ﰡ
وهاهنا يكشف الحق سبحانه وتعالى النقاب عن حقيقة كبرى قلما يلتفت إليها كثير من الناس، ألا وهي أن جميع ما خلقه الله من العوالم والأكوان، بما فيها من جماد ونبات وحيوان، يدين كله بالطاعة لله، ويسبح بحمده، ولا يجادل في آية من آياته، ما عدا شرذمة كافرة مستهترة من بني الإنسان، هي التي تجادل في آياته، وتقف موقف التحدي لتوجيهاته، وتتبرم بطاعته، وتتصدى لمعصيته، ﴿ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ﴾، لكن الله تعالى يطمئن رسوله والمؤمنين في نفس الوقت على أن مصير الشرذمة من الكافرين، الذين يتظاهرون بالكبر والجبروت والاستعلاء، سيكون مصيرا مفجعا ومفزعا، وأن الثمرة الوحيدة التي سيجنونها من جدالهم في آيات الله، وتصديهم للكفر به، عنادا واستكبارا، لن تكون إلا الخيبة والبوار، والهزيمة المرة، في الدنيا أولا، والآخرة ثانيا ﴿ فلا يغررك تقلبهم في البلاد( ٤ ) ﴾، ولقد صدق الله نبيه وعده، عندما انهزم الشرك والمشركون في جزيرة العرب أولا، ثم في غيرها من بقية أطراف العالم ثانيا، وظهر الإسلام على غيره من المعتقدات الباطلة، في كثير من بقاع المعمور، وهاهو لا يزال يشق طريقه المرسوم، إلى أن يتم له النصر والظهور.
وقوله تعالى على لسان الملائكة :﴿ ومن صلح ﴾، إخراج لمن لم يكن من الصالحين من آباء المؤمنين أو أزواجهم أو ذرياتهم، فهؤلاء لا يلحقون بهذا الركب في الآخرة، بعدما فارقوه عقيدة وسلوكا، طيلة حياتهم وهم في الدنيا، ﴿ إنه عمل غير صالح ﴾ ( ٤٦ : ١١ )، ﴿ فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون ﴾ ( ١٠١ : ٢٣ ).
وقوله تعالى هنا :﴿ وقهم السيئات، ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته ﴾، يدل على أن المعنى الأصلي المراد من استعمال كلمة " التقوى " هو أن يجعل المؤمن بينه وبين ارتكاب السيئات وممارستها حائلا قويا، وحاجزا حصينا، وأن يتخذ للوقاية منها جميع التدابير.
ولابد من وقفة خاصة عندما حكاه كتاب الله على لسان الكافرين الذين كانوا يكذبون بالبعث والدار الآخرة، ثم لما استقروا في دار الجحيم، ﴿ قالوا ربنا أمتنا اثنتين، وأحييتنا اثنتين ﴾، فما معنى الموت مرتين، وما معنى الحياة مرتين، وما هو ترتيب الموتتين والحياتين ؟.
والجواب المأثور في هذا الصدد عن عبد لله ابن مسعود وابن عباس وجملة من مفسري السلف هو أن أحسن تفسير لهذه الآية يؤخذ من نص الآية الثانية والعشرين، الواردة في سورة البقرة، حيث قال تعالى مخاطبا للكافرين محتجا عليهم ( ٢٨ ) :﴿ كيف تكفرون بالله، وكنتم أمواتا، فأحياكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون ﴾، فمعنى ﴿ كنتم أمواتا ﴾، في هذه الآية : كنتم عدما قبل أن يمن الله عليكم بنعمة الإيجاد، على حد قوله تعالى في آية أخرى ( ١ : ٧٦ ) :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ﴾، ومعنى ﴿ فأحياكم ﴾ : أخرجكم من العدم ونفخ فيكم روح الحياة، ومعنى :﴿ ثم يميتكم ﴾ أي : يقبض أرواحكم عند حلول الأجل ومفارقة الدنيا، ومعنى ﴿ ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون ﴾، أي : يبعثكم من مرقدكم يوم القيامة للحساب في دار الجزاء، وبذلك يتضح معنى الموتتين ومعنى الحياتين، وهكذا يكون الموت الأول -على سبيل المجاز- هو العدم السابق قبل الخلق، والموت الثاني بالنسبة إليه هو قبض الروح عند مفارقة الدنيا، وهذا هو أول " موت حقيقي " بعد ممارسة الحياة، وقد نفى كتاب الله الابتلاء به في دار النعيم بعد الابتلاء به في الدنيا، فقال تعالى في سورة الدخان ( ٥٦ ) :﴿ لا يذوقون فيها الموت، إلا الموتة الأولى ﴾، أما الحياة الأولى فهي الخلق والإيجاد بعد العدم، أو الحياة الثانية فهي الإحياء للبعث يوم القيامة، وهذا القول في تفسير الآية هو الذي اختاره ابن عطية، وصححه ابن كثير، ترجيحا لتفسير القرآن بالقرآن.
