تفسير سورة سورة الجن من كتاب التفسير المظهري
.
لمؤلفه
المظهري
.
المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الجن
مكية وهي ثمان وعشرون آية
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ﴾ النفر من الثلاثة إلى العشرة فقيل : كانوا تسعة من جن نصيبين وقيل : كانوا سبعة، والجن أجسام ذات أرواح كالحيوان عاقلة كالإنسان خفية عن أعين الناس ولذا سميت جنا خلقت من النار كما خلق آدم من طين، قال الله تعالى :﴿ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ٢٧ ﴾ تتصف بالذكورة والأنوثة، ووجود الجن والشياطين والملائكة ثابت بالشرع وأنكره الفلاسفة وليست العقول العشرة التي اخترعها الفلاسفة من الملائكة من شيء حيث يزعمونها مجردات بخلاف الملائكة فإنها أجسام ذات أرواح والله تعالى أعلم. وسوق هذا الكلام يقتضي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير الجن وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فاستمعوها فقص الله ذلك على رسوله فيما أوحي إليه. أخرج الشيخان والترمذي وغيرهم عن ابن عباس قال : ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن ولا رآهم ولكنه انطلق مع طائفة من أصحابه عائدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فقالوا ما هذا إلا بشيء قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا هذا الذي حدث فانطلقوا فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنخلة يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا إنا سمعنا قرآنا عجبا الخ فأنزل الله تعالى على نبيه قل أوحي إلى قول الجن. وقال أكثر المفسرين لما مات أبو طالب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد القرظي أنه قال : لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادات ثقيف وأشرافهم وهم أخوة ثلاثة عبد يا ليل ومسعود وحبيب بنو عمير وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة إن كان أرسلك الله وقال الآخر أما وجد الله أحدا يرسله غيرك وقال الثالث والله ما أكلمك أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ولئن كنت تكذب على الله فلا ينبغي لي أن أكلمك، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد يئس من خير ثقيف وقال لهم إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه فيزيد ذلك في تجرئهم عليه فلم يفعلوا وأغروا به سفهائهم وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة وهما فيه فرجع عند سفهاء ثقيف ومن كان تبعه فعمدا إلى ظل جنة من عنب فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المرأة من بني جمح فقال لها ماذا لقينا من أحمائك فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس وأنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين فأنت ربي إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ؟ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل علي سخطك لك العتبى حتى ترضى لا حول ولا قوة إلا بك ) فلما رآه ابنا ربيعة تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له عداس فقالا له خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه ففعل عداس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما وضع ومد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده قال : باسم الله ثم أكل فنظر عداس إلى وجهه فقال : والله إن هذا الكلام ما يقول أهل هذه البلدة قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم من أي البلاد أنت يا عداس وما دينك ؟ قال أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؟ قال : وما يدريك يونس بن متى ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخي كان نبيا وأنا نبي، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل رأسه ويديه وقدميه قال : فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه أما غلامك فقد أفسده عليك فلما جاءهما عداس قالا له : ويلك يا عداس ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ؟ قال : يا سيدي ما على الأرض خير من هذا الرجل فقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي، فقال : ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خبر ثقيف حتى إذا قام بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمر به نفر من جن نصيبين اليمن فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين قد آمنوا وأجابوا لما سمعوا فقص الله سبحانه وتعالى خبرهم عليه. وأخرج ابن الجوزي في كتاب الصفوة بسنده عن سهل بن عبد الله قال : كنت في ناحية وزاعا وإذا رأيت مدينة من حجر منقور في وسطها قصر من حجارة تأويه الجن فدخلت فإذا شيخ عظيم الخلق يصلي إلى الكعبة وعليه جبة صوف فيها طراوة فلم أتعجب من عظم خلقته كتعجبي من طراوة جبته فسلمت عليه فرد علي السلام وقال : يا سهل إن الأبدان لا يخلق الثياب وإنما يخلقها روائح الذنوب ومطاعم السحت وإن هذه الجبة علي منذ سبع مائة سنة لقيت بها عيسى ومحمدا عليه السلام فآمنت بهما فقلت له ومن أنت ؟ قال : من الذين نزلت فيهم :﴿ قل أوحي إلي ﴾ نفر من الجن وقال جماعة بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله يقرأ عليهم القرآن فصرفوا إليه نفر من الجن من نينون وجمعهم له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة فأيكم يتبعني ) فأطرقوا ثم استتبعهم فاتبعه عبد الله بن مسعود قال عبد الله ولم يحضر معنا غيري فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى مكة دخل نبي الله صلى الله عليه وسلم شعبا يقال له شعب الحجون وخط لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه قال :( لا تخرج منه حتى أعود إليك ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فجعلت أرى مثل النسور تهوي وسمعت لفظا شديدا حتى خفت على نبي الله صلى الله عليه وسلم وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه حتى ما أسمع صوته ثم طفقوا ينقطعون مثل قطع السحاب الذاهبين ففرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الفجر فانطلق إلي فقال : أنمت ؟ قلت : لا والله يا رسول الله ولقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرع بعصاك تقول اجلسوا، قال : لو خرجت لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم، ثم قال : رأيت شيئا ؟ قلت : نعم رأيت رجلا أسود مشتفري ثياب بيض قال : أولئك جن نصيبين سألوني المتاع –والمتاع الزاد- فمنعهم لكل عظم عابل وروث وبعرة، فقال : يا رسول الله يقذرها الناس فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستنجي بالعظم والروث قال : فقلت : يا رسول الله وما يغني ذلك عنهم ؟ قال : إنهم لا يجدون عظما إلا وجدوا عليه لحمه يوم يؤكل ولا روثة إلا وجدوا فيها حبها يوم أكلت، فقلت : يا رسول الله سمعت لغطا شديدا، فقال : إن الجن تدارت في قتيل قتل منهم فتحاكموا إلي فقضيت بينهم بالحق قال : ثم تبرز رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاني فقال : هل معك ماء ؟ قلت : يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر فاستدعاه فصببت على يديه فتوضأ فقال : تمرة طيبة وماء طهور ) وروى مسلم عن علي بن محمد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود عن عامر قال : سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال : فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود عنه فقلت هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ؟ قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة تفقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب فقلنا استطير أو اغتيل، قال بشر ليلة بات بها قوم فقال : أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليه القرآن، قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم قال الشعبي وسألوه الزاد وكانوا من جن جزيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أو ما يكون فيه لحم وذلك بعرة علف دوابكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم من الجن ) وروى عن ابن مسعود أنه رأى قوما من الزط فقال : هؤلاء أشبه ما رأيت من الجن ليلة الجن، قلت : والظاهر عندي أن استماع الجن القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم عامدا إلى سوق عكاظ وقافلا من الطائف كان أولا وهو المحكي عنه بقوله تعالى :﴿ قل أوحي إلي ﴾ وأما ليلة الجن التي رواها ابن مسعود فكانت بعد ذلك، قال البغوي في تفسير سورة الأحقاف أنه قال ابن عباس فاستجاب لهم أي نفر من الجن بعد ما استمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم بنخلة ورجعوا إلى قومهم منذرين من قومهم سبعين رجلا من الجن فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقوه في البطحاء فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم، وذكر الخفاجي أنه قد دلت الأحاديث على أن وفادة الجن كانت ستة مرات وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان مبعوثا إلى الجن والإنس جميعا، وقال مقاتل لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن والله تعالى أعلم. ﴿ فقالوا ﴾ هؤلاء النفر من الجن حين رجعوا إلى قومهم ﴿ إنا سمعنا قرآنا عجبا ﴾ بديعا مباينا لكلام المخلوق مصدر وصف به للمبالغة.
