مكية إلا الآيات ٢٦ و٣٢ و٣٣، ومن آية ٧٣ إلى غاية آية ٨٠ فمدنية. وآياتها : ١١١. نزلت بعد القصص.
ﰡ
مكية إلا الآيات ٢٦ و ٣٢ و ٣٣ و ٥٧ ومن آية ٧٣ إلى غاية آية ٨٠ فمدنية وآياتها ١١١ نزلت بعد القصص بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ معنى سبحان تنزه، وهو مصدر غير منصرف، وأسرى وسرى لغتان، وهو فعل غير متعدّ، واختار ابن عطية أن يكون أسرى هنا متعديا أي أسرى الملائكة بعبده وهو بعيد، والعبد هنا هو نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وإنما وصفه بالعبودية تشريفا له وتقريبا لَيْلًا إن قيل: ما فائدة قوله ليلا مع أن السرى هو بالليل؟ فالجواب: أنه أراد بقوله: ليلا بلفظ التنكير تقليل مدّة الإسراء، وأنه أسرى به في بعض الليل مسيرة أربعين ليلة، وذلك أبلغ في الأعجوبة مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى يعنى بالمسجد الحرام مسجد مكة المحيط بالكعبة، وقد روى في الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: بينما أنا نائم في الحجر إذ جاءني جبريل، وقيل: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء في بيته، فالمسجد الحرام على هذا مكة أي بلد المسجد الحرام وأما المسجد الأقصى فهو بيت المقدس الذي بإيلياء، وسمّي الأقصى لأنه لم يكن وراءه حينئذ مسجد، ويحتمل أن يريد بالأقصى الأبعد فيكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا الموضع البعيد في ليلة، واختلف العلماء في كيفية الإسراء، فقال الجمهور: كان بجسد النبي صلّى الله عليه وسلّم وروحه، وقال قوم: كان بروحه خاصة وكانت رؤيا نوم حق، فحجة الجمهور أنه لو كان مناما لم تنكره قريش، ولم يكن في ذلك ما يكذب به الكفار، ألا ترى قول أم هانئ له: لا تخبر بذلك فيكذبك قومك، وحجة من قال: أن الإسراء كان مناما قوله تعالى: وما جعلنا الرؤيا التي أريناك، وإنما يقال الرؤيا في المنام، ويقال فيما يرى بالعين رؤية، وفي الحديث أنه صلّى الله عليه وسلّم قال: بينما أنا بين النائم واليقظان وذكر الإسراء، وقال في آخر الحديث: فاستيقظت وأنا في المسجد الحرام، وجمع بعض الناس بين الأدلة فقال: الأسراء كان مرتين: أحدهما بالجسد والآخر بالروح، وأن الإسراء بالجسد كان من مكة إلى بيت المقدس، وهو الذي أنكرته قريش، وأن الإسراء بالروح كان إلى السموات السبع، ليلة فرضت الصلوات الخمس، ولقي الأنبياء في السموات الَّذِي بارَكْنا
صفة للمسجد الأقصى، والبركة حوله بوجهين: أحدهما ما كان فيه وفي نواحيه من الأنبياء، والآخر: كثرة ما فيه من الزروع والأشجار التي خص الله بها الشام لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا أي لنري محمدا صلّى الله عليه وسلّم تلك الليلة من العجائب، فإنه رأى السموات والجنة والنار وسدرة المنتهى والملائكة والأنبياء، وكلمه الله تعالى حسبما ورد في أحاديث الإسراء، وهي في مصنفات الحديث فأغنى ذلك عن ذكرها هنا وَجَعَلْناهُ هُدىً يحتمل أن يعود الضمير على الكتاب أو على موسى أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا «١» أي ربا تكلون إليه أمركم، وأن يحتمل أن تكون مصدرية أو مفسرة ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ نداء، وفي ندائهم بذلك تلطف وتذكير بنعمة الله، وقيل: هي مفعول تتخذوا، ويتعين معنى ذلك على قراءة من قرأ يتخذ بالياء ويعنى بمن حملنا مع نوح أولاده الثلاثة وهم سام وحام ويافث، ونساؤهم، ومنهم تناسل الناس بعد الطوفان إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً أي كثير الشكر كان يحمد الله على كل حال، وهذا تعليل لما تقدم أي كونوا شاكرين كما كان أبوكم نوح.
وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ قيل: إن قضينا هنا بمعنى علمنا وأخبرنا، كما قيل في: وقضينا إليه ذلك الأمر [الحجر: ٦٦]، والكتاب على هذا التوراة، وقيل:
قضينا إليه من القضاء والقدر، والكتاب على هذا اللوح المحفوظ، الذي كتبت فيه مقادير الأشياء، وإلى بمعنى على لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ هذه الجملة ببان للمقضي، وهي في موضع جواب قضينا إذا كان من القضاء والقدر، لأنه جرى مجرى القسم، وإن كان بمعنى أعلمنا فهو جواب قسم محذوف، تقديره: والله لتفسدن، والجملة في موضع معمول قضينا، والمرتان المشار إليهما: إحداهما قتل زكريا والأخرى قتل يحي عليهما السلام وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً من العلو وهو الكبر والتخيل فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا معناه أنهم إذا أفسدوا في المرة الأولى بعث الله عليهم عبادا له لينتقم منهم على أيديهم، واختلف في هؤلاء العبيد فقيل: جالوت وجنوده وقتل بختنصر ملك بابل فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي تردّدوا بينهما بالفساد، وروي أنهم قتلوا علماءهم وأحرقوا التوراة.
