تفسير سورة محمد

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة محمد من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة محمد صلى الله عليه وسلم
مدنية١
١ انظر: مدنيتها في ابن كثير ٤/١٧٣، والدر المنثور ٧/٤٥٦، والبرهان للزركشي ١/١٩٤، وفي زاد المسير ٧/٣٩٥ أن السورة "فيها قولان أحدهما: أنها مدنية" قاله الأكثرون" منهم مجاهد ومقاتل" وحكي عن ابن عباس وقتادة أنها مدنية "إلا آية منها نزلت عليه بعد حجة حين خرج من مكة" وجعل ينظر إلى البيت " ﴿وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك﴾ محمد: ١٤.
والثاني: أنها مكية، قاله الضحاك والسيدي..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة محمد - ﷺ -
مدنية
قوله:
﴿الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾.
الذين جحدوا بآيات الله ورسوله وعبدوا غيره، وصدوا من أراد أن يؤمن برسوله عن الإيمان أضلّ أعمالهم، أي: أتلفها وأبطلها وأحبطها فلا ينتفعون بها في أخراهم. وهي ما كان من صدقاتهم وصلتهم الرحم.
ونحوه من أبواب البر أحبطها الله؛ لأنها كانت على غير استقامة لم يرد بها وجه الله.
قال ابن عباس [هم] أهل مكة.
قوله: ﴿والذين آمَنُواْ﴾.
يريد به الأنصار، فالآيتان عنده مخصوصتان، وغيره يقول إنهما عامتان. ويجوز أن [تكونا مخصوصتين] في وقت النزول ثم هما عامتان بعد ذلك لكل من فعل فعلهما.
وأصل الصد: المنع، يقال: صد في نفسه وصد غيره، وحكي أصد غيره، والمصدر في نفسه الصدود، وصد غيره صداً قال الله جل ذكره ﴿يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُوداً﴾ [النساء: ٦١] فهذا غير متعد والمعنى: والذين صدقوا محمداً وما جاء به وعملوا بطاعة الله واتبعوا كتابه.
﴿كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ أي: غطاها وسترها، فلا يؤاخذهم بها في الآخرة، فشتان ما بين الفريقين قوم أخذوا بسيئاتهم وأبطلت حسناتهم، وقوم غفرت سيئاتهم وتقلبت حسناتهم.
وقوله: ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾.
قال ابن عباس: بالهم: أمرهم.
6878
وقال مجاهد: شأنهم.
وقال قتادة وابن زيد: حالهم.
والبال كالمصدر، ولا يعرف منه فعل، ولا تكاد العرب تجمعه إلا في ضرورة شعر فيقولون: بالات.
وقال المبرد: قد يكون للبال موضع آخر يكون فيه بمعنى القلب.
(وقال النقاش: وأصلح بالهم: نياتهم)، يقال: ما يخطر هذا على بالي؛ أي: على قلبي، والمعنى عند الطبري: وأصلح شأنهم وحالهم في الدنيا عند أوليائه في الآخرة بأن أورثهم نعيم الأبد والخلود في جناته، والآية نزلت في أهل المدينة، ثم
6879
هي عامة فيمن كان مثلهم.
قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ اتبعوا الباطل﴾ أي: الأمر ذلك، وقيل المعنى: ذلك الضلال والهدى المتقدم ذكرهما، من أجل أن الذين كفروا اتبعوا الباطل، وهو الشيطان وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق الذي جاءهم من عند ربهم، وهو كتاب الله ورسوله.
والتقدير عند الطبري: هذا الذي فعلنا بهذين الفريقين من إضلال أعمال الكفار وإبطالها والتكفير لسيئات الذين آمنوا، جزاء منا لكل فريق على فعله، لأن الكفار اتبعوا الشيطان وأطاعوه والمؤمنون اتبعوا كتاب الله وصدقوا رسوله.
قال مجاهد: الباطل هنا: الشيطان.
ثم قال: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ الله لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ﴾ أي: كما / بيّنت لكم أيها الناس سبب تفريقي بين الفريقين، كذلك أمثل لكم الآيات وأشبه لكم الأشباه.
قال الزجاج: معناه كذلك يبيّن الله للناس أمثال المؤمنين وسيئات الكفار
كالبيان الذي ذكر.
ومعنى قول القائل: " ضربت له مثلاً: بينت له ضرباً من الأمثال "، أي: صنفاً منها.
قال: ﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ فَضَرْبَ الرقاب﴾.
أي: فاضربوا رقابهم حتى يؤمنوا. والتقدير: فاضربوا الرّقاب ضرباً، وهذا المصدر الذي يقوم مقام الفعل يجوز أن ينون وأن يقدم عليه مفعوله ولا صلة له، وإنما تكون له صلى إذا كان بمعنى " إن فعل " و " إن يفعل ".
ثم قال: ﴿حتى إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ الوثاق﴾.
أي: حتى إذا غلبتموهم وقهرتموهم بالقتل، وبقيت منهم بقية أسرى في أيديكم لم يلحقهم قتل، فشدوهم في الوثاق كيلا يهربون.
﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً﴾.
أي: فإذا أسرتموهم بعد الإثخان بالقتل، فإما أن تمنوا عليهم مناً، فتحرروهم بغير عوض ولا فدية، وإما أن تفادوهم، فتأخذوا منهم عوضاً وتطلقوهم.
6881
قال الزجاج: " أثخنتموهم: أكثرتم فيهم القتل، ومنه قول: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أسرى حتى يُثْخِنَ فِي الأرض﴾ [الأنفال: ٦٧].
وقال ابن جريج: هذه الآية منسوخة، لأن أهل الأوثان لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم، والناسخ لها عنده ﴿فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] وهي محكمة في أهل الكتاب يجوز أن يمن عليهم وأن يفادوا فكأنه ينحو إلى أنها مخصوصة، فسمى التخصيص نسخاً، وهو قول السدي وجماعة من الكوفيين.
6882
وقال بعض / العلماء: هي في جميع الكفار، وهي منسوخة بقوله: ﴿فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥] قالوا: وإذا أسر المشرك فلا يجوز أن يمن عليه ولا أن يفادى من أهل الكتاب كان أو من أهل الأوثان. قالوا: فإن أسر المسلمون المرأة جاز أن يفادى بها؛ لأنه لا تقتل، وكذلك الصبيان ومن تؤخذ منه الجزية فإنه لا يقتل لأنه في عهد.
