تفسير سورة سورة التوبة من كتاب الجامع لأحكام القرآن
.
لمؤلفه
القرطبي
.
المتوفي سنة 671 هـ
بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ
فَصْل فِي أَسْمَائِهَا
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ سُورَة بَرَاءَة فَقَالَ : تِلْكَ الْفَاضِحَة مَا زَالَ يَنْزِل : وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حَتَّى خِفْنَا أَلَّا تَدَع أَحَدًا.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر عَبْد الْحَمِيد : هَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ فِي غَزْوَة تَبُوك وَنَزَلَتْ بَعْدهَا.
وَفِي أَوَّلهَا نَبْذ عُهُود الْكُفَّار إِلَيْهِمْ.
وَفِي السُّورَة كَشْف أَسْرَار الْمُنَافِقِينَ.
وَتُسَمَّى الْفَاضِحَة وَالْبَحُوث، لِأَنَّهَا تَبْحَث عَنْ أَسْرَار الْمُنَافِقِينَ وَتُسَمَّى الْمُبَعْثِرَة، وَالْبَعْثَرَة : الْبَحْث.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي سَبَب سُقُوط الْبَسْمَلَة مِنْ أَوَّل هَذِهِ السُّورَة عَلَى أَقْوَال خَمْسَة :[ الْأَوَّل ] أَنَّهُ قِيلَ كَانَ مِنْ شَأْن الْعَرَب فِي زَمَانهَا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا كَانَ بَيْنهمْ وَبَيْن قَوْم عَهْد فَإِذَا أَرَادُوا نَقْضه كَتَبُوا إِلَيْهِمْ كِتَابًا وَلَمْ يَكْتُبُوا فِيهِ بَسْمَلَة فَلَمَّا نَزَلَتْ سُورَة بَرَاءَة بِنَقْضِ الْعَهْد الَّذِي كَانَ بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ بَعَثَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي الْمَوْسِم وَلَمْ يُبَسْمِل فِي ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتهمْ فِي نَقْض الْعَهْد مِنْ تَرْك الْبَسْمَلَة.
[ وَقَوْل ثَانٍ ] رَوَى النَّسَائِيّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ حَدَّثَنَا عَوْف قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيد الرَّقَاشِيّ قَالَ : قَالَ لَنَا اِبْن عَبَّاس : قُلْت لِعُثْمَان مَا حَمَلَكُمْ إِلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى [ الْأَنْفَال ] وَهِيَ مِنْ الْمَثَانِي وَإِلَى [ بَرَاءَة ] وَهِيَ مِنْ الْمِئِين فَقَرَنْتُمْ بَيْنهمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْع الطُّوَل فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ عُثْمَان : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْء يَدْعُو بَعْض مَنْ يَكْتُب عِنْده فَيَقُول :( ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَة الَّتِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا ).
وَتَنْزِل عَلَيْهِ الْآيَات فَيَقُول :( ضَعُوا هَذِهِ الْآيَات فِي السُّورَة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا كَذَا وَكَذَا ).
وَكَانَتْ [ الْأَنْفَال ] مِنْ أَوَائِل مَا أُنْزِلَ، وَ [ بَرَاءَة ] مِنْ آخِر الْقُرْآن وَكَانَتْ قِصَّتهَا شَبِيهَة بِقِصَّتِهَا وَقُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّن لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْت بَيْنهمَا وَلَمْ أَكْتُب بَيْنهمَا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَخَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن.
[ وَقَوْل ثَالِث ] رُوِيَ عَنْ عُثْمَان أَيْضًا.
وَقَالَ مَالِك فِيمَا رَوَاهُ اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم وَابْن عَبْد الْحَكَم : إِنَّهُ لَمَّا سَقَطَ أَوَّلهَا سَقَطَ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم مَعَهُ.
فَصْل فِي أَسْمَائِهَا
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : سَأَلْت اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَنْ سُورَة بَرَاءَة فَقَالَ : تِلْكَ الْفَاضِحَة مَا زَالَ يَنْزِل : وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حَتَّى خِفْنَا أَلَّا تَدَع أَحَدًا.
قَالَ الْقُشَيْرِيّ أَبُو نَصْر عَبْد الْحَمِيد : هَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ فِي غَزْوَة تَبُوك وَنَزَلَتْ بَعْدهَا.
وَفِي أَوَّلهَا نَبْذ عُهُود الْكُفَّار إِلَيْهِمْ.
وَفِي السُّورَة كَشْف أَسْرَار الْمُنَافِقِينَ.
وَتُسَمَّى الْفَاضِحَة وَالْبَحُوث، لِأَنَّهَا تَبْحَث عَنْ أَسْرَار الْمُنَافِقِينَ وَتُسَمَّى الْمُبَعْثِرَة، وَالْبَعْثَرَة : الْبَحْث.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي سَبَب سُقُوط الْبَسْمَلَة مِنْ أَوَّل هَذِهِ السُّورَة عَلَى أَقْوَال خَمْسَة :[ الْأَوَّل ] أَنَّهُ قِيلَ كَانَ مِنْ شَأْن الْعَرَب فِي زَمَانهَا فِي الْجَاهِلِيَّة إِذَا كَانَ بَيْنهمْ وَبَيْن قَوْم عَهْد فَإِذَا أَرَادُوا نَقْضه كَتَبُوا إِلَيْهِمْ كِتَابًا وَلَمْ يَكْتُبُوا فِيهِ بَسْمَلَة فَلَمَّا نَزَلَتْ سُورَة بَرَاءَة بِنَقْضِ الْعَهْد الَّذِي كَانَ بَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكِينَ بَعَثَ بِهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي الْمَوْسِم وَلَمْ يُبَسْمِل فِي ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتهمْ فِي نَقْض الْعَهْد مِنْ تَرْك الْبَسْمَلَة.
[ وَقَوْل ثَانٍ ] رَوَى النَّسَائِيّ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْمُثَنَّى عَنْ يَحْيَى بْن سَعِيد قَالَ حَدَّثَنَا عَوْف قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيد الرَّقَاشِيّ قَالَ : قَالَ لَنَا اِبْن عَبَّاس : قُلْت لِعُثْمَان مَا حَمَلَكُمْ إِلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى [ الْأَنْفَال ] وَهِيَ مِنْ الْمَثَانِي وَإِلَى [ بَرَاءَة ] وَهِيَ مِنْ الْمِئِين فَقَرَنْتُمْ بَيْنهمَا وَلَمْ تَكْتُبُوا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم وَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْع الطُّوَل فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ عُثْمَان : إِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْء يَدْعُو بَعْض مَنْ يَكْتُب عِنْده فَيَقُول :( ضَعُوا هَذَا فِي السُّورَة الَّتِي فِيهَا كَذَا وَكَذَا ).
وَتَنْزِل عَلَيْهِ الْآيَات فَيَقُول :( ضَعُوا هَذِهِ الْآيَات فِي السُّورَة الَّتِي يُذْكَر فِيهَا كَذَا وَكَذَا ).
وَكَانَتْ [ الْأَنْفَال ] مِنْ أَوَائِل مَا أُنْزِلَ، وَ [ بَرَاءَة ] مِنْ آخِر الْقُرْآن وَكَانَتْ قِصَّتهَا شَبِيهَة بِقِصَّتِهَا وَقُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّن لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا فَظَنَنْت أَنَّهَا مِنْهَا فَمِنْ ثَمَّ قَرَنْت بَيْنهمَا وَلَمْ أَكْتُب بَيْنهمَا سَطْر بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَخَرَّجَهُ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَقَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن.
[ وَقَوْل ثَالِث ] رُوِيَ عَنْ عُثْمَان أَيْضًا.
وَقَالَ مَالِك فِيمَا رَوَاهُ اِبْن وَهْب وَابْن الْقَاسِم وَابْن عَبْد الْحَكَم : إِنَّهُ لَمَّا سَقَطَ أَوَّلهَا سَقَطَ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم مَعَهُ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ اِبْن عَجْلَان أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُورَة [ بَرَاءَة ] كَانَتْ تَعْدِل الْبَقَرَة أَوْ قُرْبهَا فَذَهَبَ مِنْهَا فَلِذَلِكَ لَمْ يُكْتَب بَيْنهمَا بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَتْ مِثْل سُورَة الْبَقَرَة.
[ وَقَوْل رَابِع ] قَالَهُ خَارِجَة وَأَبُو عِصْمَة وَغَيْرهمَا.
قَالُوا : لَمَّا كَتَبُوا الْمُصْحَف فِي خِلَافَة عُثْمَان اِخْتَلَفَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضهمْ : بَرَاءَة وَالْأَنْفَال سُورَة وَاحِدَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ : هُمَا سُورَتَانِ.
فَتُرِكَتْ بَيْنهمَا فُرْجَة لِقَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّهُمَا سُورَتَانِ وَتُرِكَتْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم لِقَوْلِ مَنْ قَالَ هُمَا سُورَة وَاحِدَة فَرَضِيَ الْفَرِيقَانِ مَعًا وَثَبَتَتْ حُجَّتهمَا فِي الْمُصْحَف.
[ وَقَوْل خَامِس ] قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : سَأَلْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب لِمَ لَمْ يُكْتَب فِي بَرَاءَة بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ؟ قَالَ : لِأَنَّ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم أَمَان وَبَرَاءَة نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ لَيْسَ فِيهَا أَمَان.
وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ الْمُبَرِّد قَالَ : وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَع بَيْنهمَا فَإِنَّ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم رَحْمَة وَبَرَاءَة نَزَلَتْ سَخْطَة.
وَمِثْله عَنْ سُفْيَان.
قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : إِنَّمَا لَمْ تُكْتَب فِي صَدْر هَذِهِ السُّورَة بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم لِأَنَّ التَّسْمِيَة رَحْمَة وَالرَّحْمَة أَمَان وَهَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ وَبِالسَّيْفِ وَلَا أَمَان لِلْمُنَافِقِينَ.
وَالصَّحِيح أَنَّ التَّسْمِيَة لَمْ تُكْتَب لِأَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا نَزَلَ بِهَا فِي هَذِهِ السُّورَة قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَفِي قَوْل عُثْمَان : قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّن لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ السُّوَر كُلّهَا اِنْتَظَمَتْ بِقَوْلِهِ وَتَبْيِينه وَأَنَّ بَرَاءَة وَحْدهَا ضُمَّتْ إِلَى الْأَنْفَال مِنْ غَيْر عَهْد مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا عَاجَلَهُ مِنْ الْحِمَام قَبْل تَبْيِينه ذَلِكَ.
وَكَانَتَا تُدْعَيَانِ الْقَرِينَتَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ تُجْمَعَا وَتُضَمّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى لِلْوَصْفِ الَّذِي لَزِمَهُمَا مِنْ الِاقْتِرَان وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيّ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقِيَاس أَصْل فِي الدِّين أَلَا تَرَى إِلَى عُثْمَان وَأَعْيَان الصَّحَابَة كَيْفَ لَجَئُوا إِلَى قِيَاس الشَّبَه عِنْد عَدَم النَّصّ وَرَأَوْا أَنَّ قِصَّة [ بَرَاءَة ] شَبِيهَة بِقِصَّةِ [ الْأَنْفَال ] فَأَلْحَقُوهَا بِهَا ؟ فَإِذَا كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ دُخُول الْقِيَاس فِي تَأْلِيف الْقُرْآن فَمَا ظَنّك بِسَائِرِ الْأَحْكَام.
" بَرَاءَة " تَقُول : بَرِئْت مِنْ الشَّيْء أَبْرَأ بَرَاءَة فَأَنَا مِنْهُ بَرِيء إِذَا أَزَلْته عَنْ نَفْسك وَقَطَعْت سَبَب مَا بَيْنك وَبَيْنه.
و " بَرَاءَة " رَفْع عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر تَقْدِيره هَذِهِ بَرَاءَة.
وَيَصِحّ أَنْ تُرْفَع بِالِابْتِدَاءِ.
وَالْخَبَر فِي قَوْله :" إِلَى الَّذِينَ ".
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : كَانَتْ مِثْل سُورَة الْبَقَرَة.
[ وَقَوْل رَابِع ] قَالَهُ خَارِجَة وَأَبُو عِصْمَة وَغَيْرهمَا.
قَالُوا : لَمَّا كَتَبُوا الْمُصْحَف فِي خِلَافَة عُثْمَان اِخْتَلَفَ أَصْحَاب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ بَعْضهمْ : بَرَاءَة وَالْأَنْفَال سُورَة وَاحِدَة.
وَقَالَ بَعْضهمْ : هُمَا سُورَتَانِ.
فَتُرِكَتْ بَيْنهمَا فُرْجَة لِقَوْلِ مَنْ قَالَ أَنَّهُمَا سُورَتَانِ وَتُرِكَتْ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم لِقَوْلِ مَنْ قَالَ هُمَا سُورَة وَاحِدَة فَرَضِيَ الْفَرِيقَانِ مَعًا وَثَبَتَتْ حُجَّتهمَا فِي الْمُصْحَف.
[ وَقَوْل خَامِس ] قَالَ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس : سَأَلْت عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب لِمَ لَمْ يُكْتَب فِي بَرَاءَة بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم ؟ قَالَ : لِأَنَّ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم أَمَان وَبَرَاءَة نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ لَيْسَ فِيهَا أَمَان.
وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ الْمُبَرِّد قَالَ : وَلِذَلِكَ لَمْ يُجْمَع بَيْنهمَا فَإِنَّ بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم رَحْمَة وَبَرَاءَة نَزَلَتْ سَخْطَة.
وَمِثْله عَنْ سُفْيَان.
