تفسير سورة الإنفطار

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه المظهري . المتوفي سنة 1216 هـ
سورة الإنفطار
مكية وهي تسع عشرة آية

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إذا السماء انفطرت ١ ﴾ انشقت.
﴿ وإذا الكواكب انتثرت ٢ ﴾ تساقطت متفرقة.
﴿ وإذا البحار فجرت ٣ ﴾ فتح بعضها في بعض واختلط العذب بالملح فصار الكل بحرا واحدا.
﴿ وإذا القبور بعثرت ٤ ﴾ قلب ترابها وأخرج موتاها.
﴿ علمت نفس ما قدمت وأخرت ٥ ﴾ جواب إذا وهذا نظير ما مر في إذا الشمس كورت إلى قوله علمت، قيل : معناه ما قدمت من عمل صالح وسيء ما أخرت من سنة حسنة أو سيئة والمعنى ما قدمت من عمل صالح وسيئ ما أخرت من سنة حسنة أو سيئة والمعنى ما قدمت أي ضيعت وما أخرت أي تركت من العمل وقيل : ما قدمت من الصدقات وأخرت من الزكاة، وقيل : معناه بل قدمت الدنيا على الآخرة أو بالعكس وقد مر نظيره قوله تعالى :﴿ ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر ١٣ ﴾١.
١ سورة القيامة، الآية: ١٣..
﴿ يا أيها الإنسان ما غرك ﴾ أي ما خدعك وسول لك بالباطل غرورا ملصقا ﴿ بربك ﴾ موجبا للجرأة على عصيانه وترك ما أمر به ﴿ الكريم ﴾ الصفوح جملة يا أيها الإنسان معترضة ذكر توبيخا على الإساءة في أعمالهم المفهوم من قوله تعالى :﴿ علمت نفس ما قدمت وأخرت ٥ ﴾ قال نزلت في الوليد بن المغيرة كذا قال البغوي، وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة أنها نزلت في أبي بن خلف، وقال الكلبي نزلت في الأسيد بن كلدة ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يعاقب الله عز وجل فأنزل الله تعالى هذه الآية يقول ما الذي غرك بربك الكريم التجاوز عنك أو لم يعاقبك عاجلا بكفرك وصفه بالكريم لأنه منشأ غروره وبه يغره الشيطان فإنه يقول له إن شئت فربك لا يعذب أحدا ولا يعاجل في العقوبة وهو المعنى من قول مقاتل غره عفو الله حين لم يعاقبه في أمره، وقال السدي غره رفق الله به والاستفهام للإنكار ولا يجوز ذلك الغرور بكرمه وعدم تعجيله بالعقوبة إن لا يقتضى إهمال الظالم مطلقا وتسوية الموالي والمعادي فكيف قد انضم معه صفات أخر من القهر والانتقام وغيره وفيه مبالغة في الإنكار على الكفر فإن كثرة كرمه يقتضي أن يشكر ولا يكفر ويستدعي الجد في الطاعة لا الانهماك في عصيانه اغترارا بكرمه، وقال بعض أهل البشارة إنما قال بربك الكريم دون سائر أسمائه وصفاته كأنه تفه لإجابته معنى بقول غر في الكريم وهو المعنى مما قال يحيى بن معاذ لو أقامني بين يديه فقال ما يحيى ما غرك بي قلت : غرني برك بي سابقا وآنفا، وقال أبو بكر الوراق لو قال لي ما غرك بربك الكريم لقلت غرني كرم الكريم، قال ابن مسعود ما منكم من أحد إلا يسخر الله به يوم القيامة فقال : يا ابن آدم ما غرك بي أي ابن آدم ماذا عملت فيما علمت يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين قال عطاء تأويل الآية ما غرك بربك وقطعك وأشغلك عنه إلى نفس بئس للظالمين بدلا. حكي