في السورة تنبيه على أن المؤمنين معرضون للامتحان الذي يظهر به صدق إيمانهم. وصورة لبعض ضعفاء الإيمان وتنديد بهم. وتقرير بأن واجب الطاعة للوالدين والإحسان إليهما قاصر على غير الشرك. وحكاية لبعض أساليب الإغراء والدعاية التي كان يعمد إليها زعماء الكفار لصد المسلمين وردهم. وسلسلة قصصية احتوت أخبار نوح وإبراهيم ولوط وشعيب وأممهم. وإشارات إلى مواقف عاد وثمود وفرعون. وصور العذاب التي حاق بالمكذبين. وعناية الله بالأنبياء والمؤمنين في معرض التنديد والتذكير والتطمين معا. وحكاية لمواقف جدل ومناظرة بين النبي صلى الله عليه وسلم والكفار وأهل الكتاب في صدد القرآن. وحث للمسلمين على الصبر والثبات على الحق والهجرة في سبيل الله والاعتماد عليه. وتنديد بالمشركين لما يبدو منهم من تناقض في عقائدهم بالله ومواقفهم من الدعوة إليه.
وأكثر فصول السورة منسجمة مع بعضها بقوة. وباقيها ليس منقطعا عنها صورا وموضوعا ؛ ولهذا نرجح أنها نزلت متتابعة بدون فاصل.
وقد روي أن الآيات [ ١-١١ ] مدنيات وقد شكّكنا في ذلك في التعليقات التي علقناها في سياق تفسيرها.
ﰡ
{ الم ١ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ١ ٢ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله ٢ الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ٣ أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ٤ من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ٥ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ٣ إن الله لغني عن العالمين ٦ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ٧ [ ١-٧ ].
بدأت السورة بحروف الألف واللام والميم المنقطعة التي رجحنا في أمثالها أنها للاسترعاء إلى خطوة ما بعدها. وهذا المطلع من المطالع القليلة التي لم يعقبها إشارة إلى القرآن مثل السورة السابقة.
وقد تضمنت الآية التالية للحروف سؤالا فيه معنى الإنكار والتعجب عما إذا كان يصح أن يظن الذين آمنوا أنهم لا يتعرضون للفتنة والامتحان، وأنه يكفيهم أن يقولوا آمنا وذكرت الآية الثالثة في مقام الجواب بأن الله قد جرت سنته على امتحان إيمان أمثالهم من قبلهم ليتميز الصادقون من الكاذبين. واحتوت الآية الرابعة سؤالا في معنى الإنكار والتنديد معطوفا على السؤال الأول عما إذا كان يظن الذين يقترفون السيئات أن يسبقوا الله ويفلتوا منه وبيانا في معرض الجواب بأنهم إن ظنوا ذلك فإنما يكون من سوء حكمهم على الأمور وخلطهم فيه.
وقد احتوت الآيات الخامسة والسادسة والسابعة تقريرات بالنسبة لأعمال المؤمنين وأثرها.
١ – فالذين يرجون لقاء الله وثوابه لهم أن يطمئنوا فإن هذا آت لا ريب فيه. والله سميع لكل ما يقال عليم بكل ما يفعل الناس ويضمرونه.
٢- والذين يجاهدون في الله لا ينفعون الله بجهادهم ؛ لأنه غني عن العالمين فليس لهم أن يمنوا بجهادهم، وإنما ينفعون بذلك أنفسهم ويمهدون لها سبل النجاة والسعادة.
٣- ولقد آلى الله على نفسه أن يتسامح في هفوات الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأن يجزيهم بأحسن أعمالهم.
والآيات وإن احتوت مواضيع أو معاني متنوعة. فإنها على ما هو المتبادر منها وحدة متماسكة. ولذلك اعتبرناها وحدة وفسرناها في سياق واحد.
تعليق على الروايات الواردة في صدد
الآيات الأولى [ ١-٧ ] من السورة
وما فيها من تلقينات جليلة.
ولقد روى المفسرون ١ روايات عديدة في سبب نزول هذه الآيات. منها أنها نزلت بمناسبة استشهاد بعض المؤمنين في وقعة بدر وجزع أهلهم عليهم. ومنها أنها نزلت في عمار بن ياسر الذي كان يعذبه مولاه. ومنها أنها نزلت في أناس مؤمنين منعهم أهلهم من قريش من الهجرة إلى المدينة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إليها فكتب لهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل منهم الإقرار بالإسلام حتى يهاجروا. فقرروا الخروج ومقاتلة من يمنعهم وخرجوا فتبعهم المشركون فاقتتلوا فقتل بعضهم ونجا بعضهم فأنزل الله فيهم ﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾ [ النحل : ١١٠ ]. وقد سمّى من هؤلاء سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن هذه الآيات والآيات الأربع التالية لها مدنية. وروى هذا البغوي وآخرون عن الشعبي من علماء التابعين وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. وإن كان الطبري يروي ما يرويه منها بطريق الإسناد المتسلسل إلى الصحابي أو التابعي. ومع أن الروايتين الأولى والثالثة يمكن أن توثق رواية مدنيتها فإننا نرجح أنها مكية. وأن المناسبة التي نزلت فيها هي من نوع ما روته الرواية الثانية. وهذه السورة من أواخر ما نزل من القرآن المكي وقد اشتد في هذه الظروف أذى الكفار وإزعاجهم للمسلمين مما يجعل الرواية الثانية هي الأوجه. وإن كنا نظن أنها أعم من حادث أذى عمار ؛ لأن هذا الأذى كان في وقت مبكر نوعا على ما تفيده الروايات وعلى ما تلهمه آيات سورة البروج وما روي في سياقها من أذى وتعذيب عمار وأبويه واستشهاد أبويه وشراء أبي بكر لعمار رضي الله عنهما مما ذكرناه في سياق تفسير هذه السورة.
ونظم الآيات والصورة التي تضمنتها أقرب إلى النظم المكي وصور العهد المكيّ منها إلى النظم المدنيّ وصور العهد المدنيّ. ولا تفهم أي حكمة في وضع آيات مدنية في أول سورة مكية بدون مناسبة نظمية وموضوعية. والآيات التي تلتها والتي يوجه الخطاب فيها إلى الكفار معطوفة عليها ولا خلاف في مكيتها. وليس لرواية مدنية الآيات إسناد صحيح.
وآية سورة النحل التي ذكرت إحدى الروايات أنها نزلت في الذين منعهم أهلهم من الهجرة إلى المدينة ثم هاجروا في آية مكية، وقد رجحنا في سياق تفسيرها نزولها في مناسبة ارتداد جماعة من المسلمين في مكة ثم فرارهم وعودتهم إلى الإسلام وهو ما يلهمه مضمونها بكل قوة ولا نراها تنطبق على ما ذكرته الرواية المذكورة.
ومع ما للآيات من خصوصية زمنية، فإن المسلم واجد فيها تلقينات جليلة قوية مستمرة المدى. فأمور الناس لا يمكن أن تسير على ما يشتهونه دائما. وهم معرضون للمصاعب والمشاق والأذى التي من شأنها أن تصهر النفوس وتميز قويها من ضعيفها وسليمها من زائفها وصادقها من كاذبها. والحكم على الناس وقيمهم إنما يأتي صائبا بعد مرورهم من الامتحان بالمصاعب والمشاق والأذى. فمن ثبت وصدق فهو القوي الصادق. ومن وهن وجزع فهو الضعيف الكاذب. والذين يثبتون ويصدقون في مقابلة المصاعب والمشاق ويصمدون لها بالتحمل والصبر ومجاهدة النفس إنما ينفعون أنفسهم في الدرجة الأولى، ولن ينجو من يعمل السوء ولن يضيع عمل من آمن وعمل الصالحات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
{ الم ١ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ١ ٢ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله ٢ الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ٣ أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ٤ من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ٥ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ٣ إن الله لغني عن العالمين ٦ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ٧ [ ١-٧ ].
بدأت السورة بحروف الألف واللام والميم المنقطعة التي رجحنا في أمثالها أنها للاسترعاء إلى خطوة ما بعدها. وهذا المطلع من المطالع القليلة التي لم يعقبها إشارة إلى القرآن مثل السورة السابقة.
وقد تضمنت الآية التالية للحروف سؤالا فيه معنى الإنكار والتعجب عما إذا كان يصح أن يظن الذين آمنوا أنهم لا يتعرضون للفتنة والامتحان، وأنه يكفيهم أن يقولوا آمنا وذكرت الآية الثالثة في مقام الجواب بأن الله قد جرت سنته على امتحان إيمان أمثالهم من قبلهم ليتميز الصادقون من الكاذبين. واحتوت الآية الرابعة سؤالا في معنى الإنكار والتنديد معطوفا على السؤال الأول عما إذا كان يظن الذين يقترفون السيئات أن يسبقوا الله ويفلتوا منه وبيانا في معرض الجواب بأنهم إن ظنوا ذلك فإنما يكون من سوء حكمهم على الأمور وخلطهم فيه.
وقد احتوت الآيات الخامسة والسادسة والسابعة تقريرات بالنسبة لأعمال المؤمنين وأثرها.
١ – فالذين يرجون لقاء الله وثوابه لهم أن يطمئنوا فإن هذا آت لا ريب فيه. والله سميع لكل ما يقال عليم بكل ما يفعل الناس ويضمرونه.
٢- والذين يجاهدون في الله لا ينفعون الله بجهادهم ؛ لأنه غني عن العالمين فليس لهم أن يمنوا بجهادهم، وإنما ينفعون بذلك أنفسهم ويمهدون لها سبل النجاة والسعادة.
٣- ولقد آلى الله على نفسه أن يتسامح في هفوات الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأن يجزيهم بأحسن أعمالهم.
والآيات وإن احتوت مواضيع أو معاني متنوعة. فإنها على ما هو المتبادر منها وحدة متماسكة. ولذلك اعتبرناها وحدة وفسرناها في سياق واحد.
تعليق على الروايات الواردة في صدد
الآيات الأولى [ ١-٧ ] من السورة
وما فيها من تلقينات جليلة.
ولقد روى المفسرون ١ روايات عديدة في سبب نزول هذه الآيات. منها أنها نزلت بمناسبة استشهاد بعض المؤمنين في وقعة بدر وجزع أهلهم عليهم. ومنها أنها نزلت في عمار بن ياسر الذي كان يعذبه مولاه. ومنها أنها نزلت في أناس مؤمنين منعهم أهلهم من قريش من الهجرة إلى المدينة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إليها فكتب لهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل منهم الإقرار بالإسلام حتى يهاجروا. فقرروا الخروج ومقاتلة من يمنعهم وخرجوا فتبعهم المشركون فاقتتلوا فقتل بعضهم ونجا بعضهم فأنزل الله فيهم ﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾ [ النحل : ١١٠ ]. وقد سمّى من هؤلاء سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن هذه الآيات والآيات الأربع التالية لها مدنية. وروى هذا البغوي وآخرون عن الشعبي من علماء التابعين وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. وإن كان الطبري يروي ما يرويه منها بطريق الإسناد المتسلسل إلى الصحابي أو التابعي. ومع أن الروايتين الأولى والثالثة يمكن أن توثق رواية مدنيتها فإننا نرجح أنها مكية. وأن المناسبة التي نزلت فيها هي من نوع ما روته الرواية الثانية. وهذه السورة من أواخر ما نزل من القرآن المكي وقد اشتد في هذه الظروف أذى الكفار وإزعاجهم للمسلمين مما يجعل الرواية الثانية هي الأوجه. وإن كنا نظن أنها أعم من حادث أذى عمار ؛ لأن هذا الأذى كان في وقت مبكر نوعا على ما تفيده الروايات وعلى ما تلهمه آيات سورة البروج وما روي في سياقها من أذى وتعذيب عمار وأبويه واستشهاد أبويه وشراء أبي بكر لعمار رضي الله عنهما مما ذكرناه في سياق تفسير هذه السورة.
ونظم الآيات والصورة التي تضمنتها أقرب إلى النظم المكي وصور العهد المكيّ منها إلى النظم المدنيّ وصور العهد المدنيّ. ولا تفهم أي حكمة في وضع آيات مدنية في أول سورة مكية بدون مناسبة نظمية وموضوعية. والآيات التي تلتها والتي يوجه الخطاب فيها إلى الكفار معطوفة عليها ولا خلاف في مكيتها. وليس لرواية مدنية الآيات إسناد صحيح.
وآية سورة النحل التي ذكرت إحدى الروايات أنها نزلت في الذين منعهم أهلهم من الهجرة إلى المدينة ثم هاجروا في آية مكية، وقد رجحنا في سياق تفسيرها نزولها في مناسبة ارتداد جماعة من المسلمين في مكة ثم فرارهم وعودتهم إلى الإسلام وهو ما يلهمه مضمونها بكل قوة ولا نراها تنطبق على ما ذكرته الرواية المذكورة.
ومع ما للآيات من خصوصية زمنية، فإن المسلم واجد فيها تلقينات جليلة قوية مستمرة المدى. فأمور الناس لا يمكن أن تسير على ما يشتهونه دائما. وهم معرضون للمصاعب والمشاق والأذى التي من شأنها أن تصهر النفوس وتميز قويها من ضعيفها وسليمها من زائفها وصادقها من كاذبها. والحكم على الناس وقيمهم إنما يأتي صائبا بعد مرورهم من الامتحان بالمصاعب والمشاق والأذى. فمن ثبت وصدق فهو القوي الصادق. ومن وهن وجزع فهو الضعيف الكاذب. والذين يثبتون ويصدقون في مقابلة المصاعب والمشاق ويصمدون لها بالتحمل والصبر ومجاهدة النفس إنما ينفعون أنفسهم في الدرجة الأولى، ولن ينجو من يعمل السوء ولن يضيع عمل من آمن وعمل الصالحات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
{ الم ١ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ١ ٢ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله ٢ الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ٣ أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ٤ من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ٥ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ٣ إن الله لغني عن العالمين ٦ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ٧ [ ١-٧ ].
بدأت السورة بحروف الألف واللام والميم المنقطعة التي رجحنا في أمثالها أنها للاسترعاء إلى خطوة ما بعدها. وهذا المطلع من المطالع القليلة التي لم يعقبها إشارة إلى القرآن مثل السورة السابقة.
وقد تضمنت الآية التالية للحروف سؤالا فيه معنى الإنكار والتعجب عما إذا كان يصح أن يظن الذين آمنوا أنهم لا يتعرضون للفتنة والامتحان، وأنه يكفيهم أن يقولوا آمنا وذكرت الآية الثالثة في مقام الجواب بأن الله قد جرت سنته على امتحان إيمان أمثالهم من قبلهم ليتميز الصادقون من الكاذبين. واحتوت الآية الرابعة سؤالا في معنى الإنكار والتنديد معطوفا على السؤال الأول عما إذا كان يظن الذين يقترفون السيئات أن يسبقوا الله ويفلتوا منه وبيانا في معرض الجواب بأنهم إن ظنوا ذلك فإنما يكون من سوء حكمهم على الأمور وخلطهم فيه.
وقد احتوت الآيات الخامسة والسادسة والسابعة تقريرات بالنسبة لأعمال المؤمنين وأثرها.
١ – فالذين يرجون لقاء الله وثوابه لهم أن يطمئنوا فإن هذا آت لا ريب فيه. والله سميع لكل ما يقال عليم بكل ما يفعل الناس ويضمرونه.
٢- والذين يجاهدون في الله لا ينفعون الله بجهادهم ؛ لأنه غني عن العالمين فليس لهم أن يمنوا بجهادهم، وإنما ينفعون بذلك أنفسهم ويمهدون لها سبل النجاة والسعادة.
٣- ولقد آلى الله على نفسه أن يتسامح في هفوات الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأن يجزيهم بأحسن أعمالهم.
والآيات وإن احتوت مواضيع أو معاني متنوعة. فإنها على ما هو المتبادر منها وحدة متماسكة. ولذلك اعتبرناها وحدة وفسرناها في سياق واحد.
تعليق على الروايات الواردة في صدد
الآيات الأولى [ ١-٧ ] من السورة
وما فيها من تلقينات جليلة.
ولقد روى المفسرون ١ روايات عديدة في سبب نزول هذه الآيات. منها أنها نزلت بمناسبة استشهاد بعض المؤمنين في وقعة بدر وجزع أهلهم عليهم. ومنها أنها نزلت في عمار بن ياسر الذي كان يعذبه مولاه. ومنها أنها نزلت في أناس مؤمنين منعهم أهلهم من قريش من الهجرة إلى المدينة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إليها فكتب لهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل منهم الإقرار بالإسلام حتى يهاجروا. فقرروا الخروج ومقاتلة من يمنعهم وخرجوا فتبعهم المشركون فاقتتلوا فقتل بعضهم ونجا بعضهم فأنزل الله فيهم ﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾ [ النحل : ١١٠ ]. وقد سمّى من هؤلاء سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن هذه الآيات والآيات الأربع التالية لها مدنية. وروى هذا البغوي وآخرون عن الشعبي من علماء التابعين وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. وإن كان الطبري يروي ما يرويه منها بطريق الإسناد المتسلسل إلى الصحابي أو التابعي. ومع أن الروايتين الأولى والثالثة يمكن أن توثق رواية مدنيتها فإننا نرجح أنها مكية. وأن المناسبة التي نزلت فيها هي من نوع ما روته الرواية الثانية. وهذه السورة من أواخر ما نزل من القرآن المكي وقد اشتد في هذه الظروف أذى الكفار وإزعاجهم للمسلمين مما يجعل الرواية الثانية هي الأوجه. وإن كنا نظن أنها أعم من حادث أذى عمار ؛ لأن هذا الأذى كان في وقت مبكر نوعا على ما تفيده الروايات وعلى ما تلهمه آيات سورة البروج وما روي في سياقها من أذى وتعذيب عمار وأبويه واستشهاد أبويه وشراء أبي بكر لعمار رضي الله عنهما مما ذكرناه في سياق تفسير هذه السورة.
ونظم الآيات والصورة التي تضمنتها أقرب إلى النظم المكي وصور العهد المكيّ منها إلى النظم المدنيّ وصور العهد المدنيّ. ولا تفهم أي حكمة في وضع آيات مدنية في أول سورة مكية بدون مناسبة نظمية وموضوعية. والآيات التي تلتها والتي يوجه الخطاب فيها إلى الكفار معطوفة عليها ولا خلاف في مكيتها. وليس لرواية مدنية الآيات إسناد صحيح.
وآية سورة النحل التي ذكرت إحدى الروايات أنها نزلت في الذين منعهم أهلهم من الهجرة إلى المدينة ثم هاجروا في آية مكية، وقد رجحنا في سياق تفسيرها نزولها في مناسبة ارتداد جماعة من المسلمين في مكة ثم فرارهم وعودتهم إلى الإسلام وهو ما يلهمه مضمونها بكل قوة ولا نراها تنطبق على ما ذكرته الرواية المذكورة.
ومع ما للآيات من خصوصية زمنية، فإن المسلم واجد فيها تلقينات جليلة قوية مستمرة المدى. فأمور الناس لا يمكن أن تسير على ما يشتهونه دائما. وهم معرضون للمصاعب والمشاق والأذى التي من شأنها أن تصهر النفوس وتميز قويها من ضعيفها وسليمها من زائفها وصادقها من كاذبها. والحكم على الناس وقيمهم إنما يأتي صائبا بعد مرورهم من الامتحان بالمصاعب والمشاق والأذى. فمن ثبت وصدق فهو القوي الصادق. ومن وهن وجزع فهو الضعيف الكاذب. والذين يثبتون ويصدقون في مقابلة المصاعب والمشاق ويصمدون لها بالتحمل والصبر ومجاهدة النفس إنما ينفعون أنفسهم في الدرجة الأولى، ولن ينجو من يعمل السوء ولن يضيع عمل من آمن وعمل الصالحات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:بسم الله الرحمان الرحيم
{ الم ١ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ١ ٢ ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله ٢ الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ٣ أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ٤ من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ٥ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ٣ إن الله لغني عن العالمين ٦ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم ولنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون ٧ [ ١-٧ ].
بدأت السورة بحروف الألف واللام والميم المنقطعة التي رجحنا في أمثالها أنها للاسترعاء إلى خطوة ما بعدها. وهذا المطلع من المطالع القليلة التي لم يعقبها إشارة إلى القرآن مثل السورة السابقة.
وقد تضمنت الآية التالية للحروف سؤالا فيه معنى الإنكار والتعجب عما إذا كان يصح أن يظن الذين آمنوا أنهم لا يتعرضون للفتنة والامتحان، وأنه يكفيهم أن يقولوا آمنا وذكرت الآية الثالثة في مقام الجواب بأن الله قد جرت سنته على امتحان إيمان أمثالهم من قبلهم ليتميز الصادقون من الكاذبين. واحتوت الآية الرابعة سؤالا في معنى الإنكار والتنديد معطوفا على السؤال الأول عما إذا كان يظن الذين يقترفون السيئات أن يسبقوا الله ويفلتوا منه وبيانا في معرض الجواب بأنهم إن ظنوا ذلك فإنما يكون من سوء حكمهم على الأمور وخلطهم فيه.
وقد احتوت الآيات الخامسة والسادسة والسابعة تقريرات بالنسبة لأعمال المؤمنين وأثرها.
١ – فالذين يرجون لقاء الله وثوابه لهم أن يطمئنوا فإن هذا آت لا ريب فيه. والله سميع لكل ما يقال عليم بكل ما يفعل الناس ويضمرونه.
٢- والذين يجاهدون في الله لا ينفعون الله بجهادهم ؛ لأنه غني عن العالمين فليس لهم أن يمنوا بجهادهم، وإنما ينفعون بذلك أنفسهم ويمهدون لها سبل النجاة والسعادة.
٣- ولقد آلى الله على نفسه أن يتسامح في هفوات الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأن يجزيهم بأحسن أعمالهم.
والآيات وإن احتوت مواضيع أو معاني متنوعة. فإنها على ما هو المتبادر منها وحدة متماسكة. ولذلك اعتبرناها وحدة وفسرناها في سياق واحد.
تعليق على الروايات الواردة في صدد
الآيات الأولى [ ١-٧ ] من السورة
وما فيها من تلقينات جليلة.
ولقد روى المفسرون ١ روايات عديدة في سبب نزول هذه الآيات. منها أنها نزلت بمناسبة استشهاد بعض المؤمنين في وقعة بدر وجزع أهلهم عليهم. ومنها أنها نزلت في عمار بن ياسر الذي كان يعذبه مولاه. ومنها أنها نزلت في أناس مؤمنين منعهم أهلهم من قريش من الهجرة إلى المدينة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون إليها فكتب لهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل منهم الإقرار بالإسلام حتى يهاجروا. فقرروا الخروج ومقاتلة من يمنعهم وخرجوا فتبعهم المشركون فاقتتلوا فقتل بعضهم ونجا بعضهم فأنزل الله فيهم ﴿ ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم ﴾ [ النحل : ١١٠ ]. وقد سمّى من هؤلاء سلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد. وقد روى المصحف الذي اعتمدناه أن هذه الآيات والآيات الأربع التالية لها مدنية. وروى هذا البغوي وآخرون عن الشعبي من علماء التابعين وليس شيء من هذه الروايات واردا في كتب الأحاديث الصحيحة. وإن كان الطبري يروي ما يرويه منها بطريق الإسناد المتسلسل إلى الصحابي أو التابعي. ومع أن الروايتين الأولى والثالثة يمكن أن توثق رواية مدنيتها فإننا نرجح أنها مكية. وأن المناسبة التي نزلت فيها هي من نوع ما روته الرواية الثانية. وهذه السورة من أواخر ما نزل من القرآن المكي وقد اشتد في هذه الظروف أذى الكفار وإزعاجهم للمسلمين مما يجعل الرواية الثانية هي الأوجه. وإن كنا نظن أنها أعم من حادث أذى عمار ؛ لأن هذا الأذى كان في وقت مبكر نوعا على ما تفيده الروايات وعلى ما تلهمه آيات سورة البروج وما روي في سياقها من أذى وتعذيب عمار وأبويه واستشهاد أبويه وشراء أبي بكر لعمار رضي الله عنهما مما ذكرناه في سياق تفسير هذه السورة.
ونظم الآيات والصورة التي تضمنتها أقرب إلى النظم المكي وصور العهد المكيّ منها إلى النظم المدنيّ وصور العهد المدنيّ. ولا تفهم أي حكمة في وضع آيات مدنية في أول سورة مكية بدون مناسبة نظمية وموضوعية. والآيات التي تلتها والتي يوجه الخطاب فيها إلى الكفار معطوفة عليها ولا خلاف في مكيتها. وليس لرواية مدنية الآيات إسناد صحيح.
وآية سورة النحل التي ذكرت إحدى الروايات أنها نزلت في الذين منعهم أهلهم من الهجرة إلى المدينة ثم هاجروا في آية مكية، وقد رجحنا في سياق تفسيرها نزولها في مناسبة ارتداد جماعة من المسلمين في مكة ثم فرارهم وعودتهم إلى الإسلام وهو ما يلهمه مضمونها بكل قوة ولا نراها تنطبق على ما ذكرته الرواية المذكورة.
