ﰡ
مكّيّة وهى اربع وخمسون اية ربّ يسّر بسم الله الرّحمن الرّحيم وتمّم بالخير الحمد لله الّذى له ما فى السّموت وما فى الأرض ملكا وخلقا وقمرا فهو الحقيق بالحمد سرّا وجهرا دون غيره وانما يحمد غيره لاجل اضافة بعض النعم الى غيره ظاهرا وبالمجاز.
وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ لان نعماء الاخرة ايضا له تعالى وليس هذا من قبيل عطف المقيد على المطلق بل المعطوف عليه مقيد بكونه فى الدنيا لما يدل الوصف بالموصول والصلة على انه المنعم بالنعم الدنيوية فله الحمد فى الدنيا لكمال قدرته وتمام نعمته وكذا فى الاخرة لان نعماء الآخرة ايضا له تعالى وتقديم الظرف فى الجملة الثانية للاشعار بان الحمد فى الدنيا قد يكون الله تعالى بواسطة من يستحق الحمد لاجلها ولا كذلك نعم الاخرة بل هى مختصة بالله تعالى قيل الحمد فى الاخرة هو حمد اهل الجنة كما قال الله تعالى وقالوا الحمد لله الّذى هدينا لهذا وما كنّا لنهتدى لولا ان هدينا الله وقالوا الحمد لله الّذى صدقنا وعده- والحمد لله الّذى اذهب عنّا الحزن وَهُوَ الْحَكِيمُ الذي احكم امور الدين الْخَبِيرُ (١) ببواطن الأشياء وظواهرها.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ انكار لمجيئها معطوف على جملة مقدرة مفهومة من قوله تعالى وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ... وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ فانه يفهم منه وعد الله بالرحمة والمغفرة للحامدين يوم تأتى الساعة قُلْ بَلى رد لكلامهم واثبات لما نفوه وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ تكرير لايجابه مؤكدا بالقسم وبتوصيف المقسم به بقوله عالِمِ الْغَيْبِ فان عظم المقسم به تؤذن بقوة حال المقسم وفيه اشارة الى ان الساعة من الغيب وعلمه مختص بالله تعالى يكفى لاثباته شهادة تعالى ولا يجوز لاحد اثبات شيء من الغيب ولا نفيه الا بتعليم من الله تعالى. قرأ حمزة والكسائي علّام الغيب على وزن فعّال للمبالغة والباقون على وزن فاعل وقرأ نافع وابن عامر بالرفع على انه خبر مبتدا محذوف او مبتدا خبره ما بعده والباقون بالجر على انه صفة للرب ففيه تأكيد للردّ على انكارهم فان انكار هم ليس الا مبنيّا على جهلهم واستبعادهم ممكنا مثل سائر الممكنات ثابتا إتيانه بأخبار عالم الغيب لا يَعْزُبُ قرأ الكسائي بكسر الزاء والباقون بضمها ومعناهما واحد اى لا يغيب عَنْهُ مِثْقالُ اى مقدار ثقل ذَرَّةٍ اى نملة صغيرة كائنة فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ موجهة فى شيء من الازمنة الماضية او المستقبلة او الحال والقول بان المعنى لا يعزب عنه مثقال ذرّة موجودة فى الزمان الحال كائنة فى السماوات او الأرض يأباه المقام لان الجملة واقعة تأكيدا لقوله
وما روى مسلم عن جابر ان رسول الله ﷺ قال رايت الجنة فرايت امراة ابى طلحة وسمعت خشخشة امامى فاذا بلال وما روى احمد وابو داود والضياء عن انس قال قال رسول الله ﷺ لما عرج بي ربى عزّ وجلّ مررت بقوم لهم اظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت من هؤلاء يا جبرئيل قال هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون فى اعراضهم وعن جابر قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم عرضت علىّ النار فرايت فيها امراة من بنى إسرائيل تعذب فى هرة ربطها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من حشاش الأرض حتى ماتت جوعا ورايت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبه فى النار وكان أول من سيب السوائب- رواه مسلم وقال اكثر المفسرين معنى قوله تعالى لا يَعْزُبُ عَنْهُ اى علمه مِثْقالُ ذَرَّةٍ... وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذلِكَ اى من الذرة وَلا أَكْبَرُ منه إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٣) حملة مؤكدة لنفى العزوب ان كان المراد بالعزوب العزوب عن علمه او المراد بالكتاب المبين علمه تعالى او اللوح المحفوظ الذي حاك عن بعض من علومه وان كان المراد عدم عزوب شيء من ذاته سبحانه فهذا تأسيس لا تأكيد وأصغر واكبر مرفوعان بالابتداء ويؤيده القراءة بالفتح على اعمال لا التي لنفى الجنس- ولا يجوز العطف مرفوعا على مثقال ومفتوحا على ذرة فى محل الجر لامتناعها من الصرف لان الاستثناء عنه؟؟؟ ولا يجوزان يكون الاستثناء منقطعا بمعنى لكن لان الاستدراك والاستثناء المنقطع
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ علة لقوله لتأتينّكم وبيان لما يقتضى إتيانها أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ لما قصروا فى أداء حقوق العبودية التي لا يمكن استيفاؤها وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) حسن فى الجنة لا تعب فيه ولا منّ عليه لما أتوا بها من الحسنات وتفضلا-.
وَالَّذِينَ سَعَوْا عطف على الّذين أمنوا مفعول ليجزى اى ليجزى الذين سعوا فِي آياتِنا بالابطال وتزهيد الناس فيها مُعاجِزِينَ قرأ ابن كثير وابو عمرو معجّزين من التفعيل اى مثبطين عن الايمان من اراده والباقون من المفاعلة اى مقدرين عجزنا او سابقين لنا فيفوتنا لظنهم بأن لا بعث ولا عقاب أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ قال قتادة الرجز سوء العذاب فمن بيانية أَلِيمٌ (٥) اى ذو الم يعنى مؤلم قرأ ابن كثير وحفص ويعقوب بالرفع هنا وفى الجاثية على انه نعت للعذاب والباقون بالجر على انه نعت للرجز.