أن امرأة رفعت إلى قاض أن زوجها نكح عليها امرأة أخرى فقال القاضي لا سبيل لك بالاعتراض عليه فإن الله تعالى أباح للرجال ما طاب لهم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فقالت الضعيفة أيها القاضي لولا منعني الحجاب والحياء لبرزت حسني لك وسألتك بأن من كان له في الجمال والحسن مصاحبا مثلي هل يجوز له أن يشتغل عنه بغيره فسمع قولها رجل من أهل القلوب فصاح وخر مغشيا عليه فلما أفاق قال سمعت الهاتف يقول ألم تسمع قول الضعيفة ولولا حجاب الكبرياء والعظمة لأبرزت لكم من الجلال والجمال الذي لا يسعه المقابل وسألتكم أنه من استطاع الاشتغال بمثلي فهل يجوز الاشتغال بغيري ومن مثلي وأين يكون مثلي فليس يكون فاطلبني تجدني عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا قام الرجل في الصلاة أقبل الله عز وجل بوجهه فإذا التفت قال يا ابن آدم إلى من تلتفت إلى من هو خير مني أقبل إليّ فإذا التفت الثانية قال مثل ذلك فإذا التفت الثالثة صرف الله تبارك وتعالى عنه وجهه ) رواه البزار.
﴿ الذي خلقك ﴾ من تراب ثم من نطفة بعد ما لم يكن شيئا ﴿ فسواك ﴾ أي فجعلك بشرا سويا مستوى الخلق وتسويته جعل أعضائه سليمة معدة لمنافعها ﴿ فعدلك ﴾ قرأ الكوفيون بالتخفيف أي فصرفك وأمالك إلى أي صورة شاء أو صرفك عن خلقه غيرك حتى تميزت وفارقت عن سائر الحيوانات أو صرف طبعة بعض أجزائك إلى بعض فكسر حرارة الصفراء ويبوستها ببرودة البلغم ورطوبته وبالعكس ويبوسة السوداء وبرودتها برطوبة الدم وحرارته حتى اعتدلت وصرت أعدل الحيوانات مزاجا وقرأ الباقون بالتشديد أي جعل بنيتك متناسبة الأعضاء لعدلته معدة لا يستعدها من القوي.
﴿ في أي صورة ﴾ ما مزيدة لتأكيد التنكير والتنكير للتكثير ﴿ ما شاء ﴾ صفة لصورة ركبك، قال مجاهد والكلبي ومقاتل في أي شبيه من أب أو أم أو خال أو عم، وجاء في الحديث أن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضر بينه وبين آدم ثم قرأ في أي صورة ما شاء ﴿ ركبك ﴾ رواه ابن جرير والطبراني بسند ضعيف من طريق موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن جده عنه صلى الله عليه وسلم. قوله : في أي صورة إما متعلق بركبك أو ظرف مستقر حال من مفعول ركبك وفيه معنى الشرط والجزاء والجملة بيان لعدلك ومن ثم لم يعطف الموصول مع صلاته صفة أخرى لربك مقررة للربوبية مبينة للكرم منبه على أن من قدر على ذلك أولى أن يقدر عليه ثانيا مؤكدة للإنكار والتوبيخ على الغرور والكفر فإن من هذا شأنه لا يجوز كفرانه.
﴿ كلا ﴾ ردع على الاغترار بكرم الله تعالى ﴿ بل تكذبون بالدين ﴾ بالإسلام أو بالجزاء إضراب عن الاغترار بكرم الكريم يعني ليس أمركم أيها الناس مقتصرا على الإقرار بل مع ذلك تكذبون بالدين ويحتمل أن يكون إضرابا عن مفهوم علمت نفس ما قدمت وأخرت أي ما قدمت من العصيان وأخرت من الطاعة فإن حاصل المعنى أنكم تعصون بل تكذبون.
﴿ وإن عليكم ﴾ أي والحال أن عليك ﴿ لحافظين ﴾ لأعمالكم وأقوالكم من الملائكة.
