ﴾ أيها العباد وخالقكم ومعبودكم الذي يستحق منكم العبادة هو ﴿اللَّهُ﴾؛ أي: المعبود بحق في الوجود المنفرد في ذاته وصفاته وأفعاله ﴿الَّذِي خَلَقَ﴾ وأوجد ﴿السَّماواتِ﴾ السبع ﴿وَالْأَرْضَ﴾ على غير مثال سابق فِي مقدار ﴿سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من أيام الدنيا التي أولها الأحد، وآخرها الجمعة، وإنما خلقها في ستة أيام مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة بأن يقول لها: كوني فتكون؛ ليعلم عباده الرفق والتأني والتثبت في الأمور، وعدم العجلة، وفي آية أخرى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨)﴾. ﴿ثُمَّ﴾ بعد خلق السموات والأرض وما بينهما ﴿اسْتَوى﴾؛ أي: علا وارتفع سبحانه وتعالى ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ استواء يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تعطيل نثبته، ونؤمن به على الوجه الذي يليق به مع تنزيهه عما لا يجوز عليه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ والإيمان بذلك غير موقوف على معرفة حقيقته وكيفيته، فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم، والأئمة من بعضهم لم يشتبه أحد منهم فيه.
وقد أثر عن ربيعة شيخ الإمام مالك أنه سئل عن قوله: ﴿اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. وقال الحافظ بن حجر: مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه. وقال نعيم بن حماد شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه.. فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه، فمن أثبت ما وردت به الآثار الصريحة والأخبار الصحيحية على الوجه الذي يليق بجلال الله، ونفى عن الله النقائص... فقد سلك سبيل الهدى. انتهى.
وقال الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان
346
به واجب، والسؤال عنه بدعة. وقال الإمام أحمد رحمه الله: أخبار الصفات تمر كما جاءت بلا تشبيه ولا تعطيل، فلا يقال: كيف ولم نؤمن بأن الله على العرش كيف شاء، وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف، أو يحدها حاد، نقرأ الآية والخبر ونؤمن بما فيهما، ونكل الكيفية في الصفات إلى علم الله عز وجل. وقال القرطبي: لم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة، وإنما جهلوا كيفية الاستواء، فإنه لا تعلم حقيقته.
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة صفة عرش الرحمن، وإحاطته بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما، وهو المراد هنا. وقوله: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾؛ أي: يجعل الليل كالغشاء والغطاء للنهار، فيغطي بظلمته ضوء النهار جملة حالية من فاعل ﴿اسْتَوى﴾؛ أي: استوى سبحانه وتعالى على العرش حالة كونه مغشيا الليل النهار. وقوله: ﴿يَطْلُبُهُ﴾؛ أي: يطلب الليل النهار طلبا ﴿حَثِيثًا﴾ حال من الليل ﴿اللَّيْلَ﴾؛ أي: حالة كون الليل طالبا للنهار طلبا حثيثا؛ أي: طلبا سريعا لا يفتر عنه بحال؛ أي: مسرعا.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ﴿يغشّي﴾ بالتشديد من باب فعل المضعف. وقرأ الباقون بالتخفيف من باب أفعل، وهما لغتان، يقال: أغشى يغشي إغشاء، وغشى يغشي تغشية، ولم يذكر في هذه الآية، ويغشي النهار الليل اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر على حد ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾. وقرأ حميد بن قيس: ﴿يغشى الليل النهار﴾: على إسناد الفعل إلى الليل. وقوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ﴾ قال الأخفش: معطوف على ﴿السَّماواتِ﴾ ﴿مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ﴾ حال منها؛ أي: وخلق الشمس والقمر والنجوم حالة كونها مذللات بأمره وإرادته، خاضعات لتصرفه، منقادات لحكمه، جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره. وقرأ ابن عامر بالرفع في الأربعة على الابتداء والخبر، وقرأ أبان بن تغلب برفع والنجوم مسخرات فقط على الابتداء والخبر. ﴿أَلا﴾؛ أي: انتبهوا أيها العباد ﴿لَهُ﴾: سبحانه وتعالى لا لغيره ﴿الْخَلْقُ﴾؛ أي: الإيجاد والاختراع، فهو الخالق لجميع المخلوقات علويها وسفليها المالك لذواتها ﴿وَ﴾ له سبحانه وتعالى أيضا لا لغيره
وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة صفة عرش الرحمن، وإحاطته بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما، وهو المراد هنا. وقوله: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾؛ أي: يجعل الليل كالغشاء والغطاء للنهار، فيغطي بظلمته ضوء النهار جملة حالية من فاعل ﴿اسْتَوى﴾؛ أي: استوى سبحانه وتعالى على العرش حالة كونه مغشيا الليل النهار. وقوله: ﴿يَطْلُبُهُ﴾؛ أي: يطلب الليل النهار طلبا ﴿حَثِيثًا﴾ حال من الليل ﴿اللَّيْلَ﴾؛ أي: حالة كون الليل طالبا للنهار طلبا حثيثا؛ أي: طلبا سريعا لا يفتر عنه بحال؛ أي: مسرعا.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: ﴿يغشّي﴾ بالتشديد من باب فعل المضعف. وقرأ الباقون بالتخفيف من باب أفعل، وهما لغتان، يقال: أغشى يغشي إغشاء، وغشى يغشي تغشية، ولم يذكر في هذه الآية، ويغشي النهار الليل اكتفاء بأحد الأمرين عن الآخر على حد ﴿سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾. وقرأ حميد بن قيس: ﴿يغشى الليل النهار﴾: على إسناد الفعل إلى الليل. وقوله: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ﴾ قال الأخفش: معطوف على ﴿السَّماواتِ﴾ ﴿مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ﴾ حال منها؛ أي: وخلق الشمس والقمر والنجوم حالة كونها مذللات بأمره وإرادته، خاضعات لتصرفه، منقادات لحكمه، جاريات بمقتضى حكمته وتدبيره. وقرأ ابن عامر بالرفع في الأربعة على الابتداء والخبر، وقرأ أبان بن تغلب برفع والنجوم مسخرات فقط على الابتداء والخبر. ﴿أَلا﴾؛ أي: انتبهوا أيها العباد ﴿لَهُ﴾: سبحانه وتعالى لا لغيره ﴿الْخَلْقُ﴾؛ أي: الإيجاد والاختراع، فهو الخالق لجميع المخلوقات علويها وسفليها المالك لذواتها ﴿وَ﴾ له سبحانه وتعالى أيضا لا لغيره
347
﴿الْأَمْرُ﴾؛ أي: التصرف والتدبير في جميعها؛ إذ هو المال لها لا شريك له فيها.
وفي معنى الآية قوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ وقوله: ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ وقوله: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ وجاءت هذه الجملة توكيدا لما قبلها؛ لبيان أنه هو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي دبرهما وصرفهما بحسب إرادته.
ولما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية خلق السموات والأرض في ذلك الأمد اليسير، ثم ذكر استواءه على عرشه، وتسخير الشمس والقمر والنجوم، وأن له الخلق والأمر.. قال: ﴿تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾؛ أي: تزايد خيره وبره، وكثرت بركته وإحسانه، وعم نواله وإنعامه. وقال الأزهري: معنى: ﴿تَبارَكَ﴾ تعالى وتعاظم؛ أي: تعالى الله مالك العالمين بوحدانيته وألوهيته، وتعاظم بربوبيته وصفاته، وأن كل ما في هذا العالم من الخيرات الكثيرة، والنعم العظيم؛ فهو منه، فيجب على عباده أن يشكروه عليها ويعبدوه دون غيره مما عبدوه معه، وليس له من الخلق ولا من الأمر شيء. وفي هذه الآية رد على من يقول من أهل الضلال: إن للشمس والقمر والكواكب تأثيرات في هذا العالم.
٥٥ - ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾؛ أي: اسألوا أيها العباد ربكم، ومتولي أموركم، وخالقكم حال كونكم ﴿تَضَرُّعًا﴾؛ أي: متضرعين متذللين وخاضعين له ومبتهلين إليه ﴿وَ﴾ حالة كونكم ﴿خُفْيَةً﴾؛ أي: مخفين ومسرين دعاءكم عن غيركم، أو هما صفتان لمصدر محذوف؛ أي: ادعوه دعاء تضرع، ودعاء خفية، والتضرع: الذلة والخشوع والاستكانة، والخفية: الإسرار به، فإن ذلك أقطع لعرق الرياء، وأحسن لباب من يخالف الإخلاص. وقرأ الجمهور بضم خاء ﴿وَخُفْيَةً﴾، وقرأ أبو بكر بكسرها؛ وهما لغتان.
وفي هذا إيماء إلى أن الإخفاء في الدعاء أفضل إن لم يكن وجبا، ويدل على ذلك وجوه:
وفي معنى الآية قوله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾ وقوله: ﴿فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ﴾ وقوله: ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ﴾ وجاءت هذه الجملة توكيدا لما قبلها؛ لبيان أنه هو الذي خلق السموات والأرض، وهو الذي دبرهما وصرفهما بحسب إرادته.
ولما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية خلق السموات والأرض في ذلك الأمد اليسير، ثم ذكر استواءه على عرشه، وتسخير الشمس والقمر والنجوم، وأن له الخلق والأمر.. قال: ﴿تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ﴾؛ أي: تزايد خيره وبره، وكثرت بركته وإحسانه، وعم نواله وإنعامه. وقال الأزهري: معنى: ﴿تَبارَكَ﴾ تعالى وتعاظم؛ أي: تعالى الله مالك العالمين بوحدانيته وألوهيته، وتعاظم بربوبيته وصفاته، وأن كل ما في هذا العالم من الخيرات الكثيرة، والنعم العظيم؛ فهو منه، فيجب على عباده أن يشكروه عليها ويعبدوه دون غيره مما عبدوه معه، وليس له من الخلق ولا من الأمر شيء. وفي هذه الآية رد على من يقول من أهل الضلال: إن للشمس والقمر والكواكب تأثيرات في هذا العالم.
٥٥ - ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾؛ أي: اسألوا أيها العباد ربكم، ومتولي أموركم، وخالقكم حال كونكم ﴿تَضَرُّعًا﴾؛ أي: متضرعين متذللين وخاضعين له ومبتهلين إليه ﴿وَ﴾ حالة كونكم ﴿خُفْيَةً﴾؛ أي: مخفين ومسرين دعاءكم عن غيركم، أو هما صفتان لمصدر محذوف؛ أي: ادعوه دعاء تضرع، ودعاء خفية، والتضرع: الذلة والخشوع والاستكانة، والخفية: الإسرار به، فإن ذلك أقطع لعرق الرياء، وأحسن لباب من يخالف الإخلاص. وقرأ الجمهور بضم خاء ﴿وَخُفْيَةً﴾، وقرأ أبو بكر بكسرها؛ وهما لغتان.
وفي هذا إيماء إلى أن الإخفاء في الدعاء أفضل إن لم يكن وجبا، ويدل على ذلك وجوه:
348
١ - أنه تعالى أثنى على زكريا، فقال: ﴿إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣)﴾؛ أي: أنه أخفاه عن العباد، وأخلصه لله، وانقطع به إليه.
٢ - روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي ﷺ في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّا ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم» رواه مسلم.
٣ - روي أنه ﷺ قال: «دعوة في السر تعدل سبعين دعوة في العلانية» وقال: «خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي».
٤ - روي عن الحسن البصري أنه قال: إن كان الرجل لقد جمع، وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير، وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعند الزور، وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ اه.
٥ - أن النفس شديدة الرغبة في الرياء والسمعة، فإذا رفع المرء صوته بالدعاء امتزج الرياء به، فلا يبقى فيه فائدة البتة، ومن ثم كان الأولى الإخفاء؛ ليبقى مصونا عن الرياء.
وفصل بعض العلماء، فقال: إن التضرع بالجهر المعتدل يحسن في حال الخلوة والأمن من رؤية الناس للداعي، ومن سماعهم لصوته، فلا جهره يؤذيهم، ولا الفكر فيهم يشغله عن التوجه إلى الرب وحده، أو يفسد عليه دعاءه بحب الرياء والسمعة، ويحسن الإسرار في حال اجتماع الناس في المساجد والمشاعر وغيرها إلا ما ورد فيه رفع الصوت من الجميع كالتلبية في الحج، وتكبير العيدين. وإذا كان الليل سترا ولباسا شرع فيه الجهر في قراءة الصلاة إلى أنه
٢ - روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع النبي ﷺ في سفر، فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمّا ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، وهو معكم» رواه مسلم.
٣ - روي أنه ﷺ قال: «دعوة في السر تعدل سبعين دعوة في العلانية» وقال: «خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي».
٤ - روي عن الحسن البصري أنه قال: إن كان الرجل لقد جمع، وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير، وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الطويلة في بيته وعند الزور، وما يشعرون به، ولقد أدركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله تعالى يقول: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ اه.
٥ - أن النفس شديدة الرغبة في الرياء والسمعة، فإذا رفع المرء صوته بالدعاء امتزج الرياء به، فلا يبقى فيه فائدة البتة، ومن ثم كان الأولى الإخفاء؛ ليبقى مصونا عن الرياء.
وفصل بعض العلماء، فقال: إن التضرع بالجهر المعتدل يحسن في حال الخلوة والأمن من رؤية الناس للداعي، ومن سماعهم لصوته، فلا جهره يؤذيهم، ولا الفكر فيهم يشغله عن التوجه إلى الرب وحده، أو يفسد عليه دعاءه بحب الرياء والسمعة، ويحسن الإسرار في حال اجتماع الناس في المساجد والمشاعر وغيرها إلا ما ورد فيه رفع الصوت من الجميع كالتلبية في الحج، وتكبير العيدين. وإذا كان الليل سترا ولباسا شرع فيه الجهر في قراءة الصلاة إلى أنه
349
يطرد الوسواس، ويقاوم فتور النعاس، ويعين على تدبر القرآن، وبكاء الخشوع للرحمن لدى المتهجدين في خلواتهم.
وقال الشيخ محمد بن عيسى الحكيم الترمذي: إن كان خائفا على نفسه من الرياء.. فالأولى إخفاء العمل صونا لعمله عن البطلان، وإن كان قد بلغ في الصفاء وقوة اليقين إلى حيث صار آمنا عن شائبة الرياء.. كان الأولى في حقه الإظهار لتحصل فائدة الاقتداء به. ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى. قرأ ابن أبي عبلة ﴿إن الله﴾ جعل مكان المضمر المظهر. ذكره أبو حيان. ﴿لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾؛ أي: المجاوزين لما أمروا به في الدعاء بترك هذين الأمرين التضرع والإخفاء، وفي كل شيء، فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء.. فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين؛ أي: لا يثيبه البتة، ولا يحسن إليه، وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولا أوليا، ومن الاعتداء (١) في الدعاء أن يسأل الداعي ما ليس له كالخلود في الدنيا، أو إدراك ما هو محال في نفسه، أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة، أو يرفع صوته بالدعاء صارخا به.
وعن النبي ﷺ (٢): «سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وحسب المرء أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل» ثم قرأ: ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه..
وللاعتداء في الدعاء مظاهر شتى (٣):
١ - اعتداء خاص بالألفاظ كالمبالغة في رفع الصوت، والتكلف في صيغ الدعاء.
وقال الشيخ محمد بن عيسى الحكيم الترمذي: إن كان خائفا على نفسه من الرياء.. فالأولى إخفاء العمل صونا لعمله عن البطلان، وإن كان قد بلغ في الصفاء وقوة اليقين إلى حيث صار آمنا عن شائبة الرياء.. كان الأولى في حقه الإظهار لتحصل فائدة الاقتداء به. ﴿إِنَّهُ﴾ سبحانه وتعالى. قرأ ابن أبي عبلة ﴿إن الله﴾ جعل مكان المضمر المظهر. ذكره أبو حيان. ﴿لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾؛ أي: المجاوزين لما أمروا به في الدعاء بترك هذين الأمرين التضرع والإخفاء، وفي كل شيء، فمن جاوز ما أمره الله به في شيء من الأشياء.. فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين؛ أي: لا يثيبه البتة، ولا يحسن إليه، وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولا أوليا، ومن الاعتداء (١) في الدعاء أن يسأل الداعي ما ليس له كالخلود في الدنيا، أو إدراك ما هو محال في نفسه، أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة، أو يرفع صوته بالدعاء صارخا به.
وعن النبي ﷺ (٢): «سيكون قوم يعتدون في الدعاء، وحسب المرء أن يقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل» ثم قرأ: ﴿إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾. أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه..
وللاعتداء في الدعاء مظاهر شتى (٣):
١ - اعتداء خاص بالألفاظ كالمبالغة في رفع الصوت، والتكلف في صيغ الدعاء.
(١) الشوكاني.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
350
٢ - اعتداء خاص بالمعنى؛ وهو طلب غير المشروع من وسائل المعاصي ومقاصدها كضرر العباد، وطلب إبطال سنن الله في الخلق، أو تبديلها كطلب النصر على الأعداء مع ترك وسائله كأنواع السلاح والعتاد، وطلب الغنى بلا كسب، وطلب المغفرة مع الإصرار على الذنب مع أن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾.
٣ - اعتداء بالتوجه فيه إلى غير الله تعالى؛ ليشفع له عنده، وهذا شر أنواع الاعتداء كما قال: ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ ومن طلب ذلك من غير الله.. فقد اتخذه إلها؛ لأن الإله هو المعبود كما روى أحمد عن النعمان بن بشير أن النبي ﷺ قال: «الدعاء هو العبادة» وروى الترمذي عن أنس مرفوعا: «الدعاء مخ العبادة» وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله لي الوسيلة»، قالوا: وما الوسيلة؟ قال: «القرب من الله عز وجل»، ثم قرأ: ﴿يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ وابتغاء ذلك يكون بدعائه وعبادته بما شرعه على لسان رسوله دون غيره.
فائدة أخرى: وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب «الدعاء» (١)، والخطيب في «تاريخه» عن الحسن بن علي قال: أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية في كل ليلة أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم، ومن كل شيطان مريد، ومن كل سبع ضاري، ومن كل لص عادي: آية الكرسي، وثلاث آيات من الأعراف: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾، وعشرا من أول سورة الصافات، وثلاث آيات من الرحمن أولها: ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾، وخاتمة الحشر. وأخرج أبو الشيخ بن عبيد بن أبي مرزوق قال: من قرأ عند نومه: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ...﴾ الآية.. بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح، وعوفي من السرق.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال: مرض رجل من أهل المدينة، فجاءه زمرة من أصحابه يعودونه، فقرأ رجل منهم:
٣ - اعتداء بالتوجه فيه إلى غير الله تعالى؛ ليشفع له عنده، وهذا شر أنواع الاعتداء كما قال: ﴿فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ ومن طلب ذلك من غير الله.. فقد اتخذه إلها؛ لأن الإله هو المعبود كما روى أحمد عن النعمان بن بشير أن النبي ﷺ قال: «الدعاء هو العبادة» وروى الترمذي عن أنس مرفوعا: «الدعاء مخ العبادة» وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله لي الوسيلة»، قالوا: وما الوسيلة؟ قال: «القرب من الله عز وجل»، ثم قرأ: ﴿يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ وابتغاء ذلك يكون بدعائه وعبادته بما شرعه على لسان رسوله دون غيره.
فائدة أخرى: وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب «الدعاء» (١)، والخطيب في «تاريخه» عن الحسن بن علي قال: أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية في كل ليلة أن يعصمه الله من كل سلطان ظالم، ومن كل شيطان مريد، ومن كل سبع ضاري، ومن كل لص عادي: آية الكرسي، وثلاث آيات من الأعراف: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾، وعشرا من أول سورة الصافات، وثلاث آيات من الرحمن أولها: ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ﴾، وخاتمة الحشر. وأخرج أبو الشيخ بن عبيد بن أبي مرزوق قال: من قرأ عند نومه: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ...﴾ الآية.. بسط عليه ملك جناحه حتى يصبح، وعوفي من السرق.
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن قيس صاحب عمر بن عبد العزيز قال: مرض رجل من أهل المدينة، فجاءه زمرة من أصحابه يعودونه، فقرأ رجل منهم:
(١) الشوكاني.
351
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ الآية كلها، وقد أصمت الرجل، فتحرك، ثم استوى جالسا، ثم سجد يومه وليلته حتى كان من الغد من الساعة التي سجد فيها قال له أهله: الحمد لله الذي عافاك، قال: بعث إلى نفسي ملك يتوفاها، فلما قرأ صاحبكم الآية التي قرأ سجد الملك وسجدت سجوده، فهذا حين رفع رأسه، ثم مال فقضي عليه. انتهى.
٥٦ - ﴿وَلا تُفْسِدُوا﴾ أيها الناس ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ بالمعاصي والكفر، والدعاء إلى غير طاعة الله تعالى: ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾؛ أي: بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل، وبيان الشرائع، والدعاء إلى طاعة الله تعالى، وهذا المعنى قاله الحسن والسدي والضحاك والكلبي. وقيل معنى الآية: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاح الله لها بما خلق فيها من المنافع، وما هدى الناس إليها من استغلالها، والانتفاع بتسخيرها لهم، وامتنانه بذلك في مثل قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)﴾ وهذا الإفساد شامل لإفساد النفوس بالقتل، وقطع الأطراف والأعضاء، وإفساد الأموال بالغصب والسرقة، وإفساد الأديان بالكفر والمعاصي والبدع، وإفساد الأنساب بالإقدام على الزنا، وإفساد العقول بشرب المسكر ونحوه.
والخلاصة (١): أن الإفساد شامل لإفساد العقول والعقائد، والآداب الشخصية والاجتماعية، والمعايش والمرافق من زراعة وصناعة وتجارة، ووسائل تعاون بين الناس.
وإصلاح الله تعالى لحال البشر كان بهداية الدين، وإرسال الرسل، وتمم ذلك ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي كان رحمة للعالمين، فبه أصلحت عقائد البشر، وهذبت أخلاقهم وآدابهم بما جمع لهم فيها من مصالح الروح والجسد، وما شرع لهم من التعاون والتراحم، وبما حفظ لهم من العدل والمساواة، وبما شرع لهم من الشورى المقيدة بقاعدة: درء المفاسد وحفظ المصالح، وبذا امتاز
٥٦ - ﴿وَلا تُفْسِدُوا﴾ أيها الناس ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ بالمعاصي والكفر، والدعاء إلى غير طاعة الله تعالى: ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾؛ أي: بعد إصلاح الله إياها ببعثة الرسل، وبيان الشرائع، والدعاء إلى طاعة الله تعالى، وهذا المعنى قاله الحسن والسدي والضحاك والكلبي. وقيل معنى الآية: ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاح الله لها بما خلق فيها من المنافع، وما هدى الناس إليها من استغلالها، والانتفاع بتسخيرها لهم، وامتنانه بذلك في مثل قوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣)﴾ وهذا الإفساد شامل لإفساد النفوس بالقتل، وقطع الأطراف والأعضاء، وإفساد الأموال بالغصب والسرقة، وإفساد الأديان بالكفر والمعاصي والبدع، وإفساد الأنساب بالإقدام على الزنا، وإفساد العقول بشرب المسكر ونحوه.
والخلاصة (١): أن الإفساد شامل لإفساد العقول والعقائد، والآداب الشخصية والاجتماعية، والمعايش والمرافق من زراعة وصناعة وتجارة، ووسائل تعاون بين الناس.
وإصلاح الله تعالى لحال البشر كان بهداية الدين، وإرسال الرسل، وتمم ذلك ببعثة خاتم الأنبياء والمرسلين الذي كان رحمة للعالمين، فبه أصلحت عقائد البشر، وهذبت أخلاقهم وآدابهم بما جمع لهم فيها من مصالح الروح والجسد، وما شرع لهم من التعاون والتراحم، وبما حفظ لهم من العدل والمساواة، وبما شرع لهم من الشورى المقيدة بقاعدة: درء المفاسد وحفظ المصالح، وبذا امتاز
(١) المراغي.
352
به دينهم عن بقية الأديان.
وبعد أن بين في الآية الأولى شرط الدعاء.. أعاد الأمر به إيذانا بأن من لا يعرف أنه محتاج إلى رحمة ربه مفتقر إليها، ولا يدعو ربه تضرعا وخفية، ولا يخاف من عقابه، ولا يطمع في غفرانه يكون أقرب إلى الإفساد منه إلى الإصلاح، فقال: ﴿وَادْعُوهُ﴾؛ أي: وادعوا أيها الناس ربكم حالة كونكم ﴿خَوْفًا﴾؛ أي: خائفين من عقابه على مخالفتكم لشرعه المصلح لأنفسكم وأجسامكم، أو ذوي خوف من عقابه ﴿وَ﴾ حالة كونكم ﴿طَمَعًا﴾؛ أي: طامعين في رحمته وإحسانه في دنياكم وآخرتكم، أو ذوي طمع في رحمته، والخوف: الانزعاج من المضار التي لا يؤمن من وقوعها، والطمع: توقع حصول الأمور المحبوبة.
فإن قلت (١): إنه تعالى قال في الآية الأولى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ وقال هنا: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ وهذا من عطف الشيء على نفسه، فما فائدة ذلك؟
قلت: الفائدة فيه أن المراد بقوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾؛ أي: ليكن الدعاء مقرونا بالتضرع والإخبات، وقوله: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أن فائدة الدعاء أحد هذين الأمرين، فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء، والآية الثانية في بيان فائدة الدعاء، وقيل معناه: كونوا جامعين في أنفسكم بين الخوف والرجاء في أعمالكم كلها، ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء، وإن اجتهدتم فيهما.
ودعاء المولى حين الشعور بالعجز والافتقار إليه مما يقوي الأمل بالإجابة، ويحول بينها وبين اليأس إذا تقطعت الأسباب، وجهلت وسائل النجاح، والدعاء مخ العبادة ولبها، وإجابته مرجوة حين استكملت شرائطها وآدابها، فإن لم تكن
وبعد أن بين في الآية الأولى شرط الدعاء.. أعاد الأمر به إيذانا بأن من لا يعرف أنه محتاج إلى رحمة ربه مفتقر إليها، ولا يدعو ربه تضرعا وخفية، ولا يخاف من عقابه، ولا يطمع في غفرانه يكون أقرب إلى الإفساد منه إلى الإصلاح، فقال: ﴿وَادْعُوهُ﴾؛ أي: وادعوا أيها الناس ربكم حالة كونكم ﴿خَوْفًا﴾؛ أي: خائفين من عقابه على مخالفتكم لشرعه المصلح لأنفسكم وأجسامكم، أو ذوي خوف من عقابه ﴿وَ﴾ حالة كونكم ﴿طَمَعًا﴾؛ أي: طامعين في رحمته وإحسانه في دنياكم وآخرتكم، أو ذوي طمع في رحمته، والخوف: الانزعاج من المضار التي لا يؤمن من وقوعها، والطمع: توقع حصول الأمور المحبوبة.
فإن قلت (١): إنه تعالى قال في الآية الأولى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ وقال هنا: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ وهذا من عطف الشيء على نفسه، فما فائدة ذلك؟
قلت: الفائدة فيه أن المراد بقوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾؛ أي: ليكن الدعاء مقرونا بالتضرع والإخبات، وقوله: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أن فائدة الدعاء أحد هذين الأمرين، فكانت الآية الأولى في بيان شرط صحة الدعاء، والآية الثانية في بيان فائدة الدعاء، وقيل معناه: كونوا جامعين في أنفسكم بين الخوف والرجاء في أعمالكم كلها، ولا تطمعوا أنكم وفيتم حق الله في العبادة والدعاء، وإن اجتهدتم فيهما.
ودعاء المولى حين الشعور بالعجز والافتقار إليه مما يقوي الأمل بالإجابة، ويحول بينها وبين اليأس إذا تقطعت الأسباب، وجهلت وسائل النجاح، والدعاء مخ العبادة ولبها، وإجابته مرجوة حين استكملت شرائطها وآدابها، فإن لم تكن
(١) الخازن.
353
بإعطاء الداعي ما طلبه، فربما كانت بما يعلم الله أنه خير له منه. ثم بين فائدة الدعاء وعلل سبب طلبه، فقال: ﴿إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ﴾ سبحانه وتعالى وثوابه ﴿قَرِيبٌ مِنَ﴾ عباده ﴿الْمُحْسِنِينَ﴾ ذكر الخبر نظرا إلى أن الرحمة بمعنى الثواب كما فسرناه كذلك؛ أي: إن رحمته تعالى قريبة من المحسنين أعمالهم بأي نوع من الأنواع كان إحسانهم، لأن الجزاء من جنس العمل كما قال: ﴿هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠)﴾ فمن أحسن في عبادته.. نال حسن الثواب، ومن أحسن في الدعاء.. أعطي خيرا مما طلبه، وقد طلب الإحسان في كل شيء يهدي إليه دين الفطرة، وحرم الإساءة في كل شيء، وجعل جزاءها من جنسها كما قال: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾. وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شي، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته». رواه مسلم.
وأصل الرحمة (١): رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وتستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة، وإذا وصف بها الباري جل وعز، فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد دون الرقة، فرحمة الله عز وجل عبارة عن الإفضال والإنعام على عباده، وإيصال الخير إليهم.
وكون الرحمة قريبة من المحسنين (٢)؛ لأن الإنسان في كل ساعة من الساعات في إدبار عن الدنيا، وإقبال على الآخرة، وإذا كان كذلك كان الموت أقرب إليه من الحياة، وليس بينه وبين رحمة الله التي هي الثواب في الآخرة إلا الموت؛ وهو قريب من الإنسان.
والأحسن (٣) في علة تذكير ﴿قَرِيبٌ﴾ مع أن ﴿الرحمة﴾ مؤنثة أن يقال: تذكيره إما باعتبار أن الرحمة مجازية التأنيث، أو باعتبار أن المراد بها الثواب؛
وأصل الرحمة (١): رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم، وتستعمل تارة في الرقة المجردة، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة، وإذا وصف بها الباري جل وعز، فليس يراد بها إلا الإحسان المجرد دون الرقة، فرحمة الله عز وجل عبارة عن الإفضال والإنعام على عباده، وإيصال الخير إليهم.
وكون الرحمة قريبة من المحسنين (٢)؛ لأن الإنسان في كل ساعة من الساعات في إدبار عن الدنيا، وإقبال على الآخرة، وإذا كان كذلك كان الموت أقرب إليه من الحياة، وليس بينه وبين رحمة الله التي هي الثواب في الآخرة إلا الموت؛ وهو قريب من الإنسان.
والأحسن (٣) في علة تذكير ﴿قَرِيبٌ﴾ مع أن ﴿الرحمة﴾ مؤنثة أن يقال: تذكيره إما باعتبار أن الرحمة مجازية التأنيث، أو باعتبار أن المراد بها الثواب؛
(١) الخازن.
(٢) الخازن.
(٣) الجمل بتصرف.
(٢) الخازن.
(٣) الجمل بتصرف.
354
وهو مذكر، فيكون التذكير باعتبار معناها كما مر آنفا. تأمل.
٥٧ - قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ معطوف على قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾، والمعنى: إن ربكم الذي دبر السموات والأرض، وهو الذي يرسل ويبعث الرياح والهواء حالة كون تلك الرياح ﴿بُشْرًا﴾ بالنون؛ أي: منتشرة متسعة، وبالباء أي مبشرة بمجيء المطر؛ أي: يرسلها ويهيجها ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾؛ أي: أمام المطر الذي هو رحمته حالة كونها نشرا، أو بشرا، وإنما سمي المطر رحمة؛ لأنه سبب لحياة الأرض الميتة ﴿حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ﴾ ورفعت تلك الرياح، و ﴿حَتَّى﴾ غاية لقوله: ﴿يُرْسِلُ﴾ كما في «الشهاب» ﴿سَحابًا ثِقالًا﴾؛ أي: غيما مثقلا بالماء ﴿سُقْناهُ﴾؛ أي: سقنا ذلك السحاب ﴿لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾؛ أي: إلى مكان لا نبات فيه لعدم الماء ﴿فَأَنْزَلْنا بِهِ﴾؛ أي: في ذلك البلد ﴿الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ﴾ أي: بذلك الماء، أو في ذلك البلد ﴿مِنْ كُلِّ﴾ أنواع ﴿الثَّمَراتِ﴾ والزروع ﴿كَذلِكَ﴾؛ أي: كما أخرجنا الثمرات بالماء ﴿نُخْرِجُ الْمَوْتى﴾ أحياء من قبورهم بعد فنائهم دروس آثارهم ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ أيها المنكرون للبعث ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ هذا الشبه، فيزول عنكم استبعادكم للبعث بنحو قولكم: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ أو المعنى: لكي تعتبروا أيها المنكرون للبعث، وتتذكروا أن القادر على إحياء هذه الأرض بالأشجار المزينة بالأزهار والثمار بعد موتها قادر على أن يحيي الأجساد بعد موتها.
وحاصل معنى الآية: أن ربكم المدبر لأمور الخلق هو الذي يرسل الرياح بين يدي رحمته؛ أي: بين الأمطار وأمامها حال كونها مبشرات بها فينشيء بها سحابا ثقالا لكثرة ما فيها من الماء، حتى إذا أقلتها ورفعتها إلى الهواء ساقها لإحياء بلد ميت قد عفت مزارعه، ودرست مشاربه، وأجدب أهله. ونحو الآية قوله: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩)﴾.
﴿فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ﴾؛ أي: فأنزلنا بالسحاب الماء؛ إذ قد ثبت أنه حينما يسخن الهواء القريب من سطوح البحار وغيرها بتأثير الحرارة.. يرتفع في الجو
٥٧ - قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ معطوف على قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾، والمعنى: إن ربكم الذي دبر السموات والأرض، وهو الذي يرسل ويبعث الرياح والهواء حالة كون تلك الرياح ﴿بُشْرًا﴾ بالنون؛ أي: منتشرة متسعة، وبالباء أي مبشرة بمجيء المطر؛ أي: يرسلها ويهيجها ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾؛ أي: أمام المطر الذي هو رحمته حالة كونها نشرا، أو بشرا، وإنما سمي المطر رحمة؛ لأنه سبب لحياة الأرض الميتة ﴿حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ﴾ ورفعت تلك الرياح، و ﴿حَتَّى﴾ غاية لقوله: ﴿يُرْسِلُ﴾ كما في «الشهاب» ﴿سَحابًا ثِقالًا﴾؛ أي: غيما مثقلا بالماء ﴿سُقْناهُ﴾؛ أي: سقنا ذلك السحاب ﴿لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾؛ أي: إلى مكان لا نبات فيه لعدم الماء ﴿فَأَنْزَلْنا بِهِ﴾؛ أي: في ذلك البلد ﴿الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ﴾ أي: بذلك الماء، أو في ذلك البلد ﴿مِنْ كُلِّ﴾ أنواع ﴿الثَّمَراتِ﴾ والزروع ﴿كَذلِكَ﴾؛ أي: كما أخرجنا الثمرات بالماء ﴿نُخْرِجُ الْمَوْتى﴾ أحياء من قبورهم بعد فنائهم دروس آثارهم ﴿لَعَلَّكُمْ﴾ أيها المنكرون للبعث ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ هذا الشبه، فيزول عنكم استبعادكم للبعث بنحو قولكم: ﴿مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ أو المعنى: لكي تعتبروا أيها المنكرون للبعث، وتتذكروا أن القادر على إحياء هذه الأرض بالأشجار المزينة بالأزهار والثمار بعد موتها قادر على أن يحيي الأجساد بعد موتها.
وحاصل معنى الآية: أن ربكم المدبر لأمور الخلق هو الذي يرسل الرياح بين يدي رحمته؛ أي: بين الأمطار وأمامها حال كونها مبشرات بها فينشيء بها سحابا ثقالا لكثرة ما فيها من الماء، حتى إذا أقلتها ورفعتها إلى الهواء ساقها لإحياء بلد ميت قد عفت مزارعه، ودرست مشاربه، وأجدب أهله. ونحو الآية قوله: ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحابًا فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩)﴾.
﴿فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ﴾؛ أي: فأنزلنا بالسحاب الماء؛ إذ قد ثبت أنه حينما يسخن الهواء القريب من سطوح البحار وغيرها بتأثير الحرارة.. يرتفع في الجو
355
ويبرد؛ لوصوله إلى منطقة باردة، أو لامتزاجه بتيار من الهواء البارد، فإذا برد تكاثف منه بخار الماء، وتكون السحاب، فالسحاب ناشيء من تكاثف بخار الماء من الهواء في الطبقات العالية من الجو، وهو لا يكون ثابتا في مكان، بل يسير في اتجاه أفقي مدفوعا بقوة الريح، ويتراوح بعده عن الأرض بين ميل وعشرة أميال، ويكون معتما مشبعا بالماء إذا كان قريبا من سطح الأرض، وهو الذي ينشأ عنه المطر؛ لتجميع قطيرات الماء التي فيه بعضها مع بعض بتأثير البرودة، فتكون قطيرات كبيرة تسقط من خلاله نحو الأرض؛ لثقلها بحسب سنة الله في جاذبية الثقل.
وقد أثبت العلم ودلت المشاهدة: أن سكان الجبال الشامخة يبلغون في العلو حذاء السحاب الممطر، أو يتجاوزونه إلى ما فوقه، فيكون دونهم ﴿فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾؛ أي: فأخرجنا بالماء أنواع الثمار على اختلاف طعومها وألوانها وروائحها، فتخرج كل أرض أنواعا مختلفة منها تدل على قدرة الله تعالى وعلمه، ورحمته وفضله كما قال: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)﴾.
وبعد أن ذكرهم بهذه الآيات.. قفى على ذلك بما يزيل إنكارهم للبعث، فقال: ﴿كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى﴾؛ أي: ومثل هذا الإخراج لأنواع النبات من الأرض الميتة بإحيائها بالماء نخرج الموتى من الناس وغيرهم إذ القادر على هذا قادر على ذلك ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ هذا الشبه، فيزول استبعادكم للبعث بنحو قولكم: ﴿أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾، وقولكم: ﴿أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)﴾.
فأمثال هذه المقالات الدالة على إنكار خروج الحي من الميت تزول إذا أنتم تذكرتم خروج النبات الحي من الأرض الميتة إذ لا فارق بين حياة النبات، وحياة الحيوان، فكل منهما خاضع لقدرة الإله القادر على كل شيء، والحياة في عرف المخاطبين كانت تعرف بالتغذي، والنمو في النبات، والحس والحركة
وقد أثبت العلم ودلت المشاهدة: أن سكان الجبال الشامخة يبلغون في العلو حذاء السحاب الممطر، أو يتجاوزونه إلى ما فوقه، فيكون دونهم ﴿فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾؛ أي: فأخرجنا بالماء أنواع الثمار على اختلاف طعومها وألوانها وروائحها، فتخرج كل أرض أنواعا مختلفة منها تدل على قدرة الله تعالى وعلمه، ورحمته وفضله كما قال: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤)﴾.
وبعد أن ذكرهم بهذه الآيات.. قفى على ذلك بما يزيل إنكارهم للبعث، فقال: ﴿كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى﴾؛ أي: ومثل هذا الإخراج لأنواع النبات من الأرض الميتة بإحيائها بالماء نخرج الموتى من الناس وغيرهم إذ القادر على هذا قادر على ذلك ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ هذا الشبه، فيزول استبعادكم للبعث بنحو قولكم: ﴿أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا وَعِظامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾، وقولكم: ﴿أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣)﴾.
فأمثال هذه المقالات الدالة على إنكار خروج الحي من الميت تزول إذا أنتم تذكرتم خروج النبات الحي من الأرض الميتة إذ لا فارق بين حياة النبات، وحياة الحيوان، فكل منهما خاضع لقدرة الإله القادر على كل شيء، والحياة في عرف المخاطبين كانت تعرف بالتغذي، والنمو في النبات، والحس والحركة
356
في الحيوان.
إعادة الموتى
جاء في الكتاب الكريم قوله: ﴿كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾، وقوله: ﴿كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، وقوله: ﴿قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)﴾ فأثبت في هذه الآيات الإعادة، وشببها بالبدء، هو تشبيه في جملة ذلك، لا في تفصيله، فإنه كما خلق جسد الإنسان الأول خلقا ذاتيا مبتدأ، ونفخ فيه الروح يخلق أجسام أفراد الإنسان خلقا ذاتيا معادا، ثم ينفخ فيها أرواحها التي كانت بها أناسي في الحياة الدنيا، فما الأجساد إلا كالسكن للأرواح، وليس بالبعيد على خالق العالم كله أن يعيد أجساد ألوف الملايين دفعة واحدة.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع والحسن والسلمي وأبو رجاء والأعرج وأبو جعفر وشيبة وعيسى بن عمر وأبو يحيى وأبو نوفل الأعرابيان (١): ﴿الرياح نُشُرا﴾ - جمعين بضم النون والشين - أرادوا جمع نشور، وهي الريح الطيبة الهبوب تهب من كل ناحية وجانب. وقرأ عبد الله وابن عباس وزر وابن وثاب والنخعي وطلحة بن مصرف والأعمش ومسروق وابن عامر وعبد الوارث والحسن البصري في رواية عنه: ﴿نُشْرا﴾ - بضم النون وسكون الشين - وهي في معنى ﴿نُشُرا﴾ - بضمتين - إلا أنهم سكنوا الشين تخفيفا من الضم كرسل في رسل. وقرأ حمزة والكسائي وخلف والمفضل عن عاصم: ﴿نَشْرا﴾ - بفتح النون وسكون الشين -. قال الفراء: النشر: الريح الطيبة اللينة التي تنشيء السحاب. وقال ابن الأنباري: النشر: المنتشرة الواسعة الهبوب. وقرأ أبو رجاء العطاردي وإبراهيم النخعي ومسروق في رواية عنهم ومورق العجلي: ﴿نَشَرا﴾ - بفتح النون والشين - إما جمع نشور كعمود وعمد، أو جمع ناشر كغائب وغيب وحافد وحفد. هذه
إعادة الموتى
جاء في الكتاب الكريم قوله: ﴿كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾، وقوله: ﴿كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾، وقوله: ﴿قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩)﴾ فأثبت في هذه الآيات الإعادة، وشببها بالبدء، هو تشبيه في جملة ذلك، لا في تفصيله، فإنه كما خلق جسد الإنسان الأول خلقا ذاتيا مبتدأ، ونفخ فيه الروح يخلق أجسام أفراد الإنسان خلقا ذاتيا معادا، ثم ينفخ فيها أرواحها التي كانت بها أناسي في الحياة الدنيا، فما الأجساد إلا كالسكن للأرواح، وليس بالبعيد على خالق العالم كله أن يعيد أجساد ألوف الملايين دفعة واحدة.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع والحسن والسلمي وأبو رجاء والأعرج وأبو جعفر وشيبة وعيسى بن عمر وأبو يحيى وأبو نوفل الأعرابيان (١): ﴿الرياح نُشُرا﴾ - جمعين بضم النون والشين - أرادوا جمع نشور، وهي الريح الطيبة الهبوب تهب من كل ناحية وجانب. وقرأ عبد الله وابن عباس وزر وابن وثاب والنخعي وطلحة بن مصرف والأعمش ومسروق وابن عامر وعبد الوارث والحسن البصري في رواية عنه: ﴿نُشْرا﴾ - بضم النون وسكون الشين - وهي في معنى ﴿نُشُرا﴾ - بضمتين - إلا أنهم سكنوا الشين تخفيفا من الضم كرسل في رسل. وقرأ حمزة والكسائي وخلف والمفضل عن عاصم: ﴿نَشْرا﴾ - بفتح النون وسكون الشين -. قال الفراء: النشر: الريح الطيبة اللينة التي تنشيء السحاب. وقال ابن الأنباري: النشر: المنتشرة الواسعة الهبوب. وقرأ أبو رجاء العطاردي وإبراهيم النخعي ومسروق في رواية عنهم ومورق العجلي: ﴿نَشَرا﴾ - بفتح النون والشين - إما جمع نشور كعمود وعمد، أو جمع ناشر كغائب وغيب وحافد وحفد. هذه
(١) البحر المحيط وزاد المسير.
357
قراءات من قرأ بالنون، فجملتها أربعة. وقد قرأ آخرون بالباء الموحدة، فقرأ ابن عباس والسلمي وابن أبي عبلة: ﴿الرِّياحَ﴾ - جمعا -: ﴿بُشُرا﴾ - بضم الباء والشين -. ورويت عن عاصم وهو جمع بشيرة كنذيرة ونذر. وقرأ عاصم كذلك إلا أنه سكن الشين تخفيفا من الضم. وقرأ السلمي: ﴿بَشْرا﴾ - بفتح الباء وسكون الشين - وهو مصدر بشر المخفف، ورويت عن عاصم. وقرأ ابن السميقع وابن قطيب: ﴿بشرى﴾ بألف مقصورة كرجعى، وهو مصدر. فهذه ثماني قراءات؛ أربعة في النون، وأربع في الباء. والمعنى على كلها: أنه سبحانه وتعالى يرسل الرياح ناشرات أو مبشرات.