﴿ يهدي إلى الرشد ﴾ إلى الحق والصواب من التوحيد والإحسان الذي يقتضيه العقل والبرهان صفة أخرى للقرآن ﴿ فآمنا به ﴾ أي بالقرآن ﴿ ولن نشرك ﴾ في العبادة ﴿ بربنا أحدا ﴾ من خلقه حيث نهى الله سبحانه عنه.
﴿ وأنه ﴾ الضمير عائد إلى ربنا أو للشأن قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشعبة بكسر الهمزة عطفا على مقولة قالوا يعني إنا سمعنا وهكذا في أحد عشر موضعا غيره إلى قوله :﴿ وأنا منا المسلمون ﴾ وهذا ظاهر غير أن في قوله تعالى :﴿ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ﴾ الآية التفات من المتكلم إلى الغيبة وفي قوله تعالى :﴿ وأنهم ظنوا كما ظننتم ﴾ التفات من الغيبة إلى الخطاب، وقرأ أبو جعفر وأنه وأنهم في ثلاث مواضع بالفتح على أنه استمع نفر بمعنى أوحي إلى أنه تعالى جد ربنا وأوحي إلي أنه كان وأوحي إلي أنهم كانوا وفي تسعة مواضع الباقية بالكسر ولما ذكرنا وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بفتح الهمزة في المواضع كلها، قال المفسرون في توجيه هذه القراءات أنه معطوف على أنه استمع يعني أوحي إلي أنه تعالى جد ربنا وهذا لا يستقيم إلا إلى الثلاثة الذي قرأها أبو جعفر بالفتح دون البواقي وقيل : إنه معطوف على حمل الجار والمجرور في آمنا به يعي صدقنا أنه تعالى جد ربنا وهذا أيضا لا يستقيم إلا في بعض المواضع كما هو الظاهر ولولا هذه القراءة في المتواترات لما احتجنا إلى تكلفات في توجيهها لكنها من المتواترات فوجب ارتكاب التكلفات والله تعالى أعلم ﴿ تعالى جد ربنا ﴾ الجملة خبر لأن والعائد وضع المظهر موضع المضمر على تقدير كون الضمير عائدا إلى تقديره أنه تعالى جده فوضع المظهر موضع الضمير للتصريح على الربوبية فإن الربوبية تقتضي أن يكون عظمته وشأنه أعلى وأرفع عن شأن المربوبين، ومعنى جد ربنا جلاله وعظمته كذا قال مجاهد وعكرمة وقتادة ومنه قول أنس كان الرجل إذا قرأ بقرة وآل عمران جد فينا أي عظم قدره، وقال السدي جد ربنا أمر ربنا، وقال الحسن غنا ربنا وقال ابن عباس قدرة ربنا، وقال الضحاك فعل، وقال القرطبي آلاؤه ونعمائه على خلقه وقال الأخفش ملك ربنا ﴿ ما اتخذ صاحبة ولا ولدا ﴾ خبر بعد خبر لأن كأنه تأكيد وبيان للجزاء الأول يعني تعالى جلاله عن اتخاذ الصاحبة والولد كما هو شأن المربوبين كأنهم سمعوا من القرآن ما نبههم على خطأ ما اعتقدوه من الشرك في العبادة ونسبة الصاحبة والولد إليه تعالى.
﴿ وأنه كان يقول سفيهنا ﴾ جاهلنا، قال قتادة ومجاهد هو إبليس وقيل : المراد به مردة الجن ﴿ على الله شططا ﴾ أي قولا ذا شطط وهو أعبد أي قولا بعيدا عن شأنه والجور في الحكم أو التجاوز عن الحد، في القاموس شط عليه في حكم جار في سلعته جاوز القدر والحد وتباعد عن الحق أي كان يقول على الله تعالى ويحكم بالجور والتباعد عن الحق وهو نسبة الصاحبة والولد إليه تعالى
﴿ وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا ٥ ﴾ اعتذار عن اتباع بعضهم السفيه في ذلك بظنهم أنه لا يكذب على الله أحد وكذبا منصوب على المصدرية لأنه نوع من القول أو على المفعولية على أنه مقولة تقول أو على أنه وصف لمحذوف أي قولا مكذوبا، وقرأ أبو جعفر تقول بفتح الواو والتشديد وعلى هذا المصدر البتة لأن التقول لا يكون إلا كذبا وأن بعد الظن مصدرية أو مخففة، ومعنى الآيتان على تقدير فتح همزة أن وكونها معطوفة على به في آمنا به أنه تيقنا أنه كان قول سفيهنا بعيدا عن الحق جورا في الحكم وإن زعمنا بعدم كذب الجن كان باطلا. فإن قيل : كان الجن قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يقعدون من السماء مقاعد السمع فيستمعون كلام الملائكة من التسبيح وغير ذلك فما الوجه في اتباعهم سيفههم وظنهم أنهم لا يقولون كذبا وعدم إيمانهم مع استماعهم كلام الملائكة كثيرا وإيمانهم لما سمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم واحدة ؟ قلت : الإيمان أمر وهبي لا يتصور وجوده فهذه تلقى الهداية من الله الهادي على الإطلاق وذلك التلقي لا يكون إلا بواسطة يأخذ الفيض من الله تعالى لمناسبة المعنوية به تعالى بعلو استعداده ويفيض على العالمين لمناسبة بهم صورية وذلك بالواسطة هي من الأنبياء عليهم السلام فإن لهم مع الله مناسبة معنوية لأجل كون مبادي تعيناتهم ومربياتهم الصفات العاليات ولهم على قدر كما لهم في مراتب النزول مناسبة صورية بالأسفلين وأما الملأ الأعلى من الملائكة فلهم مناسبة مع الله كهيئة الأنبياء ولا مناسبة لهم بالأسفلين لكونهم متصاعدين مراتب غير محصلين كمالات النزول وكذلك لم يتأثر الجن منهم هداية ولا إيمانا وإن سمعوا منهم كلمات الهداية وتأثروا من سفهاء الجن والشياطين لكمال المناسبة وكذا لم يتأثر من المكلفين من نوح عليه السلام وغيره من الأنبياء الذين لم يبلغوا في مراتب النزول غاية وتأثروا عن سيد الأنبياء فإنه كان هاديا لكمالات الفروع والأصول محدد الدرجات العروج والنزول لأجل ذلك بعثه الله تعالى إلى الناس كافة بل إلى الجن والإنس عامة فاستنار بنور هداية العالمين واستضاء بضوء إرشاده جماهير المكلفين إلا من ختم الله على قلبه وسمعه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله حيث لم يخلق فيه استعداد قبول الحق والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، وهذا معنى قول الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح لما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد لما كان من القرآن صلى الله عليه وسلم وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين وبارك وسلم.