وخربوا المساجد وسبوا منهم سبعين ألفا
ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ أي الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليكم، ويعنى رجوع الملك إلى بني إسرائيل، واستنقاذ أسراهم، وقبل بختنصر، وقيل: قتل داود لجالوت أَكْثَرَ نَفِيراً أي أكثر عددا، وهو مصدر من قولك:
هي لام الأمر وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ يعنى بيت المقدس وَلِيُتَبِّرُوا من التبار، وهو الإهلاك وشدّة الفساد ما عَلَوْا ما مفعول ليتبروا: أي يهلكوا ما غلبوا عليه من البلاد، وقيل إن ما ظرفية أي يفسدوا مدة علوهم.
عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ خطاب لبني إسرائيل ومعناه ترجية لهم بالرحمة إن تابوا بعد الرحمة الثانية وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا خطاب لبني إسرائيل: أي إن عدتم إلى الفساد عدنا إلى عقابكم، وقد عادوا فبعث الله عليهم محمدا صلّى الله عليه وسلّم وأمته يقتلونهم ويذلونهم إلى يوم القيامة. حَصِيراً أي سجنا وهو من الحصر، وقيل: أراد به ما يفرش ويبسط كالحصير المعروف يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ أي الطريقة والحالة التي هي أقوم، وقيل: يعنى لا إله إلا الله، واللفظ أعم من ذلك وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ المعنى ذم، وعتاب لما يفعله الناس عند الغضب من الدعاء على أنفسهم وأموالهم وأولادهم، وأنهم يدعون بالشر في ذلك الوقت كما يدعون بالخير في وقت التثبت، وقيل: إن الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال: اللهم إن كان هذا هو الحقّ من عندك [الأنفال: ٣٢] الآية، وقد تقدم أن الصحيح في قائلها أنه أبو جهل وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولًا الإنسان هنا وفي الذي قبله اسم جنس، وقيل: يعنى هنا آدم وهو بعيد.
فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ فيه وجهان: أحدهما أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما، فتكون الإضافة في آية الليل وآية النهار كقولك: مسجد الجامع أي الآية التي هي الليل، والآية التي هي النهار ومحو آية الليل على هذا كونه مظلما. والوجه الثاني أن يراد بآية الليل القمر، وآية النهار الشمس، ومحو آية الليل على هذا كون القمر لم يجعل له ضوء الشمس وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً يحتمل أن يريد النهار بنفسه أو الشمس، ومعنى مبصرة تبصر
أحدهما : أن يراد أن الليل والنهار آيتان في أنفسهما، فتكونه الإضافة في آية الليل وآية النهار كقولك : مسجد الجامع أي : الآية التي هي الليل : والآية التي هي النهار ومحو آية الليل على هذا كونه مظلما.
والوجه الثاني : أن يراد بآية الليل : القمر وآية النهار : الشمس، ومحو آية الليل على هذا كون القمر لم يجعل له ضوء كضوء الشمس.
﴿ وجعلنا آية النهار مبصرة ﴾ يحتمل أن يريد النهار بنفسه أو الشمس ومعنى مبصرة : تبصر فيها الأشياء.
﴿ لتبتغوا فضلا من ربكم ﴾ أي : لتتوصلوا بضوء النهار إلى التصرف في معايشكم.
﴿ ولتعلموا ﴾ باختلاف الليل والنهار أو بمسير الشمس والقمر.
﴿ عدد السنين والحساب ﴾ الأشهر والأيام.
﴿ وكل شيء فصلناه تفصيلا ﴾ انتصب كل بفعل مضمر، والتفصيل البيان.
﴿ كتابا يلقاه منشورا ﴾ يعني : صحيفة أعماله بالحسنات والسيئات.
﴿ حسيبا ﴾ أي : محاسبا أو من الحساب بمعنى : العدد.
﴿ وما كنا معذبين حتىنبعث رسولا ﴾ قيل : إن هذا في حكم الدنيا أي : أن الله لا يهلك أمة إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسول إليهم، وقيل : هو عام في الدنيا والآخرة وأن الله لا يعذب قوما في الآخرة إلا وقد أرسل إليهم رسولا فكفروا به وعصوه، ويدل على هذا قوله :﴿ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى ﴾ [ الملك : ٨- ٩ ] ومن هذا يؤخذ حكم أهل الفترات، واستدل أهل السنة بهذه الآية على أن التكليف لا يلزم العباد إلا من الشرع لا من مجرد العقل.
والثاني أن يكون أمرنا عبارة عن القضاء عليهم بالفسق أي : قضينا عليهم بالفسق ففسقوا.
والثالث : أن يكون أمرنا بمعنى كثرنا واختاره أبو علي الفارسي، وأما على قراءة آمرنا بمد الهمزة فهو بمعنى : كثرنا، وأما على قراءة أمرنا بتشديد الميم، فهو من الإمارة أي : جعلناهم أمراء ففسقوا، والمترف : الغني المنعم في الدنيا.
﴿ فحق عليها القول ﴾ أي : القضاء الذي قضاه الله.
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ انتصب كل بفعل مضمر، والطائر هنا العمل، والمعنى أن عمله لازم له، وقيل: إن طائره ما قدر عليه، وله من خير وشر، والمعنى على هذا أن كل ما يلقى الإنسان قد سبق به القضاء، وإنما عبر عن ذلك بالطائر، لأن العرب كانت عادتها التيمن والتشاؤم بالطير، وقوله في عنقه أي: هو كالقلادة أو الغل لا ينفك عنه كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً يعنى صحيفة أعماله بالحسنات والسيئات اقْرَأْ كِتابَكَ تقديره يقال له: اقرأ حَسِيباً أي محاسبا أو من الحساب بمعنى العدد وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى معناه حيث وقع لا يؤاخذ أحد بذنب أحد، والوزر في اللغة الثقل والحمل، ويراد به هنا الذنوب، ومعنى تزر تحمل وزر أخرى: أي وزر نفس أخرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا قيل: إن هذا في حكم الدنيا، أي أن الله لا يهلك أمة إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسول إليهم، وقيل: هو عام في الدنيا والآخرة، وأن الله لا يعذب قوما في الآخرة إلا وقد أرسل إليهم رسولا فكفروا به وعصوه، ويدل على هذا قوله: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ، قالُوا بَلى [تبارك: ٨] ومن هذا يؤخذ حكم أهل الفترات، واستدل أهل السنة بهذه الآية على أن التكليف لا يلزم العباد إلا من الشرع، لا من مجرد العقل.
وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها
في تأويل أمرنا هنا ثلاثة أوجه:
أحدهما أن يكون في الكلام حذف تقديره: أمرنا مترفيها بالخير والطاعة فعصوا وفسقوا، والثاني أن يكون أمرنا عبارة عن القضاء عليهم بالفسق أي قضينا عليهم ففسقوا، والثالث أن يكون أمرنا بمعنى كثّرنا واختاره أبو علي الفارسي، وأما على قراءة آمرنا بمدّ الهمزة فهو بمعنى كثرنا، وأما على قراءة أمّرنا بتشديد الميم، فهو من الإمارة أي جعلناهم أمراء ففسقوا، والمترف: الغني المنعّم في الدنيا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ
أي القضاء الذي قضاه الله وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ القرن مائة سنة، وقيل أربعون.
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ الآية: في الكفار الذين يريدون الدنيا، ولا يؤمنون بالآخرة، على أن لفظها أعم من ذلك، والمعنى أنهم يعجل الله لهم حظا من الدنيا بقيدين: أحدهما
أي عمل لها عملها كُلًّا نُمِدُّ انتصب كلا بنمد وهو من المدد ومعناه: نزيدهم من عطائنا هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ بدل من كلّا، والإشارة إلى الفريقين المتقدمين مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ يعني رزق الدنيا، وقيل: من الطاعات لمن أراد الآخرة، ومن المعاصي لمن أراد الدنيا، والأول أظهر مَحْظُوراً أي ممنوعا فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ يعني في رزق الدنيا لا تَجْعَلْ خطاب لواحد، والمراد به جميع الخلق، لأن المخاطب غير معين مَذْمُوماً أي يذمه الله وخيار عباده مَخْذُولًا أي غير منصور.
وَقَضى رَبُّكَ أي حكم وألزم وأوجب، أو أمر ويدل على ذلك ما في مصحف ابن مسعود: «ووصى ربك» أَلَّا تَعْبُدُوا أن مفسرة أو مصدرية على تقدير: بأن لا تعبدوا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ هي إن الشرطية دخلت عليها ما المؤكدة وجوابها فلا تقل لهما أف، والمعنى الوصية ببر الوالدين إذا كبرا أو كبر أحدهما وإنما خص حالة الكبر لأنهما حينئذ أحوج إلى البر والقيام بحقوقهما، لضعفهما ومعنى عندك: أي في بيتك وتحت كنفك أُفٍّ حيث وقعت اسم فعل، معناها قول مكروه، يقال عند الضجر ونحوه، وإنما المراد بها أقل كلمة مكروهة تصدر من الإنسان، فنهى الله تعالى أن يقال ذلك للوالدين، فأولى وأحرى ألا يقال لهما ما فوق ذلك، ويجوز في أفّ الكسر والفتح والضم، وهي حركات بناء، وأما تنوينها فهو للتنكير وَلا تَنْهَرْهُما من الانتهار وهو الإغلاظ في القول وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ استعارة في معنى التواضع لهما والرفق بهما، فهو كقوله: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ [الحجر: ٨٨] وأضافه إلى الذل مبالغة في المعنى كأنه قال: الجناح الذليل، ومن في قوله من الرحمة للتعليل أي من أجل إفراط الرحمة لهما والشفقة عليهما لِلْأَوَّابِينَ قيل: معناه الصالحين، وقيل:
المسبّحين، وهو مشتق من الأوبة بمعنى الرجوع، فحقيقته الراجعين إلى الله وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ خطاب لجميع الناس لصلة قرابتهم والإحسان إليهم، وقيل: وهو خطاب خاص بالنبي
وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ الآية: معناه إن أعرضت عن ذوي القربى والمساكين وابن السبيل إذا لم تجد ما تعطيهم، فقل لهم كلاما حسنا، وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم إذا سأله أحد فلم يكن عنده ما يعطيه أعرض عنه، حياء منه، فأمر بحسن القول مع ذلك وهو أن يقول: رزقكم الله وأعطاكم الله وشبه ذلك، والميسور مشتق من اليسر ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها مفعول من أجله، يحتمل أن يتعلق بقوله: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ والمعنى على هذا: أنه يعرض عنهم انتظارا لرزق يأتيه، فيعطيه إياهم، فالرحمة على هذا هو ما يرتجيه من الرزق أو يتعلق بقوله فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً أي ابتغ رحمة ربك بقول ميسور، والرحمة على هذا هي: الأجر والثواب.
وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ استعارة في معنى غاية البخل كأن البخيل حبست يده عن الإعطاء، وشدت إلى عنقه وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ استعارة في معنى غاية الجود، فنهى الله عن الطرفين: وأمر بالتوسط بينهما: كقوله إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا [الفرقان: ٦٧] مَلُوماً أي يلومك صديقك على كثرة عطائك وإضرارك بنفسك، أو يلومك من يستحق العطاء لأنك لم تترك ما تعطيه، أو يلومك سائر الناس على التبذير في العطاء مَحْسُوراً أي منقطعا لا شيء عندك، وهو من قولهم: حسر السفر البعير إذا أتعبه حتى لم تبق له قوة إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ أي يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء فلا تهتم بما تراه من ذلك، فإن الله أعلم بمصالح عباده وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ ذكر في الأنعام [الأنعام: ١٥١] وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ الحق الموجب لقتل النفس هو ما ورد في الحديث من قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس أخرى» «١»، وتتصل بهذه الأشياء أشياء أخر لأنها في معناها كالحرابة «٢» وترك الصلاة ومنع الزكاة وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً المظلوم هنا من قتل بغير حق، والولي هو ولي المقتول وسائر العصبة، وليس النساء من الأولياء عند مالك، والسلطان الذي جعل الله له هو: القصاص، أو تخييره بين العفو والقصاص فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ نهي عن أن يسرف ولي المقتول بأن يقتل غير قاتل وليه، أو يقتل اثنين بواحد وغير ذلك من وجوه
(٢). الحرابة هي العصيان المسلح ضد النظام الفعلي، ولها إمكانها في كتب الفقه.
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ ذكر في الأنعام:
[١٥٢] قال بعضهم: لا تقربوا ولا تقتلوا معطوفان على ألا تعبدوا، والظاهر أنهما مجزومان بالنهي بدليل قوله بعدها: ولا تقف ولا تمش، ويصح أن تكون معطوفات إذا جعلنا ألا تعبدوا مجزوما على النهي وأن مفسرة وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ عام في العهود مع الله ومع الناس إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون معنى الطلب: أي يطلب الوفاء به والثاني: أن يكون المعنى يسأل عنه يوم القيامة، هل وفى به أم لا وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ قيل: القسطاس الميزان، وقيل: العدل وقرئ بكسر القاف «٢» وهي لغة وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا أي أحسن عاقبة ومآلا، وهو من آل إذا رجع.
وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ المعنى لا تقل ما لا تعلم من ذم الناس وشبه ذلك، واللفظ مشتق من قفوته إذا اتبعته إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا أولئك إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد وإنما عاملها معاملة العقلاء في الإشارة بأولئك، لأنها حواس لها إدراك، والضمير في عنه يعود على كل ويتعلق عنه بمسؤولا، والمعنى إن الإنسان يسأل عن سمعه وبصره وفؤاده، وقيل: الضمير يعود على ما ليس لك به علم، والمعنى على هذا أن السمع والبصر والفؤاد هي التي تسأل عما ليس لها به علم وهذا بعيد وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً المرح الخيلاء والكبر في المشية، وقيل: هو إفراط السرور بالدنيا وإعرابه مصدر في موضع الحال إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ أي لن تجعل فيها خرقا بمشيك عليها، والخرق هو: القطع، وقيل: معناه لا تقدر أن تستوفي جميعها بالمشي، والمراد بذلك تعليل النهي عن الكبر والخيلاء، أي إذا كنت أيها الإنسان لا تقدر على خرق الأرض، ولا على مطاولة الجبال، فكيف تتكبر وتختال في مشيك، وإنما الواجب عليك التواضع كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً الإشارة إلى ما تقدم من المنهيات والمكروه هنا بمعنى: الحرام، لا على اصطلاح الفقهاء في أن المكروه دون الحرام، وإعراب مكروها نعت لسيئه أو بدل منها، أو خبر ثان لكان.
أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ خطاب على وجه التوبيخ للعرب الذين قالوا: إن الملائكة
(٢). وهي حمزة والكسائي وحفص والباقون بالضم أي القسطاس.
أحدهما أن المعنى لو كان مع الله آلهة لابتغوا سبيلا إلى التقرب إليه بعبادته وطاعته، فيكون من جملة عباده، والآخر: لابتغوا سبيلا إلى إفساد ملكه ومعاندته في قدرته، ومعلوم أن ذلك لم يكن فلا إله إلا هو تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ الآية: اختلف في كيفية هذا التسبيح فقيل: هو تسبيح بلسان الحال أي بما تدل عليه صنعتها من قدرة وحكمة، وقيل: إنه تسبيح حقيقة وهذا أرجح لقوله: لا تفقهون تسبيحهم جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً في معناه قولان: أحدهما: أن الله أخبر نبيه صلّى الله عليه وسلّم أنه يستره من الكفار إذا أرادوا به شرا، ويحجبه منهم، والآخر أنه يحجب الكفار عن فهم القرآن، وهذا أرجح لما بعده، والمستور هنا قيل: معناه مستور عن أعين الخلق، لأنه من لطف الله وكفايته فهو من المغيبات، وقيل: معناه ساتر أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ جمع كنان وهو الغطاء، وأن يفقهوه مفعول من أجله تقديره: كراهة أن يفقهوه، وهذه استعارات في إضلالهم.
وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ معناه إذا ذكرت في القرآن وحدانية الله تعالى فرّ المشركون من ذلك، لما فيه من رفض آلهتهم وذمها. نفورا مصدر في موضع الحال نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ كانوا يستمعون القرآن على وجه الاستهزاء، والضمير في به عائد على ما: أي نعلم ما يستمعون به من الاستهزاء وَإِذْ هُمْ نَجْوى جماعة يتناجون أو ذو نجوى، والنجوى كلام السر رَجُلًا مَسْحُوراً قيل: معناه جنّ فسحر وقيل: معناه ساحر، وقيل هو من السّحر بفتح السين وهي الرئة: أي بشر إذا سحر مثلكم وهذا بعيد انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ أي مثلوك بالساحر، والشاعر، والمجنون فَضَلُّوا عن الحق فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا إلى الهدى ونزلت الآية في الوليد بن المغيرة، وأصحابه من الكفار
وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً الآية معناها إنكار للبعث، واستبعادهم أن يخلقهم الله خلقا جديدا بعد فنائهم، والرفات الذي بلي حتى صار غبارا أو فتاتا، وقد ذكر في سورة
يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ الدعاء هنا عبارة عن البعث بالنفخ في الصور، والاستجابة عبارة عن قيامهم من القبور طائعين منقادين، وبحمده في موضع الحال أي حامدين له، وقيل: معنى بحمده بأمره وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا يعنى لبثتم في الدنيا أو في القبور وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العباد هنا المؤمنون أمرهم أن يقول بعضهم لبعض كلاما لينا عجيبا، وقيل: أن يقولوه للمشركين، ثم نسخ بالسيف، وإعراب يقولوا:
كقوله يُقِيمُوا الصَّلاةَ في سورة إبراهيم: [٣١] وقد ذكر ذلك قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ قيل: يعنى الملائكة، وقيل: عيسى وأمه وعزير، وقيل: نفر من الجن كان العرب يعبدونهم، والمعنى أنهم لا يقدرون على كشف الضرّ عنكم، فكيف تعبدونهم؟
أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ المعنى أن أولئك الآلهة الذين تدعون من دون الله يبتغون القربة إلى الله، ويرجونه، ويخافونه، فكيف تعبدونهم معه؟ وإعراب أولئك مبتدأ الذين تدعون صفة له ويبتغون خبره، والفاعل في يدعون ضمير للكفار، وفي يبتغون للآلهة المعبودين وقيل: إن الضمير في يدعون ويبتغون للأنبياء المذكورين قبل في قوله:
ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض، والوسيلة هي ما يتوسل به ويتقرب أَيُّهُمْ أَقْرَبُ
وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ يحتمل هذا الهلاك وجهين:
أحدهما أن يكون بالموت والفناء الذي لا بد منه، والآخر أن يكون بأمر من الله يأخذ المدينة دفعة فيهلكها، وهذا أظهر، لأن الأول معلوم لا يفتقر إلى الإخبار به، والهلاك والتعذيب المذكوران في الآية هما في الحقيقة لأهل القرى أي مهلكو أهلها أو معذبوهم، وروي أن هلاك مكة بالحبشة، والمدينة بالجوع، والكوفة بالترك، والأندلس بالخيل، وسئل الأستاذ أبو جعفر بن الزبير عن غرناطة، فقال: أصابها العذاب يوم قتل الموحدين بها في ثورة ابن هود «١»، وأما هلاك قرطبة وأشبيليه وطيطله وغيرها بأخذ الروم لها فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً يعنى اللوح المحفوظ وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ الآيات يراد بها هنا التي يقترحها الكفار فإذا رأوها ولم يؤمنوا أهلكم الله. وسبب الآية أن قريشا اقترحوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يجعل لهم [صخرة] الصفا ذهبا، فأخبر الله أنه لم يفعل ذلك لئلا يكذبوا فيهلكوا، وعبر بالمنع عن ترك ذلك، وأن نرسل في موضع نصب وأن كذب في موضع رفع، ثم ذكر ناقة ثمود تنبيها على ذلك لأنهم اقترحوها وكانت سبب هلاكهم، ومعنى مبصرة: بينة واضحة الدلالة وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً إن أراد بالآيات هنا المقترحة فالمعنى أنه يرسل بها تخويفا من العذاب العاجل وهو الإهلاك، وإن أراد المعجزات غير المقترحة، فالمعنى أنه يرسل بها تخويفا من عذاب الآخرة، ليراها الكافر فيؤمن، وقيل: المراد بالآيات هنا الرعد والزلازل والكسوف وغير ذلك من المخاوف.
وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ المعنى اذكر إذ أوحينا إليك أن ربك أحاط بقريش يعنى بشرناك بقتلهم يوم بدر وذلك قوله: سيهزم الجمع ويولون الدبر [القمر: ٤٥]، وإنما قال: أحاط بلفظ الماضي وهو لم يقع لتحقيقه وصحة وقوعه بعد، وقيل: المعنى أحاط بالناس في منعك وحمايتك منهم كقوله: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: ٦٧] وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ اختلف في هذه الرؤيا فقيل: إنها الإسراء،
إنها رؤيا النبي صلّى الله عليه وسلّم في منامه هزيمة الكفار وقتلهم ببدر، والفتنة على هذا تكذيب قريش بذلك، وقيل: إنه رأى أنه يدخل مكة فعجل في سنة الحديبية فرد عنها فافتتن بعض المسلمين بذلك وقيل: رأى في المنام أن بني أمية يصعدون على منبره فاغتم بذلك وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ يعنى شجرة الزقوم، وهي معطوفة على الرؤيا أي جعل الرؤيا والشجرة فتنة للناس، وذلك أن قريشا لما سمعوا أن في جهنم شجرة زقوم سخروا من ذلك وقالوا: كيف تكون شجرة في النار والنار تحرق الشجر؟ وقال أبو جهل: ما أعرف الزقوم إلا التمر بالزبد، فإن قيل: لم لعنت شجرة الزقوم في القرآن؟ فالجواب أن المراد لعنة آكلها، وقيل: اللعنة بمعنى الإبعاد لأنها في أصل الجحيم وَنُخَوِّفُهُمْ الضمير لكفار قريش طُغْياناً تمييز أو حال من من أو من مفعول خلقت قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ الكاف من أرأيتك للخطاب، لا موضع لها من الإعراب، وهذا مفعول بأرأيت، والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ أي فضلته وأنا خير منه، فاختصر الكلام بحذف ذلك، وقال ابن عطية: أرأيتك هذا بمعنى: أتأملت ونحوه لا بمعنى أخبرني لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ معناه لأستولين عليهم ولأقودنهم، وهو مأخوذ من تحنيك الدابة، وهو أن يشدّ على حنكها بحبل فتنقاد قالَ اذْهَبْ قال ابن عطية، وما بعده من الأوامر: صيغة أمر على وجه التهديد، وقال الزمخشري: ليس المراد الذهاب الذي هو ضدّ المجيء، وإنما معناه: امض لشأنك الذي اخترته خذلانا له وتخلية، ويحتمل عندي: أن يكون معناه للطرد والإبعاد فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ كان الأصل أن يقال جزاؤهم بضمير الغيبة، ليرجع إلى من اتبعك، ولكنه ذكره بلفظ المخاطب تغليبا للمخاطب على الغائب، وليدخل إبليس معهم جَزاءً مَوْفُوراً مصدر في موضع الحال والموفور المكمل.
