قال يحيى : وحدثني أبو الجراح المهري، عن عوف، عن يزيد الفارسي، عن ابن عباس قال :" قلت لعثمان بن عفان : كيف جعلتم الأنفال وهي من المئين مع براءة وهي من الطوال، ولم تكتبوا بينهما سطر " بسم الله الرحمن الرحيم " فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تنزل عليه الثلاث الآيات والأربع الآيات، وأقل من ذلك وأكثر ؛ فيقول : اجعلوا آية كذا وكذا في سورة كذا وكذا من موضع كذا وكذا. وإنه قبض ولم يقل لنا في الأنفال شيئا، ونظرنا فرأينا قصصهما متشابها، فجعلناها معها ولم نكتب بينهما سطر : بسم الله الرحمن الرحيم " ١.
﴿إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ﴾ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ ﴿أَنَّ اللَّهَ بريءٌ من الْمُشْركين وَرَسُوله﴾ إِنْ لَمْ يَؤْمِنُوا.
تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ: أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ مِنْهَا؛ فَأَرَادَ أَنْ يَحُجَّ.
ثُمَّ قَالَ: إِنَّهُ يَحْضَرُ الْبَيْتَ مُشْرِكُونَ يَطُوفُونَ عُرَاةً، وَلا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ. فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا فَطَافَا فِي النَّاسِ بِذِي الْمَجَازِ، وَبِأَمْكِنَتِهِمِ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِيهَا، وَبِالْمَوْسِمِ كُلِّهِ، فَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بَأَنَّ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ [أَشْهُرٍ] مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى عَشْرِ لَيَالٍ يَمْضِينَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ، ثُمَّ لَا عَهْدَ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ أُمِّرَ عَلَى الْحَاجِّ يومئذٍ، وَنَادَى عليٌّ فِيهِ بِالأَذَانِ، وَكَانَ عَامًا حَجَّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ.
كَانَ النَّبِيُّ قَدْ أَمَّرَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُؤَذِّنَ النَّاسَ بِالْبَرَاءَةِ، فَلَمَّا مَضَى دَعَاهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَا يُبَلِّغُ عَنِّي فِي هَذَا الأَمْرَ إِلا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ".
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:
إِنَّمَا أَمر النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم عَلِيًّا بِذَلِكَ دُونَ أَبِي بَكْرٍ؛ لأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ فِي عَقْدِ عُهُودِهَا لَوْ نَقَضَتْهَا أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ عَلَى الْقَبِيلَةِ رجلٌ مِنْهَا، فَكَانَ جَائِزًا أَنْ تَقُولَ الْعَرَبُ: [إِذَنْ عَلَيْكَ] نَقْضَ الْعُهُودِ مِنَ الرَّسُولِ، هَذَا خِلافُ مَا نَعْرِفُ فِينَا فِي نَقْضِ الْعُهُودِ؛ فَأَزَاحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ، وَكَانَ هَذَا فِي سَنَةِ تسعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، بَعْدَ افْتِتَاحِ مَكَّةَ بِسَنَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْله ﴿بَرَاءَة﴾ يَجُوزُ الرَّفْعُ فِيهَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى خَبْرِ الابْتِدَاءِ؛ عَلَى مَعْنَى هَذِهِ الآيَاتُ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ الله وَرَسُوله﴾.
وعَلى الِابْتِدَاء، وَيكون الْخَبَر ﴿إِلَّا الَّذين عاهدتم﴾.
قَوْله: ﴿فَإِن تبتم﴾ يَقُولُ لِلْمُشْرِكِينَ: فَإِنْ تُبْتُمْ مِنَ الشِّرْكِ ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ توليتم﴾ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كفرُوا بِعَذَاب أَلِيم﴾ يَعْنِي: الْقَتْلَ قَبْلَ عَذَابَ الآخِرَةِ،
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كل مرصد﴾ يَعْنِي: عَلَى كُلِّ طَرِيقٍ تَأْمُرُونَ بِقَتَالِهِمْ فِي الْحِلِّ وَالْحَرِمِ وَعِنْدَ الْبَيْتِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ مَعْنَاهُ: وَأْسِرُوهُمْ؛ يُقَالُ لِلأَسِيرِ: أخيذٌ، وَمعنى ﴿واحصروهم﴾: احْبِسُوهُمْ؛ الْحَصْرُ: الْحَبْسُ.
﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ يَعْنِي: مِنَ الشِّرْكِ ﴿وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتوا الزَّكَاة﴾ يَعْنِي: أَقَرُّوا بِهَا ﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾.
قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ محكمةٌ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة.
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لكم﴾ على الْعَهْد ﴿فاستقيموا لَهُم﴾ عَلَيْهِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٢) إِلَى الْآيَة (١٣).