﴿ وأنه ﴾ الضمير الشأن ﴿ كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ﴾ أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن أبي الشيخ عن كروم بن السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي جارك فنادى منادي لا نراه يا سرحان أرسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل في الغنم ولم تصبه كدمته فأنزل الله تعالى على رسوله بمكة ﴿ وأنه كان رجال من الإنس ﴾ الآية، وأخرج ابن سعد عن أبي رجاء العطاردي قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رعيت على أهلي وكفيت فبهتهم فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم خرجنا هرابا فأتينا على فلاة من الأرض وكنا إذا أمسينا بمثلها قال شيخنا إنا نعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة فقال ذلك فقيل لنا : إنما السبيل لهذا الرجل شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله من أقربها أمن على دمه وماله فرجعنا في الإسلام، قال أبو رجاء إني لأرى هذه الآية نزلت في أصحابي ﴿ وأنه كان رجال من الإنس ﴾ الآية، وأخرج الجزائفي في كتاب هواتف الجن بسنده عن سعيد بن جبير أن رجلا من بني تميم يقال له رافع بن عمير يحدث عن بدأ إسلامه قال : إني لأسير برمل عالج ذات ليلة إذ غلبني النوم فنزلت على راحلتي وأنختها ونمت وقد تعوذت قبل نومي فقلت : أعوذ بعظيم هذا الوادي من الجن فرأيت في منامي رجلا بيده حربة يريد أن يضعها في نحرنا فانتبهت فزعا فنظرت يمينا وشمالا فلم أر شيئا، فقلت : هذا حلمهم ثم عدت، فغفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فدرت حول ناقتي فلم أر شيئا فإذا ناقتي ترعد ثم غفوت فرأيت مثل ذلك فانتبهت فرأيت ناقتي تضطرب والتفت فإذا أنا برجل شاب رأيت في المنام بيده حربة ورجل شيخ ممسك بيده يرد عنها فبينما هما يتنازعان إذا طلعت ثلاثة أثوار من الوحش فقال الشيخ للفتى قم فخذ أيها شئت فداء ناقة الإنسي، فقام الفتى فأخذ منها ثورا عظيما وانصرف ثم التفت إلى الشيخ فقال : يا هذا إذا نزلت واديا من الأودية فخفت هوله فقل : أعوذ بالله رب محمد من هول هذا الوادي ولا تعذ بأحد من الجن فقد بطل أمرها، قال : فقلت له من محمد هذا ؟ قال : نبي عربي لا شرقي ولا غربي بعث يوم الاثنين قلت : فأين مسكنه ؟ قال : يثرب ذات النخل، فركبت راحلتي حين برق الصبح وجددت السير حتى أتيت المدينة فرآني رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثني بحديثي قبل أن أذكر له شيئا ودعاني إلى الإسلام فأسلمت، قال سعيد بن جبير وكنا نرى أنه هو الذي أنزل الله فيه ﴿ وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ﴾ ﴿ فزادوهم ﴾ أي زاد الإنس الجن باستعاذتهم بقادتهم ﴿ رهقا ﴾ قال ابن عباس إثما وقال المجاهد طغيانا وقال مقاتل غيا وقال الحسن شرا وقال إبراهيم عظمة، وذلك أن الجن كانوا يقولون سدنا الجن والإنس أو المعنى فزاد الجن الإنس غيابان أضلوهم حتى استعاذوا بهم والرهق غشيان الشيء والمراد ها هنا غشيان المحارم والإثم وفي هذه الجملة أيضا اعتراف بسوء عقيدتهم فيما قيل.
﴿ وأنهم ﴾ أي الإنس ﴿ ظنوا ﴾ ظنا ﴿ كما ظننتم ﴾ يا معشر الجن ﴿ أن لن يبعث الله أحدا ﴾ بعد موته أن لن يبعث قائم مقام المفعولين يعني نزل القرآن آمنوا بالغيب بعد فساد ظنهم فأنتم أيضا أيها الجن آمنوا بالبعث كإيمانهم قال ذلك بعضهم لبعض هذا على قراءة كسر إن، وأما على تقدير فتحها فهذه الجملة وما قبلها أعني كان رجال الخ معترضات من كلام الله تعالى معطوفتان على أنه استمع يعني أوحي إلى هذين الأمرين وتأويل الآية على هذا التقدير أنهم أي الجن ظنوا كما ظننتم أيها الكافر من قريش مكة عدم البعث فلما نزل القرآن واستمع الجن آمنوا بالبعث فعليكم أيها الكفار أن تؤمنوا كما آمنوا.
﴿ وأنا لمسنا ﴾ أردنا المس ﴿ السماء ﴾ بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم والظاهر أن المراد بالسماء السحاب فإن السماء يطلق على ما هو فوقك، ويدل على هذا التأويل حديث عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( إن الملائكة تنزل في العنان وهو السحاب فتذكر الأمر الذي قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتتوجه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم ) رواه البخاري. فإن قيل : قد وقع في بعض الأخبار بلفظ يدل على حقيقة السماء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فرغ عن قولهم قالوا : ماذا قال ربكم : قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فسمعها مسترقوا السمع هكذا بعضه فوق بعض ووضع سفيان بكفه ليستمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقاها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقاها وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معه مائة كذبة ) الحديث رواه البخاري وفي حديث ابن عباس ( ربنا تبارك وتعالى إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا ثم قال الذين يحملون العرش ماذا قال ربكم : فيخبرونهم ما قال فيستخبر بعض أهل السماوات بعضا حتى يبلغ هذا السماء الدنيا فيخطف الجن السمع فيقذفون إلى أوليائهم ويرمون فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يغرقون فيه ويزيدون ) رواه مسلم، قلنا : ليس في هذين الحديثين وما في معناهما أن الجن يخطف من السماء الدنيا ولعل معناه حتى يبلغ الخبر هذا السماء الدنيا ثم أهل السماء الدنيا ينزلون إلى العنان فتذكر الأمر الذي قضى في السماء فيخطف الجن مسترقوا السمع وهم بعض فوق بعض إلى العنان فحينئذ يدركه الشهاب الثاقب من نجوم السماء والله تعالى أعلم ﴿ فوجدناها ﴾ أي السماء ﴿ ملئت حرسا ﴾ حراسا اسم الجمع كالخدم ﴿ شديدا ﴾ أقوياء من الملائكة الذين يمنعونهم عنها ﴿ وشهبا ﴾ جمع شهاب وهو شعلة نار انتشرت من النجوم.
﴿ وأنا كنا ﴾ قبل ذلك ﴿ نقعد منها ﴾ أي من السماء أي من السحاب حال من ﴿ مقاعد ﴾ خالية عن الحرس والشهب صالحة للترصد والاستماع ظرف لتقعد ﴿ للسمع ﴾ متعلق بنقعد أو صفة لمقاعد ﴿ فمن يستمع الآن ﴾ يعني بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ يجد له شهابا رصدا ﴾ أي رصدا له ولأجله يمنعه من الاستماع بالرجم أو ذوي شهاب راصدين على أنه جمع للراصد فصار هذا معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم لأجل الجن آمنوا به.
﴿ وأنا لا ندري ﴾ يعني أنا كنا لا ندري قبل ذلك ﴿ أشر أريد بمن في الأرض ﴾ بحراسة ﴿ أم أراد بهم ربهم رشدا ﴾ فأما الآن إذا سمعنا القرآن أن الذي حال بينكم وبين خلو السماء هو بعث هذا النبي حتى يكون معجزة له يعجزه الكهنة عن إتيان خبر السماء مثله فظهر أن الله سبحانه وتعالى إنما أراد للعالمين هداية ورشدا، ففي هذه الجمل الثلاث احتجاج على حقيقة القرآن ورسول الله صلى الله عليه وسلم والشر والخير وإن كانا جميعا بخلقه تعالى وإرادته لكنهم أسندوا إرادة الخير إليه تعالى صريحا وإرادة الشر كناية بذكره على صيغة المجهول رعاية الأدب.
