تفسير سورة الأنبياء

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الأنبياء من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الأنبياء مكية وهي مائة واثنتا عشرة آية، كوفية

﴿ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ ﴾ نزلت فى كفار مكة ﴿ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ ﴾ [آية: ١] لا يؤمنون به يعنى بالحساب يوم القيامة. ثم نعتهم، فقال سبحانه: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ ﴾ يعنى من بيان من ربهم يعنى القرآن ﴿ مُّحْدَثٍ ﴾ يقول: الذى يحدث الله، عز وجل، إلى النبى صلى الله عليه وسلم من القرآن لا محدث عند الله تعالى ﴿ إِلاَّ ٱسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [آية: ٢] يعنى لاهين عن القرآن.﴿ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ يعنى غافلة قلوبهم عنه ﴿ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَى ﴾ ﴿ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ فهو أبو جهل، والوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبى معيط، قالوا سراً فيما بينهم: ﴿ هَلْ هَـٰذَآ ﴾ يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم: ﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾ لا يفضلكم بشىء فتتبعونه ﴿ أَفَتَأْتُونَ ٱلسِّحْرَ ﴾ يعنى القرآن ﴿ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ٣] أنه سحر.﴿ قَالَ ﴾ لهم محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ رَبِّي يَعْلَمُ ٱلْقَوْلَ ﴾ يعنى السر الذى فيما بينهم ﴿ فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ﴾ لسرهم ﴿ ٱلْعَلِيمُ ﴾ [آية: ٤] به.﴿ بَلْ قَالُوۤاْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ ﴾ يعنى جماعات أحلام يعنون القرآن قالوا: هى أحلام كاذبة مختلطة يراها محمد صلى الله عليه وسلم فى المنام فيخبرنا بها، ثم قال: ﴿ بَلِ ٱفْتَرَاهُ ﴾ يعنون بل يخلق محمد صلى الله عليه وسلم القرآن من تلقاء نفسه، ثم قال: ﴿ بَلْ هُوَ ﴾ يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ شَاعِرٌ ﴾ فإن كان صادقاً ﴿ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَآ أُرْسِلَ ٱلأَوَّلُونَ ﴾ [آية: ٥] من الأنبياء، عليهم السلام، بالآيات إلى قومهم، كل هذا من قول هؤلاء النفر، كما أرسل موسى، وعيسى، وداود، وسليمان، عليهم السلام، بالآيات والعجائب. يقول الله عز وجل: ﴿ مَآ آمَنَتْ ﴾ يقول: ما صدقت بالآيات ﴿ قَبْلَهُمْ ﴾ يعنى قبل كفار مكة ﴿ مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ ﴾ بالعذاب فى الدنيا، يعنى كفار الأمم الخالية ﴿ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٦] يعنى كفار مكة أفهم يصدقون بالآيات، فقد كذبت بها الأمم الخالية من قبلهم، بأنهم لا يصدقون، ثم قالوا فى الفرقان:﴿ .. أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً.. ﴾[الفرقان: ٤١] يأكل ويشرب وترك الملائكة فلم يرسلهم.
فأنزل الله عز وجل فى قولهم ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَاسْئَلُوۤاْ ﴾ يا معشر كفار مكة ﴿ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ ﴾ يعنى مؤمنى أهل التوراة ﴿ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٧] إن الرسل كانوا من البشر فيسخبرونكم أن الله عز وجل ما بعث رسولاً إلا من البشر، ونزل فى قولهم: ﴿... أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً ﴾ يأكل ويشرب ويترك الملائكة فلا يرسلهم. فقال سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً ﴾ يعنى الأنبياء، عليهم السلام، والجسد الذى ليس فيه روح، كقوله سبحانه:﴿ .. عِجْلاً جَسَداً.. ﴾[طه: ٨٨] ﴿ لاَّ يَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ ﴾ ولا يشربون ولكن جعلناهم جسداً فيها أرواح، يأكلون الطعام، ويذوقون الموت، وذلك قوله سبحانه: ﴿ وَمَا كَانُواْ خَالِدِينَ ﴾ [آية: ٨] فى الدنيا.﴿ ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ ٱلْوَعْدَ ﴾ يعنى الرسل الوعد، يعنى العذاب فى الدنيا إلى قومهم ﴿ فَأَنجَيْنَاهُمْ ﴾ يعنى الرسل من العذاب ﴿ وَمَن نَّشَآءُ ﴾ من المؤمنين ﴿ وَأَهْلَكْنَا ٱلْمُسْرفِينَ ﴾ [آية: ٩] يقول: وعذبنا المشركين فى الدنيا، قال أبو محمد: قال أبو العباس ثعلب: قال الفراء: ﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً ﴾ إلا ليأكلوا الطعام.﴿ لَقَدْ أَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ ﴾ يا أهل مكة ﴿ كِتَاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ ﴾ يعنى شرفكم ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٠] مثل قوله تعالى:﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾[الزخرف: ٤٤] يعنى شرفاً لك ولقومك.﴿ وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ ﴾ يعنى أهلكنا من قرية بالعذاب فى الدنيا قبل أهل مكة ﴿ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا ﴾ يقول: وجعلنا بعد هلاك الأمم الخالية ﴿ قَوْماً آخَرِينَ ﴾ [آية: ١١] يعنى قوماً كانوا بالمين فى قرية تسمى حضور، وذلك أنهم قتلوا نبياً من الأنبياء، عليهم السلام، فسلط الله، عز وجل، جند بخت نصر فقتلوهم، كما سلط بخت نصر والروم على اليهود ببيت المقدس فقتلوهم، وسبوهم حين قتلوا يحيى بن زكريا وغيره من الأنبياء، عليهم السلام. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأْسَنَآ ﴾ يقول: فلما رأوا عذابنا أهل حضور ﴿ إِذَا هُمْ مِّنْهَا يَرْكُضُونَ ﴾ [آية: ١٢] يقول: إذاهم من القرية يهربون، قالت لهم الملائكة كهيئة الاستهزاء.﴿ لاَ تَرْكُضُواْ ﴾ يقول: لا تهربوا ﴿ وَٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ مَآ أُتْرِفْتُمْ فِيهِ ﴾ يعنى إلى ما خولتم فيه من الأموال ﴿ وَ ﴾ إلى ﴿ وَمَسَاكِنِكُمْ ﴾ يعنى قريتكم التى هربتم منها ﴿ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ﴾ [آية: ١٣] كما سئلتم الإيمان قبل نزول العذاب فلما رأوا العذاب ﴿ قَالُواْ يٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [آية: ١٤].
يقول الله عز وجل: ﴿ فَمَا زَالَت تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ﴾ يقول: فما زال الويل قولهم ﴿ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ ﴾ [آية: ١٥] يقول أطفأناهم بالسيف، فخمدوا مثل النار إذا طفئت فخمدت.