أَن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ وَادِعَ أَهْلَ مَكَّةَ سَنَةً؛ وَهُوَ يومئذٍ بِالْحُدَيْبِيَةِ، فَحَبَسُوهُ عَنِ الْبَيْتِ، ثُمَّ صَالَحُوهُ؛ عَلَى أَنَّكَ تَرْجِعُ عَامَكَ هَذَا وَلا تَطَأُ بَلَدَنَا، وَلا تَنْحَرُ الْبُدْنَ مِنْ أَرْضِنَا، وَأَنْ نُخَلِّيَهَا لَكَ عَامًا قَابِلا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَلا تَأْتِينَا بِالسِّلاحِ إِلا سِلاحًا تَجْعَلُهَا فِي قِرَابٍ وَأَنَّهُ مَنْ صَبَأَ مِنَّا إِلَيْكَ فَهُوَ إِلَيْنَا ردٌّ. فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ، فَمَكَثُوا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَمْكُثُوا، ثُمَّ إِنَّ حُلَفَاءَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ خُزَاعَةَ قَاتَلُوا حُلَفَاءَ بَنِي أُمَيَّةَ مِنْ بَنِي كَنَانَةَ؛ فَأَمَدَّتْ بَنُو أُمَيَّةَ حُلَفَاءَهُمْ بِالسِّلاحِ وَالطَّعَامِ، فَرَكِبَ ثَلاثُونَ رَجُلا مِنْ حُلَفَاءِ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ خُزَاعَةَ فِيهِمْ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، فَنَاشَدُوا رَسُولَ اللَّهِ الْحلف، فَأمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنْ يُعِينَ حُلَفَاءَهُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَان لَهُم﴾: لَا عَهْدَ لَهُمْ ﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٤) إِلَى الْآيَة (١٦).
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَدْ عَلِمَ اللَّهُ قَبْلَ أَمْرِهِمْ بِالْقِتَالِ مَنْ يُقَاتِلُ مِمَّنْ لَا يُقَاتِلُ، لَكِنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ غَيْبًا؛ فَأَرَادَ اللَّهُ الْعِلْمَ الَّذِي يُجَازِي عَلَيْهِ، وَتَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ؛ وَهُوَ عِلْمُ الْفِعَالِ.
﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ بطانةً.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿وليجة﴾ مَأْخُوذَةٌ مِنَ: الْوُلُوجِ؛ وَهُوَ أَنْ يَتَّخِذَ رجلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ دَخِيلا من الْمُشْركين وخليطاً.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٧) إِلَى الْآيَة (١٨).
قَالَ مُحَمَّدٌ: ﴿شَاهِدِينَ﴾ حَالُ؛ الْمَعْنَى: مَا كَانَتْ لَهُمْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ فِي حَالِ إِقْرَارِهِمْ بالْكفْر.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٩) إِلَى الْآيَة (٢٢).
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٢٣) إِلَى الْآيَة (٢٤).
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ عَلَى شَرْكِهِمْ.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٢٥) إِلَى الْآيَة (٢٧).
﴿وَيَوْم حنين﴾ أَي: وَفِي يَوْم (ل ١٢٥) حُنَيْنٍ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِيهِ ﴿إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئا﴾ الآيَةُ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ لَمَّا ذَهَبَ إِلَى حُنَيْنٍ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعَ هَوَازِنَ وَثَقِيفٍ، وَهُمْ قريبٌ مِنْ أَرْبَعَةِ آلافٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ - فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ - فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، فَلَمَّا الْتَقَوْا قَالَ رجلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ: لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ. فَوَجَدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَلِمَتِهِ وِجْدًا شَدِيدًا، وَخَرَجَتْ هَوَازِنُ وَمَعَهَا دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ وَهُوَ
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٢٨) إِلَى الْآيَة (٢٩).
﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ هُوَ الْعَامُ الَّذِي حَجَّ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ، وَنَادَى فِيهِ عليٌّ بِالأَذَانِ.
﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ﴾ كَانَ لأَهْلِ مَكَّةَ مكسبةٌ ورفقٌ مِمَّنْ كَانَ يَحُجُّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا عُزِلُوا عَنْ ذَلِكَ اشْتَدَّ عَلَيْهِمْ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ أَنَّهُ يُعَوِّضُهُمْ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ محمدٌ: الْعَيْلَةُ: الْفَقْرُ؛ يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ؛ إِذَا افْتَقَرَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ: ﴿عَنْ يَدٍ﴾ يُقَالُ: أَعْطَاهُ عَنْ يدٍ، وَعَنْ ظَهْرِ يدٍ؛ أَيْ: أَعْطَاهُ ذَلِكَ مبتدئاً غير مكافئ.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٣٠) إِلَى الْآيَة (٣٣).
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَنَّهُ قولٌ بفمٍ؛ أَيْ: لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَلَا صِحَة تَحْتَهُ.
﴿يضاهئون﴾ يُشَابِهُونَ؛ يَعْنِي: النَّصَارَى ﴿قَوْلَ الَّذِينَ كفرُوا من قبل﴾ يَعْنِي: الْيَهُودَ؛ أَيْ: ضَاهَتِ النَّصَارَى قَوْلَ الْيَهُودِ قَبْلَهُمْ؛ قَالَتْ الْيَهُودُ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَتِ النَّصَارَى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ﴿قَاتَلَهُمُ اللَّهُ﴾ أَيْ: لَعَنَهُمُ اللَّهُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقيل: ﴿قَاتلهم﴾ بِمَعْنى: قَتلهمْ.
﴿أَنى يؤفكون﴾ كَيْفَ يُقْلَبُونَ عَنِ الْحَقِّ وَيُصْرَفُونَ؟!
وَفِي تَفْسِيرِ الْحَسَنِ: ﴿لِيظْهرهُ على الدّين كُله﴾: حَتَّى يَكُونَ الْحَاكِمُ عَلَى أَهْلِ الأَدْيَانِ كُلِّهَا؛ فَكَانَ ذَلِكَ حَتَّى ظَهَرَ عَلَى عَبَدَةِ الأَوْثَانِ، وَحَكَمَ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ فَأَخَذَ مِنْهُمُ الْجِزْيَة، وَمن الْمَجُوس.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٣٤) إِلَى الْآيَة (٣٥).