﴿ وأنا منا الصالحون ﴾ عنوا بهم الذين كانوا منهم مؤمنين بالتوراة وغيره من الكتب السماوية والأنبياء السابقين عليهم السلام ﴿ ومنا ﴾ قوم ﴿ دون ذلك كنا طرائق ﴾ أي ذوي طرائق أي مذاهب أو مثل طرائق في اختلاف الأحوال أو كانت طرائق ﴿ قددا ﴾ متفرقة مختلفة وهذه الجملة أعني قولهم كنا طرائق قددا تأكيد لمضمون ما سبق من قولهم :﴿ وأنا منا الصالحون ﴾ الخ وقددا جمع قدة بمعنى القطعة من الشيء، قال الحسن والسدي الجن أمثالكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضية وغير ذلك وقولهم فيما بينهم أنا منا الصالحون الخ تمهيد لما سيأتي من قولهم ﴿ وأنا ظننا أن لن نعجز الله ﴾ الآية، ﴿ وأنا لما سمعنا الهدى ﴾ الآية يعني أن الإيمان والتصديق ليس أمرا مبدعا منا بل كان الجن قبل ذلك طرائق قددا بعضهم كانوا صالحين وبعضهم دون ذلك وأنا إن اتبعنا السفيه في القول في الشطط لكنا لما سمعنا قرآنا ظننا أن لن نعجز الله وسمعنا الهدى وآمنا به كما كان بعض أسلافنا مؤمنين.
﴿ وأنا ظننا ﴾ أي علمنا وتيقنا بتعليم الله تعالى في القرآن وهدايته والمعنى كنا نظن ذلك قبل هذا أو المعنى كنا نتيقن ذلك بعلمنا ما في التوراة ﴿ أن لن نعجز الله ﴾ أي لن تفوته إن أراد بنا سواء كائنا ﴿ في الأرض ولن نعجزه هربا ﴾ أي هاربين من الأرض إلى السماء إن طلبنا مهربا وهذا على كونه حالا من فاعل نعجز ويحتمل أن يكون مفعولا مطلقا بمعنى تهرب هربا ومفعولا له أي نعجزه للهرب أو ظرفا أي نعجزه في المهرب أو تميزا من نسبة الفاعل أي نعجزه هربها.
﴿ وأنا لما سمعنا الهدى ﴾ أي القرآن فإنه موجب للهدى ﴿ آمنا به ﴾ فآمنوا به أنتم أيضا يا قومنا شر الجن ﴿ فمن يؤمن بربه ﴾ شرط والفاء للنسبية والجزاء ما بعده ﴿ فلا يخاف ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي فهو لا يخاف ﴿ بخسا ﴾ نقصا في الثواب ﴿ ولا رهقا ﴾ أي ولا أن ترهقه تغشاه ذلة أو المعنى لا يخاف جزاء نقص في الطاعات ولا جزاء له رهوق ظلم أي غشيان ظلم لأن من حق الإيمان بالقرآن أن يحبب ذلك.
﴿ وأنا منا المسلمون ﴾ الأبرار ﴿ ومنا القاسطون ﴾ أي الجائرون عن الحق يقال أقسط الرجل إذا عدل وقسط إذا جار فهو قاسط، إنما ذكر هذه الجمل ومع ذكر مضمون فيما سبق بقوله :﴿ وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ﴾ ليكون تمهيدا لتفصيل حال الفريقين والمقصود ها هنا تفصيل الحال وفيما سبق التفرق فحسب لدفع الإسلام أمرا مبدعا ويحتمل أن يكون الذين يستمعون القرآن بعضهم أسلموا وبعضهم لم يسلموا وهذا مقولة المسلمين منهم لما رجعوا إلى قومهم ﴿ فمن أسلم ﴾ بالله ورسله ﴿ فأولئك تحروا رشدا ﴾ قصدوا طريقا موصلا إلى الفلاح.
﴿ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ١٥ ﴾ توقد بهم جهنم كما توقد النار بالحطب وهذه الجمل السبعة من قوله تعالى :﴿ وأنا لمسنا السماء ﴾ إلى قوله :﴿ وأنا منا المسلمون فمن أسلم ﴾ الخ لا شك أنها من كلام الجن فلا غبار على قراءة إنا بالكسر وأما على قراءة الفتح فلا بد ارتكاب تكلف بأن يقال إنها معطوفة بهاء به في آمنا به والمعنى آمنا بالقرآن ويتبعنا بمعجزاته في الآفاق من أن لمسنا السماء الآية وأنا كنا نقعد منها مقاعد الآية وأنا لا ندري ما أراد الله بالشهب حتى سمعناه وبمعجزاته تأثيراته في الأنفس وأنا كنا منا الصالحون ومنا دون ذلك ولأن تيقنا أن لن نعجز الله وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به وتيقنا أن المسلمين منا تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا والله تعالى أعلم بمراده ولا يتصور عطف هذه الجمل السبعة على أنه استمع نفر من الجن كما لا يخفى.
مسألة : اتفقت الأئمة على أن الكفار من الجن يعذبون بالنار كما يدل عليه قوله تعالى :﴿ وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا ١٥ ﴾ واختلفوا في ثواب المؤمنين منهم ؟ فقال قوم : ليس لهم ثواب إلا نجاتهم من النار وتأولوا قوله تعالى :﴿ يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ٣١ ﴾ قال البغوي وإليه ذهب أبو حنيفة وحكى سفيان عن ليث قال : الجن ثوابهم أن يجاروا من النار ثم يقال لهم كونوا ترابا مثل بهائم، وعن أبي الزياد قال : إذا قضى بين الناس قيل لمؤمنين الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا وعند ذلك يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا وقيل : مذهب أبي حنيفة فيه التوقف لقوله عليه السلام :( أبهموا ما أبهم الله ) وقد ذكر الله تعالى عذاب الكفار منهم ولم يذكر ثواب المطيعين منهم إلا المقر والجوار من النار، وقال الآخرون يكون لهم ثواب في الإحسان كما يكون لهم عذاب في الإساءة كالإنس وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى وقال جرير عن الضحاك الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون، أخرج أبو الشيخ وذكر النقاش في تفسيره حديثا أنهم يدخلون الجنة فقيل له هل يصيبون من نعمها ؟ قال : يلهمهم الله تسبيحه وذكره فيصيبون من لذاته ما يصيبون بنو آدم من نعيم الجنة، قلت : كأنه ألحق المؤمنين من الجن بالملائكة وقال الطاءة ابن المنذر سألت حمزة بن حبيب هل للجن ثواب قال نعم وقرأ :﴿ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ﴾ قال : فلأنسيات للإنس والجنيات للجن، أخرجه أبو الشيخ من طريق الضحاك عن ابن عباس قال : الخلق باركة فخلق في الجنة كلهم وهم الملائكة وخلق في النار كلهم وهم الشيطان وخلقان في الجنة والنار وهم الجن والإنس لهم العذاب والثواب، وأخرجه عن ابن وهب أنه سئل هل للجن ثواب وعقاب ؟ قال : نعم قال الله تعالى :﴿ أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ولكل درجات مما عملوا ﴾ وقال عمرو بن عبد العزيز إن مؤمن الجن حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها. احتج القائلون بثواب الجن بالعمومات ﴿ إن الذين آمنوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا ١٠٧ ﴾ ونحو ذلك بالخطابات الواردة في سورة الرحمان حيث قال الله تعالى :﴿ ولمن خاف مقام ربه جنتان ٤٦ فبأي آلاء ربكما تكذبان ٤٧ ﴾ ﴿ حور مقصورات في الخيام ٧٢ فبأي آلاء ربكما تكذبان ٧٣ ﴾ قالت الحنفية في الجواب إن العمومات محولة على الإنس بدلالة العرف فإن أهل العرف لا يفهمون منه إلا الإنس وأما الخطابات في سورة الرحمان بقوله :﴿ فبأي آلاء ربكما تكذبان ١٣ ﴾ توبيخ للجن وللإنس على مطلق التكذيب بآلاء الله سبحانه لإيما ذكر قبل تلك الآية خاصة كيف وذلك لا يتصور في مثل قوله تعالى :﴿ يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ٣٥ فبأي آلاء ربكما تكذبان ٣٦ يعرف المجرمون بيسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام ٤١ فبأي آلاء ربكما تكذبان ٤٢ ﴾ ونحو ذلك وقد ذكر من الآلاء ما هي مختصة بالإنس دون الجن حيث قال :﴿ وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام ٢٤ فبأي آلاء ربكما تكذبان ٢٥ ﴾ فيحتمل أن يكون نعيم الجنة مختصة بالإنس خوطب الثقلين بها توبيخا على تكذيب الطائفتين مطلق الآلاء، والصحيح عندي ما قاله الجمهور وبه قال أبو يوسف محمد رحمهما الله تعالى قال : من أثبت الثواب فقوله مبني على دليل وشهادة على الإثبات فيقبل بخلاف قول أبي حنيفة فإنه متوقف بناء على عدم بدليل فلا شك أن قول ابن عباس وأقوال عمر بن عبد العزيز ونحوه من ثقات الصحابة والتابعين لها حكم الرفع، وقد أخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا ( إن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسألنا عن ثوابهم وعن مؤمنهن فقال : على الأعراف وليسوا في الجنة فسألنا وما عقاب فسألنا وما الأعراف ؟ قال : خارج الجنة تجري فيه الأنهار وتنبت فيها الأشجار والأثمار ) والله تعالى أعلم.