ومع ما للآيات من خصوصية زمنية، فإن المسلم واجد فيها تلقينات جليلة قوية مستمرة المدى. فأمور الناس لا يمكن أن تسير على ما يشتهونه دائما. وهم معرضون للمصاعب والمشاق والأذى التي من شأنها أن تصهر النفوس وتميز قويها من ضعيفها وسليمها من زائفها وصادقها من كاذبها. والحكم على الناس وقيمهم إنما يأتي صائبا بعد مرورهم من الامتحان بالمصاعب والمشاق والأذى. فمن ثبت وصدق فهو القوي الصادق. ومن وهن وجزع فهو الضعيف الكاذب. والذين يثبتون ويصدقون في مقابلة المصاعب والمشاق ويصمدون لها بالتحمل والصبر ومجاهدة النفس إنما ينفعون أنفسهم في الدرجة الأولى، ولن ينجو من يعمل السوء ولن يضيع عمل من آمن وعمل الصالحات.
وفي هاتين الآيتين : إشارة إلى ما أوجب الله على الأبناء من إحسان معاملتهم مع والديهم مع استثناء إطاعتهما في الشرك بالله إذا أمرا به أولادهما مهما جاهداهم وألحّا عليهم في ذلك، وبيان كون الله هو مرجع الناس جميعا فيفصل بينهم في أعمالهم. وتوكيد كون الله سيدخل المؤمنين الذي يعملون الصالحات في عداد الصالحين من عباده.
ولقد ورد في سورة لقمان مثل الوصية التي احتوتها الآية الأولى كما ورد شيء يقارب في سورة الأحقاف. وقد قال المفسرون ١ : إن هاتين الآيتين قد نزلتا أيضا في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأمه كما قالوا هذا في سياق آيات سورة لقمان بل وفي سياق آيات سورة الأحقاف على ما ذكرناه في سياق السورتين. ومنهم من ذكر أنهما نزلتا في مسلم آخر عصى وهاجر إلى المدينة فأخذ أبواه يلحّان عليه ليرتد عن الإسلام ويعود إليهما. ولقد سلكت الآيتان في سلك رواية مدنية الآيات في أول السورة إلى آخر الآية الحادية عشر، ولعل الرواية الأخيرة هي سبب ذلك.
تعليق على آية
﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ﴾ الخ.
والآية التالية لها
وروح الآيتين ونظمهما ومضمونهما من جهة وورود ما يماثلهما في آيات لا خلاف في مكيتها من جهة أخرى يجعلاننا نرى فيها صورة من صور العهد المكيّ أكثر من العهد المدنيّ، ونشك في رواية مدنيتهما كما شككنا في رواية مدنية الآيات السبع السابقة. وليس من شأن رواية كونهما نزلتا في مسلم مهاجر إلى المدينة ومحاولة أبويه حمله على الارتداد والعودة إليهما في مكة أن تضعف من شكنا لأنها غير وثيقة الإسناد وغير معقولة الحدوث ؛ ولأن طابع الآيتين مماثل لطابع الآيات المكية المماثلة، ومضمونها متسق مع ظروف العهد المكي أكثر.
ولقد آمن عدد كبير من شباب قريش وشاباتهم رغم بقاء آبائهم على الشرك والجحود ومناوأتهم الشديدة للنبي ودعوته. وكان بعض هؤلاء الآباء من الزعماء البارزين، وقد اضطر أكثر هؤلاء الشباب المسلمين إلى الهجرة إلى الحبشة هربا من ضغط آبائهم واضطهادهم ٢. فالمتبادر أن حوادث ضغط الآباء على الأبناء قد تكررت وتعددت فاقتضت حكمة التنزيل تكرار الأمر والتنبيه.
والصلة بين الآيتين والآيات التي قبلهما وبعدهما لا تبدو واضحة. غير أننا نستبعد – بناء على ما لمسناه من انسجام الآيات المكية وتسلسل اتصالها ببعضها - أن لا يكون للآيتين صلة ما بسابقهما أو لاحقهما، وأن يكونا قد أقحمتا في موضعهما إقحاما. ومما خطر على بالنا أن تكون الفتنة التي ذكرت في الآيات السابقة متصلة بموقف من مواقف الضغط من الآباء على الأبناء، أو أن يكون هذا من صورها ومشاهدها، فهو بدون ريب موقف محرج يمكن أن يكون فيه امتحان للمؤمن في إيمانه ليتميز الصادق من الكاذب فيه. وبهذا الذي نرجو إن شاء الله أن يكون وجيها تتصل الآيتان بالآيات السابقة.
٢ انظر سيرة ابن هشام القسم الأول ص ٣٢١-٣٤١ طبعة ثانية..
في الآية الأولى إشارة تنديدية إلى من يدّعي الإيمان بالله في وقت السعة والعافية حتى إذا تعرض في سبيل إيمانه لأذى الناس جعل أذى الناس وعذاب الله الموعود للكافرين والمنافقين في مستوى واحد فعمد إلى المداراة والمراءاة ليتقي عذاب الناس وآذاهم. ثم إذا فتح الله على المؤمنين ونصرهم وفرج عنهم سارع إلى توثيق رابطته بهم وتوكيد دعواه بأنه منهم. وقد تساءلت نهاية الآية في معرض الإنكار والتنديد عما إذا كان أمثال هؤلاء لا يعرفون أن الله تعالى هو الأعلم بما في صدور الناس.
أما الآية الثانية : فمن المحتمل أن تكون تضمنت توكيدا بأن الله تعالى يعلم المؤمنين الصادقين في إيمانهم ويعلم المنافقين فيه. أو تكون قد قصدت تقرير كون ما حكته الآية الأولى امتحانا يمتحن الله به الذين يقولون آمنا ليظهر المؤمن الصادق من المنافق.
تعليق على آية
﴿ ومن الناس من يقول آمنا بالله ﴾ الخ
والآية التالية لها وتلقيناتها
والآيتان تمام الآيات الإحدى عشر التي ذكر المصحف الذي اعتمدناه أنها مدنية وقد روى المفسرون ١ أنهما نزلتا في أناس كانوا أسلموا وتخلفوا عن الهجرة إلى المدينة وأكرههم زعماء قريش على الخروج معهم إلى بدر فلما انتصر المسلمون في وقعة بدر قالوا : إنا مسلمون وإنا خرجنا مكرهين وطالبوا بحصة من الغنائم. كما رووا أنهما نزلتا في أناس من المنافقين في مكة إذا أوذوا وأصابهم بلاء من المشركين رجعوا إلى الكفر تفاديا من الأذى.
ومع ما يبدو من اتساق بين الرواية الأولى والقسم الأول من الآية الأولى، فإن القسم الثاني منها والآية الثانية تنقضان ذلك. فإذا كان هؤلاء قد انحازوا إلى جانب المسلمين أثناء وقعة بدر فيكونون قد انحازوا مخلصين حالما أمكنتهم الفرصة ولا ينطبق عليهم وصف المنافق. وإذا لم يكونوا قد انحازوا أثناء الوقعة فلا يكون محل لادعائهم ؛ لأن الفرصة أمكنتهم للانحياز فلم يغتنموها. ولذلك نحن نشك في صحة الرواية والمناسبة. هذا مع التنبيه على أن الرواية لا تستند إلى إسناد صحيح.
ووصف ﴿ المنافقين ﴾ من الأوصاف القرآنية المدنية، كما أن الصورة التي احتواها القسم الثاني من الآية الأولى مماثلة لصورة مدنية حكتها آيات مدنية عن المنافقين منها هذه الآية في سورة النساء ﴿ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ١٤١. ﴾ ولكن القسم الأول من الآية الأولى ينقض هذا ؛ لأن الصورة التي احتواها هي صورة مكية، من حيث إن المؤمنين إنما كانوا يتعرضون للأذى في مكة. ولهذا فنحن نرى الرواية الثانية التي رواها الطبري والبغوي عن الضحاك ومجاهد هي الأوجه ونرجح بالتبعية مكية الآيتين أسوة بسابقاتهما وبسبب ما تلهمه الآيات الآتية بعدهما من جهة ؛ ولأنه ليس من مناسبة أو سياق يبرر أن احتمال مدنيتهما بدون تناقض كما أن حكمة وضعهما هنا – لو كانتا مدنيتين حقا – غير ظاهرة من جهة أخرى.
ويتبادر لنا أن الصلة قائمة بينهما وبين الآيات السابقة لهما مهما بدا عكس ذلك لأول وهلة. فقد احتوتا مشهدا من المشاهد التي كانت تظهر في صفوف المسلمين مثل ما احتوت سابقاتهما. وبينما احتوت الآيتان السابقتان لهما مباشرة وعدا وبشرى احتوت هاتان وعيدا وتنديدا حسب الصورة التي انطوت في كل من الجملتين. ولعل من الممكن لمس الارتباط بينهما وبين الآيات الأولى من السورة بما انطوت عليه هذه الآيات من ذكر احتمال تعرض المؤمنين للفتنة والامتحان. ثم ما احتوته الآيتان السابقتان لهما مباشرة من صورة من صور الفتنة احتوتاهما هما من صورة أخرى من صورها. أما تعبير ﴿ المنافقين ﴾ فليس في رأينا قرينة قاطعة على مدنية الآيتين. فالكلمة بمعنى المرائين ومرضى القلب والهائبين والمترددين والمتخوفين. وليست هذه الصورة مستحيلة الظهور في العهد المكي بين صفوف المسلمين.
ولقد احتوت إحدى آيات سورة النحل التي مر تفسيرها ما يفيد أن بعض الذين آمنوا ارتدوا في العهد المكي وشرحوا صدرا بالكفر وبعضهم ارتد مكرها أو فتن عن دينه، ثم عاد إلى الإسلام على ما مر شرحه. وقد يكون في هذا مصداق مؤيد لتوجيهنا إن شاء الله. ومع ما يمكن للصورة التي تضمنتها الآيتان من خصوصية زمنية فإنهما انطوتا على تلقين قرآني جليل في صدد صورة أو حالة يمكن أن تظهر في كل وقت ومكان وتستحق التنديد والتقريع. فصدق إيمان المرء إنما يثبت حينما يتعرض للامتحان من أذى أو إغراء، فإذا لم يتضعضع فهو المؤمن حقا المستحق لرضوان الله وثوابه. أما الذين يتظاهرون بالإيمان في أوقات السعة والعافية أو لقاء منافع ومغريات ثم يتنكرون لإيمانهم وقت الشدة فهم المنافقون الذين ليس لهم في صفوف المخلصين مكان، المستحقون لسخط الله وغضبه وعقابه ولسخط الصادقين من المؤمنين ونبذهم واحتقارهم. وبناء على هذا لم نر محلا للتعليق هنا على النفاق والمنافقين وإيراد الأحاديث الواردة فيهم بمناسبة ورود الكلمة ورأينا تأجيل ذلك إلى سورة البقرة المدنية التي ذكروا ووصفوا في الآيات الأولى منها.
في الآية الأولى إشارة تنديدية إلى من يدّعي الإيمان بالله في وقت السعة والعافية حتى إذا تعرض في سبيل إيمانه لأذى الناس جعل أذى الناس وعذاب الله الموعود للكافرين والمنافقين في مستوى واحد فعمد إلى المداراة والمراءاة ليتقي عذاب الناس وآذاهم. ثم إذا فتح الله على المؤمنين ونصرهم وفرج عنهم سارع إلى توثيق رابطته بهم وتوكيد دعواه بأنه منهم. وقد تساءلت نهاية الآية في معرض الإنكار والتنديد عما إذا كان أمثال هؤلاء لا يعرفون أن الله تعالى هو الأعلم بما في صدور الناس.
أما الآية الثانية : فمن المحتمل أن تكون تضمنت توكيدا بأن الله تعالى يعلم المؤمنين الصادقين في إيمانهم ويعلم المنافقين فيه. أو تكون قد قصدت تقرير كون ما حكته الآية الأولى امتحانا يمتحن الله به الذين يقولون آمنا ليظهر المؤمن الصادق من المنافق.
تعليق على آية
﴿ ومن الناس من يقول آمنا بالله ﴾ الخ
والآية التالية لها وتلقيناتها
والآيتان تمام الآيات الإحدى عشر التي ذكر المصحف الذي اعتمدناه أنها مدنية وقد روى المفسرون ١ أنهما نزلتا في أناس كانوا أسلموا وتخلفوا عن الهجرة إلى المدينة وأكرههم زعماء قريش على الخروج معهم إلى بدر فلما انتصر المسلمون في وقعة بدر قالوا : إنا مسلمون وإنا خرجنا مكرهين وطالبوا بحصة من الغنائم. كما رووا أنهما نزلتا في أناس من المنافقين في مكة إذا أوذوا وأصابهم بلاء من المشركين رجعوا إلى الكفر تفاديا من الأذى.
ومع ما يبدو من اتساق بين الرواية الأولى والقسم الأول من الآية الأولى، فإن القسم الثاني منها والآية الثانية تنقضان ذلك. فإذا كان هؤلاء قد انحازوا إلى جانب المسلمين أثناء وقعة بدر فيكونون قد انحازوا مخلصين حالما أمكنتهم الفرصة ولا ينطبق عليهم وصف المنافق. وإذا لم يكونوا قد انحازوا أثناء الوقعة فلا يكون محل لادعائهم ؛ لأن الفرصة أمكنتهم للانحياز فلم يغتنموها. ولذلك نحن نشك في صحة الرواية والمناسبة. هذا مع التنبيه على أن الرواية لا تستند إلى إسناد صحيح.
ووصف ﴿ المنافقين ﴾ من الأوصاف القرآنية المدنية، كما أن الصورة التي احتواها القسم الثاني من الآية الأولى مماثلة لصورة مدنية حكتها آيات مدنية عن المنافقين منها هذه الآية في سورة النساء ﴿ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ١٤١. ﴾ ولكن القسم الأول من الآية الأولى ينقض هذا ؛ لأن الصورة التي احتواها هي صورة مكية، من حيث إن المؤمنين إنما كانوا يتعرضون للأذى في مكة. ولهذا فنحن نرى الرواية الثانية التي رواها الطبري والبغوي عن الضحاك ومجاهد هي الأوجه ونرجح بالتبعية مكية الآيتين أسوة بسابقاتهما وبسبب ما تلهمه الآيات الآتية بعدهما من جهة ؛ ولأنه ليس من مناسبة أو سياق يبرر أن احتمال مدنيتهما بدون تناقض كما أن حكمة وضعهما هنا – لو كانتا مدنيتين حقا – غير ظاهرة من جهة أخرى.
ويتبادر لنا أن الصلة قائمة بينهما وبين الآيات السابقة لهما مهما بدا عكس ذلك لأول وهلة. فقد احتوتا مشهدا من المشاهد التي كانت تظهر في صفوف المسلمين مثل ما احتوت سابقاتهما. وبينما احتوت الآيتان السابقتان لهما مباشرة وعدا وبشرى احتوت هاتان وعيدا وتنديدا حسب الصورة التي انطوت في كل من الجملتين. ولعل من الممكن لمس الارتباط بينهما وبين الآيات الأولى من السورة بما انطوت عليه هذه الآيات من ذكر احتمال تعرض المؤمنين للفتنة والامتحان. ثم ما احتوته الآيتان السابقتان لهما مباشرة من صورة من صور الفتنة احتوتاهما هما من صورة أخرى من صورها. أما تعبير ﴿ المنافقين ﴾ فليس في رأينا قرينة قاطعة على مدنية الآيتين. فالكلمة بمعنى المرائين ومرضى القلب والهائبين والمترددين والمتخوفين. وليست هذه الصورة مستحيلة الظهور في العهد المكي بين صفوف المسلمين.
ولقد احتوت إحدى آيات سورة النحل التي مر تفسيرها ما يفيد أن بعض الذين آمنوا ارتدوا في العهد المكي وشرحوا صدرا بالكفر وبعضهم ارتد مكرها أو فتن عن دينه، ثم عاد إلى الإسلام على ما مر شرحه. وقد يكون في هذا مصداق مؤيد لتوجيهنا إن شاء الله. ومع ما يمكن للصورة التي تضمنتها الآيتان من خصوصية زمنية فإنهما انطوتا على تلقين قرآني جليل في صدد صورة أو حالة يمكن أن تظهر في كل وقت ومكان وتستحق التنديد والتقريع. فصدق إيمان المرء إنما يثبت حينما يتعرض للامتحان من أذى أو إغراء، فإذا لم يتضعضع فهو المؤمن حقا المستحق لرضوان الله وثوابه. أما الذين يتظاهرون بالإيمان في أوقات السعة والعافية أو لقاء منافع ومغريات ثم يتنكرون لإيمانهم وقت الشدة فهم المنافقون الذين ليس لهم في صفوف المخلصين مكان، المستحقون لسخط الله وغضبه وعقابه ولسخط الصادقين من المؤمنين ونبذهم واحتقارهم. وبناء على هذا لم نر محلا للتعليق هنا على النفاق والمنافقين وإيراد الأحاديث الواردة فيهم بمناسبة ورود الكلمة ورأينا تأجيل ذلك إلى سورة البقرة المدنية التي ذكروا ووصفوا في الآيات الأولى منها.
في الآيتين : حكاية لبعض ما كان يقوله الكفار للمسلمين ؛ حيث كانوا يقولون لهم على سبيل الحجاج أو التحدي أو الإنكار : اتبعونا فيما نحن عليه من دين وتقاليد ودعوا دينكم الجديد ونحن نحمل عنكم وزر خطأكم وما تخافونه من عقاب وعذاب، وتزييف رباني لهم في معرض الردّ ؛ فهم كاذبون فيما يقولون ولن يحملوا عنهم شيئا. بل إنهم سوف يحملون يوم القيامة أوزارهم وأوزارا أخرى معها، وسوف يحاسبون على جرائمهم ومفترياتهم.
ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيتين ولقد احتوت الآية الأولى مشهدا من المشاهد التي كانت تقع في أثناء الدعوة في العهد المكي والتشاد والتجاذب اللذين كانا يجريان بين بعض المسلمين والكفار من آباء وأبناء وأقارب وأصدقاء مما حكت بعضه الآيات السابقة، ومما يجعل الصلة قائمة بين الآيتين والآيات السابقة. ومما يقوم قرينة مؤيدة لترجيحنا بأن الآيات السابقة هي مكية مثل هاتين الآيتين المعطوفتين عليها وليست مدنية كما ذكرت الروايات.
وإلى ما ذكرناه فإن الآية الأولى تنطوي على أسلوب طريف من أساليب الجدل والحوار التي كان يعتمد عليها الكفار فإنهم كما كانوا يعمدون إلى الأذى والضغط أحيانا وإلى التشويش والتشكيك أحيانا، وإلى المراوغة والخديعة أحيانا. كما حكت آيات عديدة مرت أمثلة منها، كانوا يعمدون إلى التعهد للمؤمنين بتحمل مسؤولياتهم عن خطيئاتهم وذنوبهم وكفرهم إذا عادوا إلى دين آبائهم وتقاليدهم وسبيلهم !.
والمتبارد أن الذين كانوا يعمدون إلى هذه الأساليب هم الزعماء. وقد روى المفسرون ١ في سياق هاتين الآيتين اسم أبي سفيان. والغالب أن هذا القول صدر منه أو من غيره لبعض المسلمين في سياق الجدل والحجاج وادعاء التفاضل والهدى أو كجواب على اعتذار المؤمنين بأنهم يخافون الله واليوم الآخر. والآية تدل على أنه لم يكن بين المسلمين والكفار قطيعة تامة أو عداء شديد. أو أن من الفريقين من كان يتلاقى ويتجادل بشيء من الهدوء. وهذا ما استدللنا عليه من آيات أخرى سبق تفسيرها.
في الآيتين : حكاية لبعض ما كان يقوله الكفار للمسلمين ؛ حيث كانوا يقولون لهم على سبيل الحجاج أو التحدي أو الإنكار : اتبعونا فيما نحن عليه من دين وتقاليد ودعوا دينكم الجديد ونحن نحمل عنكم وزر خطأكم وما تخافونه من عقاب وعذاب، وتزييف رباني لهم في معرض الردّ ؛ فهم كاذبون فيما يقولون ولن يحملوا عنهم شيئا. بل إنهم سوف يحملون يوم القيامة أوزارهم وأوزارا أخرى معها، وسوف يحاسبون على جرائمهم ومفترياتهم.
ولم نطلع على رواية خاصة في مناسبة نزول الآيتين ولقد احتوت الآية الأولى مشهدا من المشاهد التي كانت تقع في أثناء الدعوة في العهد المكي والتشاد والتجاذب اللذين كانا يجريان بين بعض المسلمين والكفار من آباء وأبناء وأقارب وأصدقاء مما حكت بعضه الآيات السابقة، ومما يجعل الصلة قائمة بين الآيتين والآيات السابقة. ومما يقوم قرينة مؤيدة لترجيحنا بأن الآيات السابقة هي مكية مثل هاتين الآيتين المعطوفتين عليها وليست مدنية كما ذكرت الروايات.
وإلى ما ذكرناه فإن الآية الأولى تنطوي على أسلوب طريف من أساليب الجدل والحوار التي كان يعتمد عليها الكفار فإنهم كما كانوا يعمدون إلى الأذى والضغط أحيانا وإلى التشويش والتشكيك أحيانا، وإلى المراوغة والخديعة أحيانا. كما حكت آيات عديدة مرت أمثلة منها، كانوا يعمدون إلى التعهد للمؤمنين بتحمل مسؤولياتهم عن خطيئاتهم وذنوبهم وكفرهم إذا عادوا إلى دين آبائهم وتقاليدهم وسبيلهم !.
والمتبارد أن الذين كانوا يعمدون إلى هذه الأساليب هم الزعماء. وقد روى المفسرون ١ في سياق هاتين الآيتين اسم أبي سفيان. والغالب أن هذا القول صدر منه أو من غيره لبعض المسلمين في سياق الجدل والحجاج وادعاء التفاضل والهدى أو كجواب على اعتذار المؤمنين بأنهم يخافون الله واليوم الآخر. والآية تدل على أنه لم يكن بين المسلمين والكفار قطيعة تامة أو عداء شديد. أو أن من الفريقين من كان يتلاقى ويتجادل بشيء من الهدوء. وهذا ما استدللنا عليه من آيات أخرى سبق تفسيرها.
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية عن بعض الأنبياء والأمم السابقة جاءت بعد حكاية أقوال الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة. ومن هنا تكون السلسلة متصلة بالسياق بطبيعة الحال. وقد استهدفت التذكير والإنذار والعظة بالنسبة للكفار، والتنويه والتثبيت والتطمين بالنسبة للمسلمين أسوة بمثيلاتها.
وفي هذه الحلقة شيء جديد لم يسبق ذكره. وهو خبر لبث نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما في قومه. ولقد جعل هذا بعض الباحثين يعيدون ويبدون ويعلقون تعليقات متنوعة. وفي كتب التفسير أقوال على هامش هذه الآية عن عمر نوح والمدة التي عاشها قبل الطوفان وبعده ليست وثيقة السند. ونقول هنا كما قلنا في المناسبات السابقة : إن واجب المسلم أن يؤمن بكل ما أخبر به القرآن من أخبار الأنبياء والأمم والوقوف عند هذا الحد وعند ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث. وأن يؤمن أنه لابد من أن يكون لما يجيء في القرآن والأحاديث الثابتة من حكمة، وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى هذا في صدد الخبر المذكور فهو أن بعض المفسرين ١ قالوا : إن حكمة ذكر المدة هي تسلية النبي والتسرية عنه وهو قول وجيه منسجم مع أهداف القصة القرآنية. كذلك فإن سفر التكوين ذكر في الإصحاح التاسع نفس المدة عمرا لنوح. ولا بد من أين يكون السامعون أو بعضهم يعرفون ذلك. وفي هذا ما يدعم تأثير تلك الحكمة والهدف. ولقد ورد في سورة القمر جملة مقاربة لجملة ﴿ فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ﴾ في سياق قصة نوح وسفينته وطوفانه. وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
هذه الآيات حلقة من سلسلة قصصية عن بعض الأنبياء والأمم السابقة جاءت بعد حكاية أقوال الكفار والتنديد بهم وإنذارهم جريا على الأسلوب القرآني على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة. ومن هنا تكون السلسلة متصلة بالسياق بطبيعة الحال. وقد استهدفت التذكير والإنذار والعظة بالنسبة للكفار، والتنويه والتثبيت والتطمين بالنسبة للمسلمين أسوة بمثيلاتها.