﴿ وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ ﴾ يعنى السموات السبع والأرضين السبع ﴿ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ من الخلق ﴿ لاَعِبِينَ ﴾ [آية: ١٦] يعني عابثين لغير شىء ولكن خلقناهما لأمر هو كائن.﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً ﴾ يعنى ولداً، وذلك أن نصارى نجران السيد والعاقب، ومن معهما، قالوا: عيسى ابن الله، فقال الله عز وجل: ﴿ لَوْ أَرَدْنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً ﴾ ﴿ لاَّتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّآ ﴾ يعنى من عندنا من الملائكة؛ لأنهم أطيب وأطهر من عيسى، ولم نتخذه من أهل الأرض، ثم قال سبحانه: ﴿ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [آية: ١٧] يقول: ما كنا فاعلين ذلك أن نتخذ ولداً، مثلها فى الزخرف.﴿ بَلْ نَقْذِفُ ﴾ بل نرمى ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ الذى قال الله عز وجل: ﴿ إِن كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ ﴿ عَلَى ٱلْبَاطِلِ ﴾ الذى قالوا: إن لله عز وجل ولداً ﴿ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ يعنى ذاهب ﴿ وَلَكُمُ ٱلْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [آية: ١٨] يقول: لكم الويل فى الآخرة مما تقولون من البهتان بأن لله ولداً.
قال سبحانه: ﴿ وَلَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ عبيده وفى ملكه، وعيسى بن مريم، وعزير، والملائكة وغيرهم، ثم قال سبحانه: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ ﴾ من الملائكة ﴿ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ يعنى لا يتكبرون ﴿ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ ﴾ [آية: ١٩] يعنى ولا يعيون، كقوله عز وجل:﴿ ... وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾[الملك: ٤] وهو معى، ثم قال تعالى ذكره: ﴿ يُسَبِّحُونَ ﴾ يعنى يذكرون الله عز وجل.﴿ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ ﴾ [آية: ٢٠] يقول: لا يستريحون من ذكر الله عز وجل ليست لهم فترة ولا سآمة.﴿ أَمِ ٱتَّخَذُوۤاْ آلِهَةً مِّنَ ٱلأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ ﴾ [آية: ٢١].
﴿ لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ ﴾ يعنى آلهة كثيرة ﴿ إِلاَّ ٱللَّهُ ﴾ يعنى غير الله عز وجل ﴿ لَفَسَدَتَا ﴾ يعنى لهلكتا يعنى السموات والأرض وما يبنهما ﴿ فَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [آية: ٢٢] نزه الرب نفسه، تبارك وتعالى، عن قولهم بأن مع الله، عز وجل إلهاً، ثم قال سبحانه: ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ يقول: لا يسأل الله تعالى عما يفعله فى خلقه ﴿ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [آية: ٢٣] يقول سبحانه، يسأل الله الملائكة فى الآخرة:﴿ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ ﴾[الفرقان: ١٧]؟ ويسألهم، ويقول للملائكة،﴿ أَهَـٰؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾[سبأ: ٤٠].
﴿ أَمِ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ ﴾ يعنى حجتكم، أن مع الله، عز وجل، إلهاً كما زعمتم ﴿ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ﴾ يقول: هذا القرآن فيه خبر من معى، وخبر من قبلى من الكتب، ليس فيه أن مع الله، عز وجل، إلهاً كما زعمتم ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْحَقَّ ﴾ يعنى التوحيد ﴿ فَهُمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٢٤] عنه عن التوحيد، كقوله عز وجل:﴿ بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ... ﴾[آية: الصافات: ٣٧] يعنى بالتوحيد.
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِيۤ إِلَيْهِ أَنَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنَاْ فَٱعْبُدُونِ ﴾ [آية: ٢٥] يعنى فوحدون.﴿ وَقَالُواْ ﴾ أى كفار مكة، منهم النضر بن الحارث ﴿ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً ﴾ قالوا: إن الملائكة بنات الله تعالى، فنزه الرب جل جلاله نفسه عن قولهم، فقال: ﴿ سُبْحَانَهُ بَلْ ﴾ هم يعنى الملائكة ﴿ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ ﴾ [آية: ٢٦] لعبادة ربهم، وليسوا ببنات الرحمن، ولكن الله أكرمهم بعبادته. ثم أخبر عن الملائكة، فقال: ﴿ لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ ﴾ يعنى الملائكة لا يسبقون ربهم بأمر، يقول: الملائكة لم تأمر كفار مكة بعبادتهم إياها، ثم قال: ﴿ وَهُمْ ﴾ يعنى الملائكة ﴿ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٢٧] يقول: لا تعمل الملائكة إلا بأمره، فأخبر الله عز وجل عن الملائكة أنهم عباد يخافون ربهم ويقدسونه ويعبدونه.﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾ يقول الرب عز وجل: يعلم ما كان قبل ان يخلق الملائكة، ويعلم ما كان بعد خلقهم ﴿ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ ﴾ يقول: لا تشفع الملائكة إلا لمن رضي الله أن يشفع له، يعنى من أهل التوحيد الذين لا يقولون إن الملائكة بنات الله عز وجل، لأن كفار مكة زعموا أن الملائكة تشفع لهم فى الآخرة إلى الله عز وجل، ثم قال سبحانه: - يعنى الملائكة: ﴿ وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ﴾ [آية: ٢٨] يعنى خائفين.
﴿ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ ﴾ يعنى من الملائكة ﴿ إِنِّيۤ إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ ﴾ يعنى من دون الله عز وجل ﴿ فَذٰلِكَ ﴾ يعنى فهذا الذى يقول: إنى إله من دونه ﴿ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٢٩] النار حين زعموا أن مع الله، عز وجل، إلهاً، ولم يقل ذلك أحد من الملائكة غير إبليس عدو الله رأس الكفر.﴿ أَوَلَمْ يَرَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ يقول: أو لم يعلم الذين كفروا من أهل مكة ﴿ أَنَّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً ﴾ يعنى ملتزقين، وذلك أن الله تبارك وتعالى أمر بخار الماء فارتفع، فخلق منه السموات السبع، فأبان إحداهما من الأخرى، فذلك قوله: ﴿ فَفَتَقْنَاهُمَا ﴾ ثم قال سبحانه: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ﴾ يقول: وجعلنا الماء حياة كل شىء يشرب الماء ﴿ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٣٠] يقول: أفلا يصدقون بتوحيد الله عز وجل مما يرون من صنعه.﴿ وَجَعَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴾ يعنى الجبال أرسيت فى الأرض، فأثبتت الأرض بالجبال ﴿ أَن تَمِيدَ بِهِمْ ﴾ لئلا تزول الأرض بهم ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا ﴾ يعنى فى الجبال ﴿ فِجَاجاً ﴾ يعنى كل شعب فى جبل فيه منذ ﴿ سُبُلاً ﴾ يعنى طرقاً ﴿ لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٣١] يقول: لكى يعرفوا طرقها.﴿ وَجَعَلْنَا ٱلسَّمَآءَ سَقْفاً ﴾ يعنى المرفوع ﴿ مَّحْفُوظاً ﴾ من الشياطين لئلا يسمعوا إلى كلام الملائكة، فيخبروا الناس.