﴿ وألو استقاموا ﴾ أن مفتوحة بإجماع القراء مخففة من المثقلة واسمها ضمير الشأن محذوف وجملة الشرطية خبرها والجملة معطوفة على أنه استمع نفر من الجن والمعنى أنه أوحي إلي أنه لو استقاموا أي الجن والإنس ﴿ على الطريقة ﴾ المرضية لله تعالى وهي دين الإسلام والفطرة التي فطر الناس عليها ﴿ لأسقيناهم ماء غدقا ﴾ أي كثيرا، قال مقاتل نزلت هذه الآية بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين، وقيل المراد من الماء الغدق الرزق الواسع على التجوز لأن الماء سبب للرزق كما أريد من الرزق المطر في قوله تعالى :﴿ وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض ﴾ والمعنى لأعطيناهم مالا كثيرا وعيشا رغدا وهذه الآية في المعنى قوله تعالى :﴿ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ﴾ وقوله تعالى :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء ﴾.
﴿ لنفتنهم فيه ﴾ متعلق بأسقيناهم أي لنختبرهم كيف شكرهم وهذا التأويل قول سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والضحاك وقتادة ومقاتل والحسن، وقيل : معناه أن لو استقاموا على طريقة الكفر لأعطيناهم مالا كثيرا لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجا حتى يفتنوا بها فتذهب بهم نحو قوله تعالى :﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ﴾ وهذا قول الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وهذا القول ليس بسديد وإلا يلزم أن يكون الكفر موجبا لسعة الرزق وحسن المعيشة ويأبى ذلك قوله تعالى :﴿ ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل ﴾ الآية وقوله تعالى :﴿ ولو أن أهل القرى آمنوا ﴾ الآية وكذا قوله تعالى :﴿ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ﴾ الآية فإن كلمة لولا لامتناع الثاني لا لأجل امتناع الأولى وأما قوله تعالى :﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ﴾ واقعة حال ماضي لا يدل على العموم وإلا يلزم التعارض فيما لا يحتمل النسخ وأيضا وقائع أهل مكة حالة على صحة التأويل الأول دون الثاني فإن أبا جهل وغيره من كفار مكة الذين لم يؤمنوا ابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا الروث لم قتلوا ببدر في أقبح حال والذين آمنوا مع النبي صلى الله عليه وسلم واستقاموا على الطريق أعطاهم الله ملك كسرى وقيصر وغيرهما وأيضا يدل على صحة التأويل الأول مقابلته بقوله تعالى :﴿ ومن يعرض عن ذكر ربه ﴾ حيث حكم بلزوم العذاب بالإعراض عن الذكر وذلك يقتضي الحكم بضد ذلك أي بحسن العيش على هذا الإعراض وهو المراد بالاستقامة على الشريعة كما هو عادة الله سبحانه في كتابه والله تعالى أعلم ﴿ يسلكه ﴾ قرأ أهل كوفة ويعقوب بالياء على الغيبة أي يدخله ربه وآخرون بالنون على التكلم ﴿ عذابا صعدا ﴾ شاقا يعلو المعذب ويغلبه صعد وصف به والمراد بالعذاب منها إما عذاب الدنيا أو عذاب القبر أو عذاب الآخرة وكذلك في قوله تعالى :﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ١٢٤ ﴾ والظاهر أن المراد ها هنا عذاب الدنيا بدليل المقابلة وكذلك من ضنك المعيشة هنالك لعطف قوله ونحشره كما أن المراد بالحياة الطيبة في قوله تعالى :﴿ من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ﴾ روي عن ابن عباس أنه قال : كل مال قل أو كثر فلم معايشهم فيه فلا خير فيه وهو الضنك في المعيشة وإن قوما أعرضوا عن الحق وكانوا أول سعة من الدنيا مكثرين فكانت معيشتهم ضنكا وذلك أنهم يرون أن الله ليس بمخلف عليهم فاشتدت عليهم معايشهم من سوء ظنهم بالله، وقال سعيد بن جبير تسلبه القناعة حتى لا يشبع، قلت : وهذا الأمر ظاهر فإن أهل الدنيا لما سلب منهم القناعة فهم دائمون في جد واجتهاد لأجل اكتساب المال وحفظ خائفون على فواته متحاسدون متباغضون فيما بينهم لأجله غير آمنين على أنفسهم لكثرة الأعداء والحساد ولا شك أن هذا عذاب صعد ومعيشة ضنك ولو يعلمون ما للصوفية من الحياة الطيبة وطمأنينة القلب بذكر الله وشرح الصدور ورفع الحاجة بالقليل والاستغناء عن الخلق والشفقة على خلق الله تعالى كلهم أجمعين والشكر والسرور في الضراء رجاء لكفارة المعاصي وحسن الجزاء فضلا عن الرخاء والسراء ليتحاسدوهم على ذلك والله يؤتي من يشاء من الدنيا والآخرة.
﴿ وأن المساجد لله ﴾ عطف على أن لو استقاموا على الوحي به قيل : المراد بالمساجد المواضع التي بنيت للصلاة ﴿ فلا تدعوا مع الله أحدا ﴾ قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا بيتهم وكنائسهم أشركوا بالله فأمر الله تعالى المؤمنين أن يخلصوا لله الدعوات إذا دخلوا المساجد وأراد به المساجد كلها وأمر بتطهيرها فقال :﴿ طهرا بيتي للطائفين ﴾ الآية، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :( جنبوا مساجدنا صبيانكم ومجانينكم وشركائكم وبيعكم وخصوماتكم ورفع أصواتكم وإقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وجمروها في الجمع ) رواه ابن ماجه عن واصلة مرفوعا، ونهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والشراء فيه وأن يتحلق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة في المسجد رواه أبو داود والترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال :( البزاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها ) متفق عليه عن أنس قال :( عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد ) رواه أبو داود والترمذي عنه، وقال :( من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا ) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، وروى الترمذي والدارمي وزاد ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك ) والله تعالى أعلم. وقال الحسن أراد بها البقاع كلها لأن الأرض جعلت كلها سجدا لهذه الأمة يعني لا تدعوا مع الله أحدا في شيء من البقاع، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق أبي صالح عن ابن عباس قال : قالت الجن أتأذن لنا فنشهد معك الصلاة في مسجدك فأنزل الله تعالى :﴿ وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ١٨ ﴾ وأخرج ابن جرير عن جبير قال : قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن عنك أو كيف نشهد الصلاة ونحن ما دون عنك فنزلت، وقيل : المراد بالمسجد أعضاء السجود يعني أنها مخلوقة لله تعالى فلا تسجدوا عليها غيره، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا يكفت الثياب ولا الشعر ).