وفي هذه الحلقة شيء جديد لم يسبق ذكره. وهو خبر لبث نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما في قومه. ولقد جعل هذا بعض الباحثين يعيدون ويبدون ويعلقون تعليقات متنوعة. وفي كتب التفسير أقوال على هامش هذه الآية عن عمر نوح والمدة التي عاشها قبل الطوفان وبعده ليست وثيقة السند. ونقول هنا كما قلنا في المناسبات السابقة : إن واجب المسلم أن يؤمن بكل ما أخبر به القرآن من أخبار الأنبياء والأمم والوقوف عند هذا الحد وعند ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أحاديث. وأن يؤمن أنه لابد من أن يكون لما يجيء في القرآن والأحاديث الثابتة من حكمة، وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى هذا في صدد الخبر المذكور فهو أن بعض المفسرين ١ قالوا : إن حكمة ذكر المدة هي تسلية النبي والتسرية عنه وهو قول وجيه منسجم مع أهداف القصة القرآنية. كذلك فإن سفر التكوين ذكر في الإصحاح التاسع نفس المدة عمرا لنوح. ولا بد من أين يكون السامعون أو بعضهم يعرفون ذلك. وفي هذا ما يدعم تأثير تلك الحكمة والهدف. ولقد ورد في سورة القمر جملة مقاربة لجملة ﴿ فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين ﴾ في سياق قصة نوح وسفينته وطوفانه. وعلقنا عليها بما يغني عن التكرار.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:﴿ وإبراهيم إذا قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ١٦ إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ١ إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ١٧ وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين ١٨ أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ١٩ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ٢٠ يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ٢١ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير ٢٢ والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي ٢ وأولئك لهم عذاب أليم ٢٣ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ٢٤ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ٣ ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين ٢٥ فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ٢٦ ﴾ [ ١٦-٢٧ ].
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:﴿ وإبراهيم إذا قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ١٦ إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ١ إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ١٧ وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين ١٨ أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ١٩ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ٢٠ يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ٢١ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير ٢٢ والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي ٢ وأولئك لهم عذاب أليم ٢٣ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ٢٤ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ٣ ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين ٢٥ فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ٢٦ ﴾ [ ١٦-٢٧ ].
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:﴿ وإبراهيم إذا قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ١٦ إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا ١ إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون ١٧ وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين ١٨ أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير ١٩ قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ٢٠ يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون ٢١ وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء ومالكم من دون الله من ولي ولا نصير ٢٢ والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي ٢ وأولئك لهم عذاب أليم ٢٣ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ٢٤ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ٣ ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين ٢٥ فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ٢٦ ﴾ [ ١٦-٢٧ ].
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثانية من السلسلة. ولا تحتاج عبارتها إلى أداء آخر. وجل ما جاء فيها جاء في سور أخرى وبخاصة في سورة الأنبياء مما علقنا عليه بما رأينا فيه الكفاية.
وإن كان من شيء يحسن أن يضاف إلى ذلك فهو حكاية أقوال إبراهيم عليه السلام بسبيل الاحتجاج على قومه مما فيه بعض الجديد ومما تكرر مثله في السور السابقة تقريرا موجها إلى الناس أو الكفار أو أمرا موجها إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقوله للناس أو الكفار، حيث يتبادر لنا من خلال ذلك حكمة سامية في حكاية أقوال مماثلة صادرة عن من ينتسب السامعون العرب إليه أو بعضهم ويزعمون أنهم على ملته بسبيل إفحامهم والتنديد بهم.
وفي الحلقة حكاية لتآمر قوم إبراهيم على قتله أو تحريقه. ولقد جاء هذا أيضا في سورة الأنبياء. غير أننا نرى في تكراره هنا أمرا متصلا بالسيرة النبوية. فهذه السورة كما قلنا من آخر ما نزل في مكة من القرآن. وكان زعماء قريش في ظروف نزولها يتآمرون على قتل النبي أو حبسه أو نفيه على ما ذكرته آية سورة الأنفال هذه ﴿ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ٣٠ ﴾ ؛ لأنه كان قد اتفق مع زعماء الأوس والخزرج في المدينة وآمنوا به وأخذ الإسلام ينتشر في المدينة وأخذ المؤمنون يهاجرون من مكة إليها وأخذ هو يتهيأ للهجرة إليها فشعر زعماء قريش بخطر داهم من جراء ذلك ؛ لأن المدينة طريق قوافلهم وستصبح تحت سلطانه. عدا عن احتمال اتساع نطاق دعوته واشتداد قوته وعواقب ذلك عليهم فأرادوا أن يحولوا دونه. فالمتبادر أن تكون حكمة ما جاء في القصة متصلة بهدف التطمين والتشجيع في موقف متماثل، بين ما حكي عن إبراهيم وقومه وبين ما كان بين النبي وقومه.
ويلحظ أن إبراهيم قال بعد أن نجاه الله من النار : إني مهاجر إلى ربي. والمتبادر أيضا أن تكون حكمة حكاية ذلك متصلة بما كان من إزماع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة وبقصد تلقينه بأن إبراهيم قد فعل ذلك من قبل، وملته هي ملة إبراهيم.
ولقد روى الطبري عن ابن عباس وبعض علماء التابعين في تأويل جملة ﴿ وآتيناه أجره في الدنيا ﴾ أنها بمعنى الولد الصالح أو الثناء والذكر الحسن أو جعل ملته متبعة، وما في ذلك من نصيب له في أجر المتبعين. وكل هذا مما تتحمله العبارة التي تنطوي على تلقين مستمر المدى بأن الله تعالى ييسر وينعم على الصالحين المستقيمين الخير والكرامة في الدنيا أيضا بالإضافة إلى الآخرة مما انطوى في آيات عديدة مر تفسيرها.
ويلحظ أن الآية [ ٢٧ ] اقتصرت على القول : إن الله وهب إبراهيم إسحاق ويعقوب مع أن إسماعيل هو ابن إبراهيم البكر. وفي هذا تكرار لما جاء الآية [ ٧٢ ] من سورة الأنبياء وقد علقنا على هذه المسألة في سياق تفسير سورة ( ص ) بما يغني عن التكرار.
ولقد روى الطبري أيضا على هامش جملة ﴿ إني مهاجر إلى ربي ﴾ عزوا إلى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول :( إنها ستكون هجرة بعد هجرة ينحاز أهل الأرض إلى مهاجر إبراهيم ويبقى في الأرض شرار أهلها حتى تلفظهم وتقذرهم وتحشرهم النار مع القردة والخنازير ). وقد أورد ابن كثير هذا الحديث بزيادة في آخره بعد كلمة الخنازير وهي :( تبيت معهم إذا باتوا وتقيل معهم إذا قالوا وتأكل ما سقط منهم ). وقد أورد ابن كثير هذا النص بحديث أسنده الإمام أحمد عن شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص في ظروف بيعة يزيد بن معاوية.
وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. وليس في كتابي الطبري وابن كثير بيان بالمقصود بالأرض التي ينحاز أهلها إلى مهاجر إبراهيم ويبقى فيها شرارها الخ. ونخشى أن يكون من وحي الفتن التي حدثت في الصدر الإسلامي الأول والله أعلم.
وهذه حلقة ثالثة في لوط وقومه، وقد ذكر ما فيها في السور السابقة، وبينها وبين ما ذكر في سورة هود خاصة تماثل، وعبارتها واضحة. وقصد الموعظة والتذكير والإنذار والتثبيت واضح فيها. ولقد علقنا على القصة بما رأينا فيه الكفاية. وليس فيما ورد هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا القول : إن الآية أو العلامة التي تركت من القرية المدمرة هي على الأرجح أطلال سدوم وعمورة على ساحل البحر الميت في غور أريحا والتي كان يمر بها قوافل الحجاز وهي ذاهبة إلى فلسطين فمصر أو آيبة منها إلى الحجاز، وهما البلدان اللذان ذكر سفر التكوين تدميرهما بعذاب الله على ما شرحناه بخاصة في سياق سورة الصفات.
٢ المنكر : يقال لكل ما هو مغاير لكريم الأخلاق وفاضل الصفات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٨:﴿ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ٢٨ أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم ١ المنكر ٢ فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ٢٩ قال رب انصرني على القوم المفسدين ٣٠ ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين ٣١ قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ٣٢ ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين ٣٣ إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ٣٤ ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون ٣٥ ﴾ [ ٢٨-٣٥ ].
وهذه حلقة ثالثة في لوط وقومه، وقد ذكر ما فيها في السور السابقة، وبينها وبين ما ذكر في سورة هود خاصة تماثل، وعبارتها واضحة. وقصد الموعظة والتذكير والإنذار والتثبيت واضح فيها. ولقد علقنا على القصة بما رأينا فيه الكفاية. وليس فيما ورد هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا القول : إن الآية أو العلامة التي تركت من القرية المدمرة هي على الأرجح أطلال سدوم وعمورة على ساحل البحر الميت في غور أريحا والتي كان يمر بها قوافل الحجاز وهي ذاهبة إلى فلسطين فمصر أو آيبة منها إلى الحجاز، وهما البلدان اللذان ذكر سفر التكوين تدميرهما بعذاب الله على ما شرحناه بخاصة في سياق سورة الصفات.
وهذه حلقة ثالثة في لوط وقومه، وقد ذكر ما فيها في السور السابقة، وبينها وبين ما ذكر في سورة هود خاصة تماثل، وعبارتها واضحة. وقصد الموعظة والتذكير والإنذار والتثبيت واضح فيها. ولقد علقنا على القصة بما رأينا فيه الكفاية. وليس فيما ورد هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا القول : إن الآية أو العلامة التي تركت من القرية المدمرة هي على الأرجح أطلال سدوم وعمورة على ساحل البحر الميت في غور أريحا والتي كان يمر بها قوافل الحجاز وهي ذاهبة إلى فلسطين فمصر أو آيبة منها إلى الحجاز، وهما البلدان اللذان ذكر سفر التكوين تدميرهما بعذاب الله على ما شرحناه بخاصة في سياق سورة الصفات.
وهذه حلقة ثالثة في لوط وقومه، وقد ذكر ما فيها في السور السابقة، وبينها وبين ما ذكر في سورة هود خاصة تماثل، وعبارتها واضحة. وقصد الموعظة والتذكير والإنذار والتثبيت واضح فيها. ولقد علقنا على القصة بما رأينا فيه الكفاية. وليس فيما ورد هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا القول : إن الآية أو العلامة التي تركت من القرية المدمرة هي على الأرجح أطلال سدوم وعمورة على ساحل البحر الميت في غور أريحا والتي كان يمر بها قوافل الحجاز وهي ذاهبة إلى فلسطين فمصر أو آيبة منها إلى الحجاز، وهما البلدان اللذان ذكر سفر التكوين تدميرهما بعذاب الله على ما شرحناه بخاصة في سياق سورة الصفات.
وهذه حلقة ثالثة في لوط وقومه، وقد ذكر ما فيها في السور السابقة، وبينها وبين ما ذكر في سورة هود خاصة تماثل، وعبارتها واضحة. وقصد الموعظة والتذكير والإنذار والتثبيت واضح فيها. ولقد علقنا على القصة بما رأينا فيه الكفاية. وليس فيما ورد هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا القول : إن الآية أو العلامة التي تركت من القرية المدمرة هي على الأرجح أطلال سدوم وعمورة على ساحل البحر الميت في غور أريحا والتي كان يمر بها قوافل الحجاز وهي ذاهبة إلى فلسطين فمصر أو آيبة منها إلى الحجاز، وهما البلدان اللذان ذكر سفر التكوين تدميرهما بعذاب الله على ما شرحناه بخاصة في سياق سورة الصفات.
وهذه حلقة ثالثة في لوط وقومه، وقد ذكر ما فيها في السور السابقة، وبينها وبين ما ذكر في سورة هود خاصة تماثل، وعبارتها واضحة. وقصد الموعظة والتذكير والإنذار والتثبيت واضح فيها. ولقد علقنا على القصة بما رأينا فيه الكفاية. وليس فيما ورد هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا القول : إن الآية أو العلامة التي تركت من القرية المدمرة هي على الأرجح أطلال سدوم وعمورة على ساحل البحر الميت في غور أريحا والتي كان يمر بها قوافل الحجاز وهي ذاهبة إلى فلسطين فمصر أو آيبة منها إلى الحجاز، وهما البلدان اللذان ذكر سفر التكوين تدميرهما بعذاب الله على ما شرحناه بخاصة في سياق سورة الصفات.
وهذه حلقة ثالثة في لوط وقومه، وقد ذكر ما فيها في السور السابقة، وبينها وبين ما ذكر في سورة هود خاصة تماثل، وعبارتها واضحة. وقصد الموعظة والتذكير والإنذار والتثبيت واضح فيها. ولقد علقنا على القصة بما رأينا فيه الكفاية. وليس فيما ورد هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا القول : إن الآية أو العلامة التي تركت من القرية المدمرة هي على الأرجح أطلال سدوم وعمورة على ساحل البحر الميت في غور أريحا والتي كان يمر بها قوافل الحجاز وهي ذاهبة إلى فلسطين فمصر أو آيبة منها إلى الحجاز، وهما البلدان اللذان ذكر سفر التكوين تدميرهما بعذاب الله على ما شرحناه بخاصة في سياق سورة الصفات.
وهذه حلقة ثالثة في لوط وقومه، وقد ذكر ما فيها في السور السابقة، وبينها وبين ما ذكر في سورة هود خاصة تماثل، وعبارتها واضحة. وقصد الموعظة والتذكير والإنذار والتثبيت واضح فيها. ولقد علقنا على القصة بما رأينا فيه الكفاية. وليس فيما ورد هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا القول : إن الآية أو العلامة التي تركت من القرية المدمرة هي على الأرجح أطلال سدوم وعمورة على ساحل البحر الميت في غور أريحا والتي كان يمر بها قوافل الحجاز وهي ذاهبة إلى فلسطين فمصر أو آيبة منها إلى الحجاز، وهما البلدان اللذان ذكر سفر التكوين تدميرهما بعذاب الله على ما شرحناه بخاصة في سياق سورة الصفات.
وهذه حلقة رابعة فيها إشارات مقتضبة إلى رسالات شعيب وموسى عليهما السلام وإلى ما كان من أمر عاد وثمود، وقصد الإنذار والتذكير والموعظة فيها ظاهر. وقد علقنا على قصصهم في السور السابقة بما فيه الكفاية. وليس هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا التنبيه إلى تعبير ﴿ وقد تبين لكم من مساكنهم ﴾ في صدد عاد وثمود ؛ حيث تحتوي الجملة دليلا صريحا على أن المخاطبين يعرفون أخبار هؤلاء القوم وأن منهم من شاهد آثارهم ورأى في تدمير بلادهم آثار عذاب الله فيهم أيضا أو اعتقد ذلك.
ثم التنبيه إلى جملتي ﴿ فكلا أخذنا بذنبه ﴾ و ﴿ وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ ؛ حيث ينطوي فيها توكيد جديد للمبدأ القرآني المتكرر في سور عديدة بمسؤولية الناس عن أعمالهم واستحقاقهم جزاءها من الله عز وجل وقتها حقا وعدلا ويكون الذي ضل وانحرف منهم هو الذي ظلم بنفسه بذلك.
وهذه حلقة رابعة فيها إشارات مقتضبة إلى رسالات شعيب وموسى عليهما السلام وإلى ما كان من أمر عاد وثمود، وقصد الإنذار والتذكير والموعظة فيها ظاهر. وقد علقنا على قصصهم في السور السابقة بما فيه الكفاية. وليس هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا التنبيه إلى تعبير ﴿ وقد تبين لكم من مساكنهم ﴾ في صدد عاد وثمود ؛ حيث تحتوي الجملة دليلا صريحا على أن المخاطبين يعرفون أخبار هؤلاء القوم وأن منهم من شاهد آثارهم ورأى في تدمير بلادهم آثار عذاب الله فيهم أيضا أو اعتقد ذلك.
ثم التنبيه إلى جملتي ﴿ فكلا أخذنا بذنبه ﴾ و ﴿ وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ ؛ حيث ينطوي فيها توكيد جديد للمبدأ القرآني المتكرر في سور عديدة بمسؤولية الناس عن أعمالهم واستحقاقهم جزاءها من الله عز وجل وقتها حقا وعدلا ويكون الذي ضل وانحرف منهم هو الذي ظلم بنفسه بذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين ٣٦ فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ٣٧ وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ١ ٣٨ وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ٢ ٣٩ فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ٤٠ ﴾ [ ٣٦-٤٠ ].
وهذه حلقة رابعة فيها إشارات مقتضبة إلى رسالات شعيب وموسى عليهما السلام وإلى ما كان من أمر عاد وثمود، وقصد الإنذار والتذكير والموعظة فيها ظاهر. وقد علقنا على قصصهم في السور السابقة بما فيه الكفاية. وليس هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا التنبيه إلى تعبير ﴿ وقد تبين لكم من مساكنهم ﴾ في صدد عاد وثمود ؛ حيث تحتوي الجملة دليلا صريحا على أن المخاطبين يعرفون أخبار هؤلاء القوم وأن منهم من شاهد آثارهم ورأى في تدمير بلادهم آثار عذاب الله فيهم أيضا أو اعتقد ذلك.
ثم التنبيه إلى جملتي ﴿ فكلا أخذنا بذنبه ﴾ و ﴿ وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ ؛ حيث ينطوي فيها توكيد جديد للمبدأ القرآني المتكرر في سور عديدة بمسؤولية الناس عن أعمالهم واستحقاقهم جزاءها من الله عز وجل وقتها حقا وعدلا ويكون الذي ضل وانحرف منهم هو الذي ظلم بنفسه بذلك.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٦:﴿ وإلى مدين أخاهم شعيبا فقال يا قوم اعبدوا الله وارجوا اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين ٣٦ فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ٣٧ وعادا وثمودا وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين ١ ٣٨ وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين ٢ ٣٩ فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ٤٠ ﴾ [ ٣٦-٤٠ ].
وهذه حلقة رابعة فيها إشارات مقتضبة إلى رسالات شعيب وموسى عليهما السلام وإلى ما كان من أمر عاد وثمود، وقصد الإنذار والتذكير والموعظة فيها ظاهر. وقد علقنا على قصصهم في السور السابقة بما فيه الكفاية. وليس هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا التنبيه إلى تعبير ﴿ وقد تبين لكم من مساكنهم ﴾ في صدد عاد وثمود ؛ حيث تحتوي الجملة دليلا صريحا على أن المخاطبين يعرفون أخبار هؤلاء القوم وأن منهم من شاهد آثارهم ورأى في تدمير بلادهم آثار عذاب الله فيهم أيضا أو اعتقد ذلك.
ثم التنبيه إلى جملتي ﴿ فكلا أخذنا بذنبه ﴾ و ﴿ وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ ؛ حيث ينطوي فيها توكيد جديد للمبدأ القرآني المتكرر في سور عديدة بمسؤولية الناس عن أعمالهم واستحقاقهم جزاءها من الله عز وجل وقتها حقا وعدلا ويكون الذي ضل وانحرف منهم هو الذي ظلم بنفسه بذلك.
وهذه حلقة رابعة فيها إشارات مقتضبة إلى رسالات شعيب وموسى عليهما السلام وإلى ما كان من أمر عاد وثمود، وقصد الإنذار والتذكير والموعظة فيها ظاهر. وقد علقنا على قصصهم في السور السابقة بما فيه الكفاية. وليس هنا شيء جديد يقتضي تعليقا إلا التنبيه إلى تعبير ﴿ وقد تبين لكم من مساكنهم ﴾ في صدد عاد وثمود ؛ حيث تحتوي الجملة دليلا صريحا على أن المخاطبين يعرفون أخبار هؤلاء القوم وأن منهم من شاهد آثارهم ورأى في تدمير بلادهم آثار عذاب الله فيهم أيضا أو اعتقد ذلك.
ثم التنبيه إلى جملتي ﴿ فكلا أخذنا بذنبه ﴾ و ﴿ وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ ؛ حيث ينطوي فيها توكيد جديد للمبدأ القرآني المتكرر في سور عديدة بمسؤولية الناس عن أعمالهم واستحقاقهم جزاءها من الله عز وجل وقتها حقا وعدلا ويكون الذي ضل وانحرف منهم هو الذي ظلم بنفسه بذلك.
في الآيات :
١- تمثيل للذين يتخذون من دون الله شركاء وأولياء بالعنكبوت وبيتها، فكما أن بيت العنكبوت هو أهون البيوت وأوهاها فدين أولئك وعقيدتهم هي أهوى العقائد وأهونها أيضا لو عقلوا وتفكروا.
٢- وتوكيد بأن الله يعلم حقائق ما يدعونه من دونه وأنه هو العزيز القادر على كل شيء الحكيم في كل شيء.
٣- وتنبيه على أن الله إنما يضرب الأمثال للناس ليتبينوا الحق ويعقلوه وأن أصحاب الفهم والإدراك والعلم هم الجديرون بأن يعقلوها ويفهموا مرماها.
٤- وتوكيد آخر بأن الله إنما خلق السماوات والأرض بالحق ولحكمة جليلة ولم يخلقهما عبثا. وإن في ذلك آية يدركها المؤمنون الصادقون في رغباتهم ونياتهم.
وصلة الآيات بسابقاتها قائمة كما هو واضح. وقد جاءت بمثابة تعقيب عليها، والخطاب فيها قوي نافذ. واحتوت تنديدا بالشرك والمشركين وعقولهم وتنويها بالمؤمنين والذين يقنعون بالبرهان حينما يقوم لهم ويفهمون الأمثال حينما تضرب لهم. والآية الثالثة توكيد سقوط أي أهلية وعدم احتمال أي نفع في من يدعوهم المشركون من دون الله. وكان عليهم أن يدركوا ذلك لو كانوا عقلاء.
في الآيات :
١- تمثيل للذين يتخذون من دون الله شركاء وأولياء بالعنكبوت وبيتها، فكما أن بيت العنكبوت هو أهون البيوت وأوهاها فدين أولئك وعقيدتهم هي أهوى العقائد وأهونها أيضا لو عقلوا وتفكروا.
٢- وتوكيد بأن الله يعلم حقائق ما يدعونه من دونه وأنه هو العزيز القادر على كل شيء الحكيم في كل شيء.
٣- وتنبيه على أن الله إنما يضرب الأمثال للناس ليتبينوا الحق ويعقلوه وأن أصحاب الفهم والإدراك والعلم هم الجديرون بأن يعقلوها ويفهموا مرماها.
٤- وتوكيد آخر بأن الله إنما خلق السماوات والأرض بالحق ولحكمة جليلة ولم يخلقهما عبثا. وإن في ذلك آية يدركها المؤمنون الصادقون في رغباتهم ونياتهم.
وصلة الآيات بسابقاتها قائمة كما هو واضح. وقد جاءت بمثابة تعقيب عليها، والخطاب فيها قوي نافذ. واحتوت تنديدا بالشرك والمشركين وعقولهم وتنويها بالمؤمنين والذين يقنعون بالبرهان حينما يقوم لهم ويفهمون الأمثال حينما تضرب لهم. والآية الثالثة توكيد سقوط أي أهلية وعدم احتمال أي نفع في من يدعوهم المشركون من دون الله. وكان عليهم أن يدركوا ذلك لو كانوا عقلاء.
﴿ وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ﴾
وهذه الآية جديرة بالتعليق من حيث احتوائها تنويها بالعلماء الذين يؤهلهم علمهم لفهم الأمور والأمثال والاتعاظ بها. وقد تكرر هذا المعنى في آيات كثيرة في سور سابقة حيث ينطوي في ذلك توكيد التنويه من جهة، وحث الناس على توسيع حدود معارفهم من جهة، وتبيين مسؤولية العلماء وواجبهم في تدبر مختلف الشؤون وتبيينها للناس من جهة، والوقوف منها عند حدود ما يقتضيه الحق والعلم من غير تجاوز ولا تغافل من جهة.
وإطلاق الفصل يدل أن كل ذلك شامل لمتنوع مراتب وصفات العلم والعلماء بحيث يشمل شؤون الدين والدنيا معا كما هو المتبادر.
ولقد جاء في سورة فاطر تنويه بالعلماء، وعلقنا عليه تعليقا وافيا فنكتفي هنا بما تقدم.
ولقد روى البغوي في سياق هذه الآية بطرقه حديثا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية فقال :( العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه ). وهذا الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولا نرى فيه إذا صح ما ينتقض مع ما قلناه من شمول الكلمة من حيث إن العالم الحق مهما كان العلم الذي يشتغل فيه لا بد من أن يدرك من آيات الله تعالى المتنوعة في كونه ومن آيات القرآن وجوب وجود الله والإيمان به وبرسالة خاتم رسله وبوجوب طاعته واجتناب ما يسخطه.
في الآيات :
١- تمثيل للذين يتخذون من دون الله شركاء وأولياء بالعنكبوت وبيتها، فكما أن بيت العنكبوت هو أهون البيوت وأوهاها فدين أولئك وعقيدتهم هي أهوى العقائد وأهونها أيضا لو عقلوا وتفكروا.
٢- وتوكيد بأن الله يعلم حقائق ما يدعونه من دونه وأنه هو العزيز القادر على كل شيء الحكيم في كل شيء.
٣- وتنبيه على أن الله إنما يضرب الأمثال للناس ليتبينوا الحق ويعقلوه وأن أصحاب الفهم والإدراك والعلم هم الجديرون بأن يعقلوها ويفهموا مرماها.
٤- وتوكيد آخر بأن الله إنما خلق السماوات والأرض بالحق ولحكمة جليلة ولم يخلقهما عبثا. وإن في ذلك آية يدركها المؤمنون الصادقون في رغباتهم ونياتهم.