﴿وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تكنزون﴾ يَعْنِي: مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ يحيى: وسمعتهم يَقُولُونَ:
نَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ كَانَتْ قَبْلَهَا.
يحيى: عَنْ خالدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ، فَقَدْ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي مَالِهِ، وَمَنِ ازْدَادَ فَهُوَ خيرٌ لَهُ ".
﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة... ﴾ إلى قوله :﴿ فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾ يعني : من وجب عليه الإنفاق في سبيل الله.
قال يحيى : و سمعتهم يقولون : نسخت الزكاة كل صدقة كانت قبلها.
يحيى : عن خالد، عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من أدى الزكاة، فقد أدى حق الله عز وجل في ماله، ومن ازداد فهو خير له " ١.
قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فِي كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي تُنْسَخُ مِنْهُ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ وَفِي جَمِيعِ كُتُبِ اللَّهِ ﴿مِنْهَا أَرْبَعَة حرم﴾ الْمُحَرَّمُ وَرَجَبُ وَذُو الْقِعْدَةِ وَذُو الْحجَّة.
﴿ذَلِك الدّين الْقيم﴾ يَعْنِي: أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ هَذِهِ الأَرْبَعَةَ الأَشْهُرَ ﴿فَلا تظلموا فِيهِنَّ أَنفسكُم﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: يَقُولُ: اعْلَمُوا أَنَّ الظُّلْمَ فِيهِنَّ أَعْظَمُ خَطِيئَةٍ [وَوِزْرًا] فِيمَا سِوَاهُنَّ.
﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً﴾ أَيْ: جَمِيعًا، وَهَذَا حِينَ أَمَرَ بقتالهم جَمِيعًا.
وَمعنى ﴿ليواطئوا﴾: لِيُوَافِقُوا ﴿عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ كَانُوا يَقُولُونَ: هَذِهِ أربعةٌ بِمَنْزِلَةِ أَرْبَعَةٍ.
قَالَ محمدٌ: النَّسِيءُ فِي اللُّغَةِ: التَّأْخِيرُ؛ يَقُولُ: تَأْخِيرُهُمُ الْمُحَرَّمِ سَنَةً وَتَحْرِيمُ غَيْرِهِ سَنَةً؛ فَإِذَا كَانَ فِي السَّنَةِ الأُخْرَى رَدُّوهُ إِلَى التَّحْرِيمِ فَنَسْؤُهُمْ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي كُفْرِهِمْ؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْكَلْبِيّ.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٣٨) إِلَى الْآيَة (٤٠).
قَالَ الْحَسَنُ: السَّكِينَةُ: الْوَقَارُ.
قَالَ محمدٌ: وَهِيَ مِنَ السُّكُونِ؛ الْمَعْنَى: أَنَّهُ أَلْقَى فِي قَلْبِهِ مَا سَكَنَ بِهِ،
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٤١) إِلَى الْآيَة (٤٢).
قَالَ الْكَلْبِيُّ: وَذَلِكَ حِينَ اسْتَنْفَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَى تَبُوكَ فِي حرٍّ شَدِيدٍ، وَعُسْرَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَكَرِهَ بَعْضُ النَّاسِ الْخُرُوجَ، وَجَعَلُوا يَسْتَأْذِنُونَ فِي الْمَقَامِ مِنْ بَيْنَ [... ] وَمَنْ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ؛ فَيَأْذَنُ لِمَنْ شَاءَ أَنْ يَأْذَنَ، وَتَخَلَّفَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ بَغَيْرِ إِذْنٍ؛ فَأَنْزَلَ الله - عز وَجل
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٤٣) إِلَى الْآيَة (٤٧).
﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انبعاثهم﴾ خُرُوجَهُمْ؛ لِمَا يَعْلَمُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ عُيُونٌ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ وَلِمَا يَمْشُونَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ بِالنَّمِيمَةِ وَالْفَسَادِ ﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ أَي: صرفهم
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْوَضْعُ فِي اللُّغَةِ: سُرْعَةُ السَّيْرِ؛ يُقَالُ: وَضَعَ الْبَعِيرُ
﴿يبغونكم الْفِتْنَة﴾ أَيْ: يَبْغُونَ أَنْ تَكُونُوا مُشْرِكِينَ، وَأَنْ يَظْهَرَ عَلَيْكُمُ الْمُشْرِكُونَ ﴿وَفِيكُمْ سماعون لَهُم﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ أَنَّهُمْ عيونٌ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَيْكُمْ يَسْمَعُونَ أَخْبَارِكُمْ، فيرسلون بهَا إِلَى الْمُشْركين.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٤٨) إِلَى الْآيَة (٤٩).
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اغْزُوا تَبُوكَ تَغْنَمُوا بَنَاتَ الأَصْفَرِ نِسَاءَ الرُّومِ. فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: ائْذَنْ لَنَا وَلا تَفْتِنَّا بِالنِّسَاءِ " قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: (أَلا
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٥٠) إِلَى الْآيَة (٥٤).