ولابد من وقفة خاصة عندما حكاه كتاب الله على لسان الكافرين الذين كانوا يكذبون بالبعث والدار الآخرة، ثم لما استقروا في دار الجحيم، ﴿ قالوا ربنا أمتنا اثنتين، وأحييتنا اثنتين ﴾، فما معنى الموت مرتين، وما معنى الحياة مرتين، وما هو ترتيب الموتتين والحياتين ؟.
والجواب المأثور في هذا الصدد عن عبد لله ابن مسعود وابن عباس وجملة من مفسري السلف هو أن أحسن تفسير لهذه الآية يؤخذ من نص الآية الثانية والعشرين، الواردة في سورة البقرة، حيث قال تعالى مخاطبا للكافرين محتجا عليهم ( ٢٨ ) :﴿ كيف تكفرون بالله، وكنتم أمواتا، فأحياكم، ثم يميتكم، ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون ﴾، فمعنى ﴿ كنتم أمواتا ﴾، في هذه الآية : كنتم عدما قبل أن يمن الله عليكم بنعمة الإيجاد، على حد قوله تعالى في آية أخرى ( ١ : ٧٦ ) :﴿ هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ﴾، ومعنى ﴿ فأحياكم ﴾ : أخرجكم من العدم ونفخ فيكم روح الحياة، ومعنى :﴿ ثم يميتكم ﴾ أي : يقبض أرواحكم عند حلول الأجل ومفارقة الدنيا، ومعنى ﴿ ثم يحييكم، ثم إليه ترجعون ﴾، أي : يبعثكم من مرقدكم يوم القيامة للحساب في دار الجزاء، وبذلك يتضح معنى الموتتين ومعنى الحياتين، وهكذا يكون الموت الأول -على سبيل المجاز- هو العدم السابق قبل الخلق، والموت الثاني بالنسبة إليه هو قبض الروح عند مفارقة الدنيا، وهذا هو أول " موت حقيقي " بعد ممارسة الحياة، وقد نفى كتاب الله الابتلاء به في دار النعيم بعد الابتلاء به في الدنيا، فقال تعالى في سورة الدخان ( ٥٦ ) :﴿ لا يذوقون فيها الموت، إلا الموتة الأولى ﴾، أما الحياة الأولى فهي الخلق والإيجاد بعد العدم، أو الحياة الثانية فهي الإحياء للبعث يوم القيامة، وهذا القول في تفسير الآية هو الذي اختاره ابن عطية، وصححه ابن كثير، ترجيحا لتفسير القرآن بالقرآن.