﴿ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا ﴾ يعنى الشمس والقمر والنجوم وغيرها ﴿ مُعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٣٢] فلا يتفكرون فيما يرون من صنعه، عز وجل، فيوحدونه.﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [آية: ٣٣] يقول: يدخلان من قبل المغرب فيجريان تحت الأرض حتى يخرجا من قبل المشرق، ثم يجريان فى السماء إلى المغرب، فذلك قوله سبحانه: ﴿ كُلٌّ ﴾ يعنى الشمس والقمر ﴿ فِي فَلَكٍ ﴾ يعنى فى دوران ﴿ يَسْبَحُونَ ﴾ يعنى يجرون، فذلك دورانهما.﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ ﴾ وذلك أن قوماً قالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يموت، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ ﴾ يعني لنبي من الأنبياء ﴿ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ ﴾ فى الدنيا فلا يموت فيها، بل يموتون، فلما نزلت هذه الآية، قال النبى صلى الله عليه السلام: لجبريل عليه السلام" فمن يكون فى أمتى من بعدى "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ أَفَإِنْ مِّتَّ ﴾ يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ فَهُمُ ٱلْخَالِدُونَ ﴾ [آية: ٣٤] فإنهم يموتون أيضاً.
ثم قال عز وجل: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ﴾ يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وغيره ﴿ وَنَبْلُوكُم ﴾ يقول: ونختبركم ﴿ بِٱلشَّرِّ ﴾ يعنى بالشدة لتصبروا ﴿ وَ ﴾ بـ ﴿ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ تعنى بالرخاء لتشكروا فتنة، يقول: هما بلاء يبتليكم بهما ﴿ وَإِلَيْنَا ﴾ فى الآخرة ﴿ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٣٥] بعد الموت فنجزيكم بأعمالكم.﴿ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ يعنى أبا جهل ﴿ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً ﴾" وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على أبى سفيان بن حرب، وعلى أبى جهل بن هشام، فقال أبو جهل لأبي سفيان كالمستهزئ: انظروا إلى نبى بني عبد مناف. فقال أبو سفيان لأبى جهل حمية، وهو من بنى عبد شمس بن عبد مناف: وما ننكر أن يكون نبياً فى بنى عبد مناف، فسمع النبى صلى الله عليه وسلم قولهما، فقال لأبى جهل: " ما أراك منتهياً حتى ينزل الله عز وجل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان، فإنما قلت الذى قلت حمية "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَإِذَا رَآكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ ﴾ يعنى أبا جهل ﴿ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً ﴾ استهزاء. وقال أبو جهل حين رأى النبى صلى الله عليه وسلم: ﴿ أَهَـٰذَا ٱلَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ﴾ اللات والعزى ومناة بسوء يقول الله عز وجل: ﴿ وَهُمْ بِذِكْرِ ﴾ يعنى بتوحيد ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ [آية: ٣٦] وذلك أن أبا جهل قال: إن الرحمن مسيلمة بن حبيب الحنفى الكذاب.﴿ خُلِقَ ٱلإنْسَانُ ﴾ يعنى آدم أبو البشر ﴿ مِنْ عَجَلٍ ﴾ وذلك أن كفار قريش استعجلوا بالعذاب فى الدنيا من قبل أن يأتيهم تكذيباً به، كما استعجل آدم عليه السلام الجلوس من قبل أن تتم فيه الروح من قبل رأسه يوم الجمعة، فأراد أن يجلس من قبل أن تتم فيه الروح إلى قدميه، فلما بلغت الروح وسطه ونظر إلى حسن خلقه أراد أن يجلس ونصفه طين، فورث الناس كلهم العجلة من آدم، عليه السلام، لم تجد منفذاً فرجعت من أنفه فعطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فهذه أول كلمة تكلم بها. وبلغنا أن الله عز وجل رد عليه، فقال: لهذا خلقتك يرحمك ربك. فسبقت رحمته غضبه، فلما استعجل كفار مكة العذاب فى الدنيا نزلت: ﴿ خُلِقَ ٱلإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ لأنهم من ذريته يقول الله، عز وجل، لكفار مكة: فـ ﴿ سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي ﴾ يعنى عذابى القتل ﴿ فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ ﴾ [آية: ٣٧] يقول: فلا تعجلوا بالعذاب.﴿ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٣٨] وذلك أن كفار مكة قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: متى هذا العذاب الذى تعدنا، إن كنت صادقاً، يقولون ذلك مستهزئين تكذيباً بالعذاب.
فأنزل الله عز وجل ﴿ لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ من أهل مكة ﴿ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ وَلاَ عَن ظُهُورِهِمْ ﴾ وذلك أن أيديهم تغل إلى أعناقهم، وتجعل فى أعناقهم صخرة من الكبريت، فتشتعل النار فيها، فلا يستطيعون أن يتقوا النار إلا بوجوههم. فذلك قوله سبحانه:﴿ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ ﴾[الزمر: ٢٤] وذلك قوله: حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم لو علموا ذلك ما استعجلوابالعذاب، ثم قال سبحانه: ﴿ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ﴾ [آية: ٣٩] يقول: ولا هم يمنعون من العذاب. ثم قال تعالى: ﴿ بَلْ تَأْتِيهِم ﴾ الساعة ﴿ بَغْتَةً ﴾ يعنى فجأة ﴿ فَتَبْهَتُهُمْ ﴾ يقول: فتفجؤهم ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ﴾ يعنى أن يردوها ﴿ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ ﴾ [آية: ٤٠] يقول: ولا يناظر بهم العذاب حتى يعذبوا ﴿ وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ ﴾ كما استهزئ بك يا محمد، يعزى نبيه صلى الله عليه وسلم ليصبر على تكذيبهم إياه بالعذاب، وذلك أن مكذبى الأمم الخالية كذبوا رسلهم بأن العذاب ليس بنازل بهم فى الدنيا، فلما أخبر النبى صلى الله عليه وسلم كفار مكة استهزءوا منه تكذيباً بالعذاب. يقول الله عز وجل: ﴿ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ ﴾ يعنى فدار بهم ﴿ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا ﴾ يعنى الذى ﴿ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [آية: ٤١] بأنه غير نازل بهم.﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ يقول: من يحرسكم ﴿ بِٱلْلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ مِنَ ﴾ عذاب ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُّعْرِضُونَ ﴾ [آية: ٤٢] يعنى القرآن، معرضون عنه. ثم قال سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ نزلت فى الحارث بن قيس السهمى، وفيه نزلت أيضاً فى الفرقان:﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ... ﴾[الجاثية: ٢٣] فقال سبحانه: ﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ ﴿ تَمْنَعُهُم ﴾ من العذاب ﴿ مِّن دُونِنَا ﴾ يعنى من دون الله عز وجل فيها تقديم، ثم أخبر عن الآلهة، فقال تعالى: ﴿ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ ﴾ يقول: لا تستطيع الآلهة أن تمنع نفسها من سوء أريد بها، ثم قال سبحانه: ﴿ وَلاَ هُمْ ﴾ يعنى من يعبد الآلهة ﴿ مِّنَّا يُصْحَبُونَ ﴾ [آية: ٤٣] يعنى ولا هم منا يجارون، يقول الله تعالى: لا يجيرهم منى ولا يؤمنهم منى أحد.﴿ بَلْ مَتَّعْنَا هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ أَفَلاَ يَرَوْنَ ﴾ يعنى أفهلا يرون ﴿ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ ﴾ يعنى أرض مكة ﴿ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ ﴾ يعنى نغلبهم على ما حول أرض مكة ﴿ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ [آية: ٤٤] يعنى كفار مكة، أو النبى صلى الله عليه وسلم والمؤمنون؟ بل النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، رضى الله عنهم، هم الغالبون لهم، وربه محمود.
﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِٱلْوَحْيِ ﴾ بما فى القرآن من الوعيد.
﴿ وَلاَ يَسْمَعُ ﴾ يا محمد ﴿ ٱلصُّمُّ ٱلدُّعَآءَ ﴾ هذا مثل ضربه الله، عز وجل، للكافر يقول: إن الأصم إذا ناديته لم يسمع، فكذلك الكافر لا يسمع الوعيد والهدى ﴿ إِذَا مَا يُنذَرُونَ ﴾ [آية: ٤٥].
﴿ وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ ﴾ يقول: ولئن أصابتهم عقوبة ﴿ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يٰويْلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [آية: ٤٦].
﴿ وَنَضَعُ ﴾ الأعمال فى ﴿ ٱلْمَوَازِينَ ٱلْقِسْطَ ﴾ يعنى العدل ﴿ لِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ فجبريل، عليه السلام، يلى موازين أعمال بنى آدم ﴿ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً ﴾ يقول: لا ينقصون شيئاً من أعمالهم ﴿ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ ﴾ يعنى وزن حبة ﴿ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ﴾ يعنى جئنا بها، بالحبة ﴿ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [آية: ٤٧] يقول سبحانه: وكفى بنا من سرعة الحساب.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ ٱلْفُرْقَانَ ﴾ يعنى التوراة ﴿ وَضِيَآءً ﴾ يعنى ونوراً من الضلالة، يعنى التوراة ﴿ وَذِكْراً ﴾ يعنى وتفكراً ﴿ لَّلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٤٨] الشرك. ثم نعتهم، فقال سبحانه: ﴿ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ ﴾ فأطاعوه ولم يروه ﴿ وَهُمْ مِّنَ ٱلسَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ﴾ [آية: ٤٩] يعنى من القيامة خائفين.﴿ وَهَـٰذَا ﴾ القول ﴿ ذِكْرٌ ﴾ يعنى بيان ﴿ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ ﴾ يا أهل مكة ﴿ لَهُ مُنكِرُونَ ﴾ [آية: ٥٠] يقول سبحانه: لا تعرفونه فتؤمنون به.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَآ إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ ﴾ يقول: ولقد أعطينا إبراهيم هداه فى السر، وهو صغير من قبل موسى وهارون ﴿ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ﴾ [آية: ٥١] يقول الله عز وجل: وكنا بإبراهيم عالمين بطاعته لنا.﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ ﴾ آزر: ﴿ وَقَوْمِهِ مَا هَـٰذِهِ ٱلتَّمَاثِيلُ ٱلَّتِيۤ أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ﴾ [آية: ٥٢] تعبدونها.﴿ قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ ﴾ [آية: ٥٣].
﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم: ﴿ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٥٤].
﴿ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا ﴾ يا إبراهيم ﴿ بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ ﴾ [آية: ٥٥] قالوا: أجد هذا القول منك، أم لعب يا إبراهيم.﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم: ﴿ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ ﴾ يعنى الذى خلقهن.﴿ وَأَنَاْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ ﴾ يعنى على ما أقول لكم ﴿ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ ﴾ [آية: ٥٦] بأن ربكم الذى خلق السموات والأرض.﴿ وَتَٱللَّهِ ﴾ يقول والله.
﴿ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ بالسوء، يعنى أنه يكسرها، وهى اثنان وسبعون صنماً من ذهب وفضة، ونحاس، وحديد، وخشب ﴿ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾ [آية: ٥٧]، يعنى ذاهبين إلى عيدكم، وكان لهم عيد فى كل سنة يوماً واحداً، وكانوا إذا خرجوا قربوا إليها الطعام، ثم يسجدون لها ثم يخرجون، ثم إذا جاؤوا من عيدهم بدؤا بها، فسجدوا لها، ثم تفرقوا إلى منازلهم، فسمع قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام رجل منهم، حين قال: ﴿ وَتَٱللَّه لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾ فلما خرجوا دخل إبراهيم على الأصنام والطعام بين أيديها ﴿ فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً ﴾ يعنى قطعاً، كقوله سبحانه: ﴿... عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ يعنى غير مقطوع، ثم استثنى ﴿ إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ ﴾ يعنى أكبر الأصنام، فلم يقطعه، وهو من ذهب ولؤلؤ، وعيناه ياقوتتان حمراوان تتوقدان فى الظلمة، لهما بريق كبريق النار، وهو فى مقدم البيت، فلما كسرهم وضع الفأس بين يدي الصنم الأكبر، ثم قال: ﴿ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٥٨] يقول: إلى الصنم الأكبر يرجعون من عيدهم، فلما رجعوا من عيدهم دخلوا على الأصنام، فإذا هي مجذوذة ﴿ قَالُواْ ﴾ يعنى نمروذ بن كنعان وحده، هو الذى قال: ﴿ مَن فَعَلَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَآ إِنَّهُ لَمِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٥٩] لنا حين انتهك هذا منا، قال الرجل الذى كان يسمع قول إبراهيم عليه السلام حين قال: ﴿ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ [الأنبياء: ٥٧]: ﴿ قَالُواْ سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ﴾ بسوء، فذلك قوله يعنى الرجل وحده، قال: سمعت فتى يذكرهم بسوء، إضمار ﴿ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ﴾ [آية: ٦٠].