وصلة الآيات بسابقاتها قائمة كما هو واضح. وقد جاءت بمثابة تعقيب عليها، والخطاب فيها قوي نافذ. واحتوت تنديدا بالشرك والمشركين وعقولهم وتنويها بالمؤمنين والذين يقنعون بالبرهان حينما يقوم لهم ويفهمون الأمثال حينما تضرب لهم. والآية الثالثة توكيد سقوط أي أهلية وعدم احتمال أي نفع في من يدعوهم المشركون من دون الله. وكان عليهم أن يدركوا ذلك لو كانوا عقلاء.
احتوت الآية :
١- أمرا للنبي عليه السلام بالاستمرار في تلاوة ما أوحاه الله إليه من كتاب وفي إقامة الصلاة له وذكره.
٢- وتثبيتا له بأن الله يعلم ما يصنع الناس وعليه حسابهم.
٣- واستطرادا تنبيهيا بما للصلاة من أثر في تجنيب الذين يقيمونها للفحشاء والمنكر وبكون ذكر الله عز وجل هو الأكبر.
والآية تحتوي على ما يتبادر لنا تعقيبا على الآيات السابقة ؛ حيث تضمنت تثبيتا للنبي وتلقينا بأن لا يبالي بالمشركين وما يدعون من دون الله وبأن يستمر في تلاوة كتاب الله على الناس والصلاة له ففيها الوسيلة الكبرى لاجتناب الفحشاء والمنكر ما هو من الكبائر التي نهى عنهما القرآن. ومن تحصيل الحاصل أن يكون ما احتوته من أمر وتلقين واستطراد موجهة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين في كل زمن ومكان.
ولقد علقنا على الصلاة وأثرها في سياق سورة العلق بما فيه الكفاية، وأوردنا هناك بعض الأحاديث النبوية الواردة في الصلاة وأثرها في الصادقين وغير الصادقين في صلاتهم. وكون الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر لا يمكن أن تكون صلاة صادقة فنكتفي بالتذكير دون الإعادة. غير أن البغوي روى في سياق تفسير الآية حديثين رأينا أن نوردهما بدورنا لما فيهما من تأييد وتلقين وصور حيث روى عن أنس قال :( كان فتى من الأنصار يصلي الخمس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه فوصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاله فقال : إن صلاته تنهاه يوما، فلم يلبث أن تاب وحسن حاله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألم أقل لكم إن صلاته تنهاه يوما ). وحديث روي عن جابر قال :( قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : إن رجلا يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق قال ستنهاه قراءته، وفي رواية قيل يا رسول الله إن فلانا يقرأ بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه ). والحديثان لم يردا في كتب الأحاديث الصحيحة. فالمتبادر إذا صحّا ولا مانع من صحتهما فيكون الشخص ممن دخل الإسلام حديثا، وكانت له عادات منكرة فتوقع النبي صلى الله عليه وسلم أن يقلع عنها حينما يرسخ الإيمان في قلبه ويتأثر بذكر الله والصلاة. فكان ما توقعه. والتلقين في الحديثين هو الأمل في تأثير ذكر الله والصلاة على كل حال فيمن تكون له عادات منكرة
تأويل جملة
﴿ ولذكر الله أكبر ﴾
وما ورد في ذلك من أحاديث
ولقد تعددت التأويلات التي يرويها المفسرين لجملة ﴿ ولذكر الله أكبر ﴾ منها أنها بمعنى ذكر الله إياكم إذا ما ذكرتموه بالصلاة وغيرها أكبر من ذكركم إيّاه.
أي من باب مضاعفة الله للحسنات. ومنها أنها بمعنى ذكر الله أكبر من أن تبقى معه معصية. ومنها أنها بمعنى ذكر الله أفضل من كل شيء. وقد نبه أصحاب هذا القول على أن الصلاة هي من ذكر الله ويكون المعنى بالتالي أن الصلاة التي هي ذكر الله أكبر من كل شيء وأفضل من كل شيء. ومنها أنها بمعنى ذكر الله في الصلاة أكبر من الصلاة ويكون المعنى بالتالي أن الصلاة هي وسيلة إلى ذكر الله الذي هو الهدف الأكبر منها، وإن نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر بسبب ذكر المرء لله تعالى فيها فيتقيه ويخشاه ويتجنب ما نهي عنه من الكبائر. والأقوال جميعها وجيهة. وقد صوّب الطبري القول الأول. وقد يتبادر أن القول الأخير على ضوء الشرح الذي شرحناه أكثر وجاهة. والله أعلم.
ولقد روى البغوي بطرقه أحاديث نبوية عديدة في سياق هذه الجملة وفي صدد فضل ذكر الله : واحدا عن أبي الدرداء قال :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى. قال : ذكر الله ).
وثانيا : عن أبي سعيد الخدري جاء فيه :( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل وأرفع درجة عند الله يوم القيامة ؟ قال : الذاكرون الله كثيرا والذاكرات. قيل : يا رسول الله والغازي في سبيل الله قال : لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما فإن الذاكر لله أفضل منه درجة ).
وثالثا : جاء فيه ( أن أعربيا قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل ؟ قال : أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله ). ورابعا عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا :( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده ).
وهذه الأحاديث لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة المشهورة. والمتبادر إذا صحت أنها في الحث عل ذكر الله الذي يؤثر في نفس المسلم فيجعله يقدم على كل ما أمر الله به وينتهي عن كل ما نهى عنه. بحيث يصح أن يقال كما قيل في الصلاة، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأوردناه في التعليق على الصلاة في سورة العلق. إن تحريك اللسان بذكر الله تحريكا آليا بدون وعي وصدق وإيمان وبدون أن يكون له أثر في سلوكه نحو الله والناس لا يمكن أن يكون له الفضل العظيم الذي نوهت به الأحاديث.
في الآيات :
١- أمر بصيغة الجمع المخاطب التي يمكن أن تدل على أن الأمر موجه إلى النبي عليه السلام والمسلمين معا باستعمال اللين والمحاسنة في الجدل مع أهل الكتاب باستثناء الذين يبغون ويتجاوزون حدود الحق والإنصاف منهم. وبإعلانهم أنهم متفقون معهم في المبدأ والجوهر. فهم مؤمنون بما أنزل إليهم كما هم مؤمنون بما أنزل إلى النبي محمد عليه السلام وهم يعبدون ويعترفون بنفس الإله الذي يعبدونه ويعترفون به، وهم مسلمون أنفسهم إليه.
٢- وتنبيه موجه للنبي صلى الله عليه وسلم يتضمن التوكيد والتثبيت بأن الله قد أنزل إليه الكتاب كما أنزل الكتب من قبله على الأنبياء السابقين وبأن أهل الكتاب يؤمنون بكتب الله ومنهم من يؤمن بالكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم تبعا لذلك لما يرون فيه من المطابقة في الأسس والجوهر. ولا يمكن أن يجحد بآيات الله ويكابر فيها إلا من صمم على الكفر والعناد والمكابرة.
٣- وتوكيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو من قبل القرآن كتابا، ولم يكن يخط بيده كتابا حتى يمكن أن يكون هناك محل لريبة المبطلين الجاحدين ومكابرتهم.
٤- وتوكيد آخر بأن آيات الله التي يتلوها النبي صلى الله عليه وسلم متسقة في جوهرها وروحها وروحانيتها مع آيات الكتب الربانية التي يعرفها الذين أوتوا العلم والتي قد تشعبت بها نفوسهم وصدورهم.
تعليق على آية
﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ﴾
والآيات التي بعدها.
ولم نطلع على رواية ما تذكر سببا لنزول هذا الفصل الذي قد يبدو فصلا جديدا لا صلة له بالآيات السابقة، ومع ذلك فإن المتبادر من آياته أنها نزلت في مناسبة موقف من مواقف الجدل في موضوع القرآن ووحيه الإلهي اشترك فيه فريق من أهل الكتاب وفريق من المؤمنين مع النبي، وربما فريق من الكفار أيضا. ولعل هذا الجدل نشب على أثر الفصل القصصي والآيات المعقبة عليه. فوضعت آيات الفصل بعدها. وإذا صح الاحتمال الأخير فيكون شيء من الصلة بين هذا الفصل وما سبقه.
والآية [ ٤٨ ] بخاصة تلهم أنه كان من نقاط الجدل القائم مما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الكتب السماوية المتداولة بين أيدي أهل الكتاب، وأن المجادلين كانوا يتخذون ذلك وسيلة إلى الطعن بالقرآن ولدعوى اقتباس النبي من هذه الكتب. فردت الآية بعدها على هذه النقطة ردا قويا على النحو الذي شرحناه.
والنفي المذكور في الآية [ ٤٨ ] يحتمل أن يكون أريد به نفي تلاوة النبي كتابا ما من الكتب السماوية أو الاطلاع عليه قبل القرآن أو كتابته أو نفي القراءة والكتابة بالمرة عنه تدعيما لحجة كونه لم يقرأ الكتب السماوية ولم يكتبها ؛ لأنه لم يكن يحسن ذلك، وبالتالي دحضا لدعوى اقتباسه من الكتب السماوية. والإطلاق في النفي و تنكير المنفي مما يمكن أن يكون قرينة على أن المراد هو الاحتمال الثاني.
وإطلاق النفي في الآية وأسلوبها ينطويان على التحدي والتنديد والتذكير. فكأنما أريد أن يقال : إن المجادلين المدعين يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ويكتب، وبالتالي لم يتسن له قراءة الكتب السماوية وكتابتها. وإذا لحظنا أن هذا النفي يتلى علنا ويسمعه الناس من كتابيين وغير كتابيين أدركنا ما فيه من قوة الرد على دعوى المدعين وتحديها وتزييفها.
ويتبادر لنا أن النفي منصب على القراءة والكتابة الشخصيتين. وهذا لا ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع من بعض الكتابيين شيئا من أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي كانوا يتداولونها وينسبونها إلى أنبيائهم، مما ذكرت شيئا منه بعض الروايات وذكرناه في سياق تفسير سورتي النحل والفرقان.
ولقد قلنا : إن الآية [ ٤٧ ] تلهم أن من نقاط الجدل القائم ما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الأسفار المذكورة آنفا. ولسنا نرى في هذا إشكالا مؤيدا لدعوى المدعين. فكل ما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات القرآن المحكمة والمتشابهة من وحي الله الذي كان ينزل على قلبه اقتضته حكمة التنزيل ولو كان فيه تطابق مع الأسفار وقد سيق في القرآن للعبرة والموعظة لا للتاريخ. وأسلوب الآيات قوي رصين، يلهم أن النبي عليه السلام كان في موقف المستعلي المنتصر فيما يبديه من حجج ويبدو منه من قوة و إفحام وإلزام للمكابرين المعاندين من العرب والكتابيين معا.
ومع أنه لا خلاف في مكية الآيات، فإن بعض المفسرين ١ ذكروا في سياق تفسيرها عزوا إلى أهل التأويل أو تأويلا من عندهم أنها في صدد الحجاج مع يهود المدينة، وذكروا اسم عبد الله بن سلام وغيره من مسلمي اليهود وقالوا ٢ إنهم الذين عنتهم الآية [ ٤٧ ] بتعبير ﴿ ومن هؤلاء من يؤمن به ﴾ كما ذكروا أن الذين عنتهم جملة ﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾ هم الذين نبذوا الذمة ومنعوا الجزية عامة، وكعب بن الأشرف وزملاءه من اليهود خاصة. وهذا نموذج لكثير من الأقوال التي خلط فيها بين مدى ومدلول ومناسبة الآيات المكية والمدنية وظروف العهد المكي والمدني. وبعض المفسرين قال : إن كلمة ﴿ هؤلاء ﴾ تعني قريشا ٣ وبعضهم ٤ قال : إنها تعني المسلمين بالإضافة إلى ما قاله بعضهم إنها تعني الكتابيين، وبعضهم أرجع ضمير ﴿ به ﴾ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أرجعه إلى القرآن٥. ونرجو أن يكون ما أوردناه في شرح الآيات هو الصواب إن شاء الله.
وتعبير ﴿ وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ﴾ صريح قاطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب ويقرأ. أما تعبير ﴿ والأميين ﴾ [ آل عمران : ٢٠ ] فلا يعني ذلك بهذه الصراحة والقطعية. ولا سيما أن هذه الكلمة استعملت هي وجمعها في القرآن للدلالة على غير الكتابيين أو على العرب الذين ليسوا كتابيين كما ترى في آية آل عمران هذه ﴿ فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ٢٠ ﴾ ولقد كان من العرب كثيرون يقرؤون ويكتبون كما هو ثابت.
وبالرغم من هذه الصراحة فإن كايتاني٦ وغيره من المستشرقين ظلوا يصرون على دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب، ومنهم من قال : إنه كان يخفي ذلك ويراوغ فيه فلا يثبته ولا ينفيه ؛ لأنه يعرف أن منهم من كان يعرفه فيه. ولو تذكروا بأن هذا مما قد يكون وجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وأن القرآن قد رد عليه وزيفه علنا وبصراحة قطعية، وأن أصحابه وأخصاءه كانوا يتلون هذا الرد الصريح القطعي لوفروا على أنفسهم التعب ولما عرضوها لتهمة الغرض والعناد بل الوقاحة والكذب. فلا يمكن أن يعلن النبي صلى الله عليه وسلم بلسان القرآن وبأسلوب قاطع صريح أنه لا يقرأ ولا يكتب لو كان يقرأ ويكتب، ولا سيما لو كان أصحابه يعرفون ذلك فيه ؛ لأنه يثير حالة شك هؤلاء في ربانية القرآن وصدق النبي وهذا وذاك من الخطورة بمكان عظيم.
إنه قال :( كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون )٧. وقد أوردوا مع هذا الحديث حديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي ثملة الأنصاري قال :( بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود فقال يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال رسول الله : الله أعلم، قال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ).
ومع واجب المسلم بالتزام التعليم النبوي إزاء ما يحدثهم به أهل الكتاب فإنه يتبادر لنا أن ذلك إنما هو في ما ليس مغايرا أو ناقضا لما جاء في القرآن من مبادئ وأخبار، هذا أولا. وثانيا إنه يتبادر لنا من روح الآية ومقامها أن المقصود بما احتوته من نهي واستثناء هو الجدل حول نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وصلة القرآن بالله تعالى وليس الموقف الواجب وقوفه إزاء ما يحدثون به إطلاقا كما تلقاه المؤولون والمفسرون على ما هو المستفاد من كلامهم.
وليس في الحديثين ما يفيد ذلك. وقد صدرا عن رسول الله في المدينة في مناسبة أو مناسبات أخرى كما هو مستفاد منهما والله تعالى أعلم.
على أن هذا لا يمنع القول أن الاستثناء هو لا لأمر واقع، وإنما لأمر قد يكون رسمت الخطة له إذا وقع. وقد يكون من الدلائل على ذلك أنه ليس هناك رواية ما تذكر أن كتابيين على دينهم في مكة حينما فتحها الله على رسوله في السنة الهجرية الثامنة. والسورة من آخر ما نزل في مكة فلو كان بقي كتابيون لم ينضموا إلى الإسلام في مكة وكانوا يجادلون النبي ويغلطون في الجدال لكانت الروايات ذكرت ما صار عليه شأنهم حين فتح مكة. وليس مما يعقل أن يكونوا كلهم قد تواروا بالموت أثناء هذه المدة.
ولقد علم الله أن يهود يثرب التي أزمع النبي الهجرة إليها في ظروف نزول هذه الآيات سيقفون منه موقف المجادل الظالم فرسمت له الخطة معهم في هذه الآية والله تعالى أعلم.
والمستشرقون في عنادهم ودعواهم يقيسون الحاضر على الماضي فيؤدي القياس بهم إلى استحالة أن لا يكون النبي قارئا كاتبا مطلعا على الكتب السماوية. وهم مخطئون في قياسهم ؛ لأن الفرق عظيم بين الحاضر وذلك الماضي من مختلف النواحي.
والخطة التي ترسمها الآية الأولى جديرة بالملاحظة أيضا. فكأنما أريد بها القول إنه ليس من محل لخلاف ونزاع بين المسلمين والكتابيين من حيث المبدأ والجوهر. وإن التخاطب بالحسنى جدير بأن ييسر التفاهم والتمازج بينهم. أما إذا ظهر منهم شاذون فإنما يصدرون في شذوذهم عن سوء النية والعدوان والظلم. ومن واجب المسلمين أن يقابلوهم بما يستحقون فالخطة عظيمة رائعة ؛ لأنها تقوم على أساس الحق والعدل من جهة وعلى الرغبة الصادقة من ناحية المسلمين في توطيد التفاهم والتمازج من جهة أخرى.
والاستثناء الذي احتوته الآية وفحوى الآيات عامة يدلان على أن فريقا من أهل الكتاب كان معاندا مكابرا في موقف الجدل والحجاج إلى جانب فريق آخر كان مؤمنا مصدقا. وفي هذا صورة من صور العهد المكي ؛ حيث كان من العرب مؤمنون وكافرون وكان إلى جانبهم من الكتابيين مؤمنون وكافرون أيضا. وقد شرحنا ذلك في مناسبات سابقة وبينا أسبابه التي هي أسباب شخصية ونفعية دنيوية، وقد آمن بالرسالة المحمدية وصدق صلة القرآن بالله كل من استطاع أن يتفلّت من هذه الأسباب منهم كما ذكرته آيات عديدة مرت في سور عديدة، واستم
٢ انظر المصدر نفسه..
٣ انظر الطبري والخازن..
٤ انظر المصدر نفسه..
٥ انظر المصدر نفسه..
٦ انظر الجزء الأول من كتاب تاريخ الإسلام..
٧ ورد هذا الحديث في التاج برواية البخاري عن أبي هريرة بفرق يسير وهو ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا...﴾ الآية [ البقرة: ١٣٦] ج ٤ ص ٤٦..
في الآيات :
١- أمر بصيغة الجمع المخاطب التي يمكن أن تدل على أن الأمر موجه إلى النبي عليه السلام والمسلمين معا باستعمال اللين والمحاسنة في الجدل مع أهل الكتاب باستثناء الذين يبغون ويتجاوزون حدود الحق والإنصاف منهم. وبإعلانهم أنهم متفقون معهم في المبدأ والجوهر. فهم مؤمنون بما أنزل إليهم كما هم مؤمنون بما أنزل إلى النبي محمد عليه السلام وهم يعبدون ويعترفون بنفس الإله الذي يعبدونه ويعترفون به، وهم مسلمون أنفسهم إليه.
٢- وتنبيه موجه للنبي صلى الله عليه وسلم يتضمن التوكيد والتثبيت بأن الله قد أنزل إليه الكتاب كما أنزل الكتب من قبله على الأنبياء السابقين وبأن أهل الكتاب يؤمنون بكتب الله ومنهم من يؤمن بالكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم تبعا لذلك لما يرون فيه من المطابقة في الأسس والجوهر. ولا يمكن أن يجحد بآيات الله ويكابر فيها إلا من صمم على الكفر والعناد والمكابرة.
٣- وتوكيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو من قبل القرآن كتابا، ولم يكن يخط بيده كتابا حتى يمكن أن يكون هناك محل لريبة المبطلين الجاحدين ومكابرتهم.
٤- وتوكيد آخر بأن آيات الله التي يتلوها النبي صلى الله عليه وسلم متسقة في جوهرها وروحها وروحانيتها مع آيات الكتب الربانية التي يعرفها الذين أوتوا العلم والتي قد تشعبت بها نفوسهم وصدورهم.
تعليق على آية
﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ﴾
والآيات التي بعدها.
ولم نطلع على رواية ما تذكر سببا لنزول هذا الفصل الذي قد يبدو فصلا جديدا لا صلة له بالآيات السابقة، ومع ذلك فإن المتبادر من آياته أنها نزلت في مناسبة موقف من مواقف الجدل في موضوع القرآن ووحيه الإلهي اشترك فيه فريق من أهل الكتاب وفريق من المؤمنين مع النبي، وربما فريق من الكفار أيضا. ولعل هذا الجدل نشب على أثر الفصل القصصي والآيات المعقبة عليه. فوضعت آيات الفصل بعدها. وإذا صح الاحتمال الأخير فيكون شيء من الصلة بين هذا الفصل وما سبقه.
والآية [ ٤٨ ] بخاصة تلهم أنه كان من نقاط الجدل القائم مما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الكتب السماوية المتداولة بين أيدي أهل الكتاب، وأن المجادلين كانوا يتخذون ذلك وسيلة إلى الطعن بالقرآن ولدعوى اقتباس النبي من هذه الكتب. فردت الآية بعدها على هذه النقطة ردا قويا على النحو الذي شرحناه.
والنفي المذكور في الآية [ ٤٨ ] يحتمل أن يكون أريد به نفي تلاوة النبي كتابا ما من الكتب السماوية أو الاطلاع عليه قبل القرآن أو كتابته أو نفي القراءة والكتابة بالمرة عنه تدعيما لحجة كونه لم يقرأ الكتب السماوية ولم يكتبها ؛ لأنه لم يكن يحسن ذلك، وبالتالي دحضا لدعوى اقتباسه من الكتب السماوية. والإطلاق في النفي و تنكير المنفي مما يمكن أن يكون قرينة على أن المراد هو الاحتمال الثاني.
وإطلاق النفي في الآية وأسلوبها ينطويان على التحدي والتنديد والتذكير. فكأنما أريد أن يقال : إن المجادلين المدعين يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ويكتب، وبالتالي لم يتسن له قراءة الكتب السماوية وكتابتها. وإذا لحظنا أن هذا النفي يتلى علنا ويسمعه الناس من كتابيين وغير كتابيين أدركنا ما فيه من قوة الرد على دعوى المدعين وتحديها وتزييفها.
ويتبادر لنا أن النفي منصب على القراءة والكتابة الشخصيتين. وهذا لا ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع من بعض الكتابيين شيئا من أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي كانوا يتداولونها وينسبونها إلى أنبيائهم، مما ذكرت شيئا منه بعض الروايات وذكرناه في سياق تفسير سورتي النحل والفرقان.
ولقد قلنا : إن الآية [ ٤٧ ] تلهم أن من نقاط الجدل القائم ما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الأسفار المذكورة آنفا. ولسنا نرى في هذا إشكالا مؤيدا لدعوى المدعين. فكل ما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات القرآن المحكمة والمتشابهة من وحي الله الذي كان ينزل على قلبه اقتضته حكمة التنزيل ولو كان فيه تطابق مع الأسفار وقد سيق في القرآن للعبرة والموعظة لا للتاريخ. وأسلوب الآيات قوي رصين، يلهم أن النبي عليه السلام كان في موقف المستعلي المنتصر فيما يبديه من حجج ويبدو منه من قوة و إفحام وإلزام للمكابرين المعاندين من العرب والكتابيين معا.
ومع أنه لا خلاف في مكية الآيات، فإن بعض المفسرين ١ ذكروا في سياق تفسيرها عزوا إلى أهل التأويل أو تأويلا من عندهم أنها في صدد الحجاج مع يهود المدينة، وذكروا اسم عبد الله بن سلام وغيره من مسلمي اليهود وقالوا ٢ إنهم الذين عنتهم الآية [ ٤٧ ] بتعبير ﴿ ومن هؤلاء من يؤمن به ﴾ كما ذكروا أن الذين عنتهم جملة ﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾ هم الذين نبذوا الذمة ومنعوا الجزية عامة، وكعب بن الأشرف وزملاءه من اليهود خاصة. وهذا نموذج لكثير من الأقوال التي خلط فيها بين مدى ومدلول ومناسبة الآيات المكية والمدنية وظروف العهد المكي والمدني. وبعض المفسرين قال : إن كلمة ﴿ هؤلاء ﴾ تعني قريشا ٣ وبعضهم ٤ قال : إنها تعني المسلمين بالإضافة إلى ما قاله بعضهم إنها تعني الكتابيين، وبعضهم أرجع ضمير ﴿ به ﴾ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أرجعه إلى القرآن٥. ونرجو أن يكون ما أوردناه في شرح الآيات هو الصواب إن شاء الله.
وتعبير ﴿ وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ﴾ صريح قاطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب ويقرأ. أما تعبير ﴿ والأميين ﴾ [ آل عمران : ٢٠ ] فلا يعني ذلك بهذه الصراحة والقطعية. ولا سيما أن هذه الكلمة استعملت هي وجمعها في القرآن للدلالة على غير الكتابيين أو على العرب الذين ليسوا كتابيين كما ترى في آية آل عمران هذه ﴿ فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ٢٠ ﴾ ولقد كان من العرب كثيرون يقرؤون ويكتبون كما هو ثابت.