٥٨ - وبعد أن ضرب الله إحياء البلاد بالمطر مثلا لبعث الموتى.. ضرب اختلاف نتاج البلاد مثلا لما في البشر من اختلاف الاستعداد لكل من الهدى والكفر، والرشاد والغي، فقال: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾؛ أي: والأرض الطيبة التربة السهلة السمحة ﴿يَخْرُجُ نَباتُهُ﴾ ووافيا حسنا كثيرا غزير النفع ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾؛ أي: بمشيئة الله تعالى وتيسيره بلا كد ولا عناء، كذلك المؤمن المخلص يؤدي ما أمر الله به بطيبة النفس ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾؛ أي: والبلد الذي خبث أرضه السبخة ترابه ﴿لا يَخْرُجُ﴾ نباته ﴿إِلَّا نَكِدًا﴾؛ أي: إلا بتعب وعناء وكلفة، والمعنى: إلا حالة كونه قليلا عديم النفع. قال الشاعر في المعنى يذم إنسانا:
يعني بالتافه: القليل، وبالنكد: العسير، ومعناه: إنك إن أعطيت أعطيت القليل بعسر ومشقة وكلفة، وكذلك المنافق لا يؤدي ما أمر الله به إلا كرها بغير طيبة النفس. قال (١) المفسرون: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، فشبه المؤمن بالأرض الخيرة الطيبة التراب، وشبه نزول القرآن على قلب المؤمن بنزول المطر على الأرض الطيبة، فإذا نزل المطر أخرجت أنواع الأزهار والثمار، وكذلك المؤمن إذا سمع القرآن آمن به، وانتفع به، وظهرت منه الطاعات
٥٨ - وبعد أن ضرب الله إحياء البلاد بالمطر مثلا لبعث الموتى.. ضرب اختلاف نتاج البلاد مثلا لما في البشر من اختلاف الاستعداد لكل من الهدى والكفر، والرشاد والغي، فقال: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾؛ أي: والأرض الطيبة التربة السهلة السمحة ﴿يَخْرُجُ نَباتُهُ﴾ ووافيا حسنا كثيرا غزير النفع ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾؛ أي: بمشيئة الله تعالى وتيسيره بلا كد ولا عناء، كذلك المؤمن المخلص يؤدي ما أمر الله به بطيبة النفس ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾؛ أي: والبلد الذي خبث أرضه السبخة ترابه ﴿لا يَخْرُجُ﴾ نباته ﴿إِلَّا نَكِدًا﴾؛ أي: إلا بتعب وعناء وكلفة، والمعنى: إلا حالة كونه قليلا عديم النفع. قال الشاعر في المعنى يذم إنسانا:
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن | أعطيت أعطيت تافها نكدا |
(١) الخازن.
358
والعبادات، وأنواع الأخلاق الحميدة، وشبه الكافر بالأرض الرديئة الغليظة البسخة التي لا ينتفع بها وإن أصابها المطر، فكذلك الكافر إذا سمع القرآن لا ينتفع به، ولا يصدقه، ولا يزيده إلا عتوا وكفرا، وإن عمل الكافر حسنة في الدنيا كانت بمشقة وكلفة ولا ينتفع بها في الآخرة. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن يقول: هو طيب وعمله طيب، كما أن البلد الطيب ثمره طيب، ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة التي خرجت منها البركة، فالكافر خبيث وعمله خبيث.
ويدل (١) على صحة هذا التأويل ما روى الشيخان والنسائي وأحمد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب التي تشرب ولا تنبت، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا، وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها إنما هي قيعان - أرض مستوية - لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» وقد فسر النبي ﷺ القسم الأول؛ وهو الذي نفع وانتفع بالهادي المهتدي، وفسر القسم الثالث؛ وهو الذي لم ينفع ولم ينتفع بالجاحد، وسكت عن القسم الثاني؛ وهو الذي نفع غيره بعلمه، ولم ينتفع به هو؛ لأن له أحوالا كثيرة، فمنه المنافقون، ومنه المفرطون في دينهم، والمشاهدة تدل على أن الطيبي الأخلاق يفعلون الخير والبر بلا تكلف، وأن الخبيثين لا يفعلون الخير ولا يؤدون الواجب إلا نكدا بعد إلحاف أو إيذاء حين الطلب، أو إدلاء إلى الحكام.
وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر (٢): ﴿يُخْرَجُ نَباتُهُ﴾: - مبنيا للمفعول -؛ أي: يخرجه البلد. وقرأ ابن القعقاع: نَكَدا - بفتح الكاف - قال
ويدل (١) على صحة هذا التأويل ما روى الشيخان والنسائي وأحمد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا، فكان منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أجادب التي تشرب ولا تنبت، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا، وزرعوا، وأصاب طائفة أخرى منها إنما هي قيعان - أرض مستوية - لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به» وقد فسر النبي ﷺ القسم الأول؛ وهو الذي نفع وانتفع بالهادي المهتدي، وفسر القسم الثالث؛ وهو الذي لم ينفع ولم ينتفع بالجاحد، وسكت عن القسم الثاني؛ وهو الذي نفع غيره بعلمه، ولم ينتفع به هو؛ لأن له أحوالا كثيرة، فمنه المنافقون، ومنه المفرطون في دينهم، والمشاهدة تدل على أن الطيبي الأخلاق يفعلون الخير والبر بلا تكلف، وأن الخبيثين لا يفعلون الخير ولا يؤدون الواجب إلا نكدا بعد إلحاف أو إيذاء حين الطلب، أو إدلاء إلى الحكام.
وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر (٢): ﴿يُخْرَجُ نَباتُهُ﴾: - مبنيا للمفعول -؛ أي: يخرجه البلد. وقرأ ابن القعقاع: نَكَدا - بفتح الكاف - قال
(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
359
الزجاج: وهي قراءة أهل المدينة. وقرأ ابن مصرف بسكونها، وهما مصدران؛ أي: ذا نكد. وقرأ الباقون: ﴿نَكِدًا﴾ بفتح النون وكسر الكاف.
﴿كَذلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك التصريف البديع والتكرير العجيب ﴿نُصَرِّفُ الْآياتِ﴾؛ أي: نردد الآيات الدالة على القدرة القاهرة، والحكمة الباهرة، ونكررها ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ نعمتنا باستعمالها فيما تتم به حكمتنا، وبذلك يستحقون منا المزيد، ويكافؤون بالثواب عليها. وختم (١) هذه الآية بالشكر إذ كان موضوعها الاهتداء بالعلم والعمل والإرشاد، والآية التي قبلها بالتذكر لما كان موضوعها الاعتبار والاستدلال. وقرىء: ﴿يصرف﴾ - بالياء التحتية - مراعاة للغيبة في قوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ ذكره أبو حيان.
الإعراب
﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤)﴾.
﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة، وسيأتي مقابله بقوله: ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ...﴾ الخ. ﴿أَصْحابَ النَّارِ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿أَنْ﴾: مفسرة بمعنى: أي؛ لسبقها بجملة فيها معنى القول دون حروفه مبنية على السكون، وجملة الفعل بعدها جملة مفسرة لـ ﴿نادى﴾ لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت: ﴿أَنْ﴾: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿وَجَدْنا﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿وَجَدْنا﴾: في محل الرفع خبر ﴿أَنْ﴾ المخففة، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة: في محل النصب مفعول نادى، أو في محل الجر بجار محذوف تقديره: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار بأنه قد وجدنا الخ. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول أول لـ ﴿وَجَدْنا﴾. ﴿وَعَدَنا رَبُّنا﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾،
﴿كَذلِكَ﴾؛ أي: مثل ذلك التصريف البديع والتكرير العجيب ﴿نُصَرِّفُ الْآياتِ﴾؛ أي: نردد الآيات الدالة على القدرة القاهرة، والحكمة الباهرة، ونكررها ﴿لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ﴾ نعمتنا باستعمالها فيما تتم به حكمتنا، وبذلك يستحقون منا المزيد، ويكافؤون بالثواب عليها. وختم (١) هذه الآية بالشكر إذ كان موضوعها الاهتداء بالعلم والعمل والإرشاد، والآية التي قبلها بالتذكر لما كان موضوعها الاعتبار والاستدلال. وقرىء: ﴿يصرف﴾ - بالياء التحتية - مراعاة للغيبة في قوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ ذكره أبو حيان.
الإعراب
﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (٤٤)﴾.
﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة، وسيأتي مقابله بقوله: ﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ...﴾ الخ. ﴿أَصْحابَ النَّارِ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿أَنْ﴾: مفسرة بمعنى: أي؛ لسبقها بجملة فيها معنى القول دون حروفه مبنية على السكون، وجملة الفعل بعدها جملة مفسرة لـ ﴿نادى﴾ لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت: ﴿أَنْ﴾: مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿وَجَدْنا﴾: فعل وفاعل، وجملة ﴿وَجَدْنا﴾: في محل الرفع خبر ﴿أَنْ﴾ المخففة، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة: في محل النصب مفعول نادى، أو في محل الجر بجار محذوف تقديره: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار بأنه قد وجدنا الخ. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول أول لـ ﴿وَجَدْنا﴾. ﴿وَعَدَنا رَبُّنا﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾،
(١) المراغي.
360
أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما وعدناه ربنا. ﴿حَقًّا﴾: مفعول ثان لـ ﴿وَجَدْنا﴾، أو حال من الضمير المحذوف في ﴿وَعَدَنا﴾ إن كان ﴿وجد﴾ بمعنى أصاب. ﴿فَهَلْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿هل﴾: حرف للاستفهام الاستخباري. ﴿وَجَدْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة وَجَدْنا. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول أول لـ ﴿وجد﴾. ﴿وَعَدَ رَبُّكُمْ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما وعده ربكم. ﴿حَقًّا﴾ مفعول ثان لـ ﴿وجد﴾، أو حال من الضمير المحذوف في ﴿وَعَدَ﴾. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿نَعَمْ﴾: حرف جواب يجاب بها لتصديق الأخبار لا محل لها من الإعراب، والمجاب به محذوف لنيابة ﴿نَعَمْ﴾ عنه تقديره: وجدناه حقا. ﴿فَأَذَّنَ﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتعقيب، ﴿أذن مؤذن﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿نادى﴾. ﴿بَيْنَهُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أذن﴾، أو صفة لـ ﴿مُؤَذِّنٌ﴾. ﴿أَنْ﴾: تفسيرية بمعنى أي. ﴿لَعْنَةُ اللَّهِ﴾: مبتدأ ومضاف إليه. ﴿عَلَى الظَّالِمِينَ﴾: جار ومجرور خبر المبتدأ، والجملة الاسمية جملة مفسرة لـ ﴿أذن﴾ لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت: ﴿أَنْ﴾ المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبر ﴿أَنْ﴾ المخففة، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة في محل النصب مفعول ﴿أذن﴾ تقديره: فأذن مؤذن بينهم أنه لعنة الله على الظالمين، أو في محل الجر بحرف جر محذوف تقديره: فأذن مؤذن بينهم بأنه لعنة الله على الظالمين.
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الجر صفة لـ ﴿الظَّالِمِينَ﴾. ﴿يَصُدُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَصُدُّونَ﴾. ﴿وَيَبْغُونَها﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَصُدُّونَ﴾. ﴿عِوَجًا﴾: حال من الهاء في ﴿يَبْغُونَها﴾، ولكنها في تأويل معوجة، ويصح كونه مفعولا ثانيا. ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ. ﴿بِالْآخِرَةِ﴾: جار ومجرور متعلق
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (٤٥)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الجر صفة لـ ﴿الظَّالِمِينَ﴾. ﴿يَصُدُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَصُدُّونَ﴾. ﴿وَيَبْغُونَها﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة ﴿يَصُدُّونَ﴾. ﴿عِوَجًا﴾: حال من الهاء في ﴿يَبْغُونَها﴾، ولكنها في تأويل معوجة، ويصح كونه مفعولا ثانيا. ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ. ﴿بِالْآخِرَةِ﴾: جار ومجرور متعلق
361
بـ ﴿كافِرُونَ﴾. ﴿كافِرُونَ﴾: خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿يَصُدُّونَ﴾.
﴿وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦)﴾.
﴿وَبَيْنَهُما﴾: ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿حِجابٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿وَعَلَى الْأَعْرافِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿رِجالٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع صفة لـ ﴿رِجالٌ﴾. ﴿بِسِيماهُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَعْرِفُونَ﴾. ﴿وَنادَوْا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿أَنْ﴾: تفسيرية بمعنى أي مبنية على السكون. ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾: مبتدأ وخبر، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض الدعاء، والجملة الاسمية جملة مفسرة لجملة ﴿نادَوْا﴾ لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت: ﴿أَنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن أنه سلام عليكم، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبرها، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة في محل النصب مفعول ﴿نادَوْا﴾؛ أي: نادوهم أنه سلام عليكم، أو في محل الجر بحرف جر محذوف تقديره: نادوهم بأنه سلام عليكم. ﴿لَمْ يَدْخُلُوها﴾: جازم وفعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿نادَوْا﴾، أو مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل: ما صنع بأصحاب الأعراف.. فقيل: لم يدخلوها. ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَطْمَعُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿يَدْخُلُوها﴾.
﴿وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ﴾: ظرف
﴿وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦)﴾.
﴿وَبَيْنَهُما﴾: ظرف ومضاف إليه خبر مقدم. ﴿حِجابٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة مستأنفة. ﴿وَعَلَى الْأَعْرافِ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿رِجالٌ﴾: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. ﴿يَعْرِفُونَ كُلًّا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل الرفع صفة لـ ﴿رِجالٌ﴾. ﴿بِسِيماهُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يَعْرِفُونَ﴾. ﴿وَنادَوْا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿أَنْ﴾: تفسيرية بمعنى أي مبنية على السكون. ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾: مبتدأ وخبر، وسوغ الابتداء بالنكرة وقوعه في معرض الدعاء، والجملة الاسمية جملة مفسرة لجملة ﴿نادَوْا﴾ لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت: ﴿أَنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن أنه سلام عليكم، والجملة من المبتدأ والخبر في محل الرفع خبرها، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة في محل النصب مفعول ﴿نادَوْا﴾؛ أي: نادوهم أنه سلام عليكم، أو في محل الجر بحرف جر محذوف تقديره: نادوهم بأنه سلام عليكم. ﴿لَمْ يَدْخُلُوها﴾: جازم وفعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿نادَوْا﴾، أو مستأنفة استئنافا بيانيا كأنه قيل: ما صنع بأصحاب الأعراف.. فقيل: لم يدخلوها. ﴿وَهُمْ﴾: مبتدأ، وجملة ﴿يَطْمَعُونَ﴾ خبره، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿يَدْخُلُوها﴾.
﴿وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)﴾.
﴿وَإِذا﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ﴾: فعل ونائب فاعل، والجملة في محل الخفض بإضافة ﴿إِذا﴾ إليها على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ﴾: ظرف
362
ومضاف إليه متعلق بـ ﴿صُرِفَتْ﴾. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة جواب ﴿إِذا﴾ لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾: مستأنفة. ﴿رَبَّنا لا تَجْعَلْنا﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿رَبَّنا﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿لا﴾: دعائية جازمة. ﴿تَجْعَلْنا﴾: فعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الدعائية، وفاعله ضمير يعود على الرب جل جلاله، والجملة الفعلية جواب النداء في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿مَعَ الْقَوْمِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَجْعَلْنا﴾. ﴿الظَّالِمِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْقَوْمِ﴾.
﴿وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨)﴾.
﴿وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿رِجالًا﴾: مفعول به. ﴿يَعْرِفُونَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿بِسِيماهُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يعرفون﴾، وجملة ﴿يَعْرِفُونَهُمْ﴾: صفة لـ ﴿رِجالًا﴾، ولكنها سببية. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية بدل من جملة نادى بدل كل من كل. ﴿ما أَغْنى عَنْكُمْ﴾: إلى آخر الآية التالية مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿ما﴾: استفهامية استفهام توبيخ في محل الرفع مبتدأ. ﴿أَغْنى﴾: فعل ماض. ﴿عَنْكُمْ﴾: متعلق به. ﴿جَمْعُكُمْ﴾: فاعل ومضاف إليه. ﴿وَما﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَسْتَكْبِرُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على ﴿جَمْعُكُمْ﴾ على كونه فاعل ﴿أَغْنى﴾ تقديره: ما أغنى عنكم جمعكم، وكونكم مستكبرين، أو استكباركم عن الحق، وجملة ﴿أَغْنى﴾ في محل الرفع خبر ﴿ما﴾ الاستفهامية، وجملة ﴿ما﴾ الاستفهامية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)﴾.
﴿أَهؤُلاءِ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التقريري التوبيخي، ﴿هؤُلاءِ﴾: مبتدأ.
﴿وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨)﴾.
﴿وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. ﴿رِجالًا﴾: مفعول به. ﴿يَعْرِفُونَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿بِسِيماهُمْ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يعرفون﴾، وجملة ﴿يَعْرِفُونَهُمْ﴾: صفة لـ ﴿رِجالًا﴾، ولكنها سببية. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية بدل من جملة نادى بدل كل من كل. ﴿ما أَغْنى عَنْكُمْ﴾: إلى آخر الآية التالية مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿ما﴾: استفهامية استفهام توبيخ في محل الرفع مبتدأ. ﴿أَغْنى﴾: فعل ماض. ﴿عَنْكُمْ﴾: متعلق به. ﴿جَمْعُكُمْ﴾: فاعل ومضاف إليه. ﴿وَما﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿تَسْتَكْبِرُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على ﴿جَمْعُكُمْ﴾ على كونه فاعل ﴿أَغْنى﴾ تقديره: ما أغنى عنكم جمعكم، وكونكم مستكبرين، أو استكباركم عن الحق، وجملة ﴿أَغْنى﴾ في محل الرفع خبر ﴿ما﴾ الاستفهامية، وجملة ﴿ما﴾ الاستفهامية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)﴾.
﴿أَهؤُلاءِ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام التقريري التوبيخي، ﴿هؤُلاءِ﴾: مبتدأ.
363
﴿الَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل الرفع خبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿أَقْسَمْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿لا﴾: نافية. ﴿يَنالُهُمُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل. ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ متعلق بـ ﴿يَنالُهُمُ﴾، وجملة ﴿يَنالُهُمُ﴾ جواب لقسم محذوف تقديره: والله لا ينالهم الله برحمة، وجملة ﴿أَقْسَمْتُمْ﴾ مع جوابه صلة الموصول، والعائد الهاء من ﴿يَنالُهُمُ﴾. ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية نائب فاعل لقول محذوف تقديره: قد قيل لهم ادخلوا الجنة، وجملة القول المحذوف في محل الرفع خبر ثان لاسم الاشارة؛ أي: أهؤلاء قد قيل لهم ادخلوا الجنة. ﴿لا﴾: نافية تعمل عمل ليس. ﴿خَوْفٌ﴾: اسمها مرفوع. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: جار ومجرور خبر ﴿لا﴾، وجملة ﴿لا﴾ من اسمها وخبرها في محل النصب حال من فاعل ﴿ادْخُلُوا﴾. ﴿وَلا﴾ الواو: عاطفة ﴿لا﴾. نافية. ﴿أَنْتُمْ﴾: اسمها، وجملة ﴿تَحْزَنُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿لا﴾ الثانية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لا﴾ الأولى.
﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)﴾.
﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه. ﴿أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿أَنْ﴾: مفسرة. ﴿أَفِيضُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْنا﴾: متعلق به، والجملة الفعلية مفسرة لجملة نادى لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت: ﴿أَنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وجملة ﴿أَفِيضُوا﴾ في محل الرفع خبرها، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة في محل النصب مفعول ﴿نادى﴾، والتقدير: ونادى أصحاب النار أنه أفيضوا علينا، أو في محل الجر بجار محذوف تقديره: ونادى أصحاب النار بأنه أفيضوا علينا. ﴿مِنَ الْماءِ﴾: جار ومجرور صفة لمفعول محذوف تقديره: أن أفيضوا علينا شيئا من الماء. ﴿أَوْ مِمَّا﴾: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور قبله تقديره: أو أفيضوا علينا شيئا مما رزقكم الله تعالى. ﴿رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما رزقكم الله إياه.
﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠)﴾.
﴿وَنادى أَصْحابُ النَّارِ﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه. ﴿أَصْحابَ الْجَنَّةِ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿أَنْ﴾: مفسرة. ﴿أَفِيضُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْنا﴾: متعلق به، والجملة الفعلية مفسرة لجملة نادى لا محل لها من الإعراب، وإن شئت قلت: ﴿أَنْ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن، وجملة ﴿أَفِيضُوا﴾ في محل الرفع خبرها، وجملة ﴿أَنْ﴾ المخففة في محل النصب مفعول ﴿نادى﴾، والتقدير: ونادى أصحاب النار أنه أفيضوا علينا، أو في محل الجر بجار محذوف تقديره: ونادى أصحاب النار بأنه أفيضوا علينا. ﴿مِنَ الْماءِ﴾: جار ومجرور صفة لمفعول محذوف تقديره: أن أفيضوا علينا شيئا من الماء. ﴿أَوْ مِمَّا﴾: جار ومجرور معطوف على الجار والمجرور قبله تقديره: أو أفيضوا علينا شيئا مما رزقكم الله تعالى. ﴿رَزَقَكُمُ اللَّهُ﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: مما رزقكم الله إياه.
364
﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿أَنْ﴾ حرف نصب، ﴿اللَّهُ﴾: اسمها. ﴿حَرَّمَهُما﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾. ﴿عَلَى الْكافِرِينَ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿أَنْ﴾، وجملة ﴿أَنْ﴾ في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْكافِرِينَ﴾: ﴿اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا﴾: فعل وفاعل ومفعولان. ﴿وَلَعِبًا﴾: معطوف على ﴿لَهْوًا﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿وَغَرَّتْهُمُ﴾: فعل ومفعول. ﴿الْحَياةُ﴾: فاعل. ﴿الدُّنْيا﴾: صفة لـ ﴿الْحَياةُ﴾، والجملة معطوفة على جملة الصلة. ﴿فَالْيَوْمَ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت حالهم ودينهم، وأردت بيان عاقبتهم.. فأقول لك، ﴿اليوم﴾: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ ﴿نَنْساهُمْ﴾. ﴿نَنْساهُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿كَما﴾: ﴿الكاف﴾: حرف جر، ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿نَسُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿لِقاءَ يَوْمِهِمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. هذا: في محل الجر صفة لـ ﴿يَوْمِهِمْ﴾، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف تقديره: كنسيانهم يومهم هذا، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: فاليوم ننساهم نسيانا كنسيانهم يومهم هذا. ﴿وَما كانُوا﴾: ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِآياتِنا﴾: متعلق بـ ﴿يَجْحَدُونَ﴾، وجملة ﴿يَجْحَدُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية. ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر منسبك من ﴿ما﴾ الأولى والتقدير: ننساهم نسيانا كنسيانهم لقاء يومهم، وكونهم منكرين أن الآيات من عند الله تعالى، ويجوز أن تكون الكاف للتعليل؛ أي فاليوم نتركهم لأجل نسيانهم وجحودهم، والتعليل
﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٥١)﴾.
﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْكافِرِينَ﴾: ﴿اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا﴾: فعل وفاعل ومفعولان. ﴿وَلَعِبًا﴾: معطوف على ﴿لَهْوًا﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿وَغَرَّتْهُمُ﴾: فعل ومفعول. ﴿الْحَياةُ﴾: فاعل. ﴿الدُّنْيا﴾: صفة لـ ﴿الْحَياةُ﴾، والجملة معطوفة على جملة الصلة. ﴿فَالْيَوْمَ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت حالهم ودينهم، وأردت بيان عاقبتهم.. فأقول لك، ﴿اليوم﴾: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ ﴿نَنْساهُمْ﴾. ﴿نَنْساهُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿كَما﴾: ﴿الكاف﴾: حرف جر، ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿نَسُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿لِقاءَ يَوْمِهِمْ﴾: مفعول به ومضاف إليه. هذا: في محل الجر صفة لـ ﴿يَوْمِهِمْ﴾، والجملة الفعلية صلة لـ ﴿ما﴾ المصدرية، ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر مجرور بالكاف تقديره: كنسيانهم يومهم هذا، الجار والمجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: فاليوم ننساهم نسيانا كنسيانهم يومهم هذا. ﴿وَما كانُوا﴾: ﴿الواو﴾ عاطفة. ﴿ما﴾: مصدرية. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿بِآياتِنا﴾: متعلق بـ ﴿يَجْحَدُونَ﴾، وجملة ﴿يَجْحَدُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة ﴿ما﴾ المصدرية. ﴿ما﴾ مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر منسبك من ﴿ما﴾ الأولى والتقدير: ننساهم نسيانا كنسيانهم لقاء يومهم، وكونهم منكرين أن الآيات من عند الله تعالى، ويجوز أن تكون الكاف للتعليل؛ أي فاليوم نتركهم لأجل نسيانهم وجحودهم، والتعليل
365
واضح في المعطوف دون التشبيه كما سبق ذكره عن «الفتوحات».
﴿وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية، ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿جِئْناهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿بِكِتابٍ﴾: متعلق به، والجملة الاسمية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. ﴿فَصَّلْناهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ ﴿كتاب﴾. ﴿عَلى عِلْمٍ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿فصلنا﴾؛ أي: حالة كوننا متلبسين بعلم، أو من المفعول؛ أي: حالة كون ذلك الكتاب مشتملا على علم. ﴿هُدىً وَرَحْمَةً﴾ إما حال من هاء ﴿فَصَّلْناهُ﴾؛ أي: فصلناه حالة كونه هاديا وذا رحمة للمؤمنين، أو حالا من ﴿كتاب﴾، وجاز مجيء الحال منه لتخصصه بالوصف، أو منصوبان على أنهما مفعولان لأجله؛ أي: فصلناه لأجل الهداية والرحمة للمؤمنين. ﴿لِقَوْمٍ﴾: جار ومجرور تنازع فيه كل من ﴿هُدىً وَرَحْمَةً﴾، وجملة ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ صفة لـ ﴿قوم﴾.
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ﴾.
﴿هَلْ﴾ حرف للاستفهام الإنكاري. ﴿يَنْظُرُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿تَأْوِيلَهُ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿يَوْمَ﴾: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ ﴿يَقُولُ﴾ الآتي. ﴿يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿يَقُولُ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿نَسُوهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ﴿قَدْ جاءَتْ رُسُلُ﴾ إلى قوله: ﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ مقول محكي لـ ﴿يَقُولُ﴾، وإن شئت قلت: ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُ﴾. ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور حال
﴿وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥٢)﴾.
﴿وَلَقَدْ﴾ ﴿الواو﴾ استئنافية، ﴿اللام﴾: موطئة للقسم، ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿جِئْناهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿بِكِتابٍ﴾: متعلق به، والجملة الاسمية جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. ﴿فَصَّلْناهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة الفعلية في محل الجر صفة لـ ﴿كتاب﴾. ﴿عَلى عِلْمٍ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿فصلنا﴾؛ أي: حالة كوننا متلبسين بعلم، أو من المفعول؛ أي: حالة كون ذلك الكتاب مشتملا على علم. ﴿هُدىً وَرَحْمَةً﴾ إما حال من هاء ﴿فَصَّلْناهُ﴾؛ أي: فصلناه حالة كونه هاديا وذا رحمة للمؤمنين، أو حالا من ﴿كتاب﴾، وجاز مجيء الحال منه لتخصصه بالوصف، أو منصوبان على أنهما مفعولان لأجله؛ أي: فصلناه لأجل الهداية والرحمة للمؤمنين. ﴿لِقَوْمٍ﴾: جار ومجرور تنازع فيه كل من ﴿هُدىً وَرَحْمَةً﴾، وجملة ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ صفة لـ ﴿قوم﴾.
﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ﴾.
﴿هَلْ﴾ حرف للاستفهام الإنكاري. ﴿يَنْظُرُونَ﴾: فعل وفاعل. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿تَأْوِيلَهُ﴾: مفعول به ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة. ﴿يَوْمَ﴾: منصوب على الظرفية الزمانية متعلق بـ ﴿يَقُولُ﴾ الآتي. ﴿يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿يَوْمَ﴾. ﴿يَقُولُ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿نَسُوهُ﴾ فعل وفاعل ومفعول. ﴿مِنْ قَبْلُ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها من الإعراب. ﴿قَدْ جاءَتْ رُسُلُ﴾ إلى قوله: ﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ مقول محكي لـ ﴿يَقُولُ﴾، وإن شئت قلت: ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿يَقُولُ﴾. ﴿بِالْحَقِّ﴾: جار ومجرور حال
366
من ﴿رُسُلُ رَبِّنا﴾؛ أي: حالة كونهم متلبسين بالحق.
﴿فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾.
﴿فَهَلْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿هل﴾: حرف للاستفهام الاستخباري، وفيه معنى التمني. ﴿لَنا﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ شُفَعاءَ﴾: مبتدأ مؤخر، و ﴿مِنْ﴾ زائدة، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة: ﴿قَدْ جاءَتْ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿يَقُولُ﴾. ﴿فَيَشْفَعُوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام. ﴿لَنا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: فهل لنا ثبوت شفعاء فشفاعتهم لنا. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتفصيل. ﴿نُرَدُّ﴾ فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ﴾ والتقدير: فهل لنا من شفعاء، أو هل نرد إلى الدنيا. ﴿فَنَعْمَلَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: فهل يوجد لنا رد إلى الدنيا فعملنا غير الذي كنا نعمل. ﴿غَيْرَ الَّذِي﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿نَعْمَلُ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: غيره الذي كنا نعلمه.
﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾.
﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. ﴿وَضَلَّ﴾: فعل ماض. ﴿عَنْهُمْ﴾: متعلق به. ﴿ما﴾ موصولة، أو مصدرية. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَفْتَرُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾
﴿فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾.
﴿فَهَلْ﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿هل﴾: حرف للاستفهام الاستخباري، وفيه معنى التمني. ﴿لَنا﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ شُفَعاءَ﴾: مبتدأ مؤخر، و ﴿مِنْ﴾ زائدة، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على جملة: ﴿قَدْ جاءَتْ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿يَقُولُ﴾. ﴿فَيَشْفَعُوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام. ﴿لَنا﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: فهل لنا ثبوت شفعاء فشفاعتهم لنا. ﴿أَوْ﴾: حرف عطف وتفصيل. ﴿نُرَدُّ﴾ فعل مضارع مرفوع، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ﴾ والتقدير: فهل لنا من شفعاء، أو هل نرد إلى الدنيا. ﴿فَنَعْمَلَ﴾: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب الاستفهام، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: فهل يوجد لنا رد إلى الدنيا فعملنا غير الذي كنا نعمل. ﴿غَيْرَ الَّذِي﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿كُنَّا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿نَعْمَلُ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾ صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: غيره الذي كنا نعلمه.
﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ﴾.
﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. ﴿وَضَلَّ﴾: فعل ماض. ﴿عَنْهُمْ﴾: متعلق به. ﴿ما﴾ موصولة، أو مصدرية. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه، وجملة ﴿يَفْتَرُونَ﴾ في محل النصب خبر ﴿كان﴾، وجملة ﴿كان﴾
367
صلة ﴿ما﴾ الموصولة، والعائد محذوف تقديره: وضل عنهم الآلهة اللاتي كانوا يفترونهن، أو صلة ﴿ما﴾ المصدرية تقديره: وضل عنهم افتراؤهم في الدنيا، وجملة ﴿ضَلَّ﴾ معطوفة على جملة قوله: ﴿قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ﴾.
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿رَبَّكُمُ﴾: اسمها. ﴿اللَّهُ﴾: خبرها، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِي﴾: صفة للجلالة. ﴿خَلَقَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿السَّماواتِ﴾: مفعول به. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف عليه. ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿خَلَقَ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿اسْتَوى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول. ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة. ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾: فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿خَلَقَ﴾، فالآية الكريمة من باب أعطيت زيدا عمرا؛ لأن كلا من الليل والنهار يصلح أن يكون غاشيا ومغشيا، فوجب جعل الليل في قراءة الجماعة هو الفاعل المعنوي، والنهار هو المفعول من غير عكس اه «سمين». ﴿يَطْلُبُهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّيْلَ﴾، والضمير البارز يعود على ﴿النَّهارَ﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿يطلب﴾ ﴿حَثِيثًا﴾: صفة لمصدر محذوف تقديره: يطلبه طلبا حثيثا؛ أي: سريعا.
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)﴾.
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ﴾: معطوفات على ﴿السَّماواتِ﴾. ﴿مُسَخَّراتٍ﴾ حال من الثلاثة. ﴿بِأَمْرِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿مُسَخَّراتٍ﴾. ﴿أَلا﴾: حرف استفهام وتنبيه. ﴿لَهُ﴾: خبر مقدم. ﴿الْخَلْقُ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿وَالْأَمْرُ﴾:
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾.
﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿رَبَّكُمُ﴾: اسمها. ﴿اللَّهُ﴾: خبرها، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِي﴾: صفة للجلالة. ﴿خَلَقَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿السَّماواتِ﴾: مفعول به. ﴿وَالْأَرْضَ﴾: معطوف عليه. ﴿فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿خَلَقَ﴾. ﴿ثُمَّ﴾: حرف عطف وترتيب. ﴿اسْتَوى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول. ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾: متعلق به، والجملة الفعلية معطوفة على جملة الصلة. ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾: فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهُ﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿خَلَقَ﴾، فالآية الكريمة من باب أعطيت زيدا عمرا؛ لأن كلا من الليل والنهار يصلح أن يكون غاشيا ومغشيا، فوجب جعل الليل في قراءة الجماعة هو الفاعل المعنوي، والنهار هو المفعول من غير عكس اه «سمين». ﴿يَطْلُبُهُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّيْلَ﴾، والضمير البارز يعود على ﴿النَّهارَ﴾، والجملة في محل النصب حال من فاعل ﴿يطلب﴾ ﴿حَثِيثًا﴾: صفة لمصدر محذوف تقديره: يطلبه طلبا حثيثا؛ أي: سريعا.
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)﴾.
﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ﴾: معطوفات على ﴿السَّماواتِ﴾. ﴿مُسَخَّراتٍ﴾ حال من الثلاثة. ﴿بِأَمْرِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿مُسَخَّراتٍ﴾. ﴿أَلا﴾: حرف استفهام وتنبيه. ﴿لَهُ﴾: خبر مقدم. ﴿الْخَلْقُ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿وَالْأَمْرُ﴾:
368
معطوف عليه، والجملة مستأنفة. ﴿تَبارَكَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿رَبُّ الْعالَمِينَ﴾: صفة للجلالة. ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة مستأنفة. ﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ حالان من واو ﴿ادْعُوا﴾، ولكنه بعد تأويلهما بمشتق؛ أي: ادعوا ربكم حالة كونكم متضرعين ومخفين في دعائكم، أو صفتان لمصدر محذوف تقديره: دعاء تضرع ودعاء خفية. ﴿إِنَّهُ﴾: ﴿إنّ﴾: حرف نصب، و ﴿الهاء﴾: اسمها، وجملة ﴿لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إن﴾: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)﴾.
﴿وَلا﴾ الواو عاطفة. ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تُفْسِدُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة مستأنفة. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿لا تُفْسِدُوا﴾. ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تُفْسِدُوا﴾ أيضا. ﴿وَادْعُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تُفْسِدُوا﴾. ﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾: حالان من واو ﴿ادْعُوهُ﴾، ولكن بعد تأويلهما بمشتق تقديره: ﴿وَادْعُوهُ﴾ تعالى حالة كونكم خائفين من عقابه وطامعين في رحمته. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿رَحْمَتَ اللَّهِ﴾: اسمها ومضاف إليه. ﴿قَرِيبٌ﴾ خبرها. ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قَرِيبٌ﴾؛ لأنه صفة مشبهة، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ﴾. ﴿يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿بُشْرًا﴾: حال من ﴿الرِّياحَ﴾؛ أي: حالة كونها مبشرات أو ناشرات. ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُرْسِلُ﴾.
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦)﴾.
﴿وَلا﴾ الواو عاطفة. ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تُفْسِدُوا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية، والجملة مستأنفة. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿لا تُفْسِدُوا﴾. ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تُفْسِدُوا﴾ أيضا. ﴿وَادْعُوهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَلا تُفْسِدُوا﴾. ﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾: حالان من واو ﴿ادْعُوهُ﴾، ولكن بعد تأويلهما بمشتق تقديره: ﴿وَادْعُوهُ﴾ تعالى حالة كونكم خائفين من عقابه وطامعين في رحمته. ﴿إِنَّ﴾: حرف نصب. ﴿رَحْمَتَ اللَّهِ﴾: اسمها ومضاف إليه. ﴿قَرِيبٌ﴾ خبرها. ﴿مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قَرِيبٌ﴾؛ لأنه صفة مشبهة، وجملة ﴿إِنَّ﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾.
﴿وَهُوَ الَّذِي﴾: مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، أو معطوفة على جملة قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ﴾. ﴿يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿بُشْرًا﴾: حال من ﴿الرِّياحَ﴾؛ أي: حالة كونها مبشرات أو ناشرات. ﴿بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿يُرْسِلُ﴾.
369
﴿حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحابًا ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
﴿حَتَّى﴾: ابتدائية غائية. ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿أَقَلَّتْ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الرِّياحَ﴾. ﴿سَحابًا﴾: مفعول به. ﴿ثِقالًا﴾: صفة لـ ﴿سَحابًا﴾، والجملة الفعلية في محل الخفض على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿سُقْناهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به. ﴿لِبَلَدٍ﴾: متعلق بـ ﴿سقنا﴾. ﴿مَيِّتٍ﴾: صفة ﴿لِبَلَدٍ﴾، والجملة جواب إِذا لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة في اللفظ غاية لما قبلها في المعنى. ﴿فَأَنْزَلْنا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿سقنا﴾. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿أنزلنا﴾. ﴿الْماءَ﴾: مفعول به. ﴿فَأَخْرَجْنا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿أنزلنا﴾. بِهِ: متعلق بـ ﴿أخرجنا﴾. ﴿مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أخرجنا﴾ أيضا. ﴿كَذلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: ﴿نُخْرِجُ الْمَوْتى﴾ من قبورهم إخراجا مثل إخراج الثمرات من الأرض. ﴿نُخْرِجُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿لَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)﴾.
﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾: مبتدأ وصفة. ﴿يَخْرُجُ نَباتُهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل ﴿يَخْرُجُ﴾. ﴿وَالَّذِي﴾: مبتدأ. ﴿خَبُثَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿لا﴾: نافية. ﴿يَخْرُجُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على النبات، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿نَكِدًا﴾: حال من فاعل ﴿يَخْرُجُ﴾. ﴿كَذلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: ونصرف الآيات
﴿حَتَّى﴾: ابتدائية غائية. ﴿إِذا﴾: ظرف لما يستقبل من الزمان. ﴿أَقَلَّتْ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿الرِّياحَ﴾. ﴿سَحابًا﴾: مفعول به. ﴿ثِقالًا﴾: صفة لـ ﴿سَحابًا﴾، والجملة الفعلية في محل الخفض على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. ﴿سُقْناهُ﴾: فعل وفاعل ومفعول به. ﴿لِبَلَدٍ﴾: متعلق بـ ﴿سقنا﴾. ﴿مَيِّتٍ﴾: صفة ﴿لِبَلَدٍ﴾، والجملة جواب إِذا لا محل لها من الإعراب، وجملة ﴿إِذا﴾ مستأنفة في اللفظ غاية لما قبلها في المعنى. ﴿فَأَنْزَلْنا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿سقنا﴾. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿أنزلنا﴾. ﴿الْماءَ﴾: مفعول به. ﴿فَأَخْرَجْنا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿أنزلنا﴾. بِهِ: متعلق بـ ﴿أخرجنا﴾. ﴿مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أخرجنا﴾ أيضا. ﴿كَذلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: ﴿نُخْرِجُ الْمَوْتى﴾ من قبورهم إخراجا مثل إخراج الثمرات من الأرض. ﴿نُخْرِجُ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿لَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ خبرها، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (٥٨)﴾.
﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾: مبتدأ وصفة. ﴿يَخْرُجُ نَباتُهُ﴾: فعل وفاعل، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية مستأنفة. ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من فاعل ﴿يَخْرُجُ﴾. ﴿وَالَّذِي﴾: مبتدأ. ﴿خَبُثَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الموصول، والجملة صلة الموصول. ﴿لا﴾: نافية. ﴿يَخْرُجُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على النبات، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿نَكِدًا﴾: حال من فاعل ﴿يَخْرُجُ﴾. ﴿كَذلِكَ﴾: جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره: ونصرف الآيات
370
تصريفا مثل تصريفنا الآيات السابقة. ﴿نُصَرِّفُ الْآياتِ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة مستأنفة. ﴿لِقَوْمٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿نُصَرِّفُ﴾، وجملة ﴿يَشْكُرُونَ﴾ صفة لـ ﴿قوم﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾ والنداء: رفع الصوت لطلب الإقبال ﴿ما وَعَدَنا﴾ والوعد: خاص بما كان في الخير أو يشمل الخير والشر، وهو الصحيح، والوعيد: خاص بالشر أو السوء، فتسمية ما كان لأهل النار وعدا؛ إما من قبيل التهكم، أو للمشاكلة.
﴿نَعَمْ﴾: هي حرف جواب كأجل وجير وإي وبلى، ونقيضها لا، ونعم لتكون لتصديق الأخبار، أو إعلام استخبار، أو وعد طالب، وقد يجاب بها النفي المقرون باستفهام، وهو قليل جدا، وتبدل عينها حاء، وهي لغة فاشية كما تبدل حاء حتى عينا، وكسر عينها لغة قريش. اه «سمين».
﴿فَأَذَّنَ﴾ التأذين: رفع الصوت بالإعلام بالشيء. ﴿أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ اللعنة: الطرد والإبعاد مع الخزي والإهانة.
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يقال: صد عن الشيء يصد - بضم الصاد - صدودا أعرض عنه، وصده عن الأمر إذا منعه، وصرفه عنه من باب رد، فهو يتعدى ولا يتعدى.
﴿عِوَجًا﴾؛ أي: ذات عوج؛ أي: غير مستوية ولا مستقيمة حتى لا يسلكها أحد والعوج - بالكسر - يكون في المعاني كالملة والدين والرأي والقول، ويكون في الأعيان ما لم يكن منتصبا، وبالفتح مختص بالأعيان المنتصبة كالرمح والحائط كما في «أبي السعود».
﴿حِجابٌ﴾ والحجاب: هو السور الذي بين الجنة والنار كما قال في سورة الحديد: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ﴾.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ﴾ والنداء: رفع الصوت لطلب الإقبال ﴿ما وَعَدَنا﴾ والوعد: خاص بما كان في الخير أو يشمل الخير والشر، وهو الصحيح، والوعيد: خاص بالشر أو السوء، فتسمية ما كان لأهل النار وعدا؛ إما من قبيل التهكم، أو للمشاكلة.
﴿نَعَمْ﴾: هي حرف جواب كأجل وجير وإي وبلى، ونقيضها لا، ونعم لتكون لتصديق الأخبار، أو إعلام استخبار، أو وعد طالب، وقد يجاب بها النفي المقرون باستفهام، وهو قليل جدا، وتبدل عينها حاء، وهي لغة فاشية كما تبدل حاء حتى عينا، وكسر عينها لغة قريش. اه «سمين».
﴿فَأَذَّنَ﴾ التأذين: رفع الصوت بالإعلام بالشيء. ﴿أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ اللعنة: الطرد والإبعاد مع الخزي والإهانة.
﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يقال: صد عن الشيء يصد - بضم الصاد - صدودا أعرض عنه، وصده عن الأمر إذا منعه، وصرفه عنه من باب رد، فهو يتعدى ولا يتعدى.
﴿عِوَجًا﴾؛ أي: ذات عوج؛ أي: غير مستوية ولا مستقيمة حتى لا يسلكها أحد والعوج - بالكسر - يكون في المعاني كالملة والدين والرأي والقول، ويكون في الأعيان ما لم يكن منتصبا، وبالفتح مختص بالأعيان المنتصبة كالرمح والحائط كما في «أبي السعود».
﴿حِجابٌ﴾ والحجاب: هو السور الذي بين الجنة والنار كما قال في سورة الحديد: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ﴾.
371
﴿الْأَعْرافِ﴾: جمع عرف - بزنة قفل - وهو أعلى الشيء، وكل مرتفع من الأرض وغيرها، ومنه عرف الديك والفرس والسحاب لعلوها، وجعل بعضهم الأعراف هو نفس الحجاب المتقدم ذكره، عبر عنه تارة بالحجاب، وتارة بالأعراف. قاله الواحدي، ولم يذكر غيره، ولذلك عرف الأعراف؛ لأنه عني به الحجاب. اه. ﴿بِسِيماهُمْ﴾ والسماء والسيمياء: العلامة. ﴿صُرِفَتْ﴾: حولت.
والتلقاء جهة اللقاء؛ وهي جهة المقابلة يقال: فلان تلقاء فلان إذا كان حذاءه، ويستعمل تلقاء ظرف مكان كما هنا، ويستعمل (١) مصدرا كالتبيان، ولم يجىء من المصادر على التفعال بالكسر غير التلقاء والتبيان والزلزال، وإنما يجيء ذلك في الأسماء نحو التمثال والتمساح والتصفار، وانتصاب ﴿تِلْقاءَ﴾ ههنا على الظرف؛ أي: ناحية أصحاب النار.
﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ﴾ إفاضة الماء: صبه، ثم استعملت في الشيء الكثير، فيقال: فاض الرزق والخير، وأفاض عليه النعم، وقالوا: أعطاه غيضا من فيض؛ أي: قليلا من كثير، وما رزقهم الله يشمل الطعام والأشربة غير الماء.
﴿لَهْوًا وَلَعِبًا﴾ اللهو (٢): صرف الهم بما لا يحسن أن يصرف به، واللعب: طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب كما مر به ذكره «البيضاوي». ﴿بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ﴾ الكتاب: هو القرآن الكريم، والتفصيل جعل المسائل المراد بيانها مفصولا بعضها من بعض بما يزيل اشتباهها.