﴿ قَالُواْ ﴾ قال نمروذ الجبار: ﴿ فَأْتُواْ بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ ٱلنَّاسِ ﴾ يعنى على رءوس الناس ﴿ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ﴾ [آية: ٦١] عليه بفعله ويشهدون عقوبته، فلما جاءوا به ﴿ قَالُوۤاْ ﴾ قال نمروذ: ﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَـٰذَا بِآلِهَتِنَا يٰإِبْرَاهِيمُ ﴾ [آية: ٦٢] يعنى أنت كسرتها.﴿ قَالَ ﴾ إبراهيم: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَـٰذَا ﴾ يعنى أعظم الأصنام الذى فى يده الفأس، غضب حين سويتم بينه وبين الأصنام الصغار، فقطعها ﴿ فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ [آية: ٦٣] يقول: سلوا الأصنام المجذوذة من قطعها؟ إن قدروا على الكلام.﴿ فَرَجَعُوۤاْ إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ ﴾ فلاموها ﴿ فَقَالُوۤاْ ﴾ فقال بعضهم لبعض: ﴿ إِنَّكُمْ أَنتُمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ٦٤] لإبراهيم حين تزعمون أنه قطعها والفأس فى يد الصنم الأكبر، ثم قالوا بعد ذلك: كيف يكسرها وهو مثلها. فذلك قوله سبحانه: ﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ﴾ يقول: رجعوا عن قولهم الأول فقالوا لإبراهيم: ﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـٰؤُلاۤءِ يَنطِقُونَ ﴾ [آية: ٦٥] فتخبرنا من كسرها. حدثنا محمد؛ قال: حدثنا أبو القاسم، قال: الهذيل سمعت عبد القدوس، ولم أسمع مقاتلاً، يحدث عن الحسن ﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ ﴾ يعنى على الرؤساء والأشراف.﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم عند ذلك: ﴿ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ من الآلهة ﴿ مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ﴾ إن عبدتموهم ﴿ وَلاَ يَضُرُّكُمْ ﴾ [آية: ٦٦] إن لم تعبدوهم. ثم قال لهم إبراهيم: ﴿ أُفٍّ لَّكُمْ ﴾ يعنى بقوله: أفٍ لكم، الكلام الردئ ﴿ وَلِمَا تَعْبُدُونَ ﴾ من الأصنام ﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ عز وجل ﴿ أَفَلاَ ﴾ يعنى أفهلا ﴿ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦٧] أنها ليست بآلهة.﴿ قَالُواْ حَرِّقُوهُ ﴾ بالنار ﴿ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ ﴾ يقول: انتقموا منه ﴿ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ﴾ [آية: ٦٨] ذلك به، فألقوه فى النار، يعنى إبراهيم صلى الله عليه وسلم. ويقول الله، عز وجل: ﴿ قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً ﴾ من الحر ﴿ وَسَلاَمَا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [آية: ٦٩] يقول: وسلميه من البرد، ولو لم يقل: وسلاماً، لأهلكه بردها ﴿ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً ﴾ يعنى بإبراهيم حين خرج من النار، فلما نظر إليه الناس بادروا ليخبروا نمروذ، فجعل بعضهم يكلم بعضاً، فلا يفقهون كلامهم، فبلبل الله ألسنتهم على سبعين لغة، فمن ثم سميت بابل، وحجزهم الله عنه ﴿ فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَخْسَرِينَ ﴾ [آية: ٧٠].
﴿ وَنَجَّيْنَاهُ ﴾ يعنى إبراهيم ﴿ وَلُوطاً ﴾ من أرض كوثا، ومعهما سارة من شر نمروذ بن كنعان الجبار ﴿ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٧١] يعنى الناس إلى الأرض المقدسة، وبركتها الماء والشجر والنبت.﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ ﴾ يعنى لإبراهيم ﴿ إِسْحَاقَ ﴾ ثم قال: ﴿ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ﴾ يعنى فضلاً على مسألته فى إسحاق ﴿ وَكُلاًّ جَعَلْنَا ﴾ يعني إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب جعلناهم ﴿ صَالِحِينَ ﴾ [آية: ٧٢].
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ يقول: جعلناهم قادة للخير يدعون الناس إلى أمر الله، عز وجل: ﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ ﴾ يعنى الأعمال الصالحة.
﴿ وَإِقَامَ ٱلصَّلاَة ﴾ ﴿ وَإِيتَآءَ ٱلزَّكَـاةِ وَكَانُواْ لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [آية: ٧٣] يعنى موحدين.
﴿ وَلُوطاً آتَيْنَاهُ ﴾ يعنى أعطيناه ﴿ حُكْماً ﴾ يعنى الفهم والعقل ﴿ وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْقَرْيَةِ ﴾ يعنى سدوم ﴿ ٱلَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ ٱلْخَبَائِثَ ﴾ يعنى السيئ من العمل إتيان الرجال فى أدبارهم، فأنجى الله لوطاً وأهله، وعذب القرية بالخسف والحصب ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ﴾ [آية: ٧٤].
﴿ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَآ ﴾ يعنى نعمتنا، وهى النبوة، كقوله عز وجل: ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ... ﴾ بالنبوة ﴿ إِنَّهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٧٥].