الربع الأخير من الحزب السابع والأربعين
في المصحف الكريم
وفي نفس الوقت يحض كتاب الله كل باحث عن الحق، متطلع إلى معرفة الحقيقة في أمر النبوات والرسالات، على أن يسير في أرض الله باحثا منقبا لاستكشاف آثار الأمم الغابرة، ومشاهدة البقية الباقية من حضارتها الذاهبة، ففي ذلك العبرة البالغة، والدليل القاطع، على المصير المظلم الذي ينتظر الضالين، والنهاية المخزية التي تصيب الكافرين، وذلك قوله تعالى :﴿ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم، كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم، وما كان لهم من الله من واق( ٢١ ) ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله، إنه قوي شديد العقاب( ٢٢ ) ﴾، ففي هذه الآية وما ماثلها بين الحق سبحانه وتعالى ما أصاب الأمم الغابرة، والحضارات القديمة، من التلاشي والزوال، وما نزل بساحتها من الدمار والاضمحلال، ويؤكد كتاب الله أن أكبر سبب للدمار الذي أصابها، والاضمحلال الذي نزل بها، هو أنها سلكت طريقا مضادا من كل الوجوه، للتوجيه الإلهي الرشيد، الذي جاء به الأنبياء والرسل، ولم تتبع سنة الله التي رسمها لصلاح الخلق ورشادهم في هذه الدنيا، فانقلبت قوتها القاهرة، إلى ضعف وفناء، وأصبحت آثارها الباهرة، عبارة عن أطلال وأشلاء، رغم كل ما بذلته في سبيلها من المال والجهد والعناء، ﴿ وكانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم ﴾.
وفي نفس الوقت يحض كتاب الله كل باحث عن الحق، متطلع إلى معرفة الحقيقة في أمر النبوات والرسالات، على أن يسير في أرض الله باحثا منقبا لاستكشاف آثار الأمم الغابرة، ومشاهدة البقية الباقية من حضارتها الذاهبة، ففي ذلك العبرة البالغة، والدليل القاطع، على المصير المظلم الذي ينتظر الضالين، والنهاية المخزية التي تصيب الكافرين، وذلك قوله تعالى :﴿ أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم، كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم، وما كان لهم من الله من واق( ٢١ ) ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله، إنه قوي شديد العقاب( ٢٢ ) ﴾، ففي هذه الآية وما ماثلها بين الحق سبحانه وتعالى ما أصاب الأمم الغابرة، والحضارات القديمة، من التلاشي والزوال، وما نزل بساحتها من الدمار والاضمحلال، ويؤكد كتاب الله أن أكبر سبب للدمار الذي أصابها، والاضمحلال الذي نزل بها، هو أنها سلكت طريقا مضادا من كل الوجوه، للتوجيه الإلهي الرشيد، الذي جاء به الأنبياء والرسل، ولم تتبع سنة الله التي رسمها لصلاح الخلق ورشادهم في هذه الدنيا، فانقلبت قوتها القاهرة، إلى ضعف وفناء، وأصبحت آثارها الباهرة، عبارة عن أطلال وأشلاء، رغم كل ما بذلته في سبيلها من المال والجهد والعناء، ﴿ وكانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض، فأخذهم الله بذنوبهم ﴾.
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر : " تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره : " التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة : " أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
وجاء تعقيب الآيات على قصة فرعون، وخطته الماكرة للقضاء على موسى والتخلص من دعوته، بما يؤكد فشل خطة فرعون ورجاله بدءا وختاما، وذلك قوله تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ، وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ، وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلا فِي تَبَابٍ( ٣٧ ) ﴾، وقوله تعالى من قبل :﴿ وما كيد الكافرين إلا في ضلال( ٢٥ ) ﴾.
ويبرز كتاب الله في وسط هذه المعركة القائمة بين الحق والباطل، ما تركته دعوة موسى- رغما من مقاومة فرعون ورجاله- من الأثر العميق والحميد بين آل فرعون أنفسهم وبعض قرابته الأقربين، فالبذرة الصالحة متى وجدت تربة طيبة أسرثت إلى النمو فورا، ذلك أن رجلا من آل فرعون قد شرح الله صدره للإيمان بما جاء به موسى من عند الله، لكنه كتم إيمانه عن فرعون فترة من الزمن، ولم يعلنه لأحد من الناس، وبدافع من إيمانه الخفي المكتوم أخذ على عاتقه الدفاع عن موسى حتى لا يناله أذى فرعون، وبسبب تدخله لم يقدم فرعون على تنفيذ حكم الإعدام في موسى، بل إن هذا المؤمن من آل فرعون مضى في سبيل الدفاع عن عقيدته الإيمانية الجديدة خطوة أبعد، فأخذ يمهد السبيل ويهيئ الجو، حتى يتمكن موسى من أن ينشر دعوته بين الناس وهو آمن على نفسه وعلى دعوته، دون مضايقة ولا متابعة، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى :﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ -آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ، وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ، وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ( ٢٨ ) ﴾.