﴿ وأنه ﴾ الضمير للشأن قرأ نافع وأبو بكر بكسر الهمزة على الاستئناف والباقون بالفتح عطفا على الموحى به ﴿ لما قام عبد الله ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم إن ذكر لفظ العبد دون الرسول أو النبي أو غير ذلك للتواضع فإنه واقع موقع كلامه عن نفسه والإشعار بما هو المقتضى لقيامه، وقال المجدد العبودية أقصى مراتب الكمال ﴿ يدعوه ﴾ حال من عبد الله أي يعبده ويذكره ﴿ كادوا يكونون عليه لبدا ﴾ قرأ هشام لبد بضم اللام والباقون بالكسر وهو جمع لبدة وأصل اللبد الجماعات بعضها فوق بعض ومعناه على ما قال الحسن وقتادة وابن زيد أنه لما قام عبد الله بالدعوة إلى التوحيد كاد الجن والإنس يكونوا مجتمعين لإبطال أمره يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره وينصره على من عاداه، ويحتمل أن يكون معناه أنه لما قام عبد الله يدعوه ويقرأ القرآن بنخلة كان الجن يكون عليه لبدا متراكبي من ازدحامهم عليه شوقا لا سقما عن القرآن.
﴿ قل ﴾ كذا قرأ عاصم وحمزة وأبو جعفر بصيغة الأمر موافقا لما بعده والباقون بصيغة الماضي أي قال عبد الله ﴿ إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا ﴾ فمالكم تجتمعون على إبطال أمري أو المعنى قال عبد الله حين اشتاق الجن إلى كلامه إنما أدعوا ربي فادعوا أنتم أيضا كدعائي ولا تشركوا به أحدا، وقال مقاتل قال كفار مكة للنبي صلى الله عليه وسلم لقد جئت بأمر عظيم فارجع عنه فنحن بخيرك فنزلت هذه الآية وما بعدها.
﴿ قل إن لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ٢١ ﴾ يعني ضرا ولا نفعا أو غيا ولا رشدا عبر عن أحدهما باسم وعن الآخر باسم سببه أو مسببه إشهارا بالمعنيين.
﴿ قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا ٢٢ ﴾ ملتجأ أميل إليه إن أراد في سوء وهذين الجملتين المستأنفتين كأنهما في جواب ما أقول حين يقول الكفار الذين أجمعوا لإبطال أمري إنك إن كنت نبيا فائتنا بعذاب من عند الله أو يقول الكفار ارجع عن دينك فنحن بخيرك، ويحتمل أن يكون الجملة الأولى في جواب ما أقول في وقت اشتياق الجن إلى رؤيتي ولقائي فإن ازدحامهم علي دل على زعمهم بأن النبي صلى الله عليه وسلم يملك لهم ضرا ورشدا أو الجملة الثانية تأكيد لمضمون السابقة على عجز النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرج ابن جرير عن حضرمي أنه ذكر له أن جنيا من الجن من أشرافهم إذ اتبع قال : إنما يريد محمد أن نجيره وأنا أجيره فأنزل الله تعالى :﴿ قل إني لن يجيرني ﴾ الآية.
﴿ إلا بلاغا ﴾ كائنا ﴿ من الله ورسالاته ﴾ عطف على بلاغا والاستثناء إما من قوله لا أملك فإن التبليغ إرشاد وإنفاع وما بينهما اعتراض مؤكد لنفي الاستطاعة فلا يلزم الفصل بأجنبي يعني لا أملك لكم من رفع الضر أو إيصال الرشد إلا التبليغ والرسالة فإن أملكه وإما من قوله أحدا وملتحدا على سبيل التنازع وإعمال الثاني يعني لا يجيرني من الله أحد من دونه ملتحدا إلا التبليغ والرسالة فإن التبليغ والرسالة فريضة من الله تعالى يجيرني من عذاب الله ويعذبني الله إن لم أفعل كذلك، قال الحسن ومقاتل قيل المعنى لا أملك لكم خيرا ولا شرا ولا رشدا ولكن بلاغا من الله ورسالة ثابت وقيل : إلا مركب من أن الشرطية ولا النافية وجزاء الشرط المحذوف اكتفاء بما مضى يعني أن لا أبلغكم بلاغا كائنا من الله ورسالاته لن يجيرني من الله أحد ﴿ ومن يعص الله ورسوله ﴾ في الأمر بالتوحيد ولم يؤمن به ﴿ فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا ﴾ أفرد ضمير يعص الله وضمير له نظرا إلى لفظة من وجمع ضمير خالدين نظرا إلى معناه وجملة ومن يعص الله معطوفة على مقدر يعني أبلغ لك بلاغا من الله ورسالاته فمن يطع الله ورسوله فأولئك تحروا رشدا ومن يعص الله ورسوله الآية.
حتى إذا رأوا أي الكفار غاية لقوله تعالى :﴿ يكونون عليه لبدا ﴾ إن كان المراد به اجتماع الكفار لإبطال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وإلا فهو غاية لحذوف دل عليه الحال من استضعاف الكفار له وعصيانهم له كأنه قيل لا يزالون يعصونه ويستضعفونه.
﴿ حتى إذا رأوا ما ﴾ إما العذاب في الدنيا كوقعة بدر وإما الساعة ساعة الموت فإن من مات فقد قامت له القيامة المشتملة على جهنم والساعة أدهى وأمر ﴿ فسيعلمون ﴾ حين حلوله بهم ﴿ من أضعف ناصرا وأقل عددا ﴾ أهم أم النبي صلى الله عليه وسلم جملة استفهامية قائمة مقام المفعولين لقوله تعالى فسيعلمون قال بعض الكفار متى هذا الوعد فنزل ﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ إن أدري ﴾ لا أدر ﴿ أقريب ﴾ خبر مبتدأ بعده أو مبتدأ من القسم الثاني وما بعده فاعله ﴿ ما توعدون ﴾ من العذاب أو الساعة ﴿ أم يجعل له ربي ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون ﴿ أمدا ﴾ غاية وأجلا لتطول مدتها لا يعلمه إلا الله والجملة الاستفهامية قائم مقام مفعولي إن أدري.
قال بعض الكفار متى هذا الوعد فنزل ﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ إن أدري ﴾ لا أدر ﴿ أقريب ﴾ خبر مبتدأ بعده أو مبتدأ من القسم الثاني وما بعده فاعله ﴿ ما توعدون ﴾ من العذاب أو الساعة ﴿ أم يجعل له ربي ﴾ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء والباقون بالسكون ﴿ أمدا ﴾ غاية وأجلا لتطول مدتها لا يعلمه إلا الله والجملة الاستفهامية قائم مقام مفعولي إن أدري.
