تفسير سورة الزلزلة

زاد المسير
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب زاد المسير في علم التفسير المعروف بـزاد المسير .
لمؤلفه ابن الجوزي . المتوفي سنة 597 هـ
سورة الزلزلة وفيها قولان :
أحدهما : أنها مدنية، قاله ابن عباس، وقتادة، ومقاتل، والجمهور.
والثاني : مكية، قاله ابن مسعود، وجابر، وعطاء.

سورة الزّلزلة
وفيها قولان: أحدهما: أنها مدنيّة، قاله ابن عباس، وقتادة، ومقاتل، والجمهور. والثاني:
مكّيّة، قاله ابن مسعود، وعطاء وجابر.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الزلزلة (٩٩) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها (١) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها (٢) وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها (٣) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها (٤)
بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (٨)
قوله عزّ وجلّ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها أي: حُرِّكت حركةً شديدةً، وذلك عند قيام الساعة.
وقال مقاتل: تتزلزل من شدة صوت إسرافيل حتى يَنْكَسِرَ كلُّ ما عليها من شدة الزّلزلة ولا تسكن حتى تلقيَ ما على ظهرها من جبل، أو بناءٍ، أو شجر، ثم تتحرك وتضطرب، فتُخْرِج ما في جوفها. وفي وقت هذه الزلزلة قولان: أحدهما: أنها تكون في الدنيا، وهي من أشراط الساعة، قاله الأكثرون.
والثاني: أنها زلزلة يوم القيامة، قاله خارجة بن زيد في آخرين. قال الفراء: حدثني محمد بن مروان، قال: قلت للكلبي: أرأيت قول الله عزّ وجلّ: إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها؟ فقال: هذه بمنزلة قوله عزّ وجلّ: وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً «١» فأضيف المصدر إلى صاحبه. وأنت قائل في الكلام: لأُعطيَنَّكَ عَطِيَّتَكَ، تريد عطية. والزِّلزال بالكسر المصدر، وبالفتح: الاسم. وقد قرأ أبو العالية، وأبو عمران، وأبو حيوة والجحدريّ «زلزالها» بفتح الزاي.
قوله عزّ وجلّ: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها فيه قولان «٢» : أحدهما: ما فيها من الموتى، قاله ابن عباس. والثاني: كنوزها، قاله عطية. وجمع الفراء بين القولين، فقال: لفظت ما فيها من ذهب، أو فضّة أو ميت.
قوله عزّ وجلّ: وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها فيه قولان: أحدهما: أنه اسم جنس يعمّ الكافر والمؤمن،
(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٤٣: أي هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله واتقاه حقّ تقواه، وعبده كأنه يراه، وعلم أنه إن لم يره فإنه يراه. وقال ابن جرير رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٦٥٨: يقول: لمن خاف الله في الدنيا في سرّه وعلانيته، فاتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه.
(٢) نوح: ١٨.
477
وهذا قول من جعلها من أشراط الساعة، لأنها حين ابتدأت لم يعلم الكلُّ أنها من أشراط الساعة، فسأل بعضهم بعضاً حتى أيقنوا. والثاني: أنه الكافر خاصة، وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة، لأن المؤمن عارف بها فلا يسأل عنها، والكافر جاحد لها لأنه لا يؤمن بالبعث، فلذلك يسأل.
قوله عزّ وجلّ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها قال الزجاج: «يومئذ» منصوب بقوله عزّ وجلّ: إِذا زُلْزِلَتِ وَأَخْرَجَتِ ففي ذلك اليوم تحدِّث بأخبارها، أي: تخبر بما عمل عليها.
(١٥٦٠) وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنّ أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول: عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا.