قال قتادة: هي منسوخة نسخها ﴿فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ [الأنفال: ٥٧].
وقال مجاهد نسختها ﴿فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾.
وقال الضحاك: الآية ناسخة لقوله: ﴿فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ وقال: لا يقتل المشرك إذا أسر ولكن يمن عليه أو يفادى. كما قال جل ذكره، فالآية أيضاً عنده ناسخة لقوله: ﴿فاقتلوا المشركين حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾.
6883
وكان الحسن يكره قتل الأسير، ويختار أن يمن عليه أو يفادى.
وقال ابن جبير: الآية محكمة، [ولا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف، واستدل بآية الأنفال.
وقال ابن عباس: الآية محكمة] جعل الله للنبي والمؤمنين الخيار في الأسارى، إن شاءوا قتلوا وإن شاءوا استعبدوا، وإن شاءوا فادوهم، فالآيتان عنده محكمتان ومعمول بهما، وهذا القول هو قول أهل المدينة والشافعي وأبو عبيد.
6884
فأما قوله: ﴿حتى تَضَعَ الحرب أَوْزَارَهَا﴾.
فالمعنى والله أعلم: فإذا لقيتم الذين كفروا فاضربوا رقابهم وافعلوا بأسراهم ما بيّنت لكم حتى يتوب المشركون عن شركهم، فتكون الحرب ألجأتهم إلى الإيمان فتسقط عنهم آثامهم.
وقال مجاهد معناه: " افعلوا هذا الذي أمرتم به (حتى يضع المحارب آلة حربه) بنزول عيسى فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة، وتأمن الشاة الذئب ولا تقرض فأرة جراباً وتذهب العداوة من الأشياء كلها، وذلك عند ظهور الإسلام على الدين كله.
وقال قتادة: معناه حتى لا يكون شرك.
قال الزجاج معناه: فاقتلوهم واسروهم حتى يؤمنوا، وما دام الكفر فالجهاد قائم أبداً.
وقيل المعنى: فاقتلوهم واسروهم حتى تأمنوا فيضعوا السلاح.
والحرب مؤنثة وتصغيرها حريب وكذلك قوس ودود يصغران بغير هاءٍ وهما
6885
ثلاثيان مؤنثان سماعاً من العرب.
ثم قال: ﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ﴾.
أي: هذا الذي أمرتكم به أيها المؤمنون هو الحق، ولو يشاء ربكم لانتصر منهم بعقوبة ينزلها بهم، وذلك عليه هين يسير، ولكن أراد أن يختبركم ويعلم أهل الطاعة منكم / والمجاهدين في سبيل الله ليجازيهم على طاعتهم ويعذب أعداءه بذنبهم.
ثم قال: ﴿والذين قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ هذه الآية نزلت في قتلى أُحد.
وقرأ الحسن " قُتِّلُوْا " بالتشديد، على معنى: قتلوا المشركين قتل بعضهم بعض.
وقرأ الجحدري " قَتَلُوْا " بالفتح، على معنى: قتلوا المشركين في الله وفي سبيل الله.
﴿فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي: لن يجعل الله أعمالهم التي عملوها باطلاً كما أبطل أعمال الكفار.
6886
وقال قتادة: " نزلت هذه الآية يوم أُحد والنبي ﷺ في الشِّعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون أعلى هُبَل ونادى المسلمون [الله] أعلى وأجل، فنادى المشركون يوم بيوم [بدر] أن الحرب سِجَال، أن لنا العُزى ولا عُزى لكم، فقال النبي ﷺ: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم، إن القتلى مختلفون أما قتلانا فأحياء يرزقون، وأما قتلاكم ففي النار يعذبون ".
قوله: ﴿سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ﴾.
من قرأ قَتلوا أو قُتلوا على ما لم يسم فاعله، فالمعنى سيهديهم إلى جنته ويصلح شأنهم فيها بالنعيم المقيم وغفران الذنوب ويدخلهم إياها، ويجوز أن يكون المعنى:
6887
سيهدي من بقي منهم حيّاً كما قال: ﴿قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ﴾ [آل عمران: ١٤٦] اي: فما وهن من بقي منهم، ومن قرأ " قاتلوا " فالمعنى: سيوفقهم في الدنيا إلى الرشد والعمل الصالح ويصلح فيها حالهم حتى يتوفاهم على ما يرضاه منهم ويدخلهم الجنة في الآخرة.
﴿عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾ أي: زينها لهم، قال أبو سعيد الخدري: إذا نجّى الله المؤمنين من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا ثم يؤذن لهم بالدخول إلى الجنة، قال: فما كان المؤمن بأدل بمنزلة [في الدنيا منه بمنزلة] في الجنة حتى يدخلها.
6888
قال مجاهد: يهتدي أهل الجنة إلى بيوتهم ومساكنهم منها لا يخطئون كأنهم سكانها منذ خلقوا لا يستدلون عليها بأحد.
قال ابن زيد: بلغنا عن غير واحد أنه يدخل أهل الجنة وهم أعرف بمنازلهم فيها من منازلهم في الدنيا التي يختلفون إليها في عمر الدنيا، فذلك قوله: ﴿عَرَّفَهَا لَهُمْ﴾.
قال / سلمة بن كهيل معناه: عَرَّفهم طرقها.
وقيل معناه: طَيَّبَها لهم، يقال طعام مُعَرَّفٌ: أي: مطيب.
وقيل معناه: رفعها لهم، مأخوذ من عُرْف الدابة.
6889
وقيل معناه: عرَّف المكلفين من عبادة أنها لهم.
أي: إن تنصروا دين الله أو أولياء الله أو رسول الله ينصركم على عدوكم ويثبت أقدامكم، إذا لقيتم عدوكم فلا تفروا منه لكثرة عددهم وقلة عددكم.
وقيل معناه: ويثبت أقدامكم في موقف الحساب بأن يجعل الحجة لكم.
قال: ﴿والذين كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ﴾
قال تعلب: التعس: الشر، قال: وقيل هو البعد. قال: والنكس: قلب أمره وفساده.
