تفسير سورة طه

التيسير في أحاديث التفسير
تفسير سورة سورة طه من كتاب التيسير في أحاديث التفسير .
لمؤلفه المكي الناصري . المتوفي سنة 1415 هـ

الربع الأول من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لقد جاء مطلع هذه السورة مبدوءا بحرفين اثنين ها : الطاء والهاء، فهي من جملة السور التي اختار الله لها أن تكون مبدوءة ببعض الحروف الهجائية المقطعة، إشارة إلى أن الحروف الهجائية التي يتلى بها كتاب الله هي في متناول الناس جميعا، ولكنهم جميعا عاجزون عن أن يؤلفوا منها كتابا إلهيا معجزا ﴿ قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ].
قال تعالى في مطلعها :﴿ طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى، تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى ﴾، وكان مطلعها هذا مناسبا تمام المناسبة لخاتمة سورة( مريم ) التي سبقتها مباشرة، تلك الخاتمة التي تضمنت التنويه بكتاب الله، إذ جاء فيها قوله تعالى بالخصوص :﴿ فإنما يسرناه لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ﴾ فكانت بداية سورة طه تأكيدا جديدا لنهاية سورة مريم، إذ ( التذكرة ) التي استعملها كتاب الله هنا هي نفس ( البشارة والنذارة ) التي استعملها هناك.
وبمجرد افتتاح هذه السورة تناول كتاب الله وهو يخاطب نبيه توضيح معالم الرسالة المحمدية، فقال تعالى :﴿ طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى ﴾، كما تناول في ختام هذه السورة نفسها تحديد أعباء الرسالة المحمدية ومسؤولياتها، فقال تعالى :﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ﴾ ﴿ قل كل متربص فتربصوا، فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾ يفيد معنى أساسيا هو إثبات أن الله تعالى عندما بعث إلى الإنسانية خاتم رسله، إنما أراد إسعاد البشر بالحنيفية السمحة. فقد بعث إليهم رسولا ﴿ يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ]، وهذا المعنى يؤكد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ [ الحج : ٧٨ ]. فلا إرهاق في أي من أوامر الله، ولا تكليف بما فوق الطاقة في أي نهي من نواهيه، بل إن شعائر الإسلام وشرائعه تدخل كلها في نطاق المقدور الميسر لجميع المكلفين نساء ورجالا، ومعنى ( الشقاء ) في اللغة العناء والتعب.
ويتصل بهذا المعنى بوجه من وجوه المناسبة أن كتاب الله رغما عما يتضمنه من حقائق ودقائق ورقائق تحاول البشرية أن تكشف عن مدلولاتها جيلا بعد جيل، ورغا عما اتسم به كتاب الله من إعجاز في اللفظ والمعنى والأسلوب، فقد يسره الله للذكر والفهم والاعتبار، وجعله قريبا من فطرة الناس التي فطرهم عليها، مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ﴾ فلا ألغاز معميات، في آيات الله االبينات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢:وبمجرد افتتاح هذه السورة تناول كتاب الله وهو يخاطب نبيه توضيح معالم الرسالة المحمدية، فقال تعالى :﴿ طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى ﴾، كما تناول في ختام هذه السورة نفسها تحديد أعباء الرسالة المحمدية ومسؤولياتها، فقال تعالى :﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ﴿ وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ﴾ ﴿ قل كل متربص فتربصوا، فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.
وقوله تعالى :﴿ ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ﴾ يفيد معنى أساسيا هو إثبات أن الله تعالى عندما بعث إلى الإنسانية خاتم رسله، إنما أراد إسعاد البشر بالحنيفية السمحة. فقد بعث إليهم رسولا ﴿ يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ﴾ [ الأعراف : ١٥٧ ]، وهذا المعنى يؤكد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ]، وقوله تعالى في آية ثالثة :﴿ هو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج ﴾ [ الحج : ٧٨ ]. فلا إرهاق في أي من أوامر الله، ولا تكليف بما فوق الطاقة في أي نهي من نواهيه، بل إن شعائر الإسلام وشرائعه تدخل كلها في نطاق المقدور الميسر لجميع المكلفين نساء ورجالا، ومعنى ( الشقاء ) في اللغة العناء والتعب.
ويتصل بهذا المعنى بوجه من وجوه المناسبة أن كتاب الله رغما عما يتضمنه من حقائق ودقائق ورقائق تحاول البشرية أن تكشف عن مدلولاتها جيلا بعد جيل، ورغا عما اتسم به كتاب الله من إعجاز في اللفظ والمعنى والأسلوب، فقد يسره الله للذكر والفهم والاعتبار، وجعله قريبا من فطرة الناس التي فطرهم عليها، مصداقا لقوله تعالى :﴿ ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ﴾ فلا ألغاز معميات، في آيات الله االبينات.


وقوله تعالى :﴿ إلا تذكرة ﴾ يفيد أن الله تعالى انزل القرآن إيقاظا للغافل وتذكيرا للناسي، فقد عاهد البشر ربهم وواثقوه بميثاق الإيمان والطاعة والعبادة، وهم لا يزالون في أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، ثم نسوا ما عاهدهم الله عليه، فكان لا بد من تذكيرهم، وفاء من الله بالوعد، وذاك قبل إقامة الحجة عليهم ومؤاخذتهم على خيانة العهد.
وقوله تعالى :﴿ لمن يخشى ﴾ إشارة إلى أن أقرب الناس إلى التدبر والاعتبار، والاتعاظ والانزجار، هم أولئك الذين يراقبون الله، فيخافون سخطه ويرجون رضاه.
وقوله تعالى :﴿ تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى ﴾ يؤكد لمن لا يزال عنده شك أن هذا القرآن إنما هو تنزيل من " خالق الكون " الحكيم العليم، وما دام تنزيلا من خالق السماوات والأرض وما بينهما، فلا بدع أن يتجلى في آياته البينات علم الله المحيط، وحكته البالغة، وقدرته الباهرة، ولا غرابة في أن يكون أصدق وأجمع دستور لهداية الإنسان وسعادته، وبذلك كان أسمى كتاب عرفه الوجود، لا فرق بين الكتب الإلهية السابقة، والكتب الإنسانية السابقة واللاحقة، فالكتب الإلهية السابقة على القرآن قد أصابها التحريف والتزييف، فاختلط فيها الحابل بالنابل، والكتب الإنسانية قديمها وحديثها مليئة بالأغلاط والأخطاء، وتناقص الآراء. أما القرآن الكريم فهو الكتاب الوحيد الذي ﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيلا من حكيم حميد ﴾، وآياته البينات هي سجل الوحي الفريد، الذي تعهد الله بحفظه فقال :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون ﴾ [ الحجر : ٩ ] إشعار بما له من منزلة سامية لا يتطاول إليها أي كتاب، وعظمة خارقة للعادة لا يفي بوصفها أي إنسان، مهما بالغ في التحليل والإطناب.
والاستواء على العرش في قوله تعالى هنا :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾ كناية عن انفراده سبحانه وتعالى بالملك والسلطان، وهيمنته المطلقة على جميع الأكوان، فلا عرش في الحقيقة إلا عرشه، ولا ملك إلا ملكه ﴿ لله ملك السموات والأرض وما فيهن ﴾ [ المائدة : ١٢٠ ]. " والعرش " في كلام العرب مرتبط بمعنى الملك، يقولون : ثُلَّ عرش فلان إذا ذهب ملكه، وتفاديا من أن يفهم معنى الاستواء على وجه فيه تجسيم وتكييف أجاب الإمام مالك بن أنس من سأله عن الاستواء في هذه الآية فقال : " الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، والإيمان به واجب ".
ومما يستلفت النظر في هذا السياق أن كتاب الله اختار فيه من بين أسماء الله الحسنى اسم ( الرحمان ) بالخصوص، فقال تعالى :﴿ الرحمان على العرش استوى ﴾ ولم يقل القهار أو الجبار مثلا، إشعارا للعباد بأن رحمة الله تسع كل شيء، حتى في هذا المقام، مقام العظمة والجلال، مما يجعله جلالا مقرونا بالجمال، ويفتح في وجوه المذنبين والمنحرفين باب الأمل في فضل الكبير المتعال، ونفس الاختيار لاسم ( الرحمان ) في مثل هذا المقام نجد في قوله تعالى ﴿ إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا ﴾ [ مريم : ٩٣ ].
وقوله تعالى :﴿ له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ﴾ تذكير للإنسان بأن قدرة الله الباهرة، وسطوته القاهرة، لا يفلت من قبضتها شيء، فما على الإنسان العاقل إلا أن يسلم وجهه لله، ويوفق بين إرادته وإرادة الله، بصفته جزءا لا يتجزأ من هذا الكون الفسيح، الذي يسير في حركاته وسكناته وفقا لمشيئة الله، ﴿ سنة الله التي قد خلت من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا ﴾ [ الفتح : ٢٣ ].