وَيَرَى بمعنى يعلم مرفوع عطفا على مضمون بلى لتأتينكم وقيل منصوب معطوف على يجزى اى ليجزى الّذين أمنوا وليعلم الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ يعنى مؤمنى اهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقال قتادة
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا عطف على قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا وبينهما معترضات ووضع المظهر موضع الضمير للتصريح على مناط الحكم يعنى قال منكروا البعث بعضهم لبعض متعجبين منه هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يعنون محمدا ﷺ يُنَبِّئُكُمْ صفة لرجل اى يخبركم بأعجب الأعاجيب وهو انه إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ كل منصوب على المصدرية لاضافته الى المصدر الميمى يعنى إذا متم وتمزق أجسادكم كل تمزق بحيث يصير ترابا او على الظرفية بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم السيول كل مذهب وطرحته كل مطرح إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (٧) منصوب بقوله ينبئكم بتضمين معنى القول يعنى يقول انّكم لفى خلق جديد وتقديم الظرف يعنى إذا مزّقتم للدلالة على البعد والمبالغة وعامله محذوف دل عليه ما بعده يعنى ينبئكم بانكم تبعثون إذا مزّقتم كلّ ممزّق يقول انّكم لفى خلق جديد وذلك لان ما قبله لم يقارنه وما بعد انّ لا يعمل فيما قبله وذكروا النبي ﷺ بالتنكير مع كونه مشهورا فى قريش شائعا انباؤه بالبعث تجاهلا به وبامره بناء على استبعاده وقصدا الى التحقير.
أَفْتَرى همزة استفهام دخلت على همزة الوصل فسقطت من اللفظ للاستغناء عنها ولعدم اللبس بالخبر فان همزة الوصل هاهنا مكسورة بخلاف ما إذا كان همزة الوصل مفتوحة نحو ءالله والذكر وءائن فان هناك لا تحذف بل تسهل او تبدل الفا ويمد وسقطت من الخط ايضا على خلاف القياس عَلَى اللَّهِ
أَفَلَمْ يَرَوْا الاستفهام للانكار والتوبيخ والفاء للعطف على محذوف تقديره اعموا فلم يروا اى لم ينظروا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ يعنى الى ما أحاط بجوانبهم مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ يعنى ان المشاهدات كلها تدل على كمال قدرة الصانع المختار وكمال قدرته يقتضى جواز البعث فكيف يحكمون باستحالته وكونه مكذبا فيه مفترى والمخبر على كمال صفات الكمال من العقل والصدق المعروف بينهم فكيف يحكمون عليه بالجنون والهزاء فما هو الإضلال بعيد- فهذه الجملة تعليل لقوله بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ ثم بعد شرح ضلالهم يخوفهم الله تعالى على ما هم عليه بقوله إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ قرأ الكسائي بإدغام الفاء فى الباء والباقون بالإظهار الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ قرأ حمزة والكسائي يشأ يخسف يسقط بالياء فيهن على الغيبة لذكر الله فيما قبل والباقون بالنون على التكلم عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ لتكذيبهم بالآيات بعد ظهور البينات قرأ حفص كسفا بتحريك السين والباقون بإسكانها قيل قوله أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا على كثير من عباده المؤمنين يدل على ذلك قوله تعالى حكاية عن سليمان الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنا عَلى كَثِيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ويندرج فيه النبوة والكتاب والملك وحسن الصوت وتلين الحديد وغير ذلك وفضلا منصوب على المفعولية ومنّا حال منه يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ بدل من فضلا او من اتينا بتضمين القول اى قلنا يلجبال اوّبى معه اى سبح معه والإياب الرجوع اى ارجعي فى التسبيح كلما رجع داود فيه- او الإياب هو التسبيح يقال اوّب إذا سبح فان المسبح يرجع الى الله معرضا عن غيره وقال القتيبي أصله من التأويب فى السير وهو ان يسير النهار كله وينزل ليلا كانه قال إذا اتى النهار سيرى بالتسبيح معه وقال وهب نوحى معه وَالطَّيْرَ معطوف على الجبال قرأ يعقوب «١» بالرفع حملا على لفظه والباقون بالنصب حملا على محله وجازان يكون النصب عطفا على فضلا او على انه مفعول معه لاوّبى وجازان يكون بالعطف على ضميره قال البيضاوي كان اصل النظم ولقد اتينا داود منّا فضلا وهى تأويب الجبال والطير فبدل به هذا النظم لما فيه من الفخامة والدلالة على عظم شأنه وكبرياء وسلطانه حيث جعل الجبال والطيور كالعقلاء المنقادين لامره فى نفاذ مشيته فيها قال البغوي كان داود إذا نادى بالنياحة اجابته الجبال بصداها وعكفت الطير عليه من فوقه وقيل كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله
قال البغوي كان سبب ذلك على ما روى فى الاخبار ان داود لمّا ملك بنى إسرائيل كان من عادته ان يخرج للناس متنكرا فاذا راى من لا يعرفه يقدم اليه ويسئله عن داود ويقول له ما تقول فى داود وإليكم هذا اىّ رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرا فقيض الله له ملكا فى صورة آدمي فلما راه داود تقدم اليه على عادته فساله فقال الملك نعم الرجل هو ولا خصلة فيه فراع داود ذلك وقال ما هى يا عبد الله قال انه يأكل ويطعم عياله من بيت المال قال فتنبه لذلك وسال الله ان يسبب له سببا يستغنى به عن بيت المال فيتقوت منه ويطعم عياله فالان الله له الحديد وعلّمه صنعة الدرع وانه أول من اتخذها ويقال انه كان يبيع كل درع باربعة آلاف درهم فيأكل ويطعم منها عياله ويتصدق منها على الفقراء والمساكين ويقال انه كان يعمل كل يوم درعا يبيعها بستة آلاف درهم فينفق منها الفين على نفسه وعياله ويتصدق باربعة آلاف على الفقراء والمساكين عن المقدام بن معديكرب قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما أكل أحد طعاما قط خيرا من ان يأكل من عمل يديه وان نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده- رواه البخاري واحمد وذكر البغوي هذا الحديث بلفظ كان داود لا يأكل الا من عمل يده.