وينص كتاب الله على أن مؤمن آل فرعون – وإن كان لم يعلن إيمانه بموسى في الحين - فقد تولى بنفسه نشر جزء مهم من دعوة موسى بين أعضاء الحاشية التابعة لفرعون، بصفة أنه مجرد " ناصح لقومه أمين " لا بصفة كونه تابعا من أتباع موسى وصحبه، وذلك ما تحكيه الآيات الكريمة على لسان " مؤمن آل فرعون " نفسه إذ يقول :﴿ يا قوم لكم الملك اليوم، ظاهرين في الأرض، فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب( ٣٠ ) مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم، وما الله يريد ظلما للعباد( ٣١ ) ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد( ٣٢ ) يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ﴾، ﴿ وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع، وإن الآخرة هي دار القرار( ٣٩ ) ﴾.
ومؤمن آل فرعون باختياره لهذا التعبير بالخصوص وهو :﴿ اتبعون أهدكم سبيل الرشاد( ٣٨ ) ﴾، كان يقصد، من بعيد، إبطال ما ادعاه فرعون أمام قومه عندما قال لهم مضللا مزورا :﴿ ما أريكم إلا ما أرى ومآ أهديكم سبيل الرشاد ﴾، وذلك لنقض ادعائه الباطل، وهكذا أيد الله موسى وهو يصارع فرعون ويقارعه، فلم تذهب دعوته سدى، ورزقته العناية الإلهية من بين آل فرعون أنفسهم سندا ومددا.
ومما يحسن التنبيه إليه من مفردات هذا الربع كلمة " سلطان "، وكلمة " الأحزاب "، وكلمة " التناد "، فقد وردت كلمة " سلطان "، في قوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين ﴾ ثم في قوله تعالى :﴿ الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم ﴾، والمراد بها في كلتا الآيتين : الحجة والبرهان، التي تفرض نفسها على الخصم، ولا يسعه عند سماعها إلا الاقتناع والإذعان، ووردت كلمة " الأحزاب "، في قوله تعالى :﴿ وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب، مثل دأب قوم نوح، وعاد وثمود والذين من بعدهم ﴾، وكما استعملها كتاب الله في " سورة الأحزاب " للتعبير عن المجتمعين الذين تحالفوا على محاربة النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، استعملت في هذا الربع وغيره من بقية السور، للتعبير عن جميع من تحزبوا على أنبياء الله ورسله، وتصدوا لهم بالمعارضة والمقاومة في مختلف الأجيال والعصور، فكان لكل " حزب " منهم يومه الموعود، ﴿ ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد ﴾، وهي مصدر :" تنادى القوم، أي نادى بعضهم بعضا. قال ابن عباس وغيره :" التناد " خفيفة الدال، هي التنادي، والمراد " بيوم التناد " يوم القيامة، وسمي بذلك لما يقع فيه من نداء الناس بعضهم بعضا عند قيام الساعة والتوجه إلى المحشر، وما يقع فيه من مناداة كل قوم بأعمالهم عند الحساب، ومناداة أهل النار لأهل الجنة :﴿ ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله، قالوا إن الله حرمهما على الكافرين ﴾ ( ٥٠ : ٧ )، ومناداة أهل الجنة لأهل النار :﴿ ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا، قالوا نعم ﴾ ( ٤٤ : ٧ )، ومناداة :" أصحاب الأعراف "، للوافدين عليهم لتمييز أهل الجنة من أهل النار، ﴿ ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم ﴾ ( ٤٨ : ٧ )، قال ابن كثير :( واختار البغوي أن يوم القيامة سمي " بيوم التناد " لمجموع هذه المعاني، وهو قول حسن جيد، والله أعلم ).
