تفسير سورة الجن

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الجن من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

يصلوه بما يقولون: كيف تصنع؟ وأين تذهب؟ إِذَا كَانَ استفهامًا لم يوصل «١» بما، وإذا كَانَ جزاء وُصِل وتُرِك الوصل.
وقوله: دَيَّاراً (٢٦).
وهو من دُرت، ولكنه فيْعال من الدوران، كما قَرَأَ عُمَر بْن الخطاب «اللَّهُ لَا إلهَ إلَّا هُوَ الحَيُّ القَيّامُ «٢» »، وهو من قمت.
وقوله: إِلَّا تَباراً (٢٨) : ضلالا.
ومن سورة الجن
قوله: عز وجل: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ (١).
القراء مجتمعون [٢١٨/ ا] على (أوحى) وقرأها جوّية الأسدى «٣» :(قل أوحى إلىّ) من وحيت، فهمز الواو لأنها انضمت كما قَالَ: (وَإِذَا الرُّسُلُ أقّتت «٤» ).
وقوله: اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ (١).
ذكر: أن الشياطين لما رُجمت وحُرِست منها السماء قَالَ إبليس: هَذَا نبيٌّ قَدْ حدث، فبث جنوده فِي الآفاق، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكَّة، فأتوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو ببطن نخلة «٥» قائمًا يصلي ويتلو القرآن، فأعجبهم ورقّوا لَهُ، وأسلموا، فكان من قولهم ما قَدْ قصّة الله فى هذه السورة.
(١) فى ح: لم تصل بما.
(٢) سورة البقرة الآية: ٢٥٥.
(٣) فى ح، ش: جوية بن عبد الواحد الأسدى إن شاء الله.
(٤) سورة المرسلات الآية: ١١.
(٥) بطن نخلة: فى معجم البلدان (١: ٤٤٩) : بطن نخل، جمع نخلة: قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة.
190
وَقَدِ اجتمع القراء عَلَى كسر «إنا» فِي قوله: «فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً»، واختلفوا فيما بعد ذَلِكَ، فقرءوا: وإنّا، وأَنَّا «١» إلى آخر السُّورة، وكسروا بعضًا، وفتحوا بعضًا.
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «٢» : حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] : حدثنا الفراء قال: فحدثنى الْحَسَن بن عيَّاش أخو أبي بَكْر بْن عياش، وقيس عَنِ الْأَعْمَش عنْ إِبْرَاهِيم عنْ علقمة بْن قيس أَنَّهُ قَرَأَ ما فِي الجنِّ، والنجم:
(وأنا)، بالفتح «٣». قَالَ الفراء: وكان يَحيى وإبراهيم وأصحاب عَبْد اللَّه كذلك يقرءون. وفتح نافع الْمَدَنِيّ، وكسر الْحَسَن ومجاهد، وأكثر أهل المدينة إلا أنهم نصبوا: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» (١٨) [حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ «٤» :] حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي حِبَّانُ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ اقْتِصَاصِ أَمْرِ الجن: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا» (١٨).
وكان [عاصم بكسر ما كَانَ] «٥» من قول الجن، ويفتح ما كَانَ من الوحي. فأمَّا الَّذِينَ فتحوا كلها فإنهم ردّوا «أن» فى كل السورة على قوله: فآمنا به، وآمنا بكل ذَلِكَ، ففتحت «أن» لوقوع الْإِيمَان عليها، وأنت مَعَ ذَلِكَ تجد الْإِيمَان يحسن فِي بعض ما فتح، ويقبح فِي بعض، ولا يمنعك «٦» ذَلِكَ من إمضائهن عَلَى الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الْإِيمَان قَدْ يحسن فِيهِ فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنَّ كما قَالَتِ العرب.
إِذَا ما الغانيات بَرَزْنَ يَوْمًا وزَجَجن الحَواجبَ والعُيونا «٧»
فنصب العيون باتباعها «٨» الحواجب، وهي لا تزجج إنما تكحّل، فأضمر لها الكحل،
(١) جاء فى الإتحاف: ٤٢٥: واختلف فى همز «وَأَنَّهُ تَعالى» وما بعده إلى قوله سبحانه «وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ» وجملته اثنا عشر فابن عامر وحفص وحمزة والكسائي وخلف بفتح الهمزة فيهن عطفا على مرفوع أوحى... وقرأ أبو جعفر بالفتح فى ثلاثة منها، وهى: «وأنه تعالى، وأنه كان يقول، وأنه كان رجال» جمعا بين اللغتين. وافقهم الحسن والأعمش والباقون بالكسر فيها كلها عطفا على قوله: (إِنَّا سَمِعْنا).
(٢) زيادة فى ش.
(٣) ما فى النجم (وأن)، الآيات ٣٩ وما بعدها.