قَالَ سُفْيَان بْن عُيَيْنَة : إِنَّمَا لَمْ تُكْتَب فِي صَدْر هَذِهِ السُّورَة بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم لِأَنَّ التَّسْمِيَة رَحْمَة وَالرَّحْمَة أَمَان وَهَذِهِ السُّورَة نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ وَبِالسَّيْفِ وَلَا أَمَان لِلْمُنَافِقِينَ.
وَالصَّحِيح أَنَّ التَّسْمِيَة لَمْ تُكْتَب لِأَنَّ جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام مَا نَزَلَ بِهَا فِي هَذِهِ السُّورَة قَالَهُ الْقُشَيْرِيّ.
وَفِي قَوْل عُثْمَان : قُبِضَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُبَيِّن لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا دَلِيل عَلَى أَنَّ السُّوَر كُلّهَا اِنْتَظَمَتْ بِقَوْلِهِ وَتَبْيِينه وَأَنَّ بَرَاءَة وَحْدهَا ضُمَّتْ إِلَى الْأَنْفَال مِنْ غَيْر عَهْد مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا عَاجَلَهُ مِنْ الْحِمَام قَبْل تَبْيِينه ذَلِكَ.
وَكَانَتَا تُدْعَيَانِ الْقَرِينَتَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ تُجْمَعَا وَتُضَمّ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى لِلْوَصْفِ الَّذِي لَزِمَهُمَا مِنْ الِاقْتِرَان وَرَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيّ.
قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : هَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْقِيَاس أَصْل فِي الدِّين أَلَا تَرَى إِلَى عُثْمَان وَأَعْيَان الصَّحَابَة كَيْفَ لَجَئُوا إِلَى قِيَاس الشَّبَه عِنْد عَدَم النَّصّ وَرَأَوْا أَنَّ قِصَّة [ بَرَاءَة ] شَبِيهَة بِقِصَّةِ [ الْأَنْفَال ] فَأَلْحَقُوهَا بِهَا ؟ فَإِذَا كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ دُخُول الْقِيَاس فِي تَأْلِيف الْقُرْآن فَمَا ظَنّك بِسَائِرِ الْأَحْكَام.
" بَرَاءَة " تَقُول : بَرِئْت مِنْ الشَّيْء أَبْرَأ بَرَاءَة فَأَنَا مِنْهُ بَرِيء إِذَا أَزَلْته عَنْ نَفْسك وَقَطَعْت سَبَب مَا بَيْنك وَبَيْنه.
و " بَرَاءَة " رَفْع عَلَى خَبَر اِبْتِدَاء مُضْمَر تَقْدِيره هَذِهِ بَرَاءَة.
وَيَصِحّ أَنْ تُرْفَع بِالِابْتِدَاءِ.
وَالْخَبَر فِي قَوْله :" إِلَى الَّذِينَ ".
وَجَازَ الِابْتِدَاء بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهَا مَوْصُوفَة فَتَعَرَّفَتْ تَعْرِيفًا مَا وَجَازَ الْإِخْبَار عَنْهَا.
وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " بَرَاءَة " بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِير اِلْتَزِمُوا بَرَاءَة فَفِيهَا مَعْنَى الْإِغْرَاء.
وَهِيَ مَصْدَر عَلَى فَعَالَة كَالشَّنَاءَةِ وَالدَّنَاءَة.
وَقَرَأَ عِيسَى بْن عُمَر " بَرَاءَة " بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِير اِلْتَزِمُوا بَرَاءَة فَفِيهَا مَعْنَى الْإِغْرَاء.
وَهِيَ مَصْدَر عَلَى فَعَالَة كَالشَّنَاءَةِ وَالدَّنَاءَة.
إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
يَعْنِي إِلَى الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِلْعُقُودِ وَأَصْحَابه بِذَلِكَ كُلّهمْ رَاضُونَ فَكَأَنَّهُمْ عَاقَدُوا وَعَاهَدُوا فَنَسَبَ الْعَقْد إِلَيْهِمْ.
وَكَذَلِكَ مَا عَقَدَهُ أَئِمَّة الْكُفْر عَلَى قَوْمهمْ مَنْسُوب إِلَيْهِمْ مَحْسُوب عَلَيْهِمْ يُؤَاخَذُونَ بِهِ إِذْ لَا يُمْكِن غَيْر ذَلِكَ فَإِنَّ تَحْصِيل الرِّضَا مِنْ الْجَمِيع مُتَعَذِّر فَإِذَا عَقَدَ الْإِمَام لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَة أَمْرًا لَزِمَ جَمِيع الرَّعَايَا.
يَعْنِي إِلَى الَّذِينَ عَاهَدَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ الْمُتَوَلِّي لِلْعُقُودِ وَأَصْحَابه بِذَلِكَ كُلّهمْ رَاضُونَ فَكَأَنَّهُمْ عَاقَدُوا وَعَاهَدُوا فَنَسَبَ الْعَقْد إِلَيْهِمْ.
وَكَذَلِكَ مَا عَقَدَهُ أَئِمَّة الْكُفْر عَلَى قَوْمهمْ مَنْسُوب إِلَيْهِمْ مَحْسُوب عَلَيْهِمْ يُؤَاخَذُونَ بِهِ إِذْ لَا يُمْكِن غَيْر ذَلِكَ فَإِنَّ تَحْصِيل الرِّضَا مِنْ الْجَمِيع مُتَعَذِّر فَإِذَا عَقَدَ الْإِمَام لِمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَة أَمْرًا لَزِمَ جَمِيع الرَّعَايَا.
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" فَسِيحُوا " رَجَعَ مِنْ الْخَبَر إِلَى الْخِطَاب أَيْ قُلْ لَهُمْ سِيحُوا أَيْ سِيرُوا فِي الْأَرْض مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ آمَنِينَ غَيْر خَائِفِينَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِحَرْبٍ وَلَا سَلْب وَلَا قَتْل وَلَا أَسْر.
يُقَال سَاحَ فُلَان فِي الْأَرْض يَسِيح سِيَاحَة وَسُيُوحًا وَسَيَحَانًا وَمِنْهُ السَّيْح فِي الْمَاء الْجَارِي الْمُنْبَسِط وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد :
الثَّانِيَة : وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي كَيْفِيَّة هَذَا التَّأْجِيل وَفِي هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَرِئَ اللَّه مِنْهُمْ وَرَسُوله.
فَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَغَيْره : هُمَا صِنْفَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَحَدهمَا كَانَتْ مُدَّة عَهْده أَقَلّ مِنْ أَرْبَعَة أَشْهُر فَأُمْهِلَ تَمَام أَرْبَعَة أَشْهُر وَالْآخَر كَانَتْ مُدَّة عَهْده بِغَيْرِ أَجَل مَحْدُود فَقُصِرَ بِهِ عَلَى أَرْبَعَة أَشْهُر لِيَرْتَادَ لِنَفْسِهِ.
ثُمَّ هُوَ حَرْب بَعْد ذَلِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يُقْتَل حَيْثُ مَا أُدْرِكَ وَيُؤْسَر إِلَّا أَنْ يَتُوب وَابْتِدَاء هَذَا الْأَجَل يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر وَانْقِضَاؤُهُ إِلَى عَشْر مِنْ شَهْر رَبِيع الْآخَر فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد فَإِنَّمَا أَجَله اِنْسِلَاخ الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم وَذَلِكَ خَمْسُونَ يَوْمًا : عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّمَا كَانَتْ الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر لِمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد دُون أَرْبَعَة أَشْهُر وَمَنْ كَانَ عَهْده أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَة أَشْهُر فَهُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّه أَنْ يُتَمّ لَهُ عَهْده بِقَوْلِهِ " فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ إِلَى مُدَّتهمْ " [ التَّوْبَة : ٤ ] وَهَذَا اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ وَغَيْره.
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَهْل مَكَّة.
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ قُرَيْشًا عَام الْحُدَيْبِيَة، عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْب عَشْر سِنِينَ، يَأْمَن فِيهَا النَّاس وَيَكُفّ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، فَدَخَلَتْ خُزَاعَة فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ بَنُو بَكْر فِي عَهْد قُرَيْش، فَعَدَتْ بَنُو بَكْر عَلَى خُزَاعَة وَنَقَضُوا عَهْدهمْ.
فِيهِ ثَلَاث مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" فَسِيحُوا " رَجَعَ مِنْ الْخَبَر إِلَى الْخِطَاب أَيْ قُلْ لَهُمْ سِيحُوا أَيْ سِيرُوا فِي الْأَرْض مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ آمَنِينَ غَيْر خَائِفِينَ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِحَرْبٍ وَلَا سَلْب وَلَا قَتْل وَلَا أَسْر.
يُقَال سَاحَ فُلَان فِي الْأَرْض يَسِيح سِيَاحَة وَسُيُوحًا وَسَيَحَانًا وَمِنْهُ السَّيْح فِي الْمَاء الْجَارِي الْمُنْبَسِط وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد :
لَوْ خِفْت هَذَا مِنْك مَا نِلْتنِي | حَتَّى تَرَى خَيْلًا أَمَامِي تَسِيح |
فَقَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَغَيْره : هُمَا صِنْفَانِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَحَدهمَا كَانَتْ مُدَّة عَهْده أَقَلّ مِنْ أَرْبَعَة أَشْهُر فَأُمْهِلَ تَمَام أَرْبَعَة أَشْهُر وَالْآخَر كَانَتْ مُدَّة عَهْده بِغَيْرِ أَجَل مَحْدُود فَقُصِرَ بِهِ عَلَى أَرْبَعَة أَشْهُر لِيَرْتَادَ لِنَفْسِهِ.
ثُمَّ هُوَ حَرْب بَعْد ذَلِكَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يُقْتَل حَيْثُ مَا أُدْرِكَ وَيُؤْسَر إِلَّا أَنْ يَتُوب وَابْتِدَاء هَذَا الْأَجَل يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر وَانْقِضَاؤُهُ إِلَى عَشْر مِنْ شَهْر رَبِيع الْآخَر فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد فَإِنَّمَا أَجَله اِنْسِلَاخ الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الْحُرُم وَذَلِكَ خَمْسُونَ يَوْمًا : عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم.
وَقَالَ الْكَلْبِيّ : إِنَّمَا كَانَتْ الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر لِمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد دُون أَرْبَعَة أَشْهُر وَمَنْ كَانَ عَهْده أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَة أَشْهُر فَهُوَ الَّذِي أَمَرَ اللَّه أَنْ يُتَمّ لَهُ عَهْده بِقَوْلِهِ " فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ إِلَى مُدَّتهمْ " [ التَّوْبَة : ٤ ] وَهَذَا اِخْتِيَار الطَّبَرِيّ وَغَيْره.
وَذَكَرَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَمُجَاهِد وَغَيْرهمَا : أَنَّ هَذِهِ الْآيَة نَزَلَتْ فِي أَهْل مَكَّة.
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَ قُرَيْشًا عَام الْحُدَيْبِيَة، عَلَى أَنْ يَضَعُوا الْحَرْب عَشْر سِنِينَ، يَأْمَن فِيهَا النَّاس وَيَكُفّ بَعْضهمْ عَنْ بَعْض، فَدَخَلَتْ خُزَاعَة فِي عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَدَخَلَ بَنُو بَكْر فِي عَهْد قُرَيْش، فَعَدَتْ بَنُو بَكْر عَلَى خُزَاعَة وَنَقَضُوا عَهْدهمْ.
وَكَانَ سَبَب ذَلِكَ دَمًا كَانَ لِبَنِي بَكْر عِنْد خُزَاعَة قَبْل الْإِسْلَام بِمُدَّةٍ، فَلَمَّا كَانَتْ الْهُدْنَة الْمُنْعَقِدَة يَوْم الْحُدَيْبِيَة، أَمِنَ النَّاس بَعْضهمْ بَعْضًا، فَاغْتَنَمَ بَنُو الدَّيْل مِنْ بَنِي بَكْر - وَهُمْ الَّذِينَ كَانَ الدَّم لَهُمْ - تِلْكَ الْفُرْصَة وَغَفْلَة خُزَاعَة، وَأَرَادُوا إِدْرَاك ثَأْر بَنِي الْأَسْوَد بْن رزن، الَّذِينَ قَتَلَهُمْ خُزَاعَة، فَخَرَجَ نَوْفَل بْن مُعَاوِيَة الدَّيْلِيّ فِيمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ بَنِي بَكْر بْن عَبْد مَنَاة، حَتَّى بَيَّتُوا خُزَاعَة وَاقْتَتَلُوا، وَأَعَانَتْ قُرَيْش بَنِي بَكْر بِالسِّلَاحِ، وَقَوْم مِنْ قُرَيْش أَعَانُوهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ، فَانْهَزَمَتْ خُزَاعَة إِلَى الْحَرَم عَلَى مَا هُوَ مَشْهُور مَسْطُور، فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِلصُّلْحِ الْوَاقِع يَوْم الْحُدَيْبِيَة، فَخَرَجَ عَمْرو بْن سَالِم الْخُزَاعِيّ وَبُدَيْل بْن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ وَقَوْم مِنْ خُزَاعَة، فَقَدِمُوا عَلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَغِيثِينَ فِيمَا أَصَابَهُمْ بِهِ بَنُو بَكْر وَقُرَيْش، وَأَنْشَدَ عَمْرو بْن سَالِم فَقَالَ :
فَانْصُرْ هَدَاك اللَّه نَصْرًا عَتَدَا و/ وَادْعُ عِبَاد اللَّه يَأْتُوا مَدَدَا
فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا نُصِرْتُ إِنْ لَمْ أَنْصُر كَعْب ).
ثُمَّ نَظَرَ إِلَى سَحَابَة فَقَالَ :( إِنَّهَا لَتَسْتَهِلّ لِنَصْرِ بَنِي كَعْب ) يَعْنِي خُزَاعَة.