وقوله تعالى :﴿ وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى ﴾ إشارة إلى أن الحق سبحانه وتعالى عليم بذات الصدور لا يخفى عليه منها شيء، لا فرق بين ما يعرفه الإنسان من نفسه ويكتمه عن الغير، وما لا يعرفه الإنسان من نفسه بالمرة، لأنه مغيب عنه في أعماق وجدانه وهو لا يعيه، أو مغيب عنه وراء حجب المستقبل وهو لا يدريه، والإتيان بهذه الحقيقة في هذا السياق فيه حظ للإنسان على أن يتقبل هدية الله وهدايته التي جاء بها القرآن الكريم ﴿ إن هذا القرآن يهدي للتي هب أقوم ﴾ فالله تعالى أعلم بمصلحة الإنسان من الإنسان بنفسه، وأرحم به من نفسه التي بين جنبيه، وخالق الإنسان، أولى من غيره بهداية الإنسان ﴿ ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ﴾ [ ق : ١٦ ] ﴿ ألا يعلم من خلق اللطيف الخبير ﴾ [ الملك : ١٤ ].
وقوله تعالى :﴿ الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى ﴾ إعلان لوحدانية الله المطلقة، ومن لا شريك له في خلقه، لا شريك له في ملكه، والمراد ( بالأسماء الحسنى ) الأسماء التي تطلق على الحق سبحانه وتعالى، إشارة إلى ذات العلية، أو صفاته الأزلية، أو أفعاله القدسية، والتسمية بها أمر توقيفي لا دليل عليه إلا الشرع، من كتاب أو سنة أو إجماع. قال أبو منصور التميمي البغدادي في كتابه ( أصول الدين ) : " ومن سماه بالقياس صار من القياس في اياس "، وذكر أسماء الله الحسنى في هذا السياق فيه تنبيه لعباده على أن يتوسلوا إليه بهذه الأسماء، حين الابتهال والدعاء، ولا سيما في حالة الاضطرار والالتجاء، طبقا لقوله تعالى :﴿ ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها، وذروا الذين يلحدون في أسمائه ﴾ [ الأعراف : ١٨٠ ]، وقوله تعالى :﴿ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن، أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ﴾ [ الإسراء : ١١٠ ] ويقول الرسول عليه السلام فيما رواه أبو هريرة مرفوعا : " إن لله عز وجل تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ". والغرض من هذا الحديث فيما يراه المحققون مجرد الإشارة إلى أن معاني أسماء الله الحسنى بأجمعها مجموعة في هذه الأسماء التسعة والتسعين، لا حصر الأسماء الحسنى كلها في هذا العدد، لورود الشرع بغيرها من الأسماء.
وبعد أن أوجز كتاب الله في صدر هذه السورة الحديث عن الرسالة الإلهية التي تضمنها القرآن الكريم، وبين وجوه عظمة الذكر الحكيم، شرع يقص على رسوله والمؤمنين قصة موسى مع فرعون وقومه، التي هي أكثر قصص الأنبياء والمرسلين ورودا في القرآن، وذلك ابتداء من قوله تعالى في هذا الربع :﴿ وهل أتاك حديث موسى * إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا ﴾ إلى قوله تعالى في الربع الثالث من هذا الحزب :﴿ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو، وسع كل شيء علما ﴾. وهكذا استغرقت قصة موسى في " سورة طه " التي نحن بصدد تفسيرها حوالي ثلاثة أرباع الحزب، حيث عرضت عرضا واسعا مفصلا، علاوة على ما سبق من حلقات هذه القصة المثيرة في سورة البقرة، وسورة المائدة، وسورة الأعراف، وسورة يونس، وسورة الإسراء، وسورة الكهف، وبالإضافة إلى ما سيأتي من الإشارات إليها في السور القادمة، وعند الانتهاء من عرض هذه القصة عقب كتاب الله عليها في الربع الثالث من هذا الحزب، فقال تعالى :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق، وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾، إشارة إلى أن الحكمة المتوخاة من إيراد قصة موسى وغيرها من قصص الأنبياء والمرسلين هي النظر فيها للتدبر والاعتبار، وتنوير البصائر والأبصار. وسيرا في هذا الاتجاه سنقف وقفة خاصة عند كل موطن من مواطن العبرة في هذه القصة :
فقوله تعالى :﴿ يا موسى* إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى ﴾ إشارة إلى أن خلع النعلين تصرف مناسب للخشوع والتواضع عند مناجاة الحق سبحانه وتعالى من جهة، ومظهر من مظاهر احترام الأماكن المقدسة وتعظيمها من جهة أخرى، وكذلك فعل السلف حين طافوا بالبيت فدخلوا الحرم حفاة دون نعال. قال القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) : " إن قلنا إن خلع النعلين كان لينال بركة التقديس فما أجدره بالصحة، فقد استحق التنزيه عن النعل، واستحق الواطئ التبرك بالمباشرة، كما لا تدخل الكعبة بنعلين، وكما كان مالك لا يركب دابة في المدينة برا بتربتها المحتوية على الجثة الكريمة ". والمراد ( بالمقدس ) المطهر، من القدس بمعنى الطهر.
وقوله تعالى :﴿ فاستمع لما يوحى ﴾ إشارة إلى أن حسن الاستماع لكلام الله ووحيه أمر مرغوب فيه، قال وهب بن منبه : " من أدب الاستماع سكون الجوارح، وغض البصر، والإصغاء بالسمع، وحضور العقل، والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع كما يحب الله تعالى ". ويوجد تناسب تام بين أمر الله تعالى لموسى بالاستماع هنا وخطابه لجمهرة المؤمنين في قوله تعالى :﴿ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون ﴾ [ لأعراف : ٢٠٤ ]، وقد مدح الله ﴿ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ﴾ ووصفهم بقوله :﴿ أولئك الذين هداهم الله ﴾.
وقوله تعالى خطابا لموسى عليه السلام :﴿ فاعبدني وأقم الصلاة لذكري ﴾ يعم كافة المكلفين، ويصدق عليهم أجمعين، وهذه الآية تحتمل جملة من المعاني، باعتبار أن لفظ " الذكر " الوارد فيها إما أن يكون مصدرا مضافا إلى الضمير، أو مضافا إلى الفاعل، أو مضافا إلى ضمير المفعول، كما نبه على ذلك القاضي أبو بكر ( ابن العربي )، فيكون معنى الآية أقم الصلاة لتذكرني فيها عند المناجاة، وهذا هو السر في تسمية الصلاة ذكرا، كما جاء في قوله تعالى :﴿ فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ﴾، أو أقم الصلاة لأذكرك في ملأ خير من الملأ الذي ذكرتني فيه، أو أقم الصلاة إذا ذكرتها أو ذكرت بها، ويرتبط بهذا المعنى الأخير قوله صلى الله عليه وسلم :( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ). أما قوله صلى الله عليه وسلم :( رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ ) الحديث، فالمراد به رفع الإثم لا رفع الفرض عنه، إذ لا بد من توفية التكليف حقه بإقامة القضاء مقام الأداء، ونقل القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) معنى آخر لهذه الآية، إذ قال ما خلاصته : " قالت المتزهدة : معنى ﴿ أقم الصلاة لذكري ﴾ أقمها لمجرد ذكري، ولا تذكر فيها غيري ". ثم عقب ( ابن العربي ) على ذلك قائلا : " وهذا لمن قدر عليه هو الأولى، فمن لم يفعل كتب له منها بمقدار ذلك فيها ".
وقوله تعالى حكاية لدعاء موسى :﴿ قال ربي اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي ﴾ تنبيه لكل حامل رسالة، أو قائم بدعوة، أن يلجأ إلى الله بادئ ذي بدء، ويلتمس منه العون، حتى يشرح الله صدره، فلا يتبرم بأعباء الرسالة، ولا يتضايق من متاعب الدعوة، وحتى ييسر الله أمره، فلا تقف دونه العراقيل والمعوقات، وحتى يفتح له قلوب الخلق، فيقبلون عليه وينتفعون به.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:وقوله تعالى حكاية لدعاء موسى :﴿ قال ربي اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي ﴾ تنبيه لكل حامل رسالة، أو قائم بدعوة، أن يلجأ إلى الله بادئ ذي بدء، ويلتمس منه العون، حتى يشرح الله صدره، فلا يتبرم بأعباء الرسالة، ولا يتضايق من متاعب الدعوة، وحتى ييسر الله أمره، فلا تقف دونه العراقيل والمعوقات، وحتى يفتح له قلوب الخلق، فيقبلون عليه وينتفعون به.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:وقوله تعالى حكاية لدعاء موسى :﴿ قال ربي اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي ﴾ تنبيه لكل حامل رسالة، أو قائم بدعوة، أن يلجأ إلى الله بادئ ذي بدء، ويلتمس منه العون، حتى يشرح الله صدره، فلا يتبرم بأعباء الرسالة، ولا يتضايق من متاعب الدعوة، وحتى ييسر الله أمره، فلا تقف دونه العراقيل والمعوقات، وحتى يفتح له قلوب الخلق، فيقبلون عليه وينتفعون به.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٥:وقوله تعالى حكاية لدعاء موسى :﴿ قال ربي اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي ﴾ تنبيه لكل حامل رسالة، أو قائم بدعوة، أن يلجأ إلى الله بادئ ذي بدء، ويلتمس منه العون، حتى يشرح الله صدره، فلا يتبرم بأعباء الرسالة، ولا يتضايق من متاعب الدعوة، وحتى ييسر الله أمره، فلا تقف دونه العراقيل والمعوقات، وحتى يفتح له قلوب الخلق، فيقبلون عليه وينتفعون به.