قال ابن السكيت: التعس أن يخر على وجهه، والنكس على رأسه قال:
6890
والتعس أيضاً الهلاك.
قال الزجاج التعس في اللغة: الانحطاط والعثور.
قال ابن زيد: فتعساً لهم: فشقاء لهم. ودخلت الفاء في " فتعساً لهم " " لأن " " الذين " فيه إبهام أشبه به الشرط، فدخلته الفاء في خبر " هم " كما تدخل في جواب الشرط، وجواب الشرط هو " أن " لخبر الابتداء في أكثر أحكامه.
وقوله: ﴿وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾.
أي: أبطلها وأتلفها، والمعنى: أن هؤلاء القوم ممن يجب أن يقال لهم أتعسهم الله، أي: أخزاهم الله، وهذا مما يدعى به على العاثر.
وقوله: ﴿وَأَضَلَّ﴾ أتى على الخبر حملاً على لفظ ﴿الذين﴾ لأنه خبر في اللفظ
6891
فدخلت الفاء حملاً على المعنى، وأتى ﴿وَأَضَلَّ﴾ حملاً على اللفظ، وهذا يسميه بعض أهل المعاني الإمكان: [أي] يمكن هذا فيه (ويمكن هذا فيه).
قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ الله﴾ أي: كرهوا قبول ما أنزل الله على محمد ﷺ، وهو القرآن فكفروا به فأحبط الله أعمالهم؛ أي: أبطلها وأتلفها أي: هذا الذي فعلنا بهم، لأنهم كرهوا / القرآن وكفروا به.
قال: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾.
أي: لو لم يسافر هؤلاء المشركون الذين يكرهون القرآن ويكذبون محمداً إلى الشام وإلى غيره من البلدان، فيمرون على ديار من كان قبلهم من الأمم الماضية المكذبة لأنبيائها فينظروا كيف كان عاقبة فعلهم، أن الله أهلكهم ودمر عليهم.
﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ أي: ولمن تمادى على كفره منك أمثال هذه الفعلة التي فعلنا بالأمم الماضية من الهلاك والتدمير، وهذا وعيد وتهديد من الله جل ذكره لقريش ولمن ركب طريقتهم في الكفر والتكذيب للأنبياء.
قال الزجاج: " والهاء في أمثالها " تعود على العاقبة، وهو قول الطبري، قال: المعنى: وللكافرين من قريش أمثال عاقبة تكذيب الأمم الذين كانوا من قبلهم.
قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الله مَوْلَى الذين آمَنُواْ﴾ أي: وليهم وناصرهم وموفقهم.
﴿وَأَنَّ الكافرين لاَ مولى لَهُمْ﴾ أي: لا ولي ينقذهم من الضلال، وفي قراءة عبد الله بن سعود: ذلك بأن الله ولي الذين آمنوا.
قال ابن عباس: المولى الناصر وأكثر المفسرين على أن المولى هنا: الولي، والمعنى واحد، وعلى هذا يتناول قول النبي ﷺ " من كنت مولاه فعلي مولاه أي: من كنت وليه وناصره فعلي وليه وناصره ".
وقيل معناه: من كان يتولاني وينصرني فهو يتولى [علياً] وينصره.
قال تعالى: ﴿إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾.
هذا وعد من الله جل ذكره للمؤمنين أنه سيدخلهم بساتين تجري الأنهار من تحت أشجارها (ثم أخبر بالطائفة الأخرى) وهم الكفار فقال:
﴿والذين كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ﴾ أي: في الدنيا.
﴿وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام﴾.
أي يأكلون ولا يتفكرون في معاد، كما أن البهائم تأكل ولا تفكر في معاد، فهما متساويان في الحال.
ثم قال: ﴿والنار مَثْوًى لَّهُمْ﴾ أي: مسكن ومأوى لهم في الآخرة.
قال: ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ﴾.
أي: وكم من أهل قرية هم أشد قوة من أهل مكة الذين أخرجوك منها أهلكوا على شدة قوتهم وتمك بأسهم فلم ينصرهم ناصر من الهلاك، فما ظنك يا محمد بأهل قريتك على ضعفهم وعدم الناصر لهم كيف تكون حالهم إن تمادوا على كفرهم بالله وتكذيبك.
قال ابن عباس: " إن رسول الله ﷺ لما خرج من مكة إلى الغار، التفت إلى مكة فقال: أنت أحب بلاد الله إلى الله، وأنت أحب بلاد الله إلي، فلو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك "، (فأعتى الأعداء من عدا) على الله في [حرمه] أو قتل غير قاتله، أو قتل بدخول الجاهلية / قال: فأنزل الله: ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ﴾ الآية (وأجرى الخبر للقرية) والمراد أهلها.
أي: أفمن كان على برهان وحجة وعلم ويقين من أمور ربه فهو يعبده على بصيرة كمن حسّن له الشيطان قبيح عمله فرآه حسناً، [فتمادى] عليه، وهي
عبادتهم الأوثان التي زين لهم الشيطان عبادتها، فتمادوا على ذلك.
﴿واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ﴾.
أي: ما دعتهم إليه أنفسهم، وما سوّل لهم الشيطان بغير حجة ولا برهان ولا علم ولا يقين.
قال قتادة: أفمن كان على بيّنة من ربه وهو محمد ﷺ كمن زين له سوء عمله: المشركون.
قال: ﴿مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون﴾ [أي: صفة الجنة التي وعدها الله] من أتقى معاصيه وعمل بطاعته.
﴿فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ أي: غير متغير الريح ولا عكر، وفيها:
﴿وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾.
أي: لم يمحض لطول مقامه، ولا راب ولا غيرته الأيدي بالحلب من
6896
الضروع، بل هو كوثر.
وفيها: ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ﴾.
لا تحيل عقولهم، ولا تلحقهم منه كراهة، ولا صداع، كما تفعل خمر الدنيا التي تحيل العقول وتكره شاربها ويعبس بعد شرابها، ويعرض له / منها الصداع والقيء.
وفيها: ﴿وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى﴾.
أي: لا غير فيه ولا ندى فيه، ولا شيء يخالطه، كما يكون في عسل الدنيا.
ثم قال: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثمرات﴾.
أي: من كل ما اشتهت أنفسهم من الثمرات، قال كعب: أربعة أنهار من الجنة وضعها الله في الدنيا. فالنيل: نهر العسل في الجنة، والفرات: نهر الخمر في الجنة، وسيحان: نهر الماء في الجنة، وجيحان: نهر اللبن في الجنة.
وقال كعب أيضاً: النيل في الآخرة عسل أغور ما يكون من الأنهار التي
6897
سماها الله تعالى، ودجلة في الآخرة لبن أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله تعالى، والفرات في الآخرة خمر أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله تعالى، وسيحان ماء أغزر ما يكون من الأنهار التي سمى الله تعالى.
ثم قال: ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ﴾ أي: لهم مغفرة؛ أي: ستر على ذنوبهم، وعفو من الله عليها فلا يجازيهم بها، والتقدير عند سيبويه: وفيها يتلى عليكم مثل الجنة، وفيها يقص عليكم مثل الجنة.
وقال يونس (و) النضر بن شميل والفراء: " مثل " بمعنى صفة ومثله
6898
وقد تقدم ذكره: ﴿مَّثَلُ الذين كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ﴾ [إبراهيم: ١٨] وهذه الآية هي تفسير لقوله: ﴿إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جَنَاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ [الحج: ١٤] من أي شيء هي، فذكر أنها من ماء ومن لبن ومن عسل ومن خمر.
ويروى أن الماء الذي هو غير آسن هو من تسنيم لا تمسه يد [مجيء] حتى يدخل في فِيه.
ثم قال: ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النار﴾.
أي: ماكث أبدا في جهنم، أي: هل يستوي من هو في هذه الجنات والأنهار التي تقدم وصفها مع من هو ماكث في نار جهنم.
ثم قال: ﴿وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً﴾ أي: وسقي هؤلاء الذين في النار ماء قد أنتهى حره.
﴿فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ﴾.
روى عن النبي صلى الله أنه قال في قوله: " ﴿ويسقى مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ﴾ قال: " يقرب إليه فيتكرهه فإذا أدني منه شوى وجهه، ووقعت فروة رأسه، فاذا فإذا شربه قطع
6899
أمعاءه حتى يخرج من دبره " ".
قوله: ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾.
أي: ومن هؤلاء الكفار يا محمد من يستمع إلى قراءتك وهم المنافقون.
﴿حتى إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قَالَ آنِفاً﴾.
أي: فإذا خرج هؤلاء المنافقون المستمعون إليك، لم يعوا شيئاً ولا حفظوا مما قلت شيئاً، لأنهم حضروا لغير الله، واستمعوا بغير نية، فإذا خرجوا بغير علم ولا فهم، قالوا: لأصحابك المؤمنين ما قال محمد آنفاً. أي: منذ ساعة.
قال قتادة: هم المنافقون، دخل رجلان: رجل ممن عقل عن الله، فانتفع بما سمع، ورجل لم يعقل عن الله، فلم ينتفع بما سمع.
وكان يقال: الناس ثلاثة: سامع فعاقل، وسامع فغافل، وسامع فتارك،
6900
وكان ابن عباس يقول: ﴿قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ العلم مَاذَا قَالَ آنِفاً﴾ أنا منهم، وقد سئلت (فيمن سئل).
قال ابن زيد: " هم الصحابة ".
قال عبد الله بن بريدة: قالوا ذلك لابن مسعود. وقيل إنهم سمعوا النبي ﷺ يخطب ثم خرجوا فقالوا للمسلمين استهزاء: ماذا قال آنفاً، / أي: إنّا لم نلتفت إلى ما قال.
ثم قال: ﴿أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ واتبعوا أَهْوَآءَهُمْ﴾.
أي: أولئك الذين هذه صفتهم هم الذين ختم الله على قلوبهم فهم لا يهتدون للحق، فرفضوا أمر الله واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم بغير برهان ولا حجة، فهذه في المنافقين.
وقال: ﴿كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ﴾.
6901
هذه في أهل الشرك، فكلا الفريقين اتبعوا أهواءهم.
قال: ﴿والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى﴾.
أي: والذين وفقهم الله لاتباع الحق من المستمعين زادهم الله بما سمعوا منك هذى. ففي ﴿زَادَهُمْ﴾ ضمير يعود على (الله وقيل هو يعود على) قول النبي، أي: زادهم قول النبي هدى.
وقيل: هو عائد على فعل المشركين، وقولهم: ﴿مَاذَا قَالَ آنِفاً﴾ أي: زادهم الله بضلال المنافقين واستهزائهم هدى.
وقوله: ﴿وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ /.
أي: (وأعطى الله هؤلاء المتقين) تقواهم بأن استعملهم بطاعته، وقيل معناه: وألهمهم عمل أهل النعم.
وقيل المعنى: وأعطاهم ثواب تقواهم.
وقيل: إن المؤمنين آمنوا بالقرآن لما نزل، فلما نزل الناسخ [والمنسوخ] زادهم ذلك هدى.
قال: ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ الساعة أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً﴾.
أي: فهل ينظر هؤلاء المنافقون إلا إتيان الساعة وقيامها عليهم بغتة. " فأن " في موضع نصب بدلاً من " الساعة " بدل الاشتمال.
و" بغتة " نصب على المصدر، أي: تبغتهم بغتة، وقيل: هي مصدر في موضع الحال، وحكى أبو عبيد (أن في بعض مصاحف الكوفيين أن تأتيهم، على الشرط)، والجواب: فقد جاء.
وقال أبو جعفر الرواسي قلت لأبي عمرو ما هذه " الفاء " في قوله: ﴿فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا﴾.