وبالرغم من هذه الصراحة فإن كايتاني٦ وغيره من المستشرقين ظلوا يصرون على دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب، ومنهم من قال : إنه كان يخفي ذلك ويراوغ فيه فلا يثبته ولا ينفيه ؛ لأنه يعرف أن منهم من كان يعرفه فيه. ولو تذكروا بأن هذا مما قد يكون وجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وأن القرآن قد رد عليه وزيفه علنا وبصراحة قطعية، وأن أصحابه وأخصاءه كانوا يتلون هذا الرد الصريح القطعي لوفروا على أنفسهم التعب ولما عرضوها لتهمة الغرض والعناد بل الوقاحة والكذب. فلا يمكن أن يعلن النبي صلى الله عليه وسلم بلسان القرآن وبأسلوب قاطع صريح أنه لا يقرأ ولا يكتب لو كان يقرأ ويكتب، ولا سيما لو كان أصحابه يعرفون ذلك فيه ؛ لأنه يثير حالة شك هؤلاء في ربانية القرآن وصدق النبي وهذا وذاك من الخطورة بمكان عظيم.
إنه قال :( كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون )٧. وقد أوردوا مع هذا الحديث حديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي ثملة الأنصاري قال :( بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود فقال يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال رسول الله : الله أعلم، قال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ).
ومع واجب المسلم بالتزام التعليم النبوي إزاء ما يحدثهم به أهل الكتاب فإنه يتبادر لنا أن ذلك إنما هو في ما ليس مغايرا أو ناقضا لما جاء في القرآن من مبادئ وأخبار، هذا أولا. وثانيا إنه يتبادر لنا من روح الآية ومقامها أن المقصود بما احتوته من نهي واستثناء هو الجدل حول نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وصلة القرآن بالله تعالى وليس الموقف الواجب وقوفه إزاء ما يحدثون به إطلاقا كما تلقاه المؤولون والمفسرون على ما هو المستفاد من كلامهم.
وليس في الحديثين ما يفيد ذلك. وقد صدرا عن رسول الله في المدينة في مناسبة أو مناسبات أخرى كما هو مستفاد منهما والله تعالى أعلم.
على أن هذا لا يمنع القول أن الاستثناء هو لا لأمر واقع، وإنما لأمر قد يكون رسمت الخطة له إذا وقع. وقد يكون من الدلائل على ذلك أنه ليس هناك رواية ما تذكر أن كتابيين على دينهم في مكة حينما فتحها الله على رسوله في السنة الهجرية الثامنة. والسورة من آخر ما نزل في مكة فلو كان بقي كتابيون لم ينضموا إلى الإسلام في مكة وكانوا يجادلون النبي ويغلطون في الجدال لكانت الروايات ذكرت ما صار عليه شأنهم حين فتح مكة. وليس مما يعقل أن يكونوا كلهم قد تواروا بالموت أثناء هذه المدة.
ولقد علم الله أن يهود يثرب التي أزمع النبي الهجرة إليها في ظروف نزول هذه الآيات سيقفون منه موقف المجادل الظالم فرسمت له الخطة معهم في هذه الآية والله تعالى أعلم.
والمستشرقون في عنادهم ودعواهم يقيسون الحاضر على الماضي فيؤدي القياس بهم إلى استحالة أن لا يكون النبي قارئا كاتبا مطلعا على الكتب السماوية. وهم مخطئون في قياسهم ؛ لأن الفرق عظيم بين الحاضر وذلك الماضي من مختلف النواحي.
والخطة التي ترسمها الآية الأولى جديرة بالملاحظة أيضا. فكأنما أريد بها القول إنه ليس من محل لخلاف ونزاع بين المسلمين والكتابيين من حيث المبدأ والجوهر. وإن التخاطب بالحسنى جدير بأن ييسر التفاهم والتمازج بينهم. أما إذا ظهر منهم شاذون فإنما يصدرون في شذوذهم عن سوء النية والعدوان والظلم. ومن واجب المسلمين أن يقابلوهم بما يستحقون فالخطة عظيمة رائعة ؛ لأنها تقوم على أساس الحق والعدل من جهة وعلى الرغبة الصادقة من ناحية المسلمين في توطيد التفاهم والتمازج من جهة أخرى.
والاستثناء الذي احتوته الآية وفحوى الآيات عامة يدلان على أن فريقا من أهل الكتاب كان معاندا مكابرا في موقف الجدل والحجاج إلى جانب فريق آخر كان مؤمنا مصدقا. وفي هذا صورة من صور العهد المكي ؛ حيث كان من العرب مؤمنون وكافرون وكان إلى جانبهم من الكتابيين مؤمنون وكافرون أيضا. وقد شرحنا ذلك في مناسبات سابقة وبينا أسبابه التي هي أسباب شخصية ونفعية دنيوية، وقد آمن بالرسالة المحمدية وصدق صلة القرآن بالله كل من استطاع أن يتفلّت من هذه الأسباب منهم كما ذكرته آيات عديدة مرت في سور عديدة، واستم
٢ انظر المصدر نفسه..
٣ انظر الطبري والخازن..
٤ انظر المصدر نفسه..
٥ انظر المصدر نفسه..
٦ انظر الجزء الأول من كتاب تاريخ الإسلام..
٧ ورد هذا الحديث في التاج برواية البخاري عن أبي هريرة بفرق يسير وهو ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا...﴾ الآية [ البقرة: ١٣٦] ج ٤ ص ٤٦..
في الآيات :
١- أمر بصيغة الجمع المخاطب التي يمكن أن تدل على أن الأمر موجه إلى النبي عليه السلام والمسلمين معا باستعمال اللين والمحاسنة في الجدل مع أهل الكتاب باستثناء الذين يبغون ويتجاوزون حدود الحق والإنصاف منهم. وبإعلانهم أنهم متفقون معهم في المبدأ والجوهر. فهم مؤمنون بما أنزل إليهم كما هم مؤمنون بما أنزل إلى النبي محمد عليه السلام وهم يعبدون ويعترفون بنفس الإله الذي يعبدونه ويعترفون به، وهم مسلمون أنفسهم إليه.
٢- وتنبيه موجه للنبي صلى الله عليه وسلم يتضمن التوكيد والتثبيت بأن الله قد أنزل إليه الكتاب كما أنزل الكتب من قبله على الأنبياء السابقين وبأن أهل الكتاب يؤمنون بكتب الله ومنهم من يؤمن بالكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم تبعا لذلك لما يرون فيه من المطابقة في الأسس والجوهر. ولا يمكن أن يجحد بآيات الله ويكابر فيها إلا من صمم على الكفر والعناد والمكابرة.
٣- وتوكيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو من قبل القرآن كتابا، ولم يكن يخط بيده كتابا حتى يمكن أن يكون هناك محل لريبة المبطلين الجاحدين ومكابرتهم.
٤- وتوكيد آخر بأن آيات الله التي يتلوها النبي صلى الله عليه وسلم متسقة في جوهرها وروحها وروحانيتها مع آيات الكتب الربانية التي يعرفها الذين أوتوا العلم والتي قد تشعبت بها نفوسهم وصدورهم.
تعليق على آية
﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ﴾
والآيات التي بعدها.
ولم نطلع على رواية ما تذكر سببا لنزول هذا الفصل الذي قد يبدو فصلا جديدا لا صلة له بالآيات السابقة، ومع ذلك فإن المتبادر من آياته أنها نزلت في مناسبة موقف من مواقف الجدل في موضوع القرآن ووحيه الإلهي اشترك فيه فريق من أهل الكتاب وفريق من المؤمنين مع النبي، وربما فريق من الكفار أيضا. ولعل هذا الجدل نشب على أثر الفصل القصصي والآيات المعقبة عليه. فوضعت آيات الفصل بعدها. وإذا صح الاحتمال الأخير فيكون شيء من الصلة بين هذا الفصل وما سبقه.
والآية [ ٤٨ ] بخاصة تلهم أنه كان من نقاط الجدل القائم مما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الكتب السماوية المتداولة بين أيدي أهل الكتاب، وأن المجادلين كانوا يتخذون ذلك وسيلة إلى الطعن بالقرآن ولدعوى اقتباس النبي من هذه الكتب. فردت الآية بعدها على هذه النقطة ردا قويا على النحو الذي شرحناه.
والنفي المذكور في الآية [ ٤٨ ] يحتمل أن يكون أريد به نفي تلاوة النبي كتابا ما من الكتب السماوية أو الاطلاع عليه قبل القرآن أو كتابته أو نفي القراءة والكتابة بالمرة عنه تدعيما لحجة كونه لم يقرأ الكتب السماوية ولم يكتبها ؛ لأنه لم يكن يحسن ذلك، وبالتالي دحضا لدعوى اقتباسه من الكتب السماوية. والإطلاق في النفي و تنكير المنفي مما يمكن أن يكون قرينة على أن المراد هو الاحتمال الثاني.
وإطلاق النفي في الآية وأسلوبها ينطويان على التحدي والتنديد والتذكير. فكأنما أريد أن يقال : إن المجادلين المدعين يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ويكتب، وبالتالي لم يتسن له قراءة الكتب السماوية وكتابتها. وإذا لحظنا أن هذا النفي يتلى علنا ويسمعه الناس من كتابيين وغير كتابيين أدركنا ما فيه من قوة الرد على دعوى المدعين وتحديها وتزييفها.
ويتبادر لنا أن النفي منصب على القراءة والكتابة الشخصيتين. وهذا لا ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع من بعض الكتابيين شيئا من أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي كانوا يتداولونها وينسبونها إلى أنبيائهم، مما ذكرت شيئا منه بعض الروايات وذكرناه في سياق تفسير سورتي النحل والفرقان.
ولقد قلنا : إن الآية [ ٤٧ ] تلهم أن من نقاط الجدل القائم ما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الأسفار المذكورة آنفا. ولسنا نرى في هذا إشكالا مؤيدا لدعوى المدعين. فكل ما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات القرآن المحكمة والمتشابهة من وحي الله الذي كان ينزل على قلبه اقتضته حكمة التنزيل ولو كان فيه تطابق مع الأسفار وقد سيق في القرآن للعبرة والموعظة لا للتاريخ. وأسلوب الآيات قوي رصين، يلهم أن النبي عليه السلام كان في موقف المستعلي المنتصر فيما يبديه من حجج ويبدو منه من قوة و إفحام وإلزام للمكابرين المعاندين من العرب والكتابيين معا.
ومع أنه لا خلاف في مكية الآيات، فإن بعض المفسرين ١ ذكروا في سياق تفسيرها عزوا إلى أهل التأويل أو تأويلا من عندهم أنها في صدد الحجاج مع يهود المدينة، وذكروا اسم عبد الله بن سلام وغيره من مسلمي اليهود وقالوا ٢ إنهم الذين عنتهم الآية [ ٤٧ ] بتعبير ﴿ ومن هؤلاء من يؤمن به ﴾ كما ذكروا أن الذين عنتهم جملة ﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾ هم الذين نبذوا الذمة ومنعوا الجزية عامة، وكعب بن الأشرف وزملاءه من اليهود خاصة. وهذا نموذج لكثير من الأقوال التي خلط فيها بين مدى ومدلول ومناسبة الآيات المكية والمدنية وظروف العهد المكي والمدني. وبعض المفسرين قال : إن كلمة ﴿ هؤلاء ﴾ تعني قريشا ٣ وبعضهم ٤ قال : إنها تعني المسلمين بالإضافة إلى ما قاله بعضهم إنها تعني الكتابيين، وبعضهم أرجع ضمير ﴿ به ﴾ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أرجعه إلى القرآن٥. ونرجو أن يكون ما أوردناه في شرح الآيات هو الصواب إن شاء الله.
وتعبير ﴿ وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ﴾ صريح قاطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب ويقرأ. أما تعبير ﴿ والأميين ﴾ [ آل عمران : ٢٠ ] فلا يعني ذلك بهذه الصراحة والقطعية. ولا سيما أن هذه الكلمة استعملت هي وجمعها في القرآن للدلالة على غير الكتابيين أو على العرب الذين ليسوا كتابيين كما ترى في آية آل عمران هذه ﴿ فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ٢٠ ﴾ ولقد كان من العرب كثيرون يقرؤون ويكتبون كما هو ثابت.
وبالرغم من هذه الصراحة فإن كايتاني٦ وغيره من المستشرقين ظلوا يصرون على دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب، ومنهم من قال : إنه كان يخفي ذلك ويراوغ فيه فلا يثبته ولا ينفيه ؛ لأنه يعرف أن منهم من كان يعرفه فيه. ولو تذكروا بأن هذا مما قد يكون وجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وأن القرآن قد رد عليه وزيفه علنا وبصراحة قطعية، وأن أصحابه وأخصاءه كانوا يتلون هذا الرد الصريح القطعي لوفروا على أنفسهم التعب ولما عرضوها لتهمة الغرض والعناد بل الوقاحة والكذب. فلا يمكن أن يعلن النبي صلى الله عليه وسلم بلسان القرآن وبأسلوب قاطع صريح أنه لا يقرأ ولا يكتب لو كان يقرأ ويكتب، ولا سيما لو كان أصحابه يعرفون ذلك فيه ؛ لأنه يثير حالة شك هؤلاء في ربانية القرآن وصدق النبي وهذا وذاك من الخطورة بمكان عظيم.
إنه قال :( كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون )٧. وقد أوردوا مع هذا الحديث حديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي ثملة الأنصاري قال :( بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود فقال يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال رسول الله : الله أعلم، قال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ).
ومع واجب المسلم بالتزام التعليم النبوي إزاء ما يحدثهم به أهل الكتاب فإنه يتبادر لنا أن ذلك إنما هو في ما ليس مغايرا أو ناقضا لما جاء في القرآن من مبادئ وأخبار، هذا أولا. وثانيا إنه يتبادر لنا من روح الآية ومقامها أن المقصود بما احتوته من نهي واستثناء هو الجدل حول نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وصلة القرآن بالله تعالى وليس الموقف الواجب وقوفه إزاء ما يحدثون به إطلاقا كما تلقاه المؤولون والمفسرون على ما هو المستفاد من كلامهم.
وليس في الحديثين ما يفيد ذلك. وقد صدرا عن رسول الله في المدينة في مناسبة أو مناسبات أخرى كما هو مستفاد منهما والله تعالى أعلم.
على أن هذا لا يمنع القول أن الاستثناء هو لا لأمر واقع، وإنما لأمر قد يكون رسمت الخطة له إذا وقع. وقد يكون من الدلائل على ذلك أنه ليس هناك رواية ما تذكر أن كتابيين على دينهم في مكة حينما فتحها الله على رسوله في السنة الهجرية الثامنة. والسورة من آخر ما نزل في مكة فلو كان بقي كتابيون لم ينضموا إلى الإسلام في مكة وكانوا يجادلون النبي ويغلطون في الجدال لكانت الروايات ذكرت ما صار عليه شأنهم حين فتح مكة. وليس مما يعقل أن يكونوا كلهم قد تواروا بالموت أثناء هذه المدة.
ولقد علم الله أن يهود يثرب التي أزمع النبي الهجرة إليها في ظروف نزول هذه الآيات سيقفون منه موقف المجادل الظالم فرسمت له الخطة معهم في هذه الآية والله تعالى أعلم.
والمستشرقون في عنادهم ودعواهم يقيسون الحاضر على الماضي فيؤدي القياس بهم إلى استحالة أن لا يكون النبي قارئا كاتبا مطلعا على الكتب السماوية. وهم مخطئون في قياسهم ؛ لأن الفرق عظيم بين الحاضر وذلك الماضي من مختلف النواحي.
والخطة التي ترسمها الآية الأولى جديرة بالملاحظة أيضا. فكأنما أريد بها القول إنه ليس من محل لخلاف ونزاع بين المسلمين والكتابيين من حيث المبدأ والجوهر. وإن التخاطب بالحسنى جدير بأن ييسر التفاهم والتمازج بينهم. أما إذا ظهر منهم شاذون فإنما يصدرون في شذوذهم عن سوء النية والعدوان والظلم. ومن واجب المسلمين أن يقابلوهم بما يستحقون فالخطة عظيمة رائعة ؛ لأنها تقوم على أساس الحق والعدل من جهة وعلى الرغبة الصادقة من ناحية المسلمين في توطيد التفاهم والتمازج من جهة أخرى.
والاستثناء الذي احتوته الآية وفحوى الآيات عامة يدلان على أن فريقا من أهل الكتاب كان معاندا مكابرا في موقف الجدل والحجاج إلى جانب فريق آخر كان مؤمنا مصدقا. وفي هذا صورة من صور العهد المكي ؛ حيث كان من العرب مؤمنون وكافرون وكان إلى جانبهم من الكتابيين مؤمنون وكافرون أيضا. وقد شرحنا ذلك في مناسبات سابقة وبينا أسبابه التي هي أسباب شخصية ونفعية دنيوية، وقد آمن بالرسالة المحمدية وصدق صلة القرآن بالله كل من استطاع أن يتفلّت من هذه الأسباب منهم كما ذكرته آيات عديدة مرت في سور عديدة، واستم
٢ انظر المصدر نفسه..
٣ انظر الطبري والخازن..
٤ انظر المصدر نفسه..
٥ انظر المصدر نفسه..
٦ انظر الجزء الأول من كتاب تاريخ الإسلام..
٧ ورد هذا الحديث في التاج برواية البخاري عن أبي هريرة بفرق يسير وهو ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا...﴾ الآية [ البقرة: ١٣٦] ج ٤ ص ٤٦..
في الآيات :
١- أمر بصيغة الجمع المخاطب التي يمكن أن تدل على أن الأمر موجه إلى النبي عليه السلام والمسلمين معا باستعمال اللين والمحاسنة في الجدل مع أهل الكتاب باستثناء الذين يبغون ويتجاوزون حدود الحق والإنصاف منهم. وبإعلانهم أنهم متفقون معهم في المبدأ والجوهر. فهم مؤمنون بما أنزل إليهم كما هم مؤمنون بما أنزل إلى النبي محمد عليه السلام وهم يعبدون ويعترفون بنفس الإله الذي يعبدونه ويعترفون به، وهم مسلمون أنفسهم إليه.
٢- وتنبيه موجه للنبي صلى الله عليه وسلم يتضمن التوكيد والتثبيت بأن الله قد أنزل إليه الكتاب كما أنزل الكتب من قبله على الأنبياء السابقين وبأن أهل الكتاب يؤمنون بكتب الله ومنهم من يؤمن بالكتاب الذي أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم تبعا لذلك لما يرون فيه من المطابقة في الأسس والجوهر. ولا يمكن أن يجحد بآيات الله ويكابر فيها إلا من صمم على الكفر والعناد والمكابرة.
٣- وتوكيد بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يتلو من قبل القرآن كتابا، ولم يكن يخط بيده كتابا حتى يمكن أن يكون هناك محل لريبة المبطلين الجاحدين ومكابرتهم.
٤- وتوكيد آخر بأن آيات الله التي يتلوها النبي صلى الله عليه وسلم متسقة في جوهرها وروحها وروحانيتها مع آيات الكتب الربانية التي يعرفها الذين أوتوا العلم والتي قد تشعبت بها نفوسهم وصدورهم.
تعليق على آية
﴿ ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ﴾
والآيات التي بعدها.
ولم نطلع على رواية ما تذكر سببا لنزول هذا الفصل الذي قد يبدو فصلا جديدا لا صلة له بالآيات السابقة، ومع ذلك فإن المتبادر من آياته أنها نزلت في مناسبة موقف من مواقف الجدل في موضوع القرآن ووحيه الإلهي اشترك فيه فريق من أهل الكتاب وفريق من المؤمنين مع النبي، وربما فريق من الكفار أيضا. ولعل هذا الجدل نشب على أثر الفصل القصصي والآيات المعقبة عليه. فوضعت آيات الفصل بعدها. وإذا صح الاحتمال الأخير فيكون شيء من الصلة بين هذا الفصل وما سبقه.
والآية [ ٤٨ ] بخاصة تلهم أنه كان من نقاط الجدل القائم مما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الكتب السماوية المتداولة بين أيدي أهل الكتاب، وأن المجادلين كانوا يتخذون ذلك وسيلة إلى الطعن بالقرآن ولدعوى اقتباس النبي من هذه الكتب. فردت الآية بعدها على هذه النقطة ردا قويا على النحو الذي شرحناه.
والنفي المذكور في الآية [ ٤٨ ] يحتمل أن يكون أريد به نفي تلاوة النبي كتابا ما من الكتب السماوية أو الاطلاع عليه قبل القرآن أو كتابته أو نفي القراءة والكتابة بالمرة عنه تدعيما لحجة كونه لم يقرأ الكتب السماوية ولم يكتبها ؛ لأنه لم يكن يحسن ذلك، وبالتالي دحضا لدعوى اقتباسه من الكتب السماوية. والإطلاق في النفي و تنكير المنفي مما يمكن أن يكون قرينة على أن المراد هو الاحتمال الثاني.
وإطلاق النفي في الآية وأسلوبها ينطويان على التحدي والتنديد والتذكير. فكأنما أريد أن يقال : إن المجادلين المدعين يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقرأ ويكتب، وبالتالي لم يتسن له قراءة الكتب السماوية وكتابتها. وإذا لحظنا أن هذا النفي يتلى علنا ويسمعه الناس من كتابيين وغير كتابيين أدركنا ما فيه من قوة الرد على دعوى المدعين وتحديها وتزييفها.
ويتبادر لنا أن النفي منصب على القراءة والكتابة الشخصيتين. وهذا لا ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم سمع من بعض الكتابيين شيئا من أسفار العهد القديم والعهد الجديد التي كانوا يتداولونها وينسبونها إلى أنبيائهم، مما ذكرت شيئا منه بعض الروايات وذكرناه في سياق تفسير سورتي النحل والفرقان.
ولقد قلنا : إن الآية [ ٤٧ ] تلهم أن من نقاط الجدل القائم ما كان يرى من تشابه وتماثل بين محتويات القرآن ومحتويات الأسفار المذكورة آنفا. ولسنا نرى في هذا إشكالا مؤيدا لدعوى المدعين. فكل ما كان يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات القرآن المحكمة والمتشابهة من وحي الله الذي كان ينزل على قلبه اقتضته حكمة التنزيل ولو كان فيه تطابق مع الأسفار وقد سيق في القرآن للعبرة والموعظة لا للتاريخ. وأسلوب الآيات قوي رصين، يلهم أن النبي عليه السلام كان في موقف المستعلي المنتصر فيما يبديه من حجج ويبدو منه من قوة و إفحام وإلزام للمكابرين المعاندين من العرب والكتابيين معا.
ومع أنه لا خلاف في مكية الآيات، فإن بعض المفسرين ١ ذكروا في سياق تفسيرها عزوا إلى أهل التأويل أو تأويلا من عندهم أنها في صدد الحجاج مع يهود المدينة، وذكروا اسم عبد الله بن سلام وغيره من مسلمي اليهود وقالوا ٢ إنهم الذين عنتهم الآية [ ٤٧ ] بتعبير ﴿ ومن هؤلاء من يؤمن به ﴾ كما ذكروا أن الذين عنتهم جملة ﴿ إلا الذين ظلموا منهم ﴾ هم الذين نبذوا الذمة ومنعوا الجزية عامة، وكعب بن الأشرف وزملاءه من اليهود خاصة. وهذا نموذج لكثير من الأقوال التي خلط فيها بين مدى ومدلول ومناسبة الآيات المكية والمدنية وظروف العهد المكي والمدني. وبعض المفسرين قال : إن كلمة ﴿ هؤلاء ﴾ تعني قريشا ٣ وبعضهم ٤ قال : إنها تعني المسلمين بالإضافة إلى ما قاله بعضهم إنها تعني الكتابيين، وبعضهم أرجع ضمير ﴿ به ﴾ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أرجعه إلى القرآن٥. ونرجو أن يكون ما أوردناه في شرح الآيات هو الصواب إن شاء الله.
وتعبير ﴿ وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك ﴾ صريح قاطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب ويقرأ. أما تعبير ﴿ والأميين ﴾ [ آل عمران : ٢٠ ] فلا يعني ذلك بهذه الصراحة والقطعية. ولا سيما أن هذه الكلمة استعملت هي وجمعها في القرآن للدلالة على غير الكتابيين أو على العرب الذين ليسوا كتابيين كما ترى في آية آل عمران هذه ﴿ فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد ٢٠ ﴾ ولقد كان من العرب كثيرون يقرؤون ويكتبون كما هو ثابت.
وبالرغم من هذه الصراحة فإن كايتاني٦ وغيره من المستشرقين ظلوا يصرون على دعوى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ويكتب، ومنهم من قال : إنه كان يخفي ذلك ويراوغ فيه فلا يثبته ولا ينفيه ؛ لأنه يعرف أن منهم من كان يعرفه فيه. ولو تذكروا بأن هذا مما قد يكون وجّه إلى النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وأن القرآن قد رد عليه وزيفه علنا وبصراحة قطعية، وأن أصحابه وأخصاءه كانوا يتلون هذا الرد الصريح القطعي لوفروا على أنفسهم التعب ولما عرضوها لتهمة الغرض والعناد بل الوقاحة والكذب. فلا يمكن أن يعلن النبي صلى الله عليه وسلم بلسان القرآن وبأسلوب قاطع صريح أنه لا يقرأ ولا يكتب لو كان يقرأ ويكتب، ولا سيما لو كان أصحابه يعرفون ذلك فيه ؛ لأنه يثير حالة شك هؤلاء في ربانية القرآن وصدق النبي وهذا وذاك من الخطورة بمكان عظيم.