وقوله تعالى حكاية لتتمة الدعاء الذي دعا به موسى :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك كثيراً ﴾ تنبيه على أن الدعوة إلى الله ومثلها جميع المهام، التي تهدف إلى خدمة الصالح العام لا تنجح ولا تنتشر على أوسع نطاق إلا إذا وجد القائمون بها أعوانا على الخير يؤازرونهم في العمل، ويشاركونهم في المسؤولية، وبذلك تتضاعف النتائج وتزكو الثمرات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وقوله تعالى حكاية لتتمة الدعاء الذي دعا به موسى :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك كثيراً ﴾ تنبيه على أن الدعوة إلى الله ومثلها جميع المهام، التي تهدف إلى خدمة الصالح العام لا تنجح ولا تنتشر على أوسع نطاق إلا إذا وجد القائمون بها أعوانا على الخير يؤازرونهم في العمل، ويشاركونهم في المسؤولية، وبذلك تتضاعف النتائج وتزكو الثمرات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وقوله تعالى حكاية لتتمة الدعاء الذي دعا به موسى :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك كثيراً ﴾ تنبيه على أن الدعوة إلى الله ومثلها جميع المهام، التي تهدف إلى خدمة الصالح العام لا تنجح ولا تنتشر على أوسع نطاق إلا إذا وجد القائمون بها أعوانا على الخير يؤازرونهم في العمل، ويشاركونهم في المسؤولية، وبذلك تتضاعف النتائج وتزكو الثمرات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وقوله تعالى حكاية لتتمة الدعاء الذي دعا به موسى :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك كثيراً ﴾ تنبيه على أن الدعوة إلى الله ومثلها جميع المهام، التي تهدف إلى خدمة الصالح العام لا تنجح ولا تنتشر على أوسع نطاق إلا إذا وجد القائمون بها أعوانا على الخير يؤازرونهم في العمل، ويشاركونهم في المسؤولية، وبذلك تتضاعف النتائج وتزكو الثمرات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وقوله تعالى حكاية لتتمة الدعاء الذي دعا به موسى :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك كثيراً ﴾ تنبيه على أن الدعوة إلى الله ومثلها جميع المهام، التي تهدف إلى خدمة الصالح العام لا تنجح ولا تنتشر على أوسع نطاق إلا إذا وجد القائمون بها أعوانا على الخير يؤازرونهم في العمل، ويشاركونهم في المسؤولية، وبذلك تتضاعف النتائج وتزكو الثمرات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:وقوله تعالى حكاية لتتمة الدعاء الذي دعا به موسى :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * اشدد به أزري * وأشركه في أمري * كي نسبحك كثيراً * ونذكرك كثيراً ﴾ تنبيه على أن الدعوة إلى الله ومثلها جميع المهام، التي تهدف إلى خدمة الصالح العام لا تنجح ولا تنتشر على أوسع نطاق إلا إذا وجد القائمون بها أعوانا على الخير يؤازرونهم في العمل، ويشاركونهم في المسؤولية، وبذلك تتضاعف النتائج وتزكو الثمرات.
وقوله تعالى :﴿ قال قد أوتيت سؤلك يا موسى ﴾ بشارة من الله لكل من التجأ إلى بابه الكريم، مادا إليه أكف الضراعة بصدق ويقين وإخلاص، أن يحقق له الأمل، ويعطيه ما سأل ﴿ أمن يجيب المضطر إذا دعاه ﴾ [ النمل : ٦٢ ].
وقوله تعالى :﴿ اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ يستفاد منه أمران :
الأمر الأول : أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون مصحوبة بالتفاؤل والرجاء، لا بالتشاؤم واليأس، بحيث يكون الداعي قوي الثقة بالله، قوي الثقة بفعالية الدعوة وتأثيرها في النفوس، والوصول بها إلى النتيجة المرجوة.
الأمر الثاني : أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون لغتها لغة مهذبة، وأن يكون أسلوبها أسلوبا لينا، فلا فحش ولا غلطة ولا جفوة، ونفس التوجيه الذي تلقاه موسى وهارون عليهما السلام تلقاه خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه، إذ خاطبه ربه قائلا :﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ [ النحل : ١٢٥ ]. قال القرطبي : " القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه، وإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون " قولا لينا " فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه، وقد قال تعالى :﴿ وقولوا للناس حسنا ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٣:وقوله تعالى :﴿ اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ﴾ يستفاد منه أمران :
الأمر الأول : أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون مصحوبة بالتفاؤل والرجاء، لا بالتشاؤم واليأس، بحيث يكون الداعي قوي الثقة بالله، قوي الثقة بفعالية الدعوة وتأثيرها في النفوس، والوصول بها إلى النتيجة المرجوة.
الأمر الثاني : أن الدعوة إلى الله ينبغي أن تكون لغتها لغة مهذبة، وأن يكون أسلوبها أسلوبا لينا، فلا فحش ولا غلطة ولا جفوة، ونفس التوجيه الذي تلقاه موسى وهارون عليهما السلام تلقاه خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليه، إذ خاطبه ربه قائلا :﴿ ادع إلى سبيل ربك بالحكة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ﴾ [ النحل : ١٢٥ ]. قال القرطبي :" القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه، وإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون " قولا لينا " فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه، وقد قال تعالى :﴿ وقولوا للناس حسنا ﴾.

وقوله تعالى :﴿ قال لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى ﴾ يتضمن وعدا من الله لكل من جند نفسه لهداية الخلق، والأخذ بيدهم إلى طريق الحق، أن يمده بمدده، ويجعل السكينة مهيمنة على روحه وجسده، فيواجه الناس دون خوف ولا وجل، ويمضي قدما إلى إنجاز ما يسر له من العمل.
وقوله تعالى ضمن ما لقنه موسى كي يخاطب به فرعون :﴿ قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى * إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ﴾ يحتوي علي خير مثال يحتذى في مخاطبة الطغاة الظالمين، والعصاة الضالين. فاختيار كلمة ( الرب ) وكلمة ( السلام ) لهما أكثر من مغزى في هذا المقام، ولذلك استعمل خاتم النبيئين والمرسلين صيغة ( السلام على من اتبع الهدى ) في رسائله التي دعا بها أقطاب العالم في عصره إلى الإسلام،
والتصريح في نفس الآية ( بأن العذاب على من كذب وتولى ) يتضمن تحذيرا غير مباشر، وهو في نفس الوقت لا يدمغ المخاطب بكونه ممن كذب وتولى فيثور ويغضب، بل على العكس من ذلك يدفعه إلى أن يستوعب الخطاب الموجه إليه بقابلية وتفتح، قال ابن عباس : " هذه الآية ﴿ أن العذاب على من كذب وتولى ﴾ هي أرجى آية للموحدين، لأنهم لم يكذبوا ولم يتولوا ".
هذا مجمل ما ورد في الربع الأول لسورة طه، من مواطن العبرة البارزة في قصة موسى عليه السلام ﴿ إن في ذلك لآيات لأولي النهى ﴾. أي لذوي العقول السليمة المستقيمة، الذين يعتمد عليهم، وينتهى إلى رأيهم.
الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الريم
يواصل كتاب الله في هذا الربع حديثه عن قصة موسى مع فرعون وقومه، ويستعرض في آياته البينات ما دار بين الطرفين من محادثات ومحاورات، توضح موقف كل منهما بما يشفي ويكفي.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٥:الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الريم
يواصل كتاب الله في هذا الربع حديثه عن قصة موسى مع فرعون وقومه، ويستعرض في آياته البينات ما دار بين الطرفين من محادثات ومحاورات، توضح موقف كل منهما بما يشفي ويكفي.


فمن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان فرعون ﴿ قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ﴾، وفرعون بهذه المقالة يتهم موسى بأن له هدفا سياسيا من وراء الدعوة التي جاء بها من عند الله، وأنه إنما يريد من ورائها أن يستولي مع قومه على مقاليد الحكم، وأن يطيح بنظام فرعون وملائه ليقيم على أنقاضه نظاما آخر، وقد حكى كتاب الله عن فرعون مقالة أخرى عرض فيها بموسى واتهمه بتهمة أخطر وأكبر، إذ قال في شأنه :﴿ إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد ﴾ [ غافر : ٢٦ ] وسيرا في نفس الطريق، وبمثل هذا النوع من التهم الباطلة، نطق السحرة الذين جندهم فرعون لمباراة موسى، فقد حكى كتاب الله عنهم أنهم ﴿ قالوا إن هذان لساحران ﴾إشارة إلى موسى وأخيه هارون ﴿ يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ﴾. والمراد " بالطريقة المثلى " الهدي المستقيم الذي لا يوجد ما هو أمثل منه وأفضل، والإتيان بجملة ( هذان لساحران ) بعد " إن " جار في اللسان العربي على قراءة أهل المدينة والكوفة، طبقا للاستعمال الخاص المعروف في لغة بني الحارث بن كعب وغيرهم، حيث يجعلون رفع المثنى ونصبه وخفضه بالألف، وهناك قراءة ثانية بتخفيف " إن " بدلا من تشديدها، بمعنى ( ما هذان إلا ساحران ). وهناك قراءة ثالثة مطابقة للاستعمال الشائع المتعارف، وهي مروية عن أبي عمرو ( إن هاذين لساحران ). وقال الزجاج : " لا أجيز قراءة أبي عمرو، لأنها خلاف المصحف ".