﴿إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ وتأويل الشيء: عاقبته ومرجعه ومصيره الذي يؤول ذلك الشيء إليه.
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ والرب (٣): هو السيد والمالك والمدبر والمربي، والإله هو المعبود الذي يدعى لكشف الضر،
والتلقاء جهة اللقاء؛ وهي جهة المقابلة يقال: فلان تلقاء فلان إذا كان حذاءه، ويستعمل تلقاء ظرف مكان كما هنا، ويستعمل (١) مصدرا كالتبيان، ولم يجىء من المصادر على التفعال بالكسر غير التلقاء والتبيان والزلزال، وإنما يجيء ذلك في الأسماء نحو التمثال والتمساح والتصفار، وانتصاب ﴿تِلْقاءَ﴾ ههنا على الظرف؛ أي: ناحية أصحاب النار.
﴿أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ﴾ إفاضة الماء: صبه، ثم استعملت في الشيء الكثير، فيقال: فاض الرزق والخير، وأفاض عليه النعم، وقالوا: أعطاه غيضا من فيض؛ أي: قليلا من كثير، وما رزقهم الله يشمل الطعام والأشربة غير الماء.
﴿لَهْوًا وَلَعِبًا﴾ اللهو (٢): صرف الهم بما لا يحسن أن يصرف به، واللعب: طلب الفرح بما لا يحسن أن يطلب كما مر به ذكره «البيضاوي». ﴿بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ﴾ الكتاب: هو القرآن الكريم، والتفصيل جعل المسائل المراد بيانها مفصولا بعضها من بعض بما يزيل اشتباهها.
﴿إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ وتأويل الشيء: عاقبته ومرجعه ومصيره الذي يؤول ذلك الشيء إليه.
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ والرب (٣): هو السيد والمالك والمدبر والمربي، والإله هو المعبود الذي يدعى لكشف الضر،
(١) الفتوحات.
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.
372
أو جلب النفع، ويتقرب إليه بالأقوال والأعمال التي يرجى أن ترضيه، و ﴿اللَّهُ﴾: اسم لخالق الخلق أجمعين، ولا يثبت الموحدون ربا سواه، وأكثر المشركين يقولون: إنه أكبر الأرباب، أو رئيسهم وأعظم الآلهة، وكان مشركوا العرب لا يثبت ربا سواه، وإنما يعبدون آلهة تقربهم إليه. ﴿السَّماواتِ وَالْأَرْضَ﴾ يراد بهما العالم العلوي، والعالم السفلي. الستة: رتبة من العدد معروفة، حاشيته العليا السبعة، وحاشيته السفلى الخمسة، وأصلها: سدسة أبدلت التاء من إحدى السينين، وأدغم فيها الدال، والدليل على ذلك أنك تقول: في التصغير: سديسة، وفي الجمع: أسداس، وتقول: جاء فلان سادسا. واليوم: الزمن الذي يمتاز عن غيره بما يحدث فيه كامتياز اليوم المعروف بما يحده من النور والظلام، وامتياز أيام العرب بما يقع فيها من الحرب والخصام، وليست هذه الأيام الستة من أيام الأرض، وهي التي مجموع ليلها ونهارها أربع وعشرون ساعة، فإن هذه إنما وجدت بعد خلق هذه الأرض، فكيف يعد خلقها بأيام منها.
﴿ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ والاستواء لغة: استقامة الشيء واعتداله، واستوى الملك على عرشه؛ أي: ملك، وثل عرشه؛ أي: هلك، واستوى هنا بمعنى علا وارتفع استواء يليق به سبحانه وتعالى. والعرش لغة: كل شيء له سقف، ويطلق على هودج للمرأة يشبه عريش الكرم، وعلى سرير الملك وكرسيه في مجلس الحكم والتدبير، وعرش الرحمن من أعظم المخلوقات محيطا بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما.
﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾ يقال: غشي الشيء الشيء ستره وغطاه، وأغشاه إياه جعله يغشاه؛ أي: يغطيه ويستره، ومنه إغشاء الليل النهار.
﴿حَثِيثًا﴾؛ أي: مسرعا من قولهم: فرس حثيث السير؛ أي: سريعه، والحث: (١) الإعمال والسرعة، والحمل على فعل الشيء كالحض عليه، فالحث
﴿ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ﴾ والاستواء لغة: استقامة الشيء واعتداله، واستوى الملك على عرشه؛ أي: ملك، وثل عرشه؛ أي: هلك، واستوى هنا بمعنى علا وارتفع استواء يليق به سبحانه وتعالى. والعرش لغة: كل شيء له سقف، ويطلق على هودج للمرأة يشبه عريش الكرم، وعلى سرير الملك وكرسيه في مجلس الحكم والتدبير، وعرش الرحمن من أعظم المخلوقات محيطا بالسموات والأرض وما بينهما وما عليهما.
﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾ يقال: غشي الشيء الشيء ستره وغطاه، وأغشاه إياه جعله يغشاه؛ أي: يغطيه ويستره، ومنه إغشاء الليل النهار.
﴿حَثِيثًا﴾؛ أي: مسرعا من قولهم: فرس حثيث السير؛ أي: سريعه، والحث: (١) الإعمال والسرعة، والحمل على فعل الشيء كالحض عليه، فالحث
(١) الفتوحات.
373
والحض أخوان يقال: حثثت فلانا، فأحثثت، فهو حثيث ومحثوث اه من «السمين». وفعله من باب رد كما في المختار».
﴿مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ﴾؛ أي: مذللات لما يراد منها طلوع وغروب، ومسير ورجوع بأمره؛ أي: بتدبيره وتصرفه. ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ﴾ الخلق: التقدير، والمراد هنا الإيجاد بقدر ﴿تَبارَكَ اللَّهُ﴾؛ أي: تعاظمت بركاته وكثرت، والبركة: الخير الثابت الكثير، وهو فعل ماض جامد لا يتصرف؛ أي: لم يجئ منه مضارع ولا أمر، ولا اسم فاعل.
﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ التضرع: التذلل؛ وهو إظهار ذل النفس من قولهم: ضرع فلان لفلان وتضرع إذا أظهر الذل له في معرض السؤال، والخفية: ضد العلانية من أخفيت الشي؛ أي: سترته، والاعتداء: تجاوز الحد، ومحبة الله للعمل: إثابته عليه، ومحبته للعامل: رضاه عنه.
﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أصل الخوف: انزعاج في الباطن يحصل من توقع أمر مكروه يقع في المستقبل، والطمع: توقع محبوب يحصل في المستقبل.
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ والرياح (١): جمع ريح؛ وهي الهواء المتحرك، وأصل ريح روح، والرياح عند العرب أربع بحسب مهابها من الجهات الأربع: الشمال والجنوب، وسميا كذلك باسم الجهة التي يهبان منها، والصبا أو القبول؛ وهي الشرقية، وقد ينسبونها إلى نجد كما ينسبون الجنوب إلى اليمن، والشمال إلى الشام، والدبور؛ وهي الغربية، والريح التي تنحرف عن الجهات الأصلية، فتكون بين اثنتين منها تسمى النكباء. قال الراغب: كل موضع ذكر الله فيه إرسال الريح بلفظ الواحد كان للعذاب، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع كان للرحمة. وفي الخبر أنه ﷺ كان يجثو على ركبته حين هبوب الرياح، ويقول: «اللهم اجعلها لنا رياحا، ولا تجعلها ريحا، اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا
﴿مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ﴾؛ أي: مذللات لما يراد منها طلوع وغروب، ومسير ورجوع بأمره؛ أي: بتدبيره وتصرفه. ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ﴾ الخلق: التقدير، والمراد هنا الإيجاد بقدر ﴿تَبارَكَ اللَّهُ﴾؛ أي: تعاظمت بركاته وكثرت، والبركة: الخير الثابت الكثير، وهو فعل ماض جامد لا يتصرف؛ أي: لم يجئ منه مضارع ولا أمر، ولا اسم فاعل.
﴿تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ التضرع: التذلل؛ وهو إظهار ذل النفس من قولهم: ضرع فلان لفلان وتضرع إذا أظهر الذل له في معرض السؤال، والخفية: ضد العلانية من أخفيت الشي؛ أي: سترته، والاعتداء: تجاوز الحد، ومحبة الله للعمل: إثابته عليه، ومحبته للعامل: رضاه عنه.
﴿خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ أصل الخوف: انزعاج في الباطن يحصل من توقع أمر مكروه يقع في المستقبل، والطمع: توقع محبوب يحصل في المستقبل.
﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ والرياح (١): جمع ريح؛ وهي الهواء المتحرك، وأصل ريح روح، والرياح عند العرب أربع بحسب مهابها من الجهات الأربع: الشمال والجنوب، وسميا كذلك باسم الجهة التي يهبان منها، والصبا أو القبول؛ وهي الشرقية، وقد ينسبونها إلى نجد كما ينسبون الجنوب إلى اليمن، والشمال إلى الشام، والدبور؛ وهي الغربية، والريح التي تنحرف عن الجهات الأصلية، فتكون بين اثنتين منها تسمى النكباء. قال الراغب: كل موضع ذكر الله فيه إرسال الريح بلفظ الواحد كان للعذاب، وكل موضع ذكر فيه بلفظ الجمع كان للرحمة. وفي الخبر أنه ﷺ كان يجثو على ركبته حين هبوب الرياح، ويقول: «اللهم اجعلها لنا رياحا، ولا تجعلها ريحا، اللهم لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا
(١) المراغي.
374
بعذابك، وعافنا قبل ذلك». وعن ابن (١) عمر أنها ثمان؛ منها أربعة عذاب؛ وهي القاصف والعاصف والصرصر والعقيم، ومنها أربعة رحمة؛ وهي الناشرات والمبشرات والمرسلات والنازعات. اه.
﴿بُشْرًا﴾ - بسكون الشين - مخفف بشرا بضمتين واحدها بشير بمعنى مبشرة، كغدر جمع غدير، نشرا بسكون الشين مع النون مخفف نشرا بضمتين، جمع نشور بمعنى منشورة غير مطوية، كرسول يجمع على رسل، والرحمة هنا المطر.
﴿حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ﴾؛ أي: رفعت يقال: أقل (٢) الشيء حمله ورفعه من غير مشقة، ومنه إقلال البطن عن الفخذ في الركوع والسجود، ومنه القلة؛ لأن البعير يحملها من غير مشقة، وأصله من القلة، فكأن المقل يرى ما يرفعه قليلا، واستقل به أقله. وفي «المصباح»: كل شيء حملته، فقد أقللته. والسحاب: الغيم، واحده سحابة، والسحاب (٣) اسم جنس جمعي تصح مراعاة لفظه ومراعاة معناه، فالثاني في قوله: ﴿ثِقالًا﴾ والأول في قوله: ﴿سُقْناهُ﴾، والثقال منه: المشبعة ببخار الماء و ﴿سُقْناهُ﴾ سيرناه، وقال أبو حيان: والسوق حمل الشيء بعنف.
﴿لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ وفي «المصباح»: البلد: يذكر ويؤنث، والجمع بلدان، والبلدة البلد، وجمعها بلاد مثل كلبة وكلاب. اه. وقال المراغي: والبلد (٤) والبلدة الموضع من الأرض عامرا كان أو خلاء، وبلد ميت أرض لا نبات فيها ولا مرعى. وفي «القاموس»: والبلد والبلدة: مكة، وكل قطعة من الأرض متحيزة عامرة أو غير عامرة، والتراب والبلد القبر والمقبرة والدار والأثر الخ. اه.
﴿مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ واحدها: ثمرة، والثمرة: واحدة الثمر، وهو الحمل
﴿بُشْرًا﴾ - بسكون الشين - مخفف بشرا بضمتين واحدها بشير بمعنى مبشرة، كغدر جمع غدير، نشرا بسكون الشين مع النون مخفف نشرا بضمتين، جمع نشور بمعنى منشورة غير مطوية، كرسول يجمع على رسل، والرحمة هنا المطر.
﴿حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ﴾؛ أي: رفعت يقال: أقل (٢) الشيء حمله ورفعه من غير مشقة، ومنه إقلال البطن عن الفخذ في الركوع والسجود، ومنه القلة؛ لأن البعير يحملها من غير مشقة، وأصله من القلة، فكأن المقل يرى ما يرفعه قليلا، واستقل به أقله. وفي «المصباح»: كل شيء حملته، فقد أقللته. والسحاب: الغيم، واحده سحابة، والسحاب (٣) اسم جنس جمعي تصح مراعاة لفظه ومراعاة معناه، فالثاني في قوله: ﴿ثِقالًا﴾ والأول في قوله: ﴿سُقْناهُ﴾، والثقال منه: المشبعة ببخار الماء و ﴿سُقْناهُ﴾ سيرناه، وقال أبو حيان: والسوق حمل الشيء بعنف.
﴿لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾ وفي «المصباح»: البلد: يذكر ويؤنث، والجمع بلدان، والبلدة البلد، وجمعها بلاد مثل كلبة وكلاب. اه. وقال المراغي: والبلد (٤) والبلدة الموضع من الأرض عامرا كان أو خلاء، وبلد ميت أرض لا نبات فيها ولا مرعى. وفي «القاموس»: والبلد والبلدة: مكة، وكل قطعة من الأرض متحيزة عامرة أو غير عامرة، والتراب والبلد القبر والمقبرة والدار والأثر الخ. اه.
﴿مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ واحدها: ثمرة، والثمرة: واحدة الثمر، وهو الحمل
(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.
(٤) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) الفتوحات.
(٤) المراغي.
375
الذي تخرجه الشجرة سواء أكل أو لا، فيقال: ثمر الأراك وثمر النخل والعنب.
﴿إِلَّا نَكِدًا﴾ والنكد: كل شيء خرج إلى طالبه بتعسر يقال: رجل نكد - بفتح الكاف وكسرها - وناقة نكداء خفيفة الدر صعبة الحلب. وفي «المصباح»: نكد نكدا - من باب تعب - فهو نكد تعسر، ونكد العيش نكدا اشتد وعسر. اه. وفي «القاموس»: نكد عيشهم - كفرح - اشتد وعسر، والبئر قل ماؤها، ونكد زيد حاجة عمرو - كنصر - منعه إياها، ونكد فلانا منعه ما سأله، أو لم يعطه إلا أوله اه. ونكد الرجل (١): سئل إلحافا وأخجل، قال الشاعر:
﴿كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ﴾ والتصريف: تبديل الشيء من حال إلى حال، ومنه تصريف الرياح.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المقابلة في قوله: ﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ﴾ لأنه قابل الجمع بالجمع، والقاعدة: أن الجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا.
ومنها: المشاكلة في قوله: ﴿ما وَعَدَ رَبُّكُمْ﴾ لأنه عبر عن الوعيد بالوعد لمشاكلة ما قبله.
ومنها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: ﴿وَنادى﴾ إشعارا بتحقق وقوعه؛ لأن النداء إنما يكون في الآخرة.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾. وفيه أيضا الإبهام إفادة
﴿إِلَّا نَكِدًا﴾ والنكد: كل شيء خرج إلى طالبه بتعسر يقال: رجل نكد - بفتح الكاف وكسرها - وناقة نكداء خفيفة الدر صعبة الحلب. وفي «المصباح»: نكد نكدا - من باب تعب - فهو نكد تعسر، ونكد العيش نكدا اشتد وعسر. اه. وفي «القاموس»: نكد عيشهم - كفرح - اشتد وعسر، والبئر قل ماؤها، ونكد زيد حاجة عمرو - كنصر - منعه إياها، ونكد فلانا منعه ما سأله، أو لم يعطه إلا أوله اه. ونكد الرجل (١): سئل إلحافا وأخجل، قال الشاعر:
وأعط ما أعطيته طيّبا | لا خير في المنكود والنّاكد |
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: المقابلة في قوله: ﴿وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ﴾ لأنه قابل الجمع بالجمع، والقاعدة: أن الجمع إذا قوبل بالجمع يوزع الفرد على الفرد، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار في دار الدنيا.
ومنها: المشاكلة في قوله: ﴿ما وَعَدَ رَبُّكُمْ﴾ لأنه عبر عن الوعيد بالوعد لمشاكلة ما قبله.
ومنها: التعبير بالماضي عما في المستقبل، في قوله: ﴿وَنادى﴾ إشعارا بتحقق وقوعه؛ لأن النداء إنما يكون في الآخرة.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾. وفيه أيضا الإبهام إفادة
(١) البحر المحيط.
376
للتهويل والتعظيم.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿حَرَّمَهُما﴾؛ لأنه استعار التحريم للمنع لانقطاع التكليف حينئذ، وفي قوله: ﴿لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾؛ لأنه شبه البلد المجدب الذي لا نبات فيه بالجسد الذي لا روح فيه بجامع عدم الانتفاع في كل على طريق الاستعارة التصريحية.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا﴾ وفي «زاده»: فشبه (١) معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من نسي عبده من الخير، ولم يلتفت إليه وشبه عدم إخطارهم لقاء الله ببالهم، وعدم مبالاتهم به بحال من عرف شيئا ونسيه، وكثر مثل هذه الاستعارات في القرآن؛ لأن تعليم المعاني التي في عالم الغيب لا يمكن أن يعبر عنها إلا بما يماثلها من عالم الشهادة. اه. وفي قوله: ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾؛ لأنه شبه شغلهم بالدنيا بالطمع في طول العمر، وحسن العيش بغرور من يخدع في البيع مثلا، بجامع عدم الوصول إلى المقصود في الكل، وفي قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾؛ لأنه شبه لحوق (٢) وعيده لهم، وعدم فرارهم منه بانتظار الشيء وترقبه، فعبر عنه بالانتظار.
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾؛ لأنه التفت عن الغيبة في قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ إلى التكلم في قوله: ﴿فَسُقْناهُ﴾.
ومنها: التتميم في قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ...﴾ الخ؛ لأنه لما قال أولا: ﴿فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ تمم هذا المعنى ببيان كيفية ما يخرج من النبات من الأرض الكريمة والسبخة.
ومنها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ على سبيل
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: ﴿حَرَّمَهُما﴾؛ لأنه استعار التحريم للمنع لانقطاع التكليف حينئذ، وفي قوله: ﴿لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾؛ لأنه شبه البلد المجدب الذي لا نبات فيه بالجسد الذي لا روح فيه بجامع عدم الانتفاع في كل على طريق الاستعارة التصريحية.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا﴾ وفي «زاده»: فشبه (١) معاملته تعالى مع الكفار بمعاملة من نسي عبده من الخير، ولم يلتفت إليه وشبه عدم إخطارهم لقاء الله ببالهم، وعدم مبالاتهم به بحال من عرف شيئا ونسيه، وكثر مثل هذه الاستعارات في القرآن؛ لأن تعليم المعاني التي في عالم الغيب لا يمكن أن يعبر عنها إلا بما يماثلها من عالم الشهادة. اه. وفي قوله: ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا﴾؛ لأنه شبه شغلهم بالدنيا بالطمع في طول العمر، وحسن العيش بغرور من يخدع في البيع مثلا، بجامع عدم الوصول إلى المقصود في الكل، وفي قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾؛ لأنه شبه لحوق (٢) وعيده لهم، وعدم فرارهم منه بانتظار الشيء وترقبه، فعبر عنه بالانتظار.
ومنها: الالتفات في قوله: ﴿سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ﴾؛ لأنه التفت عن الغيبة في قوله: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ﴾ إلى التكلم في قوله: ﴿فَسُقْناهُ﴾.
ومنها: التتميم في قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ...﴾ الخ؛ لأنه لما قال أولا: ﴿فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ تمم هذا المعنى ببيان كيفية ما يخرج من النبات من الأرض الكريمة والسبخة.
ومنها: تخصيص خروج النبات الطيب بقوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ على سبيل
(١) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
377
المدح والتشريف، وإن كان كل من النباتين يخرج بإذن الله تعالى.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾؛ أي: بمشيئته؛ لأنه كناية عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفعه، لأنه أوقعه في مقابلة قوله: ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾.
ومنها: الطباق بين قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾ وقوله: ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: ﴿كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى﴾؛ لأنه شبه قيام الموتى من قبورهم بإخراج النبات من الأرض، فذكرت الأداة، ولم يذكر وجه الشبه، وهو مطلق الإخراج من العدم.
ومنها: إيجاز القصر في قوله: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ وهو جمع الألفاظ القليلة للمعاني الكثيرة، فالآية مع قلة ألفاظها جمعت معاني كثيرة استوعبت جميع الأشياء والشؤون على وجه الاستقصاء حتى قال ابن عمر: من بقي له شيء.. فليطلبه، وهذا الأسلوب البليغ يسمى إيجاز قصر.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾ وهو حذف أحد المتقابلين لعلمه من الآخر؛ لأن فيه محذوفا تقديره: ويغشي النهار الليل، وذكره في آية أخرى، فقال: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَنادى﴾ ﴿وَنادى﴾، وفي قوله: ﴿تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا﴾.
ومنها: الاستفهام التوبيخي في مواضع.
ومنها: الإنكاري في قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿رُسُلُ رَبِّنا﴾.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾؛ أي: بمشيئته؛ لأنه كناية عن كثرة النبات وحسنه وغزارة نفعه، لأنه أوقعه في مقابلة قوله: ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾.
ومنها: الطباق بين قوله: ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾ وقوله: ﴿وَالَّذِي خَبُثَ﴾.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: ﴿كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى﴾؛ لأنه شبه قيام الموتى من قبورهم بإخراج النبات من الأرض، فذكرت الأداة، ولم يذكر وجه الشبه، وهو مطلق الإخراج من العدم.
ومنها: إيجاز القصر في قوله: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾ وهو جمع الألفاظ القليلة للمعاني الكثيرة، فالآية مع قلة ألفاظها جمعت معاني كثيرة استوعبت جميع الأشياء والشؤون على وجه الاستقصاء حتى قال ابن عمر: من بقي له شيء.. فليطلبه، وهذا الأسلوب البليغ يسمى إيجاز قصر.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ﴾ وهو حذف أحد المتقابلين لعلمه من الآخر؛ لأن فيه محذوفا تقديره: ويغشي النهار الليل، وذكره في آية أخرى، فقال: ﴿يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ﴾.
ومنها: التكرار في قوله: ﴿وَنادى﴾ ﴿وَنادى﴾، وفي قوله: ﴿تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ﴾.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا﴾.
ومنها: الجناس المماثل في قوله: ﴿فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا﴾.
ومنها: الاستفهام التوبيخي في مواضع.
ومنها: الإنكاري في قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾.
ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: ﴿رُسُلُ رَبِّنا﴾.
378
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
ومنها: القصر في قوله: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
ومنها: القصر في قوله: ﴿أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ﴾
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
379
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُودًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ...﴾ الآيات، مناسبة (١) هذه الآية
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩) قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٦٣) فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤) وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُودًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٦٥) قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦) قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧) أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨) أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٦٩) قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠) قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١) فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢) وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٧٤)﴾.
المناسبة
قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ...﴾ الآيات، مناسبة (١) هذه الآية
(١) البحر المحيط.
380
لما قبلها: أن الله سبحانه وتعالى، لما ذكر في هذه السورة مبدأ الخلق الإنساني، وهو آدم عليه السلام، وقص من أخباره ما قص، واستطرد من ذلك إلى المعاد ومصير أهل السعادة إلى الجنة، وأهل الشقاوة إلى النار، وأمره تعالى بترك الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، وكان من بعث إليه رسول الله ﷺ أولا غير مستجيبين له ولا مصدقين لما جاء به عن الله سبحانه وتعالى.. قص تعالى عليه أحوال الرسل الذين كانوا قبله، وأحوال من بعثوا إليه على سبيل التسلية له صلى الله عليه وسلم، والتأسي بهم، فبدأ بنوح عليه السلام إذ هو آدم الأصغر، وأول رسول بعث إلى من في الأرض، وأمته أدوم تكذيبا له وأقل استجابة.
وعبارة المراغي هنا: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (١) مبدأ الإنسان ومعاده، وأن مرده إلى الله في يوم تجازى فيه كل نفس بما كسبت.. أردف ذلك بذكر قصص الأنبياء مع أممهم، وإعراضهم عن دعوتهم؛ ليبين للرسول أن الإعراض عن قبول دعوة الأنبياء ليس ببدء في قومك، بل سبق به أقوام كثيرون، وفي ذلك تسلية له ﷺ إلى ما فيه من التنبيه إلى أن الله تعالى لا يهمل أمر المبطلين، بل يمهلهم، وتكون العاقبة للمتقين، ومن العظة والاعتبار بما حل بمن قبلهم من النكال والوبال كما قال: ﴿لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ﴾.
وفي «الخازن»: واعلم أن (٢) الله تبارك وتعالى لما ذكر في الآيات المتقدمة دلائل آثار قدرته، وغرائب خلقه وصنعته الدالة على توحيده وربوبيته، وأقام الدلالة القاطعة على صحة البعث بعد الموت.. أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما جرى لهم مع أممهم، وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن الإعراض عن قبول الحق من قومه فقط، بل قد أعرض عنه سائر الأمم الخالية، والقرون الماضية، وفيه تنبيه على أن عاقبة أولئك الذين كذبوا الرسل كانت إلى الخسار والهلاك في الدنيا، وفي الآخرة إلى العذاب العظيم، فمن كذب بمحمد ﷺ من قومه.. كانت عاقبته مثل أولئك الذين خلوا من قبله من
وعبارة المراغي هنا: أنه سبحانه وتعالى لما ذكر (١) مبدأ الإنسان ومعاده، وأن مرده إلى الله في يوم تجازى فيه كل نفس بما كسبت.. أردف ذلك بذكر قصص الأنبياء مع أممهم، وإعراضهم عن دعوتهم؛ ليبين للرسول أن الإعراض عن قبول دعوة الأنبياء ليس ببدء في قومك، بل سبق به أقوام كثيرون، وفي ذلك تسلية له ﷺ إلى ما فيه من التنبيه إلى أن الله تعالى لا يهمل أمر المبطلين، بل يمهلهم، وتكون العاقبة للمتقين، ومن العظة والاعتبار بما حل بمن قبلهم من النكال والوبال كما قال: ﴿لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ﴾.
وفي «الخازن»: واعلم أن (٢) الله تبارك وتعالى لما ذكر في الآيات المتقدمة دلائل آثار قدرته، وغرائب خلقه وصنعته الدالة على توحيده وربوبيته، وأقام الدلالة القاطعة على صحة البعث بعد الموت.. أتبع ذلك بقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وما جرى لهم مع أممهم، وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن الإعراض عن قبول الحق من قومه فقط، بل قد أعرض عنه سائر الأمم الخالية، والقرون الماضية، وفيه تنبيه على أن عاقبة أولئك الذين كذبوا الرسل كانت إلى الخسار والهلاك في الدنيا، وفي الآخرة إلى العذاب العظيم، فمن كذب بمحمد ﷺ من قومه.. كانت عاقبته مثل أولئك الذين خلوا من قبله من
(١) المراغي.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
381
الأمم، وفي ذكر هذه القصص دليل على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، ولم يلق أحدا من علماء زمانه، فلما أتى بمثل هذه القصص والأخبار عن القرون الماضية والأمم الخالية مما لم ينكره عليه أحد.. علم بذلك أنه إنما أتى به من عند الله عز وجل، وأنه أوحي إليه ذلك، فكان ذلك دليلا واضحا، وبرهانا قاطعا على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم. انتهى.
التفسير وأوجه القراءة
٥٩ - واللام في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا﴾ وبعثنا ﴿نُوحًا إِلى﴾ مشركي ﴿قَوْمِهِ﴾ واقعة في جواب قسم محذوف تقديره: وعزتي وجلالي لقد أرسلنا نوح بن لمك - بفتح الميم وسكونها - بن متوشلخ ابن أخنوخ، وهو اسم إدريس عليهما السلام، واسم نوح عبد الغفار، ولقب بنوح؛ لكثرة نياحته؛ وإما لدعوته على قومه بالهلاك، أو لمراجعته ربه في شأن ولده كنعان، أو لأنه مر بكلب مجذوم، فقال له: اخسأ يا قبيح، فأوحى الله إليه أعبتني أم عبت الكلب؟ فكثر نوحه على نفسه لذلك. وتركت (١) الواو هنا وذكرت في سورة هود والمؤمنون؛ لعدم تقدم ما يعطف عليه هنا بخلاف ما يأتي، وإنما أتى بالقسم هنا للرد على المنكرين، وهو مما يجب التأكيد فيه، وقدم قصة نوح؛ لأن قومه أول من كفر، ولأنه أول رسول أرسله الله إلى قومه المشركين كما هو رأي كثير من المحققين كما ثبت في حديث الشفاعة وغيره.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى أقسم للمخاطبين بهذه الآية من أهل مكة ومن جاورهم من العرب بأنه سبحانه أرسل نوحا عليه السلام إلى قومه منذرا لهم بأسه، ومخوفهم سخطه على عبادتهم غيره، وقد كانوا ينكرون الرسالة والوحي إذ ليس عندهم من علوم الرسل والأمم شيء إلا ما يتلقونه من اليهود والنصارى في بلاد العرب والشام ﴿فَقالَ﴾ نوح ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: وحدوه بالعبادة.
وقوله: ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾ في حكم العلة لقوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: اعبدوا
التفسير وأوجه القراءة
٥٩ - واللام في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا﴾ وبعثنا ﴿نُوحًا إِلى﴾ مشركي ﴿قَوْمِهِ﴾ واقعة في جواب قسم محذوف تقديره: وعزتي وجلالي لقد أرسلنا نوح بن لمك - بفتح الميم وسكونها - بن متوشلخ ابن أخنوخ، وهو اسم إدريس عليهما السلام، واسم نوح عبد الغفار، ولقب بنوح؛ لكثرة نياحته؛ وإما لدعوته على قومه بالهلاك، أو لمراجعته ربه في شأن ولده كنعان، أو لأنه مر بكلب مجذوم، فقال له: اخسأ يا قبيح، فأوحى الله إليه أعبتني أم عبت الكلب؟ فكثر نوحه على نفسه لذلك. وتركت (١) الواو هنا وذكرت في سورة هود والمؤمنون؛ لعدم تقدم ما يعطف عليه هنا بخلاف ما يأتي، وإنما أتى بالقسم هنا للرد على المنكرين، وهو مما يجب التأكيد فيه، وقدم قصة نوح؛ لأن قومه أول من كفر، ولأنه أول رسول أرسله الله إلى قومه المشركين كما هو رأي كثير من المحققين كما ثبت في حديث الشفاعة وغيره.
والحاصل: أن الله سبحانه وتعالى أقسم للمخاطبين بهذه الآية من أهل مكة ومن جاورهم من العرب بأنه سبحانه أرسل نوحا عليه السلام إلى قومه منذرا لهم بأسه، ومخوفهم سخطه على عبادتهم غيره، وقد كانوا ينكرون الرسالة والوحي إذ ليس عندهم من علوم الرسل والأمم شيء إلا ما يتلقونه من اليهود والنصارى في بلاد العرب والشام ﴿فَقالَ﴾ نوح ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: وحدوه بالعبادة.
وقوله: ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾ في حكم العلة لقوله: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: اعبدوا
(١) الصاوي.
الله؛ لأنه ليس لكم إله غيره تتوجهون إليه في عبادتكم بدعاء تطلبون به ما تقدرون عليه، فربكم هو الخالق لكل شيء، وبيده ملكوت كل شيء، وهو الإله الحق الذي يجب أن تتوجه إليه القلوب بالدعاء وغيره.
ثم ذكر السبب في الأمر بعبادته وحده، وترك أدنى شوائب الشرك مثبتا للبعث والجزاء، فقال: ﴿إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾؛ أي: إني أخاف عليكم عذاب يوم شديد هوله، وهو يوم البعث والجزاء إذا لم تمتثلوا ما أمرتكم به من عبادة الله وحده، وترك ما سواه، قال أبو السعود: هذه الجملة تعليل للعبادة ببيان الصارف عن تركها إثر تعليلها ببيان الداعي إليها، انتهى. قال أبو حيان: وفي هذه الجملة إظهار الشفقة والحنو عليهم. وقرأ (١) ابن وثاب والأعمش وأبو جعفر والكسائي: ﴿غيره﴾ - بالجر - على أنه بدل من لفظ إله، أو نعت له. وقرأ باقي السبعة بالرفع على أنه صفة لإله، أو بدل منه باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء؛ لأن ﴿مِنْ﴾ زائدة، و ﴿لَكُمْ﴾ خبره. وقرأ عيسى بن عمر: ﴿غيره﴾ بالنصب على الاستثناء، والجر والرفع أفصح.
٦٠ - ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾؛ أي: الأشراف والرؤساء والكبراء ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾ الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء ﴿إِنَّا لَنَراكَ﴾ يا نوح ﴿فِي ضَلالٍ﴾ وخطأ عن الحق ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: بين واضح ظاهر بتركك ملة آبائك حيث نهيتنا عن عبادة آلهتنا ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهم شفعاؤنا عند الله، ووسيلتنا إليه فببركتهم يتقبل منا صالح أعمالنا، ويعطينا سؤلنا لما كانوا من الصلاح والتقوى، ونحن لا نستطيع أن نوجه دعواتنا دون وساطتهم؛ لما نجترحه من السيئات التي تبعدنا عن حظيرة ذلك القدس الأعظم.
وخلاصة مقالتهم: أنت في غمرة من الضلال أحاطت بك، فجعلتك لا تجد إلى الصواب سبيلا، ولم يقل (٢) هنا: الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ كما قال في قوم هود فيما سيأتي؛ لأن الملأ من قوم هود كان فيهم من آمن ومن كفر، بخلاف
ثم ذكر السبب في الأمر بعبادته وحده، وترك أدنى شوائب الشرك مثبتا للبعث والجزاء، فقال: ﴿إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾؛ أي: إني أخاف عليكم عذاب يوم شديد هوله، وهو يوم البعث والجزاء إذا لم تمتثلوا ما أمرتكم به من عبادة الله وحده، وترك ما سواه، قال أبو السعود: هذه الجملة تعليل للعبادة ببيان الصارف عن تركها إثر تعليلها ببيان الداعي إليها، انتهى. قال أبو حيان: وفي هذه الجملة إظهار الشفقة والحنو عليهم. وقرأ (١) ابن وثاب والأعمش وأبو جعفر والكسائي: ﴿غيره﴾ - بالجر - على أنه بدل من لفظ إله، أو نعت له. وقرأ باقي السبعة بالرفع على أنه صفة لإله، أو بدل منه باعتبار محله الذي هو الرفع على الابتداء؛ لأن ﴿مِنْ﴾ زائدة، و ﴿لَكُمْ﴾ خبره. وقرأ عيسى بن عمر: ﴿غيره﴾ بالنصب على الاستثناء، والجر والرفع أفصح.
٦٠ - ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾؛ أي: الأشراف والرؤساء والكبراء ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾ الذين جعلوا أنفسهم أضداد الأنبياء ﴿إِنَّا لَنَراكَ﴾ يا نوح ﴿فِي ضَلالٍ﴾ وخطأ عن الحق ﴿مُبِينٍ﴾؛ أي: بين واضح ظاهر بتركك ملة آبائك حيث نهيتنا عن عبادة آلهتنا ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وهم شفعاؤنا عند الله، ووسيلتنا إليه فببركتهم يتقبل منا صالح أعمالنا، ويعطينا سؤلنا لما كانوا من الصلاح والتقوى، ونحن لا نستطيع أن نوجه دعواتنا دون وساطتهم؛ لما نجترحه من السيئات التي تبعدنا عن حظيرة ذلك القدس الأعظم.
وخلاصة مقالتهم: أنت في غمرة من الضلال أحاطت بك، فجعلتك لا تجد إلى الصواب سبيلا، ولم يقل (٢) هنا: الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ كما قال في قوم هود فيما سيأتي؛ لأن الملأ من قوم هود كان فيهم من آمن ومن كفر، بخلاف
(١) البحر المحيط.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
الملأ من قوم نوح، فكلهم أجمعوا على هذا الجواب، فلم يكن أحد منهم مؤمنا، فإن قيل: سيأتي في سورة هود تقييد قوم نوح بالذين كفروا، فالجواب:
أن ما سيأتي في دعائهم إلى الإيمان في أثناء زمن رسالته، فكان فيهم من آمن ومن كفر، وأما ما هنا فهو في أول دعائه لهم.
٦١ - ﴿قالَ﴾ نوح عليه السلام مجيبا لهم: ﴿يا قَوْمِ﴾ ـي، ناداهم بإضافتهم إليه استمالة لقلوبهم نحو الحق ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾؛ أي: ليس بي نوع من أنواع الضلالة البتة ﴿وَلكِنِّي رَسُولٌ إليكم مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾.
والمعنى (١): قال نوح عليه السلام في الجواب لهم: يا قوم لم آمركم بما أمرتكم به من توحيد الله، وإخلاص الطاعة له دون الآلهة والأنداد خروجا مني عن محجة الحق، وضلالا عن سبيل الرشاد، ولكني رسول من رب العالمين إليكم أهديكم باتباعي إلى ما يوصلكم إلى السعادة في دنياكم وآخرتكم، وأنقذكم من الهلاك الأبدي بالشرك بالله والمعاصي المدنسة للأنفس، والمفسدة للأرواح، ومن رحمة ربكم بكم أن لا يدعكم في عمايتكم وشرككم الذي ابتدعتموه بجهلكم حتى يبين لكم الحق من الباطل على يد رسول من لدنه يسلك بكم السبيل السويّ الموصل إلى النجاة. وإنما (٢) قال: ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾ ولم يقل: ليس بي ضلال؛ لأن نفيها أعم من نفي الضلال؛ لأن ضلالة دالة على واحدة غير معينة، ونفي فرد غير معين نفي عام بخلاف ضلال؛ فإنه مصدر يعم الواحد والتثنية والجمع، ونفيه لا يقتضي على سبيل القطع النفي العام، فكان قوله: ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾ أبلغ في نفي الضلال عن نفسه من قوله: ليس بي ضلال.
ولكن جاءت هنا أحسن مجيء لأنها بين نقيضين؛ لأن الإنسان لا يخلو من أحد شيئين: ضلال وهدى، والرسالة لا تجامع الضلال. وفي قوله: ﴿مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ تنبيه على أنه ربهم؛ لأنهم من جملة العالم؛ أي: من ربكم المالك
أن ما سيأتي في دعائهم إلى الإيمان في أثناء زمن رسالته، فكان فيهم من آمن ومن كفر، وأما ما هنا فهو في أول دعائه لهم.
٦١ - ﴿قالَ﴾ نوح عليه السلام مجيبا لهم: ﴿يا قَوْمِ﴾ ـي، ناداهم بإضافتهم إليه استمالة لقلوبهم نحو الحق ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾؛ أي: ليس بي نوع من أنواع الضلالة البتة ﴿وَلكِنِّي رَسُولٌ إليكم مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾.
والمعنى (١): قال نوح عليه السلام في الجواب لهم: يا قوم لم آمركم بما أمرتكم به من توحيد الله، وإخلاص الطاعة له دون الآلهة والأنداد خروجا مني عن محجة الحق، وضلالا عن سبيل الرشاد، ولكني رسول من رب العالمين إليكم أهديكم باتباعي إلى ما يوصلكم إلى السعادة في دنياكم وآخرتكم، وأنقذكم من الهلاك الأبدي بالشرك بالله والمعاصي المدنسة للأنفس، والمفسدة للأرواح، ومن رحمة ربكم بكم أن لا يدعكم في عمايتكم وشرككم الذي ابتدعتموه بجهلكم حتى يبين لكم الحق من الباطل على يد رسول من لدنه يسلك بكم السبيل السويّ الموصل إلى النجاة. وإنما (٢) قال: ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾ ولم يقل: ليس بي ضلال؛ لأن نفيها أعم من نفي الضلال؛ لأن ضلالة دالة على واحدة غير معينة، ونفي فرد غير معين نفي عام بخلاف ضلال؛ فإنه مصدر يعم الواحد والتثنية والجمع، ونفيه لا يقتضي على سبيل القطع النفي العام، فكان قوله: ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾ أبلغ في نفي الضلال عن نفسه من قوله: ليس بي ضلال.
ولكن جاءت هنا أحسن مجيء لأنها بين نقيضين؛ لأن الإنسان لا يخلو من أحد شيئين: ضلال وهدى، والرسالة لا تجامع الضلال. وفي قوله: ﴿مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ تنبيه على أنه ربهم؛ لأنهم من جملة العالم؛ أي: من ربكم المالك
(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
لأموركم الناظر لكم بالمصلحة حيث وجه إليكم رسولا يدعوكم إلى إفراده بالعبادة. وجملة قوله:
٦٢ - ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي﴾ في محل رفع على أنها صفة لـ ﴿رَسُولٌ﴾، أو هي مستأنفة مبينة لحال الرسول؛ أي: أرسلني إليكم لأبلغكم ما طلب إلي تبليغه إليكم من التوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر، والوحي والرسالة، والملائكة، والجنة والنار، والآداب والمواعظ والأحكام العامة من عبادات ومعاملات إلى نحو ذلك. والرسالات: كل ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه، وجمعها (١) باعتبار ما أوحى إليه في الأزمان المتطاولة، أو باعتبار المعاني المختلفة من الأمر والنهي، والزجر والوعظ، والتبشير والإنذار، أو باعتبار ما أوحي إليه، وإلى من قبله. قيل: في صحف إدريس وهي ثلاثون صحيفة، وفي صحف شيث وهي خمسون صحيفة.
وقرأ أبو عمرو: ﴿أبلغكم﴾ هنا في الموضعين، وفي الأحقاف بالتخفيف من أبلغ من باب أفعل، وباقي السبعة بالتشديد، والهمزة والتضعيف للتعدية فيه. ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾؛ أي: أخلص لكم النصيحة بتحذيركم عقاب الله تعالى على كفركم به، وتكذيبكم لي، وردكم نصحي. روى مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري أن رسول الله ﷺ قال: «الدين النصيحة». قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». فتبليع (٢) الرسالة هو يعرفهم أنواع تكاليف الله، وأقسام أوامره ونواهيه، والنصيحة هي: أن يرغبهم في الطاعات، ويحذرهم عن المعاصي بأبلغ الوجوه. ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: إنكم إن عصيتم أمره عاقبكم في الدنيا بالطوفان، وفي الآخرة بعقاب شديد خارج عما تتصوره عقولكم؛ أي: وأعلم من جهته بالوحي ما لا تعلمون من الأمور الآتية، أو أعلم من شؤونه وبطشه الشديد ما لا تعلمون.
وحاصل المعنى: أي وأنا (٣) في هذا التبليغ وذلك النصح على علم من الله أوحاه إلي لا تعلمون منه شيئا، كما أني أعلم من الله وشؤونه ما لا تعلمون في
٦٢ - ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي﴾ في محل رفع على أنها صفة لـ ﴿رَسُولٌ﴾، أو هي مستأنفة مبينة لحال الرسول؛ أي: أرسلني إليكم لأبلغكم ما طلب إلي تبليغه إليكم من التوحيد والإيمان بالله واليوم الآخر، والوحي والرسالة، والملائكة، والجنة والنار، والآداب والمواعظ والأحكام العامة من عبادات ومعاملات إلى نحو ذلك. والرسالات: كل ما أرسله الله به إليهم مما أوحاه إليه، وجمعها (١) باعتبار ما أوحى إليه في الأزمان المتطاولة، أو باعتبار المعاني المختلفة من الأمر والنهي، والزجر والوعظ، والتبشير والإنذار، أو باعتبار ما أوحي إليه، وإلى من قبله. قيل: في صحف إدريس وهي ثلاثون صحيفة، وفي صحف شيث وهي خمسون صحيفة.
وقرأ أبو عمرو: ﴿أبلغكم﴾ هنا في الموضعين، وفي الأحقاف بالتخفيف من أبلغ من باب أفعل، وباقي السبعة بالتشديد، والهمزة والتضعيف للتعدية فيه. ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾؛ أي: أخلص لكم النصيحة بتحذيركم عقاب الله تعالى على كفركم به، وتكذيبكم لي، وردكم نصحي. روى مسلم وأبو داود والنسائي عن تميم الداري أن رسول الله ﷺ قال: «الدين النصيحة». قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». فتبليع (٢) الرسالة هو يعرفهم أنواع تكاليف الله، وأقسام أوامره ونواهيه، والنصيحة هي: أن يرغبهم في الطاعات، ويحذرهم عن المعاصي بأبلغ الوجوه. ﴿وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ﴾؛ أي: إنكم إن عصيتم أمره عاقبكم في الدنيا بالطوفان، وفي الآخرة بعقاب شديد خارج عما تتصوره عقولكم؛ أي: وأعلم من جهته بالوحي ما لا تعلمون من الأمور الآتية، أو أعلم من شؤونه وبطشه الشديد ما لا تعلمون.
وحاصل المعنى: أي وأنا (٣) في هذا التبليغ وذلك النصح على علم من الله أوحاه إلي لا تعلمون منه شيئا، كما أني أعلم من الله وشؤونه ما لا تعلمون في
(١) البحر المحيط.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
نظام هذا العالم وما ينتهي إليه، وكما أعلم ما بعده من أمر الآخرة والحساب والجزاء، فإذا نصحت لكم، وأنذرتكم عاقبة شكركم من إنزال العذاب بكم في الدنيا إذا جحدتم وعاندتم.. فإنما أنصح لكم عن علم يقيني لا تعلمونه. قال ابن (١) عطية: وما أحسن سياق هذه الأفعال، قال أولا: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي﴾، وهذا مبدأ أمره معهم؛ وهو التبليغ كما قال: ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ﴾، ثم قال: ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾؛ أي: أخلص لكم في تبيين الرشد والسلامة في العاقبة إذا عبدتم الله وحده، ثم قال وأعلم من الله ما لا تعلمون من بطشه بكم، وهو مآل أمركم إذا لم تفردوه بالعبادة، فنبه على مبدأ أمره ومنتهاه معهم. انتهى.
