ﰡ
مسألة : قال أبو حنيفة يجوز لأهل السواد حيث لا يصلي هناك صلاة العيد ذبح الأضحية بعد طلوع الفجر الثاني خلافا للأئمة الثلاثة فإنهم قالوا لا يجوز إلا بعد حصول اليقين بصلاة الإمام عند أحمد والصلاة وذبحه عند مالك وبعد مضي قدر صلاة العيد والخطبتين بعد طلوع الشمس عند الشافعي لإطلاق النصوص، وجه قول أبي حنيفة إن التأخير لاحتمال تشاغل به عن الصلاة ولا معنى للتأخير في حق القرى ولا صلاة عليه والله أعلم وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة أن ناسا كانوا يتقدمون الشهر فيصومون قبل النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا ﴾ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فيصومه ﴾ ٤ رواه أصحاب الصحاح والسنن الستة، وروى أصحاب السنن الأربعة وعلقه البخاري عن عمار قال ﴿ من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم عليه السلام ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام ﴿ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ﴾ ٥ وهو في الصحيحين، وعند أبي داوود والترمذي وحسنه ﴿ وإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ثلاثين ولا تستقبلوا الشهر استقبالا ﴾ ٦ والله أعلم.
وأخرج بن جرير عن قتادة قال ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون لو أنزل في كذا وكذا فأنزل الله ﴿ لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ﴾ ﴿ واتقوا الله ﴾ في تضييع حقه وحق رسوله ومخالفة أمره ﴿ إن الله سميع ﴾ لأقوالكم ﴿ عليم ﴾ بنياتكم
٢ سورة الفتح الآية: ١٠.
٣ أخرجه البخاري في كتاب: العيدين باب: الخطبة بعد العيد ﴿٩٦٥﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: الأضاحي باب: وقتها ﴿١٩٦١﴾.
٤ أخرجه البخاري في كتاب: الصوم باب: لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين ﴿١٩١٤﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: الصيام باب: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ﴿١٠٨٢﴾.
٥ أخرجه البخاري في كتاب: باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم ﴿إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا﴾ ﴿١٩٠٩﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: الصيام باب: وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال ﴿١٠٨١﴾.
٦ أخرجه النسائي في كتاب: الصيام ﴿٢١٢٠﴾.
٢ أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: مخافة المؤمن أن يحبط عمله (١١٩).
وذكر البغوي عن ابن عباس أنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى بني العنبر وأمر عليهم عيينة ابن حصن الفرازي فلما علموا أنه توجه نحوهم هربوا وتركوا عيالهم فسابهم عيينة وقدمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعد ذلك رجالهم يفدون الذراري، فقدموا وقت الظهيرة ووافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا في أهله فلما رأتهم الذراري أجهشوا إلى آبائهم يبكون وكان لكل امرأة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرة، فعجلوا قبل أن يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادون يا محمد أخرج إلينا حتى أيقظوه من نومه فخرج إليهم فقالوا يا محمد فادنا عيالنا جبرئيل عليه السلام فقال إن الله يأمرك أن تجعل بينك وبينهم رجلا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أترضون أن يكون بيني وبينكم سبرة ابن عمرو وهو على دينكم فقالوا نعم فقال سبرة أنا لا أحكم بينهم إلا وعمي شاهد وهو الأعور ابن بشامة فرضوا به، فقال الأعور أرى أن تفادي نصفهم وتعتق فنصفهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رضينا ففادى نصفهم وأعتق بعضهم وأنزل الله تعالى :﴿ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ٤ ﴾
٢ أخرجه البخاري في كتاب: الإكراه باب: يمين الرجل لصاحبه إنه أخذه إذا خاف عليه القتل أو نحوه ﴿٦٩٥٢﴾ وأخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب: نصر الأخ ظالما أو مظلوما ﴿٢٥٨٤﴾.
قال البغوي روي أن عليا سمع رجلا يقول في ناحية المسجد لا حكم إلا الله، فقال علي كلمة حق أريد به الباطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله عز وجل ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال كذا قال محمد بلغنا عن علي ﴿ رض ﴾ فذكره نحوه والله أعلم.
٢ أخرجه البخاري في كتاب: المظالم باب: لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه وأخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب باب: تحريم الظلم ﴿٢٥٨٠﴾.
٣ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وماله وعرضه ﴿٢٥٦٤﴾.
٤ سورة الكهف: الآية: ٦٤.
٥ سورة النساء: الآية ٣٤.
٦ سورة المائدة، الآية ٣٣.