ومن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان موسى ﴿ قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى ﴾، وموسى بهذه المقالة كان واثقا من نصر ربه، وكان ساعيا في إبراز المعجزة التي جاء بها على مرأى ومسمع أكبر عدد ممكن من الناس، ولذلك تواعد مع فرعون وسحرته على يوم عيد، حتى تهرع إليه الجماهير من كل صوب وحدب، وهو " يوم الزينة " الذي يتفرغ فيه الناس من أعمالهم، ولنفس الغاية اقترح موسى أن يكون اجتماع الناس ذلك اليوم في وقت الضحى، الذي هو أوضح فترة من فترات النهار بعد شروق الشمس، إذ لو تواعد معهم عند طلوع الفجر أو عند الظهيرة لما حضر إلا القليل، ولو تواعد معهم عند المساء لما ظهرت المعجزة على الوجه الأكمل، لغلبة الظلام واختلاط الرؤية، قال ابن كثير تعقيبا على هذه الآية : " وهكذا شأن الأنبياء، كل أمرهم بين واضح، ليس فيه خفاء ولا ترويج، ولهذا لم يقل ليلا، ولكن نهارا ضحى "، وقال القرطبي تعليقا على نفس الآية : " وإنما واعدهم ذلك اليوم، ليكون علو كلمة الله، وظهور دينه، وزهوق الباطل، على رؤوس الأشهاد، وفي المجمع الغاص ( بالناس )، لتقوى رغبة من رغب في الحق، ويكل حد المبطلين وأشياعهم، ويكثر التحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جمع أهل الوبر والمدر ".
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٧:نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٥:الربع الثاني من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الريم
يواصل كتاب الله في هذا الربع حديثه عن قصة موسى مع فرعون وقومه، ويستعرض في آياته البينات ما دار بين الطرفين من محادثات ومحاورات، توضح موقف كل منهما بما يشفي ويكفي.


فمن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان فرعون ﴿ قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى ﴾، وفرعون بهذه المقالة يتهم موسى بأن له هدفا سياسيا من وراء الدعوة التي جاء بها من عند الله، وأنه إنما يريد من ورائها أن يستولي مع قومه على مقاليد الحكم، وأن يطيح بنظام فرعون وملائه ليقيم على أنقاضه نظاما آخر، وقد حكى كتاب الله عن فرعون مقالة أخرى عرض فيها بموسى واتهمه بتهمة أخطر وأكبر، إذ قال في شأنه :﴿ إني أخاف أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد ﴾ [ غافر : ٢٦ ] وسيرا في نفس الطريق، وبمثل هذا النوع من التهم الباطلة، نطق السحرة الذين جندهم فرعون لمباراة موسى، فقد حكى كتاب الله عنهم أنهم ﴿ قالوا إن هذان لساحران ﴾إشارة إلى موسى وأخيه هارون ﴿ يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى ﴾. والمراد " بالطريقة المثلى " الهدي المستقيم الذي لا يوجد ما هو أمثل منه وأفضل، والإتيان بجملة ( هذان لساحران ) بعد " إن " جار في اللسان العربي على قراءة أهل المدينة والكوفة، طبقا للاستعمال الخاص المعروف في لغة بني الحارث بن كعب وغيرهم، حيث يجعلون رفع المثنى ونصبه وخفضه بالألف، وهناك قراءة ثانية بتخفيف " إن " بدلا من تشديدها، بمعنى ( ما هذان إلا ساحران ). وهناك قراءة ثالثة مطابقة للاستعمال الشائع المتعارف، وهي مروية عن أبي عمرو ( إن هاذين لساحران ). وقال الزجاج :" لا أجيز قراءة أبي عمرو، لأنها خلاف المصحف ".

ومن ذلك ما حكاه كتاب الله عن سحرة فرعون كيف خاطبوا موسى وكيف أجابهم عند بدء المباراة أو المصارعة بين الحق والباطل ﴿ قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى ﴾
﴿ قال بل ألقوا ﴾ فقد فضل موسى أن يكون سحرة فرعون هم السابقين، ثقة منه بأن العاقبة للمتقين، ورغبة في أن تكون كلمة الحق هي الكلمة الأخيرة، إذ هي فصل الخطاب الذي لا معقب له،
وقد ثبته الحق سبحانه وتعالى في هذا الموقف الحرج بقوله :﴿ لا تخف إنك أنت الأعلى ﴾ فلم يخش مظاهر التدجيل والتهويل، ولم يرهب مناظر السحر المبني من أساسه على التخييل والتضليل، وهكذا ينبغي لكل داع من دعاة الحق أن يستوعب قبل كل شيء شبه الخصوم، ثم ينقض عليها واحدة بعد الأخرى بالإبطال، ولا يترك لرواجها أي مجال.
ومن ذلك ما خاطب به الحق سبحانه وتعالى رسوله موسى إذ قال له :﴿ إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ﴾ فقد أصدر أحكم الحاكمين بهذا الخطاب الجامع المانع وذلك قبل أن تنتهي المباراة أو المصارعة حكمه الذي لا يرد، بفشل فرعون وسحرته فيما بيتوه من كيد، وبخيبتهم فيما نظموه من تحد ومواجهة للحق الصراح ﴿ وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا ﴾ [ الإسراء : ٨١ ].
ومن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان فرعون بعد ما نفض السحرة أيديهم من فرعون وملائه، وآمنوا برب موسى وهارون ﴿ قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر ﴾ فكان قول فرعون هذا دليلا على ما أصاب عقله من خلط وخبط، لهول المفاجأة التي فوجئ بها هو وقومه، حتى أتهم فرعون نفس السحرة الذين كانوا قبل لحظات محل ثقته وطوع يديه، بأنهم أصبحوا تلامذة لموسى، بمجرد ما أعلنوا إيمانهم بالله، وبراءتهم من فرعون ودينه، وأصر فرعون في تعبيره على أن يتهم موسى بأنه هو الذي علمهم السحر الجديد. يضاف إلى ذلك ما يتضمنه خطاب فرعون لسحرته السابقين من جهل فاضح بخلجات النفوس وتقلبات القلوب، فالإيمان متى خالطت بشاشته قلب الإنسان تحول في الحال من حال إلى حال، ومفاتح القلوب هي قبل كل شيء بيد الله، لا بيد الطغاة المتمردين على الله، والشأن في كلمة الحق أن تغزو الآذان، دون استئذان.
ومن ذلك ما حكاه كتاب الله على لسان السحرة، الذين تحولوا بفضل معجزة موسى إلى مؤمنين بررة، وهم يردون على فرعون ﴿ قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا ﴾ فكان ردهم على فرعون ردا مفحما، لأنهم آمنوا بربهم عن برهان وبينة، وفارقوا دين فرعون وقومه عن اقتناع، فلا شيء يستطيع أن يردهم عن سلوك المحجة البيضاء، ولا شيء يقنعهم بالاستمرار في عبادة طاغية متكبر، لمجرد أن يقول ( أنا ربكم الأعلى )، فقد اهتدوا إلى معرفة الإله الحق الذي ﴿ أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ﴾،
وبعدما رفعت عنهم غشاوة الجهل والنسيان، ها هم يقبلون بشوق وحماس على عبادة الرحمن، بكل طاعة وإذعان، متحملين جميع التضحيات والآلام التي يفرضها عليهم حكم الظلم والطغيان، إذ لا سلطة لهذا الحكم الغاشم إلا في الدار الفانية، وهم مطمئنون إلى حكم الله العادل الذي سيلقونه في الدار الباقية ﴿ إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى ﴾.
ومن ذلك ما أوحاه الله إلى نبيه موسى بعد انتصاره في الجولة الأولى ﴿ أن اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخف دركا ولا تخشى ﴾ جريا على سنة الله التي لا تتخلف، في نصرة كل مظلوم التجأ إلى الله، واعتصم بحبل الله، وأسلم وجهه إلى الله، كان فردا أو جماعة، فمن تمسك بالعروة الوثقى وجعل كلمة الله هي العليا في جميع التصرفات، شاهد من خوارق العادات، ما لا يعجز عنه رب الأرض والسماوات، وتخلص من جميع الأزمات، وأفلت من قبضة عدوه دون أن يلحق به العدو أية آفة من الآفات.