6903
فقال: هي جواب للجزاء، قال: فقلت له: إنها أن تأتيهم، فقال: معاذ الله إنما هي أن تأتهم. وهذه القراءة تفسر المعنى لو صحت؛ لأنه يصير المعنى: إنها تأتيهم بغتة، ويجوز: أن تأتيهم غير بغتة؛ لأنه بمعنى الشرط والجزاء، وقد قال الله ﴿لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً﴾ [الأعراف: ١٨٧] والأمر المحدود الذي لا بد منه ولا يكون غيره، لا يدخله الشرط، لأن الشرط، لأن الشرط إنما يدخل في الموضع الذي يجوز أن يكون، ويجوز ألا يكون، ويحسن أن يقع، ويحسن ألا يقع، فليس هذا موضعاً للشرط البتة، وجاء قوله: ﴿يَنظُرُونَ﴾ بمعنى " ينتظرون " وهم لا يؤمنون بالساعة فكيف ينتظرونها، وإنما ذلك بمعنى الوعيد والتهديد، كما تقول لمن أصر على الذنوب والكفر: هل تنتظر إلا العذاب، وكما تقول لعبدك يصر على مخالفتك: هل تنتظر إلا العقوبة، فالمعنى: هل ينتظرون في الحقيقة عندنا وعند المؤمنين إلا أن تأتيهم الساعة بغتة.
وقوله: ﴿فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا﴾ أي: فقد جاء هؤلاء الكفار علاماتها ومقدماتها
6904
وآياتها.
قال الحسن: موت النبي عليه السلام من علاماتها، وقال غيره: بعث النبي من علاماتها، لأنه نبي بعث لا نبي بعده، وقد قال ﷺ: " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعة كَفَرَسَيْ رِهان " (وقال أيضاً): " بُعِثْت أَنَا والسَّاعة كَهَاتَيْن " وأشار بالسبابة والوسطى.
ثم قال: ﴿فأنى لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذكراهم﴾ أي: فمن أي وجه لهؤلاء الكفار تقع الذكرى إذ جاءتهم الساعة بغتة، أي: ليس ينفعهم ذلك الوقت تذكر ولا ندم، إذ ليس هو وقت عمل ولا استعتاب ولا تأخر، فالتقدير: من أين لهم منفعة التذكر والازدجار عن الكفر إذا جاءت الساعة وانقطعت التوبة.
6905
قال: ﴿فاعلم أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ الله واستغفر لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات﴾ أي: فاعلم يا محمد أنه لا معبود تصلح له العبادة إلا الله، واسئل ربك الستر على ذنبك وعلى ذنوب المؤمنين والمؤمنات.
ثم قال: ﴿والله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ﴾ [أي]: يعلم أعمالكم في تصرفكم وفي سكونكم لا يخفى عليه شيء.
وقيل المعنى: يعلم متصرفكم ومثواكم في الدنيا والآخرة، ومخاطبة النبي ﷺ هنا هي مخاطبة لأمته، والفاء في قوله: " فاعلم " جواب المجازات، والتقدير: قد بيّنا أن الله واحد، فاعلم.
قال: ﴿وَيَقُولُ الذين آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ﴾.
أي: ويقول الذين صدقوا الله ورسوله هل نزلت سورة من الله تأمرنا بجهاد أعداء الله من الكفار، فإذا أنزل الله سورة محكمة بالفرائض تأمرهم بالجهاد رأيت الذين في قلوبهم مرض، يعني المنافقين ينظرون إليك [يا محمد نظر المغشي عليه من الموت، أي: ينظرون إليك] نظراً أمثال نظر الذي غشي عليه من حلول الموت به خوفاً أن تأمرهم بالجهاد مع المسلمين، وجبنا من لقاء العدو.
6906
قال قتادة: كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين، والمرض هنا: الشك والنفاق.
وقوله تعالى: ﴿فأولى لَهُمْ﴾ هو وعيدٌ لهم.
ثم ابتدأ فقال: ﴿طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾.
أي: طاعة وقول معروف أولى بهم، وأمثل لهم، / وأجمل بهم، وفيه معنى الأمر من الله لهم بذلك، فالوقف على هذا: ﴿فأولى لَهُمْ﴾ وأولى، عند بعض أهل المعاني: " أفعل " التي للتفضيل كما تقول: هذا أخزى لك وأقبح لوجهك، وهو عنده مشتق من الويل وفيه قلب، قلبت اللاَّم في موضع العين لئلا يقع إدغام، ومعنى ﴿فأولى لَهُمْ﴾ أي: وليهم المكروه / بمعنى أولى لهم المكروه. والعرب تقول لكل من قارب الهلكة ثم أفلت: " أولى لك " أي: كدت تهلك.
وعن ابن عباس: قوله تعالى: ﴿لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ﴾، من قول المؤمنين، أي: لهم طاعة وقول معروف قبل الأمر بالقتال، فإذا أمروا نظروا إلى النبي ﷺ نظر الذي
6907
غشي عليه من خوف الموت فيكون الوقف على هذا " فأولى " ثم يبتدئ: ﴿لَهُمْ * طَاعَةٌ﴾ أي: يقول المؤمنون للمنافقين لهم طاعة وقول معرف: قبل نزول السورة بالأمر بالجهاد. فإذا نزلت بذلك نظروا إلى النبي ﷺ نظر من غشي عليه من الموت.
وقيل: هو خبر من الله جل ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم قبل أن تنزل السورة يقولون: سمعاً وطاعة، فإذا نزلت السورة بذلك كرهوه فقال لهم الله طاعة وقول معروف قبل وجوب الفرائض عليكم، فإذا أنزلت الفرائض شق ذلك عليكم، وكرهتموه، فالكلام متصل على هذا القول لا يوقف على ما قبل طاعة، والوقف على القول الأول: فأولى لهم " وعليه أكثر العلماء وقد ذكرته.
وقوله: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الأمر﴾.
أي: فإذا وجب القتال وفرض كرهتموه، فالجواب محذوف لعلم السامع.
وقيل المعنى: فإذا [جَدَ] الأمر، قاله مجاهد، وعنه: فإذا جاء الأمر بالقتال.
6908
ثم ابتدأ فقال :﴿ طاعة وقول معروف ﴾ [ ٢٢ ].
أي : طاعة وقول معروف أولى بهم، وأمثل لهم١، / وأجمل بهم، وفيه معنى الأمر من الله لهم بذلك٢، فالوقف على هذا : فالوقف على هذا :﴿ فأولى لهم ﴾٣ وأولى، عند بعض أهل المعاني : " أفعل " التي للتفضيل كما تقول : هذا٤ أخزى لك وأقبح لوجهك، وهو عنده مشتق من الويل٥ وفيه قلب٦، قلبت اللام في موضع العين لئلا يقع إدغام، ومعنى ﴿ فأولى لهم ﴾ أي : وليهم المكروه٧/ بمعنى أولى لهم المكروه. والعرب تقول لكل من قارب الهلكة ثم أفلت : " أولى لك " أي : كدت تهلك٨.
