تفسير سورة طه

تفسير الإمام مالك
تفسير سورة سورة طه من كتاب تفسير الإمام مالك .
لمؤلفه مالك بن أنس . المتوفي سنة 179 هـ

الآية الأولى : قوله تعالى :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾ [ طه : ٥ ].
٦٢٥- ابن رشد قال سحنون أخبرني بعض أصحاب مالك أنه كان قاعدا عند مالك، فأتاه رجل فقال : يا أبا عبد الله : مسألة فسكت عنه، ثم ( عاد عليه )* فرفع إليه مالك رأسه كالمجيب له، فقال له السائل : يا أبا عبد الله :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾. كيف كان استواؤه ؟ قال : فطأطأ مالك رأسه ساعة ثم رفعه، فقال : سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول ولا أراك إلا امرأ سوء، أخرجوه. ١
٦٢٦- القاضي عياض : قال سفيان بن عيينة٢ : سأل رجل مالكا :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾ كيف استوى يا أبا عبد الله ؟ فسكت مالك مليا حتى علاه الرحضاء٣، وما رأينا مالكا وجد من شيء وجده من مقالته، وجعل الناس ينظرون ما يأمر به، ثم سري عنه فقال : الاستواء٤ منه معلوم، والكيف منه غير معقول، والسؤال عن هذا بدعة، والإيمان به واجب، وإني لأظنك ضالا، أخرجوه فناداه الرجل : يا أبا عبد الله، والله الذي لا إله إلا هو، لقد سألت عن هذه المسألة أهل البصرة والكوفة والعراق فلم أجد أحدا وفق لما وفقت له. ٥
٦٢٧- ابن تيمية : سئل مالك رضي الله عنه عن قول الله تعالى :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾ كيف استوى ؟ قال : الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. ٦
٦٢٨- ابن حجر العسقلاني : أخرج البيهقي بسند جيد عن عبد الله بن وهب قال : كنا عند مالك فدخل رجل فقال يا أبا عبد الله :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾ كيف استوى ؟ فأطرق مالك فأخذته الرحضاء، ثم رفع رأسه فقال : الرحمن على العرش استوى، كما وصف به نفسه ولا يقال كيف، وكيف عنه مرفوع، وما أراك إلا صاحب بدعة، أخرجوه. ٧
١ - البيان والتحصيل: ١٦/٣٦٧-٣٦٨. زاد محمد بن رشد قائلا: "وقد روي عن مالك أنه أجاب هذا بأن قال: الاستواء منه غير مجهول، والكيف عنه غير معقول. والسؤال عن هذا بدعة وأراك صاحب بدعة وأمر بإخراجه" ينظر: المحرر: ١١/٦٣. ودرء تعارض العقل والنقل: ٦/٢٦٤، ولباب التأويل: ٢/٢٣٧-٢٣٨.
قال الشاطبي في الموافقات: كان مالك بن أنس يقول: "الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر، وكل ما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل. فأما الكلام في الدين وفي الله عز وجل فالسكوت أحب إلي، لأني رأيت أهل بلدنا ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل". وساق تعقبا لابن عبد البر على قول الإمام مالك هذا، فقال: "قال ابن عبد البر: قد بين مالك رحمه الله أن الكلام فيما تحته عمل هو مباح عنده وعند أهل بلده- يعني العلماء منهم، وأخبر أن الكلام في الدين نحو القول في صفات الله وأسمائه، وضرب مثلا نحو رأي جهم والقدر. قال والذي قاله مالك عليه جماعة الفقهاء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى، وإنما خالف ذلك أهل البدع. وأما الجماعة فعلى ما قال مالك رحمه الله، إلا أن يضطر أحد إلى الكلام، فلا يسعه السكوت إذا طمع في رد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه، وخشي ضلالة عامة، أو نحو هذا". ٢/٣٣٢. وكذا روي ابن عبد البر في جامع بيان العلم: ٣٦٤.
وانظر نوازل البرزلي: ١/٣٨٩ كتاب الصلاة ٦/ ٢٠١ مسائل الحرابة المرتدين..