ومن ذلك قوله تعالى تعقيبا على الموقف البليد الذي اتخذه فرعون ضد الرسالة الإلهية التي حملها موسى إليه وإلى قومه :﴿ وأضل فرعون قومه وما هدى ﴾، وهذا التعقيب القرآني البديع يعتبر ردا على مزاعم فرعون التي كان يرددها أمام الملأ من قومه، تضليلا لهم وتمويها عليهم، فقد كان يقول كما حكى عنه كتاب الله في آية أخرى :﴿ ما أراكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ﴾ [ غافر : ٢٩ ]، فأكد كتاب الله في هذا المقام أن فرعون إنما أضل قومه ولم يهدهم، وجر الهلاك على نفسه وعليهم، وهذا دليل على المسؤولية الثقيلة التي يتحملها الرؤساء والكبراء عن أنفسهم وعن قومهم، مما يجب أن يحسبوا له الحساب، ويقدروا عواقبه التقدير الصحيح حتى يفلتوا من العقاب والعذاب، فكم من رئيس أو كبير بعثت على يده أمة، وكم من رئيس أو كبير هلكت على يده أمة، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى في آية أخرى على لسان الأقوام المخدوعين المضللين، وقد أصبحوا من سادتهم متبرئين وعلى كبرائهم ثائرين :﴿ وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كثيرا ﴾ [ الأحزاب : ٦٧، ٦٨ ] ﴿ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب * وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم ﴾ [ البقرة : ١٦٦، ١٦٧ ].
ومن ذلك قوله تعالى في نفس السياق :﴿ يا بني إسرائيل قد أنجيناكم من عدوكم ﴾ ممتنا عليهم بنصر موسى والإفلات من قبضة فرعون، ومن مطاردة جنوده لهم ليردوهم على أعقابهم خاسرين.
وامتنان الله بالنجاة قائم على الدوام، بالنسبة لكل من استغاث به من الظلم والطغيان، واستعان على مكافحة الطغاة بالصبر والإيمان، لكن بني إسرائيل كغيرهم كلما طغوا وأصبحوا ظالمين، وتعدوا حدود الله واعتدوا على الحق المبين، لا بد أن يسقطوا من جديد، في قبضة جبار عنيد، وإلى هذا المعنى يشير قوله تعالى خطابا لهم ولكل من جاء بعدهم :﴿ كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ﴾ أي لا تكفروا النعمة، ولا تنسوا شكر المنعم بها عليكم، فقد حذر كتاب الله هنا من التجاوز والطغيان من كانوا إلى عهد قريب يئنون من الطغيان، لأن عاقبة الطغيان بالنسبة لأي إنسان كيفما كان هي الإبادة والهلاك، والتعرض لغضب الله الذي لا يرضى لحرماته بالإهانة والانتهاك، وهذا المعنى هو الذي زادته الآية التالية توضيحا وإشراقا في صيغة العموم والشمول، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾ كأنما سقط إلى الهاوية من جبل شاهق، و " غضب الله " كناية عن استحقاق عقابه وعذابه، ومقته وخذلانه لمن أعرض عن كتابه.
وختم هذا الربع بآية من أرجى آيات الذكر الحكيم، لأنها تفتح باب المغفرة على مصراعيه في وجه كل من أسرف على نفسه ففرط في جنب الله، ولم يؤد حقوق الله، وداخله اليأس والقنوط من رحمة الله، وجيء فيها باسم الله ( الغفار ) في صيغة بلغت الغاية في التأكيد، إيذانا بعفوه وستره للأوزار، ألا وهي قوله تعالى :﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾. و " ثم " الواردة في هذا السياق إنما تعني هنا مجرد ترتيب الخبر على الخبر، ومقتضى هذه الآية أن من حل عليه لسبب من الأسباب غضب الله، في إمكانه أن يغير الوجهة، ويسلك السبيل المؤدي إلى رضا الله، والسبيل القاصد إلى عفو الله وغفرانه، ونيل رضوانه، حسبما حددته هذه الآية الكريمة، هو الإقبال على التوبة أولا، وتجديد الإيمان ثانيا، وممارسة العمل الصالح ثالثا، والثبات على الهدي القويم إلى لقاء الله رابعا، فهذه شروط أربعة من استوفاها أوشك أن لا يبقى في قلبه مرض، وأوفى على الغرض.
الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري : " وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٣:الربع الثالث من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
لا يزال كتاب الله مسترسلا في الحديث عن قصة موسى عليه السلام، وفي هذا الربع الثالث من سورة طه ينتهي القسم الأخير من القصة، ويعقب عليها كتاب الله تعالى بقوله :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق * وقد أتيناك من لدنا ذكرا ﴾.
غير أن الحديث في هذا الربع يأخذ مجرى جديدا، فقصة موسى التي يتناولها في هذا الربع قصته مع قومه من بني إسرائيل، بينما الربع الأول والربع الثاني من هذا الحزب تناول فيهما كتاب الله قصة موسى مع فرعون وقومه :
ذلك أنه بمجرد ما حرر موسى عليه السلام بني إسرائيل من قبضة فرعون وملائه، وأطلق سراحهم، وافتك أرواحهم، انقلبوا حربا على الله ورسوله، وأقبلوا على عبادة عجل من ذهب، مشاركين في ذلك عبدة الأوثان، مشركين بالرحمان، وأصبحوا الشغل الشاغل لموسى وأخيه هارون، ومصدر المتاعب والمتناقضات في كل ما يأتون وما يذرون، وإلى هذا الوضع الغريب الذي آل إليه بنو إسرائيل بمجرد تحريرهم، وبعدما غاب عنهم موسى غيبة قصيرة ولم يبق بين أظهرهم، يشير قوله تعالى :﴿ فكذلك ألقى السامري ﴾
وقوله تعالى :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري * قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ﴾.
وكان موسى عليه السلام قد فارق قومه على عجل، قاصدا " جانب الطور الأيمن "، مستخلفا عليهم أثناء غيبته أخاه هارون، إذ بعد ما حقق الله على يده لقومه نعمة النجاة والتحرير، رأى من واجبه أن يبادر لتلبية النداء الإلهي حتى يتلقى من ربه التعاليم التي تضمن لقومه حسن التدبير والتسيير، وها هو الحق سبحانه وتعالى يسأل وموسى يجيب ﴿ وما أعجلك عن قومك يا موسى ﴾ أي ماذا حملك على العجلة والقدوم وحدك دون قومك، فقد كان الموعد الذي ضربه الحق سبحانه وتعالى ليكلم فيه موسى ويلقنه الهدى والنور لم يحن بعد ﴿ قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ﴾ أي ظننت أن التعجيل بذلك، أقرب إلى رضاك. قال جار الله الزمخشري :" وزال عنه أنه عز وجل ما وقت أفعاله إلا نظرا إلى دواعي الحكمة، وعلما بالمصالح المتعلقة بكل وقت ". لكن الحق يفاجئ عبده الكليم بما أحدثه بنو إسرائيل من بعده ﴿ قال فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ﴾. وكم كان هول هذه الصدمة شديد الوقع على موسى، فقد أحس بأن قومه أصابتهم مدة غيبته القصيرة نكسة كبرى وهم لا يزالون في بداية الطريق ﴿ فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا أفطال عليكم العهد ﴾، وفي هذا الاستفهام استغراب واستنكار، إذ لم يغب عنهم موسى زمنا طويلا حتى يقع ما وقع، ولم تزد مدة غيبته على أربعين يوما ﴿ أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي ﴾. وها هو موسى عليه السلام يواجه قومه بالوعد الممزوج بالوعيد، وها هو يبدو عليه من الغضب والحزن ما ليس عليه من مزيد، وها هو يوجه إلى بني إسرائيل إنذارا بحلول غضب الله عليهم، ملوحا بذلك إلى الإنذار الوارد في الخطاب الإلهي السابق في الربع الماضي، إذ قال تعالى :﴿ ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى ﴾.
وحاول بنو إسرائيل جاهدين أن يبرروا موقفهم ويفسروا انحرافهم، زاعمين أن الوعد الذي قطعوه لموسى عليه السلام بالثبات على طاعة الله وعبادته إلى أن يرجع من " الطور " لم يخلفوه اختيارا، وإنما أخلفوه اضطرارا، بدعوى أن الإنسان إذا وقع في الفتنة لم يعد يملك نفسه، ﴿ *قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا ﴾، متعللين بأنهم عندما فارقوا وطن فرعون حملوا معهم من حلي قومه وزينتهم الذهبية كميات كثيرة كانت موضوعة تحت أيديهم، ولعل وضعها كان برسم الإعارة أو برسم الرهن، فلما استقر بهم المطاف أوقدوا نارا وقذفوا فيها ما جمعوه من تلك الحلي، وصنع ( السامري ) لهم منها " عجلا جسدا له خوار "، فعبدوه معتقدين أنه هو إلههم وإله موسى، واتهموا موسى بأنه نسي هذا الإله، فذهب يبحث عن إله آخر، وهذا التأويل الغريب الذي أولوا به مسلكهم هو الذي عبر عنه كتاب الله هنا على لسانهم قائلا :﴿ ولكنا حملنا أوزارا ﴾ أي أثقالا﴿ من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السامري ﴾.