وعن ابن عباس : قوله تعالى :﴿ لهم طاعة وقول معروف ﴾، من قول المؤمنين، أي : لهم طاعة وقول معروف قبل الأمر بالقتال، فإذا أمروا نظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم نظر الذي غشي من خوف الموت فيكون الوقف على هذا " فأولى " ثم يبتدئ :﴿ لهم طاعة ﴾ أي : يقول المؤمنون للمنافقين لهم طاعة وقول معروف : قبل نزول السورة بالأمر بالجهاد. فإذا نزلت بذلك نظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم٩ نظر من غشي عليه من الموت.
وقيل : هو خبر من الله جل ذكره عن هؤلاء المنافقين أنهم قبل أن تنزل السورة يقولون : سمعا وطاعة، فإذا نزلت السورة١٠ بذلك كرهوه فقال لهم الله طاعة١١ وقول معروف قبل١٢ وجوب الفرائض عليكم، فإذا أنزلت الفرائض شق ذلك عليكم، وكرهتموه١٣، فالكلام متصل على هذا القول لا يوقف على ما قبل طاعة، والوقف على القول الأول : فأولى لهم " وعليه أكثر العلماء وقد ذكرته١٤.
وقوله :﴿ فإذا عزم الأمر ﴾١٥.
أي : فإذا وجب القتال وفرض كرهتموه، فالجواب١٦ محذوف لعلم السامع١٧. وقيل المعنى : فإذا [ جد ]١٨ الأمر، قاله مجاهد١٩، وعنه : فإذا جاء الأمر بالقتال. وقيل المعنى : فإذا عزم أصحاب الأمر٢٠، يعني : النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ثم قال :﴿ فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ﴾ أي : فلو صدق٢١ هؤلاء المنافقون الله وتركوا التعلل والهرب لكان صدقهم الله خيرا لهم.
١ انظر : الكامل للمبرد ٢/٥٧..
٢ ح: "فذلك"..
٣ انظر: القطع والائتناف ٦٦٦، والمكتفى في الوقف والابتداء ٥٢٤ والمقصد ٨٠..
٤ ع : "وهو"..
٥ انظر : "مادة" "ولي" في الصحاح ٦/٢٤٣٠، واللسان ٣/٩٨٦، والتاج ١٠/٤٠٠..
٦ ساقط من ع..
٧ انظر: "تفسير القرطبي" ١٦/٢٤٤..
٨ انظر: الصحاح ٦/٢٥٣٠، والقاموس المحيط ٤/٤٠١، وتاج العروس ١٠/٤٠٠..
٩ ساقط من ع..
١٠ ع: "سورة"..
١١ ح: "الطاعة": وهو تحريف..
١٢ ع : "قيل": وهو تحريف..
١٣ ح : "وكرهتوه": وهو تحريف..
١٤ ع : "ذكرنا"، وانظر: تأويل مشكل القرآن ٣٢٥..
١٥ ع : "فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم"..
١٦ ع : "فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم"..
١٧ ع: "والجواب"..
١٨ انظر : التبيان في إعراب القرآن ٢/١١٦٣..
١٩ ع: "أجز" وح: "أوجد": وكلاهما تحريف..
٢٠ انظر: تفسير القرطبي ١٦/٢٤٨..
٢١ ع: "صدقوا": وهو خطأ..
وقيل المعنى: فإذا عزم أصحاب الأمر، يعني: النبي ﷺ وأصحابه.
ثم قال: ﴿فَلَوْ صَدَقُواْ الله لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ﴾ أي: فلو صدق هؤلاء المنافقون الله وتركوا التعلل والهرب لكان صدقهم الله خيراً لهم.
قال: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرض﴾.
هذه مخاطبة للمنافقين الكارهين للجهاد. أي: فهل عسيتم أيها القوم لعلكم أن توليتم عن ما فرض الله عليكم من الجهاد أن تفسدوا في الأرض؛ أي: أن تعصوا الله ورسوله، وتعودوا لما كنتم عليه من سفك الدم وقطع الرحم، والتفرق بعدما جمعكم الإسلام وألف بين قلوبكم، هذا معنى قول قتادة وغيره.
وقال محمد بن كعب معناه: فهل عسيتم أن توليتم من أمور الناس شيئاً أن يقتل بعضكم بعضاً.
وقيل المعنى: فهل عسيتم أن توليتم عن النبي ﷺ. فكفرتم بما جاءكم به أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه من الكفر فتفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، وترجعوا إلى العداوات والحروب التي كانت بين الأوس والخزرج.
وقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ: " أَنْ تُوُلِّتُمْ " على ما لم يسم فاعله أي: إن وَلِيَ عليكم غيركم.
قوله: ﴿أولئك الذين لَعَنَهُمُ الله﴾ إلى قوله (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) الآيات [٢٤ - ٣٦].
أي: أولئك الذين تقدم وصفهم هم الذين أبعدهم الله من رحمته وثوابه فهم بمنزلة الصم إذ لا ينتفعون بما يسمعون، وهم بمنزلة العمي إذ لا ينتفعون بما يرون من آيات الله وأدلته على توحيده.
ثم قال: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) [٢٥].
أي: أفلا يتدبر هؤلاء المنافقون كتاب الله وما فيه من الحجج، فيعلموا خطأ ما هم عليه مقيمون من النفاق بل على قلوبهم أقفال أقفلها الله عليهم، فهم لا يعقلون ما يتلى عليهم.
قال خالد بن معدان: ما من آدمي إلا وله أربع أعين: عينان في رأسه لدنياه وما يصلحه من معيشته، وعينان في قلبه لدينه وما وعد الله تعالى من الغيب فإذا أراد الله بعبد خيراً أبصرت عيناه اللتان في قلبه، وإذا أراد الله به غير ذلك طمس عليهما، فذلك قوله له: ﴿أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾.