٢ - سفيان بن عيينة: بن أبي عمران الهلالي الكوفي أحد أئمة الإسلام وقال ابن وهب: ما رأيت أعلم بكتاب الله من ابن عيينة. وقال الشافعي: لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز، مات عن ثمان وتسعين ومائة ومولده سنة سبع. الخلاصة: ١٣٤..
٣ - الرحضاء: هو عرق يغسل الجلد لكثرته، وكثيرا ما يستعمل في عرق الحمى والمرض. النهاية: ٢/٢٠٨..
٤ - الاستواء: الاعتدال. القاموس..
٥ - ترتيب المدارك: ٢/٣٩..
٦ - درء تعارض العقل والنقل: ١/٢٧٨. وقال في الفتاوي: "هذا لفظ مالك فأخبر أن الاستواء معلوم وهذا تفسير اللفظ. وأخبر أن الكيف مجهول، وهذا هو الكيفية التي استأثر الله بعلمهما: ١٧/٣٧٣. وزاد قائلا: "وكذلك سائر السلف كابن الماجشون وأحمد بن حنبل، وغيرهما يبينون أن العباد لا يعلمون كيفية ما أخبر الله به على نفسه، فالكيف هو التأويل الذي لا يعلمه إلا الله. وأما نفس المعنى الذي بينه الله فيعلمه الناس كل على قدر فهمه، فإنهم يفهمون معنى السمع، ومعنى البصر، وأن مفهوم هذا ليس هو مفهوم هذا، ويعرفون الفرق يبنهما، وبين العليم والقدير، وإن كانوا لا يعرفون كيفية سمعه وبصره، بل الروح التي فيهم يعرفونها من حيث الجملة، ولا يعرفون كيفيتها، كذلك يعلمون معنى الاستواء على العرش. وأنه يتضمن علو الرب على عرشه، وارتفاعه عليه، كما فسره بذلك السلف قبلهم، وهذا معنى معروف من اللفظ لا يحتمل في اللغة غيره، كما قد بسط في موضعه، ولهذا قال مالك: الاستواء معلوم": ١٧/٣٧٤..
٧ - فتح الباري شرح صحيح البخاري: ١٣/٤٠٦-٤٠٧..
الآية الثانية : قوله تعالى :﴿ إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾ [ طه : ١٢ ].
٦٢٩- يحيى : عن مالك، عن عمه أبي سهيل بن مالك، عن كعب١ الأحبار، أن رجلا نزع نعليه، فقال : لم خلعت نعليك ؟ لعلك تأولت هذه الآية :﴿ فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾ قال : ثم قال كعب للرجل : أتدري ما كانت نعلا موسى ؟ قال مالك : لا أدري أجابه الرجل ؟ فقال كعب : كانتا من جلد حمار ميت. ٢
١ -كعب الأحبار: "هو كعب بن مانع الحميري أبو إسحاق الحبر من مسلمي أهل الكتاب. قال ابن سعد توفي سنة اثنتين وثلاثين "الخلاصة: ٢٧٣..
٢ - الموطأ: ٢/٩١٦ كتاب اللباس، باب ما جاء في الانتقال. قال ابن العربي في أحكام القرآن: "كان مالك، لا يركب دابة بالمدينة برا بتربتها المحتوية على الأعظم الشريفة، والجثة الكريمة": ٣/ ١٢٥٦. ينظر: الجامع: ١١/١٧٣..
الآية الثالثة : قوله تعالى :﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾ [ طه : ١٤ ].
٦٣٠- ابن العربي : روى مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، فإن الله يقول :﴿ وأقم الصلاة لذكري ﴾. ١
قوله تعالى :﴿ وأهش بها ﴾ [ طه : ١٨ ].
٦٣١- ابن كثير : قال عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك : الهش٢ أن يضع الرجل المحجن٣ في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره، ولا يكسر العود، فهذا الهش ولا يخبط. ٤
قوله تعالى :﴿ ولي فيها مآرب أخرى ﴾ [ طه : ١٨ ].
٦٣٢- القرطبي : قال مالك : كان عطاء بن السائب٥ يمسك المخصرة٦ يستعين بها. قال مالك : الرجل إذا كبر لم يكن مثل الشباب يقوى بها عند قيامه. ٧
١ -أحكام القرآن لابن العربي: ٣/١٢٥٨. ينظر: أحكام القرآن للجصاص: ٣/٢٢١، والجامع: ١١/١٧٧، والجواهر الحسان: ٣/٢٥..