أَنِ اعْمَلْ اى أمرناه ان اعمل ان مصدرية او مفسرة سابِغاتٍ اى دروعا كوامل واسعات طوال يجرها لابسها على الأرض وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ السرد خرذ الجلد واستعير لنسج الدرع يعنى قدر فى نسجها بحيث تناسب حلقها ومساميرها فلا تجعلها رقاقا فتغلق ولا غلاظا فتكسر الحلق وَاعْمَلُوا يا داود واله صالِحاً خالصا لله صالحا لقبوله منصوب على المفعولية او المصدرية إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١) فاجازيكم عليه عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ ان الله طيب لا يقبل الا طيبا امر المؤمنين بما امر المرسلين
وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ قرأ ابو بكر عن عاصم بالرفع على انه مبتدا محذوف الخبر تقديره ولسليمان الرّيح مسخّرة أورد الجملة اسمية للدلالة على ان كونها مسخرة لسليمان امر ثابت عند العامة مذكور على الالسنة او على تقدير فعل مجهول يعنى سخّر لسليمان الريح والباقون بالنصب على انه مفعول لفعل محذوف تقديره وسخرنا لسليمان الريح والجملة معطوفة على مفهوم كلام سابق فانه يفهم من قوله تعالى يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ انه سخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وقد ورد بهذا اللفظ فى سورة الأنبياء غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ جملة مستأنفة اى جريها بالغد ويعنى من الصباح الى الزوال كان مسيرة شهر وبالعشي اى من الزوال الى الغروب كان كذلك قال الحسن كان يغدو من دمشق فيقيل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر ثم يروح من إصطخر فيبيت ببابل وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع وقيل انه كان يتغدى بالري ويتعشى بسمرقند وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ النحاس عطف على سخرنا لسليمان الريح أسال الله تعالى له النحاس المذاب من معدنه فنبع منه بنوع الماء من الينبوع ولذلك سماه عينا- قال البغوي قال اهل التفسير أجريت له عين النحاس ثلاثة ايام الى اليمن كجرى الماء وكان بأرض اليمن وانما ينتفع الناس اليوم ما اخرج الله لسليمان عليه السلام وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ على تقدير كون الريح مرفوعا الموصول مع الصلة مبتدا خبره محذوف اى مسخرة ومن الجن حال من الضمير المستكن فى يعمل عطف جملة اسمية على جملة اسمية وعلى تقدير كونه منصوبا الموصول معطوف على الريح ومن الجن حال منه مقدم عليه تقديره وسخرنا له من يعمل بين يديه من الجن بِإِذْنِ رَبِّهِ اى بامره وحكمه او بإرادته وتسخيره متعلق بيعمل وَمَنْ يَزِغْ اى من يعدل مِنْهُمْ اى من الجن عَنْ أَمْرِنا اى عما أمرنا به من طاعة سليمان واردنا ذلك نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (١٢) قيل المراد به عذاب الاخرة وقيل المراد به الإحراق بالنار فى الدنيا- قلت ان كان المراد بالاذن والأمر الأمر التكليفي
يَعْمَلُونَ لَهُ حال من فاعل يعمل او مستأنفة ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ قصورا حصينة ومساجد رفيقه ومساكن شريفة سميت بها لانها يدب عنها ويحارب عليها- قال البغوي فكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ودفعه قامة رجل فاوحى الله اليه انى لم اقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملّكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده فلمّا توفاه الله استخلف سليمان فاحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن والشياطين وقسّم عليهم الأعمال فخصّ كل طائفة منهم بعمل يستصلحها له فارسل الجن والشياطين فى تحصيل الرخام الأبيض من معادنه- فامر ببناء المدينة بالرخام والصفاح وجعل اثنى عشر ربضا وانزل بكل ربض منها سبطا من الأسباط وكانوا اثنى عشر سبطا فلما فرغ من بناء المدينة ابتدا فى بناء المسجد وفرق الشياطين فرقا فرقا يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر وفرقا يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها وفرقا يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها فاتى بذلك التي لا يحصيها الا الله عزّ وجلّ- ثم احضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحا وإصلاح تلك الجواهر وثقب اللآلي واليواقيت- وبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده
الشياطين عن إضلال الناس فى اعمال شاقة والله اعلم قال البغوي قالوا يعنى اهل الاخبار فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه بخت نصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما كان فى سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر فحمله الى دار مملكته من ارض العراق. وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصونا كثيرة عجيبة من الصخرة وَتَماثِيلَ اى صورا من نحاس وصفر وشبه وزجاج ورخام قيل كانوا يصورون السباع والطيور وقيل كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين فى المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة وكانت مباحة فى شريعتهم قلت ولعل المراد به تماثيل غير ذى الروح لان تماثيل الإنسان كانت تعبد قبل ذلك حيث قال ابراهيم عليه السلام لابيه وقومه ما هذه التّماثيل الّتى أنتم لها عكفون وفى الصحيحين عن ابن عباس قال سمعت رسول الله ﷺ يقول كل مصور فى النار يجعل له بكل صورة صوّرها نفسا فيعذبه فى جهنم- قال ابن عباس فان كنت لا بدّ فاعلا فاصنع الشجر وما لا روح فيه- متفق عليه وهذا الحديث عام فى كل مصور غير مختص بمصورى هذه الامة وهو خبر لا يحتمل النسخ والتبديل وعنه مرفوعا من صور صورة عذّب وكلف ان ينفخ فيها وليس بنافخ- رواه البخاري وعن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ يخرج عنق من الناس يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان يسمعان ولسان ينطق يقول انى وكلت بثلاثة بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله الها اخر وبالمصورين- رواه الترمذي وعنه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول
فَلَمَّا قَضَيْنا
اخرج ابن ابى حاتم عن على بن رباح قال حدثنى فلان ان فروة بن مسيك الغطفاني قدم على رسول الله ﷺ فقال يا بنى الله ان سبا قوم كان لهم فى الجاهلية عزو انى أخشى ان يرتدوا عن الإسلام أفأقاتلهم فقال ما أمرت فيهم بشيء بعد فنزلت.
لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ اى دلالة على كمال قدرتنا ووجوب شكرنا قرأ البزي ابو عمر ولسبا بفتح الهمزة من غير تنوين لانه صار اسم قبيلة فمنع عن الصرف للتانيث مع العلمية وقنبل بإسكانها على نية الوقف والباقون بخفضها مع
فَأَعْرَضُوا عنهم وكذبوهم وقالوا ما نعرف لله علينا نعمة قولوا لربكم فليحبس هذه النعمة عنا ان استطاع قال الله تعالى فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ
ذلِكَ منصوب المحل على المصدرية يعنى جزيناهم ذلك الجزاء او مرفوع على انه مبتدا ما بعده خبره يعنى ذلك العقاب والتبديل جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا اى بكفرانهم النعمة او بكفرهم الرسل وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١٧) قرأ حفص ويعقوب وخلف- ابو محمد وحمزة والكسائي نجازى بالنون وكسر الزاء على التكلم والبناء للفاعل والكفور بالنصب على المفعولية والباقون بالياء التحتانية وفتح الزاء على الغيبة والبناء للمفعول والكفور بالرفع على انه قائم مقام الفاعل يعنى ما يناقش الا هو وما نناقش الا إياه..
وَجَعَلْنا عطف على بدلنا يقال كان هذا سابقا على التبديل فكيف ذكر بعده لان
فَقالُوا عطف على جعلنا يا رَبَّنا باعِدْ قرأ ابن كثير وابو عمرو وهشام بعّد بتشديد العين من التفعيل والباقون بالألف من المفاعلة بَيْنَ أَسْفارِنا اى اجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوزات لنركب فيها الرواحل ونتزود الأزواد ونربح فى التجارات ونتفاخر على الناس فعجل الله لهم الاجابة قرأ يعقوب ربّنا بالرفع على الابتداء وبعد بفتح العين والدال على صيغة الماضي كانهم استبعدوا أسفارهم القريبة أشرا وبطرا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالبطر والطغيان عطف على قالوا فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يتحدث الناس بهم تعجبا وضرب مثل فيقولون تفرقوا أيدي سبا وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ فرقناهم فى كل وجه من البلاد كل تفريق قال الشعبي لمّا غرقت قراهم تفرقوا فى البلاد اما غسان فلحقوا بالشام ومرّ الأزد الى عمان وخزاعة الى تهامة ومرّ ال خزيمة الى العراق والأوس والخزرج الى يثرب وهم ال أنمار وكان الذي قدم منهم المدينة عمرو بن عامر وهو جد الأوس والخزرج إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكر لَآياتٍ لعبر ودلالات لِكُلِّ صَبَّارٍ عن المعاصي وعلى البلاء والطاعة
وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ اى على الناس كلهم كذا قال مجاهد وقيل المراد على اهل سبا اى على الكفار منهم إِبْلِيسُ ظَنَّهُ قرأ اهل الكوفة سدّق بالتشديد يعنى ظنّ فيهم ظنّا حيث قال فبعزّتك لاغوينّهم أجمعين. ولا تجد أكثرهم شكرين فصدّق ظنه وحققه بفعله ذلك بهم واتّباعهم إياه او وجده صادقا وقرأ الآخرون بالتخفيف اى صدق فى ظنه او صدق بظن ظنه مثل فعلته جدك ويجوز ان يعدى الفعل اليه بنفسه كما فى صدق وعده لانه نوع من القول قال ابن قتيبة لما سأل إبليس النظرة فانظره الله فقال لاضلّنّهم ولاغوينّهم ولم يكن مستقينا وقت هذه المقالة ان ما قاله فيهم يتم وانما قاله ظنّا فلما اتبعوه وأطاعوه صدق عليهم ما ظنه فيهم فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢) اى من اهل سبا او من الناس كلهم قال السدىّ عن ابن عباس يعنى ان المؤمنين كلهم لم يتبعوه فى اصل الدين قال الله تعالى انّ عبادى ليس لك عليهم سلطان يعنى المؤمنين فمن للبيان وقيل من للتبعيض يعنى بعض المؤمنين الذين يطيعون الله ولا يعصونه.
وَما كانَ لَهُ اى لابليس عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ اسم كان ومن زائدة والظرف
قُلِ يا محمد لكفار مكة ادْعُوا ايّها الكفار الَّذِينَ زَعَمْتُمْ اى زعمتموهم الهة هما مفعولان لزعمتم حذف الاول لطول الموصول بصلته والثاني لقيام صفته مقامه اعنى مِنْ دُونِ اللَّهِ ولا يجوز ان يكون هذا مفعوله الثاني لانه لا يحصل به كلاما مفيدا ولا يملكون لانهم لا يزعمونه والمعنى ادعوهم فيما يهمكم من جلب نفع او دفع ضر يستجيبون لكم ان صح دعواكم كانّ هذا الكلام يدل على الشرطية من القياس الاستثنائى تقديره ان صح دعواكم بانهم الهة من دون الله يستجيبون لكم إذا دعوتموهم لكنهم لا يَمْلِكُونَ فهذا جملة مستأنفة يدل على الاستثناء مِثْقالَ ذَرَّةٍ من خيرا وشركائه فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ فلا يستجيبون لكم فلا يصح دعواكم وذكرهما للعموم العرفي او لان الهتهم بعضها سماوية كالملائكة والكواكب وبعضها ارضية كالاصنام او لان الأسباب الظاهرية للشر والخير سماوية وارضية وَما لَهُمْ فِيهِما مِنْ شِرْكٍ اى شركة ومن زائدة والجملة معطوفة على لا يملكون وَما لَهُ اى لله تعالى مِنْهُمْ اى من شركائكم مِنْ ظَهِيرٍ (٢٢) يعينه على خلقها وتدبيرها-.
وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ عِنْدَهُ لاحد إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ان يشفع او اذن ان يشفع له واللام على الاول كما فى قولك الكرم له وعلى الثاني كما فى قولك جئتك لزيد قرأ ابو عمرو وحمزة والكسائي اذن بضم الهمزة على صيغة المجهول والباقون بفتحها على صيغة المعروف وهذا ردّ لما قالت الكفار على سبيل التنزل انه سلمنا ان الملائكة والأصنام لا يملكون شيئا وليسوا شركاء الله لكنهم يشفعون لنا عند الله فقال الله تعالى لا تنفع شفاعة أحد لاحد الّا لمن اذن له والأصنام ليسوا أهلا لان يؤذن الشفاعة لانحطاط رتبتها عنها والكفار لا يستحقون لان يؤذن لاحد فى شفاعتهم لطغيانهم وكفرهم ولا يؤذن للانبياء والملائكة الا لشفاعة المؤمنين-
قال البغوي قال بعضهم انما يفزعون حذرا من قيام الساعة قال مقاتل والكلبي والسدى كانت الفترة بين عيسى ومحمد ﷺ خمس مائة وخمسين سنة وقيل ست مائة سنة لم يسمع الملائكة فيها وحيا فلمّا بعث محمد ﷺ بالرسالة وسمع الملائكة ظنوا انها الساعة لان محمدا ﷺ عند اهل السماوات من اشراط الساعة فصعقوا ممّا سمعوا خوفا من قيام الساعة فلما انحدر جبرئيل يعنى فى بدء الوحى جعل يمر باهل كل سماء فيكشف عنهم فيرتفعون رءوسهم ويقول بعضهم لبعض ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ يعنون الوحى وهو العلىّ الكبير فان قيل على ما قال مقاتل وأمثاله كيف يرتبط قوله تعالى حتّى إذا فزّع عن قلوبهم بما سبق من الكلام قلت لعل وجه ارتباطه انه متصل بقوله تعالى ويرى الّذين أوتوا العلم الّذى انزل إليك من ربّك هو الحقّ ويهدى الى صراط العزيز «١» الحميد والمراد بالذين أوتوا العلم الملائكة وما بينهما اعتراض والمعنى ويرى الملائكة ما انزل إليك من ربك من القران هو الحق ولذلك افزعوا عند نزوله خوفا من قيام الساعة حيث كان نزوله عندهم من اشراط الساعة حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العلىّ الكبير-
قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ المطر مِنَ السَّماواتِ وَالنبات من الْأَرْضِ استفهام تقرير اى حمل المخاطب على الإقرار بان الله يرزق لا غير وفيه تأكيد لقوله لا يملكون وهذه الجملة متصلة بقوله قل ادعوا قُلِ اللَّهُ فاعل لفعل محذوف اى يرزقكم الله إذ لا جواب سواه وفيه اشعار بانهم ان سكتوا وتوقفوا فى الجواب مخافة الإلزام فهم مقرّون بقلوبهم ذلك وَإِنَّا اى الموحدين أَوْ إِيَّاكُمْ اى المشركين بالله لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٤) إذ التّوحيد نفى الاشتراك فهو نقيضه والضلال نفى البداية فهو نقيضه وارتفاع النقيضين وكذا اجتماعهما محال فهذه قضية منفصلة حقيقية عنادية والمفهوم مما سبق ان الله يرزق لا غير وهو يستلزم ان الموحد على هدى والمشرك فى ضلال مبين فانعقد القياس الاستثنائى بان الموحدين اما على الهدى او فى ضلال مبين لعدم الواسطة لكنهم على الهدى إذ لا يرزق الا الله فليسوا فى ضلال او لكنهم ليسوا على ضلال فهم على الهدى او يقال المشركون اما على الهدى او فى ضلال مبين لعدم الواسطة لكنهم ليسوا على هدى فهم فى ضلال او لكنهم فى ضلال او لا يرزق الا الله فليسوا على هدى فليس هذا الكلام مبنيا على الشك بل على حصر الاحتمالات وابطال احدى النقيضين لاثبات الاخر او اثبات أحدهما لابطال الاخر كما هو دأب المناظرة وخولف بين حرفى الجر الداخلين على الهدى والضلال لان صاحب المهدى كأنّه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء وصاحب الضلال كانه منغمس فى ظلام لا يدرى اين يتوجه..
قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنا وَلا نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٢٥) يعنى
قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا اى بينى وبينكم رَبُّنا يوم القيامة ثُمَّ يَفْتَحُ اى يحكم ويفصل بَيْنَنا بِالْحَقِّ اى بما يستحقه كل منابان يدخل المحق الجنة والمبطل النار وَهُوَ الْفَتَّاحُ اى الحاكم الفاصل فى القضايا المغلقة الْعَلِيمُ (٢٦) بما ينبغى ان يقضى به فى الاية السابقة الزام للكفار على سبيل المناظرة وفيما بعدها على سبيل النصيحة وفى هذه الاية على طريقة التوبيخ بذكر حكم الله فيهم يوم القيامة..
قُلْ أَرُونِيَ اى أعلموني الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكاءَ الموصول مع صلته مفعول ثان لارونى وشركاء مفعوله الثالث يعنى الذين ألحقتموهم بالله فى استحقاق العبادة أعلموني كونهم شركاء يعنى باىّ صفة جعلتموهم شركاء هل يخلقون شيئا او يرزقون او ينفعون أحدا او يضرون يعنى لا سبيل الى القول بانهم شركاء الله. فى هذه الاية استفسار عن شبهتهم بعد الزام الحجة عليهم واقامة البرهان زيادة فى تبكيتهم كَلَّا ردع لهم عن الإلحاق بعد ظهور عدم المشاركة فى شىء من الصفات بَلْ هُوَ يعنى المستحق للعبادة ليس الا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) صاحب العزة القاهرة والحكمة البالغة لا شريك له شىء فى شىء من الصفات فكيف تلحقون به الجمادات النازلة فى ادنى مراتب الممكنات المتسمة بالزلة الآبية عن قبول العلم والقدرة رأسا فالضمير عائد الى المستحق للعبادة والله خبره والحصر مستفاد من هذا التركيب والعزيز والحكيم صفتان لله او خبران آخران وجاز ان يكون هو للشأن والله مبتدا والعزيز والحكيم صفتان له والخبر محذوف اى متوحد لاستحقاق العبادة..
وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً صفة لمصدر محذوف اى الا ارسالة كافة يعنى عامة شاملة لِلنَّاسِ فانها إذا عمتهم وقد كفتهم ان يخرجوا منها أحد منهم فعلى هذا قوله للناس متعلق بكافة وجاز ان يكون كافة حال من كاف الخطاب والتاء للمبالغة يعنى
وَيَقُولُونَ اى الكفار لفرط جهلهم استهزاء واستبعادا مَتى هذَا الْوَعْدُ اى المبشر به والمنذر عنه او متى هذا الموعود لقولك يجمع بيننا ربّنا ثمّ يفتح بيننا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٩) يخاطبون به الرسول ﷺ للمؤمنين
قُلْ لهم فى الجواب لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ اى وعد يوم او زمان وعد والاضافة الى اليوم حينئذ للتبين لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (٣٠) عليه والمراد بذلك اليوم يوم القيامة وقال الضحاك يعنى الموت لا تتقدمون ولا تتاخرون بان يزاد فى اجالكم او ينقص ولهذا جواب تهديد مطابق لما قصدوه بسوالهم من الاستهزاء والإنكار-.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهذَا الْقُرْآنِ وَلا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ اى بما تقدمه وهو التورية والإنجيل قالوا ذلك حين سالوا اهل الكتاب عن الرسول ﷺ فاخبروهم انا نجد نعته فى كتبنا فغضبوا وقالوا ذلك وجاز ان يكون المراد بالّذى بين يديه محمد ﷺ وقيل المراد بالّذى بين يديه القيامة والجنة والنار وهذه الجملة معطوفة على ويقولون متى هذا الوعد وَلَوْ تَرى الخطاب لمحمد ﷺ او لكل مخاطب والمفعول محذوف يعنى ولو ترى الظالمين إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ محبوسون عِنْدَ رَبِّهِمْ للحساب الظرف متعلق بتري وجاز ان يكون الظرف مفعولا لترى والمعنى ولو ترى موضع محاسبتهم يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ يعنى يتراجعون بينهم القول ويتجاورون والجملة حال من الضمير فى موقوفون او خبر بعد خبر للظالمون يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا اى الاتباع لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا اى الرؤساء لَوْلا أَنْتُمْ يعنى لولا صدكم إيانا عن الايمان بالله وبرسوله ودعاؤكم إيانا الى الكفر لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) بالنبي فانتم اوقعتمونا فى العذاب و.
قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فى جوابهم أَنَحْنُ صَدَدْناكُمْ استفهام انكار يعنى نحن لم نصدكم عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ الهدى بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) اثبتهم انهم هم الذين صدوا أنفسهم حيث اثروا التقليد ومتابعة الكفار بلا دليل وتركوا متابعة الرسول المؤيد بالمعجزات ولذلك أورد همزة الاستفهام على الاسم.
وَقالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا
اخرج ابن المنذر وابن ابى حاتم من طريق سفيان عن عاصم عن ابى رزين قال كان رجلان شريكين خرج أحدهما الى الشام وبقي الاخر فلمّا بعث النبي ﷺ كتب الى صاحبه فكتب صاحبه يسئله ما عمل فكتب اليه انه لم يتبعه من قريش أحد الا رذالة الناس ومساكينهم فترك تجارته ثم اتى صاحبه فقال دلنى عليه وكان يقرأ بعض الكتب- فاتى النبي ﷺ فقال الى ما تدعو فقال الى كذا وكذا فقال اشهد انك رسول الله فقال وما علمك بذلك قال انه لم يبعث نبى الا اتبعه رذالة الناس ومساكينهم فنزلت.
وَما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ الاية فارسل اليه النبي ﷺ ان الله قد انزل تصديق ما قلت من زائدة ونذير فى محل النصب على المفعولية إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها حال بتقدير قد من نذير يعنى الّا وقد قال مترفوا تلك القرية اى متنعميها خص المتنعمين بالتكذيب لان الداعي الى التكذيب والإنكار غالبا التكبر والمفاخرة بزخارف الدنيا والانهماك فى الشهوات والاستهانة بالفقراء ولذلك ضموا التهكم والمفاخرة الى التكذيب فقالوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (٣٤) مقابلة الجمع بالجمع.
وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً
قُلْ يا محمد ردّا لحسبانهم إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ فى الدّنيا لِمَنْ يَشاءُ امتحانا وَيَقْدِرُ اى يضيق الرزق لمن يشاء ابتلاء وليس القبض والبسط فى الدنيا مبنيا على التوهين والتكريم لان الدنيا دار الابتلاء لا دار الجزاء ولذلك يختلف فيها احوال الاشخاص المتماثلة فى الخصائص والصفات وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ اى الكفار لا يَعْلَمُونَ (٣٦) فيظنون ان كثرة الأموال والأولاد للكرامة-.
وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي اى متلبسة بالخصلة التي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى قال الأخفش زلفى اسم مصدر كأنّه قال يقربكم عندنا تقريبا وجاز ان يكون الباء زائدة والتي محمولا على أموالكم بارادة جماعة أموالكم إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً الاستثناء منقطع يعنى لكن من أمن وعمل صالحا فايمانه وعمله يقربه عنى كذا قال ابن عباس وجاز ان يكون الاستثناء متصلا من مفعول يقربكم يعنى ان الأموال والأولاد لا يقرب الى الله أحدا الّا المؤمن الصالح الذي ينفق ماله فى سبيل الله ويعلّم ولده الخير ويربّيه على الصلاح- او من أموالكم وأولادكم على حذف المضاف يعنى الا اموال من أمن وأولاده فانها تقربه فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا قرء يعقوب جزاء منصوبا منونا على التميز او على انه مصدر لفعله الذي دل عليه والضّعف مرفوعا على انه مبتدا ولهم خبره والجملة خبر أولئك تقديره فاولئك لهم الضّعف يجزون جزاء وعن يعقوب رفعهما على ان الجزاء مبتدا والضعف بدل منه ولهم خبره وقرأ الجمهور جزاء بالرفع على انه مبتدا والضعف بالجر على انه مضاف اليه اضافة المصدر الى المفعول والمراد ان الله يضعف جزاء حسناتهم فيجزون بالحسنة الواحدة عشرا الى سبعمائة الى ما لا نهاية له وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ (٣٧) قرأ حمزة الغرفة على ارادة الجنس والباقون على الجمع
وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا اى فى ابطال آياتنا مُعاجِزِينَ مقدرين عجزنا او ظانّين انهم يفوتوننا أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ (٣٨).
قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ يعنى يوسع عليه تارة ويضيق عليه اخرى فهذا فى شخص واحد باعتبار وقتين وما سبق فى شخصين فلا تكرار وقال صاحب البحر المواج الاولى لرد فخرهم بالعباد وهذا لرد بخلهم حيث قال وَما أَنْفَقْتُمْ فى سبيل الله ما شرطية فى محل النصب وقوله مِنْ شَيْءٍ بيانه وجواب الشرط فَهُوَ الرب يُخْلِفُهُ اى يعطيه ما يخلفه اما بعجلة فى الدنيا واما بدخوله للاخرة فما لكم لا تنفقون أموالكم فى سبيل الله وتبخلون بها وتقديم المسند اليه على المسند الفعلى للتخصيص والتأكيد وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (٣٩) فان غيره وسط فى إيصال رزقه واطلاق الرازق على غيره انما هو بالمجاز والرازق الحقيقي ليس الا الله فان قلت يلزم حينئذ الجمع بين الحقيقة والمجاز فى قوله الرّازقين قلنا المراد هاهنا عموم المجاز..
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ اى الكفار جَمِيعاً المستكبرين والمستضعفين ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ عطف على يحشر قرأ يعقوب وابو جعفر وحفص يحشرهم ويقول بالياء والباقون بالنون فيهما أَهؤُلاءِ الكفار الذين كانوا يعبدون الملائكة ويقولون هم بنات الله إِيَّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) فى الدنيا يقول ذلك تبكيتا للمشركين وتقريعا لهم وإقناطا لهم من الشفاعة وتخصيص الملائكة لانهم اشرف لشركائهم والصالحون للخطاب منهم ولان عبادتهم مبدأ الشرك وأصله والظرف متعلق بقوله.
قالُوا سُبْحانَكَ اى نلزهك تنزيها عن الشريك أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ يعنى أنت الذي خص موالاتنا به دونهم يعنى لا موالاة بيننا وبينهم كانّهم بينوا بذلك براءتهم عن الرضاء بعبادتهم بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ
فَالْيَوْمَ اى فذلك اليوم لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا يعنى لا يملك بعض الخلائق من الجن والانس والملائكة لبعضهم نفعا اثابة او شفاعة ولا تعذيبا إذ الأمر كله لله وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا بوضع العبادة فى غير موضعه ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (٤٢) فى الدنيا عطف على لا يملك..
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ اى على اهل مكة آياتُنا من القران بَيِّناتٍ واضحات على لسان محمّد ﷺ قالُوا ما هذا يعنون محمدا ﷺ إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُكُمْ وَقالُوا ما هذا يعنون القرآن إِلَّا إِفْكٌ اى خير غير مطابق للمواقع مُفْتَرىً يعنون انه افترى محمد على الله انه كلامه وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ يعنى امر النبوة او الإسلام أو القرآن لَمَّا جاءَهُمْ يعنى بمجرد مجيئه عندهم من غير تدبر وتفكر إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (٤٣) اى ظاهر سحريته فالاول باعتبار معناه وهذا باعتبار لفظه او اعجازه وفى تكرير الفعلى والتصريح بذكر الكفرة وما فى اللام من الاشارة الى القائلين والمقول فيه انكار عظيم له وتعجيب بليغ منه.
وَما آتَيْناهُمْ يعنى كفار مكة مِنْ كُتُبٍ فيها دليل على صحة الإشراك هذه الجملة مع ما عطف عليه حال من فاعل قال الّذين كفروا يَدْرُسُونَها وَما أَرْسَلْنا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (٤٤) يدعوهم اليه وينذرهم على تركه فمن اين يدّعون بالشرك ويحكمون على القرآن بالإفك والسحر وعلى النبي بالكذب- وفيه تجهيل لهم وتسفيه لرأيهم ثم هددهم فقال.
وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ من الأمم رسلنا وهم عاد وثمود وقوم ابراهيم وقوم لوط واصحاب مدين واصحاب الايكة هذا ايضا حال بتقدير قد او معطوف على قال الّذين كفروا وَما بَلَغُوا يعنى هؤلاء الكفار اى كفار مكة مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ اى عشر ما أعطينا الأمم الخالية من العدة
قُلْ يا محمد إِنَّما أَعِظُكُمْ اى أرشدكم وانصح لكم بِواحِدَةٍ اى بخصلة واحدة وهى ما دل عليه قوله أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ ليس المراد بالقيام ضد الجلوس والرقود بل المراد به الانتصاب فى الأمر والتصدي له كما فى قوله تعالى أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ والمعنى ان تنتصبوا فى التفكر خالصا لوجه الله معرضا عن التعصب والتقليد مَثْنى وَفُرادى يعنى اثنين اثنين وواحدا واحدا فان الازدحام يشوش الخاطر حالان من فاعل تقوموا ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا فى امر محمد ﷺ وما جاء به عطف على تقوموا يعنى قوموا اما اثنين اثنين فيتفكران ويعرض كل واحد منهما فكره على صاحبه وينظران بنظر الانصاف او يتفكر فرد فرد فى نفسه بعدل ونصفة حتى يتضح له الحق- وان مع صلته أما فى محل الجر بدلا من واحدة او بيانا له وأما فى محل الرفع بإضمار هو واما فى محل النصب بإضمار اعنى ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ متعلق بتتفكّروا بتضمين يعلموا ارشاد الى مواد التفكر والمراد ان هذا امر بديهي وهو ان صاحبكم محمدا ﷺ ليس به جنون فانه ذو عقل سليم ولبّ عظيم وفهم مستقيم لا ينكره الا معاند او مجنون- وبديهي ان من له عقل سليم لا يتصدى الأمر عظيم عبث يعادى بسببه الخلائق مع كونه متوحدا صفر اليد من غير تحقيق ووثوق ببرهان من غير فائدة معتدة به من جلب نفع او دفع ضرر- وجلب نفع او دفع ضرر دنيوى غير موجود اما جلب النفع فمنفى حيث يقول.
ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ وكذا دفع الضرر لان ضرر
قُلْ يا محمد إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ اى يلقيه وينزله على من يشاء ان يجتبيه من عباده او المعنى يرمى به الباطل فيدمغه او المعنى يرمى به الى أقطار الآفاق
قُلْ يا محمد جاءَ الْحَقُّ اى القران والإسلام والتوحيد وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ (٤٩) اى ذهب الباطل يعنى الشرك وزهق فلم يبق منه بقية تبدى شيئا او تعيده كما قال بل يقذف بالحقّ على الباطل فيدمغه فاذا هو زاهق وقال قتادة الباطل إبليس اى ما يخلق إبليس أحدا ولا يبعثه وهو قول الكلبي ايضا وقيل الباطل الأصنام- قال البغوي ان كفار مكة كانوا يقولون للنبى ﷺ انك قد ضللت حتى تركت دين ابائك فانزل الله تعالى.
قُلْ يا محمد إِنْ ضَلَلْتُ يعنى ما تدينت به من الدين ان كان ضلالا كما تقولون فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي يعنى وبال ضلالى انما يعود الى نفسى فكيف اختار الوبال على نفسى مع انه لا جنون بي ولا منفعة دنيوية يعود الىّ وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي يعنى ان كان هذا هداية فليس من قبل نفسى ولا من عند أحد من اهل هذا البلد لظهور انى أمي ما كتبت ولا قرأت على أحد فليس هو الا مستفادا من الله وحيا فيجب عليكم ان تتبعونى فتهتدوا كما اهتديت فهذا استدلال على النبوة وهذا الوجه المقابلة بين الشرطين وقال البيضاوي فى وجه المقابلة ان معنى قوله ان ضللت فانّما اضلّ على نفسى فان وبال ضلالى عليها فانه بسببها فانها هى الضالة بالذات والامارة بالسوء وان أهديت فبهدايته تعالى فعلى هذا وزان هذه الاية قوله تعالى ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيّئة فمن نفسك
وَلَوْ تَرى ايها المخاطب إِذْ فَزِعُوا وقت فزع الكفار عند الموت وقال قتادة عند البعث وجواب لو محذوف يعنى لرايت امرا فظيعا فَلا فَوْتَ لهم يعنى فلا يفوتون الله بهرب او تحصن او بإعطاء فداء عن نفسه وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٥١) يعنى من ظهر الأرض الى بطنها كما قيل او من الموقف الى النار وقال الضحاك هو يوم بدر فزعوا وأخذوا من مكان قريب بعذاب الدنيا لكن لا يناسب هذا التأويل قوله.
وَقالُوا آمَنَّا بِهِ اى بمحمد ﷺ وقد مر ذكره فى قوله ما بصاحبكم فانهم لم يقولوا يوم بدرا منّا به بل قال ابو جهل حين قتل وكان به رمق وأخذ ابن مسعود لحيته وقال الحمد لله الذي أخزاك يا عدو الله قال بماذا أخزاني هل زاد على رجل قتله قومه وهل كان الّا هذا. وانما يقولون امنّا به عند البأس إذا اخذه سكرات الموات وعند البعث من القبور إذا عاينوا العذاب وعند البعث الى النار وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص وابو جعفر ويعقوب وابو محمد بضم الواو بغير مد ومعناه التناول يعنى من اين لهم ان يتناولوا الايمان والتوبة والباقون التّناؤش بالمد والهمزة وإذا وقف حمزة جعلها بين بين لان ذلك من النئش بالهمزة وهو الحركة فى الإبطاء يعنى انى لهم ان يتحركوا ويطلبوا الايمان والتوبة وجاز ان يكون من النوش بمعنى التناوش فيكون أصله الواو ثم يهمز للزوم ختمها فعلى هذا يقف حمزة بضم الواو ورد ذلك الى أصله كذا قال الداني فى التيسير- قال فى القاموس النأش يعنى بالهمز التناول كالتناوش والاخذ والبطش والنهوض والتأخير ولا يستقيم التأخير هاهنا ويستقيم غير ذلك والنوش يعنى بالواو التناول والطلب والمشي والاسراع في النهوض مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥١) فان تناول الايمان انما هو فى حين التكليف انه بعد عنهم حين التكليف وهذا تمثيل حالهم فى الاستخلاص بعد ما فات عنهم وبعد عنهم مجال من يريد تناول الشيء من غلوة مثل تناوله على ذراع فى الاستحالة
وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ اى بالله وقد مر ذكره او بمحمد وقد ذكر بقوله ما بصاحبكم او بالقرآن المذكور بقوله جاء الحقّ او بالعذاب المفهوم من قوله أخذوا والجملة حال من فاعل قالوا مِنْ قَبْلُ ذلك الوقت فى أوان التكليف وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣) اى من جانب بعيد من امر النبي ﷺ وهو الشّبه الذي تمحلوها فى امر الرسول ﷺ وحال الاخرة كما حكاه من قبل ولعله تمثيل لحالهم فى ذلك بحال من يرمى شيئا لا يراه من مكان بعيد لا محال الظن فى لحوقه قال مجاهد يرمون محمدا ﷺ بما لا يعلمون يقولون شاعر ساحر كذّاب بلا تحقيق هذا تكلم بالغيب وقال قتادة يرمون بالظن يقولون لا بعث ولا جنة ولا نار وهذا معطوف على قوله وقد كفروا به على حكاية الحال الماضية او على قالوا فيكون تمثيلا لحالهم بحال القاذف فى تحصيل ما ضيعوه من الايمان فى الدنيا-.
وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ من نفع الايمان والنجاة من النار او الرجوع الى الدنيا او كل ما يشتهيه الطبع من المأكولات والمشروبات وغيرها التي كانت لهم ميسرة فى الدنيا والظرف قائم مقام فاعل حيل او هو مسند الى مصدره اى حيل الحيلولة قرأ ابن عامر والكسائي حيل بإشمام الضم للحاء والباقون بإخلاص الكسر كَما فُعِلَ بِأَشْياعِهِمْ اى باشباههم من كفار الأمم الخالية مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا فِي شَكٍّ من البعث ونزول العذاب بهم مُرِيبٍ (٥٤) موقع للريبة او ذى الريبة منقول من المشكك او الشاك نعت به الشك للمبالغة- تم تفسير سورة السبا من التفسير المظهرى فى العشرين من المحرم من السنة السابعة بعد الف ومائتين سنة ١٢٠٧ من الهجرة ويتلوه تفسير سورة الملائكة إنشاء الله تعالى وصلى الله على خير خلقه محمد واله وأصحابه أجمعين.