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبُدَيْل بْن وَرْقَاء وَمَنْ مَعَهُ :( إِنَّ أَبَا سُفْيَان سَيَأْتِي لِيَشُدّ الْعَقْد وَيَزِيد فِي الصُّلْح وَسَيَنْصَرِفُ بِغَيْرِ حَاجَة ).
فَنَدِمَتْ قُرَيْش عَلَى مَا فَعَلَتْ، فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَان إِلَى الْمَدِينَة لِيَسْتَدِيمَ الْعَقْد وَيَزِيد فِي الصُّلْح، فَرَجَعَ بِغَيْرِ حَاجَة كَمَا أَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مِنْ خَبَره.
وَتَجَهَّزَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة فَفَتَحَهَا اللَّه، وَذَلِكَ فِي سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة.
فَلَمَّا بَلَغَ هَوَازِن فَتْح مَكَّة جَمَعَهُمْ مَالِك بْن عَوْف النَّصْرِيّ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مَشْهُور مِنْ غَزَاة حُنَيْن.
وَسَيَأْتِي بَعْضهَا.
وَكَانَ الظَّفَر وَالنَّصْر لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ.
وَكَانَتْ وَقْعَة هَوَازِن يَوْم حُنَيْن فِي أَوَّل شَوَّال مِنْ السَّنَة الثَّامِنَة مِنْ الْهِجْرَة.
يَا رَبّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا | حِلْف أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا |
كُنْت لَنَا أَبًا وَكُنَّا وَلَدَا | ثُمَّتْ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِع يَدَا |
فِيهِمْ رَسُول اللَّه قَدْ تَجَرَّدَا | أَبْيَض مِثْل الشَّمْس يَنْمُو صُعُدَا |
إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهه تَرَبَّدَا | فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا |
إِنَّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا | وَنَقَضُوا مِيثَاقك الْمُؤَكَّدَا |
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْت تَدْعُو أَحَدَا | وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدَا |
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِير هُجَّدَا | وَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا |
ثُمَّ نَظَرَ إِلَى سَحَابَة فَقَالَ :( إِنَّهَا لَتَسْتَهِلّ لِنَصْرِ بَنِي كَعْب ) يَعْنِي خُزَاعَة.
وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبُدَيْل بْن وَرْقَاء وَمَنْ مَعَهُ :( إِنَّ أَبَا سُفْيَان سَيَأْتِي لِيَشُدّ الْعَقْد وَيَزِيد فِي الصُّلْح وَسَيَنْصَرِفُ بِغَيْرِ حَاجَة ).
فَنَدِمَتْ قُرَيْش عَلَى مَا فَعَلَتْ، فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَان إِلَى الْمَدِينَة لِيَسْتَدِيمَ الْعَقْد وَيَزِيد فِي الصُّلْح، فَرَجَعَ بِغَيْرِ حَاجَة كَمَا أَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مِنْ خَبَره.
وَتَجَهَّزَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّة فَفَتَحَهَا اللَّه، وَذَلِكَ فِي سَنَة ثَمَان مِنْ الْهِجْرَة.
فَلَمَّا بَلَغَ هَوَازِن فَتْح مَكَّة جَمَعَهُمْ مَالِك بْن عَوْف النَّصْرِيّ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مَشْهُور مِنْ غَزَاة حُنَيْن.
وَسَيَأْتِي بَعْضهَا.
وَكَانَ الظَّفَر وَالنَّصْر لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ.
وَكَانَتْ وَقْعَة هَوَازِن يَوْم حُنَيْن فِي أَوَّل شَوَّال مِنْ السَّنَة الثَّامِنَة مِنْ الْهِجْرَة.
وَتَرَكَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْم الْغَنَائِم مِنْ الْأَمْوَال وَالنِّسَاء، فَلَمْ يَقْسِمهَا حَتَّى أَتَى الطَّائِف، فَحَاصَرَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَة.
وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ.
وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيق وَرَمَاهُمْ بِهِ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مِنْ تِلْكَ الْغَزَاة.
ثُمَّ اِنْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْجِعْرَانَة، وَقَسَّمَ غَنَائِم حُنَيْن، عَلَى مَا هُوَ مَشْهُور مِنْ أَمْرهَا وَخَبَرهَا.
ثُمَّ اِنْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا، وَأَقَامَ الْحَجّ لِلنَّاسِ عَتَّاب بْن أُسَيْد فِي تِلْكَ السَّنَة.
وَهُوَ أَوَّل أَمِير أَقَامَ الْحَجّ فِي الْإِسْلَام.
وَحَجَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَشَاعِرهمْ.
وَكَانَ عَتَّاب بْن أُسَيْد خَيِّرًا فَاضِلًا وَرِعًا.
وَقَدِمَ كَعْب بْن زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَامْتَدَحَهُ، وَأَقَامَ عَلَى رَأْسه بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلهَا :
بَانَتْ سُعَاد فَقَلْبِي الْيَوْم مَتْبُول
وَأَنْشَدَهَا إِلَى آخِرهَا، وَذَكَرَ فِيهَا الْمُهَاجِرِينَ فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ - وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ قَدْ حُفِظَ لَهُ هِجَاء فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَابَ عَلَيْهِ الْأَنْصَار إِذْ لَمْ يَذْكُرهُمْ، فَغَدَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَصِيدَةٍ يَمْتَدِح فِيهَا الْأَنْصَار فَقَالَ :
ثُمَّ أَقَامَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْد اِنْصِرَافه مِنْ الطَّائِف ذَا الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم وَصَفَر وَرَبِيع الْأَوَّل وَرَبِيع الْآخَر وَجُمَادَى الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَة، وَخَرَجَ فِي رَجَب مِنْ سَنَة تِسْع بِالْمُسْلِمِينَ إِلَى غَزْوَة الرُّوم غَزْوَة تَبُوك.
وَهِيَ آخِر غَزْوَة غَزَاهَا.
قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد : لَمَّا اِنْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوك أَرَادَ الْحَجّ ثُمَّ قَالَ :( إِنَّهُ يَحْضُر الْبَيْت عُرَاة مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ فَلَا أُحِبّ أَنْ أَحُجّ حَتَّى لَا يَكُون ذَلِكَ ).
وَقِيلَ غَيْر ذَلِكَ.
وَنَصَبَ عَلَيْهِمْ الْمَنْجَنِيق وَرَمَاهُمْ بِهِ، عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف مِنْ تِلْكَ الْغَزَاة.
ثُمَّ اِنْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْجِعْرَانَة، وَقَسَّمَ غَنَائِم حُنَيْن، عَلَى مَا هُوَ مَشْهُور مِنْ أَمْرهَا وَخَبَرهَا.
ثُمَّ اِنْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا، وَأَقَامَ الْحَجّ لِلنَّاسِ عَتَّاب بْن أُسَيْد فِي تِلْكَ السَّنَة.
وَهُوَ أَوَّل أَمِير أَقَامَ الْحَجّ فِي الْإِسْلَام.
وَحَجَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى مَشَاعِرهمْ.
وَكَانَ عَتَّاب بْن أُسَيْد خَيِّرًا فَاضِلًا وَرِعًا.
وَقَدِمَ كَعْب بْن زُهَيْر بْن أَبِي سُلْمَى إِلَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَامْتَدَحَهُ، وَأَقَامَ عَلَى رَأْسه بِقَصِيدَتِهِ الَّتِي أَوَّلهَا :
بَانَتْ سُعَاد فَقَلْبِي الْيَوْم مَتْبُول
وَأَنْشَدَهَا إِلَى آخِرهَا، وَذَكَرَ فِيهَا الْمُهَاجِرِينَ فَأَثْنَى عَلَيْهِمْ - وَكَانَ قَبْل ذَلِكَ قَدْ حُفِظَ لَهُ هِجَاء فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَابَ عَلَيْهِ الْأَنْصَار إِذْ لَمْ يَذْكُرهُمْ، فَغَدَا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَصِيدَةٍ يَمْتَدِح فِيهَا الْأَنْصَار فَقَالَ :
مَنْ سَرَّهُ كَرَم الْحَيَاة فَلَا يَزَلْ | فِي مِقْنَب مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَار |
وَرِثُوا الْمَكَارِم كَابِرًا عَنْ كَابِر | إِنَّ الْخِيَار هُمُ بَنُو الْأَخْيَار |
الْمُكْرِهِينَ السَّمْهَرِيّ بِأَذْرُعٍ | كَسَوَافِل الْهِنْدِيّ غَيْر قِصَار |
وَالنَّاظِرِينَ بِأَعْيُنٍ مُحْمَرَّة | كَالْجَمْرِ غَيْر كَلِيلَة الْأَبْصَار |
وَالْبَائِعِينَ نُفُوسهمْ لِنَبِيِّهِمْ | لِلْمَوْتِ يَوْم تَعَانُق وَكِرَار |
يَتَطَهَّرُونَ يَرَوْنَهُ نُسُكًا لَهُمْ | بِدِمَاءِ مَنْ عَلِقُوا مِنْ الْكُفَّار |
دَرِبُوا كَمَا دَرِبْت بِبَطْنِ خَفِيَّة | غُلْب الرِّقَاب مِنْ الْأَسْوَد ضَوَار |
وَإِذَا حَلَلْت لِيَمْنَعُوك إِلَيْهِمْ | أَصْبَحْت عِنْد مَعَاقِل الْأَغْفَار |
ضَرَبُوا عَلِيًّا يَوْم بَدْر ضَرْبَة | دَانَتْ لِوَقْعَتِهَا جَمِيع نِزَار |
لَوْ يَعْلَم الْأَقْوَام عِلْمِي كُلّه | فِيهِمْ لَصَدَّقَنِي الَّذِينَ أُمَارِي |
قَوْم إِذَا خَوَتْ النُّجُوم فَإِنَّهُمْ | لِلطَّارِقِينَ النَّازِلِينَ مَقَارِي |
وَهِيَ آخِر غَزْوَة غَزَاهَا.
قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ مُجَاهِد : لَمَّا اِنْصَرَفَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوك أَرَادَ الْحَجّ ثُمَّ قَالَ :( إِنَّهُ يَحْضُر الْبَيْت عُرَاة مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ فَلَا أُحِبّ أَنْ أَحُجّ حَتَّى لَا يَكُون ذَلِكَ ).
فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْر أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ، وَبَعَثَ مَعَهُ بِأَرْبَعِينَ آيَة مِنْ صَدْر [ بَرَاءَة ] لِيَقْرَأهَا عَلَى أَهْل الْمَوْسِم.
فَلَمَّا خَرَجَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَقَالَ :( اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقُصَّة مِنْ صَدْر بَرَاءَة فَأَذِّنْ بِذَلِكَ فِي النَّاس إِذَا اِجْتَمَعُوا ).
فَخَرَجَ عَلِيّ عَلَى نَاقَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاء حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بِذِي الْحُلَيْفَة.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر لَمَّا رَآهُ : أَمِير أَوْ مَأْمُور ؟ فَقَالَ : بَلْ مَأْمُور ثُمَّ نَهَضَا، فَأَقَامَ أَبُو بَكْر لِلنَّاسِ الْحَجّ عَلَى مَنَازِلهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة.
فِي كِتَاب النَّسَائِيّ عَنْ جَابِر وَأَنَّ عَلِيًّا قَرَأَ عَلَى النَّاس [ بَرَاءَة ] حَتَّى خَتَمَهَا قَبْل يَوْم التَّرْوِيَة بِيَوْمٍ.
وَفِي يَوْم عَرَفَة وَفِي يَوْم النَّحْر عِنْد اِنْقِضَاء خُطْبَة أَبِي بَكْر فِي الثَّلَاثَة الْأَيَّام.
فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفْر الْأَوَّل قَامَ أَبُو بَكْر فَخَطَبَ النَّاس، فَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ يَنْفِرُونَ وَكَيْفَ يَرْمُونَ، يُعَلِّمهُمْ مَنَاسِكهمْ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ عَلِيّ فَقَرَأَ عَلَى النَّاس [ بَرَاءَة ] حَتَّى خَتَمَهَا.
وَقَالَ سُلَيْمَان بْن مُوسَى : لَمَّا خَطَبَ أَبُو بَكْر بِعَرَفَة قَالَ قُمْ يَا عَلِيّ فَأَدِّ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلِيّ فَفَعَلَ.
قَالَ : ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّ جَمِيع النَّاس لَمْ يُشَاهِدُوا خُطْبَة أَبِي بَكْر، فَجَعَلْت أَتَتَبَّع الْفَسَاطِيط يَوْم النَّحْر.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ زَيْد بْن يُثَيْع قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْء بُعِثْت فِي الْحَجّ ؟ قَالَ : بُعِثْت بِأَرْبَعٍ : أَلَّا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَهُوَ إِلَى مُدَّته، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد فَأَجَله أَرْبَعَة أَشْهُر، وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُؤْمِنَة، وَلَا يَجْتَمِع الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بَعْد عَامهمْ هَذَا.
قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ : فَكُنْت أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي.
قَالَ أَبُو عُمَر : بُعِثَ عَلِيّ لَيَنْبِذ إِلَى كُلّ ذِي عَهْد عَهْده، وَيَعْهَد إِلَيْهِمْ أَلَّا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك، وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان.
وَأَقَامَ الْحَجّ فِي ذَلِكَ الْعَام سَنَة تِسْع أَبُو بَكْر.
ثُمَّ حَجّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَابِل حَجَّته الَّتِي لَمْ يَحُجّ غَيْرهَا مِنْ الْمَدِينَة، فَوَقَعَتْ حَجَّته فِي ذِي الْحِجَّة فَقَالَ :
وَثَبَتَ الْحَجّ فِي ذِي الْحِجَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
وَذَكَرَ مُجَاهِد : أَنَّ أَبَا بَكْر حَجّ فِي ذِي الْقِعْدَة مِنْ سَنَة تِسْع.