إنه قال :( كان أهل الكتاب يقرأون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون )٧. وقد أوردوا مع هذا الحديث حديثا آخر رواه الإمام أحمد عن أبي ثملة الأنصاري قال :( بينما هو جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه رجل من اليهود فقال يا محمد هل تتكلم هذه الجنازة ؟ فقال رسول الله : الله أعلم، قال اليهودي : أنا أشهد أنها تتكلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ).
ومع واجب المسلم بالتزام التعليم النبوي إزاء ما يحدثهم به أهل الكتاب فإنه يتبادر لنا أن ذلك إنما هو في ما ليس مغايرا أو ناقضا لما جاء في القرآن من مبادئ وأخبار، هذا أولا. وثانيا إنه يتبادر لنا من روح الآية ومقامها أن المقصود بما احتوته من نهي واستثناء هو الجدل حول نبوة النبي صلى الله عليه وسلم وصلة القرآن بالله تعالى وليس الموقف الواجب وقوفه إزاء ما يحدثون به إطلاقا كما تلقاه المؤولون والمفسرون على ما هو المستفاد من كلامهم.
وليس في الحديثين ما يفيد ذلك. وقد صدرا عن رسول الله في المدينة في مناسبة أو مناسبات أخرى كما هو مستفاد منهما والله تعالى أعلم.
على أن هذا لا يمنع القول أن الاستثناء هو لا لأمر واقع، وإنما لأمر قد يكون رسمت الخطة له إذا وقع. وقد يكون من الدلائل على ذلك أنه ليس هناك رواية ما تذكر أن كتابيين على دينهم في مكة حينما فتحها الله على رسوله في السنة الهجرية الثامنة. والسورة من آخر ما نزل في مكة فلو كان بقي كتابيون لم ينضموا إلى الإسلام في مكة وكانوا يجادلون النبي ويغلطون في الجدال لكانت الروايات ذكرت ما صار عليه شأنهم حين فتح مكة. وليس مما يعقل أن يكونوا كلهم قد تواروا بالموت أثناء هذه المدة.
ولقد علم الله أن يهود يثرب التي أزمع النبي الهجرة إليها في ظروف نزول هذه الآيات سيقفون منه موقف المجادل الظالم فرسمت له الخطة معهم في هذه الآية والله تعالى أعلم.
والمستشرقون في عنادهم ودعواهم يقيسون الحاضر على الماضي فيؤدي القياس بهم إلى استحالة أن لا يكون النبي قارئا كاتبا مطلعا على الكتب السماوية. وهم مخطئون في قياسهم ؛ لأن الفرق عظيم بين الحاضر وذلك الماضي من مختلف النواحي.
والخطة التي ترسمها الآية الأولى جديرة بالملاحظة أيضا. فكأنما أريد بها القول إنه ليس من محل لخلاف ونزاع بين المسلمين والكتابيين من حيث المبدأ والجوهر. وإن التخاطب بالحسنى جدير بأن ييسر التفاهم والتمازج بينهم. أما إذا ظهر منهم شاذون فإنما يصدرون في شذوذهم عن سوء النية والعدوان والظلم. ومن واجب المسلمين أن يقابلوهم بما يستحقون فالخطة عظيمة رائعة ؛ لأنها تقوم على أساس الحق والعدل من جهة وعلى الرغبة الصادقة من ناحية المسلمين في توطيد التفاهم والتمازج من جهة أخرى.
والاستثناء الذي احتوته الآية وفحوى الآيات عامة يدلان على أن فريقا من أهل الكتاب كان معاندا مكابرا في موقف الجدل والحجاج إلى جانب فريق آخر كان مؤمنا مصدقا. وفي هذا صورة من صور العهد المكي ؛ حيث كان من العرب مؤمنون وكافرون وكان إلى جانبهم من الكتابيين مؤمنون وكافرون أيضا. وقد شرحنا ذلك في مناسبات سابقة وبينا أسبابه التي هي أسباب شخصية ونفعية دنيوية، وقد آمن بالرسالة المحمدية وصدق صلة القرآن بالله كل من استطاع أن يتفلّت من هذه الأسباب منهم كما ذكرته آيات عديدة مرت في سور عديدة، واستم
٢ انظر المصدر نفسه..
٣ انظر الطبري والخازن..
٤ انظر المصدر نفسه..
٥ انظر المصدر نفسه..
٦ انظر الجزء الأول من كتاب تاريخ الإسلام..
٧ ورد هذا الحديث في التاج برواية البخاري عن أبي هريرة بفرق يسير وهو ﴿قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا...﴾ الآية [ البقرة: ١٣٦] ج ٤ ص ٤٦..
في هذه الآيات :
١- حكاية لتحد وجهه الكفار إلى النبي عليه السلام بالإتيان بالمعجزات والخوارق برهانا على صلته بالله.
٢- وأمر للنبي بالرد عليهم بأن المعجزات والخوارق بيد الله، وأنه ليس إلا نذيرا مبينا للناس بأمر الله الطريق التي يجب أن يسيروا فيها.
٣- وتساؤل في معرض الاستنكار عما إذا لم يكن فيما أوحى الله إلى النبي من كتاب الله يتلى عليهم ما يكفيهم ويقنعهم. ففيه رحمة وتذكرة ربانيتان لا ريب فيهما لمن يؤمن أو يرغب في الإيمان حقا.
٤- وأمر آخر للنبي بإعلان المجادلين المتحدّين بأن يجعل الله بينه وبينهم شاهدا وحكما وفي ذلك الكفاية والبلاغ. فهو يعلم بكل ما في السماوات والأرض ويعرف المحق من المبطل والصادق من الكاذب ؛ مع التوكيد بأن الخاسرين في هذا الاستشهاد والاحتكام هم المكابرون المصممون على الكفر المتمسكون بالباطل.
ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزول الآية الأولى. وكل ما قالوه إنها رد على الكفار الذين طلبوا من النبي آية من ربه تؤيده في دعواه. ولقد روى الطبري في سياق الآية الثانية [ ٥١ ] عن جعدة بن يحيى أن ناسا من المسلمين أتوا نبي الله بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما نظر فيها ألقاها، ثم قال : كفى بها حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء غير نبيهم به إلى قوم غيرهم فنزلت الآية.
والرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. وهي مدنية الطابع في حين أنه لا خلاف في مكية الآية. وبالإضافة إلى هذا فإن الآية منسجمة أشد الانسجام نظما وموضوعا بما قبلها وما بعدها. والخطاب فيها موجه إلى الذين تحدوا النبي باستنزال آية من ربه ؛ حيث يصح القول : إن الرواية غير محتملة الصحة كمناسبة لنزول الآية. وكل ما يمكن أن يصح إذا صحت الرواية أن يكون النبي قد رد على الذين ظنوا أنهم فعلوا صوابا بنقلهم بعض ما يقوله اليهود، وأن الآية تليت في هذه المناسبة. والذي يتبادر لنا أن الآيات استمرار في حكاية موقف الجدل الذي بدئت به الآيات السابقة ومتصلة بالسياق. ومن المحتمل أن يكون التحدي من جاحدي الكتابيين كما يحتمل أن يكون من جاحدي المشركين. وإن كانت الآيات التالية لهذه الآيات ترجح الاحتمال الثاني.
تعليق على آية
﴿ وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه.. ﴾ وآية
﴿ أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم... ﴾
وتحدي الكفار النبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان بالمعجزات والآيات كان يتكرر في كل مناسبة جدلية على ما حكته آيات عديدة في سور عديدة سبق تفسيرها. وقد اقتضت حكمة الله أن لا يظهر على يد رسوله معجزة إجابة للتحدي وبرهانا على صدق رسالته ؛ لأن هذه الرسالة في غنى عن المعجزة مما انطوى في آيات كثيرة وشرحناه في سياق سورة المدثر وكان جواب القرآن لهم منطويا على ذلك المعنى، ثم على ما انطوى في هذه الآيات في مواضع عديدة من أن القرآن آية عظمى فيها المقنع لمن حسنت نيته ورغب في الحق والهدى. وقد يرد على البال معجزة انشقاق القمر وقد شرحنا هذا الأمر في سياق تفسير سورة القمر بما يغني عن التكرار.
والتساؤل الاستنكاري الذي بدأت به الآية [ ٥١ ] ينطوي على تنديد قوي لمن غلظ قلبه وخبثت نيته وعميت بصيرته فلم ير نور القرآن الهادي السنيّ ولم ينفذ إليه روحه وروحانيته وظل يعاند ويتحدى، كما أن الآية تجمعت فيها قوة رائعة من تقرير كون القرآن هو أعظم آية مصدقة لنبوة النبي فيما احتواه من الرحمة والتذكرة البالغة والأسس الكافلة لصلاح الدين والدنيا. والرد الذي احتوته انطوى في الوقت نفسه على الرد على ما كان يقوم في أذهان الكفار من لزوم حدوث الخوارق في معرض تأييد نبوة النبي ودعوته.
فليس ذلك من الضروري في صدد الدعوى إلى الحق والهدى ؛ لأن في طبيعة الدعوة ومبادئها وأهدافها المبينة في القرآن مؤيدات كافية لصدق النبي في دعوته وصلتها بوحي الله. وهي مؤيدات خالدة قائمة للعيان في كل آن في حين أن الخوارق غير متصلة بطبيعة وأهداف الدعوة وغير دائمة. وكانت دائما موضع نقاش وتكذيب ولم تفد في تأييد دعوة الأنبياء السابقين وبخاصة بالنسبة للذين بيتوا الجحود والتكذيب لأسباب شخصية واستكبارا في الأرض ومكر السيئ. وروح الآيات، كما أن نصوص وروح الآيات الكثيرة انطوت على هذا الرد أو ما في معناه مما مر منه أمثلة كثيرة.
في هذه الآيات :
١- حكاية لتحد وجهه الكفار إلى النبي عليه السلام بالإتيان بالمعجزات والخوارق برهانا على صلته بالله.
٢- وأمر للنبي بالرد عليهم بأن المعجزات والخوارق بيد الله، وأنه ليس إلا نذيرا مبينا للناس بأمر الله الطريق التي يجب أن يسيروا فيها.
٣- وتساؤل في معرض الاستنكار عما إذا لم يكن فيما أوحى الله إلى النبي من كتاب الله يتلى عليهم ما يكفيهم ويقنعهم. ففيه رحمة وتذكرة ربانيتان لا ريب فيهما لمن يؤمن أو يرغب في الإيمان حقا.
٤- وأمر آخر للنبي بإعلان المجادلين المتحدّين بأن يجعل الله بينه وبينهم شاهدا وحكما وفي ذلك الكفاية والبلاغ. فهو يعلم بكل ما في السماوات والأرض ويعرف المحق من المبطل والصادق من الكاذب ؛ مع التوكيد بأن الخاسرين في هذا الاستشهاد والاحتكام هم المكابرون المصممون على الكفر المتمسكون بالباطل.
ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزول الآية الأولى. وكل ما قالوه إنها رد على الكفار الذين طلبوا من النبي آية من ربه تؤيده في دعواه. ولقد روى الطبري في سياق الآية الثانية [ ٥١ ] عن جعدة بن يحيى أن ناسا من المسلمين أتوا نبي الله بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما نظر فيها ألقاها، ثم قال : كفى بها حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء غير نبيهم به إلى قوم غيرهم فنزلت الآية.
والرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. وهي مدنية الطابع في حين أنه لا خلاف في مكية الآية. وبالإضافة إلى هذا فإن الآية منسجمة أشد الانسجام نظما وموضوعا بما قبلها وما بعدها. والخطاب فيها موجه إلى الذين تحدوا النبي باستنزال آية من ربه ؛ حيث يصح القول : إن الرواية غير محتملة الصحة كمناسبة لنزول الآية. وكل ما يمكن أن يصح إذا صحت الرواية أن يكون النبي قد رد على الذين ظنوا أنهم فعلوا صوابا بنقلهم بعض ما يقوله اليهود، وأن الآية تليت في هذه المناسبة. والذي يتبادر لنا أن الآيات استمرار في حكاية موقف الجدل الذي بدئت به الآيات السابقة ومتصلة بالسياق. ومن المحتمل أن يكون التحدي من جاحدي الكتابيين كما يحتمل أن يكون من جاحدي المشركين. وإن كانت الآيات التالية لهذه الآيات ترجح الاحتمال الثاني.
تعليق على آية
﴿ وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه.. ﴾ وآية
﴿ أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم... ﴾
وتحدي الكفار النبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان بالمعجزات والآيات كان يتكرر في كل مناسبة جدلية على ما حكته آيات عديدة في سور عديدة سبق تفسيرها. وقد اقتضت حكمة الله أن لا يظهر على يد رسوله معجزة إجابة للتحدي وبرهانا على صدق رسالته ؛ لأن هذه الرسالة في غنى عن المعجزة مما انطوى في آيات كثيرة وشرحناه في سياق سورة المدثر وكان جواب القرآن لهم منطويا على ذلك المعنى، ثم على ما انطوى في هذه الآيات في مواضع عديدة من أن القرآن آية عظمى فيها المقنع لمن حسنت نيته ورغب في الحق والهدى. وقد يرد على البال معجزة انشقاق القمر وقد شرحنا هذا الأمر في سياق تفسير سورة القمر بما يغني عن التكرار.
والتساؤل الاستنكاري الذي بدأت به الآية [ ٥١ ] ينطوي على تنديد قوي لمن غلظ قلبه وخبثت نيته وعميت بصيرته فلم ير نور القرآن الهادي السنيّ ولم ينفذ إليه روحه وروحانيته وظل يعاند ويتحدى، كما أن الآية تجمعت فيها قوة رائعة من تقرير كون القرآن هو أعظم آية مصدقة لنبوة النبي فيما احتواه من الرحمة والتذكرة البالغة والأسس الكافلة لصلاح الدين والدنيا. والرد الذي احتوته انطوى في الوقت نفسه على الرد على ما كان يقوم في أذهان الكفار من لزوم حدوث الخوارق في معرض تأييد نبوة النبي ودعوته.
فليس ذلك من الضروري في صدد الدعوى إلى الحق والهدى ؛ لأن في طبيعة الدعوة ومبادئها وأهدافها المبينة في القرآن مؤيدات كافية لصدق النبي في دعوته وصلتها بوحي الله. وهي مؤيدات خالدة قائمة للعيان في كل آن في حين أن الخوارق غير متصلة بطبيعة وأهداف الدعوة وغير دائمة. وكانت دائما موضع نقاش وتكذيب ولم تفد في تأييد دعوة الأنبياء السابقين وبخاصة بالنسبة للذين بيتوا الجحود والتكذيب لأسباب شخصية واستكبارا في الأرض ومكر السيئ. وروح الآيات، كما أن نصوص وروح الآيات الكثيرة انطوت على هذا الرد أو ما في معناه مما مر منه أمثلة كثيرة.
في هذه الآيات :
١- حكاية لتحد وجهه الكفار إلى النبي عليه السلام بالإتيان بالمعجزات والخوارق برهانا على صلته بالله.
٢- وأمر للنبي بالرد عليهم بأن المعجزات والخوارق بيد الله، وأنه ليس إلا نذيرا مبينا للناس بأمر الله الطريق التي يجب أن يسيروا فيها.
٣- وتساؤل في معرض الاستنكار عما إذا لم يكن فيما أوحى الله إلى النبي من كتاب الله يتلى عليهم ما يكفيهم ويقنعهم. ففيه رحمة وتذكرة ربانيتان لا ريب فيهما لمن يؤمن أو يرغب في الإيمان حقا.
٤- وأمر آخر للنبي بإعلان المجادلين المتحدّين بأن يجعل الله بينه وبينهم شاهدا وحكما وفي ذلك الكفاية والبلاغ. فهو يعلم بكل ما في السماوات والأرض ويعرف المحق من المبطل والصادق من الكاذب ؛ مع التوكيد بأن الخاسرين في هذا الاستشهاد والاحتكام هم المكابرون المصممون على الكفر المتمسكون بالباطل.
ولم يرو المفسرون رواية خاصة في نزول الآية الأولى. وكل ما قالوه إنها رد على الكفار الذين طلبوا من النبي آية من ربه تؤيده في دعواه. ولقد روى الطبري في سياق الآية الثانية [ ٥١ ] عن جعدة بن يحيى أن ناسا من المسلمين أتوا نبي الله بكتب قد كتبوا فيها بعض ما يقول اليهود، فلما نظر فيها ألقاها، ثم قال : كفى بها حماقة قوم أو ضلالة قوم أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى ما جاء غير نبيهم به إلى قوم غيرهم فنزلت الآية.
والرواية لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة. وهي مدنية الطابع في حين أنه لا خلاف في مكية الآية. وبالإضافة إلى هذا فإن الآية منسجمة أشد الانسجام نظما وموضوعا بما قبلها وما بعدها. والخطاب فيها موجه إلى الذين تحدوا النبي باستنزال آية من ربه ؛ حيث يصح القول : إن الرواية غير محتملة الصحة كمناسبة لنزول الآية. وكل ما يمكن أن يصح إذا صحت الرواية أن يكون النبي قد رد على الذين ظنوا أنهم فعلوا صوابا بنقلهم بعض ما يقوله اليهود، وأن الآية تليت في هذه المناسبة. والذي يتبادر لنا أن الآيات استمرار في حكاية موقف الجدل الذي بدئت به الآيات السابقة ومتصلة بالسياق. ومن المحتمل أن يكون التحدي من جاحدي الكتابيين كما يحتمل أن يكون من جاحدي المشركين. وإن كانت الآيات التالية لهذه الآيات ترجح الاحتمال الثاني.
تعليق على آية
﴿ وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه.. ﴾ وآية
﴿ أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم... ﴾
وتحدي الكفار النبي صلى الله عليه وسلم بالإتيان بالمعجزات والآيات كان يتكرر في كل مناسبة جدلية على ما حكته آيات عديدة في سور عديدة سبق تفسيرها. وقد اقتضت حكمة الله أن لا يظهر على يد رسوله معجزة إجابة للتحدي وبرهانا على صدق رسالته ؛ لأن هذه الرسالة في غنى عن المعجزة مما انطوى في آيات كثيرة وشرحناه في سياق سورة المدثر وكان جواب القرآن لهم منطويا على ذلك المعنى، ثم على ما انطوى في هذه الآيات في مواضع عديدة من أن القرآن آية عظمى فيها المقنع لمن حسنت نيته ورغب في الحق والهدى. وقد يرد على البال معجزة انشقاق القمر وقد شرحنا هذا الأمر في سياق تفسير سورة القمر بما يغني عن التكرار.
والتساؤل الاستنكاري الذي بدأت به الآية [ ٥١ ] ينطوي على تنديد قوي لمن غلظ قلبه وخبثت نيته وعميت بصيرته فلم ير نور القرآن الهادي السنيّ ولم ينفذ إليه روحه وروحانيته وظل يعاند ويتحدى، كما أن الآية تجمعت فيها قوة رائعة من تقرير كون القرآن هو أعظم آية مصدقة لنبوة النبي فيما احتواه من الرحمة والتذكرة البالغة والأسس الكافلة لصلاح الدين والدنيا. والرد الذي احتوته انطوى في الوقت نفسه على الرد على ما كان يقوم في أذهان الكفار من لزوم حدوث الخوارق في معرض تأييد نبوة النبي ودعوته.
فليس ذلك من الضروري في صدد الدعوى إلى الحق والهدى ؛ لأن في طبيعة الدعوة ومبادئها وأهدافها المبينة في القرآن مؤيدات كافية لصدق النبي في دعوته وصلتها بوحي الله. وهي مؤيدات خالدة قائمة للعيان في كل آن في حين أن الخوارق غير متصلة بطبيعة وأهداف الدعوة وغير دائمة. وكانت دائما موضع نقاش وتكذيب ولم تفد في تأييد دعوة الأنبياء السابقين وبخاصة بالنسبة للذين بيتوا الجحود والتكذيب لأسباب شخصية واستكبارا في الأرض ومكر السيئ. وروح الآيات، كما أن نصوص وروح الآيات الكثيرة انطوت على هذا الرد أو ما في معناه مما مر منه أمثلة كثيرة.
في هذه الآيات :
١- حكاية لتحدي الكفار للنبي بالتعجيل بالعذاب الذي ينذرهم به في معرض الاستخفاف والاستهزاء.
٢- ورد عليهم بأنه لولا اقتضاء حكمة الله بتأجيل العذاب إلى أجل معين في علمه لجاءهم فورا كما يطلبون.
٣- وتوكيد بأن العذاب واقع عليهم حتما وسيفاجئهم مفاجأة دون أن يشعروا بمقدماته، وبأن جهنم معدة لهم في الآخرة دون أن يفلت منهم أحد، وبأن العذاب سوف يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقال لهم حينئذ : ذوقوا ما كتم تعملون.
قال البغوي : إن الآيات نزلت في النضر بن الحارث حين قال :( فأمطر علينا حجارة من السماء ) ولم يعز المفسر هذا إلى أحد ولم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولقد حكت إحدى آيات سورة الأنفال هذا القول بسبيل ذكر ما كان من الكفار من استعجال للعذاب على سبيل الهزء والاستخفاف وهي ﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ٣٢ ﴾ غير أن الاستعجال منهم قد تكرر وحكته عنهم آيات عديدة سابقة مع الرد عليهم بحيث لا نرى مرجحا لتسويغ تخصيص النضر بالذكر في صدد نزول الآية.
والذي يتبادر لنا أن الآيات متصلة بحكاية موقف الكفار وحجاجهم وتحدّيهم التي احتوتها الآيات السابقة واستمرار للسياق. وقد احتوت تحديا جديدا للكفار فردت عليهم كما احتوت ذلك الآيات السابقة. ولما كان التحدي بتعجيل العذاب قد صدر مرارا من مشركي العرب فإنا اعتبرنا ذلك قرينة رجحنا بها أن التحدي بالإتيان بالمعجزات التي حكته الآيات السابقة هو منهم أيضا.
في هذه الآيات :
١- حكاية لتحدي الكفار للنبي بالتعجيل بالعذاب الذي ينذرهم به في معرض الاستخفاف والاستهزاء.
٢- ورد عليهم بأنه لولا اقتضاء حكمة الله بتأجيل العذاب إلى أجل معين في علمه لجاءهم فورا كما يطلبون.
٣- وتوكيد بأن العذاب واقع عليهم حتما وسيفاجئهم مفاجأة دون أن يشعروا بمقدماته، وبأن جهنم معدة لهم في الآخرة دون أن يفلت منهم أحد، وبأن العذاب سوف يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقال لهم حينئذ : ذوقوا ما كتم تعملون.
قال البغوي : إن الآيات نزلت في النضر بن الحارث حين قال :( فأمطر علينا حجارة من السماء ) ولم يعز المفسر هذا إلى أحد ولم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولقد حكت إحدى آيات سورة الأنفال هذا القول بسبيل ذكر ما كان من الكفار من استعجال للعذاب على سبيل الهزء والاستخفاف وهي ﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ٣٢ ﴾ غير أن الاستعجال منهم قد تكرر وحكته عنهم آيات عديدة سابقة مع الرد عليهم بحيث لا نرى مرجحا لتسويغ تخصيص النضر بالذكر في صدد نزول الآية.
والذي يتبادر لنا أن الآيات متصلة بحكاية موقف الكفار وحجاجهم وتحدّيهم التي احتوتها الآيات السابقة واستمرار للسياق. وقد احتوت تحديا جديدا للكفار فردت عليهم كما احتوت ذلك الآيات السابقة. ولما كان التحدي بتعجيل العذاب قد صدر مرارا من مشركي العرب فإنا اعتبرنا ذلك قرينة رجحنا بها أن التحدي بالإتيان بالمعجزات التي حكته الآيات السابقة هو منهم أيضا.
في هذه الآيات :
١- حكاية لتحدي الكفار للنبي بالتعجيل بالعذاب الذي ينذرهم به في معرض الاستخفاف والاستهزاء.
٢- ورد عليهم بأنه لولا اقتضاء حكمة الله بتأجيل العذاب إلى أجل معين في علمه لجاءهم فورا كما يطلبون.
٣- وتوكيد بأن العذاب واقع عليهم حتما وسيفاجئهم مفاجأة دون أن يشعروا بمقدماته، وبأن جهنم معدة لهم في الآخرة دون أن يفلت منهم أحد، وبأن العذاب سوف يغشاهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقال لهم حينئذ : ذوقوا ما كتم تعملون.
قال البغوي : إن الآيات نزلت في النضر بن الحارث حين قال :( فأمطر علينا حجارة من السماء ) ولم يعز المفسر هذا إلى أحد ولم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. ولقد حكت إحدى آيات سورة الأنفال هذا القول بسبيل ذكر ما كان من الكفار من استعجال للعذاب على سبيل الهزء والاستخفاف وهي ﴿ وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ٣٢ ﴾ غير أن الاستعجال منهم قد تكرر وحكته عنهم آيات عديدة سابقة مع الرد عليهم بحيث لا نرى مرجحا لتسويغ تخصيص النضر بالذكر في صدد نزول الآية.