٦٣ - والهمزة في قوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ﴾ للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، والواو عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف؛ أي: أكذبتم وعجبتم من ﴿أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ﴾؛ أي: موعظة ووحي كائن ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: من مالك أموركم ﴿عَلى﴾ لسان ﴿رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾؛ أي: من جنسكم تعرفونه، ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه، أو لا تعرفون لغته، فإنهم كانوا يتعجبون من نبوة نوح عليه السلام، ويقولون: لو شاء ربنا لأنزل ملائكة. وقوله: ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾ علة للمجيء؛ أي: جاءكم ليحذركم، ويخوفكم عاقبة الكفر والمعاصي. وقوله: ﴿وَلِتَتَّقُوا﴾ عبادة غير الله علة ثانية مرتبة على التي قبلها. وقوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾؛ أي: ولكي ترحموا بالتقوى، فلا تعذبوا علة ثالثة مرتبة على التي قبلها، وهذا الترتيب في غاية الحسن، فإن المقصود من البعثة الإنذار، والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي، والمقصود من التقوى الفوز بالرحمة في دار الآخرة.
وفائدة حرف الترجي هنا (٢): التنبيه على عزة المطلب، وأن التقوى غير موجبة للرحمة، بل هي منوطة بفضل الله تعالى، وأن المتقي ينبغي أن لا يعتمد على تقواه، ولا يأمن عذاب الله تعالى. والمعنى: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم، ليحذركم عاقبة كفرهم، ويعلمكم
٦٣ - والهمزة في قوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ﴾ للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، والواو عاطفة ما بعدها على ذلك المحذوف؛ أي: أكذبتم وعجبتم من ﴿أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ﴾؛ أي: موعظة ووحي كائن ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾؛ أي: من مالك أموركم ﴿عَلى﴾ لسان ﴿رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾؛ أي: من جنسكم تعرفونه، ولم يكن ذلك على لسان من لا تعرفونه، أو لا تعرفون لغته، فإنهم كانوا يتعجبون من نبوة نوح عليه السلام، ويقولون: لو شاء ربنا لأنزل ملائكة. وقوله: ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾ علة للمجيء؛ أي: جاءكم ليحذركم، ويخوفكم عاقبة الكفر والمعاصي. وقوله: ﴿وَلِتَتَّقُوا﴾ عبادة غير الله علة ثانية مرتبة على التي قبلها. وقوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾؛ أي: ولكي ترحموا بالتقوى، فلا تعذبوا علة ثالثة مرتبة على التي قبلها، وهذا الترتيب في غاية الحسن، فإن المقصود من البعثة الإنذار، والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي، والمقصود من التقوى الفوز بالرحمة في دار الآخرة.
وفائدة حرف الترجي هنا (٢): التنبيه على عزة المطلب، وأن التقوى غير موجبة للرحمة، بل هي منوطة بفضل الله تعالى، وأن المتقي ينبغي أن لا يعتمد على تقواه، ولا يأمن عذاب الله تعالى. والمعنى: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة من ربكم على لسان رجل منكم، ليحذركم عاقبة كفرهم، ويعلمكم
(١) البحر المحيط.
(٢) الكرخي.
(٢) الكرخي.
بما أعد لكم من العذاب على ذلك، ولتتقوا بهذا الإنذار ما يسخط ربكم عليكم بالشرك في عبادته، والإفساد في أرضه، وليعدكم بالتقوى لرحمته التي ترجى لكل من أجاب الدعوة واتقى.
وفي قوله (١): ﴿عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾ بيان لشبهتهم على الرسالة، وهي أن الرسول بشر مثلهم، فكأنهم كانوا يرون أن الاشتراك في البشرية والصفات العامة يقتضي التساوي في جميع الخصائص والمزايا، ويمنع الانفراد بشيء منها، والمشاهدة أكبر برهان على بطلان هذه القضية، فالتفاوت في الغرائز والصفات الفاضلة، والاختلاف في القوى العقلية والمعارف والأعمال الكسبية جد عظيم في البشر، وليس في الأنواع الأخرى ما يشبه الإنسان في ذلك إلى أنه لو فرض التساوي بينهم، فهل هذا يمنع أن يختص لله بعض عباده بما هو فوق المعهود في الغرائز والمكتسب بالتعلم؟ كلا، إنه تعالى قدير على ذلك، وقد قضت به مشيئته، ونفذت به قدرته.
٦٤ - ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾؛ أي: فبعد ذلك كذبه جمهورهم، واستمروا على ذلك، وخالفوا أمر ربهم، ولجوا في طغيانهم يعمهون؛ أي: كذبوا نوحا في ادعاء النبوة، وتبليغ الأحكام من الله، وأصروا على ذلك التكذيب تلك المدة المتطاولة بعد ما كرر عليهم الدعوة مرارا، فلم يزدهم إلا فرارا حسبما نطق به قوله تعالى: ﴿قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهارًا (٥)...﴾ الآيات.
﴿فـ﴾ أغرقناهم كما سيأتي آنفا، و ﴿أنجيناه﴾؛ أي: أنجينا نوحا من الغرق. ﴿وَ﴾ أنجينا ﴿الَّذِينَ﴾ آمنوا وصحبوا ﴿مَعَهُ فِي الْفُلْكِ﴾ من الغرق قيل: كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة، وقيل: كانوا تسعة، أبناؤه الثلاثة، وستة من غيرهم، وقيل: كانوا ثلاثة عشر، نوح وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث وأزواجهم، وستة ممن كانوا آمنوا به، وقد جاءت القصة مفصلة في سورة هود، وسيأتي فيها: ﴿وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
وفي قوله (١): ﴿عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾ بيان لشبهتهم على الرسالة، وهي أن الرسول بشر مثلهم، فكأنهم كانوا يرون أن الاشتراك في البشرية والصفات العامة يقتضي التساوي في جميع الخصائص والمزايا، ويمنع الانفراد بشيء منها، والمشاهدة أكبر برهان على بطلان هذه القضية، فالتفاوت في الغرائز والصفات الفاضلة، والاختلاف في القوى العقلية والمعارف والأعمال الكسبية جد عظيم في البشر، وليس في الأنواع الأخرى ما يشبه الإنسان في ذلك إلى أنه لو فرض التساوي بينهم، فهل هذا يمنع أن يختص لله بعض عباده بما هو فوق المعهود في الغرائز والمكتسب بالتعلم؟ كلا، إنه تعالى قدير على ذلك، وقد قضت به مشيئته، ونفذت به قدرته.
٦٤ - ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾؛ أي: فبعد ذلك كذبه جمهورهم، واستمروا على ذلك، وخالفوا أمر ربهم، ولجوا في طغيانهم يعمهون؛ أي: كذبوا نوحا في ادعاء النبوة، وتبليغ الأحكام من الله، وأصروا على ذلك التكذيب تلك المدة المتطاولة بعد ما كرر عليهم الدعوة مرارا، فلم يزدهم إلا فرارا حسبما نطق به قوله تعالى: ﴿قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهارًا (٥)...﴾ الآيات.
﴿فـ﴾ أغرقناهم كما سيأتي آنفا، و ﴿أنجيناه﴾؛ أي: أنجينا نوحا من الغرق. ﴿وَ﴾ أنجينا ﴿الَّذِينَ﴾ آمنوا وصحبوا ﴿مَعَهُ فِي الْفُلْكِ﴾ من الغرق قيل: كانوا أربعين رجلا وأربعين امرأة، وقيل: كانوا تسعة، أبناؤه الثلاثة، وستة من غيرهم، وقيل: كانوا ثلاثة عشر، نوح وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث وأزواجهم، وستة ممن كانوا آمنوا به، وقد جاءت القصة مفصلة في سورة هود، وسيأتي فيها: ﴿وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ﴾.
(١) المراغي.
وروي (١): أن نوحا عليه السلام صنع السفينة بنفسه في عامين، وكان طولها ثلاث مئة ذراع، وعرضها خمسين، وسمكها ثلاثين، وجعل لها ثلاث طبقات، فحمل في أسفلها الدواب والوحوش، وفي وسطها الإنس، وفي أعلاها الطير، وركبها في عاشر رجب، ونزل منها في عاشر المحرم.
﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾؛ أي: برسولنا نوح، بالطوفان ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ عن الحق غير مستبصرين به لما قام بهم من عمى البصيرة والقلب.
أي (٢): وأغرقنا من كذب بآياتنا بالطوفان بسبب تكذيبهم وما كان ذلك التكذيب إلا لعمى بصائرهم الذي حال بينهم وبين الاعتبار بالآيات، وفهمهم للدلائل الدالة على وحدانية الله تعالى، وقدرته على إرسال الرسل، وحكمته في ذلك، والثواب والعقاب في يوم الجزاء يوم يحشر الناس لرب العالمين، ويوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكنهم من شدة العذاب حيارى.
قال أبو حيان: وفي قوله: ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ إعلام بعلة الغرق؛ وهو التكذيب، وبآياتنا يقتضي أن نوحا عليه السلام كانت له آيات ومعجزات تدل على إرساله.
ذكر قصة هود عليه السلام
٦٥ - ﴿وَ﴾ لقد أرسلنا ﴿إِلى عادٍ﴾ الأولى؛ وهي قبيلة سميت باسم جدهم الأكبر، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام (٣) ﴿أَخاهُمْ﴾ في النسب لا في الدين، وقوله: ﴿هُودًا﴾ عطف بيان من ﴿أَخاهُمْ﴾، وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكانت منازل عاد بالأحقاف باليمن، والأحقاف: الرمل الذي عند عمان وحضر موت.
﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾؛ أي: برسولنا نوح، بالطوفان ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا عَمِينَ﴾ عن الحق غير مستبصرين به لما قام بهم من عمى البصيرة والقلب.
أي (٢): وأغرقنا من كذب بآياتنا بالطوفان بسبب تكذيبهم وما كان ذلك التكذيب إلا لعمى بصائرهم الذي حال بينهم وبين الاعتبار بالآيات، وفهمهم للدلائل الدالة على وحدانية الله تعالى، وقدرته على إرسال الرسل، وحكمته في ذلك، والثواب والعقاب في يوم الجزاء يوم يحشر الناس لرب العالمين، ويوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكنهم من شدة العذاب حيارى.
قال أبو حيان: وفي قوله: ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ إعلام بعلة الغرق؛ وهو التكذيب، وبآياتنا يقتضي أن نوحا عليه السلام كانت له آيات ومعجزات تدل على إرساله.
ذكر قصة هود عليه السلام
٦٥ - ﴿وَ﴾ لقد أرسلنا ﴿إِلى عادٍ﴾ الأولى؛ وهي قبيلة سميت باسم جدهم الأكبر، وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام (٣) ﴿أَخاهُمْ﴾ في النسب لا في الدين، وقوله: ﴿هُودًا﴾ عطف بيان من ﴿أَخاهُمْ﴾، وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكانت منازل عاد بالأحقاف باليمن، والأحقاف: الرمل الذي عند عمان وحضر موت.
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) البحر المحيط.
388
وكان بين هود ونوح ثمان مئة سنة (١)، وعاش هود أربع مئة سنة وأربعا وستين سنة. وإنما (٢) صرح هنا وفيما سيأتي في صالح وشعيب بتعيين المرسل إليهم دون ما سبق في نوح وما سيأتي في لوط؛ لأن المرسل إليهم إذا كان لهم اسم قد اشتهروا به ذكروا به، وإلا فلا، وقد امتازت عاد وثمود ومدين بأسماء مشهورة.
وإنما جعل رسول كل قوم منهم (٣)؛ لأنهم أفهم لقوله، وأعرف بحاله، وأرغب في اتباعه؛ لمعرفتهم شمائله وأخلاقه ﴿قالَ﴾ هود لهم ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: أفردوا الله سبحانه وتعالى بالعبادة، ولا تجعلوا معه إلها غيره؛ لأنه ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾؛ أي: ليس لكم إله غيره تعالى يستحق العبادة منكم، لأنه هو الخالق لكم المدبر لأموركم.
والحكمة في قوله هنا (٤): ﴿قالَ﴾: بدون الفاء، وفي قصة نوح: ﴿فَقالَ﴾ بالفاء أن نوحا كان مواظبا على دعوة قومه غير متوان فيها على ما حكي عنه في سورة نوح من قوله تعالى: ﴿قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهارًا (٥)﴾ فناسبه التعقيب بالفاء، وأما هود فلم يكن كذلك، بل كان دون نوح في المبالغة في الدعاء، والهمزة في قوله: ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتركتم التفكر في مصنوعات الله وما فعله بقوم نوح عليه السلام، فلا تتقون، ولا تخافون عقابه بعبادتكم غيره، واقترافكم الشرك والمعاصي، وهذا استبعاد وإنكار لعدم اتقائهم العذاب بعد ما علموا ما حل بقوم نوح. وإنما قال هنا (٥): ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ وفي سورة هود: ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ لعله خاطبهم بكل منهما، وقد اكتفى بحكاية كل منهما في موطن عن حكايته في موطن آخر، كما لم يذكر هنا ما ذكر هناك من قوله:
وإنما جعل رسول كل قوم منهم (٣)؛ لأنهم أفهم لقوله، وأعرف بحاله، وأرغب في اتباعه؛ لمعرفتهم شمائله وأخلاقه ﴿قالَ﴾ هود لهم ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: أفردوا الله سبحانه وتعالى بالعبادة، ولا تجعلوا معه إلها غيره؛ لأنه ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾؛ أي: ليس لكم إله غيره تعالى يستحق العبادة منكم، لأنه هو الخالق لكم المدبر لأموركم.
والحكمة في قوله هنا (٤): ﴿قالَ﴾: بدون الفاء، وفي قصة نوح: ﴿فَقالَ﴾ بالفاء أن نوحا كان مواظبا على دعوة قومه غير متوان فيها على ما حكي عنه في سورة نوح من قوله تعالى: ﴿قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهارًا (٥)﴾ فناسبه التعقيب بالفاء، وأما هود فلم يكن كذلك، بل كان دون نوح في المبالغة في الدعاء، والهمزة في قوله: ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ للاستفهام الإنكاري التوبيخي داخلة على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أتركتم التفكر في مصنوعات الله وما فعله بقوم نوح عليه السلام، فلا تتقون، ولا تخافون عقابه بعبادتكم غيره، واقترافكم الشرك والمعاصي، وهذا استبعاد وإنكار لعدم اتقائهم العذاب بعد ما علموا ما حل بقوم نوح. وإنما قال هنا (٥): ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ وفي سورة هود: ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ لعله خاطبهم بكل منهما، وقد اكتفى بحكاية كل منهما في موطن عن حكايته في موطن آخر، كما لم يذكر هنا ما ذكر هناك من قوله:
(١) التحبير للسيوطي.
(٢) أبو السعود.
(٣) البيضاوي.
(٤) الخازن.
(٥) الفتوحات.
(٢) أبو السعود.
(٣) البيضاوي.
(٤) الخازن.
(٥) الفتوحات.
389
﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ﴾ وقس على ذلك حال بقية ما ذكر وما لم يذكر من القصص. ذكره أبو السعود. ولما كانت هذه القصة معطوفة على قصة نوح، وقد علموا ما حل بهم من الغرق.. حسن قوله هنا: ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ يعني: أفلا تخافون ما نزل بهم من العذاب، ولما لم يكن قبل واقعة قوم نوح شيء.. حسن تخويفهم من العذاب، فقال هناك: ﴿إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.
٦٦ - ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ والرؤساء ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾؛ أي: من قوم هود، وجحدوا توحيد الله، وأنكروا رسالة هود إليهم، وإنما وصف (١) الملأ هنا بالكفر دون ملأ قوم نوح؛ لأن الملأ من قوم هود كان فيهم من آمن ومن كفر، فممن آمن منهم مرثد بن أسعد أسلم وكان ممن يكتم إيمانه، بخلاف الملأ من قوم نوح، فكلهم أجمعوا على ذلك الجواب، فلم يكن أحد منهم مؤمنا في أول دعائه إياهم إلى الإيمان ﴿إِنَّا لَنَراكَ﴾ يا هود ﴿فِي سَفاهَةٍ﴾ وحماقة وجهالة وقلة عقل؛ أي: إنا لنتيقن كونك يا هود متمكنا ومتعمقا في سفاهة وخفة عقل عن الحق، والصواب حيث فارقت ديننا، وتركت عبادة آلهتنا الذي اتخذت لهم الأمة الصور والتماثيل تخليدا لذكراهم، والتقرب بشفاعتهم إلى ربنا وربهم، وإنما (٢) أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم نوح عليه السلام أنهم قالوا له: في ضلال مبين، وعن قوم هود أنهم قالوا له: في سفاهة، لأن نوحا لما خوف قومه بالطوفان، وشرع في عمل السفينة، فعند ذلك قالوا له: ﴿إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ حتى تتعب نفسك في إصلاح سفينة في أرض ليس فيها من الماء شيء، وأما هود عليه السلام، فإنه لما نهاهم عن عبادة الأصنام التي سموها صمدا وصمودا، ونسب من عبدها إلى السفه، وهو قلة العقل.. قابلوه بمثل ما نسبهم إليه، فقالوا له: ﴿إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ﴾. اه «خازن».
﴿وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ﴾ يا هود ﴿مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ في ادعائك أنك رسول من عند الله تعالى، وفي قولهم هذا إيماء إلى تكذيبهم كل رسول؛ إذ هم قد عبروا عن
٦٦ - ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ والرؤساء ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾؛ أي: من قوم هود، وجحدوا توحيد الله، وأنكروا رسالة هود إليهم، وإنما وصف (١) الملأ هنا بالكفر دون ملأ قوم نوح؛ لأن الملأ من قوم هود كان فيهم من آمن ومن كفر، فممن آمن منهم مرثد بن أسعد أسلم وكان ممن يكتم إيمانه، بخلاف الملأ من قوم نوح، فكلهم أجمعوا على ذلك الجواب، فلم يكن أحد منهم مؤمنا في أول دعائه إياهم إلى الإيمان ﴿إِنَّا لَنَراكَ﴾ يا هود ﴿فِي سَفاهَةٍ﴾ وحماقة وجهالة وقلة عقل؛ أي: إنا لنتيقن كونك يا هود متمكنا ومتعمقا في سفاهة وخفة عقل عن الحق، والصواب حيث فارقت ديننا، وتركت عبادة آلهتنا الذي اتخذت لهم الأمة الصور والتماثيل تخليدا لذكراهم، والتقرب بشفاعتهم إلى ربنا وربهم، وإنما (٢) أخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم نوح عليه السلام أنهم قالوا له: في ضلال مبين، وعن قوم هود أنهم قالوا له: في سفاهة، لأن نوحا لما خوف قومه بالطوفان، وشرع في عمل السفينة، فعند ذلك قالوا له: ﴿إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ حتى تتعب نفسك في إصلاح سفينة في أرض ليس فيها من الماء شيء، وأما هود عليه السلام، فإنه لما نهاهم عن عبادة الأصنام التي سموها صمدا وصمودا، ونسب من عبدها إلى السفه، وهو قلة العقل.. قابلوه بمثل ما نسبهم إليه، فقالوا له: ﴿إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ﴾. اه «خازن».
﴿وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ﴾ يا هود ﴿مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ في ادعائك أنك رسول من عند الله تعالى، وفي قولهم هذا إيماء إلى تكذيبهم كل رسول؛ إذ هم قد عبروا عن
(١) المراح.
(٢) الخازن.
(٢) الخازن.
أصحاب هذه الدعوى بالكاذبين، وجعلوه واحدا منهم.
٦٧ - ﴿قالَ﴾ هود لهؤلاء الملأ الذين نسبوه إلى السفه: ﴿يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ﴾؛ أي: ليس بي شيء مما تنسبونني إليه من السفه؛ أي: ليس الأمر كما تدعون من أن بي سفاهة ﴿وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ أرسلني إليكم لأبلغكم رسالات ربي وأؤديها إليكم، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فلا يختار لها إلا من عرفوا برجحان العقل، وحصافة الرأي، وكمال الصدق، وإنما جمع الرسالة نظرا لاختلاف أوقاتها، ولتنوع معانيها، أو لأن المراد بها المرسل به؛ وهو يتعدد. ذكره أبو السعود.
٦٨ - ثم بين وظيفة الرسول وحاله عليه السلام فيما بلغ، فقال: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي﴾؛ أي: أؤدي إليكم ما أرسلني به ربي إليكم من أوامره ونواهيه، وشرائعه وتكاليفه ﴿وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ﴾ فيما آمركم به من عبادة الله عز وجل، وترك عبادة ما سواه أَمِينٌ؛ أي: موثوق فيما أبلغه عن ربي، فلا أكذب عليه في وحيه إلي، والأمين الثقة على ما ائتمن عليه.
وهذا رد لقولهم (١): ﴿وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ فكأن هودا قال لهم: كنت قبل هذه الدعوى أمينا فيكم، ما وجدتم مني غدرا ولا مكرا ولا كذبا، واعترفتم لي بكوني أمينا، فكيف نسبتموني الآن إلى الكذب؟ وفي هذا دليل على جواز مدح الإنسان نفسه في موضع الضرورة إلى مدحها، وإنما أتى هود (٢) بالجملة الاسمية في قوله: ﴿وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ﴾؛ ونوح بالفعلية حيث قال: ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾؛ لأن صيغة الفعل تدل على تجدده ساعة بعد ساعة، وكان نوح عليه السلام يكرر في دعائهم ليلا ونهارا من غير تراخ، فناسب التعبير بالفعل، وأما هود فلم يكن كذلك، بل كان يدعوهم وقتا دون وقت، فلذا عبر بالاسمية.
وفي إجابة (٣) هؤلاء الأنبياء لأقوامهم بتلك الإجابة الصادرة عن الحكمة والإغضاء عما قالوا من وصفهم إياهم بالسفاهة والضلالة أدب حسن، وخلق
٦٧ - ﴿قالَ﴾ هود لهؤلاء الملأ الذين نسبوه إلى السفه: ﴿يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ﴾؛ أي: ليس بي شيء مما تنسبونني إليه من السفه؛ أي: ليس الأمر كما تدعون من أن بي سفاهة ﴿وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ أرسلني إليكم لأبلغكم رسالات ربي وأؤديها إليكم، والله أعلم حيث يجعل رسالته، فلا يختار لها إلا من عرفوا برجحان العقل، وحصافة الرأي، وكمال الصدق، وإنما جمع الرسالة نظرا لاختلاف أوقاتها، ولتنوع معانيها، أو لأن المراد بها المرسل به؛ وهو يتعدد. ذكره أبو السعود.
٦٨ - ثم بين وظيفة الرسول وحاله عليه السلام فيما بلغ، فقال: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي﴾؛ أي: أؤدي إليكم ما أرسلني به ربي إليكم من أوامره ونواهيه، وشرائعه وتكاليفه ﴿وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ﴾ فيما آمركم به من عبادة الله عز وجل، وترك عبادة ما سواه أَمِينٌ؛ أي: موثوق فيما أبلغه عن ربي، فلا أكذب عليه في وحيه إلي، والأمين الثقة على ما ائتمن عليه.
وهذا رد لقولهم (١): ﴿وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ﴾ فكأن هودا قال لهم: كنت قبل هذه الدعوى أمينا فيكم، ما وجدتم مني غدرا ولا مكرا ولا كذبا، واعترفتم لي بكوني أمينا، فكيف نسبتموني الآن إلى الكذب؟ وفي هذا دليل على جواز مدح الإنسان نفسه في موضع الضرورة إلى مدحها، وإنما أتى هود (٢) بالجملة الاسمية في قوله: ﴿وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ﴾؛ ونوح بالفعلية حيث قال: ﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾؛ لأن صيغة الفعل تدل على تجدده ساعة بعد ساعة، وكان نوح عليه السلام يكرر في دعائهم ليلا ونهارا من غير تراخ، فناسب التعبير بالفعل، وأما هود فلم يكن كذلك، بل كان يدعوهم وقتا دون وقت، فلذا عبر بالاسمية.
وفي إجابة (٣) هؤلاء الأنبياء لأقوامهم بتلك الإجابة الصادرة عن الحكمة والإغضاء عما قالوا من وصفهم إياهم بالسفاهة والضلالة أدب حسن، وخلق
(١) المراح.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.
(٢) الفتوحات.
(٣) المراغي.
عظيم، وتعليم لعباده كيف يقابلون السفهاء، وكيف يغضون عن قالة السوء التي تصدر عنهم.
٦٩ - والهمزة في قوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على محذوف، والواو: عاطفة على ذلك المحذوف، كما مر نظيره آنفا تقديره: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة وبيان من ربكم وخالقكم ﴿عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾؛ أي: على لسان رجل من جنسكم ونسبكم ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾ ويخوفكم من عقاب ربكم على ما أنتم عليه مقيمون من الضلالة ﴿وَاذْكُرُوا﴾ فضل الله عليكم ونعمته لكم ﴿إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ﴾ في الأرض ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ إغراق ﴿قَوْمِ نُوحٍ﴾ وجعلكم ورثتهم ﴿وَزادَكُمْ﴾ على غيركم ﴿فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً﴾؛ أي: زادكم سعة في الأبدان والقوى على ما أعطاه لغيركم، وقد كانوا طوال الأجسام أقوياء الأبدان قيل: كان طول الطويل منهم خمسمئة ذراع، وطول القصير ثلاثمئة ذراع بذراع نفسه، وكان رأس الواحد منهم قدر القبة العظيمة، وكانت عينه بعد موته تفرخ فيها الضباع ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ﴾ هذا تعميم بعد تخصيص كما في «البيضاوي»؛ أي: فاذكروا نعم الله وفضله عليكم، واشكروه على ذلك بإخلاص العبادة له، وترك الإشراك به، وهجر الأوثان والأصنام ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾؛ أي: لكي تنجوا من العذاب، وتفوزوا بما أعده الله سبحانه وتعالى للشاكرين لنعمه الراجين للمزيد منها، وتدركون الخلود والبقاء، والنعيم الأبدي في دار القرار.
٧٠ - ثم ذكر ما ردوا به عليه، فقال: ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال قوم هود مجيبين له عن تلك النصائح العظيمة: ﴿أَجِئْتَنا﴾ يا هود ﴿لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾؛ أي: لأجل أن نخص الله سبحانه وتعالى بالعبادة وحده ﴿وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا﴾؛ أي: ونترك ما كان يعبد أباؤنا معه من الأولياء والشفعاء، وهم الوسيلة عنده، وهم الذين يقربوننا إليه زلفى، وهل يقبل الله عبادتنا مع ذنوبنا إلا بهم ولأجلهم؟
وبعد أن استنكروا التوحيد، واحتجوا عليه بما لا يصلح عقلا ولا شرعا أن يكون حجة من تقليد الآباء والأجداد.. اقترحوا الوعيد، فقالوا: ﴿فَأْتِنا﴾؛ أي:
٦٩ - والهمزة في قوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ للاستفهام الإنكاري التوبيخي، داخلة على محذوف، والواو: عاطفة على ذلك المحذوف، كما مر نظيره آنفا تقديره: أكذبتم وعجبتم من أن جاءكم ذكر وموعظة وبيان من ربكم وخالقكم ﴿عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾؛ أي: على لسان رجل من جنسكم ونسبكم ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾ ويخوفكم من عقاب ربكم على ما أنتم عليه مقيمون من الضلالة ﴿وَاذْكُرُوا﴾ فضل الله عليكم ونعمته لكم ﴿إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ﴾ في الأرض ﴿مِنْ بَعْدِ﴾ إغراق ﴿قَوْمِ نُوحٍ﴾ وجعلكم ورثتهم ﴿وَزادَكُمْ﴾ على غيركم ﴿فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً﴾؛ أي: زادكم سعة في الأبدان والقوى على ما أعطاه لغيركم، وقد كانوا طوال الأجسام أقوياء الأبدان قيل: كان طول الطويل منهم خمسمئة ذراع، وطول القصير ثلاثمئة ذراع بذراع نفسه، وكان رأس الواحد منهم قدر القبة العظيمة، وكانت عينه بعد موته تفرخ فيها الضباع ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ﴾ هذا تعميم بعد تخصيص كما في «البيضاوي»؛ أي: فاذكروا نعم الله وفضله عليكم، واشكروه على ذلك بإخلاص العبادة له، وترك الإشراك به، وهجر الأوثان والأصنام ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾؛ أي: لكي تنجوا من العذاب، وتفوزوا بما أعده الله سبحانه وتعالى للشاكرين لنعمه الراجين للمزيد منها، وتدركون الخلود والبقاء، والنعيم الأبدي في دار القرار.
٧٠ - ثم ذكر ما ردوا به عليه، فقال: ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال قوم هود مجيبين له عن تلك النصائح العظيمة: ﴿أَجِئْتَنا﴾ يا هود ﴿لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾؛ أي: لأجل أن نخص الله سبحانه وتعالى بالعبادة وحده ﴿وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا﴾؛ أي: ونترك ما كان يعبد أباؤنا معه من الأولياء والشفعاء، وهم الوسيلة عنده، وهم الذين يقربوننا إليه زلفى، وهل يقبل الله عبادتنا مع ذنوبنا إلا بهم ولأجلهم؟
وبعد أن استنكروا التوحيد، واحتجوا عليه بما لا يصلح عقلا ولا شرعا أن يكون حجة من تقليد الآباء والأجداد.. اقترحوا الوعيد، فقالوا: ﴿فَأْتِنا﴾؛ أي:
فجئنا يا هود ﴿بِما تَعِدُنا﴾؛ أي: بما تهددنا به من العذاب على ترك الإيمان بك، وترك العمل بما جئت به من التوحيد وإخلاص العبادة لله وحده ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في إخبارك بنزول العذاب، وغرضهم بهذا القول أنه إذا لم يأتهم هود بذلك العذاب ظهر لهم كونه كاذبا، وهذا استعجال منهم للعذاب الذي كان هود يعدهم به لشدة تمردهم على الله، ونكوصهم عن طريق الحق، وبعدهم عن ابتاع الصواب.
٧١ - فأجابهم هود على مقالتهم بقوله: ﴿قالَ﴾ هود لقومه: ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ﴾؛ أي: عذاب ﴿وَغَضَبٌ﴾؛ أي: سخط منه؛ أي: قد قضى عليكم ربكم ومالك أمركم بعذاب وطرد من رحمته، وقد كان عذابهم ريحا صرصرا ذات صوت شديد عاتية تنزع الناس من الأرض، ثم ترميهم صرعى كأنهم أعجاز نخل منقعر، أي: قد قلع من منابته وزال من أماكنه، وفي هذه الجملة جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيها على تحقق وقوعه. ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة، فقال: ﴿أَتُجادِلُونَنِي﴾ والهمزة فيه للإنكار والاستقباح لإنكارهم مجيئه داعيا لهم إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام؛ أي: أتخاصمونني ﴿فِي أَسْماءٍ﴾ عارية عن المسمى؛ إذ ليس فيها من معنى الألوهية شيء ﴿سَمَّيْتُمُوها﴾؛ أي: سميتم بها ﴿أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ﴾ أصناما، وكانت ثلاثة سموا أحدها صمودا، والأخرى صمدا، والثالثة هبا، فإنهم سموا الأصنام بالآلهة مع أن معنى الألوهية فيها معدوم؛ أي: وضعتموها أنتم وأباؤكم الذي قلدتموهم على غير علم ولا هدى منكم، ولا منهم لمسميات اتخذوها، فاتخذتموها آلهة زاعمين أنها تقربكم إلى الله زلفى، وتشفع عنده لكم ﴿ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها﴾؛ أي: ما أنزل بعبادتها ﴿مِنْ سُلْطانٍ﴾؛ أي: من حجة ولا برهان يصدق زعمكم بأنه رضي أن تكون واسطة بينه وبينكم؛ لأن المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل، وأن الأصنام لو استحقت العبادة.. كان استحقاقها بجعله تعالى؛ إما بإنزال آية، أو نصب دليل، فقوله تعالى: ﴿ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ﴾ عبارة عن خلو مذاهبهم عن الحجة والبينة.
والخلاصة: (١) أنه هو الذي يتوجه إليه وحده، ولا يشرك معه أحد من خلقه
٧١ - فأجابهم هود على مقالتهم بقوله: ﴿قالَ﴾ هود لقومه: ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ﴾؛ أي: عذاب ﴿وَغَضَبٌ﴾؛ أي: سخط منه؛ أي: قد قضى عليكم ربكم ومالك أمركم بعذاب وطرد من رحمته، وقد كان عذابهم ريحا صرصرا ذات صوت شديد عاتية تنزع الناس من الأرض، ثم ترميهم صرعى كأنهم أعجاز نخل منقعر، أي: قد قلع من منابته وزال من أماكنه، وفي هذه الجملة جعل ما هو متوقع كالواقع تنبيها على تحقق وقوعه. ثم استنكر عليهم ما وقع منهم من المجادلة، فقال: ﴿أَتُجادِلُونَنِي﴾ والهمزة فيه للإنكار والاستقباح لإنكارهم مجيئه داعيا لهم إلى عبادة الله، وترك عبادة الأصنام؛ أي: أتخاصمونني ﴿فِي أَسْماءٍ﴾ عارية عن المسمى؛ إذ ليس فيها من معنى الألوهية شيء ﴿سَمَّيْتُمُوها﴾؛ أي: سميتم بها ﴿أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ﴾ أصناما، وكانت ثلاثة سموا أحدها صمودا، والأخرى صمدا، والثالثة هبا، فإنهم سموا الأصنام بالآلهة مع أن معنى الألوهية فيها معدوم؛ أي: وضعتموها أنتم وأباؤكم الذي قلدتموهم على غير علم ولا هدى منكم، ولا منهم لمسميات اتخذوها، فاتخذتموها آلهة زاعمين أنها تقربكم إلى الله زلفى، وتشفع عنده لكم ﴿ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها﴾؛ أي: ما أنزل بعبادتها ﴿مِنْ سُلْطانٍ﴾؛ أي: من حجة ولا برهان يصدق زعمكم بأنه رضي أن تكون واسطة بينه وبينكم؛ لأن المستحق للعبادة بالذات هو الموجد للكل، وأن الأصنام لو استحقت العبادة.. كان استحقاقها بجعله تعالى؛ إما بإنزال آية، أو نصب دليل، فقوله تعالى: ﴿ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ﴾ عبارة عن خلو مذاهبهم عن الحجة والبينة.
والخلاصة: (١) أنه هو الذي يتوجه إليه وحده، ولا يشرك معه أحد من خلقه
(١) المراغي.
كما قال إبراهيم: ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ وكل ما يتعلق بعبادة الله لا يعلم إلا بوحي منه ينزله على رسله إذ لا يعلم إلا من عباده المبلغين عنه.
﴿فَانْتَظِرُوا﴾ ما يحصل لكم من عبادة هذه الأصنام، وهو نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم: ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ ﴿إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ لنزوله بكم، وفصل قضائه فينا وفيكم، وإنني لموقن بذلك وأنتم مرتابون.
٧٢ - ﴿فـ﴾ لما جاء أمرنا، ووقع ما وقع ﴿أنجيناه والذين معه﴾؛ أي: أنجينا هودا والذين آمنوا معه ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنَّا﴾ لهم ﴿وَقَطَعْنا﴾؛ أي: استأصلنا ﴿دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾؛ أي: آخرهم مع أولهم ﴿وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: ما أبقينا أحدا من الذين لا يؤمنون، فلو علم الله أنهم سيؤمنون لأبقاهم.
والمعنى: فلما جاء أمرنا، ووقع ما وقع أنجينا هودا والذين آمنوا به وبما دعا إليه من توحيد الله، وهجر الأوثان، وكانوا شرذمة قليلة يكتمون إيمانهم برحمة عظيمة من جهتنا بأن جعلوا في حظيرة ما يصل إليهم من الريح إلا ما يلين عليهم جلودهم وتلتذ به أنفسهم. وبعد ذلك (١) أتوا مكة مع هود، فعبدوا الله فيها حتى ماتوا، واستأصلنا دابر الدين جحدوا بآياتنا، ولم نبق منهم أحدا بريح صرصر ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ﴾ وكانت باردة ذات صوت شديد، ولا مطر فيها، وكان وقت مجيئها في عجز الشتاء، وابتدأتهم صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال، وسخرت عليهم سبع ليال وثمانية أيام، فأهلكت رجالهم ونساءهم وأولادهم وأموالهم بأن رفعت ذلك في الجو فمزقته. وفي «الخازن»: قال السدي: بعث الله عز وجل الريح العقيم، فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فلما رأوها تبادروا إلى البيوت فدخلوها، وأغلقوا الأبواب، فجاءت الريح، فقلعت أبوابهم، ودخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فلما أهلكتهم أرسل الله عليهم
﴿فَانْتَظِرُوا﴾ ما يحصل لكم من عبادة هذه الأصنام، وهو نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم: ﴿فَأْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ ﴿إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ لنزوله بكم، وفصل قضائه فينا وفيكم، وإنني لموقن بذلك وأنتم مرتابون.
٧٢ - ﴿فـ﴾ لما جاء أمرنا، ووقع ما وقع ﴿أنجيناه والذين معه﴾؛ أي: أنجينا هودا والذين آمنوا معه ﴿بِرَحْمَةٍ﴾ عظيمة كائنة ﴿مِنَّا﴾ لهم ﴿وَقَطَعْنا﴾؛ أي: استأصلنا ﴿دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾؛ أي: آخرهم مع أولهم ﴿وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: ما أبقينا أحدا من الذين لا يؤمنون، فلو علم الله أنهم سيؤمنون لأبقاهم.
والمعنى: فلما جاء أمرنا، ووقع ما وقع أنجينا هودا والذين آمنوا به وبما دعا إليه من توحيد الله، وهجر الأوثان، وكانوا شرذمة قليلة يكتمون إيمانهم برحمة عظيمة من جهتنا بأن جعلوا في حظيرة ما يصل إليهم من الريح إلا ما يلين عليهم جلودهم وتلتذ به أنفسهم. وبعد ذلك (١) أتوا مكة مع هود، فعبدوا الله فيها حتى ماتوا، واستأصلنا دابر الدين جحدوا بآياتنا، ولم نبق منهم أحدا بريح صرصر ﴿تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ﴾ وكانت باردة ذات صوت شديد، ولا مطر فيها، وكان وقت مجيئها في عجز الشتاء، وابتدأتهم صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوال، وسخرت عليهم سبع ليال وثمانية أيام، فأهلكت رجالهم ونساءهم وأولادهم وأموالهم بأن رفعت ذلك في الجو فمزقته. وفي «الخازن»: قال السدي: بعث الله عز وجل الريح العقيم، فلما دنت منهم نظروا إلى الإبل والرجال تطير بهم الريح بين السماء والأرض، فلما رأوها تبادروا إلى البيوت فدخلوها، وأغلقوا الأبواب، فجاءت الريح، فقلعت أبوابهم، ودخلت عليهم فأهلكتهم فيها، ثم أخرجتهم من البيوت، فلما أهلكتهم أرسل الله عليهم
(١) البيضاوي.
طيرا أسود، فنقلتهم إلى البحر، فألقتهم فيه. وقيل: إن الله تعالى أمر الريح، فأهالت عليهم الرمال، فكانوا تحت الرمال سبع ليال وثمانية أيام يسمع لهم أنين تحت الرمل، ثم أمر الريح، فكشفت عنهم الرمل، ثم احتملتهم، فرمت بهم في البحر. اه.
٧٣ - ﴿وَ﴾ لقد أرسلنا ﴿إِلى ثَمُودَ﴾ اسم قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر، وهو ثمود بن عامر بن سام بن نوح، وتسمى عادا الثانية ﴿أَخاهُمْ﴾ في النسب ﴿صالِحًا﴾؛ لأنه صالح بن عبيد بن أسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن المذكور، فهو من فروعه، فليس من أنبياء بني إسرائيل، وكان بين صالح وهود مئة سنة، وعاش صالح مئتين وثمانين سنة.
وكانت (١) مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله، والمعنى: وأرسلنا إلى بني ثمود أخاهم صالحا؛ لأن ثمود قبيلة. قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثمود لقلة مائها، والثمد: الماء القليل.
﴿قالَ﴾ صالح لثمود: ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: أفردوا الله بالعبادة وحده ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾؛ أي: فليس لكم إله غيره تعالى يستحق منكم العبادة ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾ ظاهرة ومعجزة واضحة كائنة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ تدل على صدقي فيما أقول لكم، وأدعوكم إليه من توحيد الله سبحانه وتعالى، وإفراده بالعبادة دون ما سواه، وهي إخراج الناقة من الحجر الصلد.
وفي قوله: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ إيماء إلى أنها ليست من فعله ولا مما ينالها كسبه، وهكذا سائر ما يؤيد الله به الرسل من خوارق العادات، وهذه المقالة كانت لهم بعد نصحهم وتذكيرهم بنعم الله، وتكذيبهم له كما جاء في سورة هود: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها...﴾ إلى آخر الآيات، وجملة قوله: ﴿هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ﴾ حالة كونها ﴿لَكُمْ آيَةً﴾ على صدقي مشتملة على بيان البينة المذكورة أولا، وانتصاب ﴿آيَةً﴾ على الحال، والعامل فيها معنى الإشارة، وفي
٧٣ - ﴿وَ﴾ لقد أرسلنا ﴿إِلى ثَمُودَ﴾ اسم قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر، وهو ثمود بن عامر بن سام بن نوح، وتسمى عادا الثانية ﴿أَخاهُمْ﴾ في النسب ﴿صالِحًا﴾؛ لأنه صالح بن عبيد بن أسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن المذكور، فهو من فروعه، فليس من أنبياء بني إسرائيل، وكان بين صالح وهود مئة سنة، وعاش صالح مئتين وثمانين سنة.
وكانت (١) مساكن ثمود الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وما حوله، والمعنى: وأرسلنا إلى بني ثمود أخاهم صالحا؛ لأن ثمود قبيلة. قال أبو عمرو بن العلاء: سميت ثمود لقلة مائها، والثمد: الماء القليل.
﴿قالَ﴾ صالح لثمود: ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾؛ أي: أفردوا الله بالعبادة وحده ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾؛ أي: فليس لكم إله غيره تعالى يستحق منكم العبادة ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾ ظاهرة ومعجزة واضحة كائنة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ تدل على صدقي فيما أقول لكم، وأدعوكم إليه من توحيد الله سبحانه وتعالى، وإفراده بالعبادة دون ما سواه، وهي إخراج الناقة من الحجر الصلد.
وفي قوله: ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ إيماء إلى أنها ليست من فعله ولا مما ينالها كسبه، وهكذا سائر ما يؤيد الله به الرسل من خوارق العادات، وهذه المقالة كانت لهم بعد نصحهم وتذكيرهم بنعم الله، وتكذيبهم له كما جاء في سورة هود: ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها...﴾ إلى آخر الآيات، وجملة قوله: ﴿هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ﴾ حالة كونها ﴿لَكُمْ آيَةً﴾ على صدقي مشتملة على بيان البينة المذكورة أولا، وانتصاب ﴿آيَةً﴾ على الحال، والعامل فيها معنى الإشارة، وفي
(١) الخازن.
395
إضافة ﴿ناقَةُ﴾ إلى ﴿اللَّهَ﴾ تعالى تشريف لها وتكريم كما يقال: بيت الله وروح الله.
ووجه كونها معجزة له خارقة للعادة أنها خرجت من صخرة في الجبل، وكونها لا من ذكر ولا من أنثى، وكان خلقها من غير حمل ولا تدريج؛ لأنه خلقت في ساعة، وخرجت من الصخرة، وقيل: لأنها كان لها شرب يوم ولجميع قبيلة ثمود شرب يوم، وهذه من المعجزة أيضا؛ لأن ناقة تشرب ما تشربه قبيلة معجزة، وكانوا يحلبونها في يوم شربها قدر ما يكفيهم جميعهم، ويقوم لهم مقام الماء، وهذا أيضا معجزة. وقيل: إن سائر الوحوش والحيوانات كانت تمتنع من شرب الماء في يوم نوبتها، وتشرب في يوم نوبة ثمود، وهذا أيضا معجزة، وإنما أضافها إلى الله؛ لأن الله تعالى خلقها من غير واسطة ذكر وأنثى. وقيل: لأنها لم يملكها أحد إلا الله تعالى. وقيل: لأنها كانت حجة الله على قوم صالح، وإنما استشهد صالح على صحة نبوته بالناقة؛ لأنهم سألوه إياها آية دالة على صدق دعوته، وصحة نبوته.
ثم ذكر ما يترتب على كونها آية من أنه لا ينبغي التعرض لها، فقال: ﴿فَذَرُوها﴾؛ أي: فاتركوها حالة كونها ﴿تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ﴾؛ أي: في الحجر؛ أي: إن الأرض أرض الله، والناقة ناقة الله، فاتركوها تأكل ما تأكل في أرض ربها، وليس لكم أن تحولوا بينها وبين أرض ربها، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم، وكانت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء ترد غبا، فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر، فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها، ثم تفجج فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلىء أوانيهم، فيشربون ويدخرون. وقرأ أبو جعفر في رواية: ﴿تأكل﴾ - بالرفع - وهو في محل حال حينئذ.
