تفسير سورة محمد

تفسير التستري
تفسير سورة سورة محمد من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري .
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها محمد صلى الله عليه وسلّم
[سورة محمد (٤٧) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١)
قوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ [١] قال: أضلها في إطلاق القول بلا حقيقة معه.
[سورة محمد (٤٧) : آية ٥]
سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥)
قوله: سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ [٥] قال: يعني سيهديهم في قبورهم لجواب منكر ونكير ويصلح بالهم. قال: أي صلح يسرع لهم في القلب بمباشرة الجزاء، وفي الآخرة بلذة اللقاء عند تجلي المكاشفة كفاحاً، والتولي لهم عند ذلك،
[سورة محمد (٤٧) : آية ١١]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١)
كما قال: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا [١١] أي بالرضى والمحبة والحفظ على مقام القرب.
[سورة محمد (٤٧) : آية ١٥]
مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥)
قوله: وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ [١٥] قال: المغفرة من ربهم في الجنة ما يغشاهم عند النظر إلى الحق من أنواره.
[سورة محمد (٤٧) : آية ١٩]
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩)
قوله: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [١٩] قال: يعني استغفر من همة نفس الطبع. قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «ما منا إلا من همّ فعصى»، يعني همت نفسه عليه على قلبه بحظها من عاجل شهوتها بشيء دونه، ثم أعرض عن ذلك واستغفر الله، كما قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله تعالى في كل يوم سبعين مرة» «١».
[سورة محمد (٤٧) : آية ٢٤]
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤)
قوله: أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [٢٤] قال: إن الله تعالى خلق القلوب وأقفل عليها بأقفال، وجعل مفاتيحها حقائق الإيمان، فلم يفتح بتلك المفاتيح على التحقيق إلا قلوب أوليائه والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين والصديقين وسائر الناس يخرجون من الدنيا، ولم تفتح أقفال قلوبهم، والزهاد والعباد والعلماء خرجوا منها وقلوبهم مقفلة، لأنهم طلبوا مفاتيحها في
(١) صحيح البخاري: كتاب الدعوات، رقم ٥٩٤٨ وشرح سنن ابن ماجة ١/ ٢٧٠ (رقم ٣٨١٥) ومسند أحمد ٤/ ٢١١.
العقل، فضلوا الطريق، ولو طلبوه من جهة التوفيق والفضل لأدركوه، والمفتاح أن تعلم أن الله قائم عليك، رقيب على جوارحك، وتعلم أن العمل لا يكمل إلا بالإخلاص مع المراقبة.
قوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ [١٣] في الآية دليل على تفضيله على الكليم، لأنه لم يخرج خوفاً منهم، كما خرج موسى عليه السلام، ولكنه خرج كما قال الله تعالى: أَخْرَجَتْكَ [١٣] ولم يقل خرجت ولا جزعت، لأنه لله وبالله في جميع أوقاته، فلم يجز منه التفات إلى الغير بحال ما.
قوله: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ [١٤] قال: المؤمن على بيان من ربه، ومن كان على بينة من ربه لزم الاقتداء بالسنن.
قوله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ [١٩] قال: الخلق كلهم موتى إلا العلماء، ولذلك دعا نبيه صلى الله عليه وسلّم إلى محل الحياة بالعلم بقوله: فَاعْلَمْ [١٩].
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٣]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣)
قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [٣٣] أي في تعظيم الله، وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ [٣٣] أي برؤيتها من أنفسكم ومطالبة الأعواض من ربكم، فإن العمل الخالص الذي لم يطلب به العوض.
[سورة محمد (٤٧) : آية ٣٨]
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨)
قوله تعالى: وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ [٣٨] قال: معرفة السر كله في الفقر، وهو سر الله، وعلم الفقر إلى الله تعالى تصحيح علم الغنى بالله عزَّ وجلَّ.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
Icon