فَلَمَّا خَرَجَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا وَقَالَ :( اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقُصَّة مِنْ صَدْر بَرَاءَة فَأَذِّنْ بِذَلِكَ فِي النَّاس إِذَا اِجْتَمَعُوا ).
فَخَرَجَ عَلِيّ عَلَى نَاقَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاء حَتَّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا بِذِي الْحُلَيْفَة.
فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْر لَمَّا رَآهُ : أَمِير أَوْ مَأْمُور ؟ فَقَالَ : بَلْ مَأْمُور ثُمَّ نَهَضَا، فَأَقَامَ أَبُو بَكْر لِلنَّاسِ الْحَجّ عَلَى مَنَازِلهمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّة.
فِي كِتَاب النَّسَائِيّ عَنْ جَابِر وَأَنَّ عَلِيًّا قَرَأَ عَلَى النَّاس [ بَرَاءَة ] حَتَّى خَتَمَهَا قَبْل يَوْم التَّرْوِيَة بِيَوْمٍ.
وَفِي يَوْم عَرَفَة وَفِي يَوْم النَّحْر عِنْد اِنْقِضَاء خُطْبَة أَبِي بَكْر فِي الثَّلَاثَة الْأَيَّام.
فَلَمَّا كَانَ يَوْم النَّفْر الْأَوَّل قَامَ أَبُو بَكْر فَخَطَبَ النَّاس، فَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ يَنْفِرُونَ وَكَيْفَ يَرْمُونَ، يُعَلِّمهُمْ مَنَاسِكهمْ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ عَلِيّ فَقَرَأَ عَلَى النَّاس [ بَرَاءَة ] حَتَّى خَتَمَهَا.
وَقَالَ سُلَيْمَان بْن مُوسَى : لَمَّا خَطَبَ أَبُو بَكْر بِعَرَفَة قَالَ قُمْ يَا عَلِيّ فَأَدِّ رِسَالَة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ عَلِيّ فَفَعَلَ.
قَالَ : ثُمَّ وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّ جَمِيع النَّاس لَمْ يُشَاهِدُوا خُطْبَة أَبِي بَكْر، فَجَعَلْت أَتَتَبَّع الْفَسَاطِيط يَوْم النَّحْر.
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ عَنْ زَيْد بْن يُثَيْع قَالَ : سَأَلْت عَلِيًّا بِأَيِّ شَيْء بُعِثْت فِي الْحَجّ ؟ قَالَ : بُعِثْت بِأَرْبَعٍ : أَلَّا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان، وَمَنْ كَانَ بَيْنه وَبَيْن النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْد فَهُوَ إِلَى مُدَّته، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْد فَأَجَله أَرْبَعَة أَشْهُر، وَلَا يَدْخُل الْجَنَّة إِلَّا نَفْس مُؤْمِنَة، وَلَا يَجْتَمِع الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بَعْد عَامهمْ هَذَا.
قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ : فَكُنْت أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي.
قَالَ أَبُو عُمَر : بُعِثَ عَلِيّ لَيَنْبِذ إِلَى كُلّ ذِي عَهْد عَهْده، وَيَعْهَد إِلَيْهِمْ أَلَّا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك، وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان.
وَأَقَامَ الْحَجّ فِي ذَلِكَ الْعَام سَنَة تِسْع أَبُو بَكْر.
ثُمَّ حَجّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَابِل حَجَّته الَّتِي لَمْ يَحُجّ غَيْرهَا مِنْ الْمَدِينَة، فَوَقَعَتْ حَجَّته فِي ذِي الْحِجَّة فَقَالَ :
( إِنَّ الزَّمَان قَدْ اِسْتَدَارَ | ) الْحَدِيث، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آيَة النَّسِيء بَيَانه. |
وَذَكَرَ مُجَاهِد : أَنَّ أَبَا بَكْر حَجّ فِي ذِي الْقِعْدَة مِنْ سَنَة تِسْع.
اِبْن الْعَرَبِيّ : وَكَانَتْ الْحِكْمَة فِي إِعْطَاء [ بَرَاءَة ] لِعَلِيٍّ أَنَّ بَرَاءَة تَضَمَّنَتْ نَقْض الْعَهْد الَّذِي كَانَ عَقَدَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ سِيرَة الْعَرَب أَلَّا يَحُلّ الْعَقْد إِلَّا الَّذِي عَقَدَهُ أَوْ رَجُل مِنْ أَهْل بَيْته، فَأَرَادَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْطَع أَلْسِنَة الْعَرَب بِالْحُجَّةِ، وَيُرْسِل اِبْن عَمّه الْهَاشِمِيّ مِنْ بَيْته يَنْقُض الْعَهْد، حَتَّى لَا يَبْقَى لَهُمْ مُتَكَلِّم.
قَالَ مَعْنَاهُ الزَّجَّاج.
الثَّالِثَة : قَالَ الْعُلَمَاء : وَتَضَمَّنَتْ الْآيَة جَوَاز قَطْع الْعَهْد بَيْننَا وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ.
وَلِذَلِكَ حَالَتَانِ : حَالَة تَنْقَضِي الْمُدَّة بَيْننَا وَبَيْنهمْ فَنُؤْذِنهُمْ بِالْحَرْبِ.
وَالْإِيذَان اِخْتِيَار.
وَالثَّانِيَة : أَنْ نَخَاف مِنْهُمْ غَدْرًا، فَنَنْبِذ إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ كَمَا سَبَقَ.
اِبْن عَبَّاس : وَالْآيَة مَنْسُوخَة فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ ثُمَّ نَبَذَ الْعَهْد لَمَّا أُمِرَ بِالْقِتَالِ.
قَالَ مَعْنَاهُ الزَّجَّاج.
الثَّالِثَة : قَالَ الْعُلَمَاء : وَتَضَمَّنَتْ الْآيَة جَوَاز قَطْع الْعَهْد بَيْننَا وَبَيْن الْمُشْرِكِينَ.
وَلِذَلِكَ حَالَتَانِ : حَالَة تَنْقَضِي الْمُدَّة بَيْننَا وَبَيْنهمْ فَنُؤْذِنهُمْ بِالْحَرْبِ.
وَالْإِيذَان اِخْتِيَار.
وَالثَّانِيَة : أَنْ نَخَاف مِنْهُمْ غَدْرًا، فَنَنْبِذ إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ كَمَا سَبَقَ.
اِبْن عَبَّاس : وَالْآيَة مَنْسُوخَة فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ ثُمَّ نَبَذَ الْعَهْد لَمَّا أُمِرَ بِالْقِتَالِ.
وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ
" وَأَذَان " الْأَذَان : الْإِعْلَام لُغَة مِنْ غَيْر خِلَاف.
وَهُوَ عَطْف عَلَى " بَرَاءَة ".
" إِلَى النَّاس " النَّاس هُنَا جَمِيع الْخَلْق.
" يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " ظَرْف، وَالْعَامِل فِيهِ " أَذَان ".
وَإِنْ كَانَ قَدْ وُصِفَ بِقَوْلِهِ :" مِنْ اللَّه "، فَإِنَّ رَائِحَة الْفِعْل فِيهِ بَاقِيَة، وَهِيَ عَامِلَة فِي الظُّرُوف.
وَقِيلَ : الْعَامِل فِيهِ " مُخْزِي " وَلَا يَصِحّ عَمَل " أَذَان "، لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ فَخَرَجَ عَنْ حُكْم الْفِعْل.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحَجّ الْأَكْبَر، فَقِيلَ : يَوْم عَرَفَة.
رُوِيَ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَطَاوُس وَمُجَاهِد.
وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ.
وَعَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضًا وَابْن مَسْعُود وَابْن أَبِي أَوْفَى وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة أَنَّهُ يَوْم النَّحْر.
وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ.
وَرَوَى اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْم النَّحْر فِي الْحَجَّة الَّتِي حَجَّ فِيهَا فَقَالَ :( أَيّ يَوْم هَذَا ) فَقَالُوا : يَوْم النَّحْر فَقَالَ :( هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر ).
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِيمَنْ يُؤَذِّن يَوْم النَّحْر بِمِنًى : لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان.
وَيَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر.
وَإِنَّمَا قِيلَ الْأَكْبَر مِنْ أَجْل قَوْل النَّاس : الْحَجّ الْأَصْغَر.
فَنَبَذَ أَبُو بَكْر إِلَى النَّاس فِي ذَلِكَ الْعَام، فَلَمْ يَحُجّ عَام حَجَّة الْوَدَاع الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِك.
وَقَالَ اِبْن أَبِي أَوْفَى : يَوْم النَّحْر يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر، يُهْرَاق فِيهِ الدَّم، وَيُوضَع فِيهِ الشَّعْر، وَيُلْقَى فِيهِ التَّفَث، وَتَحِلّ فِيهِ الْحُرُم.
وَهَذَا مَذْهَب مَالِك، لِأَنَّ يَوْم النَّحْر فِيهِ كَالْحَجِّ كُلّه، لِأَنَّ الْوُقُوف إِنَّمَا هُوَ لَيْلَته، وَالرَّمْي وَالنَّحْر وَالْحَلْق وَالطَّوَاف فِي صَبِيحَته.
اِحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ مَخْرَمَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم عَرَفَة ).
رَوَاهُ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَابْن جُرَيْج : الْحَجّ الْأَكْبَر أَيَّام مِنًى كُلّهَا.
وَهَذَا كَمَا يُقَال : يَوْم صِفِّينَ وَيَوْم الْجَمَل وَيَوْم بُعَاث، فَيُرَاد بِهِ الْحِين وَالزَّمَان لَا نَفْس الْيَوْم.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد : الْحَجّ الْأَكْبَر الْقِرَان، وَالْأَصْغَر الْإِفْرَاد.
وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْآيَة فِي شَيْء.
وَعَنْهُ وَعَنْ عَطَاء : الْحَجّ الْأَكْبَر الَّذِي فِيهِ الْوُقُوف بِعَرَفَة، وَالْأَصْغَر الْعُمْرَة.
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : أَيَّام الْحَجّ كُلّهَا.
وَقَالَ الْحَسَن وَعَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل : إِنَّمَا سُمِّيَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر لِأَنَّهُ حَجَّ ذَلِكَ الْعَام الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَاتَّفَقَتْ فِيهِ يَوْمئِذٍ أَعْيَاد الْمِلَل : الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس.
" وَأَذَان " الْأَذَان : الْإِعْلَام لُغَة مِنْ غَيْر خِلَاف.
وَهُوَ عَطْف عَلَى " بَرَاءَة ".
" إِلَى النَّاس " النَّاس هُنَا جَمِيع الْخَلْق.
" يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر " ظَرْف، وَالْعَامِل فِيهِ " أَذَان ".
وَإِنْ كَانَ قَدْ وُصِفَ بِقَوْلِهِ :" مِنْ اللَّه "، فَإِنَّ رَائِحَة الْفِعْل فِيهِ بَاقِيَة، وَهِيَ عَامِلَة فِي الظُّرُوف.
وَقِيلَ : الْعَامِل فِيهِ " مُخْزِي " وَلَا يَصِحّ عَمَل " أَذَان "، لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ فَخَرَجَ عَنْ حُكْم الْفِعْل.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي الْحَجّ الْأَكْبَر، فَقِيلَ : يَوْم عَرَفَة.
رُوِيَ عَنْ عُمَر وَعُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَطَاوُس وَمُجَاهِد.
وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ.
وَعَنْ عَلِيّ وَابْن عَبَّاس أَيْضًا وَابْن مَسْعُود وَابْن أَبِي أَوْفَى وَالْمُغِيرَة بْن شُعْبَة أَنَّهُ يَوْم النَّحْر.
وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيّ.
وَرَوَى اِبْن عُمَر أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْم النَّحْر فِي الْحَجَّة الَّتِي حَجَّ فِيهَا فَقَالَ :( أَيّ يَوْم هَذَا ) فَقَالُوا : يَوْم النَّحْر فَقَالَ :( هَذَا يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر ).
أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَخَرَّجَ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : بَعَثَنِي أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِيمَنْ يُؤَذِّن يَوْم النَّحْر بِمِنًى : لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان.
وَيَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم النَّحْر.
وَإِنَّمَا قِيلَ الْأَكْبَر مِنْ أَجْل قَوْل النَّاس : الْحَجّ الْأَصْغَر.
فَنَبَذَ أَبُو بَكْر إِلَى النَّاس فِي ذَلِكَ الْعَام، فَلَمْ يَحُجّ عَام حَجَّة الْوَدَاع الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْرِك.
وَقَالَ اِبْن أَبِي أَوْفَى : يَوْم النَّحْر يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر، يُهْرَاق فِيهِ الدَّم، وَيُوضَع فِيهِ الشَّعْر، وَيُلْقَى فِيهِ التَّفَث، وَتَحِلّ فِيهِ الْحُرُم.
وَهَذَا مَذْهَب مَالِك، لِأَنَّ يَوْم النَّحْر فِيهِ كَالْحَجِّ كُلّه، لِأَنَّ الْوُقُوف إِنَّمَا هُوَ لَيْلَته، وَالرَّمْي وَالنَّحْر وَالْحَلْق وَالطَّوَاف فِي صَبِيحَته.
اِحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ مَخْرَمَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :( يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر يَوْم عَرَفَة ).
رَوَاهُ إِسْمَاعِيل الْقَاضِي.
وَقَالَ الثَّوْرِيّ وَابْن جُرَيْج : الْحَجّ الْأَكْبَر أَيَّام مِنًى كُلّهَا.