﴿وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ﴾ أَيْ: نَكْبَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: أَخَذْنَا الْوَثِيقَةَ فِي مُخَالَفَةِ مُحَمَّد، وَالْجُلُوس عَنهُ ﴿ويتولوا﴾ إِلَى مَنَازِلهمْ ﴿وهم فَرِحُونَ﴾ بِالَّذِي دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنَ النكبة.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿قُلْ أَنْفِقُوا﴾ قَالَ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ فِيهِ: هَذَا لَفْظُ أَمْرٍ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالْخَبَرِ؛ أَيْ: يَقُولُ: إِنْ أَنْفَقْتُمْ طَائِعِينَ أَوْ مُكْرَهِينَ، لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ. قَالَ: وَمِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الشِّعْرِ قَوْلُ كُثَيْرٍ:
(وَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ | وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ) |
(أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا ملومةٌ | لَدَيْنَا وَلا مقليةٌ إِنْ تَقَلَّتِ) |
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٥٥) إِلَى الْآيَة (٥٩).
إِنَّ رَجُلا حَدِيثُ عهدٍ بِأَعْرَابِيَّةٍ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يَقْسِمُ ذَهَبًا وَفِضَّةً، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنْ كَانَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - قَدْ أَمَرَكَ أَنْ تَعْدِلَ، فَمَا عَدَلْتَ مُنْذُ الْيَوْمِ. فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَيْلَكَ فَمَنْ يَعْدِلُ عَلَيْكَ بَعْدِي؟! ثُمَّ قَالَ: احْذَرُوا هَذَا وَأَشْبَاهَهُ؛ فَإِنَّ فِي أُمَّتِي أَشْبَاهُ هَذَا؛ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوز تراقيهم ".
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٦٠) فَقَط.
يَعْنِي: مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴿وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُوله﴾ الآيَةُ. وَهِيَ تُقْرَأُ أَيْضًا: (وَرَسُولَهُ) بِالنَّصْبِ؛ أَيْ: يُؤْتِي رَسُولَهُ.
وَفِيهَا إِضْمَارٌ؛ أَيْ: لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِمَّا أظهرُوا من النِّفَاق.
كل عبدٍ ﴿والغارمين﴾ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ دينٌ أَوْ غرمٌ مِنْ غَيْرِ فسادٍ ﴿وَفِي سَبِيل الله﴾ يُحْمَلُ مَنْ لَيْسَ لَهُ [ | ] يُعْطَى مِنْهَا ﴿وَابْنُ السَّبِيلِ﴾ الْمُسَافِرُ إِذَا قُطِعَ بِهِ؛ جَعَلَ اللَّهُ لِهَؤُلاءِ فِيهَا سَهْمًا. |
قَالَ محمدٌ: ﴿فَرِيضَة﴾ بِالنَّصْبِ عَلَى التَّوْكِيدِ، الْمَعْنَى: فَرَضَ الله الصَّدقَات لهَؤُلَاء فَرِيضَة.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٦١) فَقَط.
(ل ١٢٩)
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ: قُلْ مَنْ يَسْتَمِعُ مِنْكُمْ وَيَكُونُ قَابِلا لِلْعُذْرِ خَيْرٌ لَكُمْ ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ويؤمن للْمُؤْمِنين﴾ يُصَدِّقُ اللَّهَ، وَيُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ.
﴿وَرَحْمَةٌ للَّذين آمنُوا مِنْكُم﴾ رَحِمَهُمُ اللَّهُ بِهِ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنَ الْجَاهِلِيَّة وظلمتها.
﴿فَأن لَهُ نَار جَهَنَّم﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿مَنْ يُحَادِدِ الله وَرَسُوله﴾ مَعْنَاهُ: مَنْ يَكُونُ فِي حدٍّ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي حدٍّ؛ أَيْ: جَانب. وتقرأ (فَأن لَهُ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فَمَنْ كَسَرَ فَعَلَى الاسْتِئْنَافِ؛ كَمَا تَقُولُ: فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ، وَدَخَلَتْ (إِنَّ) مُؤَكِّدَةً. وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ (فَأَنَّ لَهُ)، فَإِنَّمَا أَعَادَ (أَنَّ) الأُولَى تَوْكِيدًا؛ لأَنَّهُ لَمَّا طَالَ الْكَلامُ كَانَ إِعَادَتهَا أوكد.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٦٤) إِلَى الْآيَة (٦٧).
قَالَ قَتَادَةُ: وَكَانَتْ هَذِهِ السُّورَةُ " بَرَاءَةٌ " تُسَمَّى: فَاضِحَةُ الْمُنَافِقِينَ؛ لأَنَّهَا أَنْبَأَتْ بِمَقَالَتِهِمْ وأعمالهم.
﴿قل استهزئوا﴾ بمحمدٍ وَأَصْحَابِهِ؛ وَهَذَا وعيدٌ مِثْلَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿فَمَنْ شَاءَ فليؤمن وَمن شَاءَ فليكفر﴾.
﴿إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ﴾ فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ، فَأَخْرَجَ أَضْغَانَهُمْ؛ وَهُوَ مَا كَانُوا يُكِنُّونَ فِي صُدُورهمْ.
بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ إِذَا هُوَ برهطٍ أربعةٍ يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ وَهُمْ يَضْحَكُونَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِاللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرِهِ - وَرَسُولِهِ وَكِتَابِهِ. فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَقَالَ: أَدْرِكْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَحْتَرِقُوا، وَاسْأَلْهُمْ: مِمَّ يَضْحَكُونَ؟ فَإِنَّهُمْ سَيَقُولُونَ مِمَّا يَخُوضُ فِيهِ الرَّكْبُ إِذَا سَارُوا. فَلَحِقَهُمْ عمار،
فَقَالَ عمار (عَرفْنَاهُ) اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - وَبَلَّغَ الرَّسُولَ احْتَرَقْتُمْ لَعَنَكُمُ اللَّهُ وَكَانَ يُسَايِرُهُمْ رَجُلٌ لَمْ يَنْهَهُمْ، وَجَاءُوا إِلَى النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَذِرُونَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمَانكُمْ﴾ أَيْ: بَعْدَ إِقْرَارِكُمْ ﴿إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً﴾ فَيُرْجَى أَنْ يَكُونَ الْعَفْوُ مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِمَنْ لَمْ يمالئهم، وَلم ينههم.
﴿نسوا الله﴾ أَيْ: تَرَكُوا ذِكْرَهُ بِالإِخْلاصِ مِنْ قُلُوبهم ﴿فنسيهم﴾ فَتَرَكَهُمْ أَنْ يُذَكِّرَهُمْ بِمَا يُذَكِّرُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْخَيْرِ ﴿إِنَّ الْمُنَافِقين هم الْفَاسِقُونَ﴾ يَعْنِي: بِهِ فسق الشّرك.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٦٨) إِلَى الْآيَة (٧٠).
تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَقُولُ: فَاسْتَمْتَعْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِنَصِيبِكُمْ مِنَ الآخِرَةِ، كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِنَصِيبِهِمْ من الْآخِرَة ﴿وخضتم﴾ فِي الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ ﴿كَالَّذِي خَاضُوا﴾.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٧١) إِلَى الْآيَة (٧٢).
قَالَ محمدٌ: الْعَدْنُ فِي اللُّغَةِ: الإِقَامَةُ؛ يُقَالُ: عَدَنْتُ بِمَوْضِعِ كَذَا؛ أَيْ: أَقَمْتُ بِهِ.
﴿ورضوان من الله أكبر﴾ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ مُلْكِ الْجَنَّةِ.
يحيى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَرَأَوْا مَا فِيهَا قَالَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُمْ: لَكُمْ عِنْدِي أَفْضَلُ مِنْ هَذَا. قَالُوا: رَبَّنَا لَا شَيْءَ أَفْضَلَ مِنَ الْجَنَّةِ. قَالَ: بَلَى أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي ".
قَالَ الْحَسَنُ: يَصِلُ إِلَى قُلُوبِهِمْ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مِنَ اللَّذَّةِ وَالسُّرُورِ مَا هُوَ أَلَذُّ عِنْدَهُمْ وَأَقَرُّ لأَعْيُنِهِمْ مِنْ كُلِّ شيءٍ أَصَابُوهُ مِنْ لَذَّة الْجنَّة.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٧٣) إِلَى الْآيَة (٧٤).
قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ أَكْثَرُ مَنْ يُصِيبُ الْحُدُود يومئذٍ المُنَافِقُونَ.
لَقِيَ رجلٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ رَجُلا مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَقَالَ: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ محمدٌ حقًّا، فَنَحْنُ شرٍّ مِنَ الْحُمُرِ! فَقَالَ الْمُسْلِمُ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّهُ لَحَقٌّ، وَأَنَّكَ شرٌّ مِنْ حمارٍ. ثمَّ أخبر بذلك النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ إِلَى الْمُنَافِقِ؛ أَقُلْتَ كَذَا؟ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَهُ، وَحَلَفَ الْمُسْلِمُ لَقَدْ قَالَهُ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكفْر وَكَفرُوا بعد إسْلَامهمْ﴾ بَعْدَ إِقْرَارِهِمْ ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ ينالوا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: هَمَّ الْمُنَافِقُ بِقَتْلِ الْمُؤْمِنِ؛ حَيْثُ قَالَ لِلْمُنَافِقِ: فَوَاللَّهِ إِنَّ مَا يَقُولُ محمدٌ كُلُّهُ حقٌّ، وَلأَنْتَ شرٌّ مِنْ حِمَارٍ.
﴿وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُوله من فَضله﴾ يَقُولُ: لمْ يَنْقِمُوا مِنَ الَّذِي جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، إِلا أَنَّهُمْ أَصَابُوا الْغِنَى فِي الدُّنْيَا، وَلَوْ تَمَسَّكُوا بِهِ لأَصَابُوا الْجَنَّةَ فِي الآخِرَةِ.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنَى: أَيْ: لَيْسَ يَنْقِمُونَ شَيْئًا، وَلا يَتَعَرَّفُونَ (حَقَّ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلا الصُّنْعَ)، وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ ينقم.
﴿فَإِن يتوبوا﴾ أَيْ: يَرْجِعُوا عَنْ نِفَاقِهِمْ ﴿يَكُ خيرا لَهُم وَإِن يتولوا﴾ عَنِ التَّوْبَةِ، وَيُظْهِرُوا الشِّرْكَ ﴿يُعَذِّبْهُمُ الله عذَابا أَلِيمًا﴾ الْآيَة.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٧٥) إِلَى الْآيَة (٧ ٨).