٢ - هش الورق يهشه ويهشه: خبطه بعصا ليتحات. القاموس..
٣ -المحجن: يقال: حجن العود يحجنه: عطفه. القاموس..
٤ - تفسير القرآن العظيم: ٣/١٤٦، وأخرجه السيوطي في الدر عن ابن أبي حاتم عن مالك: ٥/ ٥٦٤. وانظر بهجة النفوس والأسرار في تاريخ دار الهجرة النبي المختار: ١/٢٦٢..
٥ -عطاء بن السائب: الثقفي أبو محمد الكوفي أحد الأئمة عن أنس وابن أبي أوفى غيره قال ابن مهدي: كان يختم كل ليلة. قال ابن سعد: "مات سنة ست وثلاثين ومائة". الخلاصة: ١٢٥..
٦ -المخصرة: كمكنسة: ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه، وما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب، والخطيب إذا خطب. القاموس..
٧ - الجامع: ١١/١٨٩..
الآية الرابعة : قوله تعالى :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾ [ طه : ٤٤ ].
٦٣٣- قال الزبير : قلت لمالك : إن من الناس من آمرهم فيطيعونني، ومنهم من إن أمرتهم أتأذى منهم، الشعراء يهجونني والمسلطون يضربونني ويحبسونني، فكيف أصنع ؟. ١
قال : إن خفت وظننت أنهم لا يطيعونك، فدع، وأنكر بقلبك ولك في ذلك سعة، ومن لم تخش منه ضامره وانهه وخاصة إذا أردت به وجه الله تبارك وتعالى، فإنك إذا كنت كذلك، لم تر من الله إلا خيرا، وبخاصة إذا كان فيك شيء من لين، ألا ترى قول الله تعالى لموسى وهارون :﴿ فقولا له قولا لينا ﴾. فإذا قسوت في أمرك، لم يقبل منك، تعرضت لما تكره، وخرجت من جملة أهل القرآن والعلم.
١ - ترتيب المدارك: ٢/٦٣..
الآية الخامسة : قوله تعالى :﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ﴾ [ طه : ٨١ ].
٦٣٤- ابن عطية : قال مالك : الطيبات الحلال. ١
١ -المحرر: ١١/٩٣ وكذا ٥/٣٥ و٧/١٨٠. وينظر: الجامع: ٧/٣٠٠، والجواهر الحسان: ٢/٥٢..
الآية الثامنة : قوله تعالى :﴿ فلا تسمع إلا همسا ﴾ [ طه : ١٠٨ ].
٦٣٦م- ابن وهب : قال : سمعت مالكا يقول في قول الله ﴿ فلا تسمع إلا همسا ﴾. قال : وطء الأقدام. ١م
* - في النوادر والزيادات :( ثم عاوده فسكت، ثم سأله ) انظر : ١٤/٥٥٢ ذكر القدر والأسماء والصفات والاستواء على العرش.
١ م- تفسير عبد الله بن وهب: ٢/١٣٤..
الآية السادسة : قوله تعالى :﴿ زهرة الحياة الدنيا ﴾ [ طه : ١٣١ ].
٦٣٥- ابن كثير : قال ابن أبي حاتم، أنبأنا يونس، أخبرني ابن وهب أخبرني مالك عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن أخوف ما أخاف عليكم ما يفتح الله لكم من زهرة الدنيا )، قالوا : وما زهرة الدنيا يا رسول الله ؟ قال :( بركات الأرض ). ١
١ -تفسير القرآن العظيم: ٣/١٧٢..
الآية السابعة : قوله تعالى :﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ [ طه : ١٣٢ ].
٦٣٦- يحيى : عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب، كان يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل، أيقظ أهله للصلاة. يقول لهم : الصلاة، الصلاة، ثم يتلو هذه الآية :﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾. ١
١ - الموطأ: ١/١١٩ كتاب صلاة الليل، باب ما جاء في صلاة الليل وأخرجه السيوطي في الدر: ١٥/ ٦١٣، والألوسي: في روح المعاني: م٦ ج١٦ /٢٨٥..
Icon