وَهَذَا كَمَا يُقَال : يَوْم صِفِّينَ وَيَوْم الْجَمَل وَيَوْم بُعَاث، فَيُرَاد بِهِ الْحِين وَالزَّمَان لَا نَفْس الْيَوْم.
وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِد : الْحَجّ الْأَكْبَر الْقِرَان، وَالْأَصْغَر الْإِفْرَاد.
وَهَذَا لَيْسَ مِنْ الْآيَة فِي شَيْء.
وَعَنْهُ وَعَنْ عَطَاء : الْحَجّ الْأَكْبَر الَّذِي فِيهِ الْوُقُوف بِعَرَفَة، وَالْأَصْغَر الْعُمْرَة.
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : أَيَّام الْحَجّ كُلّهَا.
وَقَالَ الْحَسَن وَعَبْد اللَّه بْن الْحَارِث بْن نَوْفَل : إِنَّمَا سُمِّيَ يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر لِأَنَّهُ حَجَّ ذَلِكَ الْعَام الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ، وَاتَّفَقَتْ فِيهِ يَوْمئِذٍ أَعْيَاد الْمِلَل : الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس.
قَالَ اِبْن عَطِيَّة : وَهَذَا ضَعِيف أَنْ يَصِفهُ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابه بِالْأَكْبَرِ لِهَذَا.
وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : إِنَّمَا سُمِّيَ الْأَكْبَر لِأَنَّهُ حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْر وَنُبِذَتْ فِيهِ الْعُهُود.
وَهَذَا الَّذِي يُشْبِه نَظَر الْحَسَن.
وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع، وَحَجَّتْ مَعَهُ فِيهِ الْأُمَم.
وَعَنْ الْحَسَن أَيْضًا : إِنَّمَا سُمِّيَ الْأَكْبَر لِأَنَّهُ حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْر وَنُبِذَتْ فِيهِ الْعُهُود.
وَهَذَا الَّذِي يُشْبِه نَظَر الْحَسَن.
وَقَالَ اِبْن سِيرِينَ : يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر الْعَام الَّذِي حَجَّ فِيهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّة الْوَدَاع، وَحَجَّتْ مَعَهُ فِيهِ الْأُمَم.
أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ
" أَنَّ " بِالْفَتْحِ فِي مَوْضِع نَصْب.
وَالتَّقْدِير بِأَنَّ اللَّه.
وَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ قَدَّرَهُ بِمَعْنَى قَالَ إِنَّ اللَّه " بَرِيء " خَبَر إِنَّ.
" وَرَسُولُهُ " عَطْف عَلَى الْمَوْضِع، وَإِنْ شِئْت عَلَى الْمُضْمَر الْمَرْفُوع فِي " بَرِيء ".
كِلَاهُمَا حَسَن ; لِأَنَّهُ قَدْ طَالَ الْكَلَام.
وَإِنْ شِئْت عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف ; التَّقْدِير : وَرَسُوله بَرِيء مِنْهُمْ.
وَمَنْ قَرَأَ " وَرَسُوله " بِالنَّصْبِ - وَهُوَ الْحَسَن وَغَيْره - عَطَفَهُ عَلَى اِسْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى اللَّفْظ.
وَفِي الشَّوَاذّ " وَرَسُولِهِ " بِالْخَفْضِ عَلَى الْقَسَم، أَيْ وَحَقّ رَسُولِهِ ; وَرُوِيَتْ عَنْ الْحَسَن.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّة عُمَر فِيهَا أَوَّل الْكِتَاب.
" أَنَّ " بِالْفَتْحِ فِي مَوْضِع نَصْب.
وَالتَّقْدِير بِأَنَّ اللَّه.
وَمَنْ قَرَأَ بِالْكَسْرِ قَدَّرَهُ بِمَعْنَى قَالَ إِنَّ اللَّه " بَرِيء " خَبَر إِنَّ.
" وَرَسُولُهُ " عَطْف عَلَى الْمَوْضِع، وَإِنْ شِئْت عَلَى الْمُضْمَر الْمَرْفُوع فِي " بَرِيء ".
كِلَاهُمَا حَسَن ; لِأَنَّهُ قَدْ طَالَ الْكَلَام.
وَإِنْ شِئْت عَلَى الِابْتِدَاء وَالْخَبَر مَحْذُوف ; التَّقْدِير : وَرَسُوله بَرِيء مِنْهُمْ.
وَمَنْ قَرَأَ " وَرَسُوله " بِالنَّصْبِ - وَهُوَ الْحَسَن وَغَيْره - عَطَفَهُ عَلَى اِسْم اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى اللَّفْظ.
وَفِي الشَّوَاذّ " وَرَسُولِهِ " بِالْخَفْضِ عَلَى الْقَسَم، أَيْ وَحَقّ رَسُولِهِ ; وَرُوِيَتْ عَنْ الْحَسَن.
وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّة عُمَر فِيهَا أَوَّل الْكِتَاب.
فَإِنْ تُبْتُمْ
أَيْ عَنْ الشِّرْك.
أَيْ عَنْ الشِّرْك.
فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ
أَيْ أَنْفَع لَكُمْ.
أَيْ أَنْفَع لَكُمْ.
وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ
أَيْ عَنْ الْإِيمَان.
أَيْ عَنْ الْإِيمَان.
فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
أَيْ فَائِتِيهِ ; فَإِنَّهُ مُحِيط بِكُمْ وَمُنْزِل عِقَابه عَلَيْكُمْ.
أَيْ فَائِتِيهِ ; فَإِنَّهُ مُحِيط بِكُمْ وَمُنْزِل عِقَابه عَلَيْكُمْ.
إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
فِي مَوْضِع نَصْب بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِل، الْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا مِنْ الْمُعَاهِدِينَ فِي مُدَّة عَهْدهمْ.
وَقِيلَ : الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، أَيْ أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْهُمْ وَلَكِنَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ فَثَبَتُوا عَلَى الْعَهْد فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ.
فِي مَوْضِع نَصْب بِالِاسْتِثْنَاءِ الْمُتَّصِل، الْمَعْنَى : أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا مِنْ الْمُعَاهِدِينَ فِي مُدَّة عَهْدهمْ.
وَقِيلَ : الِاسْتِثْنَاء مُنْقَطِع، أَيْ أَنَّ اللَّه بَرِيء مِنْهُمْ وَلَكِنَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ فَثَبَتُوا عَلَى الْعَهْد فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدهمْ.
ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا
يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْل الْعَهْد مَنْ خَاسَ بِعَهْدِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ثَبَتَ عَلَى الْوَفَاء، فَأَذِنَ اللَّه سُبْحَانه لِنَبِيِّيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَقْضِ عَهْد مَنْ خَاسَ، وَأُمِرَ بِالْوَفَاءِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَى عَهْده إِلَى مُدَّته.
وَمَعْنَى " لَمْ يَنْقُصُوكُمْ " أَيْ مِنْ شُرُوط الْعَهْد شَيْئًا.
يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْل الْعَهْد مَنْ خَاسَ بِعَهْدِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ثَبَتَ عَلَى الْوَفَاء، فَأَذِنَ اللَّه سُبْحَانه لِنَبِيِّيهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَقْضِ عَهْد مَنْ خَاسَ، وَأُمِرَ بِالْوَفَاءِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَى عَهْده إِلَى مُدَّته.
وَمَعْنَى " لَمْ يَنْقُصُوكُمْ " أَيْ مِنْ شُرُوط الْعَهْد شَيْئًا.
وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا
لَمْ يُعَاوِنُوا.
وَقَرَأَ عِكْرِمَة وَعَطَاء بْن يَسَار " ثُمَّ لَمْ يَنْقُضُوكُمْ " بِالضَّادِ مُعْجَمَة عَلَى حَذْف مُضَاف، التَّقْدِير ثُمَّ لَمْ يَنْقُضُوا عَهْدهمْ.
يُقَال : إِنَّ هَذَا مَخْصُوص يُرَاد بِهِ بَنُو ضَمْرَة خَاصَّة.
لَمْ يُعَاوِنُوا.
وَقَرَأَ عِكْرِمَة وَعَطَاء بْن يَسَار " ثُمَّ لَمْ يَنْقُضُوكُمْ " بِالضَّادِ مُعْجَمَة عَلَى حَذْف مُضَاف، التَّقْدِير ثُمَّ لَمْ يَنْقُضُوا عَهْدهمْ.
يُقَال : إِنَّ هَذَا مَخْصُوص يُرَاد بِهِ بَنُو ضَمْرَة خَاصَّة.
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
أَيْ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَة أَشْهُر.
أَيْ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَر مِنْ أَرْبَعَة أَشْهُر.
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ
أَيْ خَرَجَ، وَسَلَخْت الشَّهْر إِذَا صِرْت فِي أَوَاخِر أَيَّامه، تَسْلَخهُ سَلْخًا وَسُلُوخًا بِمَعْنَى خَرَجْت مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّاعِر : ش إِذَا مَا سَلَخْت الشَّهْر أَهْلَلْت قَبْله و كَفَى قَاتِلًا سَلْخِي الشُّهُور وَإِهْلَالِي ش وَانْسَلَخَ الشَّهْر وَانْسَلَخَ النَّهَار مِنْ اللَّيْل الْمُقْبِل.
وَسَلَخَتْ الْمَرْأَة دِرْعهَا نَزَعَتْهُ وَفِي التَّنْزِيل :" وَآيَة لَهُمْ اللَّيْل نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَار " [ يس : ٣٧ ].
وَنَخْلَة مِسْلَاخ، وَهِيَ الَّتِي يَنْتَثِر بُسْرهَا أَخْضَر.
وَالْأَشْهُر الْحُرُم فِيهَا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ : قِيلَ هِيَ الْأَشْهُر الْمَعْرُوفَة، ثَلَاثَة سَرْد وَوَاحِد فَرْد.
قَالَ الْأَصَمّ : أُرِيد بِهِ مَنْ لَا عَقْد لَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَوْجَبَ أَنْ يُمْسَك عَنْ قِتَالهمْ حَتَّى يَنْسَلِخ الْحُرُم، وَهُوَ مُدَّة خَمْسِينَ يَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس، لِأَنَّ النِّدَاء كَانَ بِذَلِكَ يَوْم النَّحْر.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا.
وَقِيلَ : شُهُور الْعَهْد أَرْبَعَة، قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن إِسْحَاق وَابْن زَيْد وَعَمْرو بْن شُعَيْب.
وَقِيلَ لَهَا حُرُم لِأَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا دِمَاء الْمُشْرِكِينَ وَالتَّعَرُّض لَهُمْ إِلَّا عَلَى سَبِيل الْخَيْر.
أَيْ خَرَجَ، وَسَلَخْت الشَّهْر إِذَا صِرْت فِي أَوَاخِر أَيَّامه، تَسْلَخهُ سَلْخًا وَسُلُوخًا بِمَعْنَى خَرَجْت مِنْهُ.
وَقَالَ الشَّاعِر : ش إِذَا مَا سَلَخْت الشَّهْر أَهْلَلْت قَبْله و كَفَى قَاتِلًا سَلْخِي الشُّهُور وَإِهْلَالِي ش وَانْسَلَخَ الشَّهْر وَانْسَلَخَ النَّهَار مِنْ اللَّيْل الْمُقْبِل.
وَسَلَخَتْ الْمَرْأَة دِرْعهَا نَزَعَتْهُ وَفِي التَّنْزِيل :" وَآيَة لَهُمْ اللَّيْل نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَار " [ يس : ٣٧ ].
وَنَخْلَة مِسْلَاخ، وَهِيَ الَّتِي يَنْتَثِر بُسْرهَا أَخْضَر.
وَالْأَشْهُر الْحُرُم فِيهَا لِلْعُلَمَاءِ قَوْلَانِ : قِيلَ هِيَ الْأَشْهُر الْمَعْرُوفَة، ثَلَاثَة سَرْد وَوَاحِد فَرْد.
قَالَ الْأَصَمّ : أُرِيد بِهِ مَنْ لَا عَقْد لَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَوْجَبَ أَنْ يُمْسَك عَنْ قِتَالهمْ حَتَّى يَنْسَلِخ الْحُرُم، وَهُوَ مُدَّة خَمْسِينَ يَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرَهُ اِبْن عَبَّاس، لِأَنَّ النِّدَاء كَانَ بِذَلِكَ يَوْم النَّحْر.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا.
وَقِيلَ : شُهُور الْعَهْد أَرْبَعَة، قَالَهُ مُجَاهِد وَابْن إِسْحَاق وَابْن زَيْد وَعَمْرو بْن شُعَيْب.
وَقِيلَ لَهَا حُرُم لِأَنَّ اللَّه حَرَّمَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا دِمَاء الْمُشْرِكِينَ وَالتَّعَرُّض لَهُمْ إِلَّا عَلَى سَبِيل الْخَيْر.
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
عَامّ فِي كُلّ مُشْرِك، لَكِنَّ السُّنَّة خَصَّتْ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة [ الْبَقَرَة ] مِنْ اِمْرَأَة وَرَاهِب وَصَبِيّ وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ اللَّه تَعَالَى فِي أَهْل الْكِتَاب :" حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة ".
إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون لَفْظ الْمُشْرِكِينَ لَا يَتَنَاوَل أَهْل الْكِتَاب، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ مَنْع أَخْذ الْجِزْيَة مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان وَغَيْرهمْ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُطْلَق قَوْله :" اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ " يَقْتَضِي جَوَاز قَتْلهمْ بِأَيِّ وَجْه كَانَ، إِلَّا أَنَّ الْأَخْبَار وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَة.