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سرهم ونجواهم﴾ مَا يَتَنَاجَوْنَ بِهِ مِنَ النِّفَاقِ [ | ] إِذْ ذَاكَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي كِتَابِهِ، وَقَامَتْ بِهِ الْحجَّة عَلَيْهِم. |
(ل ١٣١)
ذكر لنا أَن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ بِنِصْفِ مَالِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَبُهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا نِصْفُ مَالِي أَتَيْتُكَ بِهِ، وَتَرَكْتُ نِصْفَهُ لِعَيَالِي،
قَدْ خَيَّرَنِي رَبِّي، فَوَاللَّهِ لأَزِيدَنَّهُمْ عَلَى السَّبْعِينَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ الآيَةَ ".
قَالَ محمدٌ: وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلا جهدهمْ﴾ يَعْنِي: طَاقَتَهُمْ؛ الْجُهْدُ: الطَّاقَةُ، وَالْجَهْدُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ -: الْمَشَّقَةُ؛ يُقَالُ: فَعَلْتُ ذَلِكَ بجهدٍ؛ أَيْ: بِمَشَقَّةٍ. وَقَوْلُهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ﴾ أَي: جازاهم جَزَاء السخرية.
﴿وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ﴾ قَالَ قَتَادَةُ:
خَرَجَ الْمُؤْمِنُونَ يومئذٍ إِلَى تَبُوكَ فِي لَهَبَانِ الْحَرِّ؛ قَالَ اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - للنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿قُلْ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا ﴿لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَقُولُ: لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ لَعَلِمُوا أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا مِنْ نَارِ الدُّنْيَا.
يحيى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ قَالَ:
بَيْنَمَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مسيرٍ لَهُ فِي يومٍ شَدِيدِ الْحَرِّ إِذْ نَزَلَ مَنْزِلا، فَجَعَلَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَنْتَعِلُ ثَوْبَهُ مِنْ شِدَّةِ حَرِّ الأَرْضِ؛ فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلا أَرَاكُمْ تَجْزَعُونَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا مسيرَة خَمْسمِائَة عَامٍ! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ بَابًا مِنْ أَبْوَابِ جَهَنَّمَ فُتِحَ بِالْمَشْرِقِ، ورجلٌ بِالْمَغْرِبِ لَغَلَّى دِمَاغُهُ حَتَّى يَسِيلَ مِنْ مُنْخَرَيْهِ ".
يحيى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ قَتَادَةَ؛
أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ قَالَ: " إِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْبُكَاءَ؛ فَلَوْ تُرْسَلُ السُّفُنُ فِي [... ] أَعْيُنُهِمْ لجرت ".
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَاحِدُ الْخَالِفِينَ: خالفٌ؛ يُقَالُ لِلَّذِي هُوَ غَيْرُ نَجِيبٍ: فلانٌ خَالف أَهله، وخالفة أَهله.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٨٦) إِلَى الْآيَة (٨٩).
قَالَ مُحَمَّدٌ: الْمَعْنَى عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ: رَضُوا بَأَنْ يَكُونُوا فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ كَالنِّسَاءِ وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْخَوَالِفَ جَمْعُ خَالِفَةٍ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَقَدْ قِيلَ: الْخَيْرَاتُ: الْفَوَاضِلُ مِنَ كُلِّ شيءٍ؛ وَوَاحَدُهَا: خيرة.
(ل ١٣٢)
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ: فُلانٌ مُعَذِّرٌ؛ أَيْ: معتذرٌ، وَأُدْغِمَتُ التَّاءُ فِي الذَّالِ؛ لِقُرْبِ مَخْرَجَيْهِمَا. وَمِنْ كَلامِهِمْ أَيْضًا: عَذَّرْتُ الأَمْرَ إِذْ قَصَّرْتُ، وَأَعْذَرْتُ إِذَا جَدَّدْتُ.
﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُوله﴾ فِيمَا أَكْثَرُوا مِنَ النِّفَاقِ؛ كَانَ هَذَا فِي غَزْوَة تَبُوك.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (٩٧) إِلَى الْآيَة (٩٩).
قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ ﴿مَغْرَمًا﴾ يَعْنِي: غُرْمًا وَخُسْرَانًا.
﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِر﴾ يَعْنِي: أَنْ يَهْلِكَ محمدٌ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيَرْجِعَ إِلَى دِينِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ.
﴿عَلَيْهِم دَائِرَة السوء﴾ يَعْنِي: عَاقِبَة السوء.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٠٠) إِلَى الْآيَة (١٠١).
مَنْ كَانَ صَلَّى مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ فَهُوَ مِنَ السَّابِقين الْأَوَّلين
﴿سَنُعَذِّبُهُمْ مرَّتَيْنِ﴾ أَمَّا إِحْدَاهُمَا: فَبِالزَّكَاةِ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُمْ كُرْهًا، وَأَمَّا الأُخْرَى: فَبِعَذَابِ الْقَبْرِ ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيم﴾ أَي: جَهَنَّم.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٠٢) إِلَى الْآيَة (١٠٦).
﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ وَعَسَى مِنَ اللَّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - وَاجِبَة.
يحيى: عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ قَالَ:
لَوْ أَنَّ رَجُلا عَمِلَ فِي جَوْفِ سَبْعِينَ بَيْتًا لَكَسَاهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - رِدَاءَ عَمَلِهِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا ".
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٠٧) إِلَى الْآيَة (١٠٨).