قوله عزّ وجلّ: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها قال الفراء: تحدِّث أخبارها بوحي الله وإذنه لها. قال ابن عباس: أوحى لها، أي: أوحى إليها، وأذن لها أن تخبر بما عمل عليها. وقال أبو عبيدة: «لها» بمعنى «إليها». قال العجَّاج:
وحى لها القرار فاستقرّت قوله عزّ وجلّ: يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أي: يرجعون عن موقف الحساب أَشْتاتاً أي:
فِرَقاً. فأهل الإيمان على حدةٍ وأهل الكفر على حِدة لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ وقرأ أبو بكر الصديق، وعائشة، والجحدري: «لِيَروْا» بفتح الياء. قال ابن عباس: أي ليروا جزاء أعمالهم. فالمعنى: أنهم يرجعون عن الموقف فرقاً لينزلوا منازلهم من الجنة والنار. وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: تُحَدِّث أخبارها بأن ربَّك أوحى لها ليروا أعمالهم يومئذ يصدر الناس أشتاتاً. فعلى هذا: يرون ما عملوا من خير أو شر في موقف العرض.
يشبه الحسن، أخرجه الترمذي ٢٤٢٩ و ٣٣٥٣ والنسائي في «التفسير» ٧١٣ وأحمد ٢/ ٣٧٤ وابن حبان ٧٣٦٠ من طرق عن ابن المبارك عن يحيى بن أبي سليمان به. إسناده لين، رجاله ثقات سوى يحيى بن أبي سليمان. قال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث ليس بالقوي يكب حدثه، ووثقه ابن حبان والحاكم، وقال ابن عدي: هو ممن تكتب أحاديثه وإن كان بعضها غير محفوظ. وذكر له ابن عدي أحاديث فيها غرابة، وليس هذا منها، وقد روى عنه غير واحد من الثقات كشعبة وابن أبي ذئب وغيرهما، فالرجل غير متفق على ضعفه كما ترى، - وقال الحافظ في «التقريب» : لين الحديث، ولحديثه شواهد بمعناه.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح. وأخرجه الحاكم ٢/ ٥٣٢: من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ عن سعيد بن أبي أيوب به. وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤/ ٥٤٢ من طريق شعبة عن يحيى به. وصححه الحاكم، وقال الذهبي: يحيى هذا منكر الحديث قاله البخاري. قلت: أخذ الذهبي رحمه الله بالأشد، فقد تفرد البخاري بجرحه، في حين خالفه أبو حاتم فلينه، وابن حبان والحاكم فوثقاه. وله شاهد من حديث أنس، أخرجه البيهقي في «الشعب» ٧٢٩٦ لكنه من طريق رشدين بن سعد عن يحيى بن أبي سليمان، ورشدين واه، وهذا من أوهامه كونه عن أنس، والمحفوظ عن سليمان عن سعيد عن أبي هريرة. فهذا شاهد لا يفرح به. وله شاهد من حديث ربيعة الجرشي، أخرجه الطبراني ٤٥٩٦، وفيه ابن لهيعة ضعيف، وربيعة مختلف في صحبته، والجمهور على أن له صحبة. ويشهد لأصل معناه حديث مسلم ١٠١٣ والترمذي ٢٢٠٨ وابن حبان ٦٦٩٧ من حديث أبي هريرة- وقد ورد في تعليق ابن كثير رحمه الله السابق، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تقيء الأرض... » الحديث.
478
قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ قال المفسرون: من يعمل في الدنيا مثقال ذرة من الخير أو الشر يره، وقرأ أبان عن عاصم «ير» بضم الياء في الحرفين. وقد بَيَّنَّا معنى «الذَّرَّة» في سورة النساء وفي معنى هذه الرؤية قولان: أحدهما: أنه يراه في كتابه. والثاني: يرى جزاءه.
(١٥٦١) وذكر مقاتل: أنها نزلت في رجلين كانا بالمدينة، كان أحدهما يستقلُّ أن يعطيَ السائل الكِسْرة، أو التمرة، وكان الآخر يتهاون بالذّنب اليسير، فأنزل الله عزّ وجلّ هذا يُرَغِّبُهم في القليل من الخير، ويُحَذِّرهم اليسير من الشرّ.
عزاه المصنف لمقاتل، وهو ممن يضع الحديث، فخبره هذا لا شيء.
479
Icon