﴿ وَنُوحاً إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ ﴾ إبراهيم، ولوطاً، وإسحاق، وكان نداؤه حين، قال: ﴿.. أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ ﴾ ﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ دعاءه ﴿ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٧٦] يعنى الهول الشديد يعنى الغرق.﴿ وَنَصَرْنَاهُ مِنَ ٱلْقَوْمِ ﴾ فى قراءة أبى بن كعب " ونصرناه على القوم " ﴿ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾ يعنى كذبوا بنزول العذاب عليهم فى الدنيا، وكان نصره هلاك قومه ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ٧٧] لم ننج منهم أحداً.﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي ٱلْحَرْثِ ﴾ يعنى الكرم ﴿ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ ٱلْقَوْمِ ﴾ يعنى النفش بالليل والسرح بالنهار ﴿ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ﴾ [آية: ٧٨] يعنى داود وسليمان، صلى الله عليهما، وصاحب الغنم، وصاحب الكرم، وذلك أن راعياً جمع غنمه بالليل إلى جانب كرم رجل، فدخلت الغنم الكرم فأكلته، وصاحبها لا يشعر بها، فلما أصبحوا أتوا داود النبى، عليه السلام، فقصوا عليه أمرهم، فنظر داود ثمن الحرث، فإذا هو قريب من ثمن الغنم، فقضى بالغنم لصاحب الحرث، فمروا بسليمان، فقال: كيف قضى لكم نبى الله؟ فأخبراه، فقال سليمان: نعم ما قضى نبى الله، وغيره أرفق للفريقين، فدخل رب الغنم على داود، فأخبره بقول سليمان فأرسل داود إلى سليمان فأتاه، فعزم عليه بحقه، بحق النبوة، لما أخبرتنى، فقال: عدل الملك، وغيره أرفق، فقال داود: وما هو؟ قال سليمان: تدفع الغنم إلى صاحب الحرث، فله أولادها وأصوافها وألبانها وسمنها، وعلى رب الغنم أن يزرع لصاحب الحرث مثل حرثه، فإذا بلغ وكان مثله يوم أفسده، دفع إليه حرثه، وقبض غنمه، قال: داود نعم ما قضيت، فأجاز قضاءه، وكان هذا ببيت المقدس. يقول الله عز وجل: ﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ﴾ يعنى القضية ليس يعنى به الحكم، ولو كان الحكم لقال ففهمناه ﴿ وَكُلاًّ ﴾ يعنى داود وسليمان ﴿ آتَيْنَا ﴾ يعنى أعطينا ﴿ حُكْماً وَعِلْماً ﴾ يعنى الفهم والعلم، فصوب قضاء سليمان، ولم يعنف داود ﴿ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ ﴾ يعنى يذكرن الله، عز وجل، كلما ذكر داود ربه، عز وجل، ذكرت الجبال ربها معه ﴿ وَ ﴾ سخرنا له ﴿ وَٱلطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [آية: ٧٩] ذلك بداود.﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ ﴾ يعنى الدروع من حديد، وكان داود أول من اتخذها ﴿ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ ﴾ يعنى من حربكم من القتل والجراحات ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ [آية: ٨٠] لربكم فى نعمه فتوحدونه استفهام. قال الفراء: يعنى فهل أنتم شاكرون؟ معنى الأمر أى اشكروا، ومثله﴿ فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ ﴾[المائدة: ٩١] أى انتهوا.﴿ وَ ﴾ سخرنا ﴿ وَلِسُلَيْمَانَ ٱلرِّيحَ عَاصِفَةً ﴾ يعنى شديدة ﴿ تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى ٱلأَرْضِ ٱلَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ﴾ يعنى الأرض المقدسة، يعنى بالبركة الماء والشجر ﴿ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ ﴾ مما أعطيناهما ﴿ عَالِمِينَ ﴾ [آية: ٨١].
﴿ وَمِنَ ٱلشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ ﴾ لسليمان فى البحر، فيخرجون له اللؤلؤ، وهو أول من استخرج اللؤلؤ من البحر ﴿ وَيَعْمَلُونَ ﴾ له ﴿ عَمَلاً دُونَ ذٰلِكَ ﴾ يعنى غير الغياصة من تماثيل ومحاريب وجفان كالجراب وقدور راسيات.
﴿ وَكُنَّا لَهُمْ ﴾ يعنى الشياطين ﴿ حَافِظِينَ ﴾ [آية: ٨٢] على سليمان لئلا يتفرقوا عنه.
﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ يعنى دعاء ربه، عز وجل.
﴿ أَنِّي مَسَّنِيَ ٱلضُّرُّ ﴾ يعنى أصابنى البلاء ﴿ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ ﴾ [آية: ٨٣].
﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ دعاءه ﴿ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ ﴾ فأحياهم الله، عز وجل: ﴿ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ ﴾ وكانت امرأة أيوب ولدت قبل البلاء سبع بنين وثلاث بنات، فأحياهم الله، عز وجل، ومثلهم معهم ﴿ رَحْمَةً ﴾ يقول: نعمة ﴿ مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ ﴾ [آية: ٨٤] يقول: وتفكرا للموحدين فأعطاه الله، عز وجل، مثل كل شىء ذهب له، يعنى أيوب، وكان أيوب من أعبد الناس فجهد إبليس ليزيله عن عبادة ربه، عز وجل، فلم يستطع.﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا ٱلْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ ٱلصَّابِرِينَ ﴾ [آية: ٨٥] ﴿ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ﴾ يعنى فى نعمتنا وهى النبوة ﴿ إِنَّهُمْ مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٨٦] يعنى من المؤمنين.﴿ وَذَا ٱلنُّونِ ﴾ يعنى يونس بن متى، عليه السلام.
﴿ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً ﴾ يعنى مراغماً لقومه، لحزقيل بن أجار، ومن معه من بنى إسرائيل، ففارقهم من غير أن يؤمنوا ﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ فحسب يونس أن لن نعاقبه بما صنع ﴿ فَنَادَىٰ ﴾ يقول: فدعا ربه ﴿ فِي ٱلظُّلُمَاتِ ﴾ يعنى ظلمات ثلاث ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فنادى: ﴿ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ ﴾ يوحد ربه، عز وجل: ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾ نزه تعالى أن يكون ظلمه، ثم أقر على نفسه بالظلم، فقال: ﴿ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٨٧] يقول يونس عليه السلام: إنى ظلمت نفسى.﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ دعاءه ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ﴾ يعنى من بطن الحوت ﴿ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٨٨] قال أبو محمد: قال أبو العباس ثعلب: قال الفراء: أن لن نقدر عليه. ونقدر عليه، لمعنى واحد، وهو من قوله قدرت الشىء، لا قدرت، معناه من التقدير لا من القدر، ومثله فى سورة الفجر:﴿ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ﴾[الفجر: ١٦] من التقدير، والتقتير، لا من القدرة، بلغنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:" مكث يونس، عليه السلام، فى بطن الحوت ثلاثة أيام "وعن كعب قال: أربعين يوماً.﴿ وَزَكَرِيَّآ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ ﴾ يعنى دعا ربه فى آل عمران، وفى مريم، قال: ﴿ رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْداً ﴾ يعنى وحيداً، وهب لى ولياً يرثنى ﴿ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْوَارِثِينَ ﴾ [آية: ٨٩] يعنى أنت خير من يرث العباد.﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ ﴾ دعاءه ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ﴾ يعنى امرأته فحاضت، وكانت لا تحيض من الكبر ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ ﴾ يعنى أعمال الصالحات، يعنى زكريا وامرأته ﴿ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً ﴾ فى ثواب الله، عز وجل.
﴿ وَرَهَباً ﴾ من عذاب الله، عز وجل.
﴿ وَكَانُواْ لَنَا خاشِعِينَ ﴾ [آية: ٩٠] يعنى لله سبحانه متواضعين.﴿ وَٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ من الفواحش، لأنها قذفت، وهى مريم بنت عمران، أم عيسى، صلى الله عليهما.
﴿ فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا ﴾ نفخ جبريل، عليه السلام، فى جيبها، فحملت من نفخة جبريل بعيسى، صلى الله عليهم.