(٤) زيادة فى ب.
(٥) سقط فى ح. [.....]
(٦) فى ح، ش: فلا تمنعك تحريف
(٧) سبق تخريج البيت انظر ص ١٣٦ من هذا الجزء.
(٨) فى ش: باتباعنا.
191
وكذلك يضمر «١» فِي الموضع الَّذِي لا يحسن فِيهِ آمنَّا، ويحسن: صدقنا، وألهمنا، وشهدنا، ويقوّى النصب قوله: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ» (١٦) فينبغي لمن كسر أن يحذف (أنْ) من (لو) لأنّ (أنْ) إِذَا خففت لم تكن فِي حكايةٍ، ألا ترى أنك تَقُولُ: أقول لو فعلتَ لفعلتُ، ولا تدخِل «٢» (أنْ).
وأمَّا الَّذِينَ كسروا كلها فهم فِي ذَلِكَ يقولون: «وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا» فكأنهم أضمروا يمينًا مَعَ لو، وَقطعوها عَنِ النسق عَلَى أول الكلام «٣»، فقالوا: والله إن لو استقاموا. وَالعرب تدخل أن فِي هَذَا الموضع مَعَ اليمين وتحذفها، قَالَ الشَّاعِر:
فأقسمُ لو شَيْء أتانا رَسولُه سواكَ، ولكن لم نجد لَكَ مدفَعا «٤»
وأنشدني آخر:
أمَا واللهِ أنْ لو كنتَ حُرًّا وما بِالحرِّ أنتَ ولا العتيقِ»
ومن كسر كلها ونصب: «وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ» خصَّه بالوحي، وجعل: وأنْ لو مضمرة فيها [اليمين عَلَى ما وصفت لَكَ «٦».
«٧» وقوله تبارك وتعالى: وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا (٣).
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «٨» :] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إسرائيل عَنِ الحكم عنْ مجاهد فى قوله: «وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا» قَالَ: جلال ربنا.
وقوله جل وعز: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً (٥).
(١) سقط فى ش.
(٢) فى ش: تدخلن.
(٣) فى ش: الكتاب.
(٤) لم أعثر على قائله.
(٥) استشهد به فى المغني على زيادة (أن) : ١: ٣٠ وورد فى تفسير القرطبي (١٩/ ١٧) ولم ينسب إلى قائله فى الموضعين.
(٦) سقط فى ا.
(٧) يبدأ من هنا النقل من النسخة ب، لأنه ليس فى (ا)
(٨) زيادة فى ش.
الظن هاهنا: شك.
وقوله تبارك وتعالى: وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ «١» اللَّهَ فِي الْأَرْضِ (١٢).
عَلَى اليقين علمنا.
وَقَدْ قَرَأَ بعض القراء: «أَنْ لَنْ تَقُولَ «٢» الْإِنْسُ وَالْجِنُّ» ولست أسميه.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ (٩). إذ بعث محمد صلى الله عليه يجد لَهُ شهابًا رصدًا قَدْ أرصد بِهِ لَهُ ليرجمه.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ (١٠).
هَذَا من قول كفرةِ الجن قَالُوا: ما ندري ألخير يراد بهم «٣» فُعِلَ هَذَا أم لشر؟ يعني: رجم الشياطين بالكواكب.
وقوله عزَّ وجل: كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١).
كُنَّا فرقا مختلفةً أهواؤنا، والطريقة طريقة «٤» الرجُل، ويقال أيضا [١٠٩/ ا] للقوم هُمْ طريقة قومهم إِذَا كانوا رؤساءهم، والواحد أيضًا: طريقة قومه، وكذلك يُقال للواحد: هَذَا نظورةُ قومه للذين ينظرون إِلَيْه «٥» منهم، وبعض العرب يَقُولُ: نظيرة قومه، ويجمعان جميعًا: نظائر.
وقوله عزَّ وجلَّ: فَلا يَخافُ بَخْساً (١٣) لا يُنْقَص من ثواب عمله وَلا رَهَقاً (١٣).
ولا ظلما.
وقوله عز وجل: وَمِنَّا الْقاسِطُونَ (١٤) وهم: الجائرون الكفار، والمقسطون: العادلون المسلمون وقوله عزَّ وجلَّ: فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) يَقُولُ: أمّوا الهدى واتبعوه.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ (١٦) : على طريقة الكفر «٦» «لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً»
(١) سقط فى ش.
(٢) هى قراءة الحسن والجحدري ويعقوب وابن أبى بكرة بخلاف المحتسب ٢/ ٣٣٣ وانظر البحر المحيط ٨/ ٣٤٨.
(٣) فى ش: يريد. [.....]
(٤) سقط فى ح.
(٥) فى ش: ينظر، تحريف.