(ل ١٣٣)
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حِينَ غَزْوَةِ تَبُوكَ نَزَلَ بَيْنَ ظَهْرَانِيِّ الأَنْصَارِ وَبَنَى مَسْجِدَ قِبَاءَ ٠ وَهُوَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى - وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ مِنَ الأَنْصَارِ بَنَوْا مَسْجِدًا؛ فَقَالُوا: نَمِيلُ بِهِ فَإِنْ أَتَانَا محمدٌ فِيهِ وَإِلا لمْ [... ] وَنَخْلُوا فِيهِ لِحَوَائِجِنَا وَنَبْعُثُ إِلَى أَبِي عَامِرٍ الرَّاهِبِ - لِمُحَارِبٍ مِنْ مُحَارِبِيِّ الأَنْصَارِ كَانَ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَامِرٍ الرَّاهِبُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَهُ - فَيَأْتِينَا؛ فَنَسْتَشِيرُهُ فِي أُمُورِنَا، فَلَمَّا بَنَوُا الْمَسْجِدَ؛ وَهُوَ الَّذِي قَالَ الله - عز وَجل -: ﴿الَّذين اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ﴾ أَيْ: بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قبل﴾ يَعْنِي: أَبَا عَامِرٍ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ الْوَحْيَ لَا يَأْتِيهِمْ وَلا يَأْتُونَهُ، فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ دَعَا بِقَمِيصِهِ لِيَأْتِيَهُمْ (فَإِنَّهُ لِيَزُرَّهُ عَلَيْهِ إِذْ أَتَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: ﴿لَا تقم فِيهِ أبدا﴾ يَعْنِي: ذَلِكَ الْمَسْجِدَ. ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ يَعْنِي: مَسْجِدَ قِبَاءَ ﴿أَحَقُّ أَنْ تقوم فِيهِ﴾.
قَالَ محمدٌ: قَوْلُهُ ﴿وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارب الله وَرَسُوله﴾ أَيِ: انْتِظَارًا؛ يُقَالُ: أَرْصَدْتُ لَهُ بِالشَّرِّ، وَرَصَدْتُهُ بِالْمُعَافَاةِ. وَقَدْ قِيلَ: أَرْصَدْتُ لَهُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا.
يحيى: عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ:
لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمُ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ؛ فَكَيْفَ طُهُورِكُمْ بِالْمَاءِ؟ قَالُوا: نَغْسِلُ أَثَرَ الْخَلاءِ بِالْمَاءِ " مِنْ حَدِيثِ يحيى بْنِ مُحَمَّدٍ.
قَالَ يحيى:
وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ بَنَوْا ذَلِكَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى بِنَاءِ هَذَا الْمَسْجِدِ؟ فَحَلَفُوا بِاللَّهِ إِنَّ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى، ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.
قال محمد : قوله ﴿ وإرصادا لمن حارب الله ورسوله ﴾ أي : انتظارا ؛ يقال : أرصدت له بالشر، ورصدته بالمعافاة. وقد قيل : أرصدت له بالخير والشر جميعا.
﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾ يحيى : عن همام، عن قتادة، عن شهر بن حوشب قال :" لما نزلت :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصار، إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور ؛ فكيف طهوركم بالماء ؟ قالوا : نغسل أثر الخلاء بالماء " ١ من حديث يحيى بن محمد.
قال يحيى : وبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا المنافقين الذين بنوا ذلك المسجد، فقال : ما حملكم على بناء هذا المسجد ؟ فحلفوا بالله إن أردنا إلا الحسنى، ﴿ والله يشهد إنهم لكاذبون ﴾.
﴿فَانْهَارَ بِهِ فِي نَار جَهَنَّم﴾ أَيْ: أَنَّ الَّذِي أُسِّسَ بُنْيَانُهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ
قَالَ مُحَمَّدٌ: قَوْلُهُ: ﴿عَلَى شفا جرف﴾ يَعْنِي: حَرْفَ جرفٍ، وَالْجُرُفُ: مَا تُجْرَفُ بِالسُّيُولِ مِنَ الأَوْدِيَةِ؛ يُقَالُ: جرفٌ هارٍ وهائرٌ؛ إِذَا كَانَ مُتَصَدِّعًا؛ فَإِذَا سَقَطَ قِيلَ: انْهَارَ وَتَهَوَّرَ.
﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن﴾ يَقُولُ: هَذَا حُكْمُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي هَذَا، فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ.
قَالَ محمدٌ: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًا﴾ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: فَإِنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ، وَعَدَهُمْ إِيَّاهَا وَعْدًا عَلَيْهِ حقاًّ.
قَالَ يحيى: أَخْبَرَ أَنَّهُمْ يموتون على النِّفَاق.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١١١) إِلَى الْآيَة (١١٢).
﴿السائحون﴾ هُمُ الصَّائِمُونَ.
قَالَ محمدٌ: السَّائِحُ أَصْلُهُ: الذَّاهِبُ فِي الأَرْضِ، وَمَنْ سَاحَ امْتَنَعَ مِنَ الشَّهَوَاتِ، فَشَبَّهَ الصَّائِمَ بِهِ؛ لإِمْسَاكِهِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشرَاب وَالنِّكَاح.
﴿الراكعون الساجدون﴾ يَقُول: هم أهل الصَّلَاة.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١١٣) إِلَى الْآيَة (١١٦).