في المصحف الكريم
لا تزال الآيات البينات تحكي في هذا الربع ذيول قصة موسى وفرعون، وتصف الدور الإيماني الكبير الذي اضطلع به " مؤمن آل فرعون " بعدما كان يكتم إيمانه بموسى ورسالته، فانتقل تدريجيا من مرحلة الكتمان، إلى مرحلة الجهر بالإيمان، وأخذ يوجه النقد اللاذع لما عليه فرعون وقومه من معتقدات باطلة، لا علاقة لها بالحق والصدق، لا من قريب ولا من بعيد، مبينا لهم أن ما يدعونه ويعبدونه من دون الله لا يضر ولا ينفع، وأن التعلق بغير الله محض ضلال وخبال، وذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون بعد ما جهر بإيمانه :﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار، ( ٤١ ) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( ٤٢ ) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( ٤٣ ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ٤٤ ) ﴾.
في المصحف الكريم
لا تزال الآيات البينات تحكي في هذا الربع ذيول قصة موسى وفرعون، وتصف الدور الإيماني الكبير الذي اضطلع به " مؤمن آل فرعون " بعدما كان يكتم إيمانه بموسى ورسالته، فانتقل تدريجيا من مرحلة الكتمان، إلى مرحلة الجهر بالإيمان، وأخذ يوجه النقد اللاذع لما عليه فرعون وقومه من معتقدات باطلة، لا علاقة لها بالحق والصدق، لا من قريب ولا من بعيد، مبينا لهم أن ما يدعونه ويعبدونه من دون الله لا يضر ولا ينفع، وأن التعلق بغير الله محض ضلال وخبال، وذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون بعد ما جهر بإيمانه :﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار، ( ٤١ ) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( ٤٢ ) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( ٤٣ ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ٤٤ ) ﴾.
في المصحف الكريم
لا تزال الآيات البينات تحكي في هذا الربع ذيول قصة موسى وفرعون، وتصف الدور الإيماني الكبير الذي اضطلع به " مؤمن آل فرعون " بعدما كان يكتم إيمانه بموسى ورسالته، فانتقل تدريجيا من مرحلة الكتمان، إلى مرحلة الجهر بالإيمان، وأخذ يوجه النقد اللاذع لما عليه فرعون وقومه من معتقدات باطلة، لا علاقة لها بالحق والصدق، لا من قريب ولا من بعيد، مبينا لهم أن ما يدعونه ويعبدونه من دون الله لا يضر ولا ينفع، وأن التعلق بغير الله محض ضلال وخبال، وذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون بعد ما جهر بإيمانه :﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار، ( ٤١ ) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( ٤٢ ) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( ٤٣ ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ٤٤ ) ﴾.
في المصحف الكريم
لا تزال الآيات البينات تحكي في هذا الربع ذيول قصة موسى وفرعون، وتصف الدور الإيماني الكبير الذي اضطلع به " مؤمن آل فرعون " بعدما كان يكتم إيمانه بموسى ورسالته، فانتقل تدريجيا من مرحلة الكتمان، إلى مرحلة الجهر بالإيمان، وأخذ يوجه النقد اللاذع لما عليه فرعون وقومه من معتقدات باطلة، لا علاقة لها بالحق والصدق، لا من قريب ولا من بعيد، مبينا لهم أن ما يدعونه ويعبدونه من دون الله لا يضر ولا ينفع، وأن التعلق بغير الله محض ضلال وخبال، وذلك قوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون بعد ما جهر بإيمانه :﴿ وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّار، ( ٤١ ) تَدْعُونَنِي لأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ( ٤٢ ) لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ، وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ( ٤٣ ) فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ( ٤٤ ) ﴾.
الأمر الأول : أن فرعون وآله ممن كذبوا موسى ولم يؤمنوا برسالته يعذبون باستمرار، عقابا لهم من الله، فأرواحهم تعرض على النار صباحا ومساء منذ عوقبوا بالغرق إلى قيام الساعة.