والذي يتبادر لنا أن الآيات متصلة بحكاية موقف الكفار وحجاجهم وتحدّيهم التي احتوتها الآيات السابقة واستمرار للسياق. وقد احتوت تحديا جديدا للكفار فردت عليهم كما احتوت ذلك الآيات السابقة. ولما كان التحدي بتعجيل العذاب قد صدر مرارا من مشركي العرب فإنا اعتبرنا ذلك قرينة رجحنا بها أن التحدي بالإتيان بالمعجزات التي حكته الآيات السابقة هو منهم أيضا.
في الآيات خطاب موجه إلى المؤمنين.
١- يثبتهم في دينهم وإخلاصهم في العبادة لله وحده.
٢- ويطمئنهم بأن أرض الله واسعة يستطيعون أن يجدوا فيها الأمن والعافية والحرية.
٣- ويذكرهم بأن الموت مصير كل حي وبأن الله مرجع الناس جميعا.
٤- ويؤكد لهم بأن الله سينزل المؤمنين الصالحين بأعمالهم غرفا في الجنة تجري من تحتها الأنهار. وأنها لنعم الأجر لمن آمن وعمل صالحا وصبر على الحق وجعل اعتماده وتوكله على الله.
٥- وينبههم إلى أن الله تعالى قد تكفل برزق جميع خلقه من الأحياء. وكما أن كثيرا من الدواب لا تدخر رزقا ولا تكسب ما يضمن لها الرزق والله يرزقها فإنه كذلك يرزقهم أيضا فلا يقلقوا من هذه الناحية، وهو السميع لكل ما يقال العليم بجميع الأحوال.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ﴾
وما بعدها
ويبدو هذا الفصل جديدا بالنسبة للسياق السابق أو مستقلا عنه ؛ حيث ينتقل الخطاب فيه إلى المؤمنين في أمر مقامهم في مكة بعد حكاية الموقف الجدلي بين النبي والمؤمنين من ناحية، والكفار من ناحية. وحكاية تحدي الكفار بالمعجزات وبالتعجيل بالعذاب. ومثل هذا الانتقال من أساليب النظم القرآني مما مر منه أمثلة عديدة ؛ ولهذا لا نرى انقطاعا تاما بين هذا الفصل وما قبله. والمتبادر أنه نزل بعد الآيات السابقة فوضع في ترتيبه.
ولقد أورد المفسرون أقوالا عديدة في صدد الآيات معظمها بدون سند أو عزو إلى تابعي أو صحابي وواحد منها معزو إلى ابن عمر ١ منها أنها خطاب عام للمؤمنين بعدم إقامتهم في دار ظلم ومعصية وبهروبهم منها إلى أرض الله الواسعة حيث تكون لهم حرية العبادة والعمل في سبيله. ومنها أنها نداء للمؤمنين في مكة أو المستضعفين منهم للهروب والخروج من مكة لتكون لهم تلك الحرية. ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد الأذى على المسلمين في مكة وأمرهم بالخروج إلى المدينة قال بعضهم : كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا مال ؟ فمن يطعمنا ويسقينا ؟ فأنزل الله الآية الأخيرة. ومنها أنها نزلت في جماعة تخلفوا عن الهجرة من مكة تحسبا من الموت والعوز والضيق في أرض الغربة. ومنها حديث رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر جاء فيه :( أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بستانا من بساتين الأنصار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : كل يا ابن عمر، قلت : لا أشتهيه يا رسول الله قال : ولكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده، فقلت : إنا لله، الله المستعان. قال : يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ولكني أجوع يوما وأشبع يوما. فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين. قال : فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت ﴿ وكأين من دابة.... الخ ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله. ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبئ رزقا لغد ) ٢. وحديث ابن عمر والقول الذي قبله يقتضيان أن تكون الآيات أو الآية [ ٥٩ ] مدنية نزلت لحدتها مع أنه ليس هناك رواية ما بذلك فيما اطلعنا عليه. وقد قيل مثل القول الذي قبل الحديث في مناسبة الآيات الأولى من السورة وأوردناه وعلقنا عليه. والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. والأقوال الأخرى محتملة الصحة على ما يلهمه فحوى الآيات وروحها أيضا ؛ حيث يلهمان أنها نزلت في ظرف اشتدت فيه الأزمة على المسلمين في مكة. وقد تضمنت تشجيعا على الهجرة منها تفريجا لهذه الأزمة وتطمينا لمن يمكن أن يخطر لباله خوف من العوز وضيق العيش في المهجر الجديد. وإذا صح حديث ابن عمر وهو في ذاته حديث رائع فيه تلقين مستمر المدى فيمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية في ظرف مثل الظرف المروي فالتبس الأمر على الرواة.
وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن المكي أو آخره. وظروف نزولها يصادف على ما هو المتبادر لظروف اتصال النبي عليه السلام ببعض زعماء الأوس والخزرج في موسمين متواليين وإيمانهم وتعهدهم بنصرته ونصرة المؤمنين والترحيب بهم إذا هاجروا إلى المدينة المنورة التي كانت تسمى ( يثرب ) مما أشارت إليه آية سورة الحشر هذه إشارة تنويهية ﴿ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قلبهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ٩ ﴾ وقد أخذ المؤمنون يهاجرون إلى المدينة نتيجة لذلك٣. والظاهر أن بعضهم كانوا يحسبون حساب الموت في دار الغربة أو حساب العوز والضيق فاحتوت الآيات تطمينا كافيا ومشجعا من الناحيتين. بالإضافة إلى وعدهم بغرفات الجنات في حياتهم الأخروية.
ومن شأن أسلوب الآيات وفحواها أن يبعثا الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب في اللحظة الحرجة التي كان فيها المسلمون، حتى لقد عبرت آيات القرآن عن هجرتهم بما يفيد أنهم أرغموا عليها إرغاما كما ترى في آية سورة الحشر هذه التي احتوت تنويها بهم ﴿ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ٨ ﴾
وتظل الآيات مستمرة التلقين في كل ظرف مماثل تبعث في نفس كل مؤمن الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب أيضا.
ولقد روى البغوي بطرقه على هامش هذه الآيات وبخاصة على هامش الآيتين [ ٥٨-٥٩ ] حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في أحدهما :( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ). وجاء في ثانيهما عن ابن مسعود :( أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس من شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ). والحديث الأول من مرويات الترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه ٤. وواضح من روح الحديثين، وبخاصة الأول : أنهما في صدد تحذير المسلمين من التماس الرزق من طرق المعاصي إذا ما أبطأ عليهم وفي صدد تطمينهم بأن اعتمادهم وتوكلهم على الله هما الأولى والأجدر بهم، وبذلك يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني.
٢ النص من تفسير ابن كثير. وقد عقب المفسر عليه بقوله هذا حديث غريب. وأبو العطوف الجزري – وهو أحد رواته –ضعيف. ومع ذلك فإن المفسر البغوي روى هذا النص بخلاف يسير بطرقه..
٣ انظر سيرة ابن هشام القسم الأول الطبعة الثانية ص٤٢٨ وما بعدها..
٤ انظر التاج ج ٥ ص ١٨٧..
في الآيات خطاب موجه إلى المؤمنين.
١- يثبتهم في دينهم وإخلاصهم في العبادة لله وحده.
٢- ويطمئنهم بأن أرض الله واسعة يستطيعون أن يجدوا فيها الأمن والعافية والحرية.
٣- ويذكرهم بأن الموت مصير كل حي وبأن الله مرجع الناس جميعا.
٤- ويؤكد لهم بأن الله سينزل المؤمنين الصالحين بأعمالهم غرفا في الجنة تجري من تحتها الأنهار. وأنها لنعم الأجر لمن آمن وعمل صالحا وصبر على الحق وجعل اعتماده وتوكله على الله.
٥- وينبههم إلى أن الله تعالى قد تكفل برزق جميع خلقه من الأحياء. وكما أن كثيرا من الدواب لا تدخر رزقا ولا تكسب ما يضمن لها الرزق والله يرزقها فإنه كذلك يرزقهم أيضا فلا يقلقوا من هذه الناحية، وهو السميع لكل ما يقال العليم بجميع الأحوال.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ﴾
وما بعدها
ويبدو هذا الفصل جديدا بالنسبة للسياق السابق أو مستقلا عنه ؛ حيث ينتقل الخطاب فيه إلى المؤمنين في أمر مقامهم في مكة بعد حكاية الموقف الجدلي بين النبي والمؤمنين من ناحية، والكفار من ناحية. وحكاية تحدي الكفار بالمعجزات وبالتعجيل بالعذاب. ومثل هذا الانتقال من أساليب النظم القرآني مما مر منه أمثلة عديدة ؛ ولهذا لا نرى انقطاعا تاما بين هذا الفصل وما قبله. والمتبادر أنه نزل بعد الآيات السابقة فوضع في ترتيبه.
ولقد أورد المفسرون أقوالا عديدة في صدد الآيات معظمها بدون سند أو عزو إلى تابعي أو صحابي وواحد منها معزو إلى ابن عمر ١ منها أنها خطاب عام للمؤمنين بعدم إقامتهم في دار ظلم ومعصية وبهروبهم منها إلى أرض الله الواسعة حيث تكون لهم حرية العبادة والعمل في سبيله. ومنها أنها نداء للمؤمنين في مكة أو المستضعفين منهم للهروب والخروج من مكة لتكون لهم تلك الحرية. ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد الأذى على المسلمين في مكة وأمرهم بالخروج إلى المدينة قال بعضهم : كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا مال ؟ فمن يطعمنا ويسقينا ؟ فأنزل الله الآية الأخيرة. ومنها أنها نزلت في جماعة تخلفوا عن الهجرة من مكة تحسبا من الموت والعوز والضيق في أرض الغربة. ومنها حديث رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر جاء فيه :( أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بستانا من بساتين الأنصار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : كل يا ابن عمر، قلت : لا أشتهيه يا رسول الله قال : ولكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده، فقلت : إنا لله، الله المستعان. قال : يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ولكني أجوع يوما وأشبع يوما. فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين. قال : فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت ﴿ وكأين من دابة.... الخ ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله. ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبئ رزقا لغد ) ٢. وحديث ابن عمر والقول الذي قبله يقتضيان أن تكون الآيات أو الآية [ ٥٩ ] مدنية نزلت لحدتها مع أنه ليس هناك رواية ما بذلك فيما اطلعنا عليه. وقد قيل مثل القول الذي قبل الحديث في مناسبة الآيات الأولى من السورة وأوردناه وعلقنا عليه. والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. والأقوال الأخرى محتملة الصحة على ما يلهمه فحوى الآيات وروحها أيضا ؛ حيث يلهمان أنها نزلت في ظرف اشتدت فيه الأزمة على المسلمين في مكة. وقد تضمنت تشجيعا على الهجرة منها تفريجا لهذه الأزمة وتطمينا لمن يمكن أن يخطر لباله خوف من العوز وضيق العيش في المهجر الجديد. وإذا صح حديث ابن عمر وهو في ذاته حديث رائع فيه تلقين مستمر المدى فيمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية في ظرف مثل الظرف المروي فالتبس الأمر على الرواة.
وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن المكي أو آخره. وظروف نزولها يصادف على ما هو المتبادر لظروف اتصال النبي عليه السلام ببعض زعماء الأوس والخزرج في موسمين متواليين وإيمانهم وتعهدهم بنصرته ونصرة المؤمنين والترحيب بهم إذا هاجروا إلى المدينة المنورة التي كانت تسمى ( يثرب ) مما أشارت إليه آية سورة الحشر هذه إشارة تنويهية ﴿ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قلبهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ٩ ﴾ وقد أخذ المؤمنون يهاجرون إلى المدينة نتيجة لذلك٣. والظاهر أن بعضهم كانوا يحسبون حساب الموت في دار الغربة أو حساب العوز والضيق فاحتوت الآيات تطمينا كافيا ومشجعا من الناحيتين. بالإضافة إلى وعدهم بغرفات الجنات في حياتهم الأخروية.
ومن شأن أسلوب الآيات وفحواها أن يبعثا الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب في اللحظة الحرجة التي كان فيها المسلمون، حتى لقد عبرت آيات القرآن عن هجرتهم بما يفيد أنهم أرغموا عليها إرغاما كما ترى في آية سورة الحشر هذه التي احتوت تنويها بهم ﴿ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ٨ ﴾
وتظل الآيات مستمرة التلقين في كل ظرف مماثل تبعث في نفس كل مؤمن الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب أيضا.
ولقد روى البغوي بطرقه على هامش هذه الآيات وبخاصة على هامش الآيتين [ ٥٨-٥٩ ] حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في أحدهما :( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ). وجاء في ثانيهما عن ابن مسعود :( أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس من شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ). والحديث الأول من مرويات الترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه ٤. وواضح من روح الحديثين، وبخاصة الأول : أنهما في صدد تحذير المسلمين من التماس الرزق من طرق المعاصي إذا ما أبطأ عليهم وفي صدد تطمينهم بأن اعتمادهم وتوكلهم على الله هما الأولى والأجدر بهم، وبذلك يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني.
٢ النص من تفسير ابن كثير. وقد عقب المفسر عليه بقوله هذا حديث غريب. وأبو العطوف الجزري – وهو أحد رواته –ضعيف. ومع ذلك فإن المفسر البغوي روى هذا النص بخلاف يسير بطرقه..
٣ انظر سيرة ابن هشام القسم الأول الطبعة الثانية ص٤٢٨ وما بعدها..
٤ انظر التاج ج ٥ ص ١٨٧..
في الآيات خطاب موجه إلى المؤمنين.
١- يثبتهم في دينهم وإخلاصهم في العبادة لله وحده.
٢- ويطمئنهم بأن أرض الله واسعة يستطيعون أن يجدوا فيها الأمن والعافية والحرية.
٣- ويذكرهم بأن الموت مصير كل حي وبأن الله مرجع الناس جميعا.
٤- ويؤكد لهم بأن الله سينزل المؤمنين الصالحين بأعمالهم غرفا في الجنة تجري من تحتها الأنهار. وأنها لنعم الأجر لمن آمن وعمل صالحا وصبر على الحق وجعل اعتماده وتوكله على الله.
٥- وينبههم إلى أن الله تعالى قد تكفل برزق جميع خلقه من الأحياء. وكما أن كثيرا من الدواب لا تدخر رزقا ولا تكسب ما يضمن لها الرزق والله يرزقها فإنه كذلك يرزقهم أيضا فلا يقلقوا من هذه الناحية، وهو السميع لكل ما يقال العليم بجميع الأحوال.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ﴾
وما بعدها
ويبدو هذا الفصل جديدا بالنسبة للسياق السابق أو مستقلا عنه ؛ حيث ينتقل الخطاب فيه إلى المؤمنين في أمر مقامهم في مكة بعد حكاية الموقف الجدلي بين النبي والمؤمنين من ناحية، والكفار من ناحية. وحكاية تحدي الكفار بالمعجزات وبالتعجيل بالعذاب. ومثل هذا الانتقال من أساليب النظم القرآني مما مر منه أمثلة عديدة ؛ ولهذا لا نرى انقطاعا تاما بين هذا الفصل وما قبله. والمتبادر أنه نزل بعد الآيات السابقة فوضع في ترتيبه.
ولقد أورد المفسرون أقوالا عديدة في صدد الآيات معظمها بدون سند أو عزو إلى تابعي أو صحابي وواحد منها معزو إلى ابن عمر ١ منها أنها خطاب عام للمؤمنين بعدم إقامتهم في دار ظلم ومعصية وبهروبهم منها إلى أرض الله الواسعة حيث تكون لهم حرية العبادة والعمل في سبيله. ومنها أنها نداء للمؤمنين في مكة أو المستضعفين منهم للهروب والخروج من مكة لتكون لهم تلك الحرية. ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد الأذى على المسلمين في مكة وأمرهم بالخروج إلى المدينة قال بعضهم : كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا مال ؟ فمن يطعمنا ويسقينا ؟ فأنزل الله الآية الأخيرة. ومنها أنها نزلت في جماعة تخلفوا عن الهجرة من مكة تحسبا من الموت والعوز والضيق في أرض الغربة. ومنها حديث رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر جاء فيه :( أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بستانا من بساتين الأنصار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : كل يا ابن عمر، قلت : لا أشتهيه يا رسول الله قال : ولكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده، فقلت : إنا لله، الله المستعان. قال : يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ولكني أجوع يوما وأشبع يوما. فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين. قال : فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت ﴿ وكأين من دابة.... الخ ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله. ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبئ رزقا لغد ) ٢. وحديث ابن عمر والقول الذي قبله يقتضيان أن تكون الآيات أو الآية [ ٥٩ ] مدنية نزلت لحدتها مع أنه ليس هناك رواية ما بذلك فيما اطلعنا عليه. وقد قيل مثل القول الذي قبل الحديث في مناسبة الآيات الأولى من السورة وأوردناه وعلقنا عليه. والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. والأقوال الأخرى محتملة الصحة على ما يلهمه فحوى الآيات وروحها أيضا ؛ حيث يلهمان أنها نزلت في ظرف اشتدت فيه الأزمة على المسلمين في مكة. وقد تضمنت تشجيعا على الهجرة منها تفريجا لهذه الأزمة وتطمينا لمن يمكن أن يخطر لباله خوف من العوز وضيق العيش في المهجر الجديد. وإذا صح حديث ابن عمر وهو في ذاته حديث رائع فيه تلقين مستمر المدى فيمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية في ظرف مثل الظرف المروي فالتبس الأمر على الرواة.
وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن المكي أو آخره. وظروف نزولها يصادف على ما هو المتبادر لظروف اتصال النبي عليه السلام ببعض زعماء الأوس والخزرج في موسمين متواليين وإيمانهم وتعهدهم بنصرته ونصرة المؤمنين والترحيب بهم إذا هاجروا إلى المدينة المنورة التي كانت تسمى ( يثرب ) مما أشارت إليه آية سورة الحشر هذه إشارة تنويهية ﴿ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قلبهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ٩ ﴾ وقد أخذ المؤمنون يهاجرون إلى المدينة نتيجة لذلك٣. والظاهر أن بعضهم كانوا يحسبون حساب الموت في دار الغربة أو حساب العوز والضيق فاحتوت الآيات تطمينا كافيا ومشجعا من الناحيتين. بالإضافة إلى وعدهم بغرفات الجنات في حياتهم الأخروية.
ومن شأن أسلوب الآيات وفحواها أن يبعثا الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب في اللحظة الحرجة التي كان فيها المسلمون، حتى لقد عبرت آيات القرآن عن هجرتهم بما يفيد أنهم أرغموا عليها إرغاما كما ترى في آية سورة الحشر هذه التي احتوت تنويها بهم ﴿ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ٨ ﴾
وتظل الآيات مستمرة التلقين في كل ظرف مماثل تبعث في نفس كل مؤمن الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب أيضا.
ولقد روى البغوي بطرقه على هامش هذه الآيات وبخاصة على هامش الآيتين [ ٥٨-٥٩ ] حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في أحدهما :( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ). وجاء في ثانيهما عن ابن مسعود :( أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس من شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ). والحديث الأول من مرويات الترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه ٤. وواضح من روح الحديثين، وبخاصة الأول : أنهما في صدد تحذير المسلمين من التماس الرزق من طرق المعاصي إذا ما أبطأ عليهم وفي صدد تطمينهم بأن اعتمادهم وتوكلهم على الله هما الأولى والأجدر بهم، وبذلك يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني.
٢ النص من تفسير ابن كثير. وقد عقب المفسر عليه بقوله هذا حديث غريب. وأبو العطوف الجزري – وهو أحد رواته –ضعيف. ومع ذلك فإن المفسر البغوي روى هذا النص بخلاف يسير بطرقه..
٣ انظر سيرة ابن هشام القسم الأول الطبعة الثانية ص٤٢٨ وما بعدها..
٤ انظر التاج ج ٥ ص ١٨٧..
في الآيات خطاب موجه إلى المؤمنين.
١- يثبتهم في دينهم وإخلاصهم في العبادة لله وحده.
٢- ويطمئنهم بأن أرض الله واسعة يستطيعون أن يجدوا فيها الأمن والعافية والحرية.
٣- ويذكرهم بأن الموت مصير كل حي وبأن الله مرجع الناس جميعا.
٤- ويؤكد لهم بأن الله سينزل المؤمنين الصالحين بأعمالهم غرفا في الجنة تجري من تحتها الأنهار. وأنها لنعم الأجر لمن آمن وعمل صالحا وصبر على الحق وجعل اعتماده وتوكله على الله.
٥- وينبههم إلى أن الله تعالى قد تكفل برزق جميع خلقه من الأحياء. وكما أن كثيرا من الدواب لا تدخر رزقا ولا تكسب ما يضمن لها الرزق والله يرزقها فإنه كذلك يرزقهم أيضا فلا يقلقوا من هذه الناحية، وهو السميع لكل ما يقال العليم بجميع الأحوال.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ﴾
وما بعدها
ويبدو هذا الفصل جديدا بالنسبة للسياق السابق أو مستقلا عنه ؛ حيث ينتقل الخطاب فيه إلى المؤمنين في أمر مقامهم في مكة بعد حكاية الموقف الجدلي بين النبي والمؤمنين من ناحية، والكفار من ناحية. وحكاية تحدي الكفار بالمعجزات وبالتعجيل بالعذاب. ومثل هذا الانتقال من أساليب النظم القرآني مما مر منه أمثلة عديدة ؛ ولهذا لا نرى انقطاعا تاما بين هذا الفصل وما قبله. والمتبادر أنه نزل بعد الآيات السابقة فوضع في ترتيبه.
ولقد أورد المفسرون أقوالا عديدة في صدد الآيات معظمها بدون سند أو عزو إلى تابعي أو صحابي وواحد منها معزو إلى ابن عمر ١ منها أنها خطاب عام للمؤمنين بعدم إقامتهم في دار ظلم ومعصية وبهروبهم منها إلى أرض الله الواسعة حيث تكون لهم حرية العبادة والعمل في سبيله. ومنها أنها نداء للمؤمنين في مكة أو المستضعفين منهم للهروب والخروج من مكة لتكون لهم تلك الحرية. ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد الأذى على المسلمين في مكة وأمرهم بالخروج إلى المدينة قال بعضهم : كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا مال ؟ فمن يطعمنا ويسقينا ؟ فأنزل الله الآية الأخيرة. ومنها أنها نزلت في جماعة تخلفوا عن الهجرة من مكة تحسبا من الموت والعوز والضيق في أرض الغربة. ومنها حديث رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر جاء فيه :( أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بستانا من بساتين الأنصار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : كل يا ابن عمر، قلت : لا أشتهيه يا رسول الله قال : ولكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده، فقلت : إنا لله، الله المستعان. قال : يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ولكني أجوع يوما وأشبع يوما. فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين. قال : فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت ﴿ وكأين من دابة.... الخ ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله. ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبئ رزقا لغد ) ٢. وحديث ابن عمر والقول الذي قبله يقتضيان أن تكون الآيات أو الآية [ ٥٩ ] مدنية نزلت لحدتها مع أنه ليس هناك رواية ما بذلك فيما اطلعنا عليه. وقد قيل مثل القول الذي قبل الحديث في مناسبة الآيات الأولى من السورة وأوردناه وعلقنا عليه. والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. والأقوال الأخرى محتملة الصحة على ما يلهمه فحوى الآيات وروحها أيضا ؛ حيث يلهمان أنها نزلت في ظرف اشتدت فيه الأزمة على المسلمين في مكة. وقد تضمنت تشجيعا على الهجرة منها تفريجا لهذه الأزمة وتطمينا لمن يمكن أن يخطر لباله خوف من العوز وضيق العيش في المهجر الجديد. وإذا صح حديث ابن عمر وهو في ذاته حديث رائع فيه تلقين مستمر المدى فيمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية في ظرف مثل الظرف المروي فالتبس الأمر على الرواة.
وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن المكي أو آخره. وظروف نزولها يصادف على ما هو المتبادر لظروف اتصال النبي عليه السلام ببعض زعماء الأوس والخزرج في موسمين متواليين وإيمانهم وتعهدهم بنصرته ونصرة المؤمنين والترحيب بهم إذا هاجروا إلى المدينة المنورة التي كانت تسمى ( يثرب ) مما أشارت إليه آية سورة الحشر هذه إشارة تنويهية ﴿ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قلبهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ٩ ﴾ وقد أخذ المؤمنون يهاجرون إلى المدينة نتيجة لذلك٣. والظاهر أن بعضهم كانوا يحسبون حساب الموت في دار الغربة أو حساب العوز والضيق فاحتوت الآيات تطمينا كافيا ومشجعا من الناحيتين. بالإضافة إلى وعدهم بغرفات الجنات في حياتهم الأخروية.
ومن شأن أسلوب الآيات وفحواها أن يبعثا الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب في اللحظة الحرجة التي كان فيها المسلمون، حتى لقد عبرت آيات القرآن عن هجرتهم بما يفيد أنهم أرغموا عليها إرغاما كما ترى في آية سورة الحشر هذه التي احتوت تنويها بهم ﴿ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ٨ ﴾
وتظل الآيات مستمرة التلقين في كل ظرف مماثل تبعث في نفس كل مؤمن الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب أيضا.