غير أن هذا التأويل المصطنع الذي حاولوا أن يؤولوا به مسلكهم لم يكن مطابقا للحقيقة، فقد عبروا عن رغبتهم في تقليد عبدة الأوثان عندما مروا بهم منذ اللحظة الأولى، وقالوا لموسى كما حكى الله على لسانهم في سورة الأعراف :﴿ يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ﴾ [ الآية : ١٣٨ ]، فرد عليهم موسى في الحين بقوله :﴿ إنكم قوم تجهلون ﴾.
ومن المفارقات في هذا المقام أن يقبل بنو إسرائيل على عبادة عجل من ذهب، مخلفين بذلك وعدهم لموسى، ومتمردين على خليفته هارون، في نفس الوقت الذي كان فيه موسى يتلقى كلمات ربه وهو يخاطبه قائلا :﴿ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ]، ولكن الله العليم الخبير أضاف إلى ذلك إنذارا سابقا لبني إسرائيل المنحرفين، فقال تعالى منذرا لهم ولمن سلك مسلكهم :﴿ سأوريكم دار الفاسقين ﴾.


لكن كتاب الله أعفى هارون من كل مسؤولية في هذا الانحراف الخطير الذي انزلق إليه بنو إسرائيل، وذلك قوله تعالى حكاية عنه فيما سبق :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ﴾. وبهذا الخطاب الذي وجهه إليهم هارون أراد أن يعرفهم بأن ما وقعوا فيه ليس إلا فتنة من جملة الفتن، التي لا ينبغي أن تصرف الناس عن عبادة الواحد الأحد إلى عبادة الأوثان، وبأن الرب الحقيقي الذي يستحق أن يعبد دون سواه هو ( الرحمن ) الرحيم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وطالبهم باتباع دينه الذي هو دين موسى دون خروج عليه، كما طالبهم بطاعته فيما أمرهم به من ترك عبادة العجل، لكنهم أصروا على الضلال، لما أصابهم من الاختلال والخبال، قال علاء الدين المعروف ( بالخازن ) : " اعلم أن هارون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه، لأنه زجرهم أولا عن الباطل بقوله :﴿ إنما فتنتم به ﴾، ثم دعا على معرفة الله تعالى بقوله ﴿ وإن ربكم الرحمن ﴾، ثم دعاهم إلى معرفة النبوة بقوله :﴿ فاتبعوني ﴾، ثم دعاهم إلى الشرائع بقوله :﴿ وأطيعوا أمري ﴾، فهذا هو الترتيب الجيد، لأنه لا بد من إماطة الأذى عن الطريق، وهي إزالة الشبهات، ثم معرفة الله فإنها هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة ".
يتجه موسى وهو في ثورة الغضب والأسى من هول ما رآه إلى أخيه هارون باللوم والعتاب، كأنه قصر في القيام بواجب الخلافة عنه وأهمل وصاياه، فيقول له كما حكى عنه كتاب الله :﴿ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:يتجه موسى وهو في ثورة الغضب والأسى من هول ما رآه إلى أخيه هارون باللوم والعتاب، كأنه قصر في القيام بواجب الخلافة عنه وأهمل وصاياه، فيقول له كما حكى عنه كتاب الله :﴿ قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ﴾
فما كان من أخيه هارون إلا أن رد عليه بمنتهى الهدوء وحسن الأدب، محاولا أن يهدئ روع موسى، ويحرك في قلبه نحوه شعور الأخوة والعطف، معللا بقاءه بين ظهراني بني إسرائيل في انتظار عودة موسى من الطور ليرى فيهم رأيه بخوفه على وحدتهم من الفرقة والشتات، وكأنه كان يتنبأ بما سينالهم من شتات في أطراف الأرض، وذلك ما حكاه عنه كتاب الله قائلا لأخيه وهو يتوسل إليه بصلة الرحم :﴿ قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ﴾.
لكن كتاب الله أعفى هارون من كل مسؤولية في هذا الانحراف الخطير الذي انزلق إليه بنو إسرائيل، وذلك قوله تعالى حكاية عنه فيما سبق :﴿ ولقد قال لهم هارون من قبل يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ﴾. وبهذا الخطاب الذي وجهه إليهم هارون أراد أن يعرفهم بأن ما وقعوا فيه ليس إلا فتنة من جملة الفتن، التي لا ينبغي أن تصرف الناس عن عبادة الواحد الأحد إلى عبادة الأوثان، وبأن الرب الحقيقي الذي يستحق أن يعبد دون سواه هو ( الرحمن ) الرحيم الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، والذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات، وطالبهم باتباع دينه الذي هو دين موسى دون خروج عليه، كما طالبهم بطاعته فيما أمرهم به من ترك عبادة العجل، لكنهم أصروا على الضلال، لما أصابهم من الاختلال والخبال، قال علاء الدين المعروف ( بالخازن ) : " اعلم أن هارون عليه السلام سلك في هذا الوعظ أحسن الوجوه، لأنه زجرهم أولا عن الباطل بقوله :﴿ إنما فتنتم به ﴾، ثم دعا على معرفة الله تعالى بقوله ﴿ وإن ربكم الرحمن ﴾، ثم دعاهم إلى معرفة النبوة بقوله :﴿ فاتبعوني ﴾، ثم دعاهم إلى الشرائع بقوله :﴿ وأطيعوا أمري ﴾، فهذا هو الترتيب الجيد، لأنه لا بد من إماطة الأذى عن الطريق، وهي إزالة الشبهات، ثم معرفة الله فإنها هي الأصل، ثم النبوة، ثم الشريعة ".
وبعدما تأكد موسى عليه السلام من سلامة الموقف الذي اتخذه أخوه هارون، واقتنع بما قام به من محاولات لرد بني إسرائيل إلى جادة الصواب دون جدوى، التفت إلى ( السامري ) الذي أضلهم وأغراهم بعبادة العجل في غيبته، مستفسرا إياه في البداية، ومعاقبا له في النهاية، وذلك ما حكاه كتاب الله على لسان موسى إذ قال :﴿ قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ﴾.
و ( السامري ) الذي كان يتزعم هذه الفتنة هو من عظماء بني إسرائيل، وإليه تنتسب طائفة ( السامرة ) وهي طائفة يهودية تتفق مع جمهرة اليهود في كثير من المعتقدات وتخالفهم في الباقي، ولا تزال بقايا هذه الطائفة قائمة بالمشرق إلى اليوم،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٥:وبعدما تأكد موسى عليه السلام من سلامة الموقف الذي اتخذه أخوه هارون، واقتنع بما قام به من محاولات لرد بني إسرائيل إلى جادة الصواب دون جدوى، التفت إلى ( السامري ) الذي أضلهم وأغراهم بعبادة العجل في غيبته، مستفسرا إياه في البداية، ومعاقبا له في النهاية، وذلك ما حكاه كتاب الله على لسان موسى إذ قال :﴿ قال فما خطبك يا سامري قال بصرت بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبذتها وكذلك سولت لي نفسي ﴾.
و ( السامري ) الذي كان يتزعم هذه الفتنة هو من عظماء بني إسرائيل، وإليه تنتسب طائفة ( السامرة ) وهي طائفة يهودية تتفق مع جمهرة اليهود في كثير من المعتقدات وتخالفهم في الباقي، ولا تزال بقايا هذه الطائفة قائمة بالمشرق إلى اليوم،


﴿ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي ﴾
وواضح من جواب السامري لموسى أنه يعترف بمسؤوليته عن هذه الفتنة الكبرى، وانه يقر بذنبه الذي ارتكبه من تلقاء نفسه دون إغراء من الغير،
﴿ قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً ﴾
فما كان من موسى عليه السلام إلا أن أصدر في حقه عقوبة العزل التام عن المجتمع مدى الحياة، بحيث لا يمس أحدا ولا يمسه أحد، ولم يبق أمامه إلا أن يهيم في البرازي والقفار مع الوحوش والسباع، وعن هذا العقاب الصارم في الحياة الدنيا مع ما يتبعه من عقاب في الآخرة عبر كتاب الله حكاية عن موسى عليه السلام ﴿ قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه ﴾. ويقال أن بقايا ( السامرة ) لا يزالون إلى اليوم محافظين على نفس الكلمة التي نطق بها موسى عليه السلام في حق كبيرهم السامري، ثم جرت من بعده مثلا :( لا مساس ).
أما موقف موسى عليه السلام من العجل الذهبي الذي صنعه السامري، ثم عبده وعبده بنو إسرائيل معه في غيبة موسى، فقد كان موقفا حازما وصارما إلى أقصى الحدود، ويتلخص هذا الموقف في تقريره إحراق ذلك العجل ونسف رماده في البحر إلى غير رجعة، حتى لا يعبد من دون الله، وذلك ما حكاه كتاب الله على لسان موسى عليه السلام إذ قال مخاطبا للسامري الذي عكف على عبادة العجل، ساخرا منه ومن عجله الذهبي :﴿ وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً ﴾.
وختم كتاب الله قصة موسى في هذا الربع الثالث من ( سورة طه ) بكلمة الحق الوحيدة والباقية على الدوام، كما أعلنها إلى بني إسرائيل موسى عليه السلام، وشهد بها كافة الأنبياء والرسل الكرام ﴿ إنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء علماً ﴾، وأكد كتاب الله نفس المعنى في نهاية هذا الربع فقال :﴿ يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علماً ﴾.