﴿ وَجَعَلْنَاهَا وَٱبْنَهَآ ﴾ عيسى، صلى الله عليه.
﴿ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٩١] يعنى عبرة لبنى إسرائيل، فكانا آية إذ حملت مريم، عليها السلام، من غير بشر، وولدت عيسى من غير أب، صلى الله عليه.
﴿ إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ يقول: إن هذه ملتكم التى أنتم عليها، يعنى شريعة الإسلام هى ملة واحدة كانت عليها الأنبياء والمؤمنون الذين نجزا من عذاب الله، عز وجل: ﴿ وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ ﴾ [آية: ٩٢] يعنى فوحدون.﴿ وَتَقَطَّعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ ﴾ فرقوا دينهم الإسلام الذى أمروا به فيما بينهم، فصاروا زبراً يعنى فرقاً ﴿ كُلٌّ ﴾ كل أهل تلك الأديان ﴿ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ ﴾ [آية: ٩٣] فى الآخرة.﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ ٱلصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ يقول: وهو مصدق بتوحيد الله، عز وجل.
﴿ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ يعنى لعمله يقول: يشكر الله، عز وجل، عمله ﴿ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ [آية: ٩٤] يكتب له سعيه الحفظة من الملائكة.﴿ وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ ﴾ فيما خلا ﴿ أَهْلَكْنَاهَآ ﴾ بالعذاب فى الدنيا ﴿ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ ﴾ [آية: ٩٥] يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية فى الدنيا.﴿ حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ ﴾ يعنى أرسلت ﴿ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ ﴾ وهما أخوان لأب وأم، وهما من نسل يافث بن نوح ﴿ وَهُمْ مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ ﴾ [آية: ٩٦] يقول: من كل مكان يخرجون من كل جبل، وأرض، وبلد، وخروجهم عند اقتراب الساعة.
فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَٱقْتَرَبَ ٱلْوَعْدُ ٱلْحَقُّ ﴾ يعنى وعد البعث أنه حق كائن ﴿ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ ﴾ يعنى فاتحة ﴿ أَبْصَارُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ بالبعث لا يطرفون مما يرون من العجائب، يعنى التى كانوا يكفرون بها فى الدنيا، قالوا: ﴿ يٰوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا ﴾ اليوم، ثم ذكر قول الرسل لهم فى الدنيا أن البعث كائن، فقالوا: ﴿ بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ ﴾ [آية: ٩٧] أخبرنا بهذا اليوم فكذبنا به.﴿ إِنَّكُمْ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ﴾ يعنى رمياً فى جهنم ترمون فيها ﴿ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [آية: ٩٨] يعنى داخلون.﴿ لَوْ كَانَ هَـٰؤُلاۤءِ ﴾ الأوثان ﴿ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ﴾ يعنى ما دخلوها، يعنى جهنم، لامتنعت من دخولها ﴿ وَكُلٌّ ﴾ يعنى الأوثان ومن يعبدها ﴿ فِيهَا ﴾ يعنى فى جهنم ﴿ خَالِدُونَ ﴾ [آية: ٩٩] نزلت فى بنى سهم، منهم: العاص بن وائل، والحارث وعدى ابنى قيس، وعبد الله بن الزبعرى بن قيس، وذلك" أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الحرام، ونفر من بنى سهم جلوس فى الحطيم، وحول الكعبة ثلاث مائة وستون صنماً، فاشار بيده إليهم، فقال: ﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى الأصنام ﴿ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ ﴾ [الأنبياء: ٩٨، ٩٩] إلى آيتين، ثم خرج فدخل ابن الزبعرى، وهم يخوضون فيما ذكر النبى صلى الله عليه وسلم لهم ولآلهتم، فقال: ما هذا الذى تخوضون؟ فذكروا له قول النبى صلى الله عليه وسلم، فقال الزبعرى: والله، لئن قالها بين يدى لأخصمنه. فدخل النبى صلى الله عليه وسلم من ساعته، فقال ابن الزبعرى: أهى لنا ولآلهتنا خاصة؟ أم لنا ولآلهتنا ولجميع الأمم ولآلهتهم؟ فقال النبى صلى الله عليه وسلم: " لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم ولآلهتهم ". قال: خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أن عيسى نبى، وتثنى عليه، وعلى أمه خيراً، وقد علمت أن النصارى يعبدونهما، وعزيز يعبد، والملائكة تعبد، فإن كان هؤلاء معنا قد رضينا أنهم معنا، فسكت النبى صلى الله عليه وسلم "ثم قال سبحانه: ﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ يعنى آخر نهيق الحمار ﴿ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ [آية: ١٠٠] الصوت، وذلك حين يقال لأهل النار: اخسئوا فيها ولا تكلمون، فصاروا بكماً وعمياً وصماً. ثم استثنى ممن كان يعبد أنهم لا يدخلون جهنم، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ ﴾ الجنة ﴿ أُوْلَـٰئِكَ عَنْهَا ﴾ يعنى جهنم ﴿ مُبْعَدُونَ ﴾ [آية: ١٠١] يعنى عيسى، وعزيراً، ومريم، والملائكة، عليهم السلام ﴿ لاَ يَسْمَعُونَ حَسِيَسَهَا ﴾ يقول: لا يسمع أهل الجنة صوت جهنم حين يقال لهم: اخسئوا فيها، ولا تكلموا، فتغلق عليهم أبوابها، فلا تفتح عنهم أبداً، ولا يسمع أحد صوتها.﴿ وَهُمْ ﴾ يعنى هؤلاء ﴿ فِي مَا ٱشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ﴾ [آية: ١٠٢] يعنى لا يموتون، فلما سمع بنو سهم بما استثنى الله، عز وجل، ممن يعبد من الآلهة، عزير، وعيسى، ومريم، والملائكة، قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: هلا استثنيت هؤلاء حين سألناك، فلما خلوت تفكرت. قوله سبحانه: ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾.