ولقد روى البغوي بطرقه على هامش هذه الآيات وبخاصة على هامش الآيتين [ ٥٨-٥٩ ] حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في أحدهما :( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ). وجاء في ثانيهما عن ابن مسعود :( أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس من شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ). والحديث الأول من مرويات الترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه ٤. وواضح من روح الحديثين، وبخاصة الأول : أنهما في صدد تحذير المسلمين من التماس الرزق من طرق المعاصي إذا ما أبطأ عليهم وفي صدد تطمينهم بأن اعتمادهم وتوكلهم على الله هما الأولى والأجدر بهم، وبذلك يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني.
٢ النص من تفسير ابن كثير. وقد عقب المفسر عليه بقوله هذا حديث غريب. وأبو العطوف الجزري – وهو أحد رواته –ضعيف. ومع ذلك فإن المفسر البغوي روى هذا النص بخلاف يسير بطرقه..
٣ انظر سيرة ابن هشام القسم الأول الطبعة الثانية ص٤٢٨ وما بعدها..
٤ انظر التاج ج ٥ ص ١٨٧..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥٦:﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ٥٦ كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ٥٧ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتهم الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين ٥٨ الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ٥٩ وكأين ١ من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم ٦٠ ﴾ [ ٥٦-٦٠ ].
في الآيات خطاب موجه إلى المؤمنين.
١- يثبتهم في دينهم وإخلاصهم في العبادة لله وحده.
٢- ويطمئنهم بأن أرض الله واسعة يستطيعون أن يجدوا فيها الأمن والعافية والحرية.
٣- ويذكرهم بأن الموت مصير كل حي وبأن الله مرجع الناس جميعا.
٤- ويؤكد لهم بأن الله سينزل المؤمنين الصالحين بأعمالهم غرفا في الجنة تجري من تحتها الأنهار. وأنها لنعم الأجر لمن آمن وعمل صالحا وصبر على الحق وجعل اعتماده وتوكله على الله.
٥- وينبههم إلى أن الله تعالى قد تكفل برزق جميع خلقه من الأحياء. وكما أن كثيرا من الدواب لا تدخر رزقا ولا تكسب ما يضمن لها الرزق والله يرزقها فإنه كذلك يرزقهم أيضا فلا يقلقوا من هذه الناحية، وهو السميع لكل ما يقال العليم بجميع الأحوال.
تعليق على آية
﴿ يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون ﴾
وما بعدها
ويبدو هذا الفصل جديدا بالنسبة للسياق السابق أو مستقلا عنه ؛ حيث ينتقل الخطاب فيه إلى المؤمنين في أمر مقامهم في مكة بعد حكاية الموقف الجدلي بين النبي والمؤمنين من ناحية، والكفار من ناحية. وحكاية تحدي الكفار بالمعجزات وبالتعجيل بالعذاب. ومثل هذا الانتقال من أساليب النظم القرآني مما مر منه أمثلة عديدة ؛ ولهذا لا نرى انقطاعا تاما بين هذا الفصل وما قبله. والمتبادر أنه نزل بعد الآيات السابقة فوضع في ترتيبه.
ولقد أورد المفسرون أقوالا عديدة في صدد الآيات معظمها بدون سند أو عزو إلى تابعي أو صحابي وواحد منها معزو إلى ابن عمر ١ منها أنها خطاب عام للمؤمنين بعدم إقامتهم في دار ظلم ومعصية وبهروبهم منها إلى أرض الله الواسعة حيث تكون لهم حرية العبادة والعمل في سبيله. ومنها أنها نداء للمؤمنين في مكة أو المستضعفين منهم للهروب والخروج من مكة لتكون لهم تلك الحرية. ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتد الأذى على المسلمين في مكة وأمرهم بالخروج إلى المدينة قال بعضهم : كيف نخرج إليها وليس لنا بها دار ولا مال ؟ فمن يطعمنا ويسقينا ؟ فأنزل الله الآية الأخيرة. ومنها أنها نزلت في جماعة تخلفوا عن الهجرة من مكة تحسبا من الموت والعوز والضيق في أرض الغربة. ومنها حديث رواه ابن أبي حاتم عن ابن عمر جاء فيه :( أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بستانا من بساتين الأنصار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقط الرطب بيده ويأكل فقال : كل يا ابن عمر، قلت : لا أشتهيه يا رسول الله قال : ولكني أشتهيه، وهذه صبح رابعة منذ لم أطعم طعاما ولم أجده، فقلت : إنا لله، الله المستعان. قال : يا ابن عمر لو سألت ربي لأعطاني مثل كسرى وقيصر أضعافا مضاعفة ولكني أجوع يوما وأشبع يوما. فكيف بك يا ابن عمر إذا عمرت وبقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنتهم بضعف اليقين. قال : فوالله ما برحنا ولا رمنا حتى نزلت ﴿ وكأين من دابة.... الخ ﴾ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله عز وجل لم يأمرني بكنز الدنيا ولا باتباع الشهوات فمن كنز دنياه يريد بها حياة باقية فإن الحياة بيد الله. ألا وإني لا أكنز دينارا ولا درهما ولا أخبئ رزقا لغد ) ٢. وحديث ابن عمر والقول الذي قبله يقتضيان أن تكون الآيات أو الآية [ ٥٩ ] مدنية نزلت لحدتها مع أنه ليس هناك رواية ما بذلك فيما اطلعنا عليه. وقد قيل مثل القول الذي قبل الحديث في مناسبة الآيات الأولى من السورة وأوردناه وعلقنا عليه. والحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. والأقوال الأخرى محتملة الصحة على ما يلهمه فحوى الآيات وروحها أيضا ؛ حيث يلهمان أنها نزلت في ظرف اشتدت فيه الأزمة على المسلمين في مكة. وقد تضمنت تشجيعا على الهجرة منها تفريجا لهذه الأزمة وتطمينا لمن يمكن أن يخطر لباله خوف من العوز وضيق العيش في المهجر الجديد. وإذا صح حديث ابن عمر وهو في ذاته حديث رائع فيه تلقين مستمر المدى فيمكن أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تلا الآية في ظرف مثل الظرف المروي فالتبس الأمر على الرواة.
وهذه السورة من آخر ما نزل من القرآن المكي أو آخره. وظروف نزولها يصادف على ما هو المتبادر لظروف اتصال النبي عليه السلام ببعض زعماء الأوس والخزرج في موسمين متواليين وإيمانهم وتعهدهم بنصرته ونصرة المؤمنين والترحيب بهم إذا هاجروا إلى المدينة المنورة التي كانت تسمى ( يثرب ) مما أشارت إليه آية سورة الحشر هذه إشارة تنويهية ﴿ والذين تبوءوا الدار والإيمان من قلبهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ٩ ﴾ وقد أخذ المؤمنون يهاجرون إلى المدينة نتيجة لذلك٣. والظاهر أن بعضهم كانوا يحسبون حساب الموت في دار الغربة أو حساب العوز والضيق فاحتوت الآيات تطمينا كافيا ومشجعا من الناحيتين. بالإضافة إلى وعدهم بغرفات الجنات في حياتهم الأخروية.
ومن شأن أسلوب الآيات وفحواها أن يبعثا الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب في اللحظة الحرجة التي كان فيها المسلمون، حتى لقد عبرت آيات القرآن عن هجرتهم بما يفيد أنهم أرغموا عليها إرغاما كما ترى في آية سورة الحشر هذه التي احتوت تنويها بهم ﴿ للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون ٨ ﴾
وتظل الآيات مستمرة التلقين في كل ظرف مماثل تبعث في نفس كل مؤمن الطمأنينة وقوة العزيمة والاعتماد على الله والاستهانة بكل صعب أيضا.
ولقد روى البغوي بطرقه على هامش هذه الآيات وبخاصة على هامش الآيتين [ ٥٨-٥٩ ] حديثين عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء في أحدهما :( لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا ). وجاء في ثانيهما عن ابن مسعود :( أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أمرتكم به، وليس من شيء يقربكم إلى النار ويباعدكم عن الجنة إلا وقد نهيتكم عنه، وإن الروح الأمين قد نفث في روعي أنه ليس من نفس تموت حتى تستوفي رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإنه لا يدرك ما عند الله إلا بطاعته ). والحديث الأول من مرويات الترمذي والحاكم عن عمر رضي الله عنه ٤. وواضح من روح الحديثين، وبخاصة الأول : أنهما في صدد تحذير المسلمين من التماس الرزق من طرق المعاصي إذا ما أبطأ عليهم وفي صدد تطمينهم بأن اعتمادهم وتوكلهم على الله هما الأولى والأجدر بهم، وبذلك يتساوق التلقين النبوي مع التلقين القرآني.
٢ النص من تفسير ابن كثير. وقد عقب المفسر عليه بقوله هذا حديث غريب. وأبو العطوف الجزري – وهو أحد رواته –ضعيف. ومع ذلك فإن المفسر البغوي روى هذا النص بخلاف يسير بطرقه..
٣ انظر سيرة ابن هشام القسم الأول الطبعة الثانية ص٤٢٨ وما بعدها..
٤ انظر التاج ج ٥ ص ١٨٧..
عبارة الآيات واضحة، والمتبادر أنها متصلة بموقف الجدل والحجاج الذي حكته الآيات السابقة للفصل السابق مباشرة. وأن ضمير الجمع الغائب راجع إلى الكفار. وهكذا يعود السياق فيتصل ببعضه بعد الفصل الانتقالي، ويجعل هذا الفصل غير منقطع عنه. وقد احتوت تنديدا بالكفار وبيانا لتناقضهم في عدم الإخلاص لله وحده ومكابرتهم في الدعوة إليه واستعجال عذابه مع أنهم يعتقدون أنه خالق السماوات والأرض، ومسخر الشمس والقمر، وباسط الرزق ومضيقه، ومنزل الماء من السماء، ومحيي الأرض بعد موتها. والآية الثانية وإن جاءت كأنها منفصلة فروح الآيات تلهم أنها منسجمة موضوعا وسياقا معها. وفي النظم القرآني أمثلة كثيرة من ذلك مر كثير منها في السور السابقة. والمتبادر أن الآية الرابعة هي بقصد إعظام شأن الآخرة والترغيب فيها والترهيب منها. فالسعادة الحقيقية والشقاء الحقيقي فيها ؛ لأنها أبدية خلافا للدنيا القصيرة الأمد والمتاع.
ولقد احتوت السور السابقة ما احتوته هذه الآيات وعلقنا عليها بما رأينا فيه الكفاية فلا نرى ضرورة للإعادة والزيادة.
عبارة الآيات واضحة، والمتبادر أنها متصلة بموقف الجدل والحجاج الذي حكته الآيات السابقة للفصل السابق مباشرة. وأن ضمير الجمع الغائب راجع إلى الكفار. وهكذا يعود السياق فيتصل ببعضه بعد الفصل الانتقالي، ويجعل هذا الفصل غير منقطع عنه. وقد احتوت تنديدا بالكفار وبيانا لتناقضهم في عدم الإخلاص لله وحده ومكابرتهم في الدعوة إليه واستعجال عذابه مع أنهم يعتقدون أنه خالق السماوات والأرض، ومسخر الشمس والقمر، وباسط الرزق ومضيقه، ومنزل الماء من السماء، ومحيي الأرض بعد موتها. والآية الثانية وإن جاءت كأنها منفصلة فروح الآيات تلهم أنها منسجمة موضوعا وسياقا معها. وفي النظم القرآني أمثلة كثيرة من ذلك مر كثير منها في السور السابقة. والمتبادر أن الآية الرابعة هي بقصد إعظام شأن الآخرة والترغيب فيها والترهيب منها. فالسعادة الحقيقية والشقاء الحقيقي فيها ؛ لأنها أبدية خلافا للدنيا القصيرة الأمد والمتاع.
ولقد احتوت السور السابقة ما احتوته هذه الآيات وعلقنا عليها بما رأينا فيه الكفاية فلا نرى ضرورة للإعادة والزيادة.
عبارة الآيات واضحة، والمتبادر أنها متصلة بموقف الجدل والحجاج الذي حكته الآيات السابقة للفصل السابق مباشرة. وأن ضمير الجمع الغائب راجع إلى الكفار. وهكذا يعود السياق فيتصل ببعضه بعد الفصل الانتقالي، ويجعل هذا الفصل غير منقطع عنه. وقد احتوت تنديدا بالكفار وبيانا لتناقضهم في عدم الإخلاص لله وحده ومكابرتهم في الدعوة إليه واستعجال عذابه مع أنهم يعتقدون أنه خالق السماوات والأرض، ومسخر الشمس والقمر، وباسط الرزق ومضيقه، ومنزل الماء من السماء، ومحيي الأرض بعد موتها. والآية الثانية وإن جاءت كأنها منفصلة فروح الآيات تلهم أنها منسجمة موضوعا وسياقا معها. وفي النظم القرآني أمثلة كثيرة من ذلك مر كثير منها في السور السابقة. والمتبادر أن الآية الرابعة هي بقصد إعظام شأن الآخرة والترغيب فيها والترهيب منها. فالسعادة الحقيقية والشقاء الحقيقي فيها ؛ لأنها أبدية خلافا للدنيا القصيرة الأمد والمتاع.
ولقد احتوت السور السابقة ما احتوته هذه الآيات وعلقنا عليها بما رأينا فيه الكفاية فلا نرى ضرورة للإعادة والزيادة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦١:﴿ ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله فأنى يؤفكون ٦١ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شيء عليم ٦٢ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ٦٣ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان ١ لو كانوا يعلمون ٦٤ ﴾ [ ٦١-٦٤ ].
عبارة الآيات واضحة، والمتبادر أنها متصلة بموقف الجدل والحجاج الذي حكته الآيات السابقة للفصل السابق مباشرة. وأن ضمير الجمع الغائب راجع إلى الكفار. وهكذا يعود السياق فيتصل ببعضه بعد الفصل الانتقالي، ويجعل هذا الفصل غير منقطع عنه. وقد احتوت تنديدا بالكفار وبيانا لتناقضهم في عدم الإخلاص لله وحده ومكابرتهم في الدعوة إليه واستعجال عذابه مع أنهم يعتقدون أنه خالق السماوات والأرض، ومسخر الشمس والقمر، وباسط الرزق ومضيقه، ومنزل الماء من السماء، ومحيي الأرض بعد موتها. والآية الثانية وإن جاءت كأنها منفصلة فروح الآيات تلهم أنها منسجمة موضوعا وسياقا معها. وفي النظم القرآني أمثلة كثيرة من ذلك مر كثير منها في السور السابقة. والمتبادر أن الآية الرابعة هي بقصد إعظام شأن الآخرة والترغيب فيها والترهيب منها. فالسعادة الحقيقية والشقاء الحقيقي فيها ؛ لأنها أبدية خلافا للدنيا القصيرة الأمد والمتاع.
ولقد احتوت السور السابقة ما احتوته هذه الآيات وعلقنا عليها بما رأينا فيه الكفاية فلا نرى ضرورة للإعادة والزيادة.
في الآية الأولى صورة من صور تناقض الكفار المشركين فهم يخصون الدعاء لله وحده حينما يركبون الفلك لينجيهم إلى البر استتباعا لعقيدتهم بأنه خالق الكون ومدبره الأعظم الضار النافع وحده، فإذا ما نجاهم عادوا إلى شركهم. وأسلوبها أسلوب تنديدي. أما الآية الثانية ففيها إنذار : فليكفروا كما شاءوا وليتمتعوا بدنياهم القصيرة المد لهوا ولعبا فليس هو إلا متاعا قليلا وعرضا زائلا وسوف يرون مغبة كفرهم وشركهم وسوء عاقبتهما.
وواضح أن الآيتين متصلتان بسابقاتهما سياقا وموضوعا. وهذه الصورة قد تكررت في بعض السور السابقة وعلقنا عليها بما يقتضي فلا حاجة للإعادة والزيادة، إلا أن نقول : إن في الآية الأولى دلالة على العرب من أهل مكة الذين تعنيهم الآية كانوا يقومون بالأسفار البحرية ويتعرضون فيها لمخاطر البحر وهي على الأرجح أسفار أو رحلات تجارية.
في الآية الأولى صورة من صور تناقض الكفار المشركين فهم يخصون الدعاء لله وحده حينما يركبون الفلك لينجيهم إلى البر استتباعا لعقيدتهم بأنه خالق الكون ومدبره الأعظم الضار النافع وحده، فإذا ما نجاهم عادوا إلى شركهم. وأسلوبها أسلوب تنديدي. أما الآية الثانية ففيها إنذار : فليكفروا كما شاءوا وليتمتعوا بدنياهم القصيرة المد لهوا ولعبا فليس هو إلا متاعا قليلا وعرضا زائلا وسوف يرون مغبة كفرهم وشركهم وسوء عاقبتهما.
وواضح أن الآيتين متصلتان بسابقاتهما سياقا وموضوعا. وهذه الصورة قد تكررت في بعض السور السابقة وعلقنا عليها بما يقتضي فلا حاجة للإعادة والزيادة، إلا أن نقول : إن في الآية الأولى دلالة على العرب من أهل مكة الذين تعنيهم الآية كانوا يقومون بالأسفار البحرية ويتعرضون فيها لمخاطر البحر وهي على الأرجح أسفار أو رحلات تجارية.
في الآية سؤال استنكاري في معرض التنديد موجه إلى الكفار عما إذا كانوا لا يرون أن من نعمة الله عليهم أن جعل لهم حرما آمنا يتمتعون فيه بالأمن والسلامة بينما الناس الذين حولهم والذين يقطنون خارجه معرضون للمهالك والأخطار.
وعما إذا كان يتسق مع الحق والعقل أن يكفروا بنعمة الله ويشركوا معه غيره ويؤمنوا بما هو باطل وضلال.
والآية متصلة بسابقاتها واستمرار على موقف الحجاج أو بسبيله كما هو المتبادر. وروحها يلهم أن مشركي قريش الذين يقوم الجدل بينهم وبين النبي يعترفون أنهم في حرم الله، وأن أمنه المحترم من الناس جميعا هو متصل بتقليد ديني بأمر الله. ومن هنا استحكم التنديد بهم. وقد شرحنا هذه النقطة في سياق سورة قريش والأعلى والقصص وإبراهيم شرحا يغني عن التكرار.
في الآية الأولى تساؤل في معرض التنديد والتقرير بأنه ليس من أحد أشد بغيا وانحرافا ممن يفتري على الله الكذب فينسب إليه ما هو براء منه أمرا وعملا وشركا، أو ممن يكذب بالحق ويعاند فيه حينما يتضح ويقوم عليه البرهان.
وتساؤل آخر في معرض الإنذار والتقرير أيضا بأن جهنم هي مثوى الكافرين الأبدي الذين منهم هؤلاء، وفي الآية الثانية تنويه بمن جاهد في الله وبشرى بأن الله موفقه وهاديه إلى سبيله ؛ لأن الله مع المحسنين دوما.
والآيتان على ما هو المتبادر جاءتا بمثابة تعقيب على حكاية موقف الجدل والحجاج التي تضمنتها الآيات السابقة وبمثابة إنهاء للموقف كما جاءتا في الوقت ذاته خاتمة لآيات السورة وأسلوبها متسق مع كثير من خواتم مواقف الجدل وخواتم السور أيضا.
ويلحظ أن بين جملة ﴿ والذين جاهدوا فينا ﴾ وبين ما جاء في أول السورة ﴿ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ﴾ شيء من التساوق والتوضيح حيث يمكن أن يكون من حكمة ذلك ربط أول السورة بآخرها، وأن يكون في ذلك دلالة على أن فصول السورة نزلت متوالية حتى تمت، وهذا يلحظ في كثير من السور على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة. وقد يكون في ذلك دليل على مكية الآيات الأولى للسورة ونقض آخر لرواية مدنيتها. والله أعلم.
والآية الأولى تتضمن التقرير بأن المشركين هم الظالمون لأنهم في جدلهم وعنادهم يفترون على الله الكذب، ومع أنهم يعتقدون بأنه الخالق المدبر يناقضون أنفسهم فيشركون معه غيره. ولعلها في مقامها ومجيئها بعد الآيات التي حكت تحديها للنبي بالإتيان بالمعجزة. أو بالتعجيل بالعذاب قد تضمنت ردا وتسفيها لهم. فالدعوة إلى الله لا تحتاج إلى الإتيان بالمعجزة. والله سبحانه قادر في كل وقت على عذابهم ماداموا يعتقدون أنه هو وحده الضار النافع الخالق الرازق. أما الآية الثانية فقد جاءت للتنويه بموقف المؤمنين في سبيل الله ودينه ما يتحملون من أذى واضطهاد مقابلة للتنديد بموقف المشركين كما هو واضح.
ومع ما يمكن أن يكون للآيتين من خصوصية زمنية، فإن أسلوبهما القوي المطلق ينطوي على تلقين مستمر المدى ضد كل من يفتري على الله الكذب ويكذب الحق ويكابر فيه، وفي التنويه بكل من يجاهد في الله وفي وصفهم بالمحسنين الذين يعدهم الله بأن يكون معهم دائما ناصرا ومؤيدا.
والشرح الذي شرحناه به الآية الثانية هو ما تمليه ظروف العهد المكي الذي نزلت فيه غير أنها واسعة المدى والشمول بحيث تتضمن تلقينا قويا مستمرا للمسلم في كل ظرف ومكان بواجب بذل كل جهد في الدفاع عن دين الله والتزام حدوده والتبشير به ونشره لسانا وقلما ومالا وبدنا وفرادى وجماعات وشعوبا وحكومات.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٨:﴿ ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين ٦٨ والذين جاهدوا فينا ١ لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين ٦٩ ﴾ [ ٦٨-٦٩ ].
في الآية الأولى تساؤل في معرض التنديد والتقرير بأنه ليس من أحد أشد بغيا وانحرافا ممن يفتري على الله الكذب فينسب إليه ما هو براء منه أمرا وعملا وشركا، أو ممن يكذب بالحق ويعاند فيه حينما يتضح ويقوم عليه البرهان.
وتساؤل آخر في معرض الإنذار والتقرير أيضا بأن جهنم هي مثوى الكافرين الأبدي الذين منهم هؤلاء، وفي الآية الثانية تنويه بمن جاهد في الله وبشرى بأن الله موفقه وهاديه إلى سبيله ؛ لأن الله مع المحسنين دوما.
والآيتان على ما هو المتبادر جاءتا بمثابة تعقيب على حكاية موقف الجدل والحجاج التي تضمنتها الآيات السابقة وبمثابة إنهاء للموقف كما جاءتا في الوقت ذاته خاتمة لآيات السورة وأسلوبها متسق مع كثير من خواتم مواقف الجدل وخواتم السور أيضا.
ويلحظ أن بين جملة ﴿ والذين جاهدوا فينا ﴾ وبين ما جاء في أول السورة ﴿ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ﴾ شيء من التساوق والتوضيح حيث يمكن أن يكون من حكمة ذلك ربط أول السورة بآخرها، وأن يكون في ذلك دلالة على أن فصول السورة نزلت متوالية حتى تمت، وهذا يلحظ في كثير من السور على ما نبهنا عليه في المناسبات السابقة. وقد يكون في ذلك دليل على مكية الآيات الأولى للسورة ونقض آخر لرواية مدنيتها. والله أعلم.
والآية الأولى تتضمن التقرير بأن المشركين هم الظالمون لأنهم في جدلهم وعنادهم يفترون على الله الكذب، ومع أنهم يعتقدون بأنه الخالق المدبر يناقضون أنفسهم فيشركون معه غيره. ولعلها في مقامها ومجيئها بعد الآيات التي حكت تحديها للنبي بالإتيان بالمعجزة. أو بالتعجيل بالعذاب قد تضمنت ردا وتسفيها لهم. فالدعوة إلى الله لا تحتاج إلى الإتيان بالمعجزة. والله سبحانه قادر في كل وقت على عذابهم ماداموا يعتقدون أنه هو وحده الضار النافع الخالق الرازق. أما الآية الثانية فقد جاءت للتنويه بموقف المؤمنين في سبيل الله ودينه ما يتحملون من أذى واضطهاد مقابلة للتنديد بموقف المشركين كما هو واضح.
ومع ما يمكن أن يكون للآيتين من خصوصية زمنية، فإن أسلوبهما القوي المطلق ينطوي على تلقين مستمر المدى ضد كل من يفتري على الله الكذب ويكذب الحق ويكابر فيه، وفي التنويه بكل من يجاهد في الله وفي وصفهم بالمحسنين الذين يعدهم الله بأن يكون معهم دائما ناصرا ومؤيدا.
والشرح الذي شرحناه به الآية الثانية هو ما تمليه ظروف العهد المكي الذي نزلت فيه غير أنها واسعة المدى والشمول بحيث تتضمن تلقينا قويا مستمرا للمسلم في كل ظرف ومكان بواجب بذل كل جهد في الدفاع عن دين الله والتزام حدوده والتبشير به ونشره لسانا وقلما ومالا وبدنا وفرادى وجماعات وشعوبا وحكومات.