وَمَعَ هَذَا فَيَجُوز أَنْ يَكُون الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين قَتَلَ أَهْل الرِّدَّة بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَبِالْحِجَارَةِ وَبِالرَّمْيِ مِنْ رُءُوس الْجِبَال، وَالتَّنْكِيس فِي الْآبَار، تَعَلَّقَ بِعُمُومِ الْآيَة.
وَكَذَلِكَ إِحْرَاق عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَوْمًا مِنْ أَهْل الرِّدَّة يَجُوز أَنْ يَكُون مَيْلًا إِلَى هَذَا الْمَذْهَب، وَاعْتِمَادًا عَلَى عُمُوم اللَّفْظ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
عَامّ فِي كُلّ مُشْرِك، لَكِنَّ السُّنَّة خَصَّتْ مِنْهُ مَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِي سُورَة [ الْبَقَرَة ] مِنْ اِمْرَأَة وَرَاهِب وَصَبِيّ وَغَيْرهمْ.
وَقَالَ اللَّه تَعَالَى فِي أَهْل الْكِتَاب :" حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة ".
إِلَّا أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يَكُون لَفْظ الْمُشْرِكِينَ لَا يَتَنَاوَل أَهْل الْكِتَاب، وَيَقْتَضِي ذَلِكَ مَنْع أَخْذ الْجِزْيَة مِنْ عَبَدَة الْأَوْثَان وَغَيْرهمْ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانه.
وَاعْلَمْ أَنَّ مُطْلَق قَوْله :" اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ " يَقْتَضِي جَوَاز قَتْلهمْ بِأَيِّ وَجْه كَانَ، إِلَّا أَنَّ الْأَخْبَار وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَة.
وَمَعَ هَذَا فَيَجُوز أَنْ يَكُون الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ حِين قَتَلَ أَهْل الرِّدَّة بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ، وَبِالْحِجَارَةِ وَبِالرَّمْيِ مِنْ رُءُوس الْجِبَال، وَالتَّنْكِيس فِي الْآبَار، تَعَلَّقَ بِعُمُومِ الْآيَة.
وَكَذَلِكَ إِحْرَاق عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَوْمًا مِنْ أَهْل الرِّدَّة يَجُوز أَنْ يَكُون مَيْلًا إِلَى هَذَا الْمَذْهَب، وَاعْتِمَادًا عَلَى عُمُوم اللَّفْظ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ
عَامّ فِي كُلّ مَوْضِع.
وَخَصَّ أَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْمَسْجِد الْحَرَام، كَمَا سَبَقَ فِي سُورَة " الْبَقَرَة " ثُمَّ اِخْتَلَفُوا، فَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : نَسَخَتْ هَذِهِ كُلَّ آيَة فِي الْقُرْآن فِيهَا ذِكْر الْإِعْرَاض وَالصَّبْر عَلَى أَذَى الْأَعْدَاء.
وَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ وَعَطَاء : هِيَ مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ :" فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء " [ مُحَمَّد : ٤ ].
وَأَنَّهُ لَا يُقْتَل أَسِير صَبْرًا، إِمَّا أَنْ يُمَنّ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يُفَادَى.
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : بَلْ هِيَ نَاسِخَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء " وَأَنَّهُ لَا يَجُوز فِي الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا الْقَتْل.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْآيَتَانِ مُحْكَمَتَانِ.
وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَنَّ الْمَنّ وَالْقَتْل وَالْفِدَاء لَمْ يَزَلْ مِنْ حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ مِنْ أَوَّل حَرْب حَارَبَهُمْ، وَهُوَ يَوْم بَدْر كَمَا سَبَقَ.
عَامّ فِي كُلّ مَوْضِع.
وَخَصَّ أَبُو حَنِيفَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْمَسْجِد الْحَرَام، كَمَا سَبَقَ فِي سُورَة " الْبَقَرَة " ثُمَّ اِخْتَلَفُوا، فَقَالَ الْحُسَيْن بْن الْفَضْل : نَسَخَتْ هَذِهِ كُلَّ آيَة فِي الْقُرْآن فِيهَا ذِكْر الْإِعْرَاض وَالصَّبْر عَلَى أَذَى الْأَعْدَاء.
وَقَالَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ وَعَطَاء : هِيَ مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ :" فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء " [ مُحَمَّد : ٤ ].
وَأَنَّهُ لَا يُقْتَل أَسِير صَبْرًا، إِمَّا أَنْ يُمَنّ عَلَيْهِ وَإِمَّا أَنْ يُفَادَى.
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة : بَلْ هِيَ نَاسِخَة لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" فَإِمَّا مَنًّا بَعْد وَإِمَّا فِدَاء " وَأَنَّهُ لَا يَجُوز فِي الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَّا الْقَتْل.
وَقَالَ اِبْن زَيْد : الْآيَتَانِ مُحْكَمَتَانِ.
وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَنَّ الْمَنّ وَالْقَتْل وَالْفِدَاء لَمْ يَزَلْ مِنْ حُكْم رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ مِنْ أَوَّل حَرْب حَارَبَهُمْ، وَهُوَ يَوْم بَدْر كَمَا سَبَقَ.
وَخُذُوهُمْ
وَالْأَخْذ هُوَ الْأَسْر.
وَالْأَسْر إِنَّمَا يَكُون لِلْقَتْلِ أَوْ الْفِدَاء أَوْ الْمَنّ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَام.
وَالْأَخْذ هُوَ الْأَسْر.
وَالْأَسْر إِنَّمَا يَكُون لِلْقَتْلِ أَوْ الْفِدَاء أَوْ الْمَنّ عَلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَام.
وَاحْصُرُوهُمْ
يُرِيد عَنْ التَّصَرُّف إِلَى بِلَادكُمْ وَالدُّخُول إِلَيْكُمْ، إِلَّا أَنْ تَأْذَنُوا لَهُمْ فَيَدْخُلُوا إِلَيْكُمْ بِأَمَانٍ.
يُرِيد عَنْ التَّصَرُّف إِلَى بِلَادكُمْ وَالدُّخُول إِلَيْكُمْ، إِلَّا أَنْ تَأْذَنُوا لَهُمْ فَيَدْخُلُوا إِلَيْكُمْ بِأَمَانٍ.
وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ
الْمَرْصَد : الْمَوْضِع الَّذِي يُرْقَب فِيهِ الْعَدُوّ، يُقَال : رَصَدْت فُلَانًا أَرْصُدهُ، أَيْ رَقَبْته.
أَيْ اُقْعُدُوا لَهُمْ فِي مَوَاضِع الْغِرَّة حَيْثُ يُرْصَدُونَ.
قَالَ عَامِر بْن الطُّفَيْل :
وَقَالَ عَدِيّ :
وَفِي هَذَا دَلِيل عَلَى جَوَاز اِغْتِيَالهمْ قَبْل الدَّعْوَة.
وَنَصْب " كُلّ " عَلَى الظَّرْف، وَهُوَ اِخْتِيَار الزَّجَّاج، وَيُقَال : ذَهَبْت طَرِيقًا وَذَهَبْت كُلّ طَرِيق.
أَوْ بِإِسْقَاطِ الْخَافِض، التَّقْدِير : فِي كُلّ مَرْصَد وَعَلَى كُلّ مَرْصَد، فَيُجْعَل الْمَرْصَد اِسْمًا لِلطَّرِيقِ.
وَخَطَّأَ أَبُو عَلِيٍّ الزَّجَّاجَ فِي جَعْله الطَّرِيق ظَرْفًا وَقَالَ : الطَّرِيق مَكَان مَخْصُوص كَالْبَيْتِ وَالْمَسْجِد، فَلَا يَجُوز حَذْف حَرْف الْجَرّ مِنْهُ إِلَّا فِيمَا وَرَدَ فِيهِ الْحَذْف سَمَاعًا، كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ : دَخَلْت الشَّام وَدَخَلْت الْبَيْت، وَكَمَا قِيلَ :
كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
الْمَرْصَد : الْمَوْضِع الَّذِي يُرْقَب فِيهِ الْعَدُوّ، يُقَال : رَصَدْت فُلَانًا أَرْصُدهُ، أَيْ رَقَبْته.
أَيْ اُقْعُدُوا لَهُمْ فِي مَوَاضِع الْغِرَّة حَيْثُ يُرْصَدُونَ.
قَالَ عَامِر بْن الطُّفَيْل :
وَلَقَدْ عَلِمْت وَمَا إِخَالك نَاسِيَا | أَنَّ الْمَنِيَّة لِلْفَتَى بِالْمَرْصَدِ |
أَعَاذِل إِنَّ الْجَهْل مِنْ لَذَّة الْفَتَى | وَإِنَّ الْمَنَايَا لِلنُّفُوسِ بِمَرْصَدِ |
وَنَصْب " كُلّ " عَلَى الظَّرْف، وَهُوَ اِخْتِيَار الزَّجَّاج، وَيُقَال : ذَهَبْت طَرِيقًا وَذَهَبْت كُلّ طَرِيق.
أَوْ بِإِسْقَاطِ الْخَافِض، التَّقْدِير : فِي كُلّ مَرْصَد وَعَلَى كُلّ مَرْصَد، فَيُجْعَل الْمَرْصَد اِسْمًا لِلطَّرِيقِ.
وَخَطَّأَ أَبُو عَلِيٍّ الزَّجَّاجَ فِي جَعْله الطَّرِيق ظَرْفًا وَقَالَ : الطَّرِيق مَكَان مَخْصُوص كَالْبَيْتِ وَالْمَسْجِد، فَلَا يَجُوز حَذْف حَرْف الْجَرّ مِنْهُ إِلَّا فِيمَا وَرَدَ فِيهِ الْحَذْف سَمَاعًا، كَمَا حَكَى سِيبَوَيْهِ : دَخَلْت الشَّام وَدَخَلْت الْبَيْت، وَكَمَا قِيلَ :
كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
فَإِنْ تَابُوا
أَيْ مِنْ الشِّرْك.
أَيْ مِنْ الشِّرْك.
وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
هَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَأَمُّل، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَّقَ الْقَتْل عَلَى الشِّرْك، ثُمَّ قَالَ :" فَإِنْ تَابُوا ".
وَالْأَصْل أَنَّ الْقَتْل مَتَى كَانَ الشِّرْك يَزُول بِزَوَالِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي زَوَال الْقَتْل بِمُجَرَّدِ التَّوْبَة، مِنْ غَيْر اِعْتِبَار إِقَامَة الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة، وَلِذَلِكَ سَقَطَ الْقَتْل بِمُجَرَّدِ التَّوْبَة قَبْل وَقْت الصَّلَاة وَالزَّكَاة.
وَهَذَا بَيِّن فِي هَذَا الْمَعْنَى، غَيْر أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ التَّوْبَة وَذَكَرَ مَعَهَا شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ، فَلَا سَبِيل إِلَى إِلْغَائِهِمَا.
نَظِيره قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابهمْ عَلَى اللَّه ).
وَقَالَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :( وَاَللَّه لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فَإِنَّ الزَّكَاة حَقّ الْمَال ) وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : رَحِمَ اللَّه أَبَا بَكْر مَا كَانَ أَفْقَهه.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَانْتَظَمَ الْقُرْآن وَالسُّنَّة وَاطَّرَدَا.
وَلَا خِلَاف بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة وَسَائِر الْفَرَائِض مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، وَمَنْ تَرَكَ السُّنَن مُتَهَاوِنًا فَسَقَ، وَمَنْ تَرَكَ النَّوَافِل لَمْ يُحَرَّج، إِلَّا أَنْ يَجْحَد فَضْلهَا فَيَكْفُر، لِأَنَّهُ يَصِير رَادًّا عَلَى الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام مَا جَاءَ بِهِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاة مِنْ غَيْر جَحْد لَهَا وَلَا اِسْتِحْلَال، فَرَوَى يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : سَمِعْت اِبْن وَهْب يَقُول قَالَ مَالِك : مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ وَأَبَى أَنْ يُصَلِّي قُتِلَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر وَجَمِيع أَصْحَاب الشَّافِعِيّ.
وَهُوَ قَوْل حَمَّاد بْن زَيْد وَمَكْحُول وَوَكِيع.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُسْجَن وَيُضْرَب وَلَا يُقْتَل، وَهُوَ قَوْل اِبْن شِهَاب وَبِهِ يَقُول دَاوُد بْن عَلِيّ.
وَمِنْ حُجَّتهمْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا ).
وَقَالُوا : حَقّهَا الثَّلَاث الَّتِي قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كُفْر بَعْد إِيمَان أَوْ زِنًى بَعْد إِحْصَان أَوْ قَتْل نَفْس بِغَيْرِ نَفْس ).
وَذَهَبَتْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاة وَاحِدَة مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُج وَقْتهَا لِغَيْرِ عُذْر، وَأَبَى مِنْ أَدَائِهَا وَقَضَائِهَا وَقَالَ لَا أُصَلِّي فَإِنَّهُ كَافِر، وَدَمه وَمَاله حَلَالَان، وَلَا يَرِثهُ وَرَثَته مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُسْتَتَاب، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَحُكْم مَاله كَحُكْمِ مَال الْمُرْتَدّ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاق.
هَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَأَمُّل، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّه تَعَالَى عَلَّقَ الْقَتْل عَلَى الشِّرْك، ثُمَّ قَالَ :" فَإِنْ تَابُوا ".
وَالْأَصْل أَنَّ الْقَتْل مَتَى كَانَ الشِّرْك يَزُول بِزَوَالِهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي زَوَال الْقَتْل بِمُجَرَّدِ التَّوْبَة، مِنْ غَيْر اِعْتِبَار إِقَامَة الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة، وَلِذَلِكَ سَقَطَ الْقَتْل بِمُجَرَّدِ التَّوْبَة قَبْل وَقْت الصَّلَاة وَالزَّكَاة.