الأمر الثاني : أنه إذا قامت القيامة ووقع النشر والحشر والحساب فإن الحق سبحانه وتعالى يأمر خزنة جهنم بأن يدخلوا فرعون وآله أشد العذاب ألما، وأعظمه نكالا، جزاء وفاقا. قال ابن كثير في تفسيره : " وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور، وهي قوله تعالى :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ﴾، ثم بين ابن كثير : أن هذه الآية إنما دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا في البرزخ، وليس فيها دلالة على اتصال تألمهما بأجسادها في القبور، إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح، فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ وتألمه بسببه فلم تدل عليه إلا السنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال هذا مقعدك، حتى يبعثك الله عز وجل إليه يوم القيامة "، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث مالك عن نافع عن ابن عمر.
ونظرا لما يتعرض له الإنسان، ويسيطر عليه من الغفلة والنسيان، ذكره كتاب الله بما أسبغ عليه من النعم، وما منحه من واسع الكرم، فقال تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لذو فضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون( ٦١ ) ﴾، وقال تعالى :﴿ وصوركم فأحسن صوركم، ورزقكم من الطيبات ﴾، وفي هذا الخطاب الموجه بالخصوص إلى الناس، من " رب الناس ملك الناس " غاية الإكرام والتكريم، لمن جعله الله خليفة في الأرض وأنزل عليه الذكر الحكيم، وقال في حقه :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾.
وجاء مسك الختام مطابقا لما يوحي به المقام، فقال تعالى :﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( ٦٤ ) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين( ٦٥ ) ﴾.
ونظرا لما يتعرض له الإنسان، ويسيطر عليه من الغفلة والنسيان، ذكره كتاب الله بما أسبغ عليه من النعم، وما منحه من واسع الكرم، فقال تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لذو فضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون( ٦١ ) ﴾، وقال تعالى :﴿ وصوركم فأحسن صوركم، ورزقكم من الطيبات ﴾، وفي هذا الخطاب الموجه بالخصوص إلى الناس، من " رب الناس ملك الناس " غاية الإكرام والتكريم، لمن جعله الله خليفة في الأرض وأنزل عليه الذكر الحكيم، وقال في حقه :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾.
وجاء مسك الختام مطابقا لما يوحي به المقام، فقال تعالى :﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( ٦٤ ) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين( ٦٥ ) ﴾.
ونظرا لما يتعرض له الإنسان، ويسيطر عليه من الغفلة والنسيان، ذكره كتاب الله بما أسبغ عليه من النعم، وما منحه من واسع الكرم، فقال تعالى في نفس السياق :﴿ إن الله لذو فضل على الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون( ٦١ ) ﴾، وقال تعالى :﴿ وصوركم فأحسن صوركم، ورزقكم من الطيبات ﴾، وفي هذا الخطاب الموجه بالخصوص إلى الناس، من " رب الناس ملك الناس " غاية الإكرام والتكريم، لمن جعله الله خليفة في الأرض وأنزل عليه الذكر الحكيم، وقال في حقه :﴿ لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ﴾.
وجاء مسك الختام مطابقا لما يوحي به المقام، فقال تعالى :﴿ ذَالِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ( ٦٤ ) هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين( ٦٥ ) ﴾.
في هذا الربع يتجدد الحديث عن جملة من الحقائق الإيمانية، تثبيتا لها في النفوس، وتركيزا لها في العقول :
من جملتها قصة حياة الإنسان، ووصف نشأته الأولى وتطوره في مختلف الأطوار.
ومن جملتها وصف حالة الأنبياء والرسل، وما يعترض طريقهم من العقبات، وما يلزمهم في سبيل إبلاغ الرسالة الإلهية من العزم والثبات والصبر، وما يؤول إليه أمرهم من الفوز والغلبة والنصر.
ومن جملتها ما يحل بساحة المعاندين الذين يجادلون في آيات الله ويتحدون رسله، من الهلاك والدمار في دار الدنيا، وما يحاولونه في آخر ساعة من تدارك للإيمان، بعد فوات الأوان، ﴿ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا، سنة الله التي قد خلت في عباده، وخسر هنالك الكافرون ﴾.