﴿وَلا تَمَسُّوها﴾؛ أي: ولا تقربوها ﴿بِسُوءٍ﴾؛ أي: بضرر من عقر وضرب مثلا؛ أي: لا تضربوها ولا تعقروها ولا تطردوها ولا تقربوها بشيء من أنواع الأذى، ولا تتعرضوا لها بوجه من الوجوه التي تسوؤها وتضرها في نفسها، ولا في أكلها إكراما لآية الله تعالى: ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ بسبب أذاها؛ أي: فإنكم
ووجه كونها معجزة له خارقة للعادة أنها خرجت من صخرة في الجبل، وكونها لا من ذكر ولا من أنثى، وكان خلقها من غير حمل ولا تدريج؛ لأنه خلقت في ساعة، وخرجت من الصخرة، وقيل: لأنها كان لها شرب يوم ولجميع قبيلة ثمود شرب يوم، وهذه من المعجزة أيضا؛ لأن ناقة تشرب ما تشربه قبيلة معجزة، وكانوا يحلبونها في يوم شربها قدر ما يكفيهم جميعهم، ويقوم لهم مقام الماء، وهذا أيضا معجزة. وقيل: إن سائر الوحوش والحيوانات كانت تمتنع من شرب الماء في يوم نوبتها، وتشرب في يوم نوبة ثمود، وهذا أيضا معجزة، وإنما أضافها إلى الله؛ لأن الله تعالى خلقها من غير واسطة ذكر وأنثى. وقيل: لأنها لم يملكها أحد إلا الله تعالى. وقيل: لأنها كانت حجة الله على قوم صالح، وإنما استشهد صالح على صحة نبوته بالناقة؛ لأنهم سألوه إياها آية دالة على صدق دعوته، وصحة نبوته.
ثم ذكر ما يترتب على كونها آية من أنه لا ينبغي التعرض لها، فقال: ﴿فَذَرُوها﴾؛ أي: فاتركوها حالة كونها ﴿تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ﴾؛ أي: في الحجر؛ أي: إن الأرض أرض الله، والناقة ناقة الله، فاتركوها تأكل ما تأكل في أرض ربها، وليس لكم أن تحولوا بينها وبين أرض ربها، فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم، وكانت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء ترد غبا، فإذا كان يومها وضعت رأسها في البئر، فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها، ثم تفجج فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلىء أوانيهم، فيشربون ويدخرون. وقرأ أبو جعفر في رواية: ﴿تأكل﴾ - بالرفع - وهو في محل حال حينئذ.
﴿وَلا تَمَسُّوها﴾؛ أي: ولا تقربوها ﴿بِسُوءٍ﴾؛ أي: بضرر من عقر وضرب مثلا؛ أي: لا تضربوها ولا تعقروها ولا تطردوها ولا تقربوها بشيء من أنواع الأذى، ولا تتعرضوا لها بوجه من الوجوه التي تسوؤها وتضرها في نفسها، ولا في أكلها إكراما لآية الله تعالى: ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ بسبب أذاها؛ أي: فإنكم
396
إن فعلتم ذلك أخذكم عذاب أليم؛ أي: إذا لم تتركوا مسها بشيء من السوء أخذكم عذاب أليم، أي: شديد الألم. وقد وصف العذاب في سورة هود بالقريب، وهو يقع بعد ثلاثة أيام من مسهم إياها بالسوء، وكذلك كان، وجاء في سورة القمر: ﴿وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨)﴾ وجاء تفسير هذا في سورة الشعراء: ﴿هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾؛ أي: إن الماء الذي كانوا يشربون منه قسمة بينهم وبين الناقة؛ إذ كان ماء قليلا، فكانوا يشربونه يوما وتشرب هي يوما، وقد روي عن ابن عباس: أنهم كانوا يستعيضون عن الماء يوم شربها بلبنها.
٧٤ - ثم ذكرهم بنعم الله عليهم، وبوجوب شكرها بعبادته تعالى وحده، فقال: ﴿وَاذْكُرُوا﴾؛ أي: وتذكروا يا قومي نعم الله عليكم، وإحسانه إليكم ﴿إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ﴾؛ أي: جعلكم خلفاء في الأرض عن عاد في الحضارة والعمران والقوة والبأس ﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أنزلكم وأسكنكم منازلهم في الأرض حالة كونكم ﴿تَتَّخِذُونَ﴾؛ أي: تعملون وتصنعون ﴿مِنْ سُهُولِها﴾؛ أي: من سهول الأرض - جمع سهل - والسهل من الأرض: اللين، وهو غير الجبل؛ أي: تصنعون وتأخذون من سهول الأرض وترابها ﴿قُصُورًا﴾؛ أي: مادة قصور كالطين واللبن والآجر، والمعنى: تتخذون من سهولها قصورا زاهية ودورا عالية بما ألهمكم الله من حذق في الصناعة، فجعلكم تضربون اللبن وتحرقونه آجرا - الطوب المحرق - وتستعملون الجص، وتجيدون هندسة البناء ودقة النجارة ﴿وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا﴾؛ أي: تنقبون من الجبال بيوتا؛ إذ علمكم صناعة النحت، وآتاكم القوة والجلد. روي أنهم كانوا يسكنون الجبال في الشتاء لما في البيوت المنحوتة من القوة، فلا تؤثر فيها الأمطار والعواصف، ويسكنون السهول في باقي الفصول للزراعة والعمل. وقال الشوكاني: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا﴾؛ أي: تتخذون في الجبال التي هي صخور بيوتا تسكنون فيها، وقد كانوا لقوتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الجبال، فيتخذون فيها كهوفا يسكنون فيها؛ لأن الأبنية والسقوف لطول أعمارهم كانت تفنى قبل فناء أعمارهم. اه.
٧٤ - ثم ذكرهم بنعم الله عليهم، وبوجوب شكرها بعبادته تعالى وحده، فقال: ﴿وَاذْكُرُوا﴾؛ أي: وتذكروا يا قومي نعم الله عليكم، وإحسانه إليكم ﴿إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ﴾؛ أي: جعلكم خلفاء في الأرض عن عاد في الحضارة والعمران والقوة والبأس ﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أنزلكم وأسكنكم منازلهم في الأرض حالة كونكم ﴿تَتَّخِذُونَ﴾؛ أي: تعملون وتصنعون ﴿مِنْ سُهُولِها﴾؛ أي: من سهول الأرض - جمع سهل - والسهل من الأرض: اللين، وهو غير الجبل؛ أي: تصنعون وتأخذون من سهول الأرض وترابها ﴿قُصُورًا﴾؛ أي: مادة قصور كالطين واللبن والآجر، والمعنى: تتخذون من سهولها قصورا زاهية ودورا عالية بما ألهمكم الله من حذق في الصناعة، فجعلكم تضربون اللبن وتحرقونه آجرا - الطوب المحرق - وتستعملون الجص، وتجيدون هندسة البناء ودقة النجارة ﴿وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا﴾؛ أي: تنقبون من الجبال بيوتا؛ إذ علمكم صناعة النحت، وآتاكم القوة والجلد. روي أنهم كانوا يسكنون الجبال في الشتاء لما في البيوت المنحوتة من القوة، فلا تؤثر فيها الأمطار والعواصف، ويسكنون السهول في باقي الفصول للزراعة والعمل. وقال الشوكاني: ﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتًا﴾؛ أي: تتخذون في الجبال التي هي صخور بيوتا تسكنون فيها، وقد كانوا لقوتهم وصلابة أبدانهم ينحتون الجبال، فيتخذون فيها كهوفا يسكنون فيها؛ لأن الأبنية والسقوف لطول أعمارهم كانت تفنى قبل فناء أعمارهم. اه.
397
والخلاصة: تبنون قصورا عالية، وبيوتا رفيعة للصيف بما تعملون من سهول الأرض من الطين واللبن والآجر والجبس، وتنقبون في الجبال بيوتا للشتاء، وذلك لطول أعمارهم، فإن السقوف والأبنية تتهدم قبل انقضاء أعمارهم، فكان عمر واحد منهم ثلاث مئة سنة إلى ألف سنة كقوم هود. قال (١) وهب: كان الرجل يبني البنيان، فتمر عليه مئة سنة، فيخرب، ثم يجدده، فتمر عليه مئة سنة، فيخرب، ثم يجدده، فتمر عليه مئة سنة، فيخرب، فأضجرهم ذلك، فاتخذوا الجبال بيوتا. وسميت القصور قصورا؛ لقصور الفقراء عن تحصيلها وحبسهم عن نيلها. ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ﴾؛ أي: تذكروا نعم الله تعالى عليكم بالشكر عليها، فإنكم متنعمون مترفون ﴿وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ قال قتادة (٢): معناه ولا تسيروا في الأرض مفسدين ومكثرين فيها الفساد، والعثو: أشد الفساد. وقيل:
أراد به عقر الناقة، وقيل: هو على ظاهره، فيدخل فيه النهي عن جميع أنواع الفساد، والمعنى على هذا: ولا تعملوا في الأرض شيئا من أنواع الفساد، والمعنى: وتذكروا هذه النعم العظام، واشكروها له بتوحيده، وإفراده بالعبادة، ولا تتصرفوا فيها تصرف كفران وجحود بفعل ما لا يرضي الله الذي خلقها لكم بالكفر، والعثي في الأرض بالفساد.
وقرأ الحسن (٣): ﴿وتنحَتون﴾ - بفتح الحاء - وزاد الزمخشري أنه قرأ: ﴿وتنحاتون﴾ - بإشباع الفتحة -. وقرأ ابن مصرف بالياء من أسفل وكسر الحاء. وقرأ أبو مالك بالياء من أسفل وفتح الحاء، ومن قرأ بالياء فهو التفات، وقرأ الأعمش: ﴿تِعثوا﴾ - بكسر التاء - لقولهم: أنت تعلم وهي لغة.
قصة الناقة
وروي: أن هذه الناقة هي آية مقترحة لقوم صالح لما حذرهم وأنذرهم سألوه آية، فقال: أية آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة، فتدعو إلهك، وندعو آلهتنا، فإن استجيب لك اتبعناك، وإن استجيب
أراد به عقر الناقة، وقيل: هو على ظاهره، فيدخل فيه النهي عن جميع أنواع الفساد، والمعنى على هذا: ولا تعملوا في الأرض شيئا من أنواع الفساد، والمعنى: وتذكروا هذه النعم العظام، واشكروها له بتوحيده، وإفراده بالعبادة، ولا تتصرفوا فيها تصرف كفران وجحود بفعل ما لا يرضي الله الذي خلقها لكم بالكفر، والعثي في الأرض بالفساد.
وقرأ الحسن (٣): ﴿وتنحَتون﴾ - بفتح الحاء - وزاد الزمخشري أنه قرأ: ﴿وتنحاتون﴾ - بإشباع الفتحة -. وقرأ ابن مصرف بالياء من أسفل وكسر الحاء. وقرأ أبو مالك بالياء من أسفل وفتح الحاء، ومن قرأ بالياء فهو التفات، وقرأ الأعمش: ﴿تِعثوا﴾ - بكسر التاء - لقولهم: أنت تعلم وهي لغة.
قصة الناقة
وروي: أن هذه الناقة هي آية مقترحة لقوم صالح لما حذرهم وأنذرهم سألوه آية، فقال: أية آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة، فتدعو إلهك، وندعو آلهتنا، فإن استجيب لك اتبعناك، وإن استجيب
(١) البحر المحيط.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.
(٢) الخازن.
(٣) البحر المحيط.
398
لنا اتبعتنا. قال صالح: نعم. فخرج معهم، فدعوا أوثانهم وسألوها الإجابة، فلم تجبهم، ثم قال سيدهم - جندع بن عمرو بن جواس، وأشار إلى صخرة منفردة من ناحية الجبل يقال لها: الكاثبة - أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء عشراء، والمخترجة: ما شاكلت البخت من الإبل، فأخذ صالح عليه السلام مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدقن قالوا: نعم. فصلى ركعتين، ودعا ربه، فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها، ثم تحركت، فانصدعت عن ناقة كما وصفوا، لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله عظما، وهم ينظرون، ثم نتجت سقبا مثلها في العظم، فآمن به جندع ورهط من قومه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب صاحبا أوثانهم، وريان ابن كاهنهم، وكانوا من أشراف ثمود، وهذه الناقة وسقبها مشهور قصتهما عند جاهلية العرب. قال أبو موسى الأشعري: أتيت أرض ثمود، فذرعت صدر الناقة، فوجدته ستين ذراعا.
الإعراب
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)﴾.
﴿لَقَدْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم المحذوف. ﴿قد﴾: حرف تحقيق ﴿أَرْسَلْنا نُوحًا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. ﴿إِلى قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنا﴾. فَقالَ: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، ﴿قال﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿نوح﴾، والجملة معطوفة مفرعة على جملة ﴿أَرْسَلْنا﴾. ﴿يا قَوْمِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء، ﴿قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ على كونها جواب النداء. ﴿ما﴾ نافية. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ﴾ زائدة. ﴿يَشْكُرُونَ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿إِلهٍ﴾: صفة لـ ﴿إِلهٍ﴾ تابع لمحله، والتقدير: ما
الإعراب
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)﴾.
﴿لَقَدْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة للقسم المحذوف. ﴿قد﴾: حرف تحقيق ﴿أَرْسَلْنا نُوحًا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم المحذوف مستأنفة. ﴿إِلى قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَرْسَلْنا﴾. فَقالَ: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، ﴿قال﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿نوح﴾، والجملة معطوفة مفرعة على جملة ﴿أَرْسَلْنا﴾. ﴿يا قَوْمِ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قال﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء، ﴿قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ على كونها جواب النداء. ﴿ما﴾ نافية. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر مقدم. ﴿مِنْ﴾ زائدة. ﴿يَشْكُرُونَ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿إِلهٍ﴾: صفة لـ ﴿إِلهٍ﴾ تابع لمحله، والتقدير: ما
399
إله غير الله كائن لكم، والجملة في محل النصب مقول ﴿قال﴾ على كونها مسوقة لتعليل العبادة، أو للأمر بها كما في «أبي السعود» إِنِّي: ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿الياء﴾: اسمها. ﴿أَخافُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على ﴿نوح﴾. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿أَخافُ﴾. ﴿عَذابَ يَوْمٍ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿عَظِيمٍ﴾ صفة لـ ﴿الله﴾، وجملة ﴿أَخافُ﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾ معللة للعبادة ببيان الصارف عن تركها إثر تعليلها ببيان الداعي إليها. ذكره «أبو السعود».
﴿قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠)﴾.
﴿قالَ الْمَلَأُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من ﴿الْمَلَأُ﴾. ﴿إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّا﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب. ﴿نا﴾: ضمير المتكلمين في محل النصب اسمها. ﴿لَنَراكَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿نراك﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين. ﴿فِي ضَلالٍ﴾: جار ومجرور في محل النصب على كونه مفعولا ثانيا لـ ﴿رأى﴾؛ لأن ﴿رأى﴾ هنا من أفعال القلوب. ﴿مُبِينٍ﴾: صفة ﴿ضَلالٍ﴾، وجملة ﴿رأى﴾: في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾.
﴿قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١)﴾.
﴿قالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿نوح﴾، والجملة مستأنفة. ﴿يا قَوْمِ﴾ إلى قوله: ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء. ﴿قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿لَيْسَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿بِي﴾: جار ومجرور خبر لـ ﴿لَيْسَ﴾ مقدم على اسمها. ﴿ضَلالَةٌ﴾: اسمها مؤخر، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ في محل النصب مقول على كونها جواب النداء. ﴿وَلكِنِّي﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿لكن﴾: حرف استدراك، و ﴿النون﴾: للوقاية، و ﴿الياء﴾: اسمها. ﴿رَسُولٌ﴾: خبرها. {مِنْ رَبِ
﴿قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٦٠)﴾.
﴿قالَ الْمَلَأُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من ﴿الْمَلَأُ﴾. ﴿إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّا﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب. ﴿نا﴾: ضمير المتكلمين في محل النصب اسمها. ﴿لَنَراكَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿نراك﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين. ﴿فِي ضَلالٍ﴾: جار ومجرور في محل النصب على كونه مفعولا ثانيا لـ ﴿رأى﴾؛ لأن ﴿رأى﴾ هنا من أفعال القلوب. ﴿مُبِينٍ﴾: صفة ﴿ضَلالٍ﴾، وجملة ﴿رأى﴾: في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾.
﴿قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦١)﴾.
﴿قالَ﴾ فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿نوح﴾، والجملة مستأنفة. ﴿يا قَوْمِ﴾ إلى قوله: ﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا﴾: حرف نداء. ﴿قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿لَيْسَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿بِي﴾: جار ومجرور خبر لـ ﴿لَيْسَ﴾ مقدم على اسمها. ﴿ضَلالَةٌ﴾: اسمها مؤخر، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ في محل النصب مقول على كونها جواب النداء. ﴿وَلكِنِّي﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة، ﴿لكن﴾: حرف استدراك، و ﴿النون﴾: للوقاية، و ﴿الياء﴾: اسمها. ﴿رَسُولٌ﴾: خبرها. {مِنْ رَبِ
400
الْعالَمِينَ}: جار ومجرور صفة لـ ﴿رَسُولٌ﴾، وجملة ﴿لكن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها استدراكا على ما قبلها.
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢)﴾.
﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾: فعل ومفعول أول. ﴿رِسالاتِ رَبِّي﴾: مفعول ثان ومضاف إليه، وفاعله ضمير يعود على ﴿نوح﴾. ﴿وَأَنْصَحُ﴾ فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره آنا يعود على نوح ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾. ﴿وَأَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة معطوفة على جملة ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾، أو حال من ﴿ما﴾ الموصولة المذكورة بعده، أو من عائده المحذوف؛ لأن علم هنا بمعنى عرف، فيتعدى إلى مفعول واحد. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول علم. ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما لا تعلمونه.
﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
﴿أَوَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، و ﴿الواو﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، ﴿عَجِبْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على محذوف تقديره: أكذبتم وعجبتم، والجملة المحذوفة مع ما عطف عليها في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَنْ﴾: مصدرية. ﴿جاءَكُمْ﴾: فعل ومفعول في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية. ﴿ذِكْرٌ﴾: فاعل لـ ﴿جاء﴾. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: صفة لـ ﴿ذِكْرٌ﴾، أو متعلق بـ ﴿جاء﴾، وجملة ﴿جاء﴾ في تأويل مصدر منصوب بـ ﴿عَجِبْتُمْ﴾ تقديره: أو عجبتم مجيء ذكر من ربكم. ﴿عَلى رَجُلٍ﴾: جار ومجرور إما متعلق بـ ﴿جاء﴾؛ لأنه بمعنى نزل، أو حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور قبله؛ أي: ذكر كائن من ربكم حال كونه نازلا على رجل منكم.
﴿منكم﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رَجُلٍ﴾. ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾: ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل. ﴿ينذركم﴾: فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي،
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٦٢)﴾.
﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾: فعل ومفعول أول. ﴿رِسالاتِ رَبِّي﴾: مفعول ثان ومضاف إليه، وفاعله ضمير يعود على ﴿نوح﴾. ﴿وَأَنْصَحُ﴾ فعل مضارع مرفوع والفاعل ضمير مستتر وجوبا تقديره آنا يعود على نوح ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾. ﴿وَأَعْلَمُ﴾: فعل مضارع، وفاعله ضمير يعود على نوح، والجملة معطوفة على جملة ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾. ﴿مِنَ اللَّهِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أَعْلَمُ﴾، أو حال من ﴿ما﴾ الموصولة المذكورة بعده، أو من عائده المحذوف؛ لأن علم هنا بمعنى عرف، فيتعدى إلى مفعول واحد. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول علم. ﴿لا تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما لا تعلمونه.
﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
﴿أَوَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف، و ﴿الواو﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، ﴿عَجِبْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على محذوف تقديره: أكذبتم وعجبتم، والجملة المحذوفة مع ما عطف عليها في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَنْ﴾: مصدرية. ﴿جاءَكُمْ﴾: فعل ومفعول في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية. ﴿ذِكْرٌ﴾: فاعل لـ ﴿جاء﴾. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: صفة لـ ﴿ذِكْرٌ﴾، أو متعلق بـ ﴿جاء﴾، وجملة ﴿جاء﴾ في تأويل مصدر منصوب بـ ﴿عَجِبْتُمْ﴾ تقديره: أو عجبتم مجيء ذكر من ربكم. ﴿عَلى رَجُلٍ﴾: جار ومجرور إما متعلق بـ ﴿جاء﴾؛ لأنه بمعنى نزل، أو حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور قبله؛ أي: ذكر كائن من ربكم حال كونه نازلا على رجل منكم.
﴿منكم﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رَجُلٍ﴾. ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾: ﴿اللام﴾: حرف جر وتعليل. ﴿ينذركم﴾: فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي،
401
وفاعله ضمير يعود على ﴿رَجُلٍ﴾، والجملة في تأويل مصدر مجرور بلام كي، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿جاء﴾، والتقدير: أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لإنذاره إياكم. ﴿وَلِتَتَّقُوا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لِتَتَّقُوا﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة جوازا بعد لام كي، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: ولاتقاءكم عذاب الله، الجار والمجرور معطوف على الجار والمجرور قبله على كونه متعلقا بـ ﴿جاء﴾. ﴿وَلَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه، وجملة ﴿تُرْحَمُونَ﴾ في محل الرفع خبر ﴿لعل﴾، وجملة ﴿لعل﴾ في محل الجر بلام التعليل المقدرة معطوفة على جملة ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾؛ لأنها علة ثالثة؛ أي: جاءكم لإنذاركم، ولاتقائكم عذاب الله، ولرجائكم رحمة الله تعالى.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤)﴾.
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قال لهم نوح وما قالوا له، وأردت بيان عاقبة أمره وأمرهم.. فأقول لك:} كذبوه}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿أنجيناه﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿كذبوه﴾. ﴿وَالَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل النصب معطوف على الضمير في ﴿أنجيناه﴾. ﴿مَعَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه صلة الموصول. ﴿فِي الْفُلْكِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنجيناه﴾، أو متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الظرف قبله. ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿أنجيناه﴾. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿بِآياتِنا﴾: متعلق بـ ﴿كذّبوا﴾. ﴿إِنَّهُمْ﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿الهاء﴾: اسمها. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَوْمًا﴾: خبرها. ﴿عَمِينَ﴾: صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾ منصوب بالياء، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها أعني: أغرقنا.
﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُودًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾.
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمًا عَمِينَ (٦٤)﴾.
﴿فَكَذَّبُوهُ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قال لهم نوح وما قالوا له، وأردت بيان عاقبة أمره وأمرهم.. فأقول لك:} كذبوه}: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿أنجيناه﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿كذبوه﴾. ﴿وَالَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل النصب معطوف على الضمير في ﴿أنجيناه﴾. ﴿مَعَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه صلة الموصول. ﴿فِي الْفُلْكِ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنجيناه﴾، أو متعلق بالاستقرار الذي تعلق به الظرف قبله. ﴿وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول معطوف على ﴿أنجيناه﴾. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل صلة الموصول. ﴿بِآياتِنا﴾: متعلق بـ ﴿كذّبوا﴾. ﴿إِنَّهُمْ﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿الهاء﴾: اسمها. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَوْمًا﴾: خبرها. ﴿عَمِينَ﴾: صفة لـ ﴿قَوْمًا﴾ منصوب بالياء، وجملة ﴿كان﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها أعني: أغرقنا.
﴿وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُودًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ﴾.
402
﴿وَإِلى عادٍ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿إِلى عادٍ﴾: جار ومجرور معطوف على قوله: ﴿إلى نوح﴾ على كونه متعلقا بـ ﴿أَرْسَلْنا﴾. ﴿أَخاهُمْ﴾: مفعول ﴿أَرْسَلْنا﴾. ﴿هُودًا﴾: بدل من ﴿أَخاهُمْ﴾، أو عطف بيان له. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿هود﴾، والجملة مستأنفة. ﴿يا قَوْمِ﴾ إلى قوله: ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت ﴿يا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿ما﴾: نافية. ﴿لَكُمْ﴾: خبر مقدم. ﴿مِنْ إِلهٍ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿غَيْرُهُ﴾ صفة لـ ﴿إِلهٍ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَفَلا﴾: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري الاستبعادي داخلة على محذوف. ﴿الفاء﴾: عاطفة على ذلك المحذوف. ﴿لا﴾: نافية. ﴿تَتَّقُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾، والتقدير: أتعرضون فلا تتقون الله.
﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦)﴾.
﴿قالَ الْمَلَأُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْمَلَأُ﴾. ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول. ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور حال من واو ﴿كَفَرُوا﴾. ﴿إِنَّا لَنَراكَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّا﴾ ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿نا﴾: ضمير المتكلمين اسمها. ﴿لَنَراكَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿نراك﴾: فعل ومفعول أول. ﴿فِي سَفاهَةٍ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني؛ لأن ﴿رأى﴾ هنا قلبية، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، وجملة ﴿رأى﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿وَإِنَّا﴾: ناصب واسمه. ﴿لَنَظُنُّكَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿نظنك﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين. ﴿مِنَ الْكاذِبِينَ﴾: في محل المفعول الثاني، وجملة ﴿نظنك﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب معطوفة على جملة إن الأولى.
﴿قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧)﴾.
﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٦٦)﴾.
﴿قالَ الْمَلَأُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْمَلَأُ﴾. ﴿كَفَرُوا﴾: صلة الموصول. ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور حال من واو ﴿كَفَرُوا﴾. ﴿إِنَّا لَنَراكَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إِنَّا﴾ ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿نا﴾: ضمير المتكلمين اسمها. ﴿لَنَراكَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿نراك﴾: فعل ومفعول أول. ﴿فِي سَفاهَةٍ﴾: جار ومجرور في محل المفعول الثاني؛ لأن ﴿رأى﴾ هنا قلبية، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين، وجملة ﴿رأى﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿وَإِنَّا﴾: ناصب واسمه. ﴿لَنَظُنُّكَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء. ﴿نظنك﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على المتكلمين. ﴿مِنَ الْكاذِبِينَ﴾: في محل المفعول الثاني، وجملة ﴿نظنك﴾ في محل الرفع خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب معطوفة على جملة إن الأولى.
﴿قالَ يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٧)﴾.
403
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على هود، والجملة مستأنفة. ﴿يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ﴾ إلى قوله: ﴿قالُوا أَجِئْتَنا﴾: مقول محكي، وإن شئت قلت ﴿يا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿لَيْسَ﴾: فعل ناقص. ﴿بِي﴾: خبر مقدم لـ ﴿لَيْسَ﴾. ﴿سَفاهَةٌ﴾: اسم ليس مؤخر، وجملة ﴿لَيْسَ﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿وَلكِنِّي﴾: ناصب واسمها. ﴿رَسُولٌ﴾: خبر ﴿لكن﴾. ﴿مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾: صفة لـ ﴿رَسُولٌ﴾، وجملة ﴿لكن﴾ استدراكية في محل النصب معطوفة على جملة ﴿لَيْسَ﴾.
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨)﴾.
﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على هود. ﴿رِسالاتِ رَبِّي﴾: مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لتقرير رسالته وتفصيل أحكامه، وقيل: صفة أخرى لـ ﴿رَسُولٌ﴾، ولكنه راعى الضمير السابق الذي للمتكلم، فقال: ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾، ولو راعى الاسم الظاهر بعده لقال: يبلغكم، والاستعمالان جائزان في كل اسم ظاهر سبقه ضمير حاضر من متكلم أو مخاطب، فيجوز لك وجهان: مراعاة الضمير السابق وهو الأكثر، ومراعاة الاسم الظاهر، فتقول: أنا رجل أفعل كذا مراعاة لأنا، وإن شئت قلت: أنا رجل يفعل كذا مراعاة لرجل، ومثله: أنت رجل تفعل ويفعل بالخطاب والغيبة اه «سمين». ﴿وَأَنَا﴾: مبتدأ. ﴿لَكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿ناصِحٌ﴾. ﴿ناصِحٌ﴾: خبر المبتدأ. ﴿أَمِينٌ﴾: صفة له، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾.
﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ﴾.
﴿أَوَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف. ﴿الواو﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، ﴿عَجِبْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على محذوف تقديره: أكذبتم وعجبتم، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَنْ﴾: مصدرية. ﴿جاءَكُمْ﴾: فعل ومفعول في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية. ﴿ذِكْرٌ﴾: فاعل ﴿جاء﴾. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: صفة لـ ﴿ذِكْرٌ﴾، وجملة
﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ ناصِحٌ أَمِينٌ (٦٨)﴾.
﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾: فعل ومفعول أول، وفاعله ضمير يعود على هود. ﴿رِسالاتِ رَبِّي﴾: مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة الفعلية مستأنفة مسوقة لتقرير رسالته وتفصيل أحكامه، وقيل: صفة أخرى لـ ﴿رَسُولٌ﴾، ولكنه راعى الضمير السابق الذي للمتكلم، فقال: ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾، ولو راعى الاسم الظاهر بعده لقال: يبلغكم، والاستعمالان جائزان في كل اسم ظاهر سبقه ضمير حاضر من متكلم أو مخاطب، فيجوز لك وجهان: مراعاة الضمير السابق وهو الأكثر، ومراعاة الاسم الظاهر، فتقول: أنا رجل أفعل كذا مراعاة لأنا، وإن شئت قلت: أنا رجل يفعل كذا مراعاة لرجل، ومثله: أنت رجل تفعل ويفعل بالخطاب والغيبة اه «سمين». ﴿وَأَنَا﴾: مبتدأ. ﴿لَكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿ناصِحٌ﴾. ﴿ناصِحٌ﴾: خبر المبتدأ. ﴿أَمِينٌ﴾: صفة له، والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل ﴿أُبَلِّغُكُمْ﴾.
﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ﴾.
﴿أَوَ﴾ ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري داخلة على محذوف. ﴿الواو﴾: عاطفة على ذلك المحذوف، ﴿عَجِبْتُمْ﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على محذوف تقديره: أكذبتم وعجبتم، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَنْ﴾: مصدرية. ﴿جاءَكُمْ﴾: فعل ومفعول في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية. ﴿ذِكْرٌ﴾: فاعل ﴿جاء﴾. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: صفة لـ ﴿ذِكْرٌ﴾، وجملة
404
﴿جاء﴾ في تأويل مصدر منصوب على كونه مفعول ﴿جاء﴾ تقديره: أو عجبتم مجيء ذكر من ربكم، أو مجرور بمن المحذوفة تقديره: أو عجبتم من مجيء ذكر من ربكم. ﴿عَلى رَجُلٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جاء﴾. ﴿مِنْكُمْ﴾: صفة ﴿رَجُلٍ﴾. ﴿لِيُنْذِرَكُمْ﴾: ﴿اللام﴾ لام كي، ﴿ينذركم﴾: فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على ﴿رَجُلٍ﴾، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام تقديره: لإنذاره إياكم، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿جاء﴾.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
﴿وَاذْكُرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان متعلق بـ ﴿اذْكُرُوا﴾. ﴿جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ﴾: فعل ومفعولان، وفاعلة ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿خُلَفاءَ﴾. ﴿وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً﴾: فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة ﴿جَعَلَكُمْ﴾ على كونها مضافا إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿فَاذْكُرُوا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿اذكروا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿اذكروا﴾ الأول للتأكيد. ﴿آلاءَ اللَّهِ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿لَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿تُفْلِحُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر ﴿لعل﴾، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠)﴾.
﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿أَجِئْتَنا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَجِئْتَنا﴾: ﴿الهمزة﴾: فيه للاستفهام الإنكاري، ﴿جِئْتَنا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾، ﴿لِنَعْبُدَ اللَّهَ﴾ ﴿اللام﴾ لام كي، ﴿نعبد الله﴾: فعل ومفعول منصوب
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
﴿وَاذْكُرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان متعلق بـ ﴿اذْكُرُوا﴾. ﴿جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ﴾: فعل ومفعولان، وفاعلة ضمير يعود على الله، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه صفة لـ ﴿خُلَفاءَ﴾. ﴿وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً﴾: فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على الله، والجملة الفعلية في محل الجر معطوفة على جملة ﴿جَعَلَكُمْ﴾ على كونها مضافا إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿فَاذْكُرُوا﴾ ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿اذكروا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿اذكروا﴾ الأول للتأكيد. ﴿آلاءَ اللَّهِ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿لَعَلَّكُمْ﴾: ناصب واسمه. ﴿تُفْلِحُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل الرفع خبر ﴿لعل﴾، وجملة ﴿لعل﴾ مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧٠)﴾.
﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿أَجِئْتَنا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿أَجِئْتَنا﴾: ﴿الهمزة﴾: فيه للاستفهام الإنكاري، ﴿جِئْتَنا﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾، ﴿لِنَعْبُدَ اللَّهَ﴾ ﴿اللام﴾ لام كي، ﴿نعبد الله﴾: فعل ومفعول منصوب
405
بأن مضمرة، وفاعله ضمير المتكلمين. ﴿وَحْدَهُ﴾: حال من الجلالة، والجملة في تأويل مصدر مجرور بلام التعليل تقديره: أجئتنا لأجل عبادتنا الله وحده، الجار والمجرور متعلق بـ ﴿جاء﴾. ﴿وَنَذَرَ﴾: معطوف على ﴿نعبد﴾ منصوب بأن مضمرة. ﴿ما﴾: موصولة، أو موصوفة في محل النصب مفعول ﴿نَذَرَ﴾. ﴿كانَ﴾: زائدة لزيادتها بين الموصول وصلته، أو الموصوف وصفته، أو شأنية. ﴿يَعْبُدُ آباؤُنا﴾: فعل وفاعل ومضاف إليه، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: ما كان يعبده آباؤنا. ﴿فَأْتِنا﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت إنكارنا عليك، وأردت بيان غاية قولنا لك.. فنقول لك أتنا، ﴿أتنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿هود﴾، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿بِما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أتنا﴾. ﴿تَعِدُنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على هود، والجملة صلة لـ ﴿ما﴾، أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما تعدناه. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿كُنْتَ﴾: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية. ﴿مِنَ الصَّادِقِينَ﴾: خبر ﴿كان﴾، وجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية محذوف دل عليه ما قبله تقديره: إن كنت من الصادقين.. فأتنا بما تعدنا، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿هود﴾، والجملة مستأنفة. ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿وَقَعَ﴾: فعل ماض. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق به. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿وَقَعَ﴾ أيضا، أو حال من ﴿رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿رِجْسٌ﴾: فاعل ﴿وَقَعَ﴾. ﴿وَغَضَبٌ﴾: معطوف عليه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَتُجادِلُونَنِي﴾: ﴿الهمزة﴾: فيه للاستفهام
﴿قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٧١)﴾.
﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿هود﴾، والجملة مستأنفة. ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿قَدْ﴾: حرف تحقيق. ﴿وَقَعَ﴾: فعل ماض. ﴿عَلَيْكُمْ﴾: متعلق به. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿وَقَعَ﴾ أيضا، أو حال من ﴿رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿رِجْسٌ﴾: فاعل ﴿وَقَعَ﴾. ﴿وَغَضَبٌ﴾: معطوف عليه، والجملة الفعلية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿أَتُجادِلُونَنِي﴾: ﴿الهمزة﴾: فيه للاستفهام
406
الإنكاري الاستقباحي. ﴿تُجادِلُونَنِي﴾: فعل وفاعل ونون وقاية ومفعول به مرفوع بثبات النون، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿فِي أَسْماءٍ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿سَمَّيْتُمُوها﴾: فعل وفاعل، ومفعول ثان، والمفعول الأول محذوف تقديره: أصناما؛ أي: سميتم الأصنام بها، والجملة في محل الجر صفة أولى لـ ﴿أَسْماءٍ﴾. ﴿أَنْتُمْ﴾: تأكيد لضمير الفاعل ليصح العطف عليه. ﴿وَآباؤُكُمْ﴾: معطوف على ضمير الفاعل. ﴿ما﴾: نافية. ﴿نَزَّلَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِها﴾: متعلق به، والجملة في محل الجر صفة ثانية لـ ﴿أَسْماءٍ﴾. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿سُلْطانٍ﴾: مفعول به لـ ﴿نَزَّلَ﴾. ﴿فَانْتَظِرُوا﴾: ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، ﴿انتظروا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة مفرعة على جملة قوله: ﴿قَدْ وَقَعَ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قالَ﴾. ﴿إِنِّي﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿الياء﴾: اسمها. ﴿مَعَكُمْ﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿الْمُنْتَظِرِينَ﴾. ﴿مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)﴾.
﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة كما في «أبي السعود»؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قالوا لهود وما قال هود لهم، وأردت بيان عاقبة الفريقين.. فأقول لك: أنجيناه، ﴿أنجيناه﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿وَالَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل النصب معطوف على هاء ﴿أنجيناه﴾. ﴿مَعَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه صلة الموصول. ﴿بِرَحْمَةٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنجينا﴾. ﴿مِنَّا﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رحمة﴾. ﴿وَقَطَعْنا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿أنجينا﴾ على كونه مقولا لجواب إذا المقدرة. ﴿دابِرَ الَّذِينَ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِآياتِنا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿وَما﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿ما﴾: نافية. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿مُؤْمِنِينَ﴾: خبره، وجملة ﴿كانُوا﴾
﴿فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَما كانُوا مُؤْمِنِينَ (٧٢)﴾.
﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾ ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة كما في «أبي السعود»؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قالوا لهود وما قال هود لهم، وأردت بيان عاقبة الفريقين.. فأقول لك: أنجيناه، ﴿أنجيناه﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿وَالَّذِينَ﴾: اسم موصول في محل النصب معطوف على هاء ﴿أنجيناه﴾. ﴿مَعَهُ﴾: ظرف ومضاف إليه صلة الموصول. ﴿بِرَحْمَةٍ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿أنجينا﴾. ﴿مِنَّا﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿رحمة﴾. ﴿وَقَطَعْنا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿أنجينا﴾ على كونه مقولا لجواب إذا المقدرة. ﴿دابِرَ الَّذِينَ﴾: مفعول به ومضاف إليه. ﴿كَذَّبُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿بِآياتِنا﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿كَذَّبُوا﴾. ﴿وَما﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿ما﴾: نافية. ﴿كانُوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿مُؤْمِنِينَ﴾: خبره، وجملة ﴿كانُوا﴾
407
معطوفة على جملة ﴿كَذَّبُوا﴾ على كونها صلة الموصول، وهو عطف علة على معلول، أو عطف توكيدا. كما في «الفتوحات».
﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)﴾.
﴿وَإِلى ثَمُودَ﴾: جار ومجرور معطوف على قوله: ﴿إِلى عادٍ﴾ وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي؛ لأنه بمعنى القبيلة، فإن لم يرد به القبيلة، بل أريد به الحي.. صرف لكنه لم يقرأ بالصرف هنا إلا شذوذا، ذكره في «الفتوحات». ﴿أَخاهُمْ﴾: مفعول أرسلنا. ﴿صالِحًا﴾ بدل منه، أو عطف بيان له. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالح﴾، والجملة مستأنفة، أو حال من ﴿صالِحًا﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾: إلى قوله: ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿ما﴾: نافية. ﴿لَكُمْ﴾ خبر مقدم. ﴿مِنْ إِلهٍ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿غَيْرُهُ﴾: صفة لـ ﴿إِلهٍ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها معللة للعبادة. ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾: فعل ومفعول وفاعل. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: صفة لـ ﴿بَيِّنَةٌ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها علة بعد علة. ﴿هذِهِ﴾: مبتدأ. ﴿ناقَةُ اللَّهِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها مستأنفة مسوقة لبيان البينة، ويصح أن تكون الجملة في محل الرفع بدلا من ﴿بَيِّنَةٌ﴾. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر ثان لاسم الاشارة، أو حال من ﴿ناقَةُ اللَّهِ﴾، أو معمول لمحذوف تقديره: أعني لكم. ﴿آيَةً﴾: حال من ﴿ناقَةُ اللَّهِ﴾، والعامل فيها: إما معنى التنبيه، وإما معنى الإشارة، كأنه قال: أنبهكم عليها، أو أشير إليها في هذه الحال. ﴿فَذَرُوها﴾ ﴿الفاء﴾: تفريعية لكون ما قبلها علة لما بعدها؛ أي: ذروها لكونها آية من آيات الله، ﴿ذروها﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل
﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)﴾.
﴿وَإِلى ثَمُودَ﴾: جار ومجرور معطوف على قوله: ﴿إِلى عادٍ﴾ وهو ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي؛ لأنه بمعنى القبيلة، فإن لم يرد به القبيلة، بل أريد به الحي.. صرف لكنه لم يقرأ بالصرف هنا إلا شذوذا، ذكره في «الفتوحات». ﴿أَخاهُمْ﴾: مفعول أرسلنا. ﴿صالِحًا﴾ بدل منه، أو عطف بيان له. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالح﴾، والجملة مستأنفة، أو حال من ﴿صالِحًا﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾: إلى قوله: ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿ما﴾: نافية. ﴿لَكُمْ﴾ خبر مقدم. ﴿مِنْ إِلهٍ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿غَيْرُهُ﴾: صفة لـ ﴿إِلهٍ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها معللة للعبادة. ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾: فعل ومفعول وفاعل. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: صفة لـ ﴿بَيِّنَةٌ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها علة بعد علة. ﴿هذِهِ﴾: مبتدأ. ﴿ناقَةُ اللَّهِ﴾: خبر ومضاف إليه، والجملة الاسمية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها مستأنفة مسوقة لبيان البينة، ويصح أن تكون الجملة في محل الرفع بدلا من ﴿بَيِّنَةٌ﴾. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور خبر ثان لاسم الاشارة، أو حال من ﴿ناقَةُ اللَّهِ﴾، أو معمول لمحذوف تقديره: أعني لكم. ﴿آيَةً﴾: حال من ﴿ناقَةُ اللَّهِ﴾، والعامل فيها: إما معنى التنبيه، وإما معنى الإشارة، كأنه قال: أنبهكم عليها، أو أشير إليها في هذه الحال. ﴿فَذَرُوها﴾ ﴿الفاء﴾: تفريعية لكون ما قبلها علة لما بعدها؛ أي: ذروها لكونها آية من آيات الله، ﴿ذروها﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل
408
النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿تَأْكُلْ﴾: فعل مضارع مجزوم بالطلب السابق، وفاعله ضمير يعود على الناقة، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿فِي أَرْضِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَأْكُلْ﴾. ﴿وَلا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَمَسُّوها﴾: فعل وفاعل ومفعول مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية. ﴿بِسُوءٍ﴾: متعلق به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿ذروها﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قالَ﴾ ﴿فَيَأْخُذَكُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة سببية، ﴿يأخذكم﴾: فعل ومفعول منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الفاء السببية الواقعة في جواب النهي. ﴿عَذابٌ﴾ فاعل. ﴿أَلِيمٌ﴾: صفة له، والجملة الفعلية صلة أن المضمرة، أن مع صلتها في تأويل مصدر معطوف على مصدر متصيد من الجملة التي قبلها من غير سابك لإصلاح المعنى تقديره: لا يكن مسكم إياها بسوء فأخذ عذاب أليم إياكم.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
﴿وَاذْكُرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى متعلق بـ ﴿اذْكُرُوا﴾. ﴿جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ﴾: فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِ عادٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿جعل﴾، أو صفة لـ ﴿خُلَفاءَ﴾. ﴿وَبَوَّأَكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿جَعَلَكُمْ﴾. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ ﴿بَوَّأَكُمْ﴾. ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من كاف المخاطبين في ﴿بَوَّأَكُمْ﴾. ﴿مِنْ سُهُولِها﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَتَّخِذُونَ﴾، أو حال من ﴿قُصُورًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿قُصُورًا﴾: مفعول به لـ ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ على احتمال كون اتخذ متعديا لواحد، ويجوز أن يكون متعديا لاثنين ثانيهما: ﴿مِنْ سُهُولِها﴾. ﴿وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ وهذا على تضمين نحت معنى ما يتعدى إلى مفعولين؛ أي: وتتخذون الجبال بيوتا بالنحت، ويجوز أن ينصب ﴿الْجِبالَ﴾: بنزع الخافض، و ﴿بُيُوتًا﴾: مفعولا به، ويجوز أن يكون
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
﴿وَاذْكُرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿إِذْ﴾ ظرف لما مضى متعلق بـ ﴿اذْكُرُوا﴾. ﴿جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ﴾: فعل ومفعولان، وفاعله ضمير يعود على ﴿اللَّهَ﴾. ﴿مِنْ بَعْدِ عادٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿جعل﴾، أو صفة لـ ﴿خُلَفاءَ﴾. ﴿وَبَوَّأَكُمْ﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿جَعَلَكُمْ﴾. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق بـ ﴿بَوَّأَكُمْ﴾. ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من كاف المخاطبين في ﴿بَوَّأَكُمْ﴾. ﴿مِنْ سُهُولِها﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَتَّخِذُونَ﴾، أو حال من ﴿قُصُورًا﴾؛ لأنه صفة نكرة قدمت عليها. ﴿قُصُورًا﴾: مفعول به لـ ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ على احتمال كون اتخذ متعديا لواحد، ويجوز أن يكون متعديا لاثنين ثانيهما: ﴿مِنْ سُهُولِها﴾. ﴿وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة ﴿تَتَّخِذُونَ﴾ وهذا على تضمين نحت معنى ما يتعدى إلى مفعولين؛ أي: وتتخذون الجبال بيوتا بالنحت، ويجوز أن ينصب ﴿الْجِبالَ﴾: بنزع الخافض، و ﴿بُيُوتًا﴾: مفعولا به، ويجوز أن يكون
409
﴿الْجِبالَ﴾: مفعولا به، ﴿بُيُوتًا﴾: حالا مقدرة منه، ولكن بتأويلها بمشتق؛ أي: مسكونة. ﴿فَاذْكُرُوا﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم ما قلت لكم، وأردتم بيان ما هو الأصلح اللازم لكم.. فأقول لكم: ﴿اذكروا آلاء الله﴾: فعل وفاعل ومفعول ومضاف إليه، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿وَلا﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. ﴿لا﴾: ناهية جازمة. ﴿تَعْثَوْا﴾: فعل وفاعل مجزوم بـ ﴿لا﴾ الناهية. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق به. ﴿مُفْسِدِينَ﴾: حال من واو ﴿تَعْثَوْا﴾ مؤكدة لعاملها؛ لأن العثو بمعنى الفساد.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ﴾ في «المصباح»: قوم الرجل: أقرباؤه الذين يجتمعون معه في جد واحد، وقد يقيم الرجل بين الأجانب، فيسميهم قومه مجازا للمجاورة. وفي «التنزيل»: ﴿قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ قيل: كان مقيما بينهم، ولم يكن منهم، وقيل: كانوا قومه. اه.
﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ واليوم هنا: يوم القيامة. ﴿قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ﴾ وفي «المصباح» أيضا: الملأ - مهموزا -: أشراف القوم سموا بذلك لملأتهم بما يلتمس عندهم من المعروف وجودة الرأي، أو لأنهم يملؤون العيون أبهة والصدور هيبة، والجمع أملاء مثل سبب وأسباب اه. وفي «أبي السعود»: الملأ: الذين يملؤون صدور المحافل بأجسادهم، والقلوب بجلالتهم وهيبتهم، والعيون بجمالهم وأبهتهم اه.
﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وفي «المصباح»: ضل الرجل الطريق وضل عنه يضل - من باب ضرب - ضلالا وضلالة إذا زل عنه، فلم يهتد إليه، فهو ضال هذه لغة نجد، وهي الفصحى، وبها جاء القرآن في قوله: ﴿إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي﴾ وفي لغة لأهل العالية من باب تعب، والأصل في الضلال الغيبة، ومنه قيل للحيوان الضائع: ضالة - بالهاء - للمذكر والمؤنث، والجمع الضوال مثل: دابة ودواب اه.
التصريف ومفردات اللغة
﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ﴾ في «المصباح»: قوم الرجل: أقرباؤه الذين يجتمعون معه في جد واحد، وقد يقيم الرجل بين الأجانب، فيسميهم قومه مجازا للمجاورة. وفي «التنزيل»: ﴿قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾ قيل: كان مقيما بينهم، ولم يكن منهم، وقيل: كانوا قومه. اه.
﴿عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ واليوم هنا: يوم القيامة. ﴿قالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ﴾ وفي «المصباح» أيضا: الملأ - مهموزا -: أشراف القوم سموا بذلك لملأتهم بما يلتمس عندهم من المعروف وجودة الرأي، أو لأنهم يملؤون العيون أبهة والصدور هيبة، والجمع أملاء مثل سبب وأسباب اه. وفي «أبي السعود»: الملأ: الذين يملؤون صدور المحافل بأجسادهم، والقلوب بجلالتهم وهيبتهم، والعيون بجمالهم وأبهتهم اه.
﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وفي «المصباح»: ضل الرجل الطريق وضل عنه يضل - من باب ضرب - ضلالا وضلالة إذا زل عنه، فلم يهتد إليه، فهو ضال هذه لغة نجد، وهي الفصحى، وبها جاء القرآن في قوله: ﴿إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي﴾ وفي لغة لأهل العالية من باب تعب، والأصل في الضلال الغيبة، ومنه قيل للحيوان الضائع: ضالة - بالهاء - للمذكر والمؤنث، والجمع الضوال مثل: دابة ودواب اه.
410
﴿وَأَنْصَحُ لَكُمْ﴾ يقال (١): نصحته ونصحت له كما يقال شكرته وشكرت له، والنصح: إرادة الخير لغيره كما يريده لنفسه. وقيل: النصح: تحري قول أو فعل فيه صلاح للغير. وقيل: حقيقة النصح تعريف وجه المصلحة مع خلوص النية من شوائب المكر.
والمعنى: أنه قال: أبلغكم جميع تكاليف الله وشرائعه، وأرشدكم إلى الوجه الأصلح والأصوب لكم، وأدعوكم إلى ما دعاني إليه، وأحب لكم ما أحب لنفسي. قال بعضهم: والفرق بين إبلاغ الرسالة وبين النصيحة هو أن تبليغ الرسالة أن يعرفهم جميع أوامر الله ونواهيه، وجميع أنواع التكاليف التي أوجبها عليهم، وأما النصيحة فهي أن يرغبهم في قبول تلك الأوامر والنواهي والعبادات، ويحذرهم عذابه إن عصوه.
﴿ذِكْرٌ﴾ والذكر: الموعظة. ﴿عَلى رَجُلٍ﴾؛ أي: على لسانه ﴿مِنْكُمْ﴾؛ أي: من جنسكم ﴿فِي الْفُلْكِ﴾ وفي «المختار»: الفلك السفينة واحد وجمع تذكر وتؤنث قال تعالى: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ فأفرد وذكر، وقال: ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ فأنث، ويحتمل الإفراد والجمع، وقال: ﴿حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ فجمع وكأنه يذهب (٢) بها إذا كانت واحدة إلى المركب فتذكر، وإلى السفينة فتؤنث. اه.
﴿عَمِينَ﴾ عن فهم الحق (٣) جمع عم صفة مشبهة لكن تصرف فيه بحذف لامه كقاض إذا جمع، فأصله عميين بيائين: الأولى مكسورة، والثانية ساكنة حذفت الأولى تخفيفا على حد قول ابن مالك:
وفي «السمين» ويقال: عم إذا كان أعمى البصير غير عارف بأموره،
والمعنى: أنه قال: أبلغكم جميع تكاليف الله وشرائعه، وأرشدكم إلى الوجه الأصلح والأصوب لكم، وأدعوكم إلى ما دعاني إليه، وأحب لكم ما أحب لنفسي. قال بعضهم: والفرق بين إبلاغ الرسالة وبين النصيحة هو أن تبليغ الرسالة أن يعرفهم جميع أوامر الله ونواهيه، وجميع أنواع التكاليف التي أوجبها عليهم، وأما النصيحة فهي أن يرغبهم في قبول تلك الأوامر والنواهي والعبادات، ويحذرهم عذابه إن عصوه.
﴿ذِكْرٌ﴾ والذكر: الموعظة. ﴿عَلى رَجُلٍ﴾؛ أي: على لسانه ﴿مِنْكُمْ﴾؛ أي: من جنسكم ﴿فِي الْفُلْكِ﴾ وفي «المختار»: الفلك السفينة واحد وجمع تذكر وتؤنث قال تعالى: ﴿فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ﴾ فأفرد وذكر، وقال: ﴿وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ فأنث، ويحتمل الإفراد والجمع، وقال: ﴿حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ﴾ فجمع وكأنه يذهب (٢) بها إذا كانت واحدة إلى المركب فتذكر، وإلى السفينة فتؤنث. اه.
﴿عَمِينَ﴾ عن فهم الحق (٣) جمع عم صفة مشبهة لكن تصرف فيه بحذف لامه كقاض إذا جمع، فأصله عميين بيائين: الأولى مكسورة، والثانية ساكنة حذفت الأولى تخفيفا على حد قول ابن مالك:
واحذف من المقصور في جمع على | حدّ المثنّى ما به تكمّلا |
(١) الفتوحات.
(٢) أي فكأنه يلاحظ فيها معنى المركب فتذكر، أو معنى السفينة فتؤنث اه مؤلفه.
(٣) الفتوحات.
(٢) أي فكأنه يلاحظ فيها معنى المركب فتذكر، أو معنى السفينة فتؤنث اه مؤلفه.
(٣) الفتوحات.
411
وأعمى؛ أي: في البصرة وهذا قول الليث. كما قال زهير:
وقيل: عم وأعمى بمعنى كخضر وأخضر. وقال بعضهم: عم فيه دلالة على ثبوت الصفة واستقرارها كفرح وضيق، ولو أريد الحدوث.. لقيل عام كما يقال: فارح وضائق. وقد قرىء: قوما عامين حكاها الزمخشري. اه.
﴿أَخاهُمْ هُودًا﴾ الأخ هنا: هو الأخ في النسب، وتقول العرب في أخوة الجنس: يا أخا العرب. ﴿فِي سَفاهَةٍ﴾ والسفاهة: خفة العقل والحمق. ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ﴾ والآلاء (١): جمع إلي - بكسر الهمزة وسكون اللام - كحمل وأحمال، أو جمع ألي - بضم الهمزة وسكون اللام - كقفل وأقفال، أو جمع إلى - بكسر الهمزة وفتح اللام - كضلع وأضلاع وعنب وأعناب، أو جمع ألى - بفتحهما - كقفا وأقفاء اه «سمين». والإلى على جميع أوجهها النعمة، وأما إلى الذي هو من حروف الجر.. فلا يجمع؛ لأنها حرف، والحرف لا يجمع.
﴿لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ هو (٢) مصدر محذوف الزوائد، وأصل هذا المصدر: الإيجاد من قولك: أوجدته إيجادا إذا أفردته، فحذفت الهمزة والألف، وهما الزائدان.
﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾ والرجس (٣): العذاب من الأرجاس الذي هو الاضطراب، والغضب: إرادة الانتقام.
﴿أَتُجادِلُونَنِي﴾ المجادلة: المماراة والمخاصمة، والسلطان الحجة والدليل، والدابر الآخر، ويراد به الاستئصال؛ أي: أهلكناهم جميعا.
﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا﴾ وأخوة صالح لهم أخوة في النسب كأخوة هود لقومه، كما تقدم في مبحث التفسير، والبينة: المعجزة الظاهرة الدلالة.
وَاذْكُرُوا؛ أي: تذكروا.
وأعلم علم اليوم والأمس قبله | ولكنّني عن علم ما في غد عمي |
﴿أَخاهُمْ هُودًا﴾ الأخ هنا: هو الأخ في النسب، وتقول العرب في أخوة الجنس: يا أخا العرب. ﴿فِي سَفاهَةٍ﴾ والسفاهة: خفة العقل والحمق. ﴿فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ﴾ والآلاء (١): جمع إلي - بكسر الهمزة وسكون اللام - كحمل وأحمال، أو جمع ألي - بضم الهمزة وسكون اللام - كقفل وأقفال، أو جمع إلى - بكسر الهمزة وفتح اللام - كضلع وأضلاع وعنب وأعناب، أو جمع ألى - بفتحهما - كقفا وأقفاء اه «سمين». والإلى على جميع أوجهها النعمة، وأما إلى الذي هو من حروف الجر.. فلا يجمع؛ لأنها حرف، والحرف لا يجمع.
﴿لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ﴾ هو (٢) مصدر محذوف الزوائد، وأصل هذا المصدر: الإيجاد من قولك: أوجدته إيجادا إذا أفردته، فحذفت الهمزة والألف، وهما الزائدان.
﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾ والرجس (٣): العذاب من الأرجاس الذي هو الاضطراب، والغضب: إرادة الانتقام.
﴿أَتُجادِلُونَنِي﴾ المجادلة: المماراة والمخاصمة، والسلطان الحجة والدليل، والدابر الآخر، ويراد به الاستئصال؛ أي: أهلكناهم جميعا.
﴿وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا﴾ وأخوة صالح لهم أخوة في النسب كأخوة هود لقومه، كما تقدم في مبحث التفسير، والبينة: المعجزة الظاهرة الدلالة.
وَاذْكُرُوا؛ أي: تذكروا.
(١) الفتوحات.
(٢) العكبري.
(٣) أبو السعود.
(٢) العكبري.
(٣) أبو السعود.
412
﴿وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ﴾؛ أي: أنزلكم فيها، وجعلها مباءة لكم، والمباءة في الأصل أعطان الإبل، والأرض: المراد بها: أرض الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى.
﴿وَتَنْحِتُونَ﴾ والنّحت: نجر الشيء الصلب اه «أبو السعود». وفي «القاموس»: نحته ينحته - كيضربه وينصره ويعلمه - براه، ونحت السفر البعير أنضاه، وفلانا صرعه، والنحاتة البراية، والمنحت ما ينحت به اه. والعيث والعثي: الفساد.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾، وفي قوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وفي قوله: ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾، وفي قوله: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي﴾، وفي قوله: ﴿وَاذْكُرُوا﴾، وفي قوله: ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾، وفي قوله: ﴿سَفاهَةٍ﴾.
ومنها: المبالغة (١) بجعل الضلال ظرفا له حيث قالوا: ﴿إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وزادوا في المبالغة حيث صدروا الجملة بـ ﴿إن﴾ وزادوا في خبرها اللام.
ومنها: التعميم في قوله: ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾ لأنها أعم من الضلال، وذلك لأن ضلالة دالة على واحدة غير معينة، ونفي فرد غير معين نفي عام. وفيه أيضا المبالغة في الرد عليهم؛ لأنه نفى أن تلتبس به ضلالة واحدة فضلا عن أن يحيط به الضلال، ولو قال: لست ضالا لم يؤد هذا المؤدى.
ومنها: الإضافة في قوله: ﴿يا قَوْمِ﴾ استمالة لقلوبهم إلى الحق.
ومنها: الاستعطاف (٢) والتحضيض على تحصيل التقوى في قوله: ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾.
﴿وَتَنْحِتُونَ﴾ والنّحت: نجر الشيء الصلب اه «أبو السعود». وفي «القاموس»: نحته ينحته - كيضربه وينصره ويعلمه - براه، ونحت السفر البعير أنضاه، وفلانا صرعه، والنحاتة البراية، والمنحت ما ينحت به اه. والعيث والعثي: الفساد.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التكرار في قوله: ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾، وفي قوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، وفي قوله: ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾، وفي قوله: ﴿أُبَلِّغُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي﴾، وفي قوله: ﴿وَاذْكُرُوا﴾، وفي قوله: ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾، وفي قوله: ﴿سَفاهَةٍ﴾.
ومنها: المبالغة (١) بجعل الضلال ظرفا له حيث قالوا: ﴿إِنَّا لَنَراكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وزادوا في المبالغة حيث صدروا الجملة بـ ﴿إن﴾ وزادوا في خبرها اللام.
ومنها: التعميم في قوله: ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾ لأنها أعم من الضلال، وذلك لأن ضلالة دالة على واحدة غير معينة، ونفي فرد غير معين نفي عام. وفيه أيضا المبالغة في الرد عليهم؛ لأنه نفى أن تلتبس به ضلالة واحدة فضلا عن أن يحيط به الضلال، ولو قال: لست ضالا لم يؤد هذا المؤدى.
ومنها: الإضافة في قوله: ﴿يا قَوْمِ﴾ استمالة لقلوبهم إلى الحق.
ومنها: الاستعطاف (٢) والتحضيض على تحصيل التقوى في قوله: ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾.
(١) الفتوحات.
(٢) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.
413
ومنها: الإضافة لتشريف المضاف إليه في قوله: ﴿ناقَةُ اللَّهِ﴾ و ﴿فِي أَرْضِ اللَّهِ﴾ كالإضافة في بيت الله وروح الله.
ومنها: الرجوع في قوله: ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾، وفي قوله: ﴿لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ﴾: وهو العود إلى الكلام السابق بالنقض والإبطال.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾، وفي قوله: ﴿فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها﴾.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: ﴿أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لأن إسناد المجيء إلى الذكر مجاز.
ومنها: المجاز بالحذف في قوله: ﴿رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾؛ أي: على لسان رجل منكم.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في مواضع كقوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ﴾ مثلا.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ لأنه كناية لطيفة عن استئصالهم جميعا بالهلاك.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ﴾ إفادة للتقليل والتنكير؛ أي: لا تمسوها بأدنى سوء.
ومنها: الإتيان بحرف الترجي في قوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ للتنبيه (١) على عزة المطلب، وأن التقوى غير موجبة للرحمة، بل هي منوطة بفضل الله تعالى، وأن المتقي ينبغي له أن لا يعتمد على تقواه، ولا يأمن عذاب الله تعالى، كما مر.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا﴾ بين لفظي الجبال والسهول.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ لأن المعية (٢) مجاز عن
ومنها: الرجوع في قوله: ﴿لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ﴾، وفي قوله: ﴿لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ﴾: وهو العود إلى الكلام السابق بالنقض والإبطال.
ومنها: جناس الاشتقاق في قوله: ﴿فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾، وفي قوله: ﴿فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها﴾.
ومنها: المجاز العقلي في قوله: ﴿أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ لأن إسناد المجيء إلى الذكر مجاز.
ومنها: المجاز بالحذف في قوله: ﴿رَجُلٍ مِنْكُمْ﴾؛ أي: على لسان رجل منكم.
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في مواضع كقوله: ﴿أَوَعَجِبْتُمْ﴾ مثلا.
ومنها: الكناية في قوله: ﴿وَقَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ لأنه كناية لطيفة عن استئصالهم جميعا بالهلاك.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ﴾ إفادة للتقليل والتنكير؛ أي: لا تمسوها بأدنى سوء.
ومنها: الإتيان بحرف الترجي في قوله: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ للتنبيه (١) على عزة المطلب، وأن التقوى غير موجبة للرحمة، بل هي منوطة بفضل الله تعالى، وأن المتقي ينبغي له أن لا يعتمد على تقواه، ولا يأمن عذاب الله تعالى، كما مر.
ومنها: الطباق في قوله: ﴿تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا﴾ بين لفظي الجبال والسهول.
ومنها: الاستعارة في قوله: ﴿وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ لأن المعية (٢) مجاز عن
(١) الفتوحات.
(٢) شهاب.
(٢) شهاب.
414
المتابعة، وفي قوله: ﴿وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾ لأن (١) المس والأخذ هنا استعارة.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه تعالى أعلم
* * *
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه تعالى أعلم
* * *
(١) البحر المحيط.
415
قال الله سبحانه جلّ وعلا:
﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) وَلُوطًا إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْبًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٧٥ - قوله تعالى: ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ والأشراف ﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾؛ أي: تكبروا عن الإيمان بالله تعالى وبصالح ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾؛ أي: من قوم صالح. قرأ (١) ابن عامر: وقال الملأ - بواو عطف -. وقرأ الجمهور: ﴿قالَ﴾ بغير واو -. ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ منهم؛ أي: للمساكين الذين استضعفهم المستكبرون
﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٧٦) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٧) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٧٨) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٩) وَلُوطًا إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١) وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢) فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣) وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْبًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨٥) وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦) وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
٧٥ - قوله تعالى: ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ والأشراف ﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾؛ أي: تكبروا عن الإيمان بالله تعالى وبصالح ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾؛ أي: من قوم صالح. قرأ (١) ابن عامر: وقال الملأ - بواو عطف -. وقرأ الجمهور: ﴿قالَ﴾ بغير واو -. ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ منهم؛ أي: للمساكين الذين استضعفهم المستكبرون
(١) البحر المحيط.
416
واستذلوهم، وعدوهم أراذل، وقوله: ﴿لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ﴾ بدل من الموصول بإعادة الجار بدل كل من كل إن قلنا: إن ضمير مِنْهُمْ عائد إلى قومه؛ أي: قالوا للمؤمنين الذين استضعفوهم بطريق الاستهزاء والسخرية، أو بدل بعض من كل إن قلنا: إن الضمير عائد إلى الذين استضعفوا؛ لأن في المستضعفين من ليس بمؤمن، ومقول القول قوله: ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ﴾ إلينا وإليكم ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾؛ أي: لا تعلمون ذلك، والاستفهام فيه (١) للإنكار ﴿قالُوا﴾؛ أي: قال المستضعفون جوابا عن سؤال المستكبرين ﴿إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ﴾ صالح ﴿مُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: نحن مصدقون بما جاء به صالح من ربه، أجابوهم (٢) بأنهم مؤمنون برسالته مع كون سؤال المستكبرين لهم إنما هو عن العلم منهم هل تعلمون برسالته أم لا مسارعة إلى إظهار ما لهم من الإيمان، وتنبيها على أن كونه مرسلا أمر واضح مكشوف لا يحتاج إلى السؤال عنه، فأجاب المستكبرون تمردا وعنادا بقولهم: ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾؛ أي: إنا بالذي صدقتم به من نبوة صالح منكرون وجاحدون.
وعبارة المراغي هنا: ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ...﴾ الخ. قد (٣) جرت سنة الله أن يكون الفقراء المستضعفون أسرع الناس إلى إجابة دعوة الأنبياء والرسل، وإلى كل دعوة لإصلاح، فإنه لا يثقل عليهم أن يكونوا تابعين لغيرهم، وأن يكفر بها أكابر القوم وأغنياؤهم المترفون إذ يشق عليهم أن يكونوا مرؤوسين لسواهم، كما يصعب عليهم الامتناع عن الإسراف في الشهوات، والوقوف عند حدود الاعتدال. وعلى هذا السنن سار الملأ من قوم صالح إذ قالوا للمؤمنين منهم: أتعلمون أن صالحا رسول من عند الله، ومرادهم بهذا: التهكم والاستهزاء بهم.
﴿قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: إنا بما أرسل به صالح من
وعبارة المراغي هنا: ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ...﴾ الخ. قد (٣) جرت سنة الله أن يكون الفقراء المستضعفون أسرع الناس إلى إجابة دعوة الأنبياء والرسل، وإلى كل دعوة لإصلاح، فإنه لا يثقل عليهم أن يكونوا تابعين لغيرهم، وأن يكفر بها أكابر القوم وأغنياؤهم المترفون إذ يشق عليهم أن يكونوا مرؤوسين لسواهم، كما يصعب عليهم الامتناع عن الإسراف في الشهوات، والوقوف عند حدود الاعتدال. وعلى هذا السنن سار الملأ من قوم صالح إذ قالوا للمؤمنين منهم: أتعلمون أن صالحا رسول من عند الله، ومرادهم بهذا: التهكم والاستهزاء بهم.
﴿قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: إنا بما أرسل به صالح من
(١) زاد المسير.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
417
الحق والهدى مصدقون ومقرون بأنه من عند الله، وأن الله أمر به، وعن أمر الله دعانا صالح. وفي جوابهم هذا دون أن يقولوا نعم، أو نعلم أنه مرسل منه، أو إنا برسالته عالمون إيماء إلى أنهم علموا بذلك علما يقينيا إذعانيّا له السلطان على عقولهم وقلوبهم، وما كل من يعلم شيئا يصل علمه إلى هذه المرتبة، بل من الناس من يعلم الشيء بالبرهان، لكنه يجحده ويحاربه، وهو موقن به حسدا لأهله، أو استكبارا عنه كما قال تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا﴾.
٧٦ - ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ عن أمر الله، وأمر رسوله صالح ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ﴾؛ أي: صدقتم به من نبوة صالح، وأن الذي جاء به هو الحق ﴿كافِرُونَ﴾؛ أي: جاحدون منكرون لا نصدق به ولا نقر. وإنما لم يقولوا: إنا بالذي أرسل به صالح كافرون؛ لأن ذلك يتضمن إثبات الرسالة، فلو قالوه لكان شهادة منهم على أنفسهم بجحود الحق على علمهم به استكبارا وعنادا.
٧٧ - ثم ذكر ما فعلوه مما يدل على كفرهم بآيات ربهم، فقال: ﴿فَعَقَرُوا﴾؛ أي: عقر أولئك المستكبرون ﴿النَّاقَةَ﴾؛ أي: ناقة صالح وقتلوها، ونسب الفعل إليهم جميعا، والفاعل واحد منهم، وهو (١) قدار بن سالف، وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا يزعمون أنه ابن زانية، ولم يكن لسالف، ولكنه ولد على فراشه، وكان قدار عزيزا متبعا في قومه قتلها بأمرهم في يوم الأربعاء، فقال لهم صالح: إن آية العذاب أن تصبحوا غدا صفرا، ثم أن تصبحوا يوم الجمعة حمرا، ثم أن تصبحوا يوم السبت سودا، ثم يصبحكم العذاب يوم الأحد؛ أي: نسب الفعل إليهم مع كون العاقر واحدا منهم كما جاء في سورة القمر: ﴿فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩)﴾ وجاء في «صحيح البخاري» مرفوعا: «فانتدب لها رجل ذو عزة ومنعة في قومه كأبي زمعة؛ لأنهم لما اتفقوا عليه ورضوا به صاروا كأنهم فعلوه جميعا». وفي ذلك تهويل وتفظيع لأمرهم، وإن أضراره ستصيبهم جميعا، ومثل هذا من الأعمال ينسب إلى الأمة في جملتها، وتعاقب عليه جميعها كما قال تعالى:
٧٦ - ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ عن أمر الله، وأمر رسوله صالح ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ﴾؛ أي: صدقتم به من نبوة صالح، وأن الذي جاء به هو الحق ﴿كافِرُونَ﴾؛ أي: جاحدون منكرون لا نصدق به ولا نقر. وإنما لم يقولوا: إنا بالذي أرسل به صالح كافرون؛ لأن ذلك يتضمن إثبات الرسالة، فلو قالوه لكان شهادة منهم على أنفسهم بجحود الحق على علمهم به استكبارا وعنادا.
٧٧ - ثم ذكر ما فعلوه مما يدل على كفرهم بآيات ربهم، فقال: ﴿فَعَقَرُوا﴾؛ أي: عقر أولئك المستكبرون ﴿النَّاقَةَ﴾؛ أي: ناقة صالح وقتلوها، ونسب الفعل إليهم جميعا، والفاعل واحد منهم، وهو (١) قدار بن سالف، وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا يزعمون أنه ابن زانية، ولم يكن لسالف، ولكنه ولد على فراشه، وكان قدار عزيزا متبعا في قومه قتلها بأمرهم في يوم الأربعاء، فقال لهم صالح: إن آية العذاب أن تصبحوا غدا صفرا، ثم أن تصبحوا يوم الجمعة حمرا، ثم أن تصبحوا يوم السبت سودا، ثم يصبحكم العذاب يوم الأحد؛ أي: نسب الفعل إليهم مع كون العاقر واحدا منهم كما جاء في سورة القمر: ﴿فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩)﴾ وجاء في «صحيح البخاري» مرفوعا: «فانتدب لها رجل ذو عزة ومنعة في قومه كأبي زمعة؛ لأنهم لما اتفقوا عليه ورضوا به صاروا كأنهم فعلوه جميعا». وفي ذلك تهويل وتفظيع لأمرهم، وإن أضراره ستصيبهم جميعا، ومثل هذا من الأعمال ينسب إلى الأمة في جملتها، وتعاقب عليه جميعها كما قال تعالى:
(١) المراح.
﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾.
﴿وَعَتَوْا﴾؛ أي: تكبروا ﴿عَنْ﴾ قبول ﴿أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ الذي أمرهم به صالح؛ أي: وتمردوا وتجبروا عن اتباع الحق الذي بلغهم صالح إياه، وهو ما سلف ذكره. روى أحمد والحاكم عن جابر قال: لما مر رسول الله ﷺ بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح، وكانت الناقة ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، وكانت تشرب يوما، ويشربون لبنها يوما، فعقروها، فأخذتهم صيحة أخمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله، وهو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه».
﴿وَقالُوا﴾ استهزاء وتهكما ﴿وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ وتخوفنا به من العذاب ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ من عند الله تعالى حقا، فإنهم كذبوا صالحا في قوله: ﴿وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾.
وقرأ ورش والأعمش: ﴿يا صالِحُ ائْتِنا﴾ وأبو عمرو إذا أدرج بإبدال همزة فائتنا واوا لضمة حاء صالح. وقرأ باقي السبعة بإسكانها. وفي كتاب ابن عطية قال أبو حاتم: قرأ عيسى وعاصم: ﴿أوتنا﴾ - بهمزة وإشباع ضم - انتهى. فلعله عاصم الجحدري، لا عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة ذكره أبو حيان في «البحر». والوعد يكون في الخير والشر؛ أي: قالوا له: ائتنا بما وعدتنا به من عذاب الله ونقمته إن كنت رسولا إلينا، وتدعي أن وعيدك تبليغ عنه، فالله ينصر رسله على أعدائه، فعجل ذلك لنا
٧٨ - ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾؛ أي: الزلزلة الشديدة من الأرض، والصيحة من السماء ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾؛ أي: فصاروا في بلدهم خامدين ميتين، لا يتحركون، والمراد: كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب من غير اضطراب ولا حركة؛ أي: لم يلبثوا أن سقطوا مصعوقين جثثا هامدة نزلت بهم الصيحة في أرضهم.
وفي سورة الحجر: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾، وفي سورة حم السجدة: ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ﴾ وفي سورة الذاريات: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ والمراد
﴿وَعَتَوْا﴾؛ أي: تكبروا ﴿عَنْ﴾ قبول ﴿أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ الذي أمرهم به صالح؛ أي: وتمردوا وتجبروا عن اتباع الحق الذي بلغهم صالح إياه، وهو ما سلف ذكره. روى أحمد والحاكم عن جابر قال: لما مر رسول الله ﷺ بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح، وكانت الناقة ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج، فعتوا عن أمر ربهم، وكانت تشرب يوما، ويشربون لبنها يوما، فعقروها، فأخذتهم صيحة أخمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله، وهو أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه».
﴿وَقالُوا﴾ استهزاء وتهكما ﴿وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا﴾ وتخوفنا به من العذاب ﴿إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ من عند الله تعالى حقا، فإنهم كذبوا صالحا في قوله: ﴿وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ﴾.
وقرأ ورش والأعمش: ﴿يا صالِحُ ائْتِنا﴾ وأبو عمرو إذا أدرج بإبدال همزة فائتنا واوا لضمة حاء صالح. وقرأ باقي السبعة بإسكانها. وفي كتاب ابن عطية قال أبو حاتم: قرأ عيسى وعاصم: ﴿أوتنا﴾ - بهمزة وإشباع ضم - انتهى. فلعله عاصم الجحدري، لا عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة ذكره أبو حيان في «البحر». والوعد يكون في الخير والشر؛ أي: قالوا له: ائتنا بما وعدتنا به من عذاب الله ونقمته إن كنت رسولا إلينا، وتدعي أن وعيدك تبليغ عنه، فالله ينصر رسله على أعدائه، فعجل ذلك لنا
٧٨ - ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾؛ أي: الزلزلة الشديدة من الأرض، والصيحة من السماء ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾؛ أي: فصاروا في بلدهم خامدين ميتين، لا يتحركون، والمراد: كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب من غير اضطراب ولا حركة؛ أي: لم يلبثوا أن سقطوا مصعوقين جثثا هامدة نزلت بهم الصيحة في أرضهم.
وفي سورة الحجر: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾، وفي سورة حم السجدة: ﴿فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ﴾ وفي سورة الذاريات: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ والمراد
بالجميع الصاعقة، فإن لنزولها صيحة شديدة القوة ترجف من هولها الأفئدة، وتضطرب الأعصاب، وربما اضطربت الأرض، وتصدع ما فيها من بنيان.
وقد علم أن سبب حدوثها اتصال كهربائية الأرض بكهربائية الجو التي يحملها السحاب، فتحدث صوتا كالصوت الذي يحدث باشتعال قذائف المدافع، وهذا الصوت هو المسمى بالرعد، وتحدث الصاعقة تأثيرات عظيمة، كصعق الناس والحيوان، وهدم المباني أو تصديعها، وإحراق الشجر ونحو ذلك، وقد هدى العلم إلى الطريق في اتقاء أضرارها بالمباني العظيمة بوضع ما يسمونه: «مانعة الصواعق».
وقد يجوز أن الله سبحانه وتعالى جعل هلاكهم في وقت ساق فيه السحاب المشبع بالكهرباء إلى أرضهم بحسب السنن المعروفة، وقد يجوز أن الله قد خلق تلك الصاعقة لأجلهم على سبيل خرق العادة، وأيهما كان قد وقع.. فقد صدق الله رسوله، وحدث ما أنذرهم به.
٧٩ - ﴿فَتَوَلَّى﴾ وأعرض صالح ﴿عَنْهُمْ﴾؛ أي: خرج من بينهم قبل موتهم ﴿وَقالَ﴾؛ أي: صالح ﴿يا قَوْمِ﴾ والله ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ﴾ وأوصلت إليكم ﴿رِسالَةَ رَبِّي﴾؛ أي: ما أرسلني به ربي إليكم ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾؛ أي: بذلت لكم النصيحة بالترغيب والترهيب، وبذلت وسعي في نصيحتكم، ولكن لم تقبلوا مني ذلك كما قال: ﴿وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾؛ أي: لا تطيعوا الناصحين لكم، بل تستمروا على عداوتهم. وروي (١) أن صالحا خرج في مئة وعشرة من المسلمين وهو يبكي، فالتفت فرأى الدخان ساطعا، فعلم أنهم قد هلكوا، وكانوا ألفا وخمس مئة دار.
والمعنى (٢): قال لهم صالح بعد أن جرى عليهم ما جرى، مغتما متحسرا، كما يقول المتحسر على من مات جانيا على حياته بالتفاني في شهواته: ألم أنهك عما يوردك ريب المنون؟ ألم أحذرك تلك العاقبة الوخيمة التي لم تتداركها قبل
وقد علم أن سبب حدوثها اتصال كهربائية الأرض بكهربائية الجو التي يحملها السحاب، فتحدث صوتا كالصوت الذي يحدث باشتعال قذائف المدافع، وهذا الصوت هو المسمى بالرعد، وتحدث الصاعقة تأثيرات عظيمة، كصعق الناس والحيوان، وهدم المباني أو تصديعها، وإحراق الشجر ونحو ذلك، وقد هدى العلم إلى الطريق في اتقاء أضرارها بالمباني العظيمة بوضع ما يسمونه: «مانعة الصواعق».
وقد يجوز أن الله سبحانه وتعالى جعل هلاكهم في وقت ساق فيه السحاب المشبع بالكهرباء إلى أرضهم بحسب السنن المعروفة، وقد يجوز أن الله قد خلق تلك الصاعقة لأجلهم على سبيل خرق العادة، وأيهما كان قد وقع.. فقد صدق الله رسوله، وحدث ما أنذرهم به.
٧٩ - ﴿فَتَوَلَّى﴾ وأعرض صالح ﴿عَنْهُمْ﴾؛ أي: خرج من بينهم قبل موتهم ﴿وَقالَ﴾؛ أي: صالح ﴿يا قَوْمِ﴾ والله ﴿لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ﴾ وأوصلت إليكم ﴿رِسالَةَ رَبِّي﴾؛ أي: ما أرسلني به ربي إليكم ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾؛ أي: بذلت لكم النصيحة بالترغيب والترهيب، وبذلت وسعي في نصيحتكم، ولكن لم تقبلوا مني ذلك كما قال: ﴿وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾؛ أي: لا تطيعوا الناصحين لكم، بل تستمروا على عداوتهم. وروي (١) أن صالحا خرج في مئة وعشرة من المسلمين وهو يبكي، فالتفت فرأى الدخان ساطعا، فعلم أنهم قد هلكوا، وكانوا ألفا وخمس مئة دار.
والمعنى (٢): قال لهم صالح بعد أن جرى عليهم ما جرى، مغتما متحسرا، كما يقول المتحسر على من مات جانيا على حياته بالتفاني في شهواته: ألم أنهك عما يوردك ريب المنون؟ ألم أحذرك تلك العاقبة الوخيمة التي لم تتداركها قبل
(١) المراح.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
420
وقوعها؟ فماذا أفعل إذ فضلت لذة الساعات والأيام على عيش هنيء يدوم عشرات الأعوام؟
وروي مثل هذا مرفوعا عن النبي ﷺ من ندائه بعض قتلى قريش ببدر بعد دفنهم في القليب - البئر غير المبنية - «يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟». قال راوي الحديث أبو طلحة الأنصاري، قال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها - أو فيها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» رواه البخاري وغيره من طريق قتادة عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه ثم قال: قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله ﷺ توبيخا وتصغيرا لهم، ونقمة وحسرة وندما عليهم اه. قال العلماء: ومثل هذا مما اختص به الأنبياء وبهذا الحديث ونحوه مما ورد من حياة الأنبياء والشهداء في البرزخ يستدل زوار الأضرحة والقبور الذين يدعون أصحابها لقضاء حاجاتهم، ويقولون إن كل من دعا ميتا من الصالحين يسمع منه، ويقضي حاجته قياسا على ذلك مع علمهم بأن الأمور الغيبية يقتصر فيها على ما سمع عن الأنبياء، ولا يدخلها باب القياس.
وحاصل قصة قوم صالح عليه السلام (١): أن الله سبحانه وتعالى لما أهلك عادا.. أقام ثمود مقامهم، وطال عمرهم، وكثر تنعمهم، ثم عصوا الله وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحا - وكان منهم - فطالبوه بالمعجزة، فقال: ما تريدون؟ فقالوا: تخرج معنا في عيدنا ونخرج أصناما، فتسأل إلهك، ونسأل أصنامنا، فإذا ظهر أثر دعائك اتبعناك، وإن ظهر أثر دعائنا اتبعتنا، فخرج معهم، ودعوا أوثانهم، فلم تجبهم، ثم قال: سيدهم جندع بن عمرو لصالح عليه السلام، وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل - يقال لتلك الصخرة كاثبة -:
أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة كبيرة جوفاء براء، فإن فعلت ذلك صدقناك. فأخذ
وروي مثل هذا مرفوعا عن النبي ﷺ من ندائه بعض قتلى قريش ببدر بعد دفنهم في القليب - البئر غير المبنية - «يا فلان بن فلان، ويا فلان بن فلان أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله، فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟». قال راوي الحديث أبو طلحة الأنصاري، قال عمر: يا رسول الله، ما تكلم من أجساد لا أرواح لها - أو فيها - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم» رواه البخاري وغيره من طريق قتادة عن أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه ثم قال: قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله ﷺ توبيخا وتصغيرا لهم، ونقمة وحسرة وندما عليهم اه. قال العلماء: ومثل هذا مما اختص به الأنبياء وبهذا الحديث ونحوه مما ورد من حياة الأنبياء والشهداء في البرزخ يستدل زوار الأضرحة والقبور الذين يدعون أصحابها لقضاء حاجاتهم، ويقولون إن كل من دعا ميتا من الصالحين يسمع منه، ويقضي حاجته قياسا على ذلك مع علمهم بأن الأمور الغيبية يقتصر فيها على ما سمع عن الأنبياء، ولا يدخلها باب القياس.
وحاصل قصة قوم صالح عليه السلام (١): أن الله سبحانه وتعالى لما أهلك عادا.. أقام ثمود مقامهم، وطال عمرهم، وكثر تنعمهم، ثم عصوا الله وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحا - وكان منهم - فطالبوه بالمعجزة، فقال: ما تريدون؟ فقالوا: تخرج معنا في عيدنا ونخرج أصناما، فتسأل إلهك، ونسأل أصنامنا، فإذا ظهر أثر دعائك اتبعناك، وإن ظهر أثر دعائنا اتبعتنا، فخرج معهم، ودعوا أوثانهم، فلم تجبهم، ثم قال: سيدهم جندع بن عمرو لصالح عليه السلام، وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل - يقال لتلك الصخرة كاثبة -:
أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة كبيرة جوفاء براء، فإن فعلت ذلك صدقناك. فأخذ
(١) المراح.
421
صالح عليهم المواثيق أنه إن فعل ذلك آمنوا، فقبلوا، فصلى ركعتين ودعا الله تعالى، فتمخضت تلك الصخرة كما تتمخض الحامل، ثم انفجرت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء، وكانت في غاية الكبر، ثم نتحت ولدا مثلها في العظم، فآمن به جندع ورهط من قومه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به، فنهاهم ذؤاب بن عمرو والحباب صاحبا أوثانهم، ورباب بن صمعر كاهنهم، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وتشرب الماء، وكانت ترده غبا، فإذا كان يومها.. وضعت رأسها في البئر، فما ترفعه حتى تشرب كل ما فيها، ثم تفرج بين رجليها، فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلىء أوانيهم، فيشربون ويدخرون، وكانت إذا وقع الحر تصيفت بظهر الوادي، فيهرب منها أنعامهم، وإذا وقع البرد تشتت ببطن الوادي، فتهرب مواشيهم، فشق ذلك عليهم، وزينت عقرها لهم امرأتان: عنيزة بنت غانم، وصدقة بنت المختار لما أضرت به مواشيهم، فعقروها واقتسموا لحملها وطبخوه، فرقى ولدها جبلا
مسمى بقارة، فرغا ثلاثا، وقال لهم صالح عليه السلام: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه، وانفتحت الصخرة بعد رغائه، فدخلها فقال لهم صالح: تصبحون غدا وجوهكم مصفرة، وبعد غد وجوهكم محمرة، واليوم الثالث وجوهكم مسودة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه، فأنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين. ولما كان اليوم الرابع واشتد الضحى تحنطوا بالصبر، وتكفنوا بالإنطاع، فأتتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض، فتقطعت قلوبهم وهلكوا.
٨٠ - ﴿وَ﴾ لقد أرسلنا ﴿لُوطًا﴾؛ أي: لوط بن هاران بن تارخ، وهو ابن أخ إبراهيم، وإبراهيم عمه: ﴿إِذْ قالَ﴾؛ أي: وقت قوله: ﴿لِقَوْمِهِ﴾ أهل سدوم، وكان قد أرسل إليهم، وذلك أن لوطا بعد موت والده هاجر مع عمه إبراهيم عليه السلام إلى الشام، وكانت ولادته في الطرف الشرقي من جنوب العراق في موضع يسمى أرض بابل، فنزل إبراهيم عليه السلام أرض فلسطين، ونزل لوط عليه السلام الأردن، فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم يدعوهم إلى الله تعالى، وينهاهم عن فعلهم القبيح، وهو قوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ﴾؛ أي: أتفعلون الفعلة الخسيسة القبيحة التي هي غاية في القبح، وكانت فاحشتهم: إتيان الذكران في
مسمى بقارة، فرغا ثلاثا، وقال لهم صالح عليه السلام: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه، وانفتحت الصخرة بعد رغائه، فدخلها فقال لهم صالح: تصبحون غدا وجوهكم مصفرة، وبعد غد وجوهكم محمرة، واليوم الثالث وجوهكم مسودة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه، فأنجاه الله تعالى إلى أرض فلسطين. ولما كان اليوم الرابع واشتد الضحى تحنطوا بالصبر، وتكفنوا بالإنطاع، فأتتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض، فتقطعت قلوبهم وهلكوا.
٨٠ - ﴿وَ﴾ لقد أرسلنا ﴿لُوطًا﴾؛ أي: لوط بن هاران بن تارخ، وهو ابن أخ إبراهيم، وإبراهيم عمه: ﴿إِذْ قالَ﴾؛ أي: وقت قوله: ﴿لِقَوْمِهِ﴾ أهل سدوم، وكان قد أرسل إليهم، وذلك أن لوطا بعد موت والده هاجر مع عمه إبراهيم عليه السلام إلى الشام، وكانت ولادته في الطرف الشرقي من جنوب العراق في موضع يسمى أرض بابل، فنزل إبراهيم عليه السلام أرض فلسطين، ونزل لوط عليه السلام الأردن، فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم يدعوهم إلى الله تعالى، وينهاهم عن فعلهم القبيح، وهو قوله تعالى: ﴿أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ﴾؛ أي: أتفعلون الفعلة الخسيسة القبيحة التي هي غاية في القبح، وكانت فاحشتهم: إتيان الذكران في
422
أدبارهم، ولما كان هذا الفعل معهودا قبحه، ومركوزا في العقول فحشه أتى بها معرفا بالألف واللام ذكره أبو حيان. والاستفهام فيه للإنكار والتوبيخ؛ أي: لا ينبغي لكم أن تفعلوها، والحال أنه ﴿ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ﴾ ﴿من﴾ الأولى زائدة (١) لتوكيد النفي، وإفادة معنى الاستغراق، والثانية للتبعيض.
والمعنى: ما سبقكم أيها القوم بهذه الفعلة الفاحشة أحد من العالمين قبلكم. والجملة (٢) استئنافية مقررة للإنكار كأنه وبخهم أولا بإتيان الفاحشة، ثم باختراعها، فإنه أسوأ. قال عمرو بن دينار: ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا قبل قوم لوط عليه السلام. والمعنى (٣): أي ما عملها أحد قبلكم في أي زمان، بل هي من مبتدعاتكم في الفساد، فأنتم فيها أسوة وقدوة، فتبؤون بإثمها وإثم من اتبعكم فيها إلى يوم القيامة. وفي هذا بيان بأن ما اجترحوه من السيئات مخالف لمقتضيات الفطرة، ومن ثم لم تتطلع إليه نفوس أحد من البشر قبلهم إلى ما فيه من مخالفة لهدي الدين. قال الحسن: كانوا يأتون الغرباء كانت بلادهم الأردن تؤتى من كل جانب لخصبها، فقال لهم إبليس - وهو في صورة غلام -: إن أردتم دفع الغرباء.. فافعلوا بهم هكذا، فمكنهم من نفسه تعليما لهم، ثم فشا، واستحلوا ما استحلوا.