وَهَذَا بَيِّن فِي هَذَا الْمَعْنَى، غَيْر أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ التَّوْبَة وَذَكَرَ مَعَهَا شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ، فَلَا سَبِيل إِلَى إِلْغَائِهِمَا.
نَظِيره قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَيُقِيمُوا الصَّلَاة وَيُؤْتُوا الزَّكَاة فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابهمْ عَلَى اللَّه ).
وَقَالَ أَبُو بَكْر الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّه عَنْهُ :( وَاَللَّه لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْن الصَّلَاة وَالزَّكَاة، فَإِنَّ الزَّكَاة حَقّ الْمَال ) وَقَالَ اِبْن عَبَّاس : رَحِمَ اللَّه أَبَا بَكْر مَا كَانَ أَفْقَهه.
وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : فَانْتَظَمَ الْقُرْآن وَالسُّنَّة وَاطَّرَدَا.
وَلَا خِلَاف بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاة وَسَائِر الْفَرَائِض مُسْتَحِلًّا كَفَرَ، وَمَنْ تَرَكَ السُّنَن مُتَهَاوِنًا فَسَقَ، وَمَنْ تَرَكَ النَّوَافِل لَمْ يُحَرَّج، إِلَّا أَنْ يَجْحَد فَضْلهَا فَيَكْفُر، لِأَنَّهُ يَصِير رَادًّا عَلَى الرَّسُول عَلَيْهِ السَّلَام مَا جَاءَ بِهِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاة مِنْ غَيْر جَحْد لَهَا وَلَا اِسْتِحْلَال، فَرَوَى يُونُس بْن عَبْد الْأَعْلَى قَالَ : سَمِعْت اِبْن وَهْب يَقُول قَالَ مَالِك : مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ وَأَبَى أَنْ يُصَلِّي قُتِلَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْر وَجَمِيع أَصْحَاب الشَّافِعِيّ.
وَهُوَ قَوْل حَمَّاد بْن زَيْد وَمَكْحُول وَوَكِيع.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : يُسْجَن وَيُضْرَب وَلَا يُقْتَل، وَهُوَ قَوْل اِبْن شِهَاب وَبِهِ يَقُول دَاوُد بْن عَلِيّ.
وَمِنْ حُجَّتهمْ قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أُمِرْت أَنْ أُقَاتِل النَّاس حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالهمْ إِلَّا بِحَقِّهَا ).
وَقَالُوا : حَقّهَا الثَّلَاث الَّتِي قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( لَا يَحِلّ دَم اِمْرِئٍ مُسْلِم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كُفْر بَعْد إِيمَان أَوْ زِنًى بَعْد إِحْصَان أَوْ قَتْل نَفْس بِغَيْرِ نَفْس ).
وَذَهَبَتْ جَمَاعَة مِنْ الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاة وَاحِدَة مُتَعَمِّدًا حَتَّى يَخْرُج وَقْتهَا لِغَيْرِ عُذْر، وَأَبَى مِنْ أَدَائِهَا وَقَضَائِهَا وَقَالَ لَا أُصَلِّي فَإِنَّهُ كَافِر، وَدَمه وَمَاله حَلَالَان، وَلَا يَرِثهُ وَرَثَته مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَيُسْتَتَاب، فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ، وَحُكْم مَاله كَحُكْمِ مَال الْمُرْتَدّ، وَهُوَ قَوْل إِسْحَاق.
قَالَ إِسْحَاق : وَكَذَلِكَ كَانَ رَأْي أَهْل الْعِلْم مِنْ لَدُنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى زَمَاننَا هَذَا.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مِنْدَاد : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا مَتَى يُقْتَل تَارِك الصَّلَاة، فَقَالَ بَعْضهمْ فِي آخِر الْوَقْت الْمُخْتَار، وَقَالَ بَعْضهمْ آخِر وَقْت الضَّرُورَة، وَهُوَ الصَّحِيح مِنْ ذَلِكَ.
وَذَلِكَ أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْت الْعَصْر أَرْبَع رَكَعَات إِلَى مَغِيب الشَّمْس، وَمِنْ اللَّيْل أَرْبَع رَكَعَات لِوَقْتِ الْعِشَاء، وَمِنْ الصُّبْح رَكْعَتَانِ قَبْل طُلُوع الشَّمْس.
وَقَالَ إِسْحَاق : وَذَهَاب الْوَقْت أَنْ يُؤَخِّر الظُّهْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس وَالْمَغْرِب إِلَى طُلُوع الْفَجْر.
هَذِهِ الْآيَة دَالَّة عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ : قَدْ تُبْت أَنَّهُ لَا يُجْتَزَأ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَنْضَاف إِلَى ذَلِكَ أَفْعَاله الْمُحَقِّقَة لِلتَّوْبَةِ، لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ شَرَطَ هُنَا مَعَ التَّوْبَة إِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة لِيُحَقِّق بِهِمَا التَّوْبَة.
وَقَالَ فِي آيَة الرِّبَا " وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوس أَمْوَالكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٧٩ ].
وَقَالَ :" إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا " [ الْبَقَرَة : ١٦٠ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذَا فِي سُورَة الْبَقَرَة.
وَقَالَ اِبْن خُوَيْز مِنْدَاد : وَاخْتَلَفَ أَصْحَابنَا مَتَى يُقْتَل تَارِك الصَّلَاة، فَقَالَ بَعْضهمْ فِي آخِر الْوَقْت الْمُخْتَار، وَقَالَ بَعْضهمْ آخِر وَقْت الضَّرُورَة، وَهُوَ الصَّحِيح مِنْ ذَلِكَ.
وَذَلِكَ أَنْ يَبْقَى مِنْ وَقْت الْعَصْر أَرْبَع رَكَعَات إِلَى مَغِيب الشَّمْس، وَمِنْ اللَّيْل أَرْبَع رَكَعَات لِوَقْتِ الْعِشَاء، وَمِنْ الصُّبْح رَكْعَتَانِ قَبْل طُلُوع الشَّمْس.
وَقَالَ إِسْحَاق : وَذَهَاب الْوَقْت أَنْ يُؤَخِّر الظُّهْر إِلَى غُرُوب الشَّمْس وَالْمَغْرِب إِلَى طُلُوع الْفَجْر.
هَذِهِ الْآيَة دَالَّة عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ : قَدْ تُبْت أَنَّهُ لَا يُجْتَزَأ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَنْضَاف إِلَى ذَلِكَ أَفْعَاله الْمُحَقِّقَة لِلتَّوْبَةِ، لِأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ شَرَطَ هُنَا مَعَ التَّوْبَة إِقَام الصَّلَاة وَإِيتَاء الزَّكَاة لِيُحَقِّق بِهِمَا التَّوْبَة.
وَقَالَ فِي آيَة الرِّبَا " وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوس أَمْوَالكُمْ " [ الْبَقَرَة : ٢٧٩ ].
وَقَالَ :" إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا " [ الْبَقَرَة : ١٦٠ ] وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى هَذَا فِي سُورَة الْبَقَرَة.
وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ
فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " أَيْ مِنْ الَّذِينَ أَمَرْتُك بِقِتَالِهِمْ.
" اِسْتَجَارَك " أَيْ سَأَلَ جِوَارك، أَيْ أَمَانك وَذِمَامك، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ لِيَسْمَع الْقُرْآن، أَيْ يَفْهَم أَحْكَامه وَأَوَامِره وَنَوَاهِيه.
فَإِنْ قَبِلَ أَمْرًا فَحَسَن، وَإِنْ أَبَى فَرَدَّهُ إِلَى مَأْمَنه.
وَهَذَا مَا لَا خِلَاف فِيهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ مَالِك : إِذَا وُجِدَ الْحَرْبِيّ فِي طَرِيق بِلَاد الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : جِئْت أَطْلُب الْأَمَان.
قَالَ مَالِك : هَذِهِ أُمُور مُشْتَبِهَة، وَأَرَى أَنْ يُرَدّ إِلَى مَأْمَنه.
وَقَالَ اِبْن قَاسِم : وَكَذَلِكَ الَّذِي يُوجَد وَقَدْ نَزَلَ تَاجِرًا بِسَاحِلِنَا فَيَقُول : ظَنَنْت أَلَّا تَعْرِضُوا لِمَنْ جَاءَ تَاجِرًا حَتَّى يَبِيع.
وَظَاهِر الْآيَة إِنَّمَا هِيَ فِيمَنْ يُرِيد سَمَاع الْقُرْآن وَالنَّظَر فِي الْإِسْلَام، فَأَمَّا الْإِجَارَة لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَر فِيمَا تَعُود عَلَيْهِمْ بِهِ مَنْفَعَته.
الثَّانِيَة : وَلَا خِلَاف بَيْن كَافَّة الْعُلَمَاء أَنَّ أَمَان السُّلْطَان جَائِز، لِأَنَّهُ مُقَدَّم لِلنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَة، نَائِب عَنْ الْجَمِيع فِي جَلْب الْمَنَافِع وَدَفْع الْمَضَارّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَمَان غَيْر الْخَلِيفَة، فَالْحُرّ يَمْضِي أَمَانه عِنْد كَافَّة الْعُلَمَاء.
إِلَّا أَنَّ اِبْن حَبِيب قَالَ : يَنْظُر الْإِمَام فِيهِ.
وَأَمَّا الْعَبْد فَلَهُ الْأَمَان فِي مَشْهُور الْمَذْهَب، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا أَمَان لَهُ، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِعُلَمَائِنَا.
وَالْأَوَّل أَصَحّ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ).
قَالُوا : فَلَمَّا قَالَ ( أَدْنَاهُمْ ) جَازَ أَمَان الْعَبْد، وَكَانَتْ الْمَرْأَة الْحُرَّة أَحْرَى بِذَلِكَ، وَلَا اِعْتِبَار بِعِلَّةِ ( لَا يُسْهَم لَهُ ).
وَقَالَ عَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُون : لَا يَجُوز أَمَان الْمَرْأَة إِلَّا أَنْ يُجِيزهُ الْإِمَام، فَشَذَّ بِقَوْلِهِ عَنْ الْجُمْهُور.
وَأَمَّا الصَّبِيّ فَإِذَا أَطَاقَ الْقِتَال جَازَ أَمَانه، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة الْمُقَاتِلَة، وَدَخَلَ فِي الْفِئَة الْحَامِيَة.
وَقَدْ ذَهَبَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ :" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ".
وَقَالَ الْحَسَن : هِيَ مُحْكَمَة سُنَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَقَالَهُ مُجَاهِد.
وَقِيلَ : هَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا كَانَ حُكْمهَا بَاقِيًا مُدَّة الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الَّتِي ضُرِبَتْ لَهُمْ أَجَلًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
فِيهِ أَرْبَع مَسَائِل : الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ " أَيْ مِنْ الَّذِينَ أَمَرْتُك بِقِتَالِهِمْ.
" اِسْتَجَارَك " أَيْ سَأَلَ جِوَارك، أَيْ أَمَانك وَذِمَامك، فَأَعْطِهِ إِيَّاهُ لِيَسْمَع الْقُرْآن، أَيْ يَفْهَم أَحْكَامه وَأَوَامِره وَنَوَاهِيه.
فَإِنْ قَبِلَ أَمْرًا فَحَسَن، وَإِنْ أَبَى فَرَدَّهُ إِلَى مَأْمَنه.
وَهَذَا مَا لَا خِلَاف فِيهِ.
وَاَللَّه أَعْلَم.
قَالَ مَالِك : إِذَا وُجِدَ الْحَرْبِيّ فِي طَرِيق بِلَاد الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ : جِئْت أَطْلُب الْأَمَان.
قَالَ مَالِك : هَذِهِ أُمُور مُشْتَبِهَة، وَأَرَى أَنْ يُرَدّ إِلَى مَأْمَنه.
وَقَالَ اِبْن قَاسِم : وَكَذَلِكَ الَّذِي يُوجَد وَقَدْ نَزَلَ تَاجِرًا بِسَاحِلِنَا فَيَقُول : ظَنَنْت أَلَّا تَعْرِضُوا لِمَنْ جَاءَ تَاجِرًا حَتَّى يَبِيع.
وَظَاهِر الْآيَة إِنَّمَا هِيَ فِيمَنْ يُرِيد سَمَاع الْقُرْآن وَالنَّظَر فِي الْإِسْلَام، فَأَمَّا الْإِجَارَة لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هِيَ لِمَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَر فِيمَا تَعُود عَلَيْهِمْ بِهِ مَنْفَعَته.
الثَّانِيَة : وَلَا خِلَاف بَيْن كَافَّة الْعُلَمَاء أَنَّ أَمَان السُّلْطَان جَائِز، لِأَنَّهُ مُقَدَّم لِلنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَة، نَائِب عَنْ الْجَمِيع فِي جَلْب الْمَنَافِع وَدَفْع الْمَضَارّ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَمَان غَيْر الْخَلِيفَة، فَالْحُرّ يَمْضِي أَمَانه عِنْد كَافَّة الْعُلَمَاء.
إِلَّا أَنَّ اِبْن حَبِيب قَالَ : يَنْظُر الْإِمَام فِيهِ.
وَأَمَّا الْعَبْد فَلَهُ الْأَمَان فِي مَشْهُور الْمَذْهَب، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْرِيّ وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد وَمُحَمَّد بْن الْحَسَن.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَة : لَا أَمَان لَهُ، وَهُوَ الْقَوْل الثَّانِي لِعُلَمَائِنَا.
وَالْأَوَّل أَصَحّ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ ).
قَالُوا : فَلَمَّا قَالَ ( أَدْنَاهُمْ ) جَازَ أَمَان الْعَبْد، وَكَانَتْ الْمَرْأَة الْحُرَّة أَحْرَى بِذَلِكَ، وَلَا اِعْتِبَار بِعِلَّةِ ( لَا يُسْهَم لَهُ ).