وروى هشام بن عروة عن أبيه أن النبي ﷺ تلا يوماً: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ﴾ فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها حتى يكون الله يفتحها ويفرجها، فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به.
قال: ﴿إِنَّ الذين ارتدوا على أَدْبَارِهِمْ مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى الشيطان سَوَّلَ لَهُمْ﴾ أي: إن الذين رجعوا القهقرى كفاراً بالله من بعدما ظهر لهم الحق فآثروا الضلالة على الهدى، الشيطان سول لهم ذلك وزينه لهم حتى ركبوه، / وأملى لهم في أعمارهم وأطال لهم ليبلغوا الأجل الذي حد لهم أن يبلغوه.
وقيل معناه: أنه تعالى لم يعاجلهم بالعقوبة وأملى لهم / فتركهم على كفرهم
6912
ونفاقهم إلى إتيان آجالهم، ولا يكون الضمير في " أملى " يعود على الشيطان البتة في جميع القراءات، لأنه لا يقدر على أن يمد في عمر أحد ولا ينقص منه، ولم يسلطه الله على شيء من ذلك، ولذلك قرأ أبو عمرو " وأملي " على الإخبار عن الله خوفاً أن يتوهم متوهم أن الضمير للشيطان.
وقد أجاز الحسن أن يكون الضمير في " أملي " يعود على الشيطان على معنى أنه مد لهم في الأمل ووعدهم طول العمر.
قال قتادة: هم أعداء الله أهل الكتاب يعرفون نعت النبي عليه السلام وأصحابه عندهم في كتبهم ثم يكفرون به.
وقال ابن عباس: عني بذلك أهل النفاق، وقاله الضحاك.
6913
والوقف الحسن المختار: ﴿سَوَّلَ لَهُمْ﴾ لأن الضميرين. في ﴿سَوَّلَ لَهُمْ﴾ ﴿وأملى لَهُمْ﴾ مختلفان. الأول للشيطان والثاني لله، فتفرق بينهما بالوقف، وهو قبول الكسائي والفراء وأبي حاتم.
قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر﴾.
أي: ذلك الإضلال من الله لهم بأنهم قالوا لليهود سنطيعكم في التظافر والمعونة على عداوة محمد.
قال قتادة وغيره: المنافقون ظاهروا اليهود على عداوة النبي ﷺ فاليهود هم الذين كرهوا ما نزل الله لأنهم حسدوا محمداً ﷺ إذ بعث الله نبياً من غير ولد يعقوب، وقد أعلمهم الله في التوراة أنه يبعث نبياً من ولد أبيهم - يعني إبراهيم - فتأولوا أن الأب يعقوب فكفروا على تأويل منهم وحسد وبغي، وكرهوا نزول القرآن بنبوءة محمد ﷺ، فالمنافقون هم القائلون لليهود: ﴿سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأمر﴾ أي: في النصر على محمد.
ثم قال: ﴿والله يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ أي: يعلم ما يُسر الفريقان من عداوة المؤمنين لا
يخفى عليه شيء، ومعنى ﴿كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ الله﴾ أي: كرهوا الفرائض التي أنزلها الله في كتابه: يعني: اليهود عليهم اللعنة.
أي: كيف تكون حالهم في الوقت الذي تتوفاهم فيه الملائكة في حال ضربهم وجوه المنافقين وأشباههم.
قال الطبري: المعنى: الله يعلم أسرار هؤلاء المنافقين فكيف لا يعلم حالهم إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون وجوههم وأدبارهم، فحالهم أيضاً لا يخفى عليه في ذلك الوقت.
قال: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتبعوا مَآ أَسْخَطَ الله﴾ أي: ذلك جزاؤهم لأنهم اتبعوا الأمر الذي أسخط الله وهو كفرهم بما أنزل الله.
﴿وَكَرِهُواْ رضوانه﴾ أي: كرهوا اتباع كتابه، ورسوله والدخول في شريعته.
﴿فَأَحْبَطَ أعمالهم﴾ أي: أبطلها بكفرهم فلا ثواب لهم فيها.
قال: ﴿أَمْ حَسِبَ الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ﴾ أي: شرك ونفاق.
﴿أَن لَّن يُخْرِجَ الله أَضْغَانَهُمْ﴾ أي: أحسبوا أن الله لا يخرج ويظهر ما يسرون من
النفاق والكبر والعداوة للنبي ﷺ ( وموالاتهم اليهود على النبي ﷺ) وأصحابه. والأضغان: العداوة.
قال المبرد: الضغن ما يضمر من المكروه.
قال: ﴿وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ﴾ أي: ولو نشاء يا محمد لعرفناك بهؤلاء المنافقين وأطلعناك على نفاقهم بأعيانهم.
ثم قال: ﴿فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ أي: بعلامات النفاق الظاهرة فيهم.
﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول﴾ أي: في فحوى قولهم، وظاهر ألفاظهم وأفعالهم.
قال ابن عباس: هم أهل النفاق وقد عرفه الله إياهم في سورة براءة فقال: ﴿وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً﴾ [التوبة: ٨٤].
وقال: ﴿فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً﴾ [التوبة: ٨٣]. فلولا أنه قد عرفه إياهم ما
خصهم بهذا المنع.
وكذلك قال الضحاك.
وقال ابن عباس: فما رآى النبي ﷺ منافقاً فخاطبه إلا عرفه.
ثم قال: ﴿والله يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ﴾ هذا مخاطبة لأهل الإيمان. أي: يعلم أيها الناس أعمالكم لا يخفى عليه شيء منها فيجازيكم [عليها].
هذا مخاطبة للمؤمنين لنختبركم أيها المؤمنون بالفرائض والجهاد حتى نعلم المجاهدين منكم أعدائي والصابرين على أداء فرائضي فنعرف الصدق منكم من الكاذب / فنجازي كلاًّ بعمله.
ثم قال: ﴿وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ﴾.
ونختبر أعمالكم فيما تعبدتم به، ومعنى: حتى نعلم، وهو قد علم ذلك قبل خلق جميع الخلق أنه أراد به العلم الذي يقع عليه الجزاء، فالمعنى حتى نعلم ذلك
منكم علم مشاهدة يقع عليها الجزاء، وقد علم تعالى ما يكون من عبادة من الطاعة والمعصية قبل خلق الخلق.