ومن جملتها ما ينتظر المكذبين بالله وكتبه ورسله من الوعيد الشديد في الدار الآخرة، ﴿ فإذا جاء أمر الله قضي بالحق، وخسر هنالك المبطلون( ٨٥ ) ﴾.
وأول آية من هذا الربع هي خطاب من الله تعالى لنبيه يلقن فيها رسوله كيف ينبغي له أن يرد على المشركين، مسفها سعيهم لحمله على مهادنة الشرك وعدم التعرض لعبادة الأصنام والأوثان، وقاطعا لهم كل أمل في الإبقاء على المعتقدات الزائغة التي يدينون بها، والتقاليد الزائفة التي يقدسونها، وهذه الآية تتضمن في نفس الوقت بيان السبب الرئيسي الذي من أجله أشهر الرسول عليه الصلاة والسلام حربا شعواء على الشرك والمشركين، فقد أنزل الله عليه من البينات الصارخة، والحجج القارعة، منذ اختاره رسولا إلى العالمين، ما يهدم صروح الشرك، ويدك قلاع المشركين، وقد أمره الله أن يحرر البشرية كلها من أغلال الشرك بالله، وأن يعيدها إلى فطرتها الأولى، وهي الإسلام والاستسلام لله، ﴿ فطرة الله التي فطر الناس عليها، لا تبديل لخلق الله ﴾ ( ٣٠ : ٣٠ )، وذلك قوله تعالى مخاطبا لنبيه وملقنا :﴿ قل : إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين( ٦٦ ) ﴾.
وقوله تعالى في نفس هذه الآية :﴿ ولعلكم تعقلون ﴾ بعد قوله :﴿ ولتبلغوا أجلا مسمى ﴾ وقبل قوله :﴿ هو الذي يحيي ويميت ﴾ فيه إشارة صريحة إلى أن الإنسان متى فكر في مراحل نشأته وحياته وموته بعقل يقظ، وبصيرة نافذة، عرف الله حق المعرفة، وآمن به حق الإيمان، وأحس من أعماق قلبه أنه عاجز أمام القوة الإلهية لا يستطيع لتصرفها ردا ولا دفعا، وأنه مدين لها بكل ملكاته وجوارحه، وبجميع النعم التي يتقلب فيها، وأن الله قد أحسن إليه وفيه صنعا.
وقوله تعالى في نفس هذه الآية :﴿ ولعلكم تعقلون ﴾ بعد قوله :﴿ ولتبلغوا أجلا مسمى ﴾ وقبل قوله :﴿ هو الذي يحيي ويميت ﴾ فيه إشارة صريحة إلى أن الإنسان متى فكر في مراحل نشأته وحياته وموته بعقل يقظ، وبصيرة نافذة، عرف الله حق المعرفة، وآمن به حق الإيمان، وأحس من أعماق قلبه أنه عاجز أمام القوة الإلهية لا يستطيع لتصرفها ردا ولا دفعا، وأنه مدين لها بكل ملكاته وجوارحه، وبجميع النعم التي يتقلب فيها، وأن الله قد أحسن إليه وفيه صنعا.
وقوله تعالى في نفس هذه الآية :﴿ ولعلكم تعقلون ﴾ بعد قوله :﴿ ولتبلغوا أجلا مسمى ﴾ وقبل قوله :﴿ هو الذي يحيي ويميت ﴾ فيه إشارة صريحة إلى أن الإنسان متى فكر في مراحل نشأته وحياته وموته بعقل يقظ، وبصيرة نافذة، عرف الله حق المعرفة، وآمن به حق الإيمان، وأحس من أعماق قلبه أنه عاجز أمام القوة الإلهية لا يستطيع لتصرفها ردا ولا دفعا، وأنه مدين لها بكل ملكاته وجوارحه، وبجميع النعم التي يتقلب فيها، وأن الله قد أحسن إليه وفيه صنعا.