(٦) أي: لو كفر من أسلم من الناس، لأسقيناهم إملاء لهم واستدراجا، واستعارة الاستقامة للكفر قلقة لا تناسب (البحر المحيط ٨/ ٣٥٢).
193
يكون زيادة فِي أموالهم ومواشيهم، ومثلها قوله: «وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ «١» » يَقُولُ: نفعل ذَلِكَ بهم ليكون فتنة عليهم فِي الدنيا، وزيادة فِي عذاب الآخرة.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً (١٧).
نزّلت «٢» فِي وليد بْن المغيرة المخزومي، وذكروا أن الصَّعَدَ: صخرة ملساء فِي جهنم يكلَّف صعودها، فإذا انتهى إلى أعلاها حَدَر إلى جهنم، فكان ذلك دأبه، ومثلها فى سورة المدثر:
(سأرهقه صعودا) «٣» :
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا (١٨) فلا تشركوا فيها صنما ولا شيئا مما يعبد، وَيُقَال: هَذِهِ المساجد، وَيُقَال: وَأَنَّ المساجد لله. يريد:
مساجدَ الرجلِ: ما يسجد عَلَيْهِ من: جبهته، ويديه، وركبتيه، وصدور قدميه.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ (١٩) يريد: النبي صلى الله عليه ليلة أتاه الجن ببطن نخلة. «كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ [١٠٩/ ب] لِبَداً» (١٩) كادوا يركبون النبي صلّى الله عليه رغبةً فِي القرآن، وشهوة لَهُ.
وقرأ بعضهم «٤» :«لِبَداً «٥» » والمعنى فيهما- والله أعلم- واحد، يُقال: لُبدَةٌ، ولِبدة.
ومن قَرَأَ: «لِبَداً» «٦» فإنه أراد أن يجعلها من صفة الرجال، كقولك: رُكّعًا، وركوعا [، وسجّدا، وسجودا] «٧».
(١) سورة الزخرف الآية: ٣٣.
(٢) فى ح، ش: أنزلت.
(٣) الآية ١٧.
(٤) فى ش: بعض القراء.
(٥) قرأ مجاهد، وابن محيصن، وابن عامر بخلاف عنه بضم اللام جمع: لبدة، وعن ابن محيصن أيضا تسكين الباء وضم اللام: لبدا.
وقرأ الحسن، والجحدري، وأبو حيوة، وجماعة عن أبى عمرو بضمتين جمع: لبد كرهن ورهن، أو جمع لبود كصبور (البحر المحيط ٨/ ٣٥٣).
(٦) هى قراءة الحسن، والجحدري بخلاف عنهما (البحر المحيط ٨/ ٣٥٣).
(٧) سقط فى ح، ش.
194
وقوله عز وجل: قال إنّما ادعوا ربّى (٢٠) قرأ الأعمش وعاصم «١» :«قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي» وقرأ عامة أهل المدينة كذلك، وبعضهم:
(قَالَ)، وبعضهم: (قل).
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ «٢» :] حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ قَرَأَهَا:
(قَالَ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي).
اجتمع القراء على: لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا (١) بنصب الضاد، ولم يرفع أحد منهم.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) ملجأ ولا سربًا الجأ إِلَيْه.
وقوله عزَّ وجل: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسالاتِهِ (٢٣) يكون استثناء من قوله: «لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً إلا أن أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ».
وفيها وجه آخر: قل إني لن يجيرنى من اللَّه أحد إنْ لم أبلغْ رسالته، فيكون نصب «٣» البلاغ من إضمار فعل من الجزاءِ كقولك للرجل: إلا قيامًا فقعودًا، وإلا عطاء فردًا جميلًا [أي ألا تفعل إلا عطاء فردًا جميلًا] «٤» فتكون لا منفصلة من إن- وهو وجه حسن، والعرب تَقُولُ: إن لا مال اليوم فلا مال أبدًا- يجعلون «٥» (لا) عَلَى وجه التبرئة، ويرفعون أيضًا عَلَى ذَلِكَ المعنى، ومن نصب بالنون فعلى إضمار فعل، أنشدني بعض العرب:
فإن لا مَال أعطيه فإني صديق من غُدو أَوْ رَواح «٦»
وقوله عزَّ وجلَّ: إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ (٢٧) فإنه يطلعه على [١١٠/ ا] غيبه.
(١) وهى أيضا قراءة حمزة وأبى عمرو بخلاف عنه (البحر المحيط ٨/ ٣٥٣).
(٢) زيادة فى ش.
(٣) كذا فى ش، وفى غيرها: فتكون بنصب، تحريف.
(٤) سقط فى ح، ش. [.....]
(٥) فى ش تجعلون، تصحيف.
(٦) لم أعثر على قائله.
Icon