على ان عبادة " العجل الذهبي " لم تزل منها إلى الآن بقية باقية عند أتباع الملة اليهودية، فلم يخل عصر من العصور، ولا زمن من الأزمان، من ظهور سامري جديد يعيد سيرة السامري القديم، وينشر عبادة عجله الذهبي في كل مكان وبكل ما في الإمكان، والله من ورائهم محيط، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٢:وكنموذج من " التذكرة والذكر " اللذين يتضمنهما الذكر الحكيم، عرض كتاب الله وصفا مؤثرا ومثيرا لما خص الله به يوم القيامة من مشاهد العظمة والجلال، وما يتقلب فيه الخلق يومئذ على اختلاف معتقداتهم ومقاماتهم من الخوف والرجاء، وهم بين يدي الكبير المتعال، وقد جاءت بداية هذا الوصف في عدة آيات من الربع الماضي، واسترسل نفس الوصف في آيات أخرى من هذا الربع.
ويستفاد من هذا الوصف أن الله تعالى سيجمع عباده ويحشرهم جميعا يوم القيامة، وأنهم سيجيبون في ذلك اليوم لدعوة الداعي مسرعين مهطعين، دون تردد ولا تخلف، على خلاف ما كانوا عليه في الدنيا من تجاهل الدعاة إلى الله، والإعراض عنهم، والسخرية منهم ﴿ يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين يومئذ زرقا ﴾ ﴿ يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يقتنع به الخلق يومئذ، خصوصا عباد الشهوات الذين أسرفوا على أنفسهم، من تفاهة متاع الحياة الدنيا، وقلة أهميتها، وقصر مدتها، بالنسبة للحياة الآخرة ﴿ قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى ﴾ [ النساء : ٧٧ ].
وأمام هذا الشعور الطارئ يتسارون فيما بينهم، ويتساءلون من شدة الذهول : كم قضوا في حياتهم الأولى من مدة ؟ فيقول قائلهم : قضينا عشر ليال، ويقول أمثلهم : قضينا يوما واحدا ﴿ يتخاطفون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون، إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما ﴾، وبنفس هذا المعنى ورد قوله تعالى في آية ثانية :﴿ قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فسل العادين ﴾ [ المؤمنون : ١١٢ ١١٣ ]. ويوجد من بينهم من يشعر بأن مدة حياته كلها كانت أقصر من ذلك، وأنها لم تزد عن ساعة واحدة، وتعبيرا عن شعور هذا الصنف من الخلق جاءت الآية الكريمة :﴿ ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، كذلك كانوا يوفكون ﴾ [ الروم : ٥٥ ].
والغريب في الأمر أنه بمجرد ما يسيطر عليهم هذا الشعور يخيل إليهم أنهم قد وجدوا عذرا يعتذرون به أمام الله عن تقصيرهم واستهتارهم، ويخامرهم الأمل في الخلص من قبضة الله، والإفلات من الحساب والعقاب، بدعوى أن مدة حياتهم التي قضوها في الدار الفانية كانت مدة قصيرة لا تكفي للتذكر والاعتبار، ولا تساعد على الاستعداد للدار الباقية، ثم يصرخون في جهنم قائلين :﴿ ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل ﴾ فيرد عليهم الحق سبحانه وتعالى بقوله :﴿ أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير، فذوقوا، فما للظالمين من نصير ﴾ [ فاطر : ٣٧ ].
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يتعرض له العالم عند قيام الساعة من ظواهر كونية تقلب الأرض عاليها سافلها، ومن تلك الظواهر نسف الجبال ودكها دكا، حتى لا يبقى منها عين ولا أثر ﴿ ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا، فيذرها قاعا صفصفا، لا ترى فيها عوجا ولا أمتا ﴾، ويشير لهذا المعنى نفسه قوله تعالى في سورة المرسلات :﴿ إنما توعدون لواقع * فإذا النجوم طمست * وإذا السماء فرجت * وإذا الجبال نسفت * وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت، ليوم الفصل * وما أدراك ما يوم الفصل ﴾ [ الآيات : ٧، ٨، ٩، ١٠، ١١، ١٢، ١٣، ١٤ ]. وقد اهتدى العلم الحديث بطرائقه الخاصة إلى نفس النتيجة الحتمية التي أعلنها كتاب الله منذ أربعة عشر قرنا، ألا وهي أن الكون سيعترض لانقلاب شامل تتغير به معالمه، وتختل معه نواميسه ودعائمه.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما يكون عليه الخلق يومئذ من الرهبة والجزع، وما يعلو وجوههم من الوجوم والفزع، حتى إذا ما تحادثوا فيما بينهم تحادثوا همسا دون جلبة ولا ضوضاء، بحيث لا يسمع لهم نطق ولا كلام، من هول ذلك المقام ﴿ وعنت الوجوه للحي القيوم ﴾ ﴿ وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا ما أعده الله يوم الفصل من خيبة وخسران، للظالمين الذين لم يؤدوا حقوق الله، فكفروا به وأشركوا، ولم يقدروا الله حق قدره، أو لم يؤدوا حقوق العباد فعرضوهم للضياع والهلاك، وما أعده من شقاء في الدنيا وعماء في الآخرة للمعرضين عن كتابه، المتجاهلين لخطابه، الذين عميت منهم البصائر والأبصار، فلم ينفع فيهم تبشير ولا إنذار، ﴿ وقد خاب من حمل ظلما ﴾ ﴿ ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى * قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا * قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى * وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ﴾.
ويستفاد من هذا الوصف أيضا أن الوساطات والشفاعات التي اعتدها الناس في حياتهم بالنسبة للعصاة والمذنبين، جربا مع أهوائهم ومصالحهم، لا تأثير لها في الآخرة، لكن هناك شفاعة خالية من الأغراض والأهواء، يأذن بها الحق سبحانه وتعالى لمن يشاء، من المشفوع فيهم والشفعاء ﴿ يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا ﴾.
وإلى جانب هذا كله تعهد الحق سبحانه وتعالى في هذا الوصف، للمؤمنين الصالحين من عباده، بالنصرة والتأييد، والهداية والتسديد، والسعادة الحقيقية التي لا يشوبها شقاء، في الدنيا والآخرة على السواء، فقال تعالى :﴿ ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما ﴾، وقال تعالى :﴿ فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ﴾.

الربع الأخير من الحزب الثاني والثلاثين في المصحف الكريم
كلنا نذكر ما جاء في فاتحة سورة ( طه ) المكية التي خصصنا لتفسيرها الأحاديث الثلاثة الماضية، والتي يتم تفسيرها في هذا الحديث بإذن الله ومعونته، فقد قال تعالى في مطلعها :﴿ طه، ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، إلا تذكرة لمن يخشى، تنزيلا ممن خلق الأرض والسموات العلى ﴾، وكان مطلعها هذا مناسبا تمام المناسبة لخاتمة سورة( مريم ) التي سبقتها مباشرة، تلك الخاتمة التي تضمنت التنويه بكتاب الله، إذ جاء فيها قوله تعالى بالخصوص :﴿ فإنما يسرناه لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا ﴾ فكانت بداية سورة طه تأكيدا جديدا لنهاية سورة مريم، إذ ( التذكرة ) التي استعملها كتاب الله هنا هي نفس ( البشارة والنذارة ) التي استعملها هناك.
وقد لاحظنا في الربع الماضي أنه بمجرد ما انتهى كتاب الله من ( حديث موسى ) عاد إلى نقطة الانطلاق التي مهدت لذلك الحديث، فقال تعالى :﴿ كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق، وقد أتيناك من لدنا ذكرا، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه، وساء لهم يوم القيامة حملا ﴾. وهكذا عاد كتاب الله إلى التنويه بالذكر الحكيم، وجدد الدعوة إلى الإقبال عليه واتباع هديه القويم، وبين ما يؤدي إليه ترك العمل به من الأوزار والآثام، وما يتعرض له المعرضون عنه من العقوبات الجسام. وزاد كتاب الله هذا المعنى توكيدا وتوضيحا، فقال تعالى في هذا الربع :﴿ وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكراً فتعالى الله الملك الحق ﴾. وواضح ما لهذه الآية الكريمة من ارتباط وثيق بقوله تعالى في مطلع السورة :﴿ إلا تذكرة لمن يخشى ﴾ فهي كما يقال " عود على بدء ". ومعنى لفظ " التذكرة " الوارد هناك هو نفس معنى ( الذكر ) الوارد في قوله تعالى :﴿ أو يحدث لهم ذكرا ﴾ في هذا الربع، فكلاهما يؤدي في هذا السياق معنى العظة والتدبر والاعتبار.