﴿ كراما ﴾ على الله ﴿ كاتبين ﴾ صحف الأعمال للجزاء.
﴿ يعلمون ما تفعلون ١٢ ﴾ من خير وشر عقب الحافظين بتلك الصفات تعظيما لهم وتنبيها على أنه لا يفوت من علمهم شيء من الأعمال والأقوال فيه توبيخ على تكذيبهم وتحقيق لما يكذبون به وروى يتوقعون من التسامح والإهمال.
﴿ إن الأبرار ﴾ الذين بروا وصدقوا بإيمانهم باجتنابهم عما نهى الله عنه من العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة والأعمال القبيحة وامتثالهم أوامره، وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما سماهم الله الأبرار لأنهم بروا الآباء والأبناء ﴿ لفي نعيم ﴾.
﴿ وإن الفجار ﴾ الذين شقوا ستر الدين والديانة بالكفر والمعاصي والفجر الشقي ﴿ لفي جحيم ﴾ جملة إن الأبرار إلى آخر السورة متصل بقوله تعالى :﴿ علمت نفس ما قدمت وأخرت ٥ ﴾فإن في هذا الكلام بيان لا يعلم كل نفس من خير أو شر علمه بإدراك جزائه، روي أن سليمان بن عبد الملك قال لأبي حازم المدني ليت شعري ما لنا عند الله ؟ قال : أعرض عملك إلى كتاب الله فإنك تعلم مالك عند الله قال : فأين أجد في كتاب الله ؟ فقال ؟ عند قوله إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم قال سليمان فأين رحمة الله قال قريب من المحسنين انتهى.
﴿ يصلونها ﴾ يدخلونها ﴿ يوم الدين ﴾ يوم الجزاء.
﴿ وما هم ﴾ الضمير إلى بعض الفجار أعني الكفار أو المراد بالفجار الكفار ﴿ عنها ﴾ أي عن الجحيم ﴿ بغائبين ﴾ لخلودهم فيها أو المعنى ما هم كانوا عنها غائبين قبل ذلك أو كانوا يجدون سمومها في القبور عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة )١ متفق عليه، وفي حديث البراء بن عازب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر حال الكافر في القبر ( يسأل عن دينه فيقول هاه هاه لا أدري فقال فينادي من السماء أن كذب فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار ) ثم عظم ذلك اليوم ﴿ وما أدراك ما يوم الدين ١٧ ﴾.
١ أخرجه البخاري في كتاب: الرقاق، باب: سكرات الموت (٦٥١٥)، وأخرجه مسلم في كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (٢٨٦٦)..
﴿ وما أدراك ما يوم الدين ١٧ ﴾ الاستفهام للتعجب والتوبيخ يعني أنه يوم عظيم البلاء شديد غاية الشدة لا تدري عظمته وشدته حيث لا يدرك كنه أمره دراية دار.
﴿ ثم ما أدراك ما يوم الدين ١٨ ﴾ تأكيد للتفخيم.
﴿ يوم لا تملك ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمر وبالرفع على أنه بدل من اليوم في ما يوم الدين أو خبر مبتدأ محذوف أي هو والباقون بالنصب على أنه بدل من اليوم في يصلونها يوم الدين أو متعلق بمحذوف أي يجزى كذلك في يوم لا تملك نفس أو اذكر يوم لا تملك أو هو مبني على الفتح لإضافة إلى غير التمكن ومحله الرفع ﴿ نفس ﴾ أي أحد ﴿ لنفس ﴾ يعني كافرة كذا قال مقاتل ﴿ شيئا ﴾
من المنفعة ﴿ والأمر يومئذ لله ﴾ وحده لا ملك الله في ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمر كما ملكهم في الدنيا وأما الإذن في الشفاعة للمؤمنين فليس بتمليك أو يقال الأمر يومئذ عيانا وفي زعم كل أحدكما كان الأمر كله لله في الحقيقة وفي زعم أهل البصيرة والله أعلم بالصواب.
Icon