قال: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله وَشَآقُّواْ الرسول مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهدى﴾.
أي: إن الذين جحدوا توحيد الله وصدوا الناس عن الإيمان بالله وبرسوله وكتابه، وخالفوا أمر الرسول من بعد ما تبين لهم أنه نبي مرسل من عند الله، لن يضروا الله شيئاً بكفرهم وصدهم عن سبيل الله، بل ضروا أنفسهم، لأن الله بالغ أمره وناصر دينه ورسوله.
﴿وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي: أبطلها ويتلفها فلا ينتفعون بها في الدنيا ولا في الآخرة.
أي: أطيعوهما فيما أمراكم به، ولا تخالفوهما فتبطلوا أعمالكم.
أي: إن الذين جحدوا توحيد الله، وصدوا الناس عن الإيمان بالله ورسوله، ثم ماتوا على هذا المذهب من كفرهم فلن يستر الله ذنوبهم في الآخرة، بل يعاقبهم
عليها، فأعلمنا الله أنه لا يغفر لمن مات على الكفر.
ودلت هذه الآية أنه من مات على خلاف هذه الحال أنه جائز أن يستر الله على ذنوبه فيغفر له ويدخله جنته؛ لأنه أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين، يفعل ما يشاء، وقد قال في موضع آخر ﴿إِنَّ الله يَغْفِرُ الذنوب جَمِيعاً﴾ [الزمر: ٥٠]، فهذا مخصوص معناه إلا الشرك لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ﴾ [النساء: ٤٨]، فالعمدة التي بها يرتجى الفوز والنجاة من النار، الإيمان بالله وبرسوله وبكتبه واتباع لسنَّة نبيه ﷺ، ولقاء الله جل ذكره على ذلك غير مبدل ولا مغير أماتنا الله على ذلك وحشرنا عليه.
قال: ﴿فَلاَ تَهِنُواْ وتدعوا إِلَى السلم وَأَنتُمُ الأعلون والله مَعَكُمْ﴾ أي: ولا تضعفوا أيها المؤمنون عن قتال عدوكم، وتدعوهم إلى الصلح والمسألة، وأنتم الغالبون لهم الظاهرون عليهم، والله معكم بالنصر والمعونة عليهم.
وقيل: معنى ﴿وَأَنتُمُ الأعلون﴾ وأنتم أولى بالله منهم.
وقال ابن زيد: هذا منسوخ نسخة الأمر بالجهاد والغلظة عليهم.
6919
وقوله: ﴿وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ﴾.
معناه: ولن يظلمكم الله، فينقصكم أجور أعمالكم، يقال وترت الرجل: إذا قتلت له قتيلاً، أو أخذت له مالاً غصباً.
قال الفراء: هو مشتق من الوتر: وهو الذحل.
وقيل: هو مشتق من الوتر وهو الفرد، فيكون المعنى ولن يفردكم بغير ثواب أعمالكم، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسل: " من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله " أي أفرد منهما، وقيل معناه: كأنما نقص أهله وماله.
6920
قوله: ﴿إِنَّمَا الحياوة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾.
أي: ابذلوا أيها المؤمنون أنفسكم وأموالكم في جهاد عدوكم ورضى ربكم، فإنما الحياة الدنيا لعب ولهو، إلا ما كان منها من عمل صالح.
ثم قال: ﴿وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ﴾ أي: تؤمنوا بربكم، وتتقوا مخالفة أمره يؤتكم أجوركم، وقد عرفهم أن أجورهم الجنة، والنجاة من النار.
ثم قال: ﴿وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أموالكم﴾ أي: لا يطلب منك ربكم أموالكم، إنما يطلب منكم الإيمان به وجهاد عدوه.
وقيل معناه: ولا يأمركم أن تنفقوا أموالكم كلها في سبيل الله ومواساة الفقراء.
قال: ﴿إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ﴾ [أي: إن يطلب منكم ربكم نفقة أموالكم كلها في جهاد عدوه فيلح عليكم في ذلك تبخلوا] بها وتمنعوه منها ويخرج منكم ما خفي.
وقيل المعنى: ويخرج البُخْل أضغانكم، أي: ما تضمرونه من امتناع النفقة خوف الفقر يفضحكم.
قال قتادة: قد علم الله أن في مساءلة المال خروج الأضغان.
قال الضحاك: تخسر قلوبكم إذا سألتم أموالكم.
قال: ﴿هَا أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ أي: أنتم أيها المؤمنون تدعون/ أي لتنفقوا في سبيل الله /، فمنكم من يبخل بإخراج النفقة في سبيل الله، ومن يبخل بالنفقة في سبيل الله فإنما يبخل عن نفسه، لأنه يمنعها الآجر العظيم والثواب الجزيل فبخله عليها راجع.
ثم قال: ﴿والله الغني وَأَنتُمُ الفقرآء﴾ أي: لا حاجة به إلى أموالكم لأنه غني عنها وإنما يختبركم ليعلم الطائع من العاصي، ليجازي كلا بعمله، وأنتم أيها الخلق الفقراء إلى الله.
ثم قال: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ أي: وإن تعرضوا أيها الناس عن ما جاءكم به محمد فترتدوا، يستبدل قوماً غيركم أي: يهلككم ثم يجيء بقوم آخرين بدلاً منكم يعملون ما يؤمرون به.
﴿ثُمَّ لاَ يكونوا أَمْثَالَكُم﴾ أي: لا يبخلوا بأموالهم عن النفقة في سبيل الله ولا يضيعوا شيئاً من حدود [الله].
6922
" وروي أنه لما نزلت هذه الآية كان سلمان إلى جنب رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله من هؤلاء القوم، إن تولينا يستبدلوا بنا؟ فضرب رسول الله ﷺ على منكب سلمان فقال، هذا وقومه، والذي نفسي بيده لو أن الدين معلق بالثريا لنالته رجال من أهل فارس ".
وقيل: هم أهل اليمن.
وقيل: هم الملائكة، وهو بعيد لأنه لا يقال للملائكة قوم.
6923
وقيل المعنى إن تولى أهل مكة عن الإيمان والجهاد استبدل الله بهم أهل المدينة.
6924
Icon