قَالَ قَتَادَة:
ذُكِرَ لَنَا: أَنَّ رَجُلا قَالَ لِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَن مِنْ آبَائِنَا مَنْ كَانَ يُحْسِنُ الْجِوَارَ، وَيَصِلُ الأَرْحَامَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، وَيَفِي بِالذِّمَمِ؛ أَفَلا تَسْتَغْفِرُ لَهُمْ؟ قَالَ: بَلَى، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ لِوَالِدِي؟ كَمَا اسْتَغْفَرَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ -: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ ".
﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنه عَدو لله﴾ أَيْ: مَاتَ عَلَى شِرْكِهِ ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأَوَّاهُ: الْمُوقِنُ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: هُوَ الدَّعَّاءُ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ هَذَا التَّفْسِيرَ أَقْرَبُ فِي الْمَعْنَى؛ لأَنَّهُ مِنَ التَّأَوُّهِ، وَهُوَ مِنَ الصَّوْتِ، مِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
(فَأَوْهِ بِذِكْرَاهَا إِذَا مَا ذَكَرْتُهَا | وَمِنْ بُعْدِ أرضٍ دُونَهَا وَسَمَاءِ} |
بَلَغَنَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَاب النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم مَاتُوا قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ الْفَرَائِضُ أَوْ بَعْضُهَا؛ فَقَالَ قومٌ مِنْ أَصْحَاب النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: مَاتَ إِخْوَانُنَا قَبْلَ أَنْ تُفْتَرَضَ
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١١٧) فَقَط.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١١٨) إِلَى الْآيَة (١١٩).
﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحبَتْ﴾ أَي: بسعتها ﴿وظنوا﴾ عَلِمُوا
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٢٠) فَقَط.
﴿لَا يصيبهم ظمأ﴾ عطشٌ ﴿وَلَا نصب﴾ فِي أبدانهم ﴿وَلَا مَخْمَصَة﴾ جُوعٌ.
﴿وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عدوٍّ نيلاً إِلَى كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عملٌ صالحٌ﴾.
يَحْيَى: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْمُصَبَّحِ قَالَ:
غزونا مَعَ مَالك ابْن عَبْدِ اللَّهِ الْخَثْعَمِي أَرْضَ الرُّومِ، فَسَبَقَ النَّاسُ رجلٌ، ثُمَّ نَزَلَ يَمْشِي وَيَقُودُ فَرَسَهُ، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلا تَرْكَبُ؟! فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: فَلَمْ أَرَ نَازِلا أَكْثَرَ مِنْ يومئذٍ ".
يحيى: عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (ل ١٣٥) " لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ
يحيى: عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ صَفْوَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانٍ قَالَ:
ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْعَمَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُضَاعَفُ؟ كَمَا تضَاعف النَّفَقَة سَبْعمِائة ضعف ".
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٢١) إِلَى الْآيَة (١٢٢).
﴿ لا يصيبهم ظمأ ﴾ عطش ﴿ ولا نصب ﴾ في أبدانهم ﴿ ولا مخمصة ﴾ جوع.
﴿ ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلى كتب لهم به عمل صالح ﴾.
يحيى : عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي المصبح قال :" غزونا مع مالك ابن عبد الله الخثعمي أرض الروم، فسبق الناس رجل، ثم نزل يمشي ويقود فرسه، فقال له مالك : يا عبد الله، ألا تركب ؟ فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : من اغبرت قدماه في سبيل الله ساعة من نهار، فهما حرام على النار. قال : فلم أر نازلا أكثر من يومئذ " ١.
يحيى : عن المسعودي، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري عبد مسلم أبدا " ٢.
يحيى : عن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن يزيد، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال :" ذكر لنا أن العمل في سبيل الله يضاعف ؟ كما تضاعف النفقة سبعمائة ضعف ".
٢ أخرجه الإمام أحمد في مسنده (٢/٥٠٥) والطيالسي في مسنده (٢٤٤٣) والترمذي (٤/١٤٧) ح (١٦٣٣) وقال: حديث حسن صحيح، والنسائي (٦/٣١٩) ح (٣١٠٨) والحاكم في مستدركه (٢٦٠١٤) وقال: حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، والبيهقي في شعب الإيمان (٣/٨٩ – ٩٠) ح (٧٧٩)..
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ مَا أَنْزَلَ - قَالَ الْمُؤْمِنُونَ: لَا وَاللَّهِ لَا يَرَانَا اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - مُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْغَزْوَةِ يَغْزُوهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْدًا وَلا عَنْ سَرِيَّةٍ. فَأَمَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم السَّرَايَا أَنْ تَخْرُجَ فَنَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ آخِرِهِمْ، وَتُرِكَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحْدَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ أَيْ: جَمِيعًا، وَيَذَرُوكَ وَحْدَكَ بِالْمَدِينَةِ ﴿فلولا﴾ فَهَلا ﴿نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ ليتفقه المقيمون ﴿وينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم﴾ مِنْ غَزَاتِهِمْ. أَيْ: يُعَلِّمُ الْمُقِيمُ الْغَازِي مَا نَزَلَ بَعْدَهُ مِنَ الْقُرْآن.
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٢٣) إِلَى الْآيَة (١٢٥).
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٢٦) إِلَى الْآيَة (١٢٧).
سُورَة التَّوْبَة من الْآيَة (١٢٨) إِلَى الْآيَة (١٢٩)
سُورَة يُونُس من الْآيَة (١) إِلَى الْآيَة (٢).