وفي تسمية (٤) هذا الفعل بالفاحشة دليل على أنه يجري مجرى الزنا يرجم من أحصن، ويجلد من لم يحصن، وفعله عبد الله بن الزبير: أتى بسبعة منهم، فرجم أربعة أحصنوا، وجلد ثلاثة، وعنده ابن عمر وابن عباس، ولم ينكروا به، وبه قال الشافعي. وقال مالك: يرجم أحصن أو لم يحصن، وكذا المفعول به إن كان محتلما، وعنده يرجم المحصن ويؤدب، ويحبس غير المحصن؛ وهو مذهب عطية وابن المسيب والنخعي وغيرهم. وعن مالك أيضا: يعزر أحصن أو لم يحصن؛ وهو مذهب أبي حنيفة. وحرّق خالد بن الوليد رضي الله عنه رجلا يقال له الفجاء عمل ذلك العمل، وذلك برأي أبي بكر وعلي، وإن أصحاب
والمعنى: ما سبقكم أيها القوم بهذه الفعلة الفاحشة أحد من العالمين قبلكم. والجملة (٢) استئنافية مقررة للإنكار كأنه وبخهم أولا بإتيان الفاحشة، ثم باختراعها، فإنه أسوأ. قال عمرو بن دينار: ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا قبل قوم لوط عليه السلام. والمعنى (٣): أي ما عملها أحد قبلكم في أي زمان، بل هي من مبتدعاتكم في الفساد، فأنتم فيها أسوة وقدوة، فتبؤون بإثمها وإثم من اتبعكم فيها إلى يوم القيامة. وفي هذا بيان بأن ما اجترحوه من السيئات مخالف لمقتضيات الفطرة، ومن ثم لم تتطلع إليه نفوس أحد من البشر قبلهم إلى ما فيه من مخالفة لهدي الدين. قال الحسن: كانوا يأتون الغرباء كانت بلادهم الأردن تؤتى من كل جانب لخصبها، فقال لهم إبليس - وهو في صورة غلام -: إن أردتم دفع الغرباء.. فافعلوا بهم هكذا، فمكنهم من نفسه تعليما لهم، ثم فشا، واستحلوا ما استحلوا.
وفي تسمية (٤) هذا الفعل بالفاحشة دليل على أنه يجري مجرى الزنا يرجم من أحصن، ويجلد من لم يحصن، وفعله عبد الله بن الزبير: أتى بسبعة منهم، فرجم أربعة أحصنوا، وجلد ثلاثة، وعنده ابن عمر وابن عباس، ولم ينكروا به، وبه قال الشافعي. وقال مالك: يرجم أحصن أو لم يحصن، وكذا المفعول به إن كان محتلما، وعنده يرجم المحصن ويؤدب، ويحبس غير المحصن؛ وهو مذهب عطية وابن المسيب والنخعي وغيرهم. وعن مالك أيضا: يعزر أحصن أو لم يحصن؛ وهو مذهب أبي حنيفة. وحرّق خالد بن الوليد رضي الله عنه رجلا يقال له الفجاء عمل ذلك العمل، وذلك برأي أبي بكر وعلي، وإن أصحاب
(١) الخازن.
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
(٢) البيضاوي.
(٣) المراغي.
(٤) البحر المحيط.
423
رسول الله ﷺ أجمع رأيهم عليه، وفيهم علي بن أبي طالب ذكره أبو حيان.
٨١ - والاستفهام في قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ﴾ للإنكار والتوبيخ أيضا، وهذا أشنع مما سبق؛ لتأكيده بأن وباللام واسمية الجملة. ذكره أبو السعود، وهذا بيان لقوله: ﴿أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ﴾؛ أي: أئنكم أيها القوم لتأتون وتطؤون أدبار الرجال ﴿شَهْوَةً﴾؛ أي: لمجرد الشهوة واللذة، لا للولد ولا للألفة، وقوله: ﴿مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾ حال من الواو في ﴿تَأْتُونَ﴾؛ أي: تطؤون أدبار الرجال حال كونكم متجاوزين النساء، وتاركين إياهن، أو حال من ﴿الرِّجالَ﴾؛ أي: حال كونهم منفردين عن النساء. والمراد بالإتيان هنا: الاستمتاع الذي عهد بمقتضى الفطرة بين الزوجين، وداعيته الشهوة وقصد النسل.
وإنما (١) ذمهم وعيرهم ووبخهم بهذا الفعل القبيح الخبيث؛ لأن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان، وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمران الدنيا، وجعل النساء محلا للشهوة وموضعا للنسل، فإذا تركهن الإنسان، وعدل عنهن إلى غيرهن من الرجال، فكأنما أسرف وجاوز الحد واعتدى؛ لأنه وضع الشيء في غير محله، وموضعه الذي خلق له؛ لأن أدبار الرجال ليست محلا للولادة التي هي مقصودة بتلك الشهوة المركبة في الإنسان.
وقد سجل عليهم هنا أنهم يبتغون الشهوة وحدها، فهم أخس من سائر أفراد الحيوان؛ لأن الذكور منها تطلب الإناث بدافع الشهوة والنسل الذي يحفظ النوع، ألا ترى أن الطيور والحشرات تبدأ حياتها الزوجية ببناء الأعشاش في أعلى الأشجار، أو الوكن في قلل الجبال، أو الأحجار في باطن الأرضين، ولكن هؤلاء المجرمين لا غرض لهم إلا إرضاء شهواتهم، ومن يقصد اللذة وحدها دون النسل.. فقد أسرف فيها، وانقلب نفعها ضرا، وصار خيرها شرا.
وقرأ نافع وحفص عن عاصم (٢): ﴿إنّكم﴾ - بهمزة واحدة مكسورة - على
٨١ - والاستفهام في قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ﴾ للإنكار والتوبيخ أيضا، وهذا أشنع مما سبق؛ لتأكيده بأن وباللام واسمية الجملة. ذكره أبو السعود، وهذا بيان لقوله: ﴿أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ﴾؛ أي: أئنكم أيها القوم لتأتون وتطؤون أدبار الرجال ﴿شَهْوَةً﴾؛ أي: لمجرد الشهوة واللذة، لا للولد ولا للألفة، وقوله: ﴿مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾ حال من الواو في ﴿تَأْتُونَ﴾؛ أي: تطؤون أدبار الرجال حال كونكم متجاوزين النساء، وتاركين إياهن، أو حال من ﴿الرِّجالَ﴾؛ أي: حال كونهم منفردين عن النساء. والمراد بالإتيان هنا: الاستمتاع الذي عهد بمقتضى الفطرة بين الزوجين، وداعيته الشهوة وقصد النسل.
وإنما (١) ذمهم وعيرهم ووبخهم بهذا الفعل القبيح الخبيث؛ لأن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان، وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمران الدنيا، وجعل النساء محلا للشهوة وموضعا للنسل، فإذا تركهن الإنسان، وعدل عنهن إلى غيرهن من الرجال، فكأنما أسرف وجاوز الحد واعتدى؛ لأنه وضع الشيء في غير محله، وموضعه الذي خلق له؛ لأن أدبار الرجال ليست محلا للولادة التي هي مقصودة بتلك الشهوة المركبة في الإنسان.
وقد سجل عليهم هنا أنهم يبتغون الشهوة وحدها، فهم أخس من سائر أفراد الحيوان؛ لأن الذكور منها تطلب الإناث بدافع الشهوة والنسل الذي يحفظ النوع، ألا ترى أن الطيور والحشرات تبدأ حياتها الزوجية ببناء الأعشاش في أعلى الأشجار، أو الوكن في قلل الجبال، أو الأحجار في باطن الأرضين، ولكن هؤلاء المجرمين لا غرض لهم إلا إرضاء شهواتهم، ومن يقصد اللذة وحدها دون النسل.. فقد أسرف فيها، وانقلب نفعها ضرا، وصار خيرها شرا.
وقرأ نافع وحفص عن عاصم (٢): ﴿إنّكم﴾ - بهمزة واحدة مكسورة - على
(١) الخازن.
(٢) المراح.
(٢) المراح.
الخبر المستأنف؛ وهو بيان لتلك الفاحشة. وقرأ ابن كثير بهمزتين بدون ألف بينهما وبتسهيل الثانية، وأبو عمرو كذلك لكنه أدخل الألف بينهما، وهشام بتحقيق الهمزتين بينهما مد، والباقون بتحقيقهما من غير مد بينهما على الأصل.
و ﴿بَلْ﴾ في قوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ للإضراب الانتقالي من قصة إلى قصة؛ أي: بل أنتم قوم مجاوزون الحلال إلى الحرام؛ أي: إنكم لا تأتون هذه الفاحشة، ثم تندمون على ما فعلتم، بل أنتم قوم مسرفون فيها وفي سائر أعمالكم، ولا تقفون فيها عند حد الاعتدال، وقد جاء في سورة النمل: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾؛ أي: أنتم ذو سفه وطيش، وفي سورة العنكبوت: ﴿أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ وفي كل هذا دليل على أنهم كانوا مسرفين في لذاتهم متعدين حدود العقل والفطرة، لا يعقلون ضرر ما يفعلون بجنايتهم على النسل والصحة والآداب العامة، فهم لو عقلوا ذلك.. لاجتنبوها، ولو كان لديهم شيء من الفضيلة.. لانصرفوا عنها. وقال هنا (١): ﴿مُسْرِفُونَ﴾ بصيغة اسم الفاعل؛ ليدل على الثبوت، ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء. وقال في النمل: ﴿تَجْهَلُونَ﴾ بالمضارع لتجدد الجهل فيهم، ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال.
٨٢ - ﴿وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا﴾؛ أي: ما كان جوابا من جهة قومه شيء من الأشياء في المرة الأخيرة من مرات المحاورة بينه وبينهم إلا قولهم لبعضهم الآخرين المباشرين لتلك الأمور معرضين عن مخاطبة لوط عليه السلام ﴿أَخْرِجُوهُمْ﴾؛ أي: أخرجوا لوطا وابنتيه زعورا ورييشا ﴿مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾ سذوم - بوزن رسول بالذال المعجمة - من قرى حمص بالشام ﴿إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾؛ أي: أي يتنزهون من أدبار الرجال، قالوا ذلك على سبيل السخرية بلوط وأهله، وعلى سبيل الافتخار بما هم فيه. وأتى هنا بقوله: ﴿وَما﴾ وفي النمل والعنكبوت بقوله: ﴿فَما﴾ والفاء هي الأصل في هذا الباب؛ لأن المراد أنهم لم يتأخر جوابهم عن نصحته، وأما الواو فالتعقيب أحد محاملها، فتعين هنا أنها للتعقيب
و ﴿بَلْ﴾ في قوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾ للإضراب الانتقالي من قصة إلى قصة؛ أي: بل أنتم قوم مجاوزون الحلال إلى الحرام؛ أي: إنكم لا تأتون هذه الفاحشة، ثم تندمون على ما فعلتم، بل أنتم قوم مسرفون فيها وفي سائر أعمالكم، ولا تقفون فيها عند حد الاعتدال، وقد جاء في سورة النمل: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾؛ أي: أنتم ذو سفه وطيش، وفي سورة العنكبوت: ﴿أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ وفي كل هذا دليل على أنهم كانوا مسرفين في لذاتهم متعدين حدود العقل والفطرة، لا يعقلون ضرر ما يفعلون بجنايتهم على النسل والصحة والآداب العامة، فهم لو عقلوا ذلك.. لاجتنبوها، ولو كان لديهم شيء من الفضيلة.. لانصرفوا عنها. وقال هنا (١): ﴿مُسْرِفُونَ﴾ بصيغة اسم الفاعل؛ ليدل على الثبوت، ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء. وقال في النمل: ﴿تَجْهَلُونَ﴾ بالمضارع لتجدد الجهل فيهم، ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال.
٨٢ - ﴿وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا﴾؛ أي: ما كان جوابا من جهة قومه شيء من الأشياء في المرة الأخيرة من مرات المحاورة بينه وبينهم إلا قولهم لبعضهم الآخرين المباشرين لتلك الأمور معرضين عن مخاطبة لوط عليه السلام ﴿أَخْرِجُوهُمْ﴾؛ أي: أخرجوا لوطا وابنتيه زعورا ورييشا ﴿مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾ سذوم - بوزن رسول بالذال المعجمة - من قرى حمص بالشام ﴿إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾؛ أي: أي يتنزهون من أدبار الرجال، قالوا ذلك على سبيل السخرية بلوط وأهله، وعلى سبيل الافتخار بما هم فيه. وأتى هنا بقوله: ﴿وَما﴾ وفي النمل والعنكبوت بقوله: ﴿فَما﴾ والفاء هي الأصل في هذا الباب؛ لأن المراد أنهم لم يتأخر جوابهم عن نصحته، وأما الواو فالتعقيب أحد محاملها، فتعين هنا أنها للتعقيب
(١) البحر المحيط.
لأمر خارجي؛ وهو القرينة في السورتين المذكورتين، لا أنها اقتضت ذلك بوضعها. اه «سمين».
والمعنى (١): أي وما كان جواب قومه عن هذا الإنكار وتلك النصيحة شيئا من الحجج المقنعة، أو الأعذار المسكنة لثورة الغصب، بل كان جوابهم الأمر بإخراجه هو ومن آمن معه من قريتهم، وما حجتهم على تبرير ما عزموا عليه إلا أن قالوا: إن هؤلاء أناس يتطهرون، ويتنزهون عن مشاركتهم في فسوقهم ورجسهم، فلا سبيل إلى معاشرتهم ولا مساكنتهم لما بينهم من الفوارق في الصفات والأخلاق. والظاهر أن قوله: ﴿إِنَّهُمْ﴾ تعليل للإخراج؛ أي: لأنهم لا يوافقوننا على ما نحن عليه، ومن لا يوافقنا.. وجب أن نخرجه. ذكره أبو حيان.
وهذا الجواب منهم يدل على منتهى السخرية والتهكم والافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظوهم: أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد. وقد بلغ من قحتهم وفجورهم أن يفعلوا الفاحشة ويفخروا بها، ويحتقروا من يتنزه عنها، وهذا أسفل الدركات، ولا يهبط إليه إلا من لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
٨٣ - ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ﴾؛ أي: فأنجينا لوطا وأهله؛ وهم بنتاه من العذاب الذي حل بقومه ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾؛ أي: زوجته الكافرة - واسمها واهلة -؛ لأنها ﴿كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ﴾؛ أي: من الباقين في ديارهم، فهلكت في العذاب مع الهالكين فيها؛ لأنها تسر الكفر موالية لأهل سذوم، وقال: ﴿مِنَ الْغابِرِينَ﴾ تغليبا للذكور. وأما لوط فخرج مع بنتيه من أرضهم، وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا، ووصل إلى إبراهيم، وهو في فلسطين؛ أي: فأنجيناه وأهل بيته الذين آمنوا معه إلا امرأته، فإنها لم تؤمن به، بل خانته بولاية قومه الكافرين، فكانت من جماعة الهالكين، أو الباقين الذين نزل بهم العذاب في الدنيا، وبعده عذاب الآخرة.
والمعنى (١): أي وما كان جواب قومه عن هذا الإنكار وتلك النصيحة شيئا من الحجج المقنعة، أو الأعذار المسكنة لثورة الغصب، بل كان جوابهم الأمر بإخراجه هو ومن آمن معه من قريتهم، وما حجتهم على تبرير ما عزموا عليه إلا أن قالوا: إن هؤلاء أناس يتطهرون، ويتنزهون عن مشاركتهم في فسوقهم ورجسهم، فلا سبيل إلى معاشرتهم ولا مساكنتهم لما بينهم من الفوارق في الصفات والأخلاق. والظاهر أن قوله: ﴿إِنَّهُمْ﴾ تعليل للإخراج؛ أي: لأنهم لا يوافقوننا على ما نحن عليه، ومن لا يوافقنا.. وجب أن نخرجه. ذكره أبو حيان.
وهذا الجواب منهم يدل على منتهى السخرية والتهكم والافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظوهم: أبعدوا عنا هذا المتقشف، وأريحونا من هذا المتزهد. وقد بلغ من قحتهم وفجورهم أن يفعلوا الفاحشة ويفخروا بها، ويحتقروا من يتنزه عنها، وهذا أسفل الدركات، ولا يهبط إليه إلا من لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
٨٣ - ﴿فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ﴾؛ أي: فأنجينا لوطا وأهله؛ وهم بنتاه من العذاب الذي حل بقومه ﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ﴾؛ أي: زوجته الكافرة - واسمها واهلة -؛ لأنها ﴿كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ﴾؛ أي: من الباقين في ديارهم، فهلكت في العذاب مع الهالكين فيها؛ لأنها تسر الكفر موالية لأهل سذوم، وقال: ﴿مِنَ الْغابِرِينَ﴾ تغليبا للذكور. وأما لوط فخرج مع بنتيه من أرضهم، وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا، ووصل إلى إبراهيم، وهو في فلسطين؛ أي: فأنجيناه وأهل بيته الذين آمنوا معه إلا امرأته، فإنها لم تؤمن به، بل خانته بولاية قومه الكافرين، فكانت من جماعة الهالكين، أو الباقين الذين نزل بهم العذاب في الدنيا، وبعده عذاب الآخرة.
(١) المراغي.
٨٤ - ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾؛ أي (١): وأرسلنا عليهم إرسال المطر وإنزاله في الكثرة جرّا محروقا معجونا بالكبريت والنار. قال مجاهد: نزل جبريل عليه السلام، وأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط، فاقتلعها ورفعها إلى السماء، ثم قلبها، فجعل أعلاها أسفلها، ثم أتبعوا بالحجارة. وقيل المعنى (٢): وأنزلنا على الخارجين من المدائن الخمسة حجارة من السماء معلمة عليها اسم من يرمى بها. وروي أن تاجرا منهم كان في الحرم، فوقف الحجر له أربعين يوما حتى قضى تجارته، وخرج من الحرم، فوقع عليه فأهلكه.
والإمطار (٣) حقيقة في المطر مجاز فيما يشبهه في الكثرة من خير وشر مما يجيء من السماء، أو من الأرض؛ أي: وأرسلنا عليهم مطرا عجيبا أمره؛ وهو الحجارة التي رجموا بها. وجاء في سورتي هود والحجر أنها حجارة من سجيل مسومة؛ أي: معلمة ببياض في حمرة، وقد يكون سبب إمطار الحجارة عليهم إرسال إعصار من الريح حمل تلك الحجارة، وألقاها عليهم، أو أن تلك الحجارة من بعض النجوم المحطمة التي يسميها علماء الفلك: الحجازة النيزكية؛ وهي بقايا كوكب محطم تجذبه الأرض إليها إذا صار بالقرب منها؛ وهي تحترق غالبا من سرعة الجذب وشدته، وهي الشهب التي ترى بالليل، فإذا سلم منها شيء من الاحتراق، ووصل إلى الأرض.. ساخ فيها، وكان لسقوطه صوت شديد، وقد وجد بعض الناس بعض تلك الحجارة ووضعوها في دور الآثار.
﴿فَانْظُرْ﴾ يا محمد ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ﴾ هؤلاء ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ وآخر أمرهم الذين كذبوا بالله ورسوله الذي أرسل إليهم، وعملوا الفواحش كيف أهلكناهم بعذاب مستأصل لهم، وهذا الخطاب، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن المراد به غيره من أمته؛ ليعتبروا بما جرى على هؤلاء، فينزجروا بذلك الاعتبار عن
والإمطار (٣) حقيقة في المطر مجاز فيما يشبهه في الكثرة من خير وشر مما يجيء من السماء، أو من الأرض؛ أي: وأرسلنا عليهم مطرا عجيبا أمره؛ وهو الحجارة التي رجموا بها. وجاء في سورتي هود والحجر أنها حجارة من سجيل مسومة؛ أي: معلمة ببياض في حمرة، وقد يكون سبب إمطار الحجارة عليهم إرسال إعصار من الريح حمل تلك الحجارة، وألقاها عليهم، أو أن تلك الحجارة من بعض النجوم المحطمة التي يسميها علماء الفلك: الحجازة النيزكية؛ وهي بقايا كوكب محطم تجذبه الأرض إليها إذا صار بالقرب منها؛ وهي تحترق غالبا من سرعة الجذب وشدته، وهي الشهب التي ترى بالليل، فإذا سلم منها شيء من الاحتراق، ووصل إلى الأرض.. ساخ فيها، وكان لسقوطه صوت شديد، وقد وجد بعض الناس بعض تلك الحجارة ووضعوها في دور الآثار.
﴿فَانْظُرْ﴾ يا محمد ﴿كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ﴾ هؤلاء ﴿الْمُجْرِمِينَ﴾ وآخر أمرهم الذين كذبوا بالله ورسوله الذي أرسل إليهم، وعملوا الفواحش كيف أهلكناهم بعذاب مستأصل لهم، وهذا الخطاب، وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن المراد به غيره من أمته؛ ليعتبروا بما جرى على هؤلاء، فينزجروا بذلك الاعتبار عن
(١) المراح.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
(٢) المراح.
(٣) المراغي.
الأفعال القبيحة والفواحش الخبيثة، والمعنى: فانظر أيها المعتبر هذا القصص وتأمله حق التأمل؛ لتعلم عذاب الأمم على ذنوبها في الدنيا قبل الآخرة.
وهذا العقاب أثر طبيعي لذلك، فإنك ترى الترف والفسق يفسدان أخلاق الأمم، ويذهبان ببأسها، ويفرقان كلمتها، ويجعلانها شيعا وأحزابا متعادية، فيسلط الله عليها من يستذلها، ويسلبها استقلالها، ويسخرها لمنافعه، ولا يزال بها هكذا حتى تنقرض وتكون من الهالكين، وقد يكون هلاكها بسنن الله في الأرض من إرسال الجوائح كالزلازل والرياح العاصفة، أو بالأوبئة والأمراض الفتاكة، أو بالثورات والفتن والحروب، ونحو ذلك مما يكون سببا في انقراض الأمم وفنائها.
وخلاصة القول في تحريم هذه الفاحشة:
١ - أنها مفسدة للشبان بالإسراف في الشهوات.
٢ - أنها مفسدة للنساء اللواتي ينصرف أزواجهن عنهن، ويقصرون فيما يجب عليهم من إحصانهن.
٣ - قلة النسل، فإن من لوازم ذلك الرغبة عن الزواج، والرغبة في إتيان الأزواج في غير مأتى الحرث. وفي الحياة الزوجية الشرعية إحصان كل من الزوجين للآخر بقصر لذة الاستمتاع عليه، وجعل ذلك وسيلة للحياة الوالدية التي تنمو بها الأمة، ويحفظ بها النوع الإنساني من الزوال.
٨٥ - ﴿وَ﴾ أرسلنا ﴿إِلى﴾ أولاد ﴿مَدْيَنَ﴾ بن إبراهيم عليه السلام ﴿أَخاهُمْ﴾ في النسب، لا في الدين ﴿شُعَيْبًا﴾ بن ثويب بن مدين بن إبراهيم الخليل بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر؛ وهو هود عليه السلام، فبين شعيب وهود على هذا القول ثمانية آباء، وكان شعيب أعمى، وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه. وقال قتادة: أرسل شعيب مرتين: مرة إلى مدين، ومرة إلى أصحاب الأيكة.
قيل: شعيب هو ابن بنت لوط، وقيل: زوج بنته، وهذه مناسبة بين قصته وقصة لوط. وقيل: مدين اسم لقرية شعيب بينها وبين مصر ثمانية مراحل سميت
وهذا العقاب أثر طبيعي لذلك، فإنك ترى الترف والفسق يفسدان أخلاق الأمم، ويذهبان ببأسها، ويفرقان كلمتها، ويجعلانها شيعا وأحزابا متعادية، فيسلط الله عليها من يستذلها، ويسلبها استقلالها، ويسخرها لمنافعه، ولا يزال بها هكذا حتى تنقرض وتكون من الهالكين، وقد يكون هلاكها بسنن الله في الأرض من إرسال الجوائح كالزلازل والرياح العاصفة، أو بالأوبئة والأمراض الفتاكة، أو بالثورات والفتن والحروب، ونحو ذلك مما يكون سببا في انقراض الأمم وفنائها.
وخلاصة القول في تحريم هذه الفاحشة:
١ - أنها مفسدة للشبان بالإسراف في الشهوات.
٢ - أنها مفسدة للنساء اللواتي ينصرف أزواجهن عنهن، ويقصرون فيما يجب عليهم من إحصانهن.
٣ - قلة النسل، فإن من لوازم ذلك الرغبة عن الزواج، والرغبة في إتيان الأزواج في غير مأتى الحرث. وفي الحياة الزوجية الشرعية إحصان كل من الزوجين للآخر بقصر لذة الاستمتاع عليه، وجعل ذلك وسيلة للحياة الوالدية التي تنمو بها الأمة، ويحفظ بها النوع الإنساني من الزوال.
٨٥ - ﴿وَ﴾ أرسلنا ﴿إِلى﴾ أولاد ﴿مَدْيَنَ﴾ بن إبراهيم عليه السلام ﴿أَخاهُمْ﴾ في النسب، لا في الدين ﴿شُعَيْبًا﴾ بن ثويب بن مدين بن إبراهيم الخليل بن تارخ بن ناحور بن ساروغ بن أرغو بن فالغ بن عابر؛ وهو هود عليه السلام، فبين شعيب وهود على هذا القول ثمانية آباء، وكان شعيب أعمى، وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه. وقال قتادة: أرسل شعيب مرتين: مرة إلى مدين، ومرة إلى أصحاب الأيكة.
قيل: شعيب هو ابن بنت لوط، وقيل: زوج بنته، وهذه مناسبة بين قصته وقصة لوط. وقيل: مدين اسم لقرية شعيب بينها وبين مصر ثمانية مراحل سميت
428
باسم أبيهم مدين بن إبراهيم الخليل عليه السلام.
والمعنى: أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم في النسب لا في الدين؛ إذ ﴿قالَ﴾ شعيب لقومه؛ وهم أهل كفر، وبخس للكيل والميزان ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وحده ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾؛ أي: ليس لكم إله يستحق العبادة منكم غيره تعالى؛ لأنه خالقكم وموجدكم ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾؛ أي: معجزة واضحة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ دالة على صدقي، ولم يذكر هنا ولا في أي سورة من سور القرآن آية معينة لشعيب عليه السلام، ولكن لا بد أن تكون له آية تدل على صدقه، وتقوم بها الحجة عليهم، وليست كل آيات الأنبياء مذكورة في القرآن. وقيل: أراد بالبينة مجيء شعيب بالرسالة إليهم، وقيل: أراد بالبينة الموعظة المذكورة بقوله الآتي: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ...﴾ الخ. فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثلها آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة»؛ أي: أن كل نبي مرسل أعطاه الله تعالى من الآيات الدالة على صدقه وصحة دعوته ما شأنه أن يؤمن البشر على مثله. والبينة كل ما يتبين به الحق، فتشمل المعجزات الكونية والبراهين العقلية، والأمم القديمة لم تكن تذعن إلا لخوارق العادات.
وكانت عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يبدؤوا في الدعوة بالأهم فالأهم، ولما كانت الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء قال شعيب: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، ثم بعد الدعوة إلى التوحيد شرع في نهيهم عما هم عليه من المعاصي، ولما كان المعتاد من أهل مدين البخس في الكيل والوزن.. دعاهم إلى ترك هذه العادة القبيحة، وهي تطفيف الكيل والوزن، فقال: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ﴾؛ أي: أتموا كيل المكيال ووزن الميزان إذا بعتم أموالكم للناس ﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾؛ أي: ولا تنقصوا عن الناس أشياءهم وأثمانهم إذا اشتريتم من الناس، أو المعنى (١): ولا تنقصوا حقوق الناس
والمعنى: أرسلنا إلى أهل مدين أخاهم في النسب لا في الدين؛ إذ ﴿قالَ﴾ شعيب لقومه؛ وهم أهل كفر، وبخس للكيل والميزان ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ وحده ﴿ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ﴾؛ أي: ليس لكم إله يستحق العبادة منكم غيره تعالى؛ لأنه خالقكم وموجدكم ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾؛ أي: معجزة واضحة ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾ دالة على صدقي، ولم يذكر هنا ولا في أي سورة من سور القرآن آية معينة لشعيب عليه السلام، ولكن لا بد أن تكون له آية تدل على صدقه، وتقوم بها الحجة عليهم، وليست كل آيات الأنبياء مذكورة في القرآن. وقيل: أراد بالبينة مجيء شعيب بالرسالة إليهم، وقيل: أراد بالبينة الموعظة المذكورة بقوله الآتي: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ...﴾ الخ. فقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: «ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثلها آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة»؛ أي: أن كل نبي مرسل أعطاه الله تعالى من الآيات الدالة على صدقه وصحة دعوته ما شأنه أن يؤمن البشر على مثله. والبينة كل ما يتبين به الحق، فتشمل المعجزات الكونية والبراهين العقلية، والأمم القديمة لم تكن تذعن إلا لخوارق العادات.
وكانت عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن يبدؤوا في الدعوة بالأهم فالأهم، ولما كانت الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء قال شعيب: اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ، ثم بعد الدعوة إلى التوحيد شرع في نهيهم عما هم عليه من المعاصي، ولما كان المعتاد من أهل مدين البخس في الكيل والوزن.. دعاهم إلى ترك هذه العادة القبيحة، وهي تطفيف الكيل والوزن، فقال: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ﴾؛ أي: أتموا كيل المكيال ووزن الميزان إذا بعتم أموالكم للناس ﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾؛ أي: ولا تنقصوا عن الناس أشياءهم وأثمانهم إذا اشتريتم من الناس، أو المعنى (١): ولا تنقصوا حقوق الناس
(١) المراح.
429
بجميع الوجوه كالغصب والسرقة، وأخذ الرشوة، وقطع الطريق وانتزاع الأموال بطريق الحيل وقيل: كانوا مكاسين لا يدعون شيئا إلا مكسوه كما يفعل أمراء الجور.
وعبارة المراغي هنا: قوله: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾ قد (١) ثنى الله سبحانه وتعالى بالأمر بإيفاء الكيل والميزان إذا باعوا، والنهي عن بخس الناس أشياءهم إذا اشتروا بعد أن أمرهم بتوحيد الله؛ لأن ذلك كان فاشيا فيهم أكثر من سائر المعاصي، ومن ثم اهتم به كما اهتم لوط بنهي قومه عن الفاحشة السوء أي التي كانت فاشية فيهم، فقد كانوا من المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس، أو وزنوا عليهم لأنفسهم ما يشترون من المكيلات والموزونات يستوفون حقهم، ويزيدون عليه، وإذا كالوهم، أو وزنوهم ما يبيعون لهم يخسرون الكيل والميزان؛ أي: ينقصونه، فيبخسون أشياءهم، وينقصونهم حقوقهم.
والبخس: يشمل نقص المكيل والموزون وغيرهما من المبيعات كالمواشي والأشياء المعدودة، ويشمل البخس في المساومة والغش والحيل التي تنتقص بها الحقوق، وفي الحقوق المعنوية كالعلوم والفضائل، وقد فشا كل من هذين النوعين في هذا العصر، فكثير من التجار باخسون مطففون فيما يبيعون وما يشترون، وكثير من المشتغلين بالعلوم والآداب والسياسة بخّاسون لحقوق بني جلدتهم، مدّعون للتفوق عليهم، منكرون لما خص الله به سواهم من المزايا والخصائص حسدا عليهم وبغيا. وقد روي أن قوم شعيب كانوا إذا دخل عليهم الغريب يأخذون دراهمه، ويقولون: هذه زيوف، فيقطعونها قطعا، ثم يشترونها منه بالبخس؛ أي: بالنقصان الظاهر، وأعطوه بدلها زيوفا، وكانت هذه المعصية قد فشت فيهم في ذلك الزمان مع كفرهم الذي نالتهم الرجفة بسببه.
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ بالكفر والمعاصي ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾؛ أي: بعد أن أصلحها الله سبحانه وتعالى ببعثة الرسل، وإقامة العدل، وإفاضة النعم فيها،
وعبارة المراغي هنا: قوله: ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾ قد (١) ثنى الله سبحانه وتعالى بالأمر بإيفاء الكيل والميزان إذا باعوا، والنهي عن بخس الناس أشياءهم إذا اشتروا بعد أن أمرهم بتوحيد الله؛ لأن ذلك كان فاشيا فيهم أكثر من سائر المعاصي، ومن ثم اهتم به كما اهتم لوط بنهي قومه عن الفاحشة السوء أي التي كانت فاشية فيهم، فقد كانوا من المطففين الذين إذا اكتالوا على الناس، أو وزنوا عليهم لأنفسهم ما يشترون من المكيلات والموزونات يستوفون حقهم، ويزيدون عليه، وإذا كالوهم، أو وزنوهم ما يبيعون لهم يخسرون الكيل والميزان؛ أي: ينقصونه، فيبخسون أشياءهم، وينقصونهم حقوقهم.
والبخس: يشمل نقص المكيل والموزون وغيرهما من المبيعات كالمواشي والأشياء المعدودة، ويشمل البخس في المساومة والغش والحيل التي تنتقص بها الحقوق، وفي الحقوق المعنوية كالعلوم والفضائل، وقد فشا كل من هذين النوعين في هذا العصر، فكثير من التجار باخسون مطففون فيما يبيعون وما يشترون، وكثير من المشتغلين بالعلوم والآداب والسياسة بخّاسون لحقوق بني جلدتهم، مدّعون للتفوق عليهم، منكرون لما خص الله به سواهم من المزايا والخصائص حسدا عليهم وبغيا. وقد روي أن قوم شعيب كانوا إذا دخل عليهم الغريب يأخذون دراهمه، ويقولون: هذه زيوف، فيقطعونها قطعا، ثم يشترونها منه بالبخس؛ أي: بالنقصان الظاهر، وأعطوه بدلها زيوفا، وكانت هذه المعصية قد فشت فيهم في ذلك الزمان مع كفرهم الذي نالتهم الرجفة بسببه.
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ بالكفر والمعاصي ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾؛ أي: بعد أن أصلحها الله سبحانه وتعالى ببعثة الرسل، وإقامة العدل، وإفاضة النعم فيها،
(١) المراغي.
430
وكل نبي يبعث إلى قوم فهو صلاحهم، فالإضافة في إصلاحها كإضافة مكر الليل. قال ابن عباس رضي الله عنهما (١): كانت الأرض قبل أن يبعث الله شعيبا رسولا تعمل فيها المعاصي، وتستحل فيها المحارم، وتسفك فيها الدماء، فذلك فسادها، فلما بعث الله شعيبا، ودعاهم إلى الله صلحت الأرض؛ لأن بعثة كل نبي إلى قومه فهو صلاحهم.
وحاصل المعنى: أنه (٢) سبحانه وتعالى أصلح حال البشر بنظام الفطرة، ومكنهم في الأرض بما آتاهم من القوى العقلية وقوة الجوارح، وبما أودع في خلق الأرض من سنن حكيمة وقوانين مستقيمة، وبما بعث به الرسل من المكملات لنظام الفطرة من آدات وأخلاق، ونظم في المعاملات والاجتماع، وبما أرشد إليه المصلحين من العلماء والحكماء الذين يأمرون بالقسط، ويهدون الناس إلى ما فيه صلاحهم في دينهم، والعاملين من الزراع والصناع والتجار أهل الأمانة والاستقامة الذين ينفعون الناس في دنياهم.
فعليكم أن لا تفسدوا فيها ببغي ولا عدوان على الأنفس والأعراض والأخلاق بارتكاب الإثم والفواحش، ولا تفسدوا فيها بالفوضى وعدم النظام، وبث الخرافات والجهالات التي تقوض نظم المجتمع، وقد كانوا من المفسدين للدين والدنيا كما يستفاد من هذه الآية وما بعدها ﴿ذلِكُمْ﴾ الذي أمرتكم به من الإيمان بالله، ووفاء الكيل والميزان، وترك الظلم والبخس ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ مما أنتم عليه من الكفر والمعاصي وظلم الناس في دينكم ودنياكم، فإن ربكم لا يأمر إلا بالنافع، ولا ينهى إلا عن الضار، ولأن الناس إذا علموا منكم الوفاء والصدق والأمانة.. رغبوا في المعاملات معكم، فكثرتم أموالكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: مصدقين لي في قولي هذا؛ أي: وإنما يكون ذلك خيرا لكم إن كنتم مؤمنين بوحدانية الله وبرسوله، وبما جاءكم به من شرع وهدى، فالإيمان يقتضي الامتثال والعمل بما جاء به الرسول من عند الله، وإن خالف النفس
وحاصل المعنى: أنه (٢) سبحانه وتعالى أصلح حال البشر بنظام الفطرة، ومكنهم في الأرض بما آتاهم من القوى العقلية وقوة الجوارح، وبما أودع في خلق الأرض من سنن حكيمة وقوانين مستقيمة، وبما بعث به الرسل من المكملات لنظام الفطرة من آدات وأخلاق، ونظم في المعاملات والاجتماع، وبما أرشد إليه المصلحين من العلماء والحكماء الذين يأمرون بالقسط، ويهدون الناس إلى ما فيه صلاحهم في دينهم، والعاملين من الزراع والصناع والتجار أهل الأمانة والاستقامة الذين ينفعون الناس في دنياهم.
فعليكم أن لا تفسدوا فيها ببغي ولا عدوان على الأنفس والأعراض والأخلاق بارتكاب الإثم والفواحش، ولا تفسدوا فيها بالفوضى وعدم النظام، وبث الخرافات والجهالات التي تقوض نظم المجتمع، وقد كانوا من المفسدين للدين والدنيا كما يستفاد من هذه الآية وما بعدها ﴿ذلِكُمْ﴾ الذي أمرتكم به من الإيمان بالله، ووفاء الكيل والميزان، وترك الظلم والبخس ﴿خَيْرٌ لَكُمْ﴾ مما أنتم عليه من الكفر والمعاصي وظلم الناس في دينكم ودنياكم، فإن ربكم لا يأمر إلا بالنافع، ولا ينهى إلا عن الضار، ولأن الناس إذا علموا منكم الوفاء والصدق والأمانة.. رغبوا في المعاملات معكم، فكثرتم أموالكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ أي: مصدقين لي في قولي هذا؛ أي: وإنما يكون ذلك خيرا لكم إن كنتم مؤمنين بوحدانية الله وبرسوله، وبما جاءكم به من شرع وهدى، فالإيمان يقتضي الامتثال والعمل بما جاء به الرسول من عند الله، وإن خالف النفس
(١) القرطبي.
(٢) المراغي.
(٢) المراغي.
431
والهوى. والمؤمن الموحد لا يخضع إلا لربه (١)، وإنما يطيع رسوله؛ لأنه مبلغ عنه كما قال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ﴾.
هذا والبشر لم يصلوا في عصر من العصور إلى عشر ما وصلوا إليه في هذا العصر من العلم بالمنافع والمضار، ومعرفة المصالح والمفاسد في المعاملات والآداب، ومع هذا فإن العلم وحده لم يغنم شيئا، فكثرت في البلاد الجرائم من قتل وسلب وإفساد زرع وفسق وفجور ونحو ذلك مما كان سببا في تدهور نظم المجتمعات، فلم يبق اليوم من الإسلام إلا رسمه، ولا من الدين إلا اسمه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فخير وسيلة لإصلاح الأمم تربية الأحداث والنابتة تربية دينية بإقناعهم بمنافع الفضائل كالصدق والأمانة والعدل، وإقناعهم بمضار الرذائل؛ لأن الوازع النفسي أقوى من الوازع الخارجي.
٨٦ - ﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ﴾؛ أي: ولا تجلسوا على كل طريق محسوس حالة كونكم توعدون، وتخوفون بالقتل من مر عليكم ممن يذهب إلى شعيب ليؤمن به. وقد روي عن ابن عباس: أن بلادهم كانت خصبة، وكان الناس يمتارون منهم، فكانوا يقعدون على الطريق، ويخوفون الناس أن يأتوا شعيبا، ويقولون لهم إنه كذا فلا يفتننكم عن دينكم؛ أي: يقعدون على الطريق، ويخوفون الغرباء الذين يريدون الإيمان بشعيب بالقتل إن آمن به.
﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: وتمنعون عن طاعة الله وعبادته ﴿مَنْ آمَنَ بِهِ﴾؛ أي: من آمن بالله أو بشعيب ﴿وَتَبْغُونَها عِوَجًا﴾؛ أي: وتطلبون لسبيل الله ودينه زيغا وميلا عن الحق، وعدولا عن القصد والصواب بإلقاء الشكوك والشبهات فيها. وجملة الأفعال الثلاثة - التي هي توعدون وتصدون وتبغون - أحوال؛ أي: لا تقعدوا موعدين وصادين وباغين.
والخلاصة:
أنه نهاهم عن أشياء ثلاثة:
١ - قعودهم على الطرقات التي توصل إليه مخوفين من يجيئه ليرجع عنه
هذا والبشر لم يصلوا في عصر من العصور إلى عشر ما وصلوا إليه في هذا العصر من العلم بالمنافع والمضار، ومعرفة المصالح والمفاسد في المعاملات والآداب، ومع هذا فإن العلم وحده لم يغنم شيئا، فكثرت في البلاد الجرائم من قتل وسلب وإفساد زرع وفسق وفجور ونحو ذلك مما كان سببا في تدهور نظم المجتمعات، فلم يبق اليوم من الإسلام إلا رسمه، ولا من الدين إلا اسمه، فإنا لله وإنا إليه راجعون. فخير وسيلة لإصلاح الأمم تربية الأحداث والنابتة تربية دينية بإقناعهم بمنافع الفضائل كالصدق والأمانة والعدل، وإقناعهم بمضار الرذائل؛ لأن الوازع النفسي أقوى من الوازع الخارجي.
٨٦ - ﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ﴾؛ أي: ولا تجلسوا على كل طريق محسوس حالة كونكم توعدون، وتخوفون بالقتل من مر عليكم ممن يذهب إلى شعيب ليؤمن به. وقد روي عن ابن عباس: أن بلادهم كانت خصبة، وكان الناس يمتارون منهم، فكانوا يقعدون على الطريق، ويخوفون الناس أن يأتوا شعيبا، ويقولون لهم إنه كذا فلا يفتننكم عن دينكم؛ أي: يقعدون على الطريق، ويخوفون الغرباء الذين يريدون الإيمان بشعيب بالقتل إن آمن به.
﴿وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾؛ أي: وتمنعون عن طاعة الله وعبادته ﴿مَنْ آمَنَ بِهِ﴾؛ أي: من آمن بالله أو بشعيب ﴿وَتَبْغُونَها عِوَجًا﴾؛ أي: وتطلبون لسبيل الله ودينه زيغا وميلا عن الحق، وعدولا عن القصد والصواب بإلقاء الشكوك والشبهات فيها. وجملة الأفعال الثلاثة - التي هي توعدون وتصدون وتبغون - أحوال؛ أي: لا تقعدوا موعدين وصادين وباغين.
والخلاصة:
أنه نهاهم عن أشياء ثلاثة:
١ - قعودهم على الطرقات التي توصل إليه مخوفين من يجيئه ليرجع عنه
(١) المراغي.
قبل أن يراه ويسمع دعوته.
٢ - صدهم من وصل إليه وآمن به بصرفه عن الثبات على الإيمان، والاستقامة على الطريق الموصلة إلى سعادة الدارين.
٣ - ابتغاؤهم جعل سبيل الله المستقيمة معوجة بالطعن، وإلقاء الشبهات المشككة فيها، أو المشوهة لها، وهم بعملهم هذا ارتكبوا ضلالتين: التقليد والعصبية للآباء والأجداد، وضلالة الغلو في الحرية الشخصية التي أباحت لهم الطعن في الأديان حتى بلغوا في ذلك حد الطغيان.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا﴾؛ أي: وتذكروا الزمن الذي كنتم فيه قليلي العدد ﴿فَكَثَّرَكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى بما بارك في نسلكم، واشكروا له ذلك بعبادته وحده واتباع وصاياه في الحق، والإعراض عن الفساد في الأرض. وقد روي أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط، فولدت له، فرمى الله في نسلهما البركة والنماء فكثروا. وقيل المعنى: إذ كنتم مقلين فقراء، فجعلكم مكثرين موسرين، وقيل: إذ كنتم أذلة قليلي العدد، فأعزكم بكثرة العدد والعدد.
﴿وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾؛ أي: فانظروا وتأملوا نظر اعتبار كيف كان آخر أمر المفسدين في الأرض من الأمم والشعوب المجاورة لكم كقوم نوح وعاد وثمود، وكيف أهلكهم الله بفسادهم وبغيهم في الأرض، فاعتبروا بما حل بهم واحذروا أن يصيبكم مثل ما أصابهم.
٨٧ - ﴿وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ﴾؛ أي: جماعة كائنة ﴿مِنْكُمْ﴾ أيها القوم ﴿آمَنُوا﴾ وصدقوا ﴿بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ إليكم من الأحكام والشرائع التي شرعها الله تعالى لكم ﴿وَطائِفَةٌ﴾ أخرى منكم ﴿لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ ولم يصدقوا بما أرسلت به إليكم ﴿فَاصْبِرُوا﴾؛ أي: فانتظروا أيها المؤمنون والكافرون من الطائفتين ﴿حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا﴾ وبينكم جميعا من مؤمن وكافر بإعلاء درجات المؤمنين ونصرهم، وبإظهار خزي الكافرين وذلهم ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾؛ أي: أفضلهم وأعلمهم؛ لأنه تعالى حاكم عادل منزه عن الجور لا معقب لحكمه ولا حيف فيه، ولا يخفى ما في هذا من الوعيد والتهديد، وحكم الله بين عباده ضربان:
٢ - صدهم من وصل إليه وآمن به بصرفه عن الثبات على الإيمان، والاستقامة على الطريق الموصلة إلى سعادة الدارين.