وما أدري لست أخال أدري أقوم آل حصن أم نساء
وفي عامة القرآن أريد به الرجال والنساء جميعا وحقيقة للرجال لقوله تعالى :﴿ الرجال قوامون على النساء ﴾١ كذا قال صاحب المدارك وقال البيضاوي هو مصدر نعت به فشاع في الجمع أو جمع لقائم كزائر وزور والقيام بالأمور وظيفة الرجال وحيث فسر بالقبيلتين كقوم هود وقوم فرعون وقوم نوح وقوم لوط فأما على التغليب أو الاكتفاء بذكر الرجال عن ذكرهن لأنهن توابع واختيار الجمع لأن السخرية تغلب في المجامع ﴿ عسى أن يكونوا ﴾ أي من يسخر به ﴿ خيرا منهم ﴾ أي من يسخر استئناف ﴿ ولا نساء من نساء ﴾ عطف النساء على الرجال ولم يكتف بما سبق مبالغة في النهي ولأن السخرية والاستهزاء يكون في النساء غالبا لضعف عقلهن وجهلهن قال البغوي روي عن أنس أنها أنزلت في نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عيرن أم سلمة بالقصر وعن كرمة عن ابن عباس أنها نزلت في صفية بنت حيي ابن أخطب قالت لها النساء يهودية بنت يهوديين وفي رواية لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هلا قلت إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد ) ( عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ) اللمز الطعن باللسان يعني لا يعب بعضكم بعضا ﴿ ولا تنابزوا بالألقاب ﴾ التنابز التفاعل من النبز بمعنى اللقب، قال البيضاوي النبز باللقب السوء، وفي القاموس التنابز التعاير والتداعي بالألقاب يعني لا تدع بعضكم بعض اللقب السوء، قال البغوي قال عكرمة هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر، قال الحسن كان اليهودي والنصراني يسلم فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك قال عطاء هو أن تقول لأخيك يا حمار يا خنزير وروي عن ابن عباس ﴿ رض ﴾ قال التنابز أن يكون الرجل عمل السيآت ثم تاب عنها فنهى أن يعير بما سلف من عمله، أخرج أصحاب السنن الأربعة عن أبي جبيرة ابن الضحاك قال كان الرجل منها يكون له اسمان أو ثلاثة فيدعى ببعضها فعسى أن يكره فنزلت ﴿ ولا تنابزوا بالألقاب ﴾٢ قال الترمذي حسن وروى أحمد عنه بلفظ قال فينا نزلت بني سلمة ولا تنابزوا بالألقاب قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم للمدينة وليس فيها إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعاه أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا يا رسول الله إنه يغضب من هذا فنزلت ﴿ بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ﴾ أي بئس الاسم أن يقال له يهودي أو يا فاسق أو يا شارب الخمر بعد ما أن تاب، عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ﴾٣ رواه البخاري عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أيما رجل قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدها )٤ متفق عليه وعن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ من دعى رجلا بالكفر أو قال عنه والله ليس ذلك إلا جاء عليه ﴾ متفق عليه، وقيل معنى الآية أن السخرية واللمز والنبز فسوق وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان فلا تفعلوا شيئا توصفوا فيه باسم الفسوق، عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ﴾٥ متفق عليه ورواه ابن ماجه عن أبي هريرة وعن سعد والطبراني عن عبد الله ابن مغفل وعن عمر ابن النعمان ابن مقرن والدارقطني عن جابر وزاد الطبراني عن ابن مسعود ﴿ وحرمة ماله كحرمة دمه ﴾ ﴿ ومن لم يتب ﴾ عما نهى عنه من السخرية واللمز والنبز ﴿ فأولئك هم الظالمون ﴾ بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب وحد ضمير لم يتب نظرا إلى لفظة من وجمع ضميرهم الظالمون نظرا إلى معناها نسبة المحصن إلى الزنا يوجب حد القذف إجماعا وسنذكر مسائل حد القذف في سورة النور إن شاء الله تعالى، ونسبة غير المحصن كالعبد والكافر إلى الزنا لا يوجب الحد لانحطاط درجتها بل يوجب التعزير لإشاعة الفاحشة ونسبة المحصن إلى غير الزنا لا يوجب حد القذف ويوجب التعزير إن كان النسبة إلى فعل اختياري يحرم في الشرع ويعد عارا في العرف وإلا لا إلا أن يكون تحقيرا للأشراف فمن قال لمسلم يا فاسق يا كافر يا خبيث يا سارق يا فاجر يا مخنث يا خائن يا زنديق يا لص يا ديوث يا قرطبان يا شارب الخمر يا آكل الربا يعزر، قتال ابن همام روي أنه عليه السلام عزر رجلا قال لغيره يا مخنث ولو قال يا حمار يا خنزير يا كلب يا تيس يا حجام لا يعزر وقيل لا إلا أن يقال لعالم، أو علوي أو رجل صالح ولو قال يا لاعب النرد ويا عشار لا يعزر لأنها لا يعد عارا عرفا وإن كان محرما شرعا مسألة : لا يبلغ بالتعزير أدنى الحدود عند أبي حنيفة والشافعي عفى الله عنهما وأدنى الحدود عند أبي حنيفة رح أربعون سوطا حد الشرب في العبد وعند أبي يوسف ثمانون حد الأحرار، وعند الشافعي وأحمد عشرون وقال مالك للإمام أن يضرب في التعزيز أي عدد أدى إليه اجتهاده وقال أحمد يعزر في الوطء فيما دون الفرج بشبهة أكثر من أدنى الحدود ولا يبلغ أعلاها، وفي قبلة أجنبية أو شتم أو سرق دون النصاب لا يبلغها أدنى في الحدود والله تعالى أعلم،
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: ومن سورة الحجرات ﴿٣٢٦٧﴾ وأخرجه أبو داود في كتاب: الأدب باب: في الألقاب: ﴿٤٩٥٤﴾ وأخرجه ابن ماجه في كتاب: الأدب باب: الألقاب ﴿٣٧٤١﴾.