﴿ عالم الغيب ﴾ صفة ربي أو خبر مبتدأ محذوف أي هو عالم الغيب لا غيره فكأنه تعليل لقوله لا أدري، والمراد بالغيب ما لم يوجد بعد كأخبار المعاد أو انعدام بعد الوجود كأخبار المبدأ والقصص الماضية التي انقطعت الرواية عنها وإما ما غاب عن العباد من أسماء الله تعالى وصفاته التوقيفية التي لا يدل عليه البرهان، وأما ما قام عليه الدليل والبرهان كوجوده تعالى وجوبه وتوحده وكونه متصفا بصفات الكمال منزها عن سمات النقص والزوال فليس من الغيب من الشهادة لشهود ما يدل عليه من العالم وكذا مسألة حدوث العالم مثلا ليس من الغيب بل من الشهادة لمشاهدة قابلية التغير الدال على الحدوث وهذه الأقسام من الغيب لا يمكن العلم بها إلا بتوفيق من الله تعالى، ومن الغيب ما هو غيب بالنسبة إلى بعض دون بعض كأحوال الجن وأحوال بعض أشياء البعيدة غيب بالنسبة إلى الإنس دون الجن ومن ثم زعم الإنس أن الجن يعلمون الغيب وهم لا يعلمون إلا ما يشهدونه قال الله تعالى في قصة سليمان عليه السلام :﴿ فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ﴾ وكأحوال السماوات بالنسبة إلى أهل الأرض دون أهل السماء وأحوال المشرق بالنسبة إلى أهل المغرب وهذا القسم من علم الغيب قد يحصل بالوحي والإلهام وقد يحصل برفع الحجب وجعلها مثل الحجب الزجاجة، روى مسلم عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال :( لقد رأيتني في الحجر وقريش سألتني عن مساري فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها فكربت كربا ما كربت مثله فرفعه الله إلي لأنظر إليه ما يسألني عن شيء إلا أنبأتهم ) وروى البيهقي عن عمر أن عمر بعث جيشا وأمر عليهم رجلا يدعى سارية فبينما عمر يخطب فجعل يصيح يا سارية الجبل، وروى أبو داود عن عائشة قالت : لما مات النجاشي كنا نتحدث أنه لا يزال يرى على قبره نور، وعند رفع الحجب لا يكون هذا من علم الغيب بل من علم الشهادة وإن كان من قبيل المعجزة أو الكرامة ﴿ فلا يظهر على غيبه أحدا ﴾ من الخلق ﴿ إلا من ارتضى ﴾.
﴿ إلا من ارتضى ﴾ العائد إلى الموصول محذوف فإنه يطلع من ارتضاه أحيانا ليكون معجزة ويبشر المطيعين ومنذر العاصين ﴿ من رسول ﴾ أعم من البشر والملائكة ويشتمل لفظة الرسول الأنبياء أيضا قال الله تعالى أرسلهم إلى الناس لتبليغ الأحكام وتخصيص لفظ الرسول بمن أرسله الله بشريعة جديدة وكتاب اصطلاح وقيل : بل يشتمل الأولياء أيضا بعموم المجاز، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( العلماء ورثة الأنبياء ) رواه أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجه والدارمي في حديث عن كثير بن قيس وابن البخاري عن أنس وابن عدي عن علي بلفظ ( العلماء مصابيح الأرض وخلفاء الأنبياء أو ورثتي وورثة الأنبياء ) وابن عقيل عن أنس بلفظ ( العلماء أمناء الرسل ما لم يخالطوا السلطان ويداخلوا الدنيا ) الحديث وقال أهل السنة والجماعة كرامات الأولياء معجزة لنبيهم قال الله تعالى :﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ﴾ وقد بعث الله تعالى خاتم النبيين إلى كافة فاعتبر أهل السنة أتباعه صلى الله عليه وسلم من العلماء والأولياء لسانا له صلى الله عليه وسلم حتى يستقيم الحصر واستغراق الإضافة في لسان قومه فعلى تقدير شمول لفظ الرسول للأولياء لا يلزم نقص بحصول علم الغيب لهم على وجه الكرامة وعلى تقدير عدم شموله نقول المراد بالعلم العلم القطعي والعلم الحاصل للأولياء بالإلهام وغيره ظني ليس بقطع، ومن ثم قالت الصوفية العلية إنه لا بد من عرض العلوم الحاصلة للصوفية على الكتاب والسنة فإن طابقت قبلت إذ المطابق للقطع قطعي وإن خالفت ردت قالوا : كل حقيقة ردته الشرع فهو زندقة وإن كانت الشريعة عنها ساكتة قبلت مع احتمال الخطأ فاندفع ما قال صاحب الكشاف بناء على اعتزاله إن في هذه الآية إبطال لكرامات لأن الذين يضاف إليهم الكرامات وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا الرسل الخ، وكفى التكذيب أهل الهواء قوله تعالى :﴿ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ﴾ وقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ ﴾ وقوله تعالى :﴿ فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا ٢٤ وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ٢٥ فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمان صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ٢٦ ﴾ فإن أم موسى وأم عيسى والحواريين لم يكونوا أنبياء واعلم أن ما ذكرت لك أن العلم الحاصل للأولياء ظني، المراد به العلم الحاصل علما حصوليا وذلك قد يكون بالإلهام بتوسط الملك وبغير توسطه وقد يكون بكشف الحجب كما ذكرنا في حديث عمر يا سارية الجبل ومن هذا القبيل ما قيل : إنه قد ينكشف على بعض الأولياء في بعض الأحيان اللوح المحفوظ فينظرون فيه القضاء المبرم والمعلق وقد يكون بمطالعة عالم المثال في المنام أو المعاملة، عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة ) متفق عليه، وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة ) رواه البخاري، وهذه الأنواع من العلم قد يقع فيه الخطأ بغير الأنبياء لوقوع الغلط وتخليط الشيطان في الإلهام فإن في قلب بني آدم بيتان في أحدهما الملك وفي الآخر الشيطان فأحيانا يلتبس لمة الملك بلمة الشيطان وقوع تخليط الوهم وتلبيس الشيطان في الكشف ورؤية عالم المثال، عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان ) متفق عليه، وقال محمد بن سيرين قال :( الرؤيا ثلاث حديث النفس وتخويف الشيطان وبشرى من الله ) متفق عليه ووقوع الغلط في تأويل الرؤيا لكن ووقع الخطايا في علوم الأولياء نادر لتشبههم بالأنبياء فالأنبياء معصومون والأولياء محفوظون غالبا وأما العلم الحاصل للأولياء علما حضوريا بل فوق الحضوري وهو العلم المتعلق بذات الله تعالى وصفاته المسمى بالعلم اللدني فهو لا يحتمل الخطأ وهو قطع وجداني بل فوق القطعي لأن علم المرء بنفسه علم حضوري وجداني فإنه بحضور نفس المعلوم عند العالم من غير حصول صورة فيه وعلم الصوفي بالله فوق هذا العلم لأن الله تعالى قرب من نفسه بنفسه قال الله تعالى :﴿ ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ٨٥ ﴾ أيها العوام ويبصره من أبصره الله تعالى وهذا العلم اللدني يحصل للأولياء بتوسط الرسول صلى الله عليه وسلم ولو بوسائط. فإن قيل : نحن أقرب إليكم خطاب لسائر الناس ويلزم منه أن يكون لسائر الناس علما بالله تعالى حضوريا فوق علمه بنفسه ؟ قلنا : نعم لكن العلم تابع للحياة لا يتصور بدونها وقد ذكر في تفسير سورة الملك أن الحياة على أربعة أقسام منها ما يستتبع المعرفة وتلك الحياة بالتجليات الذاتية والصفاتية ولأجل حصول هذه الحياة الاكتساب والتصوف. فإن قيل لو كان هذا العلم الثاني قطعيا لما أخطأه فيه ولما تعارض أقوالهم وقد يخطئون كما يدل عليه تعارض أقوالهم المقتضى خطأ أحد المتنافيين فإنه يقول بعضهم بالتوحيد الوجودي وبعضهم بالتوحيد الشهودي ونحو ذلك ؟ قلت : هذا الخطأ إنما يقع في علم العلم الذي من قبيل العلم الحصولي دون نفسه وقد يقع في بيانه وتصويره حيث لم يوضع لهذه المعاني ألفاظ في اللغات قال الشاعر :