٣ - ابتغاؤهم جعل سبيل الله المستقيمة معوجة بالطعن، وإلقاء الشبهات المشككة فيها، أو المشوهة لها، وهم بعملهم هذا ارتكبوا ضلالتين: التقليد والعصبية للآباء والأجداد، وضلالة الغلو في الحرية الشخصية التي أباحت لهم الطعن في الأديان حتى بلغوا في ذلك حد الطغيان.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا﴾؛ أي: وتذكروا الزمن الذي كنتم فيه قليلي العدد ﴿فَكَثَّرَكُمْ﴾ الله سبحانه وتعالى بما بارك في نسلكم، واشكروا له ذلك بعبادته وحده واتباع وصاياه في الحق، والإعراض عن الفساد في الأرض. وقد روي أن مدين بن إبراهيم تزوج بنت لوط، فولدت له، فرمى الله في نسلهما البركة والنماء فكثروا. وقيل المعنى: إذ كنتم مقلين فقراء، فجعلكم مكثرين موسرين، وقيل: إذ كنتم أذلة قليلي العدد، فأعزكم بكثرة العدد والعدد.
﴿وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾؛ أي: فانظروا وتأملوا نظر اعتبار كيف كان آخر أمر المفسدين في الأرض من الأمم والشعوب المجاورة لكم كقوم نوح وعاد وثمود، وكيف أهلكهم الله بفسادهم وبغيهم في الأرض، فاعتبروا بما حل بهم واحذروا أن يصيبكم مثل ما أصابهم.
٨٧ - ﴿وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ﴾؛ أي: جماعة كائنة ﴿مِنْكُمْ﴾ أيها القوم ﴿آمَنُوا﴾ وصدقوا ﴿بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ﴾ إليكم من الأحكام والشرائع التي شرعها الله تعالى لكم ﴿وَطائِفَةٌ﴾ أخرى منكم ﴿لَمْ يُؤْمِنُوا﴾ ولم يصدقوا بما أرسلت به إليكم ﴿فَاصْبِرُوا﴾؛ أي: فانتظروا أيها المؤمنون والكافرون من الطائفتين ﴿حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا﴾ وبينكم جميعا من مؤمن وكافر بإعلاء درجات المؤمنين ونصرهم، وبإظهار خزي الكافرين وذلهم ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾؛ أي: أفضلهم وأعلمهم؛ لأنه تعالى حاكم عادل منزه عن الجور لا معقب لحكمه ولا حيف فيه، ولا يخفى ما في هذا من الوعيد والتهديد، وحكم الله بين عباده ضربان:
433
١ - حكم شرعي يوحيه إلى رسله، وعليه جاء قوله تعالى في سورة المائدة بعد الأمر بالوفاء بالعقود وإحلال البهيمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ﴾.
٢ - حكم فعلي يفصل فيه بين الخلق بمقتضى سننه فيهم كقوله في آخر سورة يونس: ﴿وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)﴾.
والمعنى: وإن كان جماعة صدقوا بالذي أرسلت به إليكم من إخلاص العبادة لله، وترك معاصيه من ظلم الناس وبخسهم في المكاييل والموازين، واتبعوني في كل ذلك، وجماعة أخرى لم يصدقوني وأصروا على شركهم، وإفسادهم. فاصبروا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم، وهو خير من يفصل، وأعدل من يقضي؛ لتنزهه عن الباطل والجور، وليعتبر كفاركم بعاقبة من قبلهم، وسيحل بهم مثل ما حل بأولئك بحسب السنن التي قدرها العليم الحكيم، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، والله أعلم.
الإعراب
﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥)﴾.
﴿قالَ الْمَلَأُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْمَلَأُ﴾. ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من واو ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قالُوا﴾ ﴿اسْتُضْعِفُوا﴾: فعل ونائب فاعل صلة الموصول. ﴿لِمَنْ﴾: جار ومجرور بدل من الجار والمجرور قبله كقولهم: مررت بزيد بأخيك. ﴿آمَنَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة ﴿من﴾ الموصولة. ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿آمَنَ﴾. ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري. ﴿تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قالُوا﴾. ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب ﴿صالِحًا﴾: اسمها. ﴿مُرْسَلٌ﴾: خبرها. ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾: متعلق به، أو
٢ - حكم فعلي يفصل فيه بين الخلق بمقتضى سننه فيهم كقوله في آخر سورة يونس: ﴿وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)﴾.
والمعنى: وإن كان جماعة صدقوا بالذي أرسلت به إليكم من إخلاص العبادة لله، وترك معاصيه من ظلم الناس وبخسهم في المكاييل والموازين، واتبعوني في كل ذلك، وجماعة أخرى لم يصدقوني وأصروا على شركهم، وإفسادهم. فاصبروا على قضاء الله الفاصل بيننا وبينكم، وهو خير من يفصل، وأعدل من يقضي؛ لتنزهه عن الباطل والجور، وليعتبر كفاركم بعاقبة من قبلهم، وسيحل بهم مثل ما حل بأولئك بحسب السنن التي قدرها العليم الحكيم، ولن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، والله أعلم.
الإعراب
﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ (٧٥)﴾.
﴿قالَ الْمَلَأُ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿الَّذِينَ﴾: صفة لـ ﴿الْمَلَأُ﴾. ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصول. ﴿مِنْ قَوْمِهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من واو ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾. ﴿لِلَّذِينَ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿قالُوا﴾ ﴿اسْتُضْعِفُوا﴾: فعل ونائب فاعل صلة الموصول. ﴿لِمَنْ﴾: جار ومجرور بدل من الجار والمجرور قبله كقولهم: مررت بزيد بأخيك. ﴿آمَنَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿من﴾، والجملة صلة ﴿من﴾ الموصولة. ﴿مِنْهُمْ﴾: جار ومجرور حال من فاعل ﴿آمَنَ﴾. ﴿أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري. ﴿تَعْلَمُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب مقول لـ ﴿قالُوا﴾. ﴿أَنَّ﴾: حرف نصب ﴿صالِحًا﴾: اسمها. ﴿مُرْسَلٌ﴾: خبرها. ﴿مِنْ رَبِّهِ﴾: متعلق به، أو
434
صفة له، وجملة ﴿أَنَّ﴾ في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي علم تقديره: أتعلمون إرسال صالح من ربه. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾: مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت ﴿إنّ﴾: حرف نصب، و ﴿نا﴾: ضمير المتكلمين في محل النصب اسمها. ﴿بِما﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿مُؤْمِنُونَ﴾: ﴿أُرْسِلَ﴾ فعل ماض مغير الصيغة، ونائب فاعله ضمير يعود على ﴿صالح﴾. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿أُرْسِلَ﴾ ﴿مُؤْمِنُونَ﴾: خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٦)﴾.
﴿قالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصولة. ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿نا﴾: اسمها. ﴿بِالَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿كافِرُونَ﴾. ﴿آمَنْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة صلة الموصول. ﴿كافِرُونَ﴾: خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿فَعَقَرُوا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿عقروا الناقة﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾. ﴿وَعَتَوْا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿فَعَقَرُوا﴾. ﴿عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿عَتَوْا﴾. ﴿وَقالُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿عَتَوْا﴾. ﴿يا صالِحُ ائْتِنا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا صالِحُ﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿ائْتِنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالِحُ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾ على كونها جواب النداء. ﴿بِما﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿ائْتِنا﴾. ﴿تَعِدُنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالِحُ﴾ والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما تعدنا إياه. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿كُنْتَ﴾: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم
﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧٦)﴾.
﴿قالَ الَّذِينَ﴾: فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. ﴿اسْتَكْبَرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة صلة الموصولة. ﴿إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿نا﴾: اسمها. ﴿بِالَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿كافِرُونَ﴾. ﴿آمَنْتُمْ﴾: فعل وفاعل. ﴿بِهِ﴾: جار ومجرور متعلق به، والجملة صلة الموصول. ﴿كافِرُونَ﴾: خبر ﴿إن﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قال﴾. ﴿فَعَقَرُوا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿عقروا الناقة﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾. ﴿وَعَتَوْا﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿فَعَقَرُوا﴾. ﴿عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿عَتَوْا﴾. ﴿وَقالُوا﴾ فعل وفاعل معطوف على ﴿عَتَوْا﴾. ﴿يا صالِحُ ائْتِنا﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا صالِحُ﴾: منادى مفرد العلم، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾. ﴿ائْتِنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالِحُ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾ على كونها جواب النداء. ﴿بِما﴾ جار ومجرور متعلق بـ ﴿ائْتِنا﴾. ﴿تَعِدُنا﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالِحُ﴾ والجملة صلة لـ ﴿ما﴾ أو صفة لها، والعائد أو الرابط محذوف تقديره: بما تعدنا إياه. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿كُنْتَ﴾: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم
435
بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونها فعل شرط لها. ﴿مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾: جار ومجرور خبر ﴿كان﴾، وجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية معلوم مما قبلها تقديره: إن كنت من المرسلين فائتنا بما تعدنا من العذاب، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٨)﴾.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، ﴿أخذتهم الرجفة﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾. ﴿فَأَصْبَحُوا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿أصبحوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿فِي دارِهِمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جاثِمِينَ﴾. ﴿جاثِمِينَ﴾: خبر ﴿أصبح﴾ منصوب بالياء، وجملة ﴿أصبحوا﴾: معطوفة على جملة قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾. ﴿فَتَوَلَّى﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، ﴿تولى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالِحُ﴾ ﴿عَنْهُمْ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿أصبحوا﴾. ﴿وَقالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالِحُ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿تولى﴾. ﴿يا قَوْمِ﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿يا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿لَقَدْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة لقسم محذوف. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿أَبْلَغْتُكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول. ﴿رِسالَةَ رَبِّي﴾: مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونه جواب النداء. ﴿وَنَصَحْتُ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿أَبْلَغْتُكُمْ﴾. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿وَلكِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. لكِنْ: حرف استدراك. ﴿لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قالَ﴾.
﴿وَلُوطًا إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠)﴾.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ (٧٨)﴾.
﴿فَأَخَذَتْهُمُ﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، ﴿أخذتهم الرجفة﴾: فعل ومفعول وفاعل، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾. ﴿فَأَصْبَحُوا﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة تفريعية، ﴿أصبحوا﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿فِي دارِهِمْ﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿جاثِمِينَ﴾. ﴿جاثِمِينَ﴾: خبر ﴿أصبح﴾ منصوب بالياء، وجملة ﴿أصبحوا﴾: معطوفة على جملة قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾. ﴿فَتَوَلَّى﴾ ﴿الفاء﴾: حرف عطف وتفريع، ﴿تولى﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالِحُ﴾ ﴿عَنْهُمْ﴾: متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿أصبحوا﴾. ﴿وَقالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿صالِحُ﴾، والجملة معطوفة على جملة ﴿تولى﴾. ﴿يا قَوْمِ﴾ إلى آخر الآية: مقول محكي، وإن شئت قلت: ﴿يا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿لَقَدْ﴾ ﴿اللام﴾: موطئة لقسم محذوف. ﴿قد﴾: حرف تحقيق. ﴿أَبْلَغْتُكُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعول أول. ﴿رِسالَةَ رَبِّي﴾: مفعول ثان ومضاف إليه، والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف، وجملة القسم مع جوابه في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونه جواب النداء. ﴿وَنَصَحْتُ﴾: فعل وفاعل معطوف على ﴿أَبْلَغْتُكُمْ﴾. ﴿لَكُمْ﴾: جار ومجرور متعلق به. ﴿وَلكِنْ﴾: ﴿الواو﴾: عاطفة. لكِنْ: حرف استدراك. ﴿لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة معطوفة على جملة قوله: ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ﴾ على كونها مقولا لـ ﴿قالَ﴾.
﴿وَلُوطًا إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ (٨٠)﴾.
436
﴿وَلُوطًا﴾: معطوف على نوحا؛ أي: وأرسلنا لوطا أيضا. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى من الزمان متعلق بأرسلنا المحذوف. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿لوط﴾، والجملة الفعلية في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿لِقَوْمِهِ﴾: متعلق بـ ﴿قالَ﴾. ﴿أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿الهمزة﴾: للاستفهام الإنكاري التوبيخي. ﴿تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿ما﴾: نافية. ﴿سَبَقَكُمْ﴾: فعل ومفعول. ﴿بِها﴾: متعلق بـ ﴿سبق﴾. ﴿مِنْ﴾: زائدة. ﴿أَحَدٍ﴾: فاعل، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿مِنَ الْعالَمِينَ﴾: جار ومجرور صفة لـ ﴿أَحَدٍ﴾.
﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)﴾.
﴿إِنَّكُمْ﴾ ﴿إنّ﴾: حرف نصب، و ﴿الكاف﴾: اسمها، ﴿لَتَأْتُونَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿تأتون الرجال﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿شَهْوَةً﴾: مفعول من أجله، أو حال من واو ﴿تأتون﴾؛ أي: مشتهين، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من الواو في ﴿تأتون﴾؛ أي: حال كونكم متجاوزين النساء، أو من الرجال؛ أي: حال كونهم منفردين من النساء. ﴿بَلْ﴾: حرف للاضراب الانتقالي. ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ. ﴿قَوْمٌ﴾: خبر. ﴿مُسْرِفُونَ﴾: صفته، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢)﴾.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿جَوابَ قَوْمِهِ﴾: خبرها ومضاف إليه مقدما على اسمها. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية، والجملة في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم ﴿كانَ﴾
﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (٨١)﴾.
﴿إِنَّكُمْ﴾ ﴿إنّ﴾: حرف نصب، و ﴿الكاف﴾: اسمها، ﴿لَتَأْتُونَ﴾: ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿تأتون الرجال﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿شَهْوَةً﴾: مفعول من أجله، أو حال من واو ﴿تأتون﴾؛ أي: مشتهين، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر ﴿إنّ﴾، وجملة ﴿إنّ﴾ في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه حال من الواو في ﴿تأتون﴾؛ أي: حال كونكم متجاوزين النساء، أو من الرجال؛ أي: حال كونهم منفردين من النساء. ﴿بَلْ﴾: حرف للاضراب الانتقالي. ﴿أَنْتُمْ﴾: مبتدأ. ﴿قَوْمٌ﴾: خبر. ﴿مُسْرِفُونَ﴾: صفته، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ (٨٢)﴾.
﴿وَما﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. ﴿ما﴾: نافية. ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿جَوابَ قَوْمِهِ﴾: خبرها ومضاف إليه مقدما على اسمها. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء مفرغ. ﴿أَنْ﴾: حرف نصب ومصدر. ﴿قالُوا﴾: فعل وفاعل في محل النصب بـ ﴿أَنْ﴾ المصدرية، والجملة في تأويل مصدر مرفوع على كونه اسم ﴿كانَ﴾
437
مؤخرا تقديره: وما كان جواب قومه إلا قولهم، وجملة ﴿كانَ﴾ مستأنفة. ﴿أَخْرِجُوهُمْ﴾ إلى آخر الآية مقول محكي لـ ﴿قالُوا﴾، وإن شئت قلت ﴿أَخْرِجُوهُمْ﴾ فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾ ﴿مِنْ قَرْيَتِكُمْ﴾ جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿أَخْرِجُوهُمْ﴾. ﴿إِنَّهُمْ﴾: ﴿إن﴾: حرف نصب، و ﴿الهاء﴾: اسمها. ﴿أُناسٌ﴾: خبرها، وجملة ﴿يَتَطَهَّرُونَ﴾ صفة لـ ﴿أُناسٌ﴾، وجملة ﴿إن﴾ في محل النصب مقول ﴿قالُوا﴾ على كونها مسوقة لتعليل ما قبلها.
﴿فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣)﴾.
﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قال لهم لوط وما قالوا له، وأردت بيان عاقبة أمره وأمرهم.. فأقول لك، ﴿أنجيناه﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿وَأَهْلَهُ﴾: معطوف على الهاء في ﴿أنجيناه﴾، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء. ﴿امْرَأَتَهُ﴾: مستثنى ومضاف إليه. ﴿كانَتْ﴾: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على المرأة. ﴿مِنَ الْغابِرِينَ﴾: جار ومجرور خبرها، وجملة ﴿كان﴾: مستأنفة استئنافا بيانيا وقع جوابا عن سؤال نشأ من استثنائها، كأنه قيل: فماذا كان حالها؟ فقيل: كانت من الغابرين. ذكره أبو السعود.
﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)﴾.
﴿وَأَمْطَرْنا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به ﴿مَطَرًا﴾: مفعول به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾ على كونها مقولا لجواب إذا المقدرة. ﴿فَانْظُرْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿انظر﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على كل من يصلح للخطاب، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَأَمْطَرْنا﴾. ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾ مقدم عليها وجوبا. ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾: اسمها ومضاف إليه. وفي «الفتوحات»: ﴿كَيْفَ﴾ وما في حيزها معلقة للنظر عن العمل،
﴿فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ (٨٣)﴾.
﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة، لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قال لهم لوط وما قالوا له، وأردت بيان عاقبة أمره وأمرهم.. فأقول لك، ﴿أنجيناه﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿وَأَهْلَهُ﴾: معطوف على الهاء في ﴿أنجيناه﴾، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء. ﴿امْرَأَتَهُ﴾: مستثنى ومضاف إليه. ﴿كانَتْ﴾: فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على المرأة. ﴿مِنَ الْغابِرِينَ﴾: جار ومجرور خبرها، وجملة ﴿كان﴾: مستأنفة استئنافا بيانيا وقع جوابا عن سؤال نشأ من استثنائها، كأنه قيل: فماذا كان حالها؟ فقيل: كانت من الغابرين. ذكره أبو السعود.
﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٨٤)﴾.
﴿وَأَمْطَرْنا﴾: فعل وفاعل. ﴿عَلَيْهِمْ﴾: متعلق به ﴿مَطَرًا﴾: مفعول به، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة قوله: ﴿فَأَنْجَيْناهُ﴾ على كونها مقولا لجواب إذا المقدرة. ﴿فَانْظُرْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿انظر﴾: فعل أمر، وفاعله ضمير يعود على محمد، أو على كل من يصلح للخطاب، والجملة معطوفة على جملة ﴿وَأَمْطَرْنا﴾. ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾ مقدم عليها وجوبا. ﴿كانَ﴾: فعل ماض ناقص. ﴿عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ﴾: اسمها ومضاف إليه. وفي «الفتوحات»: ﴿كَيْفَ﴾ وما في حيزها معلقة للنظر عن العمل،
438
فهي وما بعدها في محل نصب على إسقاط الخافض، والنظر هنا التفكر، و ﴿كَيْفَ﴾ خبر ﴿كانَ﴾ واجب التقدم. اه «سمين».
﴿وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْبًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾.
﴿وَإِلى مَدْيَنَ﴾: جار ومجرور متعلق بأرسلنا محذوفا ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. ﴿أَخاهُمْ﴾: مفعول أرسلنا المحذوف. ﴿شُعَيْبًا﴾: بدل من ﴿أَخاهُمْ﴾، أو عطف بيان له، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة قوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا﴾. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿شعيب﴾، والجملة مستأنفة. ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إلى قوله: ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مقول ﴿قالَ﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿ما﴾: نافية. ﴿لَكُمْ﴾: خبر مقدم. ﴿مِنْ إِلهٍ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿غَيْرُهُ﴾: صفة لـ ﴿إِلهٍ﴾ تابع لمحله، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾: فعل ومفعول وفاعل. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: صفة لـ ﴿بَيِّنَةٌ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم مجيء بينة من ربكم، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم.. فأقول لكم: ﴿أوفوا الكيل﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿وَالْمِيزانَ﴾: معطوف على ﴿الْكَيْلَ﴾، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة قوله ﴿أوفوا﴾.
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
﴿وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْبًا قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾.
﴿وَإِلى مَدْيَنَ﴾: جار ومجرور متعلق بأرسلنا محذوفا ممنوع من الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي. ﴿أَخاهُمْ﴾: مفعول أرسلنا المحذوف. ﴿شُعَيْبًا﴾: بدل من ﴿أَخاهُمْ﴾، أو عطف بيان له، والجملة المحذوفة معطوفة على جملة قوله: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا﴾. ﴿قالَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿شعيب﴾، والجملة مستأنفة. ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ إلى قوله: ﴿قالَ الْمَلَأُ﴾ مقول محكي لـ ﴿قالَ﴾، وإن شئت قلت: ﴿يا قَوْمِ﴾: منادى مضاف، وجملة النداء مقول ﴿قالَ﴾. ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾: فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها جواب النداء. ﴿ما﴾: نافية. ﴿لَكُمْ﴾: خبر مقدم. ﴿مِنْ إِلهٍ﴾: مبتدأ مؤخر. ﴿غَيْرُهُ﴾: صفة لـ ﴿إِلهٍ﴾ تابع لمحله، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ﴾: فعل ومفعول وفاعل. ﴿مِنْ رَبِّكُمْ﴾: صفة لـ ﴿بَيِّنَةٌ﴾، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾: ﴿الفاء﴾: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفتم مجيء بينة من ربكم، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم.. فأقول لكم: ﴿أوفوا الكيل﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿وَالْمِيزانَ﴾: معطوف على ﴿الْكَيْلَ﴾، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾: فعل وفاعل ومفعولان، والجملة معطوفة على جملة قوله ﴿أوفوا﴾.
﴿وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
439
﴿وَلا تُفْسِدُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾. ﴿فِي الْأَرْضِ﴾: متعلق به. ﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق بـ ﴿لا تُفْسِدُوا﴾. ﴿ذلِكُمْ خَيْرٌ﴾: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾. ﴿لَكُمْ﴾: متعلق بـ ﴿خَيْرٌ﴾. ﴿إِنْ﴾: حرف شرط. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه فعل شرط لها. ﴿مُؤْمِنِينَ﴾: خبره، وجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية محذوف دل عليها ما قبلها تقديره: إن كنتم مؤمنين فبادروا إلى ما أمرتكم به، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾.
﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦)﴾.
﴿وَلا تَقْعُدُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِكُلِّ صِراطٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾. ﴿تُوعِدُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من واو ﴿تَقْعُدُوا﴾. ﴿وَتَصُدُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿تُوعِدُونَ﴾. ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَصُدُّونَ﴾. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول تصدون. ﴿آمَنَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿آمَنَ﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿وَتَبْغُونَها﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿عِوَجًا﴾: حال من الهاء، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على ﴿تَصُدُّونَ﴾ على كونها حالا من واو ﴿تَقْعُدُوا﴾. ﴿وَاذْكُرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَأَوْفُوا﴾. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى في محل النصب على الظرفية متعلق بـ ﴿اذْكُرُوا﴾. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَلِيلًا﴾: خبره، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿فَكَثَّرَكُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿كثركم﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿كُنْتُمْ﴾. ﴿وَانْظُرُوا﴾:
﴿وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَها عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (٨٦)﴾.
﴿وَلا تَقْعُدُوا﴾: فعل وفاعل. ﴿بِكُلِّ صِراطٍ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق به، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ﴾. ﴿تُوعِدُونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب حال من واو ﴿تَقْعُدُوا﴾. ﴿وَتَصُدُّونَ﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب معطوفة على جملة ﴿تُوعِدُونَ﴾. ﴿عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾: جار ومجرور ومضاف إليه متعلق بـ ﴿تَصُدُّونَ﴾. ﴿مَنْ﴾: اسم موصول في محل النصب مفعول تصدون. ﴿آمَنَ﴾: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على ﴿مَنْ﴾. ﴿بِهِ﴾: متعلق بـ ﴿آمَنَ﴾، والجملة صلة الموصول. ﴿وَتَبْغُونَها﴾: فعل وفاعل ومفعول. ﴿عِوَجًا﴾: حال من الهاء، والجملة الفعلية في محل النصب معطوفة على ﴿تَصُدُّونَ﴾ على كونها حالا من واو ﴿تَقْعُدُوا﴾. ﴿وَاذْكُرُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿فَأَوْفُوا﴾. ﴿إِذْ﴾: ظرف لما مضى في محل النصب على الظرفية متعلق بـ ﴿اذْكُرُوا﴾. ﴿كُنْتُمْ﴾: فعل ناقص واسمه. ﴿قَلِيلًا﴾: خبره، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ ﴿إِذْ﴾. ﴿فَكَثَّرَكُمْ﴾: ﴿الفاء﴾: عاطفة، ﴿كثركم﴾: فعل ومفعول، وفاعله ضمير يعود على ﴿الله﴾، والجملة في محل الجر معطوفة على جملة ﴿كُنْتُمْ﴾. ﴿وَانْظُرُوا﴾:
440
فعل وفاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿أوفوا﴾. ﴿كَيْفَ﴾: اسم استفهام في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾. ﴿كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾: فعل ناقص واسمه ومضاف إليه و ﴿كَيْفَ﴾ معلقة لـ ﴿انْظُرُوا﴾ عن العمل فيما بعدها، و ﴿كَيْفَ﴾ وما في حيزها في محل النصب بإسقاط الخافض كما في «الفتوحات» في هذا الموضع.
﴿وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)﴾.
﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. إِنْ: حرف شرط. كانَ طائِفَةٌ: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها. ﴿مِنْكُمْ﴾: صفة لـ ﴿طائِفَةٌ﴾. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾. ﴿بِالَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿آمَنُوا﴾. ﴿أُرْسِلْتُ﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة الموصول. ﴿وَطائِفَةٌ﴾: معطوف على ﴿طائِفَةٌ﴾. ﴿لَمْ يُؤْمِنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾؛ أي: وإن كانت طائفة منكم مؤمنين بالذي أرسلت به وطائفة غير مؤمنين. ﴿فَاصْبِرُوا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية وجوبا، ﴿اصبروا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه جوابا لها، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها مستأنفة. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية. ﴿يَحْكُمَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد ﴿حَتَّى﴾. ﴿بَيْنَنا﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿فَاصْبِرُوا﴾، والتقدير: فاصبروا إلى حكم الله بيننا وبينكم. ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب حال من الجلالة.
التصريف ومفردات اللغة
﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾؛ أي: تكبروا، فالسين فيه زائدة.
﴿وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (٨٧)﴾.
﴿وَإِنْ﴾ ﴿الواو﴾: استئنافية. إِنْ: حرف شرط. كانَ طائِفَةٌ: فعل ناقص، واسمه في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ على كونه فعل شرط لها. ﴿مِنْكُمْ﴾: صفة لـ ﴿طائِفَةٌ﴾. ﴿آمَنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾. ﴿بِالَّذِي﴾: جار ومجرور متعلق بـ ﴿آمَنُوا﴾. ﴿أُرْسِلْتُ﴾: فعل ونائب فاعل. ﴿بِهِ﴾: متعلق به، والجملة صلة الموصول. ﴿وَطائِفَةٌ﴾: معطوف على ﴿طائِفَةٌ﴾. ﴿لَمْ يُؤْمِنُوا﴾: فعل وفاعل، والجملة في محل النصب خبر ﴿كانَ﴾؛ أي: وإن كانت طائفة منكم مؤمنين بالذي أرسلت به وطائفة غير مؤمنين. ﴿فَاصْبِرُوا﴾ ﴿الفاء﴾: رابطة لجواب ﴿إِنْ﴾ الشرطية وجوبا، ﴿اصبروا﴾: فعل وفاعل في محل الجزم بـ ﴿إِنْ﴾ الشرطية على كونه جوابا لها، وجملة ﴿إِنْ﴾ الشرطية في محل النصب مقول ﴿قالَ﴾ على كونها مستأنفة. ﴿حَتَّى﴾: حرف جر وغاية. ﴿يَحْكُمَ اللَّهُ﴾: فعل وفاعل منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد ﴿حَتَّى﴾. ﴿بَيْنَنا﴾: ظرف ومضاف إليه متعلق به، والجملة في تأويل مصدر مجرور بـ ﴿حَتَّى﴾ بمعنى إلى، والجار والمجرور متعلق بـ ﴿فَاصْبِرُوا﴾، والتقدير: فاصبروا إلى حكم الله بيننا وبينكم. ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾: مبتدأ وخبر ومضاف إليه، والجملة في محل النصب حال من الجلالة.
التصريف ومفردات اللغة
﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾؛ أي: تكبروا، فالسين فيه زائدة.
441
﴿فَعَقَرُوا النَّاقَةَ﴾؛ أي: نحروها، وأصل العقر الجرح، وعقر الإبل قطع قوائمها، وكانوا يفعلون ذلك بها قبل نحرها لتموت في مكانها ولا تنتقل. وفي «السمين»: والعقر أصله: كشف العراقيب في الإبل، وهو أن يضرب قوائم البعير أو الناقة، فيقع، وكانت سنتهم في الذبح، ثم أطلق على كل عقر، وإن لم يكن فيه كشف العراقيب تسمية للشيء بما يلازمه غالبا إطلاقا للسبب على مسببه هذا
قول الأزهري. وقال ابن قتيبة: العقر: القتل كيف كان، يقال: عقرتها فهي معقور، وقيل: العقر الجرح. اه.
وفي «المصباح»: عقره عقرا - من باب ضرب - جرحه وعقر البعير بالسيف عقرا ضرب قوائمه به، ولا يطلق العقر في غير القوائم، وربما قالوا: عقره إذا نحره، فهو عقير وجمال عقري. اه.
﴿وَعَتَوْا﴾؛ أي: تمردوا مستكبرين، والعتو: الامتناع من الشيء: إما عن عجز وضعف ومنه عتا الشيخ عتيا إذا أسن وكبر، وإما عن قوة كعتو الجبارين والمستكبرين، ويقولون: نخلة عاتية إذا كانت عارية يمتنع جناها على من يريدها إلا بمشقة التسلق والصعود.
وفي «الفتوحات»: العتو والعتي النتو؛ أي: الارتفاع عن الطاعة، يقال منه: عتى يعتو عتوا وعتيا بقلب الواوين ياءين، والأحسن فيه إذا كان مصدرا تصحيح الواوين -: كقوله تعالى: ﴿وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ - وإذا كان جمعا الإعلال: نحو قوم عتي؛ لأن الجمع أثقل، فناسبه الإعلال تخفيفا، وقوله تعالى: ﴿أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا﴾ يحتمل الوجهين. اه «سمين».
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ الرجفة: المرة من الرجف، وهو الحركة والاضطراب، يقال: رجف البحر إذا اضطربت أمواجه، ورجفت الأرض زلزلت واهتزت، ورجف القلب والفؤاد من الخوف. ﴿فِي دارِهِمْ﴾ دار الرجل ما يسكنها هو وأهله، ويطلق على البلد؛ وهو المراد هنا.
﴿جاثِمِينَ﴾ يقال: جثم الناس إذا قعدوا لا حراك بهم، وفي «السمين» وقال: أبو عبيدة: الجثوم للناس والطير كالبروك للإبل. اه. وفي «المصباح»:
قول الأزهري. وقال ابن قتيبة: العقر: القتل كيف كان، يقال: عقرتها فهي معقور، وقيل: العقر الجرح. اه.
وفي «المصباح»: عقره عقرا - من باب ضرب - جرحه وعقر البعير بالسيف عقرا ضرب قوائمه به، ولا يطلق العقر في غير القوائم، وربما قالوا: عقره إذا نحره، فهو عقير وجمال عقري. اه.
﴿وَعَتَوْا﴾؛ أي: تمردوا مستكبرين، والعتو: الامتناع من الشيء: إما عن عجز وضعف ومنه عتا الشيخ عتيا إذا أسن وكبر، وإما عن قوة كعتو الجبارين والمستكبرين، ويقولون: نخلة عاتية إذا كانت عارية يمتنع جناها على من يريدها إلا بمشقة التسلق والصعود.
وفي «الفتوحات»: العتو والعتي النتو؛ أي: الارتفاع عن الطاعة، يقال منه: عتى يعتو عتوا وعتيا بقلب الواوين ياءين، والأحسن فيه إذا كان مصدرا تصحيح الواوين -: كقوله تعالى: ﴿وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ - وإذا كان جمعا الإعلال: نحو قوم عتي؛ لأن الجمع أثقل، فناسبه الإعلال تخفيفا، وقوله تعالى: ﴿أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا﴾ يحتمل الوجهين. اه «سمين».
﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ الرجفة: المرة من الرجف، وهو الحركة والاضطراب، يقال: رجف البحر إذا اضطربت أمواجه، ورجفت الأرض زلزلت واهتزت، ورجف القلب والفؤاد من الخوف. ﴿فِي دارِهِمْ﴾ دار الرجل ما يسكنها هو وأهله، ويطلق على البلد؛ وهو المراد هنا.
﴿جاثِمِينَ﴾ يقال: جثم الناس إذا قعدوا لا حراك بهم، وفي «السمين» وقال: أبو عبيدة: الجثوم للناس والطير كالبروك للإبل. اه. وفي «المصباح»:
442
جثم الطائر والأرنب يجثم من بابي دخل وجلس جثوما، وهو كالبروك من البعير، وربما أطلق على الظباء والإبل، والفاعل جاثم وجثام مبالغة، ثم استعير الثاني مؤكدا بالهاء للرجل الذي يلازم الحضر ولا يسافر، فقيل فيه: جثامة وزان علامة ونسابة، ثم سمي به، ومنه الصعب بن جثامة الليثي. اه. وفي «القاموس»: جثم إذا لزم مكانه ولم يبرح، أو وقع على صدره. اه.
﴿وَلُوطًا﴾ هو (١) لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليهما السلام ولد في الطرف الشرقي من جنوب العراق، وكانت تسمى أرض بابل، وكان قد سافر بعد موت والده مع عمه إبراهيم عليه السلام إلى ما بين النهرين، وكان يسمى جزيرة قورا، وهناك كانت مملكة أشور، ثم أسكنه إبراهيم شرقي الأردن، لجودة مراعيها، وكان في ذلك المكان المسمى بعمق السديم بقرب البحر الميت، أو بحر لوط قرى خمس سكن لوط في إحداها المسماة بسذوم، وكانت تعمل الخبائث، ولا يوجد الآن ما يدل على موضعها بالتحديد، وبعض الناس يقول: إن البحر قد غمرها، ولا دليل لهم على ذلك.
﴿شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾ شهوة إما مفعول لأجله، أو مصدر واقع موقع الحال؛ أي: مشتهين ملتذين، أو باق على مصدريته، ناصبه أَتَأْتُونَ؛ لأنه بمعنى: أتشتهون شهوة، ويقال: شهي يشهى شهوة وشهى يشهو شهوة من بابي تعب وعلا. كما في «المصباح».
﴿مِنَ الْغابِرِينَ﴾ في «المصباح»: غبر غبورا - من باب قعد - إذا بقي، ويستعمل فيما مضى أيضا، فيكون من الأضداد، قال الزبيدي: غبر غبورا: مكث. اه.
﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ قال أبو عبيد (٢): يقال: مطر في الرحمة، وأمطر في
﴿وَلُوطًا﴾ هو (١) لوط بن هاران ابن أخي إبراهيم عليهما السلام ولد في الطرف الشرقي من جنوب العراق، وكانت تسمى أرض بابل، وكان قد سافر بعد موت والده مع عمه إبراهيم عليه السلام إلى ما بين النهرين، وكان يسمى جزيرة قورا، وهناك كانت مملكة أشور، ثم أسكنه إبراهيم شرقي الأردن، لجودة مراعيها، وكان في ذلك المكان المسمى بعمق السديم بقرب البحر الميت، أو بحر لوط قرى خمس سكن لوط في إحداها المسماة بسذوم، وكانت تعمل الخبائث، ولا يوجد الآن ما يدل على موضعها بالتحديد، وبعض الناس يقول: إن البحر قد غمرها، ولا دليل لهم على ذلك.
﴿شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾ شهوة إما مفعول لأجله، أو مصدر واقع موقع الحال؛ أي: مشتهين ملتذين، أو باق على مصدريته، ناصبه أَتَأْتُونَ؛ لأنه بمعنى: أتشتهون شهوة، ويقال: شهي يشهى شهوة وشهى يشهو شهوة من بابي تعب وعلا. كما في «المصباح».
﴿مِنَ الْغابِرِينَ﴾ في «المصباح»: غبر غبورا - من باب قعد - إذا بقي، ويستعمل فيما مضى أيضا، فيكون من الأضداد، قال الزبيدي: غبر غبورا: مكث. اه.
﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ قال أبو عبيد (٢): يقال: مطر في الرحمة، وأمطر في
(١) المراغي.
(٢) الفتوحات.
(٢) الفتوحات.
443
العذاب. وقال الراغب: ويقال: مطر في الخير، وأمطر في العذاب قال تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ﴾ وهذا مردود بقوله تعالى: ﴿عارِضٌ مُمْطِرُنا﴾ فإنهم إنما عتوا بذلك الرحمة، وهو من أمطر رباعيا، ومطر وأمطر بمعنى واحد يتعديان لمفعول واحد، يقال: مطرتهم السماء وأمطرتهم، وقوله: ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ﴾ ضمن معنى أرسلنا، ولذلك عدو يعلى، وعلى هذا فمطرا مفعول به؛ لأنه يراد به الحجارة، ولا يراد به المصدر أصلا إذا لو كان كذلك؛ لقيل إمطارا، اه «سمين».
﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ﴾ والكيل (١): مصدر كنى به عن الآلة التي يكال بها كقوله في هود: ﴿الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ﴾، فطابق قوله: ﴿وَالْمِيزانَ﴾ وهو باقي على المصدرية، وأريد بالميزان المصدر كالميعاد لا الآلة، فتطابقا، أو حمل الميزان على حذف مضاف؛ أي: ووزن الميزان والكيل على إرادة المكيال، فتطابقا.
﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾ يقال: بخسه حقه؛ أي: نقصه ﴿وَلا تُفْسِدُوا﴾ والإفساد شامل لإفساد نظام الاجتماع بالظلم، وأكل أموال الناس بالباطل، وإفساد الأخلاق والآداب بارتكاب الإثم والفواحش، وإفساد العمران بالجهل وعدم النظم.
﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾ وإصلاح الأرض هو إصلاح حال أهلها بالعقائد الصحيحة، والأعمال الصالحة المزكية للأنفس، والأعمال المرقية للعمران المحسنة لأحوال المعيشة. ﴿بِكُلِّ صِراطٍ﴾ الصراط: الطريق المحسوس.
﴿تُوعِدُونَ﴾؛ أي: تخوفون الناس بالقتل والضرب. وفي «القاموس» الوعيد: التهديد، والتوعد: التهدد كالإيعاد. اه. ثم قال: وهدده خوفه. اه.
﴿فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ﴾ والكيل (١): مصدر كنى به عن الآلة التي يكال بها كقوله في هود: ﴿الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ﴾، فطابق قوله: ﴿وَالْمِيزانَ﴾ وهو باقي على المصدرية، وأريد بالميزان المصدر كالميعاد لا الآلة، فتطابقا، أو حمل الميزان على حذف مضاف؛ أي: ووزن الميزان والكيل على إرادة المكيال، فتطابقا.
﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ﴾ يقال: بخسه حقه؛ أي: نقصه ﴿وَلا تُفْسِدُوا﴾ والإفساد شامل لإفساد نظام الاجتماع بالظلم، وأكل أموال الناس بالباطل، وإفساد الأخلاق والآداب بارتكاب الإثم والفواحش، وإفساد العمران بالجهل وعدم النظم.
﴿بَعْدَ إِصْلاحِها﴾ وإصلاح الأرض هو إصلاح حال أهلها بالعقائد الصحيحة، والأعمال الصالحة المزكية للأنفس، والأعمال المرقية للعمران المحسنة لأحوال المعيشة. ﴿بِكُلِّ صِراطٍ﴾ الصراط: الطريق المحسوس.
﴿تُوعِدُونَ﴾؛ أي: تخوفون الناس بالقتل والضرب. وفي «القاموس» الوعيد: التهديد، والتوعد: التهدد كالإيعاد. اه. ثم قال: وهدده خوفه. اه.
(١) البحر المحيط.
444
﴿إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا﴾ يحتمل (١) قلة العدد، ويحتمل قلة المال، ويحتمل قلة القوة التي هي الضعف، فقوله: ﴿فَكَثَّرَكُمْ﴾؛ أي: كثر عددكم وكثركم بالغنى بعد الفقر، وكثركم بالقوة بعد الضعف.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق بين قوله: ﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾.. و ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾: وبين ﴿مُؤْمِنُونَ﴾ و ﴿كافِرُونَ﴾، وبين ﴿الرِّجالَ﴾ و ﴿النِّساءِ﴾ في قوله: ﴿لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾، وبين قوله: ﴿وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا﴾ وقوله ﴿وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾، وفي قوله: ﴿أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ﴾، وفي قوله: ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾، وفي قوله: ﴿حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿فَعَقَرُوا﴾ لأن العاقر واحد منهم، فنسب العقر إلى الكل لرضاهم له نسبة لما للبعض إلى الكل.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾؛ أي: والصيحة من السماء وقد وقع التصريح بها آية أخرى، فكان عذابهم بالرجفة والصيحة، فذكر في كل موضع واحدة منهما اه «قاري».
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: ﴿أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ﴾.
ومنها: السخرية والاستهزاء بلوط وأهله في قوله: ﴿إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبا من البلاغة والفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الطباق بين قوله: ﴿الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾.. و ﴿لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾: وبين ﴿مُؤْمِنُونَ﴾ و ﴿كافِرُونَ﴾، وبين ﴿الرِّجالَ﴾ و ﴿النِّساءِ﴾ في قوله: ﴿لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ﴾، وبين قوله: ﴿وَإِنْ كانَ طائِفَةٌ مِنْكُمْ آمَنُوا﴾ وقوله ﴿وَطائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا﴾.
ومنها: الجناس المغاير في قوله: ﴿وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ﴾، وفي قوله: ﴿أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ﴾، وفي قوله: ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾، وفي قوله: ﴿حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ﴾.
ومنها: المجاز المرسل في قوله: ﴿فَعَقَرُوا﴾ لأن العاقر واحد منهم، فنسب العقر إلى الكل لرضاهم له نسبة لما للبعض إلى الكل.
ومنها: الاكتفاء في قوله: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾؛ أي: والصيحة من السماء وقد وقع التصريح بها آية أخرى، فكان عذابهم بالرجفة والصيحة، فذكر في كل موضع واحدة منهما اه «قاري».
ومنها: الاستفهام الإنكاري التوبيخي في قوله: ﴿أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ﴾.
ومنها: السخرية والاستهزاء بلوط وأهله في قوله: ﴿إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾
(١) الخازن.
445
ويسمى هذا النوع في علم البديع التعريض بما يوهم الذم، ولذلك قال ابن عباس: عابوهم بما يمدح به، وهذا مثل قول الشاعر:
والله سبحانه وتعالى أعلم (١)
* * *
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم | بهنّ فلول من قراع الكتائب |
* * *
(١) إلى هنا تم الجزء الثامن من تفسير القرآن العظيم بتوفيق الله الجواد الكريم، فنحمده على إفضاله، ونشكره على نواله، ونصلي ونسلم على صفيه وحبيبه محمد وآله وصحبه صلاة وسلاما دائمين بدوام جوده وفضله وكرمه وطوله ما تطارد الجديدان، وتطاول المدى والزمان.
وكان الفراغ من مسودة هذا الجزء بالمسفلة حارة الرشد من مكة المكرمة زادها الله شرفا، ورزقنا الموت فيها، في اليوم التاسع عشر من الشهر المبارك الربيع الأول يوم الأربعاء قبيل الغروب من شهور سنة عشر وأربعمئة وألف من الهجرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية - بتاريخ: ١٩/ ٣/ ١٤١٠ هـ، الموافق ١٨/ ١٠/ ١٩٨٩ م في شهر أكتوبر.
وكان الانتهاء إلى هذا الموضع في التاريخ المذكور في أعلى الصحيفة بيد مؤلفه: محمد أمين بن عبد الله الأرمي الأثيوبي الهرري الراجي من ربه سبحانه أن يعينه على إكماله، وييسره عليه، ويوفقه لما هو المعنى عنده، ويجعل في عمره البركة إلى تمامه، ويحفظ عليه سمعه وبصره وفهمه وعقله وجسمه وجميع قواه إلى انتهائه، وينفع به من شاء من عباده، ويجعله لهم مرجعا في علوم كتابه، وذخيرة له عند وفوده إلى دار الآخرة، ويجعله خالصا مخلصا لوجهه، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
تم المجلد التاسع من شرح حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، ويليه المجلد العاشر وأوله قوله تعالى: ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ...﴾ الآية.
وكان الفراغ من مسودة هذا الجزء بالمسفلة حارة الرشد من مكة المكرمة زادها الله شرفا، ورزقنا الموت فيها، في اليوم التاسع عشر من الشهر المبارك الربيع الأول يوم الأربعاء قبيل الغروب من شهور سنة عشر وأربعمئة وألف من الهجرة النبوية - على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التحية - بتاريخ: ١٩/ ٣/ ١٤١٠ هـ، الموافق ١٨/ ١٠/ ١٩٨٩ م في شهر أكتوبر.
وكان الانتهاء إلى هذا الموضع في التاريخ المذكور في أعلى الصحيفة بيد مؤلفه: محمد أمين بن عبد الله الأرمي الأثيوبي الهرري الراجي من ربه سبحانه أن يعينه على إكماله، وييسره عليه، ويوفقه لما هو المعنى عنده، ويجعل في عمره البركة إلى تمامه، ويحفظ عليه سمعه وبصره وفهمه وعقله وجسمه وجميع قواه إلى انتهائه، وينفع به من شاء من عباده، ويجعله لهم مرجعا في علوم كتابه، وذخيرة له عند وفوده إلى دار الآخرة، ويجعله خالصا مخلصا لوجهه، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
تم المجلد التاسع من شرح حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن، ويليه المجلد العاشر وأوله قوله تعالى: ﴿قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ...﴾ الآية.
446
شعرٌ
آخرُ
أُطْلُبْ وَلاَ تَضْجَرَنَّ مِنْ مَطْلَبٍ | فَآفَةُ الطَّالِبِ أَنْ يَضْجَرَا |
أَمَا تَرَى الْحَبْلَ بِتَكْرَارِهِ | فِيْ الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ قَدْ أَثَّرَا |