وَاسْتَفْزِزْ أي اخدع واستخف بِصَوْتِكَ قيل: يعنى الغناء والمزامير، وقيل:
الدعاء إلى المعاصي وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ أي هوّل، وهو من الجلبة وهي الصياح بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ الخيل هنا يراد بها الفرسان الراكبون على خيل، والرّجل: جمع راجل وهو الذي يمشي على رجليه فقيل: هو مجاز واستعارة بمعنى: افعل جهدك، وقيل: إن له من الشيطان خيلا ورجلا، وقيل: المراد فرسان الناس ورجالتهم المتصرفون في الشر وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ مشاركته في الأموال بكسبها من الربا، وإنفاقها في
أَفَأَمِنْتُمْ الهمزة للتوبيخ والفاء للعطف أي أنجوتم من البحر فأمنتم الخسف في البر حاصِباً يعنى حجارة أو ريحا شديدة ترمي بالحصباء وَكِيلًا أي قائما بأموركم وناصرا لكم قاصِفاً مِنَ الرِّيحِ أي الذي يقصف ما يلقى أي يكسره تَبِيعاً أي مطالبا يطالبنا بما فعلنا بكم: أي لا تجدون من ينصركم منا كقوله: وَلا يَخافُ عُقْباها [الشمس: ١٥] وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا يعنى فضلهم على الجن وعلى سائر الحيوان، ولم يفضلهم على الملائكة، ولذلك قال: على كثير وأنواع التفضيل كثيرة لا تحصى: وقد ذكر المفسرون منها كون الإنسان يأكل بيده، وكونه منتصب القامة، وهذه أمثلة بِإِمامِهِمْ قيل: يعنى بنبيهم، يقال: يا أمة فلان، وقيل: يعنى كتابهم الذي أنزل عليهم، وقيل: كتابهم الذي فيه أعمالهم وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا الفتيل هو الخيط الذي في شق نواة التمرة، والمعنى أنهم لا يظلمون من أعمالهم قليلا ولا كثيرا، فعبر بأقل الأشياء تنبيها على الأكثر وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى الإشارة بهذه إلى الدنيا، والعمى يراد به عمى القلب: أي من كان في الدنيا أعمى عن الهدى، والصواب فهو في يوم القيامة أعمى: أي حيران يائس من الخير، ويحتمل أن يريد بالعمى في الآخرة عمى البصر: كقوله وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى [طه: ١٢٤]، وإنما جعل الأعمى في الآخرة أضل
وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ الآية: سببها أن قريشا قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: اقبل بعض أمرنا ونقبل بعض أمرك، وقيل: إن ثقيفا طلبوا من النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يؤخرهم بعد إسلامهم سنة يعبدون فيها اللات والعزى، والآية على هذا القول مدنية لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنا غَيْرَهُ الافتراء هنا يراد به المخالفة لما أوحى إليه من القرآن وغيره وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا أي لو فعلت ما أرادوا منك لاتخذوك خليلا وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا لولا تدل على امتناع شيء لوجود غيره، فدلت هنا على امتناع مقاربة النبي صلّى الله عليه وسلّم الركون إليهم لأجل تثبيت الله له وعصمته، وكدت تقتضي نفي الركون، لأن معنى كاد فلان يفعل كذا أي: أنه لم يفعله فانتفى الركون إليهم ومقاربته، فليس في ذلك نقص من جانب النبي صلّى الله عليه وسلّم، لأن التثبيت منعه من مقاربة الركون، ولو لم يثبته الله لكانت مقاربته للركون إليهم شيئا قليلا، وأما منع التثبيت فلم يركن قليلا ولا كثيرا، ولا قارب ذلك إِذاً لَأَذَقْناكَ ضِعْفَ الْحَياةِ وَضِعْفَ الْمَماتِ أي عذابهما لو فعل ذلك.
وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ الضمير لقريش، كانوا قد هموا أن يخرجوا النبي صلّى الله عليه وسلّم من مكة، وذلك قبل الهجرة، فالأرض هنا يراد بها مكة لأنها بلده وإذا لا يلبثون خلفك إلا قليلا «١» أي لو أخرجوك لم يلبثوا بعد خروجك بمكة إلا قليلا، فلما خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم مهاجرا من مكة إلى المدينة لأجل إذاية قريش له ولأصحابه، لم يبقوا بعد ذلك إلا قليلا، وقتلوا يوم بدر سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنا انتصب سنة على المصدر، ومعناه العادة أي هذه عادة الله مع رسله.
أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ هذه الآية إشارة إلى الصلوات المفروضة، فدلوك الشمس زوالها، والإشارة إلى الظهر والعصر، وغسق الليل ظلمته وذلك إشارة إلى المغرب والعشاء، وقرآن الفجر صلاة الصبح، وانتصب قرآن الفجر بالعطف على موضع اللام في قوله لدلوك الشمس، فإن اللام فيه ظرفية بمعنى علم، [كذا]
وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ لما أمر بالفرائض أمر بعدها بالنوافل، ومن للتبعيض، والضمير في به للقرآن والتهجد السهر وهو ترك الهجود، ومعنى الهجود: النوم فالتفعل هنا للخروج عن الشيء كالتحرج والتأثم: في الخروج عن الإثم والحرج عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً يعنى الشفاعة يوم القيامة، وانتصب مقاما على الظرف وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ الآية: المدخل: دخوله إلى المدينة، والمخرج خروجه من مكة، وقيل:
المدخل في القبر، والمخرج إلى البعث، واختار ابن عطية أن يكون على العموم في جميع الأمور سُلْطاناً نَصِيراً قيل: معناه حجة تنصرني بها ويظهر بها صدقي، وقيل: قوة ورئاسة تنصرني بها على الأعداء وهذا أظهر وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ الحق الإيمان والباطل الكفر وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ من للتبعيض، أو لبيان الجنس، والمراد بالشفاء أنه يشفي القلوب من الريبة والجهل، ويحتمل أن يريد نفعه من الأمراض بالرقيا به والتعويذ وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ الآية:
المراد بالإنسان هنا الجنس، لأن ذلك من سجية الإنسان، وقيل: إنما يراد الكافر لأنه هو الذي يعرض عن الله وَنَأى بِجانِبِهِ أي بعد، وذلك تأكيد وبيان للإعراض، وقرأ ابن عامر ناء وهو بمعنى واحد كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ أي مذهبه وطريقته التي تشاكله.
وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ السائلون اليهود، وقيل: قريش بإشارة اليهود، والروح هنا عند الجمهور هو الذي في الجسم، وقد يقال فيه: النفس وقيل: الروح هنا جبريل، وقيل:
القرآن، والأول هو الصواب لدلالة ما بعده على ذلك قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أي من الأمور التي استأثر الله بها ولم يطلع عليها خلقه، وكانت اليهود قد قالت لقريش اسألوه عن الروح، فإن لم يجبكم فيه بشيء فهو نبيّ، وذلك أنه كان عندهم في التوراة أن الروح مما انفرد الله بعلمه، وقال ابن بريدة: لقد مضى النبي صلّى الله عليه وسلّم وما يعرف الروح، ولقد كثر اختلاف الناس في النفس والروح، وليس في أقوالهم في ذلك ما يعول عليه وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا خطاب عام لجميع الناس، لأن علمهم قليل بالنظر إلى علم الله. وقيل: خطاب لليهود خاصة، والأول أظهر، لأن فيه إشارة إلى أنهم لا يصلون إلى العلم بالروح وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أي إن شئنا ذهبنا بالقرآن فمحوناه من الصدور
إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ يحتمل أن يكون استثناء متصلا، فمعنى أن رحمة ربك ترد القرآن بعد ذهابه لو ذهب، أو استثناء منقطعا بمعنى أن رحمة ربك تمسكه عن الذهاب.
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ عجز الخلق عن الإتيان بمثله لما تضمنه من العلوم الإلهية، والبراهين الواضحة والمعاني العجيبة التي لم يكن الناس يعلمونها، ولا يصلون إليها، ثم جاءت فيه على الكمال، وقال أكثر الناس: إنهم عجزوا عنه لفصاحته وحسن نظمه. ووجوه إعجازه كثيرة قد ذكرنا في غير هذا منها خمسة عشر وجها ظَهِيراً أي معينا وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ أي بينا لهم كل شيء من العلوم النافعة، والبراهين القائمة، والحجج الواضحة، وهذا يدل على إن إعجاز القرآن بما فيه من المعاني والعلوم كما ذكرنا فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً الكفور: الجحود، وانتصب بقوله أبى لأنه في معنى النفي وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً «١» الذين قالوا هذا القول هم أشراف قريش طلبوا من النبي صلّى الله تعالى عليه على اله وسلّم أنواعا من خوارق العادات، وهي التي ذكرها الله في هذه الآية، وقيل: إن الذي قاله عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، وكان ابن عمة النبي صلّى الله تعالى عليه على اله وسلّم، ثم أسلم بعد ذلك والينبوع العين، قالوا له: إن مكة قليلة الماء ففجر لنا فيها عينا من الماء أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً إشارة إلى قوله تعالى: إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ، وكسفا بفتح السين «٢» جمع كسفة وهي القطعة، وقرئ بالإسكان: أي قطعا واحدا قَبِيلًا قيل معناه مقابلة ومعاينة وقيل: ضامنا شاهدا بصدقك، والقبالة في اللغة: الضمان بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أي من ذهب قُلْ سُبْحانَ رَبِّي تعجب من اقتراحاتهم، أو تنزيه لله عن قولهم: تأتي بالله، وعن أن
(٢). قرأ نافع وعاصم وابن عامر كسفا: بفتح السين وقرأ الباقون بسكون السين.
إِلَّا أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا المعنى أن الذي منع الناس من الإيمان إنكارهم لبعث الرسول من البشر.
قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ الآية: معناها أنه لو كان أهل الأرض ملائكة لكان الرسول إليهم ملكا، ولكنهم بشر، فالرسول إليهم بشر من جنسهم، ومعنى مطمئنين:
ساكنين في الأرض شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ذكر في [الأنعام: ١٩] عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا قيل: هي استعارة بمعنى أنهم يوم القيامة حيارى، وقيل: هي حقيقة، وأنهم يكونون عميا وبكما وصما حين قيامهم من قبورهم كُلَّما خَبَتْ معناه في اللغة سكن لهبها، والمراد هنا: كلما أكلت لحومهم فسكن لهبها بدلوا أجسادا أخر، ثم صارت ملتهبة أكثر مما كانت وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً استبعاد للحشر وقد تقدم معنى الرفات والكلام في الاستفهامين أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الآية احتجاج على الحشر، فإن السموات والأرض أكبر من الإنسان، فكما قدر الله على خلقها فأولى وأحرى أن يقدر على إعادة جسد الإنسان بعد فنائه، والرؤية في الآية، رؤية قلب أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ القيامة أو أجل الموت قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ لو حرف امتناع، ولا يليها الفعل إلا ظاهرا أو مضمرا، فلا بد من فعل يقدر هنا بعدها تقديره: تملكون ثم فسره بتملكون الظاهر، وأنتم تأكيد للضمير الذي في تملكون المضمر خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي أي الأموال والأرزاق، إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ أي:
لو ملكتم الخزائن لأمسكتم عن الإعطاء خشية الفقر، فالمراد بالإنفاق عاقبة الإنفاق وهو الفقر، ومفعول أمسكتم محذوف، وقال الزمخشري: لا مفعول له لأن معناه بخلتم، من قولهم للبخيل ممسك، ومعنى الآية وصف الإنسان بالشح وخوف الفقر، بخلاف وصف الله تعالى بالجود والغنى.
تِسْعَ آياتٍ بينات الخمس منها الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، والأربع انقلاب العصا حية، وإخراج يده بيضاء، وحل العقدة من لسانه، وفلق البحر وقد عد فيها
إِذْ جاءَهُمْ الضمير لبني إسرائيل، والمراد آباؤهم الأقدمون والعامل في إذ على القول الأوّل آتينا موسى أو فعل مضمر، والعامل فيه على قول الزمخشري القول المحذوف مَسْحُوراً هنا وفي الفرقان: أي سحرت واختلط عقلك، وقيل: ساحر لَقَدْ عَلِمْتَ بفتح التاء خطاب لفرعون، والمعنى أنه علم أن الله أنزل الآيات، ولكنه كفر بها عنادا كقوله: وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم، [النحل: ١٤] والإشارة بهؤلاء إلى الآيات مثبورا أي هالكا، وقيل: مصروفا عن الخير، قابل موسى قول فرعون: إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً بقوله: وإني لأظنك يا فرعون مثبورا فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ أي أرض مصر اسْكُنُوا الْأَرْضَ يعني أرض الشام لَفِيفاً أي جميعا مختلطين وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ الضمير للقرآن، وبالحق معناه في الموضعين بالواجب من المصلحة والسداد وقيل: معنى الأول كذلك: ومعنى الثاني ضد الباطل. أي بالحق في إخباره وأوامره ونواهيه وَقُرْآناً فَرَقْناهُ انتصب بفعل مضمر يدل عليه فرقناه، ومعناه بيناه وأوضحناه عَلى مُكْثٍ قيل: معناه على تمهل وترتيل في قراءته، وقيل: على طول مدة نزوله شيئا فشيئا من حين بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى وفاته، وذلك عشرون سنة، وقيل ثلاث وعشرون.
قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا أمر باحتقارهم وعدم الاكتراث بهم، كأنه يقول: سواء آمنتم أو لم تؤمنوا، لكونكم لستم بحجة، وإنما الحجة أهلم العلم من قبله، وهم المؤمنون من أهل الكتاب إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ يعني المؤمنين من أهل الكتاب وقيل:
وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ أي لناحية الأذقان كقولهم: خرّ لليدين وللفم، والأذقان جمع ذقن، وهو أسفل الوجه حيث اللحية، وإنما كرر يخرون للأذقان، لأن الأول للسجود، والآخر للبكاء.
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ سببها أن الكفار سمعوا النبي صلّى الله عليه وسلّم يدعو يا الله يا رحمن، فقالوا إن كان محمد ليأمرنا بدعاء إله واحد، وها هو يدعو إلهين، فنزلت الآية مبينة أن قوله الله أو الرحمن اسم لمسمى واحد، وأنه مخيّر في الدعاء بأيّ الاسمين شاء، والدعاء في الآية بمعنى التسمية كقولك: دعوت ولدي زيدا لا بمعنى النداء أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى أيّا اسم شرط منصوب بتدعو، والتنوين فيه عوض من المضاف إليه، وما زائدة للتأكيد، والضمير في به لله تعالى، وهو المسمى لا الاسم، والمعنى أيّ هذين الاسمين تدعو فحسن، لأن الله له الأسماء الحسنى فموضع قوله: لله الأسماء الحسنى موضع الحال، وهو في المعنى تعليل للجواب، لأنه إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان.
وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها المخافتة هي الإسرار، وسبب الآية أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جهر بالقرآن في الصلاة، فسمعه المشركون، فسبوا القرآن ومن أنزله، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالتوسط بين الإسرار والجهر، ليسمع أصحابه الذين يصلون معه، ولا يسمع المشركون، وقيل: المعنى لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها، واجعل منها سرا وجهرا، حسبما أحكمته السنة، وقيل: الصلاة هنا الدعاء وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ أي ليس له ناصر يمنعه من الذل، لأنه تعالى عزيز لا يفتقر إلى وليّ يحميه، فنفى الولاية على هذا المعنى لأنه غنيّ عنها، ولم ينف الولاية على وجه المحبة والكرامة لمن شاء من عباده، وحكي الطبري أن قوله: لم يتخذ ولدا رد على النصارى واليهود والذين نسبوا لله ولدا، وقوله: ولم يكن له شريك: ردّ على المشركين، وقوله: ولم يكن له وليّ من الذل رد على الصابئين في قولهم: لولا أولياء الله لذل الله «تعالى الله عن قولهم» علوا كبيرا وَكَبِّرْهُ معطوف على قل، ويحتمل هذا التكبير أن يكون بالقلب وهو التعظيم، أو باللسان وهو قوله أن يقول الله أكبر مع قوله الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الآية.