وبمناسبة الحديث عن رسالة القرآن وأثرها العظيم في الحياة، لفت كتاب الله نظر رسوله إلى ما ينبغي أن يكون عليه من التأني والتثبت عند تلقي القرآن واستذكار مبانيه، وما ينبغي أن يتطلع إليه من مزيد العلم والفهم لاستيعاب معانيه، فقال تعالى خطابا لرسوله ﴿ ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علماً ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٧:وكما قص كتاب الله في هذه السورة ( سورة طه ) قصة موسى مع فرعون، ردد فيها أيضا صدى قصة آدم مع إبليس، التي سبق ذكرها في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحجر، وسورة الكهف، والحكمة في ذلك حسبما يظهر من السياق هي تنبيه بني آدم إلى وجوب التحفظ من وسوسة الشيطان، والحذر التام من التعرض لغوائله، حتى يسعدوا بنعيم الجنة ولا يشقوا بعذاب النار ﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ ﴿ قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو ﴾.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.

وكما قص كتاب الله في هذه السورة ( سورة طه ) قصة موسى مع فرعون، ردد فيها أيضا صدى قصة آدم مع إبليس، التي سبق ذكرها في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحجر، وسورة الكهف، والحكمة في ذلك حسبما يظهر من السياق هي تنبيه بني آدم إلى وجوب التحفظ من وسوسة الشيطان، والحذر التام من التعرض لغوائله، حتى يسعدوا بنعيم الجنة ولا يشقوا بعذاب النار ﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ ﴿ قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو ﴾.
وجوابا عن سؤال : " كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته : " إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال : " حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٧:وكما قص كتاب الله في هذه السورة ( سورة طه ) قصة موسى مع فرعون، ردد فيها أيضا صدى قصة آدم مع إبليس، التي سبق ذكرها في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحجر، وسورة الكهف، والحكمة في ذلك حسبما يظهر من السياق هي تنبيه بني آدم إلى وجوب التحفظ من وسوسة الشيطان، والحذر التام من التعرض لغوائله، حتى يسعدوا بنعيم الجنة ولا يشقوا بعذاب النار ﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ ﴿ قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو ﴾.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٧:وكما قص كتاب الله في هذه السورة ( سورة طه ) قصة موسى مع فرعون، ردد فيها أيضا صدى قصة آدم مع إبليس، التي سبق ذكرها في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحجر، وسورة الكهف، والحكمة في ذلك حسبما يظهر من السياق هي تنبيه بني آدم إلى وجوب التحفظ من وسوسة الشيطان، والحذر التام من التعرض لغوائله، حتى يسعدوا بنعيم الجنة ولا يشقوا بعذاب النار ﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ ﴿ قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو ﴾.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٧:وكما قص كتاب الله في هذه السورة ( سورة طه ) قصة موسى مع فرعون، ردد فيها أيضا صدى قصة آدم مع إبليس، التي سبق ذكرها في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحجر، وسورة الكهف، والحكمة في ذلك حسبما يظهر من السياق هي تنبيه بني آدم إلى وجوب التحفظ من وسوسة الشيطان، والحذر التام من التعرض لغوائله، حتى يسعدوا بنعيم الجنة ولا يشقوا بعذاب النار ﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ ﴿ قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو ﴾.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٧:وكما قص كتاب الله في هذه السورة ( سورة طه ) قصة موسى مع فرعون، ردد فيها أيضا صدى قصة آدم مع إبليس، التي سبق ذكرها في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحجر، وسورة الكهف، والحكمة في ذلك حسبما يظهر من السياق هي تنبيه بني آدم إلى وجوب التحفظ من وسوسة الشيطان، والحذر التام من التعرض لغوائله، حتى يسعدوا بنعيم الجنة ولا يشقوا بعذاب النار ﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ ﴿ قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو ﴾.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١٧:وكما قص كتاب الله في هذه السورة ( سورة طه ) قصة موسى مع فرعون، ردد فيها أيضا صدى قصة آدم مع إبليس، التي سبق ذكرها في سورة البقرة، وسورة الأعراف، وسورة الحجر، وسورة الكهف، والحكمة في ذلك حسبما يظهر من السياق هي تنبيه بني آدم إلى وجوب التحفظ من وسوسة الشيطان، والحذر التام من التعرض لغوائله، حتى يسعدوا بنعيم الجنة ولا يشقوا بعذاب النار ﴿ فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى ﴾ ﴿ قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو ﴾.
وجوابا عن سؤال :" كيف أسكن الله تعالى آدم وحواء الجنة، وكيف أزلهما الشيطان عنها "، أجاب القاضي عبد الجبار في كتابه ( تنزيه القرآن عن المطاعن ) قائلا ما خلاصته :" إن آدم وحواء اعتقدا أن الله تعالى إنما نهى عن شجرة بعينها، لا أنه نهى عن جنس الشجر كله، ولما ذهلا عن هذا التأويل وقع ما وقع، ولذلك قال تعالى :﴿ فنسي ولم نجد له عزما ﴾ ثم من بعد ذلك تاب الله عليهما، فزال تأثير تلك المعصية، ولذلك قال تعالى :﴿ فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ﴾.
ومن لطائف التفسير التي عرفتها هذه القصة ما أبدع به القاضي أبو بكر ( ابن العربي ) عند تحليله لها إذ قال :" حاش لله أن يقع الأنبياء في الذنوب عمدا منهم إليها، واقتحاما لها مع العلم بها، فإن الأوساط من المسلمين يتورعون عن ذلك فكيف بالنبيين، ولكن الباري سبحانه وتعالى بحكمه النافذ، وقضائه السابق، أسلم آدم إلى المخالفة، فوقع فيها ( متعمدا ناسيا )، فقيل في تعمده ( عصى آدم ربه )، وقيل في بيان عذره ﴿ ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ﴾. ونظيره من التمثيلات أن يحلف الرجل : لا يدخل دارا أبدا، فيدخلها متعمدا، ناسيا ليمينه، أو مخطئا في تأويله، فهو عامد ناس، ومتعلق العمد غير متعلق النسيان ".
ويرى الشيخ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في تفسيره " أن الخطيئة يومئذ لم يكن مرتبا عليها جزاء عقاب أخروي ولا نقص في الدين، وإنما أوجبت تأديبا عاجلا، لأن الإنسان يومئذ كان في طور كطور الصبا، فلذلك لم يكن ارتكابها بقادح في نبوة آدم، ﴿ ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى ﴾. يضاف إلى ذلك أن العالم الذي عاش فيه آدم في مستهل حياته لم يكن ( عالم تكليف ) بالمعنى المتعارف عند أهل الشرائع، بل عالم تربية فقط، فإطلاق " المعصية " و " التوبة " و " ظلم النفس " مما ورد في قصة آدم هو بغير المعنى الشرعي المعروف، وتوبة الله عليها بمعنى التسبب في حرمانها من لذات كثيرة بسبب لذة قليلة،
وقوله تعالى في سورة البقرة في نهاية قصة آدم :﴿ قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدىً فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآيتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ﴾ [ الآيتان : ٣٨، ٣٩ ] هو الذي بين لهم به الحق سبحانه وتعالى أن المعصية إن وقعت بعد ذلك اليوم يكون جزاؤها جهنم ".
وبنفس المعنى جاء قول الله تعالى في هذا الربع في ختام نفس القصة :﴿ فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى ﴾ كأن التكليف لم يكن مفعوله من قبل ساريا ولا حكمه سائدا، وإنما ابتدأ من الآن فصاعدا.

﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾
ووجه كتاب الله في نهاية هذه السورة الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، مستخلصا العبرة من قصة آدم وقصة موسى، منبها إياه إلى الائتساء بهما والاقتداء، في مكافحة العوائق ومواجهة الأعداء، داعيا رسوله الأعظم إلى الاستعانة على تبليغ الرسالة وأداء الأمانة بالصبر على المكاره والأغيار، والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، والتمسك بالقناعة والتوكل على الله في قضاء الأوطار، والتربص بأعداء الله والانتظار ﴿ لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ﴿ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٠:﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾
ووجه كتاب الله في نهاية هذه السورة الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، مستخلصا العبرة من قصة آدم وقصة موسى، منبها إياه إلى الائتساء بهما والاقتداء، في مكافحة العوائق ومواجهة الأعداء، داعيا رسوله الأعظم إلى الاستعانة على تبليغ الرسالة وأداء الأمانة بالصبر على المكاره والأغيار، والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، والتمسك بالقناعة والتوكل على الله في قضاء الأوطار، والتربص بأعداء الله والانتظار ﴿ لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ﴿ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣٠:﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ﴾
ووجه كتاب الله في نهاية هذه السورة الخطاب إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، مستخلصا العبرة من قصة آدم وقصة موسى، منبها إياه إلى الائتساء بهما والاقتداء، في مكافحة العوائق ومواجهة الأعداء، داعيا رسوله الأعظم إلى الاستعانة على تبليغ الرسالة وأداء الأمانة بالصبر على المكاره والأغيار، والتسبيح آناء الليل وأطراف النهار، والتمسك بالقناعة والتوكل على الله في قضاء الأوطار، والتربص بأعداء الله والانتظار ﴿ لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ﴾ ﴿ فاصبر على ما يقولون ﴾ ﴿ قل كل متربص فتربصوا فستعلمون من أصحاب الصراط السوي ومن اهتدى ﴾.

Icon