وَقَالَ عَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُون : لَا يَجُوز أَمَان الْمَرْأَة إِلَّا أَنْ يُجِيزهُ الْإِمَام، فَشَذَّ بِقَوْلِهِ عَنْ الْجُمْهُور.
وَأَمَّا الصَّبِيّ فَإِذَا أَطَاقَ الْقِتَال جَازَ أَمَانه، لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَة الْمُقَاتِلَة، وَدَخَلَ فِي الْفِئَة الْحَامِيَة.
وَقَدْ ذَهَبَ الضَّحَّاك وَالسُّدِّيّ إِلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَة مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ :" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ".
وَقَالَ الْحَسَن : هِيَ مُحْكَمَة سُنَّة إِلَى يَوْم الْقِيَامَة، وَقَالَهُ مُجَاهِد.
وَقِيلَ : هَذِهِ الْآيَة إِنَّمَا كَانَ حُكْمهَا بَاقِيًا مُدَّة الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر الَّتِي ضُرِبَتْ لَهُمْ أَجَلًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر : جَاءَ رَجُل مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب فَقَالَ : إِنْ أَرَادَ الرَّجُل مِنَّا أَنْ يَأْتِي مُحَمَّدًا بَعْد اِنْقِضَاء الْأَرْبَعَة الْأَشْهُر فَيَسْمَع كَلَام اللَّه أَوْ يَأْتِيه بِحَاجَةٍ قُتِلَ فَقَالَ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب : لَا، لِأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُول :" وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ اِسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه ".
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَالْآيَة مُحْكَمَة.
الثَّالِثَة : قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ أَحَد " " أَحَد " مَرْفُوع بِإِضْمَارِ فِعْل كَاَلَّذِي بَعْده.
وَهَذَا حَسَن فِي " إِنْ " وَقَبِيح فِي أَخَوَاتهَا.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ فِي الْفَرْق بَيْن " إِنْ " وَأَخَوَاتهَا، أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمّ حُرُوف الشَّرْط خُصَّتْ بِهَذَا، وَلِأَنَّهَا لَا تَكُون فِي غَيْره.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : أَمَّا قَوْله - لِأَنَّهَا لَا تَكُون فِي غَيْره - فَغَلَط، لِأَنَّهَا تَكُون بِمَعْنَى - مَا - وَمُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَلَكِنَّهَا مُبْهَمَة، وَلَيْسَ كَذَا غَيْرهَا.
وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
الرَّابِعَة : قَالَ الْعُلَمَاء : فِي قَوْله تَعَالَى :" حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه " دَلِيل عَلَى أَنَّ كَلَام اللَّه عَزَّ وَجَلَّ مَسْمُوع عِنْد قِرَاءَة الْقَارِئ، قَالَهُ الشَّيْخ أَبُو الْحَسَن وَالْقَاضِي أَبُو بَكْر وَأَبُو الْعَبَّاس الْقَلَانِسِيّ وَابْن مُجَاهِد وَأَبُو إِسْحَاق الْإِسْفِرَايِينِيّ وَغَيْرهمْ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :" حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه " فَنَصَّ عَلَى أَنَّ كَلَامه مَسْمُوع عِنْد قِرَاءَة الْقَارِئ لِكَلَامِهِ.
وَيَدُلّ عَلَيْهِ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْقَارِئ إِذَا قَرَأَ فَاتِحَة الْكِتَاب أَوْ سُورَة قَالُوا : سَمِعْنَا كَلَام اللَّه.
وَفَرَّقُوا بَيْن أَنْ يَقْرَأ كَلَام اللَّه تَعَالَى وَبَيْن أَنْ يَقْرَأ شِعْر اِمْرِئِ الْقَيْس.
وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة [ الْبَقَرَة ] مَعْنَى كَلَام اللَّه تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْت، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَالْآيَة مُحْكَمَة.
الثَّالِثَة : قَوْله تَعَالَى :" وَإِنْ أَحَد " " أَحَد " مَرْفُوع بِإِضْمَارِ فِعْل كَاَلَّذِي بَعْده.
وَهَذَا حَسَن فِي " إِنْ " وَقَبِيح فِي أَخَوَاتهَا.
وَمَذْهَب سِيبَوَيْهِ فِي الْفَرْق بَيْن " إِنْ " وَأَخَوَاتهَا، أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ أُمّ حُرُوف الشَّرْط خُصَّتْ بِهَذَا، وَلِأَنَّهَا لَا تَكُون فِي غَيْره.
وَقَالَ مُحَمَّد بْن يَزِيد : أَمَّا قَوْله - لِأَنَّهَا لَا تَكُون فِي غَيْره - فَغَلَط، لِأَنَّهَا تَكُون بِمَعْنَى - مَا - وَمُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَلَكِنَّهَا مُبْهَمَة، وَلَيْسَ كَذَا غَيْرهَا.
وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
لَا تَجْزَعِي إِنْ مُنْفِسًا أَهْلَكْته | وَإِذَا هَلَكْت فَعِنْد ذَلِكَ فَاجْزَعِي |
وَيَدُلّ عَلَيْهِ إِجْمَاع الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْقَارِئ إِذَا قَرَأَ فَاتِحَة الْكِتَاب أَوْ سُورَة قَالُوا : سَمِعْنَا كَلَام اللَّه.
وَفَرَّقُوا بَيْن أَنْ يَقْرَأ كَلَام اللَّه تَعَالَى وَبَيْن أَنْ يَقْرَأ شِعْر اِمْرِئِ الْقَيْس.
وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة [ الْبَقَرَة ] مَعْنَى كَلَام اللَّه تَعَالَى، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْت، وَالْحَمْد لِلَّهِ.
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ
كَيْفَ هُنَا لِلتَّعَجُّبِ، كَمَا تَقُول : كَيْفَ يَسْبِقنِي فُلَان أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْبِقنِي.
و " عَهْد " اِسْم يَكُون.
وَفِي الْآيَة إِضْمَار، أَيْ كَيْفَ يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَهْد مَعَ إِضْمَار الْغَدْر، كَمَا قَالَ :
التَّقْدِير : فَكَيْفَ مَاتَ، عَنْ الزَّجَّاج.
وَقِيلَ : الْمَعْنَى كَيْفَ يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَهْد عِنْد اللَّه يَأْمَنُونَ بِهِ عَذَابه غَدًا، وَكَيْفَ يَكُون لَهُمْ عِنْد رَسُوله عَهْد يَأْمَنُونَ بِهِ عَذَاب الدُّنْيَا.
ثُمَّ اِسْتَثْنَى فَقَالَ :" إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام ".
قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : هُمْ بَنُو بَكْر، أَيْ لَيْسَ الْعَهْد إِلَّا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا وَلَمْ يَنْكُثُوا.
كَيْفَ هُنَا لِلتَّعَجُّبِ، كَمَا تَقُول : كَيْفَ يَسْبِقنِي فُلَان أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْبِقنِي.
و " عَهْد " اِسْم يَكُون.
وَفِي الْآيَة إِضْمَار، أَيْ كَيْفَ يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَهْد مَعَ إِضْمَار الْغَدْر، كَمَا قَالَ :
وَخَبَّرْتُمَانِي إِنَّمَا الْمَوْت بِالْقُرَى | فَكَيْفَ وَهَاتَا هَضْبَة وَكَثِيب |
وَقِيلَ : الْمَعْنَى كَيْفَ يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَهْد عِنْد اللَّه يَأْمَنُونَ بِهِ عَذَابه غَدًا، وَكَيْفَ يَكُون لَهُمْ عِنْد رَسُوله عَهْد يَأْمَنُونَ بِهِ عَذَاب الدُّنْيَا.
ثُمَّ اِسْتَثْنَى فَقَالَ :" إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام ".
قَالَ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق : هُمْ بَنُو بَكْر، أَيْ لَيْسَ الْعَهْد إِلَّا لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَنْقُضُوا وَلَمْ يَنْكُثُوا.
فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ
أَيْ فَمَا أَقَامُوا عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِكُمْ فَأَقِيمُوا لَهُمْ عَلَى مِثْل ذَلِكَ.
اِبْن زَيْد : فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا فَضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا أَرْبَعَة أَشْهُر فَأَمَّا مَنْ لَا عَهْد لَهُ فَقَاتِلُوهُ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُ إِلَّا أَنْ يَتُوب.
أَيْ فَمَا أَقَامُوا عَلَى الْوَفَاء بِعَهْدِكُمْ فَأَقِيمُوا لَهُمْ عَلَى مِثْل ذَلِكَ.
اِبْن زَيْد : فَلَمْ يَسْتَقِيمُوا فَضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا أَرْبَعَة أَشْهُر فَأَمَّا مَنْ لَا عَهْد لَهُ فَقَاتِلُوهُ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُ إِلَّا أَنْ يَتُوب.
كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
أَعَادَ التَّعَجُّب مِنْ أَنْ يَكُون لَهُمْ عَهْد مَعَ خُبْث أَعْمَالهمْ، أَيْ كَيْفَ يَكُون لَهُمْ عَهْد وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّة.
يُقَال : ظَهَرْت عَلَى فُلَان أَيْ غَلَبْته، وَظَهَرْت الْبَيْت عَلَوْته، وَمِنْهُ " فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ " [ الْكَهْف : ٩٧ ] أَيْ يَعْلُوا عَلَيْهِ.
أَعَادَ التَّعَجُّب مِنْ أَنْ يَكُون لَهُمْ عَهْد مَعَ خُبْث أَعْمَالهمْ، أَيْ كَيْفَ يَكُون لَهُمْ عَهْد وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّة.
يُقَال : ظَهَرْت عَلَى فُلَان أَيْ غَلَبْته، وَظَهَرْت الْبَيْت عَلَوْته، وَمِنْهُ " فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ " [ الْكَهْف : ٩٧ ] أَيْ يَعْلُوا عَلَيْهِ.
لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ
" يَرْقُبُوا " يُحَافِظُوا.
وَالرَّقِيب الْحَافِظ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
" يَرْقُبُوا " يُحَافِظُوا.
وَالرَّقِيب الْحَافِظ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.
إِلًّا
عَهْدًا، عَنْ مُجَاهِد وَابْن زَيْد.
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : قَرَابَة.
الْحَسَن : جِوَارًا.
قَتَادَة : حِلْفًا، و " ذِمَّة " عَهْدًا.
أَبُو عُبَيْدَة : يَمِينًا.
وَعَنْهُ أَيْضًا : إِلَّا الْعَهْد، وَالذِّمَّة التَّذَمُّم.
الْأَزْهَرِيّ : اِسْم اللَّه بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَأَصْله مِنْ الْأَلِيل وَهُوَ الْبَرِيق، يُقَال أَلَّ لَوْنه يَؤُلّ أَلًّا، أَيْ صَفَا وَلَمَعَ.
وَقِيلَ : أَصْله مِنْ الْحِدَّة، وَمِنْهُ الْأَلَّة لِلْحَرْبَةِ، وَمِنْهُ أُذُن مُؤَلَّلَة أَيْ مُحَدَّدَة.
وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد يَصِف أُذُنَيْ نَاقَته بِالْحِدَّةِ وَالِانْتِصَاب.
فَإِذَا قِيلَ لِلْعَهْدِ وَالْجِوَار وَالْقَرَابَة " إِلّ " فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأُذُن تُصْرَف إِلَى تِلْكَ الْجِهَة، أَيْ تُحَدَّد لَهَا.
وَالْعَهْد يُسَمَّى " إِلًّا " لِصَفَائِهِ وَظُهُوره.
وَيُجْمَع فِي الْقِلَّة آلَالَ.
وَفِي الْكَثْرَة إِلَال.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْإِلّ بِالْكَسْرِ هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَالْإِلّ أَيْضًا الْعَهْد وَالْقَرَابَة.
قَالَ حَسَّان :
عَهْدًا، عَنْ مُجَاهِد وَابْن زَيْد.
وَعَنْ مُجَاهِد أَيْضًا : هُوَ اِسْم مِنْ أَسْمَاء اللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
اِبْن عَبَّاس وَالضَّحَّاك : قَرَابَة.
الْحَسَن : جِوَارًا.
قَتَادَة : حِلْفًا، و " ذِمَّة " عَهْدًا.
أَبُو عُبَيْدَة : يَمِينًا.
وَعَنْهُ أَيْضًا : إِلَّا الْعَهْد، وَالذِّمَّة التَّذَمُّم.
الْأَزْهَرِيّ : اِسْم اللَّه بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَأَصْله مِنْ الْأَلِيل وَهُوَ الْبَرِيق، يُقَال أَلَّ لَوْنه يَؤُلّ أَلًّا، أَيْ صَفَا وَلَمَعَ.
وَقِيلَ : أَصْله مِنْ الْحِدَّة، وَمِنْهُ الْأَلَّة لِلْحَرْبَةِ، وَمِنْهُ أُذُن مُؤَلَّلَة أَيْ مُحَدَّدَة.
وَمِنْهُ قَوْل طَرَفَة بْن الْعَبْد يَصِف أُذُنَيْ نَاقَته بِالْحِدَّةِ وَالِانْتِصَاب.
مُؤَلَّلَتَانِ تَعْرِف الْعِتْق فِيهِمَا | كَسَامِعَتَيْ شَاة بِحَوْمَل مُفْرَد |
وَالْعَهْد يُسَمَّى " إِلًّا " لِصَفَائِهِ وَظُهُوره.
وَيُجْمَع فِي الْقِلَّة آلَالَ.
وَفِي الْكَثْرَة إِلَال.
وَقَالَ الْجَوْهَرِيّ وَغَيْره : الْإِلّ بِالْكَسْرِ هُوَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، وَالْإِلّ أَيْضًا الْعَهْد وَالْقَرَابَة.
قَالَ حَسَّان :