المراد بالكفر في هذا الشعر كفر الطريقة المسمى بالتوحيد الوجودي وبالدين الشريعة، وفذلكة الكلام في هذا المقام أن بين الخالق والخلق نسبة ليست بين أي الشيئين فرضتا من الأشياء إذ لا خالق إلا هو فلا يمكن أن يشتبه تلك النسبة بما عداها من النسب لا يقال : ليس نسبة الخالق مع المخلوق كنسبة النقش مع النقاش أو نسبة القدح مع الفجار لأنه ليس كذلك فإن القدح مادته الخشب والنقش مادته اللون ونحو ذلك مخلوقة لله تعالى والصورة الخاصة بعد فعل النجار أيضا مخلوقة لله تعالى وفعل النجار أيضا مخلوق لله تعالى رغم أنف المعتزلة، والنجار إنما هو كاسب لبعض من المعاملات فما لكم لا تعقلون ولما كانت النسب التي تدرك في العقل بين أي الشيئين الموجودين في الخارج أو الذهن من العينية والغيرية والظلية وغيرها مسلوبة من تلك النسبة وهي وراء النسب ولم يوضع لها لفظ يدل عليها فقد يعبر عنها بأنه تعالى ليس عين خلقه فيوهم أنه غيره أو أن الخلق ظله وقد يعبر بأنه ليس غير الخلق وليس هناك نسبة الظلية فيوهم أنه عين الأشياء ثم قد يطلق بالمجاز باعتبار الملازمة بين العينية وسلب الغيرية في الأذهان بأنه تعالى عين الأشياء كلها كذا قد يقال بأنه غيرها، وقد يقال إنها ظل وليس ذلك الاختلاف والتعارض إلا في مراتب العلم الحضوري في تعبيراتهم لضيق العبارات وأحسن التعبيرات في هذا المقام قوله تعالى :﴿ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾ والمقصود من التصورات هو هذا العلم اللدني دون العلوم الحاصلة في الظنون فإنه لا اعتداد بها وأن الظن لا يغفي من الحق شيئا والله تعالى أعلم. فإن قيل : سلمنا أن علوم الأولياء داخلة في المستثنى أو خارجة من المستثنى منه لكونها ظنية فما قولكم في علوم الكهنة والمنجمين وعلم الأطباء بالأمراض وبما فيه شفاء المريض وبخواص النباتات ونحوها فإن الأخبار والتجربة تشهد على صدق بعض أخبارهم. روى البخاري عن ابن الناطور حديث صاحب إيليا وقد أسلم يحدث أن هرقل حين قدم إيليا أصبح يوما خبيث النفس فقال بعض بطارقته قد استنكرنا هيئتك، وقال ابن الناطور وكان هرقل ينظر في النجوم فقال لهم حين سألوه إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر الحديث، ثم كتب هرقل إلى صاحب له برؤيته وكان نظيره في العلم فأتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأنه نبي وقد صح أن الكهنة والمنجمون أخبروه الخروج بموسى لفرعون وبزوال ملكه على يد غلام من بني إسرائيل حتى كان فرعون يذبح أبنائهم ويستحي نساءهم قلنا : أما علم الكهنة فما كان منها مطابقا للواقع فذلك استراق السمع من الملائكة والملائكة رسل الله لكن الكهنة والشياطين يختلطون فيه أكاذيب ولذلك نهى الشرع عن تصديقهم ثم قد منع الجن بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستراق إما مطلقا أو غالبا فبطل الكهانة، عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكهان وقيل : إنهم يحدثون أحيانا بالشيء يكون حقا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة فيخلطون فيه أكثر من مائة كذبة ) متفق عليه، وأما علم الطب والنجوم فمبناهما إما التجارب وذلك من علم الشهادة دون الغيب والأظهر أن ذينك العلمين أعني العلم بخواص الأدوية والطبائع وكذا بخواص النجوم من السعادة والنحوسة وغيرها مقتبسان من علوم الأنبياء فبقي العلمان في الكتب ونسجت عناكب النسيان على سلاسل المرواة واكتفوا بشهادة التجارب في معرفتها قال الله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام ﴿ فنظر نظرة في النجوم ٨٨ فقال إني سقيم ٨٩ ﴾ أي ساقم، وذكر البغوي في تفسير سورة سبأ أن سليمان عليه السلام ما يأتي عليه يوم إلا تثبت في محراب بيت المقدس شجرة فيسألها من اسمك ؟ فتقول : اسمي كذا فيقول : لأي شيء أنت ؟ فيقول : لكذا وكذا فأمر بها فينقطع فإن كانت بنت الغرس غرس لها : وإن كانت الدواء كتب حتى تنبت الخروبة فقال لها ما أنت ؟ قالت : الخروبة، قال : لأي شيء أنبتت ؟ قالت : لخراب مسجدك، كذا ذكر الإمام حجة الإسلام محمد الغزالي رحمه الله في رسالة المنقذ من الضلال ثم إن علم الطب والنجوم ليسا يوجبان للقطع فإن التأثيرات المودعة في الأدوية والكواكب أمر عادي جرت العادة الإلهية على خلق تلك الآثار بعد استعمال تلك الأدوية وبعد طلوع تلك النجوم ويتخلف تلك الآثار عنها كثيرا إن شاء الله ومن ههنا يعلم أن من استدل بالنجوم على شيء وزعم أن الله تعالى يفعل كذلك بعد طلوع ذلك النجم جريا على عادته فلا يكفر كمن زعم أن الله تعالى يخلق الشفاء بعد شرب الدواء ويخلق الموت بعد شرب السم وأما من زعم أن حدوث ذلك الشيء بذلك النجم فيكفر كما زعم أن الدواء علة تامة على الشفاء. عن زيد بن خالد الجهني قال صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال :( هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم، قال : قد أصبح قوم من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي والكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافرين ومؤمن بالكواكب ) متفق عليه، فهذا الحديث إنما يدل على كفر الثاني دون الأول غير أن الاشتغال بالنجوم مطلقا مكروه لكونه مما لا يعنيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد وما زاد ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس، وكذلك علم النقاط والخطوط الذين يسمونها إملاء فهو أيضا مقتبس من الأنبياء ويفيد ظنا لا قطعا وأما الطيرة فليس بشيء، عن معاوية بن الحكم قال قلت يا رسول الله أمور كما نصنعه في الجاهلية كنا نأتي الكهان
﴿ ليعلم ﴾ الله، أي ليتعلق علمه به موجودا نظيره قوله تعالى :﴿ ليعلم الله من يخافه ورسله بالغيب ﴾ متعلق بقوله تعالى يسلك علة للحفظ من الشياطين ﴿ أن ﴾ مخففة من المثقلة اسمها ضمير الشأن محذوف ﴿ قد أبلغوا ﴾ أي الرسل ﴿ رسالات ربهم ﴾ كما هي والمعنى ليوجد من الرسل تبليغ رسالات ربهم بلا تغيير وتخليط، وقيل : ضمير ليعلم عائد إلى الرسول أي ليعلم الرسول قطعا ولا شك انه قد أبلغ هو وإخوانه من الرسل رسالات ربهم ولم يقع فيه تغيير وتخليط من الشيطان أو ليعلم الرسول أنه قد أبلغ الملائكة رسالات ربهم ولم يتطرق فيه شيطان، وقرأ يعقوب ليعلم بضم الياء على البناء للمجهول أي ليعلم الناس قطعا أن الرسل قد بلغوا ﴿ وأحاط ﴾ الله ﴿ بما لديهم ﴾ أي ما علم الله عند الرسل لا يخفي عليه شيء ﴿ وأحصى كل شيء عددا ﴾ عدد مثاقيل الجبال وميكائيل البحار وعدد قطرات الأمطار وعدد ورق الأشجار وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليها النهار ونصب عددا على الحال أو على المصدر أي عدد عددا أو التمييز أي أحصى عدد كل شيء والله أعلم.