حدثنا أبو محمد، قال: حدثنى أبى، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن نعمان، عن سليم، عن ابن عباس، أنه قال على منبر البصرة: ما تقولون فى تفسير هذه الآية ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾؟ ثلاث مرات فلم يحبه أحد. فقال: تفسير هذه الآية أن الله، عز وجل، إذا ادخل أهل الجنة، ورأوا ما فيها من النعيم ذكروا الموت، فيخافون أن يكون آخر ذلك الموت فيحزنهم ذلك، وأهل النار إذا دخلوا النار ورأوا ما فيها من العذاب يرجون أن يكون آخر ذلك الموت، فأراد الله، عز وجل، أن يقطع حزن أهل الجنة، ويقطع رجاء أهل النار، فيبعث الله، عز وجل، ملكاً وهو جبريل، عليه السلام، ومعه الموت فى صورة كبش أملح، فيشرف به على أهل الجنة؛ فينادى: يا أهل الجنة، فيسمع أعلاها درجة وأسفلها درجة، والجنة درجات، فيجيبه أهل الجنة، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، قال: ثم ينصرف به إلى النار، فيشرف به عليهم فينادى اهل النار، فيسمع أعلاها دركاً، وأسفلها دركاً، والنار دركات، فيجيبونه، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، قال: ثم يرده إلى مكان مرتفع بين الجنة والنار حيث ينظر إليه أهل الجنة، وأهل النار، فيقول الملك: إنا ذابحوه، فيقول أهل الجنة بأجمعهم: نعم، لكى يأمنوا الموت، ويقول أهل النار بأجمعهم: لا، لكى يذوقوا الموت، قال: فيعمد الملك إلى الكبش الأملح، وهو الموت فيذبحه، وأهل الجنة وأهل النار ينظرون إليه، فينادى الملك: يا أهل الجنة، خلود لا موت فيه، فيأمنون الموت. فذلك قوله تعالى: ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾ ثم ينادى الملك: يا أهل النار، خلود لا موت فيه. قال ابن عباس: فلولا ما قضى الله، عز وجل، على أهل الجنة من الخلود فى الجنة، لماتوا من فرحتهم تلك، ولولا ما قضى الله، عز وجل، على أهل النار من تعمير الأرواح فى الأبدان لماتوا حزناً. فذلك قوله، عز وجل:﴿ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ ٱلْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ ٱلأَمْرُ... ﴾[مريم: ٣٩] يعنى إذ وجب لهم العذاب، يعنى ذبح الموت، فاستيقنوا الخلود فى النار والحسرة والندامة، فذلك قول الله، عز وجل، للمؤمنين: ﴿ لاَ يَحْزُنُهُمُ ٱلْفَزَعُ ٱلأَكْبَرُ ﴾ يعنى الموت بعد ما دخلوا الجنة.﴿ وَتَتَلَقَّاهُمُ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾ يعنى الحفظة الذين كتبوا أعمال بنى آدم، حين خرجوا من قبورهم، قالوا للمؤمنين: ﴿ هَـٰذَا يَوْمُكُمُ ٱلَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [آية: ١٠٣] فيه الجنة.
قال: ﴿ يَوْمَ نَطْوِي ٱلسَّمَآءَ كَطَيِّ ٱلسِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ﴾ يعنى كطى الصحيفة فيها الكتاب، ثم قال سبحانه: ﴿ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ﴾ وذلك أن كفار مكة أقسموا بالله جهد أيمانهم فى سورة النحل:﴿ ... لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ... ﴾[النحل: ٣٨]، فأكذبهم الله، عز وجل، فقال سبحانه بلى وعداً عليه حقاً: ﴿ كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ﴾ يقول: هكذا نعيد خلقهم فى الآخرة، كما خلقناهم فى الدنيا.﴿ وَعْداً عَلَيْنَآ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [آية: ١٠٤] ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ ﴾ يعنى التوراة والإنجيل والزبور ﴿ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ ﴾ يعنى اللوح المحفوظ ﴿ أَنَّ ٱلأَرْضَ ﴾ لله ﴿ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّالِحُونَ ﴾ [آية: ١٠٥] يعنى المؤمنون.﴿ إِنَّ فِي هَـٰذَا ﴾ القرآن ﴿ لَبَلاَغاً ﴾ إلى الجنة ﴿ لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ ﴾ [آية: ١٠٦] يعنى موحدين.
﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ ﴾ يا محمد ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٠٧] يعنى الجن والإنس، فمن تبع محمداً صلى الله عليه وسلم على دينه، فهو له رحمة كقوله سبحان: لعيسى ابن مريم صلى الله عليه:﴿ ... وَرَحْمَةً مِّنَّا... ﴾[مريم: ٢١] لمن تبعه على دينه، ومن لم يتبعه على دينه صرف عنهم البلاء ما كان بين أظهرهم. فذلك قوله سبحانه:﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾[الأنفال: ٣٣] كقوله لعيسى ابن مريم، صلى الله عليه: ﴿ وَرَحْمَةً مِّنَّا ﴾ لمن تبعه على دينه. قال أبو جهل لعنه الله للنبى صلى الله عليه وسلم: اعمل أنت لإلهك يا محمد، ونحن لآلهتنا.
﴿ قُلْ إِنَّمَآ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ﴾ يقول: إنما ربكم رب واحد ﴿ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ ﴾ [آية: ١٠٨] يعنى مخلصون ﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾ يقول: فإن أعرضوا عن الإيمان ﴿ فَقُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَآءٍ ﴾ يقول: نادينكم على أمرين ﴿ وَ ﴾ قل لهم: ﴿ وَإِنْ أَدْرِيۤ ﴾ يعنى ما أدرى ﴿ أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ ﴾ [آية: ١٠٩] بنزول العذاب بكم فى الدنيا.
قل لهم: ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ ﴾ يعنى العلانية ﴿ مِنَ ٱلْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ﴾ [آية: ١١٠] يعنى ما تسرون من تكذيبهم بالعذاب، فأما الجهر، فإن كفار مكة حين أخبرهم النبى صلى الله عليه وسلم بالعذاب كانوا يقولون:﴿ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾[سبأ: ٢٩، يس: ٤٨] والكتمان أنهم، قالوا: إن العذاب ليس بكائن ﴿ وَ ﴾ قل لهم: يا محمد.
﴿ وَإِنْ أَدْرِي ﴾ يقول: ما أدرى ﴿ لَعَلَّهُ ﴾ يعنى فلعل تأخير العذاب عنكم فى الدنيا، يعنى القتل ببدر ﴿ فِتْنَةٌ لَّكُمْ ﴾ نظيرها فى سورة الجن، فيقولون: لو كان حقاً لنزل بنا العذاب ﴿ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ١١١] يعنى وبلاغاً إلى آجالكم، ثم ينزل بكم العذاب ببدر ﴿ قَالَ رَبِّ ٱحْكُم بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى اقض بالعدل بيننا، وبين كفار مكة، فقضى الله لهم القتل ببدر ﴿ وَرَبُّنَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ﴾ [آية: ١١٢] فامر الله، عز وجل، النبى صلى الله عليه وسلم أن يستعين به، عز وجل، على ما يقولون من تكذيبهم بالبعث والعذاب. قال الهذيل: قال الشماخ فى الجاهلية: النبع منبته بالصخر ضاحية   والنخل ينبت بين الماء والعجليعنى الطين. قال: وحدثنا عبيد الله، قال: حدثنا أبى، قال: حدثنا أبو رزق فى قوله، عز وجل: ﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِمْ فِعْلَ ٱلْخَيْرَاتِ ﴾ قال: التطوع، ولم أسمع الهذيل.
Icon