٣ أخرجه البخاري في كتاب: الأدب باب: ما ينهى من السباب واللعن ﴿٦٠٤٥﴾.
٤ أخرجه البخاري في كتاب: الأدب باب: من كفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال ﴿٦١٠٣﴾ وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: حال إيمان من قال لأخيه المسلم يا كافر ﴿٦٠﴾.
٥ أخرجه البخاري في كتاب الأيمان باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهولا يشعر ﴿٤٨﴾ وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم ﴿سباب المسلم فسوق وقتاله كفر﴾ ﴿٦٤﴾ وأخرجه ابن ماجه في افتتاح الكتاب باب في الإيمان ﴿٦٩﴾.
٢ أخرجه مالك في أبواب السير باب: ما يكره من الكذب وسوء الظن والتجسس والنميمة ﴿٨٩٥﴾ وأخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة باب: ما جاء في الحسد ﴿١٩٤١﴾ وأخرجه أبو داود في كتاب: الأدب باب: في هجرة الرجل أخاه ﴿٤٩٠٢﴾ وأخرجه ابن ماجه في كتاب: الدعاء باب: الدعاء بالعفو والعافية ﴿٣٨٤٩﴾.
٣ أخرجه الترمذي في كتاب: البر والصلة باب: ما جاء في تعظيم المؤمن ﴿٢٠٣٢﴾.
٤ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب باب: تحريم الغيبة ﴿٢٥٨٩﴾.
٥ أخرج الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع ﴿٢٥٠٢﴾ وأخرجه أبو داود في كتاب: الأدب باب: في النية ﴿٤٨٦٧﴾.
٦ رواه الطبراني في الكبير الثقفي وهو متروك انظر مجمع الزوائد في كتاب الأدب باب: ما جاء في الغيبة والنميمة ﴿١٣١٢٨﴾.
٧ أخرجه الترمذي في كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع ﴿٢٥٠٥﴾.
.
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: تفسير القرآن باب: ومن سورة الحجرات ﴿٣١٧٠﴾.
٣ أخرجه البخاري في كتاب أحاديث الأنبياء باب: قول الله تعالى ﴿لقد كان في يوسف وإخوانه آيات للسائلين﴾ (٣٣٨٣)..
٤ أخرجه مسلم في كتاب: البر والصلة والآداب: تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وماله وعرضه ﴿٢٥٦٤﴾ وأخرجه ابن ماجه في كتاب الزهد باب: القناعة ﴿٤١٤٣﴾..
فلما استنفر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية تخلفوا فنزلت ﴿ قالت الأعراب آمنا ﴾ يعني صدقنا قل يا محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ لم تؤمنوا ﴾ فإن الإيمان صفة القلب عبارة عن تصديقه والإقرار كن زائد عن الاختيار لإجراء الأحكام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ الإيمان أن تؤمن بالله ملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن من بالقدر خيره وشره ﴾١ كذا في الصحيحين من حديث عمر ابن الخطاب مرفوعا في حديث سؤال جبرئيل ﴿ ولكن قولوا أسلمنا ﴾ والمراد بالإسلام الانقياد الظاهري وكان مقتضى نظم الكلام أن يقال لا تقولوا أمنا لكن قولوا أسلمنا أو يقال لم تؤمنوا ولكن أسلمتم فعدل عنه إلى هذا النظم احترازا عن النهي عن القول بالإيمان وعن الجزم بإسلامهم مع فقد لشرط اعتباره عند الله تعالى :﴿ ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ﴾ حال من فاعل قولوا أو معطوف على لم تؤمنوا للتأكيد على نفي الإيمان في الماضي والتوقع في المستقبل وليس في لم تؤمنوا التوقع فلا يلزم التكرار { وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم