تفسير سورة سورة محمد من كتاب أضواء البيان
المعروف بـأضواء البيان
.
لمؤلفه
محمد الأمين الشنقيطي
.
المتوفي سنة 1393 هـ
ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ مُحَمَّدٍسُورَةُ الْقِتَالِ وَهِيَ سُورَةُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنَ الصُّدُودِ ; لِأَنَّ صَدَّ فِي الْآيَةِ لَازِمَةٌ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ مِنَ الصَّدِّ ; لِأَنَّ صَدَّ فِي الْآيَةِ مُتَعَدِّيَةٌ.
وَعَلَيْهِ فَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ صَدُّوا غَيْرَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ هُوَ الصَّوَابُ ; لِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَدَّ لَازِمَةٌ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ تَكْرَارًا مَعَ قَوْلِهِ: كَفَرُوا ; لِأَنَّ الْكُفْرَ هُوَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الصُّدُودِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ صَدَّ مُتَعَدِّيَةٌ فَلَا تَكْرَارَ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ ضَالُّونَ فِي أَنْفُسِهِمْ، مُضِلُّونَ لِغَيْرِهِمْ بِصَدِّهِمْ إِيَّاهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ الْآيَةَ [١٦ ٩٧]، أَنَّ اللَّفْظَ إِذَا دَارَ بَيْنَ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْسِيسِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّأْسِيسِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أَيْ أَبْطَلَ ثَوَابَهَا، فَمَا عَمِلَهُ الْكَافِرُ مِنْ حَسَنٍ فِي الدُّنْيَا، كَقَرْيِ الضَّيْفِ، وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَحَمْيِ الْجَارِ، وَصِلَةِ الرَّحِمِ، وَالتَّنْفِيسِ عَنِ الْمَكْرُوبِ، يَبْطُلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَيَضْمَحِلُّ وَيَكُونُ لَا أَثَرَ لَهُ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -:
244
وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [٢٥ ٢٣]. وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ.
وَقِيلَ: أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ، أَيْ أَبْطَلَ كَيْدَهُمُ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَكِيدُوا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ أَيْ غَفَرَ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَتَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ أَيْ أَصْلَحَ لَهُمْ شَأْنَهُمْ وَحَالَهُمْ إِصْلَاحًا لَا فَسَادَ مَعَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - هُنَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنْ يُبْطِلَ أَعْمَالَ الْكَافِرِينَ، وَيُبْقِيَ أَعْمَالَ الْمُؤْمِنِينَ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [١ ١٥ - ١٦]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [٤٢ ٢٠]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [٢٥ ٢٣ - ٢٤].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا مَعَ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، مَعَ زِيَادَةِ إِيضَاحٍ مُهِمَّةٍ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [١٧ ١٩]. وَفِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ الْآيَةَ [١٦ ٩٧]. وَذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْهُ فِي سُورَةِ «الْأَحْقَافِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا الْآيَةَ [٤٦ ٢٠].
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أَصْلُهُ مِنَ الضَّلَالِ بِمَعْنَى الْغَيْبَةِ وَالِاضْمِحْلَالِ، لَا مِنَ الضَّالَّةِ كَمَا زَعَمَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [٦ ٢٤].
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعَانِيَ الضَّلَالِ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ فِي سُورَةِ «الشُّعَرَاءِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [٢٦ ٢٠]. وَفِي آخِرِ «الْكَهْفِ» فِي الْكَلَامِ
وَقِيلَ: أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ، أَيْ أَبْطَلَ كَيْدَهُمُ الَّذِي أَرَادُوا أَنْ يَكِيدُوا بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ أَيْ غَفَرَ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَتَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ أَيْ أَصْلَحَ لَهُمْ شَأْنَهُمْ وَحَالَهُمْ إِصْلَاحًا لَا فَسَادَ مَعَهُ، وَمَا ذَكَرَهُ - جَلَّ وَعَلَا - هُنَا فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ أَنْ يُبْطِلَ أَعْمَالَ الْكَافِرِينَ، وَيُبْقِيَ أَعْمَالَ الْمُؤْمِنِينَ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [١ ١٥ - ١٦]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [٤٢ ٢٠]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا [٢٥ ٢٣ - ٢٤].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا مَعَ بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ، مَعَ زِيَادَةِ إِيضَاحٍ مُهِمَّةٍ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا [١٧ ١٩]. وَفِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ الْآيَةَ [١٦ ٩٧]. وَذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْهُ فِي سُورَةِ «الْأَحْقَافِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا الْآيَةَ [٤٦ ٢٠].
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ أَصْلُهُ مِنَ الضَّلَالِ بِمَعْنَى الْغَيْبَةِ وَالِاضْمِحْلَالِ، لَا مِنَ الضَّالَّةِ كَمَا زَعَمَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ [٦ ٢٤].
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعَانِيَ الضَّلَالِ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ فِي سُورَةِ «الشُّعَرَاءِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ [٢٦ ٢٠]. وَفِي آخِرِ «الْكَهْفِ» فِي الْكَلَامِ
245
عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْآيَةَ [١٨ ١٠٤]. وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْكَهْفِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ الْآيَةَ [١٨ ٢]. وَفِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ الْآيَةَ [١٦ ٩٧].
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [٤٧ ٢].
قَالَ فِيهِ ابْنُ كَثِيرٍ: هُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ بَعْدَ بِعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ مِنْهُ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [١١ ١٧].
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَهُوَ الْحَقُّ جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ تَتَضَمَّنُ شَهَادَةَ اللَّهِ بِأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْحَقُّ مِنَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ [٦ ٦٦]. قَالَ - تَعَالَى -: وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ [٦٩
- ٥١]. وَقَالَ - تَعَالَى -: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ الْآيَةَ [١٠ ١٠٨]. وَقَالَ - تَعَالَى -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ الْآيَةَ [٤ ١٧٠]. وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ [٤٧ ٣] أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مِنْ إِضْلَالِ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ، أَيْ إِبْطَالِهَا وَاضْمِحْلَالِهَا وَبَقَاءِ ثَوَابِ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِمْ وَإِصْلَاحِ حَالِهِمْ، كُلُّهُ وَاقِعٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْكُفَّارَ اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْبَاطِلَ فَعَمَلُهُ بَاطِلٌ.
وَالزَّائِلُ الْمُضْمَحِلُّ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ بَاطِلًا، وَضِدُّهُ الْحَقُّ.
وَبِسَبَبِ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ، وَمُتَّبِعُ الْحَقِّ أَعْمَالُهُ حَقٌّ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ بَاقِيَةٌ، لَا زَائِلَةٌ مُضْمَحِلَّةٌ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ «الْكَهْفِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ الْآيَةَ [١٨ ٢]. وَفِي سُورَةِ «النَّحْلِ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ الْآيَةَ [١٦ ٩٧].
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [٤٧ ٢].
قَالَ فِيهِ ابْنُ كَثِيرٍ: هُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْإِيمَانِ بَعْدَ بِعْثَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. اهـ مِنْهُ.
وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ [١١ ١٧].
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَهُوَ الْحَقُّ جُمْلَةٌ اعْتِرَاضِيَّةٌ تَتَضَمَّنُ شَهَادَةَ اللَّهِ بِأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ عَلَى هَذَا النَّبِيِّ الْكَرِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْحَقُّ مِنَ اللَّهِ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ [٦ ٦٦]. قَالَ - تَعَالَى -: وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ [٦٩
- ٥١]. وَقَالَ - تَعَالَى -: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ الْآيَةَ [١٠ ١٠٨]. وَقَالَ - تَعَالَى -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ الْآيَةَ [٤ ١٧٠]. وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ [٤٧ ٣] أَيْ ذَلِكَ الْمَذْكُورُ مِنْ إِضْلَالِ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ، أَيْ إِبْطَالِهَا وَاضْمِحْلَالِهَا وَبَقَاءِ ثَوَابِ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَكْفِيرِ سَيِّئَاتِهِمْ وَإِصْلَاحِ حَالِهِمْ، كُلُّهُ وَاقِعٌ بِسَبَبِ أَنَّ الْكُفَّارَ اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْبَاطِلَ فَعَمَلُهُ بَاطِلٌ.
وَالزَّائِلُ الْمُضْمَحِلُّ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ بَاطِلًا، وَضِدُّهُ الْحَقُّ.
وَبِسَبَبِ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ، وَمُتَّبِعُ الْحَقِّ أَعْمَالُهُ حَقٌّ، فَهِيَ ثَابِتَةٌ بَاقِيَةٌ، لَا زَائِلَةٌ مُضْمَحِلَّةٌ.
246
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَعْمَالِ يَسْتَلْزِمُ اخْتِلَافَ الثَّوَابِ، لَا يَتَوَهَّمُ اسْتِوَاءَهُمَا إِلَّا الْكَافِرُ الْجَاهِلُ الَّذِي يَسْتَوْجِبُ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [٦٨ ٣٥ - ٣٦]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [٣٨ ٢٨]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [٤٥ ٢١].
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ.
قَالَ فِيهِ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: أَيْنَ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ؟
قُلْتُ: فِي جَعْلِ اتِّبَاعِ الْبَاطِلِ مَثَلًا لِعَمَلِ الْكُفَّارِ، وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ مَثَلًا لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِينَ. أَوْ فِي أَنَّ جَعَلَ الْإِضْلَالَ مَثَلًا لِخَيْبَةِ الْكُفَّارِ، وَتَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ مَثَلًا لِفَوْزِ الْمُؤْمِنِينَ. اهـ مِنْهُ.
وَأَصْلُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ يُرَادُ مِنْهُ بَيَانُ الشَّيْءِ بِذِكْرِ نَظِيرِهِ الَّذِي هُوَ مَثَلٌ لَهُ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَضَرْبَ الرِّقَابِ مَصْدَرٌ نَائِبٌ عَنْ فِعْلِهِ، وَهُوَ بِمَعْنَى فِعْلِ الْأَمْرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ صِيَغَ الْأَمْرِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَرْبَعٌ: وَهِيَ فِعْلُ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ الْآيَةَ [١٧ ٧٨].
وَاسْمُ فِعْلِ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الْآيَةَ [٥ ١٠٥].
وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ الْمَجْزُومُ بِلَامِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ الْآيَةَ [٢٢ ٢٩].
وَالْمَصْدَرُ النَّائِبُ عَنْ فِعْلِهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَضَرْبَ الرِّقَابِ، أَيْ فَاضْرِبُوا رِقَابَهُمْ، وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ، أَيْ أَوَجُعْتُمْ فِيهِمْ قَتْلًا.
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ.
قَالَ فِيهِ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: أَيْنَ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ؟
قُلْتُ: فِي جَعْلِ اتِّبَاعِ الْبَاطِلِ مَثَلًا لِعَمَلِ الْكُفَّارِ، وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ مَثَلًا لِعَمَلِ الْمُؤْمِنِينَ. أَوْ فِي أَنَّ جَعَلَ الْإِضْلَالَ مَثَلًا لِخَيْبَةِ الْكُفَّارِ، وَتَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ مَثَلًا لِفَوْزِ الْمُؤْمِنِينَ. اهـ مِنْهُ.
وَأَصْلُ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ يُرَادُ مِنْهُ بَيَانُ الشَّيْءِ بِذِكْرِ نَظِيرِهِ الَّذِي هُوَ مَثَلٌ لَهُ.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: فَضَرْبَ الرِّقَابِ مَصْدَرٌ نَائِبٌ عَنْ فِعْلِهِ، وَهُوَ بِمَعْنَى فِعْلِ الْأَمْرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ صِيَغَ الْأَمْرِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَرْبَعٌ: وَهِيَ فِعْلُ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ الْآيَةَ [١٧ ٧٨].
وَاسْمُ فِعْلِ الْأَمْرِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ الْآيَةَ [٥ ١٠٥].
وَالْفِعْلُ الْمُضَارِعُ الْمَجْزُومُ بِلَامِ الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ الْآيَةَ [٢٢ ٢٩].
وَالْمَصْدَرُ النَّائِبُ عَنْ فِعْلِهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَضَرْبَ الرِّقَابِ، أَيْ فَاضْرِبُوا رِقَابَهُمْ، وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ، أَيْ أَوَجُعْتُمْ فِيهِمْ قَتْلًا.
247
فَالْإِثْخَانُ هُوَ الْإِكْثَارُ مِنْ قَتْلِ الْعَدُوِّ حَتَّى يَضْعُفَ وَيَثْقُلَ عَنِ النُّهُوضِ.
وَقَوْلُهُ: فَشُدُّوَا الْوَثَاقَ، أَيْ فَأْسِرُوهُمْ، وَالْوَثَاقُ - بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ - اسْمٌ لِمَا يُؤْسَرُ بِهِ الْأَسِيرُ مِنْ قَيْدٍ وَنَحْوِهِ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ حَتَّى يُثْخِنَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَأْسِرُونَهُمْ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ [٨ ٦٨]. وَقَدْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ الْآيَةَ [٩ ٥]. وَقَوْلِهِ: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [٨ ١٢]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً الْآيَةَ [٩ ٣٦]. وَقَوْلِهِ: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ الْآيَةَ [٨ ٥٧]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً أَيْ فَإِمَّا تَمُنُّونَ عَلَيْهِمْ مَنًّا، أَوْ تُفَادُونَهُمْ فِدَاءً.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَصْدَرَ إِذَا سِيقَ لِتَفْصِيلٍ وَجَبَ حَذْفُ عَامِلِهِ، كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ بِالْآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلَهَا، وَمِمَّنْ يُرْوَى عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ جُرَيْجٍ.
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يُؤَيِّدُهُ.
وَنَسْخُ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْمَنُّ وَلَا الْفِدَاءُ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ عِنْدَهُ، بَلْ يُخَيَّرُ عِنْدَهُ الْإِمَامُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ آيَاتِ السَّيْفِ النَّازِلَةَ فِي بَرَاءَةٍ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْقِتَالِ هَذِهِ.
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، وَإِنَّ جَمِيعَ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ
وَقَوْلُهُ: فَشُدُّوَا الْوَثَاقَ، أَيْ فَأْسِرُوهُمْ، وَالْوَثَاقُ - بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ - اسْمٌ لِمَا يُؤْسَرُ بِهِ الْأَسِيرُ مِنْ قَيْدٍ وَنَحْوِهِ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكُفَّارِ حَتَّى يُثْخِنَهُمُ الْمُسْلِمُونَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَأْسِرُونَهُمْ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الْآيَةَ [٨ ٦٨]. وَقَدْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ الْآيَةَ [٩ ٥]. وَقَوْلِهِ: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [٨ ١٢]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً الْآيَةَ [٩ ٣٦]. وَقَوْلِهِ: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ الْآيَةَ [٨ ٥٧]. وَقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً أَيْ فَإِمَّا تَمُنُّونَ عَلَيْهِمْ مَنًّا، أَوْ تُفَادُونَهُمْ فِدَاءً.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَصْدَرَ إِذَا سِيقَ لِتَفْصِيلٍ وَجَبَ حَذْفُ عَامِلِهِ، كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَمَا لِتَفْصِيلٍ كَإِمَّا مَنَّا | عَامِلُهُ يُحْذَفُ حَيْثُ عَنَّا |
لَأَجْهَدَنَّ فَإِمَّا دَرْءَ وَاقِعَةٍ تُخْشَى | وَإِمَّا بُلُوغُ السُّؤْلِ وَالْأَمَلِ |
وَذَكَرَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا يُؤَيِّدُهُ.
وَنَسْخُ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ الْمَنُّ وَلَا الْفِدَاءُ ; لِأَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ عِنْدَهُ، بَلْ يُخَيَّرُ عِنْدَهُ الْإِمَامُ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالِاسْتِرْقَاقِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ آيَاتِ السَّيْفِ النَّازِلَةَ فِي بَرَاءَةٍ نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ الْقِتَالِ هَذِهِ.
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إِنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، وَإِنَّ جَمِيعَ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةَ
248
مُحْكَمَةٌ، فَالْإِمَامُ مُخَيَّرٌ، وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَ مَا رَآهُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ مَنٍّ وَفِدَاءٍ وَقَتْلٍ وَاسْتِرْقَاقٍ.
قَالُوا: قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ أَسِيرَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَخَذَ فِدَاءَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأُسَارَى.
وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ سَيِّدِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ يَسْتَرِقُّ السَّبْيَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي جِنْسِ أَسَارَى الْكُفَّارِ جَوَازُ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ بَعْضٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ نَاهِضٍ يُخَصَّصُ الْعُمُومَاتِ، وَالْمُجَوَّزُ قَائِمٌ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَفِعْلُهُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَانِعِينَ مِنِ اسْتِرْقَاقِ ذُكُورِ الْعَرَبِ حُجَّةٌ، وَقَدِ اسْتَرَقَّ بَنِي نَاجِيَةَ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ وَبَاعَهُمْ، كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَنِي نَاجِيَةَ مِنَ الْعَرَبِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: لَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي جَوَازِ الْمِلْكِ بِالرِّقِّ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَبَبَهُ أَسْرُ الْمُسْلِمِينَ الْكُفَّارَ فِي الْجِهَادِ، وَاللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِي كِتَابِهِ يُعَبِّرُ عَنِ الْمِلْكِ بِالرِّقِّ بِعِبَارَةٍ هِيَ أَبْلَغُ الْعِبَارَاتِ، فِي تَوْكِيدِ ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقِيقِ، وَهِيَ مِلْكُ الْيَمِينِ ; لِأَنَّ مَا مَلَكَتْهُ يَمِينُ الْإِنْسَانِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ تَمَامًا، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ تَمَامًا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [٤ ٣]. وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فِي سُورَةِ «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» [٢٣ ٥ - ٦]. وَ «سَأَلَ سَائِلٌ» [٧٠ ٢٩ - ٣٠]. وَقَوْلِهِ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ الْآيَةَ [٤ ٢٤]. وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ الْآيَةَ [٢٤ ٣٣]. وَقَوْلِهِ: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [٤ ٣٦]. وَقَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ الْآيَةَ [٣٣ ٥٢]. وَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْآيَةَ [٣٣ ٥٠]. وَقَوْلِهِ:
قَالُوا: قَتَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ أَسِيرَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ، وَأَخَذَ فِدَاءَ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأُسَارَى.
وَمَنَّ عَلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ سَيِّدِ بَنِي حَنِيفَةَ، وَكَانَ يَسْتَرِقُّ السَّبْيَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ: وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي جِنْسِ أَسَارَى الْكُفَّارِ جَوَازُ الْقَتْلِ وَالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْأُمُورِ تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْكُفَّارِ دُونَ بَعْضٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ ذَلِكَ إِلَّا بِدَلِيلٍ نَاهِضٍ يُخَصَّصُ الْعُمُومَاتِ، وَالْمُجَوَّزُ قَائِمٌ فِي مَقَامِ الْمَنْعِ، وَقَوْلُ عَلِيٍّ وَفِعْلُهُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَانِعِينَ مِنِ اسْتِرْقَاقِ ذُكُورِ الْعَرَبِ حُجَّةٌ، وَقَدِ اسْتَرَقَّ بَنِي نَاجِيَةَ ذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ وَبَاعَهُمْ، كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ اهـ مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَنِي نَاجِيَةَ مِنَ الْعَرَبِ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: لَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي جَوَازِ الْمِلْكِ بِالرِّقِّ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ سَبَبَهُ أَسْرُ الْمُسْلِمِينَ الْكُفَّارَ فِي الْجِهَادِ، وَاللَّهُ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - فِي كِتَابِهِ يُعَبِّرُ عَنِ الْمِلْكِ بِالرِّقِّ بِعِبَارَةٍ هِيَ أَبْلَغُ الْعِبَارَاتِ، فِي تَوْكِيدِ ثُبُوتِ مِلْكِ الرَّقِيقِ، وَهِيَ مِلْكُ الْيَمِينِ ; لِأَنَّ مَا مَلَكَتْهُ يَمِينُ الْإِنْسَانِ فَهُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ تَمَامًا، وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ تَمَامًا، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [٤ ٣]. وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فِي سُورَةِ «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ» [٢٣ ٥ - ٦]. وَ «سَأَلَ سَائِلٌ» [٧٠ ٢٩ - ٣٠]. وَقَوْلِهِ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ الْآيَةَ [٤ ٢٤]. وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ الْآيَةَ [٢٤ ٣٣]. وَقَوْلِهِ: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [٤ ٣٦]. وَقَوْلِهِ: لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ الْآيَةَ [٣٣ ٥٢]. وَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْآيَةَ [٣٣ ٥٠]. وَقَوْلِهِ:
249
أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ [٢٤ ٣١]. وَقَوْلِهِ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ [١٦ ٧١]. وَقَوْلِهِ: فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [١٦ ٧١]. وَقَوْلِهِ: هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ الْآيَةَ [٣٠ ٢٨]. فَالْمُرَادُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا الْمِلْكُ بِالرِّقِّ، وَالْأَحَادِيثُ وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ حَصْرُهَا، وَهِيَ مَعْلُومَةٌ، فَلَا يُنْكِرُ الرِّقَّ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا مُكَابِرٌ أَوْ مُلْحِدٌ أَوْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَا بِسُّنَّةِ رَسُولِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا حِكْمَةَ الْمِلْكِ بِالرِّقِّ وَإِزَالَةَ الْإِشْكَالِ فِي مِلْكِ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [١٧ ٩].
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَجِلَّاءِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَدِّثِيهِمُ الْكِبَارِ كَانُوا أَرِقَّاءَ مَمْلُوكِينَ، أَوْ أَبْنَاءَ أَرِقَّاءَ مَمْلُوكِينَ.
فَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ كَانَ أَبُوهُ سِيرِينُ عَبْدًا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
وَهَذَا مَكْحُولٌ كَانَ عَبْدًا لِامْرَأَةٍ مِنْ هُذَيْلٍ، فَأَعْتَقَتْهُ.
وَمِثْلُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ بَعْضٌ مِنَ الْمُتَعَصِّبِينَ لِنَفْيِ الرِّقِّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ آيَةَ «الْقِتَالِ» هَذِهِ دَلَّتْ عَلَى نَفْيِ الرِّقِّ مِنْ أَصْلِهِ ; لِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ وَاحِدًا مِنْ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَهُمَا الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ فَقَطْ - فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ سَاقِطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهِ اسْتِدْلَالًا بِالْآيَةِ، عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا، وَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ أَصْلًا، وَالِاسْتِدْلَالُ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَسُقُوطُهُ كَمَا تَرَى.
وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا تَقْسِيمُ حُكْمِ الْأُسَارَى إِلَى مَنٍّ وَفِدَاءٍ، لَمْ تَتَنَاوَلْ قَطْعًا إِلَّا الرِّجَالَ الْمُقَاتِلِينَ مِنَ الْكُفَّارِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَضَرْبَ الرِّقَابِ، وَقَوْلَهُ: حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ - صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَى.
وَعَلَى إِثْخَانِ هَؤُلَاءِ الْمُقَاتِلِينَ رَتَّبَ بِالْفَاءِ قَوْلَهُ: فَشُدُّوا الْوَثَاقَ.
فَظَهَرَ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ أُنْثَى وَلَا صَغِيرًا الْبَتَّةَ.
وَيَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانِهِمْ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
وَقَدْ قَدَّمْنَا حِكْمَةَ الْمِلْكِ بِالرِّقِّ وَإِزَالَةَ الْإِشْكَالِ فِي مِلْكِ الرَّقِيقِ الْمُسْلِمِ فِي سُورَةِ «بَنِي إِسْرَائِيلَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [١٧ ٩].
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَجِلَّاءِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَدِّثِيهِمُ الْكِبَارِ كَانُوا أَرِقَّاءَ مَمْلُوكِينَ، أَوْ أَبْنَاءَ أَرِقَّاءَ مَمْلُوكِينَ.
فَهَذَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ كَانَ أَبُوهُ سِيرِينُ عَبْدًا لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ.
وَهَذَا مَكْحُولٌ كَانَ عَبْدًا لِامْرَأَةٍ مِنْ هُذَيْلٍ، فَأَعْتَقَتْهُ.
وَمِثْلُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَدَّعِيهِ بَعْضٌ مِنَ الْمُتَعَصِّبِينَ لِنَفْيِ الرِّقِّ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَنَّ آيَةَ «الْقِتَالِ» هَذِهِ دَلَّتْ عَلَى نَفْيِ الرِّقِّ مِنْ أَصْلِهِ ; لِأَنَّهَا أَوْجَبَتْ وَاحِدًا مِنْ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَهُمَا الْمَنُّ وَالْفِدَاءُ فَقَطْ - فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ سَاقِطٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِيهِ اسْتِدْلَالًا بِالْآيَةِ، عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا، وَلَمْ تَتَنَاوَلْهُ أَصْلًا، وَالِاسْتِدْلَالُ إِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَسُقُوطُهُ كَمَا تَرَى.
وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا تَقْسِيمُ حُكْمِ الْأُسَارَى إِلَى مَنٍّ وَفِدَاءٍ، لَمْ تَتَنَاوَلْ قَطْعًا إِلَّا الرِّجَالَ الْمُقَاتِلِينَ مِنَ الْكُفَّارِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَضَرْبَ الرِّقَابِ، وَقَوْلَهُ: حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ - صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ كَمَا تَرَى.
وَعَلَى إِثْخَانِ هَؤُلَاءِ الْمُقَاتِلِينَ رَتَّبَ بِالْفَاءِ قَوْلَهُ: فَشُدُّوا الْوَثَاقَ.
فَظَهَرَ أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَتَنَاوَلْ أُنْثَى وَلَا صَغِيرًا الْبَتَّةَ.
وَيَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ نِسَاءِ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانِهِمْ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
250
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الرِّقِّ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ مِنَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَدَّعِي نَفْيَ الرِّقِّ مِنْ أَصْلِهِ يَعْتَرِفُ بِأَنَّ الْآيَةَ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ الرِّجَالِ الْمُقَاتِلِينَ، لِقَصْرِ نَفْيِ الرِّقِّ الَّذِي زَعَمَهُ عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ أُسِرُوا فِي حَالَ كَوْنِهِمْ مُقَاتِلِينَ، وَلَوْ قَصَرَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ بِنَفْيِ الرِّقِّ مَنْ أَصْلِهِ كَمَا تَرَى.
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ مَا قَدَّمَنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الرِّقِّ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أَيْ: إِذَا لَقِيتُمُ الْكُفَّارَ فَاضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ قَتْلًا فَأْسِرُوهُمْ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أَيْ حَتَّى تَنْتَهِيَ الْحَرْبُ.
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَى وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا أَنَّهُ وَضْعُ السِّلَاحِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السِّلَاحَ وَزَرًا، وَتُطْلِقُ الْعَرَبُ الْأَوْزَارَ عَلَى آلَاتِ الْحَرْبِ وَمَا يُسَاعِدُ فِيهَا كَالْخَيْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى: وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا رِمَاحًا طُوَالًا وَخَيْلًا ذُكُورًا وَفِي مَعْنَى أَوْزَارِ الْحَرْبِ أَقْوَالٌ أُخَرُ مَعْرُوفَةٌ تَرَكْنَاهَا، لِأَنَّ هَذَا أَظْهَرُهَا عِنْدَنَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. ذَكَرَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَصَرُوا رَبَّهُمْ، نَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ، أَيْ عَصَمَهُمْ مِنَ الْفِرَارِ وَالْهَزِيمَةِ.
وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَبَيَّنَ فِي بَعْضِهَا صِفَاتِ الَّذِينَ وَعَدَهُمْ بِهَذَا النَّصْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [٢٢ ٤٠]، ثُمَّ بَيَّنَ صِفَاتِ الْمَوْعُودِينَ بِهَذَا النَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [٢٢ ٤١]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [٣٠ ٤٧]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [٤٠ ٥١]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [٣٧ ١٧١ - ١٧٣]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَدَّعِي نَفْيَ الرِّقِّ مِنْ أَصْلِهِ يَعْتَرِفُ بِأَنَّ الْآيَةَ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ الرِّجَالِ الْمُقَاتِلِينَ، لِقَصْرِ نَفْيِ الرِّقِّ الَّذِي زَعَمَهُ عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ أُسِرُوا فِي حَالَ كَوْنِهِمْ مُقَاتِلِينَ، وَلَوْ قَصَرَهُ عَلَى هَؤُلَاءِ، لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَقُولَ بِنَفْيِ الرِّقِّ مَنْ أَصْلِهِ كَمَا تَرَى.
الْوَجْهُ الثَّانِي: هُوَ مَا قَدَّمَنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى ثُبُوتِ الرِّقِّ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أَيْ: إِذَا لَقِيتُمُ الْكُفَّارَ فَاضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ قَتْلًا فَأْسِرُوهُمْ حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أَيْ حَتَّى تَنْتَهِيَ الْحَرْبُ.
وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي مَعْنَى وَضْعِ الْحَرْبِ أَوْزَارَهَا أَنَّهُ وَضْعُ السِّلَاحِ، وَالْعَرَبُ تُسَمِّي السِّلَاحَ وَزَرًا، وَتُطْلِقُ الْعَرَبُ الْأَوْزَارَ عَلَى آلَاتِ الْحَرْبِ وَمَا يُسَاعِدُ فِيهَا كَالْخَيْلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْأَعْشَى: وَأَعْدَدْتُ لِلْحَرْبِ أَوْزَارَهَا رِمَاحًا طُوَالًا وَخَيْلًا ذُكُورًا وَفِي مَعْنَى أَوْزَارِ الْحَرْبِ أَقْوَالٌ أُخَرُ مَعْرُوفَةٌ تَرَكْنَاهَا، لِأَنَّ هَذَا أَظْهَرُهَا عِنْدَنَا. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ. ذَكَرَ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَصَرُوا رَبَّهُمْ، نَصَرَهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ، وَثَبَّتَ أَقْدَامَهُمْ، أَيْ عَصَمَهُمْ مِنَ الْفِرَارِ وَالْهَزِيمَةِ.
وَقَدْ أَوْضَحَ هَذَا الْمَعْنَى فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَبَيَّنَ فِي بَعْضِهَا صِفَاتِ الَّذِينَ وَعَدَهُمْ بِهَذَا النَّصْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [٢٢ ٤٠]، ثُمَّ بَيَّنَ صِفَاتِ الْمَوْعُودِينَ بِهَذَا النَّصْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [٢٢ ٤١]، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [٣٠ ٤٧]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [٤٠ ٥١]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [٣٧ ١٧١ - ١٧٣]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي بَيَانِ صِفَاتِ مَنْ وَعَدَهُمْ بِالنَّصْرِ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ [٢٢ ٤١].
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ لَا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَلَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَلَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَيْسَ لَهُمْ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِالنَّصْرِ الْبَتَّةَ.
فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْأَجِيرِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ لِمُسْتَأْجِرِهِ شَيْئًا، ثُمَّ جَاءَهُ يَطْلُبُ مِنْهُ الْأُجْرَةَ.
فَالَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي مِمَّنْ يَتَسَمَّوْنَ بِاسْمِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُنَا - مَغْرُرُونَ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ حِزْبِ اللَّهِ الْمَوْعُودِينَ بِنَصْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَمَعْنَى نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ - نَصْرُهُمْ لِدِينِهِ وَلِكِتَابِهِ، وَسَعْيُهُمْ وَجِهَادُهُمْ فِي أَنْ تَكُونَ كَلِمَتُهُ هِيَ الْعُلْيَا، وَأَنْ تُقَامَ حُدُودُهُ فِي أَرْضِهِ، وَتُمْتَثَلَ أَوَامِرُهُ وَتُجْتَنَبَ نَوَاهِيهِ، وَيُحْكَمَ فِي عِبَادِهِ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا. قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي سُورَةِ هُودٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [١١ ٨٣]، وَأَحَلْنَا عَلَى الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةِ لِذَلِكَ فِي سُورَةِ الرُّومِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ [٣٠ ٩]، وَأَوْضَحْنَاهَا فِي الزُّخْرُفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا [٤٣ ٨]، وَفِي الْأَحْقَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ [٤٦ ٢٦]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ. الْآيَاتُ الَّتِي تُوَضِّحُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، هِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي نَفْسِ الْآيَةِ، الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلَهَا.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ إِخْرَاجِ كُفَّارِ مَكَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [٦٠ ]،
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ لَا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَلَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَلَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، لَيْسَ لَهُمْ وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ بِالنَّصْرِ الْبَتَّةَ.
فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْأَجِيرِ الَّذِي لَمْ يَعْمَلْ لِمُسْتَأْجِرِهِ شَيْئًا، ثُمَّ جَاءَهُ يَطْلُبُ مِنْهُ الْأُجْرَةَ.
فَالَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ جَمِيعَ الْمَعَاصِي مِمَّنْ يَتَسَمَّوْنَ بِاسْمِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ سَيَنْصُرُنَا - مَغْرُرُونَ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ حِزْبِ اللَّهِ الْمَوْعُودِينَ بِنَصْرِهِ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَمَعْنَى نَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ - نَصْرُهُمْ لِدِينِهِ وَلِكِتَابِهِ، وَسَعْيُهُمْ وَجِهَادُهُمْ فِي أَنْ تَكُونَ كَلِمَتُهُ هِيَ الْعُلْيَا، وَأَنْ تُقَامَ حُدُودُهُ فِي أَرْضِهِ، وَتُمْتَثَلَ أَوَامِرُهُ وَتُجْتَنَبَ نَوَاهِيهِ، وَيُحْكَمَ فِي عِبَادِهِ بِمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا. قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي سُورَةِ هُودٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ [١١ ٨٣]، وَأَحَلْنَا عَلَى الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةِ لِذَلِكَ فِي سُورَةِ الرُّومِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ [٣٠ ٩]، وَأَوْضَحْنَاهَا فِي الزُّخْرُفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: فَأَهْلَكْنَا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشًا [٤٣ ٨]، وَفِي الْأَحْقَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ [٤٦ ٢٦]، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ. الْآيَاتُ الَّتِي تُوَضِّحُ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ، هِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي نَفْسِ الْآيَةِ، الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلَهَا.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ إِخْرَاجِ كُفَّارِ مَكَةَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهَا بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ [٦٠ ]،
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [٨ - ٣٠].
وَقَدْ أَخْرَجُوهُ فِعْلًا بِمَكْرِهِمُ الْمَذْكُورِ، وَبَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ لَا ذَنْبَ لَهُمْ يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْإِخْرَاجَ إِلَّا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [٢٢ ٤٠]، وَقَالَ تَعَالَى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ [٦٠ ١]، أَيْ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ بِرَبِّكُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي إِخْرَاجِهِمْ لَهُ: أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ [٩ ١٣]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ عَامَّةُ السَّبْعَةِ، غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْكَافِ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ: «وَكَائِنْ» بِأَلِفٍ بَعْدِ الْكَافِ، وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ.
وَكُلُّهُمْ عِنْدُ الْوَقْفِ يَقِفُونَ عَلَى النُّونِ السَّاكِنَةِ، كَحَالِ الصِّلَةِ، إِلَّا أَبَا عَمْرٍو فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْيَاءِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَوْجُهَ الْقِرَاءَةِ فِي «كَأَيِّنْ» وَمَعْنَاهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ اللُّغَاتِ، مَعَ بَعْضِ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ [٢٢ ٤٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ
أَنْهَارُ الْمَاءِ وَأَنْهَارُ الْخَمْرِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَّنَ بَعْضَ صِفَاتِهَا فِي آيَاتٍ أُخْرَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [٤٧ ١٢] فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَقَوْلِهِ: وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [٥٦ ٣١]، وَقَوْلِهِ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [٧٧ ٤١]، وَقَوْلِهِ:
وَقَدْ أَخْرَجُوهُ فِعْلًا بِمَكْرِهِمُ الْمَذْكُورِ، وَبَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ لَا ذَنْبَ لَهُمْ يَسْتَوْجِبُونَ بِهِ الْإِخْرَاجَ إِلَّا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ [٢٢ ٤٠]، وَقَالَ تَعَالَى: يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ [٦٠ ١]، أَيْ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ لِأَجْلِ إِيمَانِكُمْ بِرَبِّكُمْ.
وَقَالَ تَعَالَى فِي إِخْرَاجِهِمْ لَهُ: أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ [٩ ١٣]، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ عَامَّةُ السَّبْعَةِ، غَيْرَ ابْنِ كَثِيرٍ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الْكَافِ وَيَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ.
وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ: «وَكَائِنْ» بِأَلِفٍ بَعْدِ الْكَافِ، وَهَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ.
وَكُلُّهُمْ عِنْدُ الْوَقْفِ يَقِفُونَ عَلَى النُّونِ السَّاكِنَةِ، كَحَالِ الصِّلَةِ، إِلَّا أَبَا عَمْرٍو فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى الْيَاءِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَوْجُهَ الْقِرَاءَةِ فِي «كَأَيِّنْ» وَمَعْنَاهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ اللُّغَاتِ، مَعَ بَعْضِ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ [٢٢ ٤٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ
أَنْهَارُ الْمَاءِ وَأَنْهَارُ الْخَمْرِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَّنَ بَعْضَ صِفَاتِهَا فِي آيَاتٍ أُخْرَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [٤٧ ١٢] فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، وَقَوْلِهِ: وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ [٥٦ ٣١]، وَقَوْلِهِ: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ [٧٧ ٤١]، وَقَوْلِهِ:
فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ [٨٨ ١٢]، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى مِنْ صِفَاتِ خَمْرِ الْجَنَّةِ أَنَّهَا لَا تُسْكِرُ شَارِبَهَا، وَلَا تُسَبِّبُ لَهُ الصُّدَاعَ الَّذِي هُوَ وَجَعُ الرَّأْسِ فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ [٥٦ ١٩]، وَقَوْلِهِ: لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ [٣٧ ٤٧].
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَاتِ بِإِيضَاحٍ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [٥ ٩٠]. الْآيَةَ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: غَيْرِ آسِنٍ أَيْ غَيْرُ مُتَغَيِّرِ اللَّوْنِ وَلَا الطَّعْمِ. وَالْآسِنُ وَالْآجِنُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وَقَوْلُ الرَّاجِزِ:
سَقَيْتُ مِنْهَا الْقَوْمَ وَاسْتَقَيْتُ
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعَلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: غَيْرِ آسِنٍ كَقَوْلِهِ: مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ.
قَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ الثِّمَارَ الَّتِي يُرْزَقُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْجَوْدَةِ وَالْحُسْنِ وَالْكَمَالِ، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ رَدِيءٌ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [٢ ٢٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ [٢٢ ١٩].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [٤٧ ١٨].
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَاتِ بِإِيضَاحٍ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [٥ ٩٠]. الْآيَةَ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: غَيْرِ آسِنٍ أَيْ غَيْرُ مُتَغَيِّرِ اللَّوْنِ وَلَا الطَّعْمِ. وَالْآسِنُ وَالْآجِنُ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ ذِي الرُّمَّةِ:
وَمَنْهَلٌ آجِنٌ قَفْرٌ مَحَاضِرُهُ | تَذْرُو الرِّيَاحُ عَلَى جُمَّاتِهِ الْبَعَرَا |
وَمَنْهَلٌ فِيهِ الْغُرَابُ مَيِّتُ | كَأَنَّهُ مِنَ الْأُجُونِ زَيِّتُ |
وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعَلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ: غَيْرِ آسِنٍ كَقَوْلِهِ: مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ.
قَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَنَّ الثِّمَارَ الَّتِي يُرْزَقُهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ يُشْبِهُ بَعْضُهَا بَعْضًا فِي الْجَوْدَةِ وَالْحُسْنِ وَالْكَمَالِ، لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ رَدِيءٌ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا [٢ ٢٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ [٢٢ ١٩].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً [٤٧ ١٨].
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ [٤٣ ٦٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ.
التَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ، يَتَذَكَّرُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَنْفَعُهُمْ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ، فَقَوْلُهُ: ذِكْرَاهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فَأَنَّى لَهُمْ أَيْ كَيْفَ تَنْفَعُهُمْ ذِكْرَاهُمْ وَإِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ، وَقَدْ فَاتَ الْوَقْتُ الَّذِي يُقْبَلُ فِيهِ الْإِيمَانُ.
وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي جَاءَتْهُمْ عَائِدٌ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامَةُ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُؤْمِنُونَ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [٣٤ ٥٢]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [٨٦ ٢٣].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [٧ ٥٣].
فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ أَنَّى لَهُمْ نَفْعُ ذِكْرَاهُمْ.
وَالذِّكْرَى اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاتِّعَاظِ الْحَامِلِ عَلَى الْإِيمَانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ.
ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ إِذَا أَنْزَلَ سُورَةً مُحْكَمَةً، أَيْ مُتْقَنَةَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، وَاضِحَةَ الدَّلَالَةِ، لَا نَسْخَ فِيهَا وَذَكَرَ فِيهَا وُجُوبَ قِتَالِ الْكُفَّارِ، تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ، كَوْنُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَيْ شَكٌّ وَنِفَاقٌ، يَنْظُرُونَ كَنَظَرِ الْإِنْسَانِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ، لِأَنَّ نَظَرَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ تَدُورُ فِيهِ عَيْنُهُ وَيَزِيغُ بَصَرُهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ.
التَّحْقِيقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ، يَتَذَكَّرُونَ وَيُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، وَأَنَّ الْإِيمَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَا يَنْفَعُهُمْ لِفَوَاتِ وَقْتِهِ، فَقَوْلُهُ: ذِكْرَاهُمْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ فَأَنَّى لَهُمْ أَيْ كَيْفَ تَنْفَعُهُمْ ذِكْرَاهُمْ وَإِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ، وَقَدْ فَاتَ الْوَقْتُ الَّذِي يُقْبَلُ فِيهِ الْإِيمَانُ.
وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي جَاءَتْهُمْ عَائِدٌ إِلَى السَّاعَةِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامَةُ.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، مِنْ أَنَّ الْكُفَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُؤْمِنُونَ، وَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [٣٤ ٥٢]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى [٨٦ ٢٣].
وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ [٧ ٥٣].
فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ: فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ أَنَّى لَهُمْ نَفْعُ ذِكْرَاهُمْ.
وَالذِّكْرَى اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاتِّعَاظِ الْحَامِلِ عَلَى الْإِيمَانِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ.
ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّهُ إِذَا أَنْزَلَ سُورَةً مُحْكَمَةً، أَيْ مُتْقَنَةَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، وَاضِحَةَ الدَّلَالَةِ، لَا نَسْخَ فِيهَا وَذَكَرَ فِيهَا وُجُوبَ قِتَالِ الْكُفَّارِ، تَسَبَّبَ عَنْ ذَلِكَ، كَوْنُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَيْ شَكٌّ وَنِفَاقٌ، يَنْظُرُونَ كَنَظَرِ الْإِنْسَانِ الَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ الْمَوْتِ، لِأَنَّ نَظَرَ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ تَدُورُ فِيهِ عَيْنُهُ وَيَزِيغُ بَصَرُهُ.
وَهَذَا إِنَّمَا وَقَعَ لَهُمْ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ مِنْ بَأْسِ الْكَفَّارِ الْمَأْمُورِ بِقِتَالِهِمْ.
وَقَدْ صَرَّحَ - جَلَّ وَعَلَا - بِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [٣٣ ١٩].
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةً فِيهَا الْأَمْرُ بِالْجِهَادِ، اسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ، وَذَمَّهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [٩ ٨٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.
الْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيُعْرِضُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ; كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَحَذْفُ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا «أَمْ» فِيهِ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ، فَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إِعْرَاضَهُمْ عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، بِأَدَاةِ الْإِنْكَارِ الَّتِي هِيَ الْهَمْزَةُ، وَبَيَّنَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ عَلَيْهَا أَقْفَالٌ لَا تَنْفَتِحُ لِخَيْرٍ، وَلَا لِفَهْمِ قُرْآنٍ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْ تَدَبُّرِ كِتَابِ اللَّهِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [٤ ٨٢]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ [٢٣ ٦٨]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [٣٨ ٢٩].
وَقَدْ ذَمَّ - جَلَّ وَعَلَا - الْمُعْرِضَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا [١٨ ٥٧]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا [٣٢ ٢٢].
وَقَدْ صَرَّحَ - جَلَّ وَعَلَا - بِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ [٣٣ ١٩].
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ، إِذَا أَنْزَلَ اللَّهُ سُورَةً فِيهَا الْأَمْرُ بِالْجِهَادِ، اسْتَأْذَنُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْجِهَادِ، وَذَمَّهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُنْ مَعَ الْقَاعِدِينَ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ [٩ ٨٦].
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.
الْهَمْزَةُ فِي قَوْلِهِ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ لِلْإِنْكَارِ، وَالْفَاءُ عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةٍ مَحْذُوفَةٍ، عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ: أَيُعْرِضُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ; كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ:
وَحَذْفُ مَتْبُوعٍ بَدَا هُنَا اسْتَبِحْ
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا «أَمْ» فِيهِ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ، فَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إِعْرَاضَهُمْ عَنْ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ، بِأَدَاةِ الْإِنْكَارِ الَّتِي هِيَ الْهَمْزَةُ، وَبَيَّنَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ عَلَيْهَا أَقْفَالٌ لَا تَنْفَتِحُ لِخَيْرٍ، وَلَا لِفَهْمِ قُرْآنٍ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنَ التَّوْبِيخِ وَالْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ أَعْرَضَ عَنْ تَدَبُّرِ كِتَابِ اللَّهِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [٤ ٨٢]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ [٢٣ ٦٨]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [٣٨ ٢٩].
وَقَدْ ذَمَّ - جَلَّ وَعَلَا - الْمُعْرِضَ عَنْ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا [١٨ ٥٧]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا [٣٢ ٢٢].
256
وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَشْتَغِلْ بِتَدَبُّرِ آيَاتِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ أَيْ تَصَفُّحِهَا وَتَفَهُّمِهَا، وَإِدْرَاكِ مَعَانِيهَا وَالْعَمَلِ بِهَا، فَإِنَّهُ مُعْرِضٌ عَنْهَا، غَيْرُ مُتَدَبِّرٍ لَهَا فَيَسْتَحِقُّ الْإِنْكَارَ وَالتَّوْبِيخَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَاتِ إِنْ كَانَ اللَّهُ أَعْطَاهُ فَهْمًا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى التَّدَبُّرِ، وَقَدْ شَكَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَبِّهِ مِنْ هَجْرِ قَوْمِهِ هَذَا الْقُرْآنَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [٢٥ - ٣٠].
وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمَهُ وَتَعَلُّمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ، أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُشْتَغِلِينَ بِذَلِكَ هُمْ خَيْرُ النَّاسِ. كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» وَقَالَ تَعَالَى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [٣ ٧٩].
فَإِعْرَاضُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ عَنِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَتَفَهُّمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَبِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الْمُبِيِّنَةِ لَهُ، مَنْ أَعْظَمِ الْمُنَاكِرِ وَأَشْنَعِهَا، وَإِنْ ظَنَّ فَاعِلُوهُ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى.
وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِ الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتِفَاءً عَنْهُمَا بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى تَعَلُّمِهِمَا ; لِوُجُودِ مَا يَكْفِي عَنْهُمَا مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ - مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.
وَهَذِهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَدَبُّرَ الْقُرْآنِ وَتَفَهُّمَهُ وَتَعَلُّمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ، أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُشْتَغِلِينَ بِذَلِكَ هُمْ خَيْرُ النَّاسِ. كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ» وَقَالَ تَعَالَى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ [٣ ٧٩].
فَإِعْرَاضُ كَثِيرٍ مِنَ الْأَقْطَارِ عَنِ النَّظَرِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَتَفَهُّمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَبِالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ الْمُبِيِّنَةِ لَهُ، مَنْ أَعْظَمِ الْمُنَاكِرِ وَأَشْنَعِهَا، وَإِنْ ظَنَّ فَاعِلُوهُ أَنَّهُمْ عَلَى هُدًى.
وَلَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ الْقَوْلَ بِمَنْعِ الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتِفَاءً عَنْهُمَا بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ، وَانْتِفَاءِ الْحَاجَةِ إِلَى تَعَلُّمِهِمَا ; لِوُجُودِ مَا يَكْفِي عَنْهُمَا مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ - مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ.
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَمُخَالِفٌ لِأَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ.
257
فَمُرْتَكِبُهُ مُخَالِفٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَصْحَابِ رَسُولِهِ جَمِيعًا وَلِلْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، كَمَا سَتَرَى إِيضَاحَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ تَدَبُّرَ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَتَفَهُّمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْمُجْتَهِدِينَ خَاصَّةً، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَهُمُ الَّتِي لَمْ يَسْتَنِدِ اشْتِرَاطُ كَثِيرٍ مِنْهَا إِلَى دَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ جَلِيٍّ، وَلَا أَثَرٍ عَنِ الصَّحَابَةِ - قَوْلٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَصْلًا.
بَلِ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى التَّعَلُّمِ وَالتَّفَهُّمِ، وَإِدْرَاكِ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُهُمَا، وَالْعَمَلُ بِمَا عَلِمَ مِنْهُمَا.
أَمَّا الْعَمَلُ بِهِمَا مَعَ الْجَهْلِ بِمَا يَعْمَلُ بِهِ مِنْهُمَا فَمَمْنُوعٌ إِجْمَاعًا.
وَأَمَّا مَا عَلِمَهُ مِنْهُمَا عِلْمًا صَحِيحًا نَاشِئًا عَنْ تَعَلُّمٍ صَحِيحٍ. فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ. وَلَوْ آيَةً وَاحِدَةً أَوْ حَدِيثًا وَاحِدًا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الذَّمَّ وَالْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يَتَدَبَّرُ كِتَابَ اللَّهِ - عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ الْأَوَّلِينَ بِهِ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَالْكُفَّارُ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُسْتَكْمِلًا لِشُرُوطِ الِاجْتِهَادِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، بَلْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا أَصْلًا. فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِالْعَمَلِ بِهِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ إِلَّا الْمُجْتَهِدُونَ بِالْإِصْلَاحِ الْأُصُولِيِّ لَمَا وَبَّخَ اللَّهُ الْكَفَّارُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَمَ الِاهْتِدَاءِ بِهُدَاهُ، وَلَمَا أَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ بِهِ حَتَّى يُحَصِّلُوا شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُقَرَّرَةَ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ، كَمَا تَرَى.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنَ الْمُقَرَّرِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ صُورَةَ سَبَبِ النُّزُولِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ، وَإِذًا فَدُخُولُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَطْعِيٌّ، وَلَوْ كَانَ لَا يَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ إِلَّا لِخُصُوصِ الْمُجْتَهِدِينَ لَمَا أَنْكَرَ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ عَدَمَ تَدَبُّرِهِمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَعَدَمَ عَمَلِهِمْ بِهِ.
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْوَاقِعَ خِلَافُ ذَلِكَ قَطْعًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ لَا تُشْتَرَطُ إِلَّا
مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ: إِنَّ تَدَبُّرَ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَتَفَهُّمَهُ وَالْعَمَلَ بِهِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْمُجْتَهِدِينَ خَاصَّةً، وَإِنَّ كُلَّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ دَرَجَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ بِشُرُوطِهِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَهُمُ الَّتِي لَمْ يَسْتَنِدِ اشْتِرَاطُ كَثِيرٍ مِنْهَا إِلَى دَلِيلٍ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ وَلَا قِيَاسٍ جَلِيٍّ، وَلَا أَثَرٍ عَنِ الصَّحَابَةِ - قَوْلٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ أَصْلًا.
بَلِ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، أَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُ قُدْرَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى التَّعَلُّمِ وَالتَّفَهُّمِ، وَإِدْرَاكِ مَعَانِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، يَجِبُ عَلَيْهِ تَعَلُّمُهُمَا، وَالْعَمَلُ بِمَا عَلِمَ مِنْهُمَا.
أَمَّا الْعَمَلُ بِهِمَا مَعَ الْجَهْلِ بِمَا يَعْمَلُ بِهِ مِنْهُمَا فَمَمْنُوعٌ إِجْمَاعًا.
وَأَمَّا مَا عَلِمَهُ مِنْهُمَا عِلْمًا صَحِيحًا نَاشِئًا عَنْ تَعَلُّمٍ صَحِيحٍ. فَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ. وَلَوْ آيَةً وَاحِدَةً أَوْ حَدِيثًا وَاحِدًا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الذَّمَّ وَالْإِنْكَارَ عَلَى مَنْ يَتَدَبَّرُ كِتَابَ اللَّهِ - عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّاسِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُخَاطَبِينَ الْأَوَّلِينَ بِهِ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمْ هُمُ الْمُنَافِقُونَ وَالْكُفَّارُ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ مُسْتَكْمِلًا لِشُرُوطِ الِاجْتِهَادِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ، بَلْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ مِنْهَا أَصْلًا. فَلَوْ كَانَ الْقُرْآنُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْتَفَعَ بِالْعَمَلِ بِهِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ إِلَّا الْمُجْتَهِدُونَ بِالْإِصْلَاحِ الْأُصُولِيِّ لَمَا وَبَّخَ اللَّهُ الْكَفَّارُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَمَ الِاهْتِدَاءِ بِهُدَاهُ، وَلَمَا أَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ بِهِ حَتَّى يُحَصِّلُوا شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ الْمُقَرَّرَةَ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ، كَمَا تَرَى.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنَ الْمُقَرَّرِ فِي الْأُصُولِ أَنَّ صُورَةَ سَبَبِ النُّزُولِ قَطْعِيَّةُ الدُّخُولِ، وَإِذًا فَدُخُولُ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَطْعِيٌّ، وَلَوْ كَانَ لَا يَصِحُّ الِانْتِفَاعُ بِهَدْيِ الْقُرْآنِ إِلَّا لِخُصُوصِ الْمُجْتَهِدِينَ لَمَا أَنْكَرَ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ عَدَمَ تَدَبُّرِهِمْ كِتَابَ اللَّهِ، وَعَدَمَ عَمَلِهِمْ بِهِ.
وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الْوَاقِعَ خِلَافُ ذَلِكَ قَطْعًا، وَلَا يَخْفَى أَنَّ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ لَا تُشْتَرَطُ إِلَّا
258
فِيمَا فِيهِ مَجَالٌ لِلِاجْتِهَادِ. وَالْأُمُورُ الْمَنْصُوصَةُ فِي نُصُوصٍ صَحِيحَةٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا لِأَحَدٍ، حَتَّى تُشْتَرَطَ فِيهَا شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ، بَلْ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الِاتِّبَاعُ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَا ذَكَرُهُ صَاحِبُ مَرَاقِي السُّعُودِ تَبَعًا لِلْقَرَافِيِّ مِنْ قَوْلِهِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا فَالْعَمَلُ مِنْهُ بِمَعْنَى النَّصِّ مِمَّا يُحْظَلُ لَا يَصِحُّ عَلَى إِطْلَاقِهِ بِحَالٍ لِمُعَارَضَتِهِ لِآيَاتٍ وَأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَيْضًا أَنَّ عُمُومَاتِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى حَثِّ جَمِيعِ النَّاسِ عَلَى الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» الْحَدِيثَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى.
فَتَخْصِيصُ جَمِيعِ تِلْكَ النُّصُوصِ بِخُصُوصِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَتَحْرِيمُ الِانْتِفَاعِ بِهَدْيِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى غَيْرِهِمْ تَحْرِيمًا بَاتًّا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ تِلْكَ النُّصُوصِ بِآرَاءِ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُقِرِّينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُقَلِّدَ الصِّرْفَ، لَا يَجُوزُ عَدُّهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا سَتَرَى إِيضَاحَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ مَرَاقِي السُّعُودِ فِي نَشْرِ الْبُنُودِ فِي شَرْحِهِ لِبَيْتِهِ الْمَذْكُورِ
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَيْضًا أَنَّ عُمُومَاتِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى حَثِّ جَمِيعِ النَّاسِ عَلَى الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى، كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي» وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي» الْحَدِيثَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُحْصَى.
فَتَخْصِيصُ جَمِيعِ تِلْكَ النُّصُوصِ بِخُصُوصِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَتَحْرِيمُ الِانْتِفَاعِ بِهَدْيِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى غَيْرِهِمْ تَحْرِيمًا بَاتًّا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ تِلْكَ النُّصُوصِ بِآرَاءِ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُقِرِّينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُمْ مِنَ الْمُقَلِّدِينَ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُقَلِّدَ الصِّرْفَ، لَا يَجُوزُ عَدُّهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا مِنْ وَرَثَةِ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا سَتَرَى إِيضَاحَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ صَاحِبُ مَرَاقِي السُّعُودِ فِي نَشْرِ الْبُنُودِ فِي شَرْحِهِ لِبَيْتِهِ الْمَذْكُورِ
259
آنِفًا مَا نَصُّهُ: يَعْنِي أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ يُحْظَلُ لَهُ، أَيْ يُمْنَعُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَعْنَى نَصٍّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَإِنْ صَحَّ سَنَدُهَا لِاحْتِمَالِ عَوَارِضِهِ مِنْ نَسْخٍ وَتَقْيِيدٍ، وَتَخْصِيصٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي لَا يَضْبُطُهَا إِلَّا الْمُجْتَهِدُ، فَلَا يُخَلِّصُهُ مِنَ اللَّهِ إِلَّا تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ، قَالَهُ الْقَرَافِيُّ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، وَلَا لِلْقَرَافِيُّ الَّذِي تَبِعَهُ فِي مَنْعِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، إِلَّا مُطْلَقَ احْتِمَالِ الْعَوَارِضِ، الَّتِي تَعْرِضُ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنْ نَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ أَوْ تَقْيِيدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنَ النَّسْخِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ النَّاسِخِ، وَالْعَامُّ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ الْمُخَصِّصِ، وَالْمُطْلَقُ ظَاهِرٌ فِي الْإِطْلَاقِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ الْمُقَيِّدِ، وَالنَّصُّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ النُّسَخُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَالظَّاهِرُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عُمُومًا كَانَ أَوْ إِطْلَاقًا أَوْ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ صَارِفٌ عَنْهُ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ.
وَأَوَّلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ حَتَّى يُبْحَثَ عَنِ الْمُخَصَّصِ فَلَا يُوجَدُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، حَتَّى حَكَمُوا عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ حِكَايَةً لَا أَسَاسَ لَهَا.
وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعَبَّادِيُّ فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ غَلَطَهُمْ فِي ذَلِكَ، فِي كَلَامِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَحَلِّ لِقَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيِّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَيُتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، وَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ اهـ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ مِنْ عُمُومٍ وَإِطْلَاقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إِلَّا لِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، مِنْ مُخَصِّصٍ أَوْ مُقَيِّدٍ، لَا لِمُجَرَّدِ مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ، وَلَا لِلْقَرَافِيُّ الَّذِي تَبِعَهُ فِي مَنْعِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنَ الْعَمَلِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، إِلَّا مُطْلَقَ احْتِمَالِ الْعَوَارِضِ، الَّتِي تَعْرِضُ لِنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، مِنْ نَسْخٍ أَوْ تَخْصِيصٍ أَوْ تَقْيِيدٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ مِنَ النَّسْخِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ النَّاسِخِ، وَالْعَامُّ ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ الْمُخَصِّصِ، وَالْمُطْلَقُ ظَاهِرٌ فِي الْإِطْلَاقِ حَتَّى يَثْبُتَ وُرُودُ الْمُقَيِّدِ، وَالنَّصُّ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يَثْبُتَ النُّسَخُ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَالظَّاهِرُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ عُمُومًا كَانَ أَوْ إِطْلَاقًا أَوْ غَيْرَهُمَا حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ صَارِفٌ عَنْهُ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ، كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ.
وَأَوَّلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالْعَامِّ حَتَّى يُبْحَثَ عَنِ الْمُخَصَّصِ فَلَا يُوجَدُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ - أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ، وَتَبِعَهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، حَتَّى حَكَمُوا عَلَى ذَلِكَ الْإِجْمَاعِ حِكَايَةً لَا أَسَاسَ لَهَا.
وَقَدْ أَوْضَحَ ابْنُ الْقَاسِمِ الْعَبَّادِيُّ فِي الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ غَلَطَهُمْ فِي ذَلِكَ، فِي كَلَامِهِ عَلَى شَرْحِ الْمَحَلِّ لِقَوْلِ ابْنِ السُّبْكِيِّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَيُتَمَسَّكُ بِالْعَامِّ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ الْمُخَصِّصِ، وَكَذَا بَعْدَ الْوَفَاةِ، خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ اهـ.
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَظَوَاهِرُ النُّصُوصِ مِنْ عُمُومٍ وَإِطْلَاقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا إِلَّا لِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، مِنْ مُخَصِّصٍ أَوْ مُقَيِّدٍ، لَا لِمُجَرَّدِ مُطْلَقِ الِاحْتِمَالِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ.
260
فَادِّعَاءُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، أَنَّهُ يَجِبُ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ حَتَّى يُبْحَثَ عَنِ الْمُخَصِّصِ وَالْمُقَيِّدِ مَثَلًا - خِلَافُ التَّحْقِيقِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ إِذَا تَعَلَّمَ آيَاتِ الْقُرْآنِ، أَوْ بَعْضَ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَعْمَلَ بِهَا، تَعَلَّمَ ذَلِكَ النَّصَّ الْعَامَّ أَوِ الْمُطْلَقَ، وَتَعَلَّمَ مَعَهُ مُخَصِّصَهُ وَمُقَيِّدَهُ إِنْ كَانَ مُخَصَّصًا أَوْ مُقَيَّدًا، وَتَعَلَّمَ نَاسِخَهُ إِنْ كَانَ مَنْسُوخًا، وَتَعَلُّمُ ذَلِكَ سَهْلٌ جِدًّا، بِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ بِهِ، وَمُرَاجَعَةِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ الْمُعْتَدِّ بِهَا فِي ذَلِكَ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ يَتَعَلَّمُ أَحَدُهُمْ آيَةً فَيَعْمَلُ بِهَا، وَحَدِيثًا فَيَعْمَلُ بِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ حَتَّى يُحَصِّلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ، وَرُبَّمَا عَمِلَ الْإِنْسَانُ بِمَا عَلِمَ فَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، كَمَا يُشِيرُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [٢ ٢٨٢]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [٨ ٢٩]، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْقَانَ هُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ الَّذِي يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ الْآيَةَ [٥٧ ٢٨].
وَهَذِهِ التَّقْوَى الَّتِي دَلَّتِ الْآيَاتُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُعَلِّمُ صَاحِبَهَا بِسَبَبِهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، لَا تَزِيدُ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا عَلِمَ، مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَعَلَيْهِ فَهِيَ عَمَلٌ بِبَعْضِ مَا عَلِمَ زَادَهُ اللَّهُ بِهِ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ.
فَالْقَوْلُ بِمَنْعِ الْعَمَلِ بِمَا عَلِمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، حَتَّى يُحَصِّلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ، هُوَ عَيْنُ السَّعْيِ فِي حِرْمَانِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الانْتِفَاعِ بِنُورِ الْقُرْآنِ، حَتَّى يُحَصِّلُوا شَرْطًا مَفْقُودًا فِي اعْتِقَادِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ. وَادِّعَاءُ مِثْلِ هَذَا عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِهِ - هُوَ كَمَا تَرَى.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ غَيْرَ الْمُجْتَهِدِ إِذَا تَعَلَّمَ آيَاتِ الْقُرْآنِ، أَوْ بَعْضَ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَعْمَلَ بِهَا، تَعَلَّمَ ذَلِكَ النَّصَّ الْعَامَّ أَوِ الْمُطْلَقَ، وَتَعَلَّمَ مَعَهُ مُخَصِّصَهُ وَمُقَيِّدَهُ إِنْ كَانَ مُخَصَّصًا أَوْ مُقَيَّدًا، وَتَعَلَّمَ نَاسِخَهُ إِنْ كَانَ مَنْسُوخًا، وَتَعَلُّمُ ذَلِكَ سَهْلٌ جِدًّا، بِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ الْعَارِفِينَ بِهِ، وَمُرَاجَعَةِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ الْمُعْتَدِّ بِهَا فِي ذَلِكَ، وَالصَّحَابَةُ كَانُوا فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ يَتَعَلَّمُ أَحَدُهُمْ آيَةً فَيَعْمَلُ بِهَا، وَحَدِيثًا فَيَعْمَلُ بِهِ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْعَمَلِ بِذَلِكَ حَتَّى يُحَصِّلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ، وَرُبَّمَا عَمِلَ الْإِنْسَانُ بِمَا عَلِمَ فَعَلَّمَهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، كَمَا يُشِيرُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [٢ ٢٨٢]، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا [٨ ٢٩]، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْقَانَ هُوَ الْعِلْمُ النَّافِعُ الَّذِي يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ الْآيَةَ [٥٧ ٢٨].
وَهَذِهِ التَّقْوَى الَّتِي دَلَّتِ الْآيَاتُ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُعَلِّمُ صَاحِبَهَا بِسَبَبِهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، لَا تَزِيدُ عَلَى عَمَلِهِ بِمَا عَلِمَ، مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَعَلَيْهِ فَهِيَ عَمَلٌ بِبَعْضِ مَا عَلِمَ زَادَهُ اللَّهُ بِهِ عِلْمَ مَا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ.
فَالْقَوْلُ بِمَنْعِ الْعَمَلِ بِمَا عَلِمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، حَتَّى يُحَصِّلَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ، هُوَ عَيْنُ السَّعْيِ فِي حِرْمَانِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الانْتِفَاعِ بِنُورِ الْقُرْآنِ، حَتَّى يُحَصِّلُوا شَرْطًا مَفْقُودًا فِي اعْتِقَادِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ. وَادِّعَاءُ مِثْلِ هَذَا عَلَى اللَّهِ وَعَلَى كِتَابِهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِهِ - هُوَ كَمَا تَرَى.
261
تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ:
يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَخَافُ الْعَرْضَ عَلَى رَبِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَنْ يَتَأَمَّلَ فِيهِ لِيَرَى لِنَفَسِهِ الْمَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْعُظْمَى، وَالطَّامَّةِ الْكُبْرَى، الَّتِي عَمَّتْ جُلَّ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَعْمُورَةِ.
وَهِيَ ادِّعَاءُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، اسْتِغْنَاءً تَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ عِبَادَاتٍ وَمُعَامَلَاتٍ، وَحُدُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَبِنَاءُ هَذَا عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْمُجْتَهِدِينَ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مَعْدُومُونَ عَدَمًا كُلِّيًّا، لَا وُجُودَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، يُمْنَعُ الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهُ مَنْعًا بَاتًّا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَيُسْتَغْنَى عَنْهُمَا بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَزَادَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا مَنْعَ تَقْلِيدِ غَيْرِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهُ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ.
فَتَأَمَّلْ يَا أَخِي رَحِمَكَ اللَّهُ: كَيْفَ يَسُوغُ لِمُسْلِمٍ، أَنْ يَقُولَ بِمَنْعِ الِاهْتِدَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمِ وُجُوبِ تَعَلُّمِهِمَا وَالْعَمَلِ بِهِمَا اسْتِغْنَاءً عَنْهُمَا بِكَلَامِ رِجَالٍ غَيْرِ مَعْصُومِينَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُخْطِئُونَ.
فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمْ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، لَا حَاجَةَ إِلَى تَعَلُّمِهِمَا، وَأَنَّهُمَا يُغْنِي غَيْرُهُمَا، فَهَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، وَمُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ.
وَإِنْ كَانَ قَصْدَهُمْ أَنَّ تَعَلُّمَهُمَا صَعْبٌ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ، فَهُوَ أَيْضًا زَعْمٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْسَرُ مِنْ تَعَلُّمِ مَسَائِلِ الْآرَاءِ وَالِاجْتِهَادِ الْمُنْتَشِرَةِ، مَعَ كَوْنِهَا فِي غَايَةِ التَّعْقِيدِ
يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَخَافُ الْعَرْضَ عَلَى رَبِّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَنْ يَتَأَمَّلَ فِيهِ لِيَرَى لِنَفَسِهِ الْمَخْرَجَ مِنْ هَذِهِ الْوَرْطَةِ الْعُظْمَى، وَالطَّامَّةِ الْكُبْرَى، الَّتِي عَمَّتْ جُلَّ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَعْمُورَةِ.
وَهِيَ ادِّعَاءُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، اسْتِغْنَاءً تَامًّا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ عِبَادَاتٍ وَمُعَامَلَاتٍ، وَحُدُودٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَبِنَاءُ هَذَا عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْعَمَلَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَجُوزُ إِلَّا لِلْمُجْتَهِدِينَ.
وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمُجْتَهِدِينَ مَعْدُومُونَ عَدَمًا كُلِّيًّا، لَا وُجُودَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَّهُ بِنَاءً عَلَى هَاتَيْنِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ، يُمْنَعُ الْعَمَلُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهُ مَنْعًا بَاتًّا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَيُسْتَغْنَى عَنْهُمَا بِالْمَذَاهِبِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَزَادَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى هَذَا مَنْعَ تَقْلِيدِ غَيْرِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهُ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ.
فَتَأَمَّلْ يَا أَخِي رَحِمَكَ اللَّهُ: كَيْفَ يَسُوغُ لِمُسْلِمٍ، أَنْ يَقُولَ بِمَنْعِ الِاهْتِدَاءِ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَدَمِ وُجُوبِ تَعَلُّمِهِمَا وَالْعَمَلِ بِهِمَا اسْتِغْنَاءً عَنْهُمَا بِكَلَامِ رِجَالٍ غَيْرِ مَعْصُومِينَ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُخْطِئُونَ.
فَإِنْ كَانَ قَصْدُهُمْ أَنَّ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، لَا حَاجَةَ إِلَى تَعَلُّمِهِمَا، وَأَنَّهُمَا يُغْنِي غَيْرُهُمَا، فَهَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ، وَمُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ.
وَإِنْ كَانَ قَصْدَهُمْ أَنَّ تَعَلُّمَهُمَا صَعْبٌ لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ، فَهُوَ أَيْضًا زَعْمٌ بَاطِلٌ ; لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْسَرُ مِنْ تَعَلُّمِ مَسَائِلِ الْآرَاءِ وَالِاجْتِهَادِ الْمُنْتَشِرَةِ، مَعَ كَوْنِهَا فِي غَايَةِ التَّعْقِيدِ
262
وَالْكَثْرَةِ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [٥٤ ١٧ - ٢٢ - ٣٢ - ٤٠]، وَيَقُولُ تَعَالَى فِي الدُّخَانِ: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [٤٤ ٥٨]، وَيَقُولُ فِي مَرْيَمَ: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [١٩ ٩٧].
فَهُوَ كِتَابٌ مُيَسَّرٌ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [٢٩ ٤٩]، وَيَقُولُ: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [٧ ٥٢].
فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَتَبَاعَدُ عَنْ هُدَاهُ يُحَاوِلُ التَّبَاعُدَ عَنْ هُدَى اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ هُوَ النُّورُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَى أَرْضِهِ، لِيُسْتَضَاءَ بِهِ، فَيُعْلَمَ فِي ضَوْئِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ، وَالنَّافِعُ مِنَ الضَّارِّ، وَالرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [٤ ١٧٤].
وَقَالَ تَعَالَى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [٥ ١٥]، وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [٤٢ ٥٢]، وَقَالَ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [٦٤ ٨]، وَقَالَ تَعَالَى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٧ ١٥٧].
فَإِذَا عَلِمْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، هُوَ النُّورُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ لِيُسْتَضَاءَ بِهِ، وَيُهْتَدَى بِهُدَاهُ فِي أَرْضِهِ، فَكَيْفَ تَرْضَى لِبَصِيرَتِكَ أَنْ تَعْمَى عَنِ النُّورِ.
فَلَا تَكُنْ خُفَّاشِيَّ الْبَصِيرَةِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ قِيلَ فِيهِمْ:
خَفَافِيشٌ أَعْمَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ
وَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ
مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى
نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ
فَهُوَ كِتَابٌ مُيَسَّرٌ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [٢٩ ٤٩]، وَيَقُولُ: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [٧ ٥٢].
فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَتَبَاعَدُ عَنْ هُدَاهُ يُحَاوِلُ التَّبَاعُدَ عَنْ هُدَى اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ هُوَ النُّورُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَى أَرْضِهِ، لِيُسْتَضَاءَ بِهِ، فَيُعْلَمَ فِي ضَوْئِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ، وَالنَّافِعُ مِنَ الضَّارِّ، وَالرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [٤ ١٧٤].
وَقَالَ تَعَالَى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [٥ ١٥]، وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [٤٢ ٥٢]، وَقَالَ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [٦٤ ٨]، وَقَالَ تَعَالَى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٧ ١٥٧].
فَإِذَا عَلِمْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، هُوَ النُّورُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ لِيُسْتَضَاءَ بِهِ، وَيُهْتَدَى بِهُدَاهُ فِي أَرْضِهِ، فَكَيْفَ تَرْضَى لِبَصِيرَتِكَ أَنْ تَعْمَى عَنِ النُّورِ.
فَلَا تَكُنْ خُفَّاشِيَّ الْبَصِيرَةِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ قِيلَ فِيهِمْ:
خَفَافِيشٌ أَعْمَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ
وَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ
مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى
نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ
263
يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ [٢ ٢٠]، أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [١٣ ١٩].
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ عَمِيَتْ بَصِيرَتُهُ عَنِ النُّورِ تَخَبَّطَ فِي الظَّلَامِ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا، فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْمُنْصِفُ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكَ الْجِدُّ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَعَلُّمِ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَسَائِلِ النَّافِعَةِ الْمُنْتِجَةِ، وَالْعَمَلُ بِكُلِّ مَا عَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْهُمَا عِلْمًا صَحِيحًا.
وَلْتَعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّمَ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَيْسَرُ مِنْهُ بِكَثِيرٍ فِي الْقُرُونِ الْأَوْلَى، لِسُهُولَةِ مَعْرِفَةِ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، مِنْ نَاسِخٍ وَمَنْسُوخٍ وَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَمُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ، وَمُجْمَلٍ وَمُبَيَّنٍ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ، مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ ; لِأَنَّ الْجَمِيعَ ضَبَطَ وَأَتْقَنَ وَدَوَّنَ، فَالْجَمِيعُ سَهَّلَ التَّنَاوُلَ الْيَوْمَ.
فَكُلُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَدْ عُلِمَ مَا جَاءَ فِيهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَكِبَارِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُفِظَتْ وَدُوِّنَتْ، وَعُلِمَتْ أَحْوَالُ مُتُونِهَا وَأَسَانِيدِهَا، وَمَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا مِنَ الْعِلَلِ وَالضَّعْفِ.
فَجَمِيعُ الشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطُوهَا فِي الِاجْتِهَادِ يَسْهُلُ تَحْصِيلُهَا جِدًّا عَلَى كُلِّ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا وَعِلْمًا.
وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَالْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ تَسْهُلُ مَعْرِفَتُهُ الْيَوْمَ عَلَى كُلِّ نَاظِرٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا وَوَفَّقَهُ لِتَعَلُّمِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
وَاعْلَمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْمُنْصِفُ، أَنَّ مِنْ أَشْنَعِ الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِ الْقَوْلِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، عَلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَعَلَى النَّبِيِّ وَسُنَّتِهِ الْمُطَهَّرَةِ، مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الصَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ وَآلِ عِمْرَانَ وَاغْتَرَّ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ خَلْقٌ لَا يُحْصَى مِنَ الْمُتَسَمِّينَ بِاسْمِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ ; لِكَوْنِهِمْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ عَمِيَتْ بَصِيرَتُهُ عَنِ النُّورِ تَخَبَّطَ فِي الظَّلَامِ، وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا، فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْمُنْصِفُ، أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْكَ الْجِدُّ وَالِاجْتِهَادُ فِي تَعَلُّمِ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَسَائِلِ النَّافِعَةِ الْمُنْتِجَةِ، وَالْعَمَلُ بِكُلِّ مَا عَلَّمَكَ اللَّهُ مِنْهُمَا عِلْمًا صَحِيحًا.
وَلْتَعْلَمْ أَنَّ تَعَلُّمَ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَيْسَرُ مِنْهُ بِكَثِيرٍ فِي الْقُرُونِ الْأَوْلَى، لِسُهُولَةِ مَعْرِفَةِ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ، مِنْ نَاسِخٍ وَمَنْسُوخٍ وَعَامٍّ وَخَاصٍّ، وَمُطْلَقٍ وَمُقَيَّدٍ، وَمُجْمَلٍ وَمُبَيَّنٍ وَأَحْوَالِ الرِّجَالِ، مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ، وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الصَّحِيحِ وَالضَّعِيفِ ; لِأَنَّ الْجَمِيعَ ضَبَطَ وَأَتْقَنَ وَدَوَّنَ، فَالْجَمِيعُ سَهَّلَ التَّنَاوُلَ الْيَوْمَ.
فَكُلُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ قَدْ عُلِمَ مَا جَاءَ فِيهَا مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَكِبَارِ الْمُفَسِّرِينَ.
وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حُفِظَتْ وَدُوِّنَتْ، وَعُلِمَتْ أَحْوَالُ مُتُونِهَا وَأَسَانِيدِهَا، وَمَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا مِنَ الْعِلَلِ وَالضَّعْفِ.
فَجَمِيعُ الشُّرُوطِ الَّتِي اشْتَرَطُوهَا فِي الِاجْتِهَادِ يَسْهُلُ تَحْصِيلُهَا جِدًّا عَلَى كُلِّ مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا وَعِلْمًا.
وَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ، وَالْخَاصُّ وَالْعَامُّ، وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ تَسْهُلُ مَعْرِفَتُهُ الْيَوْمَ عَلَى كُلِّ نَاظِرٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِمَّنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا وَوَفَّقَهُ لِتَعَلُّمِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
وَاعْلَمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ الْمُنْصِفُ، أَنَّ مِنْ أَشْنَعِ الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِ الْقَوْلِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، عَلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَعَلَى النَّبِيِّ وَسُنَّتِهِ الْمُطَهَّرَةِ، مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الصَّاوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْجَلَالَيْنِ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ وَآلِ عِمْرَانَ وَاغْتَرَّ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ خَلْقٌ لَا يُحْصَى مِنَ الْمُتَسَمِّينَ بِاسْمِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ ; لِكَوْنِهِمْ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ.
264
فَقَدْ قَالَ الصَّاوِيُّ أَحْمَدُ الْمَذْكُورُ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا [١٨ ٢٣] بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْأَقْوَالَ فِي انْفِصَالِ الِاسْتِثْنَاءِ عَنِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ بِزَمَانٍ - مَا نَصُّهُ: وَعَامَّةُ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنَّ شَرْطَ حَلِّ الْأَيْمَانِ بِالْمَشِيئَةِ أَنْ تَتَّصِلَ، وَأَنْ يُقْصَدَ بِهَا حَلُّ الْيَمِينِ، وَلَا يَضُرَّ الْفَصْلُ بِتَنَفُّسٍ أَوْ سُعَالٍ أَوْ عُطَاسٍ، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَا عَدَا الْمَذَاهِبَ الْأَرْبَعَةَ، وَلَوْ وَافَقَ قَوْلَ الصَّحَابَةِ وَالْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَالْآيَةَ، فَالْخَارِجُ عَنِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ ضَالٌّ مُضِلٌّ، وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ لِلْكُفْرِ ; لِأَنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ. انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
فَانْظُرْ يَا أَخِي - رَحِمَكَ اللَّهُ - مَا أَشْنَعَ هَذَا الْكَلَامَ وَمَا أَبْطَلَهُ، وَمَا أَجْرَأَ قَائِلَهُ عَلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ، وَعَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ أَقْوَالُهُمْ مُخَالِفَةً لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنْفُسِهِمْ، كَمَا سَنَرَى إِيضَاحَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَالَّذِي يَنْصُرُهُ هُوَ الضَّالُّ الْمُضِلِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَصُولُ الْكُفْرِ، فَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَشْنَعِ
فَانْظُرْ يَا أَخِي - رَحِمَكَ اللَّهُ - مَا أَشْنَعَ هَذَا الْكَلَامَ وَمَا أَبْطَلَهُ، وَمَا أَجْرَأَ قَائِلَهُ عَلَى اللَّهِ وَكِتَابِهِ، وَعَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَنِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَوْ كَانَتْ أَقْوَالُهُمْ مُخَالِفَةً لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنْفُسِهِمْ، كَمَا سَنَرَى إِيضَاحَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي الْمَسَائِلِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَالَّذِي يَنْصُرُهُ هُوَ الضَّالُّ الْمُضِلِّ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَصُولُ الْكُفْرِ، فَهَذَا أَيْضًا مِنْ أَشْنَعِ
265
الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِهِ، وَقَائِلُهُ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ انْتِهَاكًا لِحُرْمَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَامَّةُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ صَارِفٌ عَنِ الظَّاهِرِ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ لَا يَصْدُرُ الْبَتَّةَ عَنْ عَالِمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَإِنَّمَا يَصْدُرُ عَمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ لِجَهْلِهِ بِهِمَا يَعْتَقِدُ ظَاهِرَهُمَا كُفْرًا، وَالْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا بَعِيدٌ مِمَّا ظَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْدِ الشَّمْسِ مِنَ اللَّمْسِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ: أَنَّ آيَةَ الْكَهْفِ هَذِهِ الَّتِي ظَنَّ الصَّاوِيُّ أَنَّ ظَاهِرَهَا حَلَّ الْأَيْمَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرِ زَمَنُهَا عَنِ الْيَمِينِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ: وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ، كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا أَسَاسَ لَهُ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ بَعِيدٌ مِمَّا ظَنَّ، بَلِ الظَّنُّ الَّذِي ظَنَّهُ وَالزَّعْمُ الَّذِي زَعَمَهُ لَا تُشِيرُ الْآيَةُ إِلَيْهِ أَصْلًا، وَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ لَا بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ، وَلَا التَّضَمُّنِ وَلَا الِالْتِزَامِ، فَضْلًا عَلَى أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً فِيهِ.
وَسَبَبُ نُزُولِهَا يَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا ; لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ، وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ لَهُمْ: سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَعَاتَبَهُ رَبُّهُ بِعَدَمِ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ، وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - فَتَأَخَّرَ عَنْهُ الْوَحْيُ.
ثُمَّ عَلَّمَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأَدَبَ مَعَهُ، فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [١٨ ٢٣ - ٢٤].
ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [١٨ ٢٤]، يَعْنِي إِنْ قُلْتَ سَأَفْعَلُ كَذَا غَدًا، ثُمَّ نَسِيتَ أَنْ تَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَذَكَّرْتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاذْكُرْ رَبَّكَ، أَيْ قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَيْ لِتَتَدَارَكَ بِذَلِكَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِ الَّذِي فَاتَكَ عِنْدَ وَقْتِهِ، بِسَبَبِ النِّسْيَانِ، وَتَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.
وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَامَّةُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ ظَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ صَارِفٌ عَنِ الظَّاهِرِ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ.
وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ لَا يَصْدُرُ الْبَتَّةَ عَنْ عَالِمٍ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَإِنَّمَا يَصْدُرُ عَمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَصْلًا ; لِأَنَّهُ لِجَهْلِهِ بِهِمَا يَعْتَقِدُ ظَاهِرَهُمَا كُفْرًا، وَالْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنَّ ظَاهِرَهُمَا بَعِيدٌ مِمَّا ظَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ بَعْدِ الشَّمْسِ مِنَ اللَّمْسِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ: أَنَّ آيَةَ الْكَهْفِ هَذِهِ الَّتِي ظَنَّ الصَّاوِيُّ أَنَّ ظَاهِرَهَا حَلَّ الْأَيْمَانِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرِ زَمَنُهَا عَنِ الْيَمِينِ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِلْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ: وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَمَلَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ، كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا أَسَاسَ لَهُ.
وَظَاهِرُ الْآيَةِ بَعِيدٌ مِمَّا ظَنَّ، بَلِ الظَّنُّ الَّذِي ظَنَّهُ وَالزَّعْمُ الَّذِي زَعَمَهُ لَا تُشِيرُ الْآيَةُ إِلَيْهِ أَصْلًا، وَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ لَا بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ، وَلَا التَّضَمُّنِ وَلَا الِالْتِزَامِ، فَضْلًا عَلَى أَنْ تَكُونَ ظَاهِرَةً فِيهِ.
وَسَبَبُ نُزُولِهَا يَزِيدُ ذَلِكَ إِيضَاحًا ; لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّ الْكُفَّارَ سَأَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الرُّوحِ، وَأَصْحَابِ الْكَهْفِ، وَذِي الْقَرْنَيْنِ، فَقَالَ لَهُمْ: سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا، وَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَعَاتَبَهُ رَبُّهُ بِعَدَمِ تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَيْهِ، وَعَدَمِ تَعْلِيقِهِ بِمَشِيئَتِهِ - جَلَّ وَعَلَا - فَتَأَخَّرَ عَنْهُ الْوَحْيُ.
ثُمَّ عَلَّمَهُ اللَّهُ فِي الْآيَةِ الْأَدَبَ مَعَهُ، فِي قَوْلِهِ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [١٨ ٢٣ - ٢٤].
ثُمَّ قَالَ لِنَبِيِّهِ: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [١٨ ٢٤]، يَعْنِي إِنْ قُلْتَ سَأَفْعَلُ كَذَا غَدًا، ثُمَّ نَسِيتَ أَنْ تَقُولَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَذَكَّرْتَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَاذْكُرْ رَبَّكَ، أَيْ قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، أَيْ لِتَتَدَارَكَ بِذَلِكَ الْأَدَبَ مَعَ اللَّهِ الَّذِي فَاتَكَ عِنْدَ وَقْتِهِ، بِسَبَبِ النِّسْيَانِ، وَتَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ.
266
وَالتَّعْلِيقُ بِهَذِهِ الْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ لِأَجْلِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ الصَّحِيحُ لَا يُخَالِفُ مَذْهَبًا مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ فِي مُرَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا يُنْقَلُ عَنْهُ مِنْ جَوَازِ تَأْخِيرِ الِاسْتِثْنَاءِ كَمَا أَوْضَحَهُ كَبِيرُ الْمُفَسِّرِينَ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ الْكَهْفِ هَذِهِ. فَيَا أَتْبَاعَ الصَّاوِيِّ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ تَقْلِيدًا أَعْمَى عَلَى جَهَالَةٍ عَمْيَاءَ، أَيْنَ دَلَّ ظَاهِرُ آيَةِ الْكَهْفِ هَذِهِ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ، أَوْ بِالْعِتْقِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَيْمَانِ؟
هَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ لَمَّا قَالَ لِلْكُفَّارِ: سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا؟
وَهَلْ قَالَ اللَّهُ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي حَالِفٌ سَأَفْعَلُ ذَلِكَ غَدًا؟
وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ بِالْيَمِينِ، حَتَّى قُلْتُمْ: إِنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ هُوَ حَلُّ الْأَيْمَانِ بِالْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهَا، وَبَنَيْتُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ مُخَالِفٌ لِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَنْ أَصُولُ الْكُفْرِ؟
وَمِمَّا يَزِيدُ مَا ذَكَرْنَا إِيضَاحًا مَا قَالَهُ الصَّاوِيُّ أَيْضًا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [٣ ٧]، فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى كَلَامِ الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ: زَيْغٌ أَيْ مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ لِلْبَاطِلِ، قَوْلُهُ: بِوُقُوعِهِمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَاللَّبْسِ، أَيْ كَنَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مِمَّنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اهـ.
فَانْظُرْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - مَا أَشْنَعَ هَذَا الْكَلَامَ، وَمَا أَبْطَلَهُ، وَمَا أَجْرَأَ قَائِلَهُ عَلَى انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَنَبِيِّهِ وَسُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَدَلَّهُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ. فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا قَالَهُ نَصَارَى نَجْرَانَ هُوَ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ، وَلِذَا جَعَلَ مِثْلَهُمْ مَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ.
وَذَكَرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي وَجْهَ ادِّعَاءِ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كَفَرَ، مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَنَّ ادِّعَاءَهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كَفَّرَهُمْ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمُ ادِّعَاءٌ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ الْكَهْفِ هَذِهِ. فَيَا أَتْبَاعَ الصَّاوِيِّ الْمُقَلِّدِينَ لَهُ تَقْلِيدًا أَعْمَى عَلَى جَهَالَةٍ عَمْيَاءَ، أَيْنَ دَلَّ ظَاهِرُ آيَةِ الْكَهْفِ هَذِهِ عَلَى الْيَمِينِ بِاللَّهِ، أَوْ بِالطَّلَاقِ، أَوْ بِالْعِتْقِ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَيْمَانِ؟
هَلِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَلَفَ لَمَّا قَالَ لِلْكُفَّارِ: سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا؟
وَهَلْ قَالَ اللَّهُ: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي حَالِفٌ سَأَفْعَلُ ذَلِكَ غَدًا؟
وَمِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ بِالْيَمِينِ، حَتَّى قُلْتُمْ: إِنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ هُوَ حَلُّ الْأَيْمَانِ بِالْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهَا، وَبَنَيْتُمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ مُخَالِفٌ لِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ الْعَمَلَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَنْ أَصُولُ الْكُفْرِ؟
وَمِمَّا يَزِيدُ مَا ذَكَرْنَا إِيضَاحًا مَا قَالَهُ الصَّاوِيُّ أَيْضًا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [٣ ٧]، فَإِنَّهُ قَالَ عَلَى كَلَامِ الْجَلَالِ مَا نَصُّهُ: زَيْغٌ أَيْ مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ لِلْبَاطِلِ، قَوْلُهُ: بِوُقُوعِهِمْ فِي الشُّبُهَاتِ وَاللَّبْسِ، أَيْ كَنَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مِمَّنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ اهـ.
فَانْظُرْ - رَحِمَكَ اللَّهُ - مَا أَشْنَعَ هَذَا الْكَلَامَ، وَمَا أَبْطَلَهُ، وَمَا أَجْرَأَ قَائِلَهُ عَلَى انْتِهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ وَكِتَابِهِ وَنَبِيِّهِ وَسُنَّتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا أَدَلَّهُ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَدْرِي مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ. فَإِنَّهُ جَعَلَ مَا قَالَهُ نَصَارَى نَجْرَانَ هُوَ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ، وَلِذَا جَعَلَ مِثْلَهُمْ مَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ، فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ.
وَذَكَرَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَدْرِي وَجْهَ ادِّعَاءِ نَصَارَى نَجْرَانَ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كَفَرَ، مَعَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَنَّ ادِّعَاءَهُمْ عَلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ كَفَّرَهُمْ وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمُ ادِّعَاءٌ صَحِيحٌ، إِلَّا أَنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ.
267
وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا: قِيلَ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَسْتَ تَقُولُ: إِنَّ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالُوا: حَسْبُنَا، أَيْ كَفَانَا ذَلِكَ فِي كَوْنِهِ ابْنَ اللَّهِ. فَنَزَلَتِ الْآيَةُ.
فَاتَّضَحَ أَنَّ الصَّاوِيَّ يَعْتَقِدُ أَنَّ ادِّعَاءَ نَصَارَى نَجْرَانَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [٤ ١٧١]، هُوَ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ ادِّعَاءٌ صَحِيحٌ، وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ أَشْنَعِ الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِهِ، فَالْآيَةٌ لَا يُفْهَمُ مَنْ ظَاهِرِهَا الْبَتَّةَ، بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا بِدَلَالَةٍ مِنَ الدَّلَالَاتِ، أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، وَادِّعَاءُ نَصَارَى نَجْرَانَ ذَلِكَ كَذِبٌ بَحْتٌ.
فَقَوْلُ الصَّاوِيِّ كَنَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مِمَّنْ أَخَذَ بِظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا ادَّعَاهُ وَفْدُ نَجْرَانَ مِنْ كَوْنِ عِيسَى ابْنَ اللَّهِ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ، حَاشَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكُفْرُ الْبَوَاحُ ظَاهِرَهُ، بَلْ هُوَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَهُ، وَقَوْلُهُ: وَرُوحٌ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [٤٥ ١٣]، أَيْ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ عِيسَى وَمِنْ تَسْخِيرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَبْدَؤُهُ وَمَنْشَؤُهُ - جَلَّ وَعَلَا.
فَلَفْظَةُ «مِنْ» فِي الْآيَتَيْنِ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الصَّاوِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ نَصَارَى نَجْرَانَ.
وَقَدِ اتَّضَحَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ لَا يَعْلَمُونَ مَا هِيَ الظَّوَاهِرُ، وَأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ شَيْئًا ظَاهِرَ النَّصِّ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ النَّصَّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَهُ.
فَبَنَوْا بَاطِلًا عَلَى بَاطِلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ إِلَّا الْبَاطِلُ.
وَلَوْ تَصَوَّرُوا مَعَانِيَ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا لِمَنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَقُولُوا مَا قَالُوا.
فَتَصَوُّرُ الصَّاوِيِّ أَنَّ ظَاهِرَ آيَةِ الْكَهْفِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُوَ حَلُّ الْأَيْمَانِ، بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ
فَاتَّضَحَ أَنَّ الصَّاوِيَّ يَعْتَقِدُ أَنَّ ادِّعَاءَ نَصَارَى نَجْرَانَ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [٤ ١٧١]، هُوَ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ ادِّعَاءٌ صَحِيحٌ، وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِنْ أَشْنَعِ الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِهِ، فَالْآيَةٌ لَا يُفْهَمُ مَنْ ظَاهِرِهَا الْبَتَّةَ، بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا بِدَلَالَةٍ مِنَ الدَّلَالَاتِ، أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ، وَادِّعَاءُ نَصَارَى نَجْرَانَ ذَلِكَ كَذِبٌ بَحْتٌ.
فَقَوْلُ الصَّاوِيِّ كَنَصَارَى نَجْرَانَ، وَمَنْ حَذَا حَذْوَهُمْ مِمَّنْ أَخَذَ بِظَوَاهِرِ الْقُرْآنِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ مَا ادَّعَاهُ وَفْدُ نَجْرَانَ مِنْ كَوْنِ عِيسَى ابْنَ اللَّهِ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ بَاطِلٌ، حَاشَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْكُفْرُ الْبَوَاحُ ظَاهِرَهُ، بَلْ هُوَ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْبَتَّةَ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَهُ، وَقَوْلُهُ: وَرُوحٌ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [٤٥ ١٣]، أَيْ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ عِيسَى وَمِنْ تَسْخِيرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَبْدَؤُهُ وَمَنْشَؤُهُ - جَلَّ وَعَلَا.
فَلَفْظَةُ «مِنْ» فِي الْآيَتَيْنِ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، وَذَلِكَ هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَهُوَ الْحَقُّ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ الصَّاوِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ نَصَارَى نَجْرَانَ.
وَقَدِ اتَّضَحَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ لَا يَعْلَمُونَ مَا هِيَ الظَّوَاهِرُ، وَأَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ شَيْئًا ظَاهِرَ النَّصِّ، وَالْوَاقِعُ أَنَّ النَّصَّ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرَهُ.
فَبَنَوْا بَاطِلًا عَلَى بَاطِلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُبْنَى عَلَيْهِ إِلَّا الْبَاطِلُ.
وَلَوْ تَصَوَّرُوا مَعَانِيَ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى حَقِيقَتِهَا لِمَنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَقُولُوا مَا قَالُوا.
فَتَصَوُّرُ الصَّاوِيِّ أَنَّ ظَاهِرَ آيَةِ الْكَهْفِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُوَ حَلُّ الْأَيْمَانِ، بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ
268
الْمُتَأَخِّرِ زَمَنُهَا عَنِ الْيَمِينِ، وَبِنَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ مُخَالَفَةَ ظَاهِرِ الْآيَةِ لِمَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَأَنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أُصُولِ الْكُفْرِ، مَعَ أَنَّ الْآيَةَ لَا تُشِيرُ أَصْلًا إِلَى مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ ظَاهِرُهَا.
وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ ظَاهِرَ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَا زَعَمَهُ نَصَارَى نَجْرَانَ، مِنْ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ فَإِنَّهُ كُلُّهُ بَاطِلٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا زَعَمَ - ظَاهِرَ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ.
وَقَوْلُ الصَّاوِيِّ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَصُولُ الْكُفْرِ، قَوْلٌ بَاطِلٌ لَا يَشُكُّ فِي بُطْلَانِهِ مِنْ عِنْدِهِ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ.
وَمَنْ هُمُ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَنْ أَصُولُ الْكُفْرِ؟
سَمُّوهُمْ لَنَا، وَبَيِّنُوا لَنَا مَنْ هُمْ؟
وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُهُ عَالِمٌ، وَلَا مُتَعَلِّمٌ ; لِأَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هِيَ نُورُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ لِيُسْتَضَاءَ بِهِ فِي أَرْضِهِ وَتُقَامَ بِهِ حُدُودُهُ، وَتُنَفَّذَ بِهِ أَوَامِرُهُ، وَيُنْصَفَ بِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي أَرْضِهِ.
وَالنُّصُوصُ الْقَطْعِيَّةُ الَّتِي لَا احْتِمَالَ فِيهَا قَلِيلَةٌ جِدًّا لَا يَكَادُ يُوجَدُ مِنْهَا إِلَّا أَمْثِلَةٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [٢ ١٩٦].
وَالْغَالِبُ الَّذِي هُوَ الْأَكْثَرُ هُوَ كَوْنُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَوَاهِرُ.
وَقَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ صَارِفٌ عَنْهُ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْأُصُولِ.
فَتَنْفِيرُ النَّاسِ وَإِبْعَادُهَا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، بِدَعْوَى أَنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِهِمَا مِنْ
وَكَذَلِكَ اعْتِقَادُهُ أَنَّ ظَاهِرَ آيَةِ آلِ عِمْرَانَ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَا زَعَمَهُ نَصَارَى نَجْرَانَ، مِنْ أَنَّ عِيسَى ابْنُ اللَّهِ فَإِنَّهُ كُلُّهُ بَاطِلٌ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا زَعَمَ - ظَاهِرَ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ.
وَقَوْلُ الصَّاوِيِّ فِي كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: إِنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَصُولُ الْكُفْرِ، قَوْلٌ بَاطِلٌ لَا يَشُكُّ فِي بُطْلَانِهِ مِنْ عِنْدِهِ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ.
وَمَنْ هُمُ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَنْ أَصُولُ الْكُفْرِ؟
سَمُّوهُمْ لَنَا، وَبَيِّنُوا لَنَا مَنْ هُمْ؟
وَالْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَقُولُهُ عَالِمٌ، وَلَا مُتَعَلِّمٌ ; لِأَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ هِيَ نُورُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ لِيُسْتَضَاءَ بِهِ فِي أَرْضِهِ وَتُقَامَ بِهِ حُدُودُهُ، وَتُنَفَّذَ بِهِ أَوَامِرُهُ، وَيُنْصَفَ بِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي أَرْضِهِ.
وَالنُّصُوصُ الْقَطْعِيَّةُ الَّتِي لَا احْتِمَالَ فِيهَا قَلِيلَةٌ جِدًّا لَا يَكَادُ يُوجَدُ مِنْهَا إِلَّا أَمْثِلَةٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [٢ ١٩٦].
وَالْغَالِبُ الَّذِي هُوَ الْأَكْثَرُ هُوَ كَوْنُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ظَوَاهِرُ.
وَقَدْ أَجْمَعَ جَمِيعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالظَّاهِرِ وَاجِبٌ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ صَارِفٌ عَنْهُ إِلَى الْمُحْتَمَلِ الْمَرْجُوحِ، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْأُصُولِ.
فَتَنْفِيرُ النَّاسِ وَإِبْعَادُهَا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، بِدَعْوَى أَنَّ الْأَخْذَ بِظَوَاهِرِهِمَا مِنْ
269
أُصُولِ الْكُفْرِ هُوَ مِنْ أَشْنَعِ الْبَاطِلِ وَأَعْظَمِهِ كَمَا تَرَى.
وَأُصُولُ الْكُفْرِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْذَرَ مِنْهَا كُلَّ الْحَذَرِ، وَيَتَبَاعَدَ مِنْهَا كُلَّ التَّبَاعُدِ وَيَتَجَنَّبَ أَسْبَابَهَا كُلَّ الِاجْتِنَابِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وُجُوبُ التَّبَاعُدِ مِنَ الْأَخْذِ بِظَوَاهِرَ الْوَحْيِ.
وَهَذَا كَمَا تَرَى، وَبِمَا ذَكَرْنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الضَّلَالِ ادِّعَاءَ أَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ قَبِيحَةٍ، لَيْسَتْ بِلَائِقَةٍ.
وَالْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بُعْدُهَا وَبَرَاءَتُهَا مِنْ ذَلِكَ.
وَسَبَبُ تِلْكَ الدَّعْوَى الشَّنِيعَةِ عَلَى ظَوَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، هُوَ عَدَمُ مَعْرِفَةِ مُدَّعِيهَا.
وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ الْعُظْمَى، وَالطَّامَّةِ الْكُبْرَى، زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ فَهْمٌ، أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا غَيْرُ لَائِقَةٍ بِاللَّهِ، لِأَنَّ ظَوَاهِرَهَا الْمُتَبَادِرَةَ مِنْهَا هُوَ تَشْبِيهُ صِفَاتِ اللَّهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ، وَعَقَدَ ذَلِكَ الْمُقْرِئُ فِي إِضَاءَتِهِ فِي قَوْلِهِ:
وَالنَّصُّ إِنْ أَوْهَمَ غَيْرَ اللَّائِقِ بِاللَّهِ كَالتَّشْبِيهِ بِالْخَلَائِقِ فَاصْرِفْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِجْمَاعَا وَاقْطَعْ عَنِ الْمُمْتَنِعِ الْأَطْمَاعَا وَهَذِهِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةُ مَنْ أَعْظَمِ الِافْتِرَاءِ عَلَى آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحَادِيثِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا الْمُتَبَادِرَةِ مِنْهَا، لِكُلِّ مُسْلِمٍ رَاجِعَ عَقْلَهُ، هِيَ مُخَالَفَةُ صِفَاتِ اللَّهِ لِصِفَاتِ خَلْقِهِ. وَلَا بُدَّ أَنْ نَتَسَاءَلَ هُنَا، فَنَقُولُ:
أَلَيْسَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مُخَالَفَةَ الْخَالِقِ لِلْمَخْلُوقِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ؟
وَالْجَوَابُ الَّذِي لَا جَوَابَ غَيْرُهُ: بَلَى.
وَهَلْ تَشَابَهَتْ صِفَاتُ اللَّهِ مَعَ صِفَاتِ خَلْقِهِ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى صِفَتِهِ
وَأُصُولُ الْكُفْرِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَحْذَرَ مِنْهَا كُلَّ الْحَذَرِ، وَيَتَبَاعَدَ مِنْهَا كُلَّ التَّبَاعُدِ وَيَتَجَنَّبَ أَسْبَابَهَا كُلَّ الِاجْتِنَابِ فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وُجُوبُ التَّبَاعُدِ مِنَ الْأَخْذِ بِظَوَاهِرَ الْوَحْيِ.
وَهَذَا كَمَا تَرَى، وَبِمَا ذَكَرْنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الضَّلَالِ ادِّعَاءَ أَنَّ ظَوَاهِرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَالَّةٌ عَلَى مَعَانٍ قَبِيحَةٍ، لَيْسَتْ بِلَائِقَةٍ.
وَالْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بُعْدُهَا وَبَرَاءَتُهَا مِنْ ذَلِكَ.
وَسَبَبُ تِلْكَ الدَّعْوَى الشَّنِيعَةِ عَلَى ظَوَاهِرِ كِتَابِ اللَّهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، هُوَ عَدَمُ مَعْرِفَةِ مُدَّعِيهَا.
وَلِأَجْلِ هَذِهِ الْبَلِيَّةِ الْعُظْمَى، وَالطَّامَّةِ الْكُبْرَى، زَعَمَ كَثِيرٌ مِنَ النُّظَّارِ الَّذِينَ عِنْدَهُمْ فَهْمٌ، أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا غَيْرُ لَائِقَةٍ بِاللَّهِ، لِأَنَّ ظَوَاهِرَهَا الْمُتَبَادِرَةَ مِنْهَا هُوَ تَشْبِيهُ صِفَاتِ اللَّهِ بِصِفَاتِ خَلْقِهِ، وَعَقَدَ ذَلِكَ الْمُقْرِئُ فِي إِضَاءَتِهِ فِي قَوْلِهِ:
وَالنَّصُّ إِنْ أَوْهَمَ غَيْرَ اللَّائِقِ بِاللَّهِ كَالتَّشْبِيهِ بِالْخَلَائِقِ فَاصْرِفْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِجْمَاعَا وَاقْطَعْ عَنِ الْمُمْتَنِعِ الْأَطْمَاعَا وَهَذِهِ الدَّعْوَى الْبَاطِلَةُ مَنْ أَعْظَمِ الِافْتِرَاءِ عَلَى آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَحَادِيثِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْوَاقِعُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا الْمُتَبَادِرَةِ مِنْهَا، لِكُلِّ مُسْلِمٍ رَاجِعَ عَقْلَهُ، هِيَ مُخَالَفَةُ صِفَاتِ اللَّهِ لِصِفَاتِ خَلْقِهِ. وَلَا بُدَّ أَنْ نَتَسَاءَلَ هُنَا، فَنَقُولُ:
أَلَيْسَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مُخَالَفَةَ الْخَالِقِ لِلْمَخْلُوقِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ؟
وَالْجَوَابُ الَّذِي لَا جَوَابَ غَيْرُهُ: بَلَى.
وَهَلْ تَشَابَهَتْ صِفَاتُ اللَّهِ مَعَ صِفَاتِ خَلْقِهِ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ اللَّفْظَ الدَّالَّ عَلَى صِفَتِهِ
270
تَعَالَى ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ تَشْبِيهُهُ بِصِفَةِ الْخَلْقِ؟
وَالْجَوَابُ الَّذِي لَا جَوَابَ غَيْرُهُ: لَا.
فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ أَنَّ لَفْظًا أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَثَلًا دَالًّا عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ أَثْنَى بِهَا تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ يَكُونُ ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ مُشَابَهَتَهُ لِصِفَةِ الْخَلْقِ؟ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
فَالْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ مُتَخَالِفَانِ كُلَّ التَّخَالُفِ وَصِفَاتُهُمَا مُتَخَالِفَةٌ كُلَّ التَّخَالُفِ.
فَبِأَيِّ وَجْهٍ يُعْقَلُ دُخُولُ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْخَالِقِ؟ أَوْ دُخُولُ صِفَةِ الْخَالِقِ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ مَعَ كَمَالِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ؟
فَكُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى صِفَةِ الْخَالِقِ ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَائِقًا بِالْخَالِقِ مُنَزَّهًا عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ.
وَكَذَلِكَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ لَا يُعْقَلُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ صِفَةُ الْخَالِقِ.
فَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ الْيَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَخْلُوقِ، هُوَ كَوْنُهَا جَارِحَةً هِيَ عَظْمٌ وَلَحْمٌ وَدَمٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [٥ ٣٨].
وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْيَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَالِقِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، أَنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ وَجَلَالٍ، لَائِقَةٌ بِاللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - ثَابِتَةٌ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - عِظَمَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ التَّأْثِيرِ كَالْقُدْرَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي تَعْظِيمِ شَأْنِهَا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [٣٩ ٦٧].
وَالْجَوَابُ الَّذِي لَا جَوَابَ غَيْرُهُ: لَا.
فَبِأَيِّ وَجْهٍ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ أَنَّ لَفْظًا أَنْزَلَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَثَلًا دَالًّا عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ أَثْنَى بِهَا تَعَالَى عَلَى نَفْسِهِ يَكُونُ ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ مُشَابَهَتَهُ لِصِفَةِ الْخَلْقِ؟ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
فَالْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ مُتَخَالِفَانِ كُلَّ التَّخَالُفِ وَصِفَاتُهُمَا مُتَخَالِفَةٌ كُلَّ التَّخَالُفِ.
فَبِأَيِّ وَجْهٍ يُعْقَلُ دُخُولُ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْخَالِقِ؟ أَوْ دُخُولُ صِفَةِ الْخَالِقِ فِي اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ مَعَ كَمَالِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ؟
فَكُلُّ لَفْظٍ دَلَّ عَلَى صِفَةِ الْخَالِقِ ظَاهِرُهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَائِقًا بِالْخَالِقِ مُنَزَّهًا عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِ.
وَكَذَلِكَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى صِفَةِ الْمَخْلُوقِ لَا يُعْقَلُ أَنْ تَدْخُلَ فِيهِ صِفَةُ الْخَالِقِ.
فَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ لَفْظِ الْيَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَخْلُوقِ، هُوَ كَوْنُهَا جَارِحَةً هِيَ عَظْمٌ وَلَحْمٌ وَدَمٌ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [٥ ٣٨].
وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْيَدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْخَالِقِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، أَنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ وَجَلَالٍ، لَائِقَةٌ بِاللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - ثَابِتَةٌ لَهُ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - عِظَمَ هَذِهِ الصِّفَةِ وَمَا هِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ، وَبَيَّنَ أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ التَّأْثِيرِ كَالْقُدْرَةِ، قَالَ تَعَالَى فِي تَعْظِيمِ شَأْنِهَا: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [٣٩ ٦٧].
271
وَبَيِّنَ أَنَّهَا صِفَةُ تَأْثِيرٍ كَالْقُدْرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، فَتَصْرِيحُهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ خَلَقَ نَبِيَّهُ آدَمَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي هِيَ صِفَاتُ كَمَالِهِ وَجَلَالِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ التَّأْثِيرِ كَمَا تَرَى.
وَلَا يَصِحُّ هُنَا تَأْوِيلُ الْيَدِ بِالْقُدْرَةِ الْبَتَّةَ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، كُلِّهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَثْنِيَةُ الْقُدْرَةِ.
وَلَا يَخْطُرُ فِي ذِهْنِ الْمُسْلِمِ الْمَرَاجِعِ عَقْلَهُ دُخُولُ الْجَارِحَةِ الَّتِي هِيَ عَظْمٌ وَلَحْمٌ وَدَمٌ فِي مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ صِفَاتِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
فَاعْلَمْ أَيُّهَا الْمُدَّعِي أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ الْيَدِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمْثَالَهَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ ; لِأَنَّ ظَاهِرَهَا التَّشْبِيهُ بِجَارِحَةِ الْإِنْسَانِ، وَأَنَّهَا يَجِبُ صَرْفُهَا عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ الْخَبِيثِ، وَلَمْ تَكْتَفِ بِهَذَا حَتَّى ادَّعَيْتَ الْإِجْمَاعَ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ ظَاهِرِهَا - أَنَّ قَوْلَكَ هَذَا كُلَّهُ افْتِرَاءٌ عَظِيمٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّكَ بِسَبَبِهِ كُنْتَ أَعْظَمَ الْمُشَبِّهِينَ وَالْمُجَسِّمِينَ، وَقَدْ جَرَّكَ شُؤْمُ هَذَا التَّشْبِيهِ إِلَى وَرْطَةِ التَّعْطِيلِ، فَنَفَيْتَ الْوَصْفَ الَّذِي أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لِنَفْسِهِ بِدَعْوَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ، وَأَوَّلْتَهُ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ بِلَا مُسْتَنَدٍ مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَمَاذَا عَلَيْكَ لَوْ صَدَقْتَ اللَّهَ، وَآمَنْتَ بِمَا مَدَحَ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ مِنْ غَيْرِ كَيْفٍ، وَلَا تَشْبِيهٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ؟
وَبِأَيِّ مُوجِبٍ سَوَّغْتَ لِذِهْنِكَ أَنْ يَخْطُرَ فِيهِ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ عِنْدَ ذِكْرِ صِفَةِ الْخَالِقِ؟
هَلْ تَلْتَبِسُ صِفَةُ الْخَالِقِ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ عَنْ أَحَدٍ حَتَّى يَفْهَمَ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ مِنَ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْخَالِقِ؟
فَاخْشَ اللَّهَ يَا إِنْسَانُ، وَاحْذَرْ مِنَ التَّقَوُّلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَآمِنْ بِمَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَعَ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصْفِ اللَّائِقِ بِهِ وَالْوَصْفِ غَيْرِ اللَّائِقِ بِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ إِنْسَانٌ فَيَتَحَكَّمَ فِي ذَلِكَ فَيَقُولَ: هَذَا الَّذِي وَصَفْتَ بِهِ
وَلَا يَصِحُّ هُنَا تَأْوِيلُ الْيَدِ بِالْقُدْرَةِ الْبَتَّةَ، لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، كُلِّهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَثْنِيَةُ الْقُدْرَةِ.
وَلَا يَخْطُرُ فِي ذِهْنِ الْمُسْلِمِ الْمَرَاجِعِ عَقْلَهُ دُخُولُ الْجَارِحَةِ الَّتِي هِيَ عَظْمٌ وَلَحْمٌ وَدَمٌ فِي مَعْنَى هَذَا اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ صِفَاتِ خَالِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
فَاعْلَمْ أَيُّهَا الْمُدَّعِي أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ الْيَدِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَأَمْثَالَهَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ ; لِأَنَّ ظَاهِرَهَا التَّشْبِيهُ بِجَارِحَةِ الْإِنْسَانِ، وَأَنَّهَا يَجِبُ صَرْفُهَا عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ الْخَبِيثِ، وَلَمْ تَكْتَفِ بِهَذَا حَتَّى ادَّعَيْتَ الْإِجْمَاعَ عَلَى صَرْفِهَا عَنْ ظَاهِرِهَا - أَنَّ قَوْلَكَ هَذَا كُلَّهُ افْتِرَاءٌ عَظِيمٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، وَأَنَّكَ بِسَبَبِهِ كُنْتَ أَعْظَمَ الْمُشَبِّهِينَ وَالْمُجَسِّمِينَ، وَقَدْ جَرَّكَ شُؤْمُ هَذَا التَّشْبِيهِ إِلَى وَرْطَةِ التَّعْطِيلِ، فَنَفَيْتَ الْوَصْفَ الَّذِي أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ لِنَفْسِهِ بِدَعْوَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِهِ، وَأَوَّلْتَهُ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِكَ بِلَا مُسْتَنَدٍ مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ، وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَمَاذَا عَلَيْكَ لَوْ صَدَقْتَ اللَّهَ، وَآمَنْتَ بِمَا مَدَحَ بِهِ نَفْسَهُ عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ مِنْ غَيْرِ كَيْفٍ، وَلَا تَشْبِيهٍ، وَلَا تَعْطِيلٍ؟
وَبِأَيِّ مُوجِبٍ سَوَّغْتَ لِذِهْنِكَ أَنْ يَخْطُرَ فِيهِ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ عِنْدَ ذِكْرِ صِفَةِ الْخَالِقِ؟
هَلْ تَلْتَبِسُ صِفَةُ الْخَالِقِ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِ عَنْ أَحَدٍ حَتَّى يَفْهَمَ صِفَةَ الْمَخْلُوقِ مِنَ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْخَالِقِ؟
فَاخْشَ اللَّهَ يَا إِنْسَانُ، وَاحْذَرْ مِنَ التَّقَوُّلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَآمِنْ بِمَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَعَ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصْفِ اللَّائِقِ بِهِ وَالْوَصْفِ غَيْرِ اللَّائِقِ بِهِ، حَتَّى يَأْتِيَ إِنْسَانٌ فَيَتَحَكَّمَ فِي ذَلِكَ فَيَقُولَ: هَذَا الَّذِي وَصَفْتَ بِهِ
272
نَفْسَكَ غَيْرُ لَائِقٍ بِكَ، وَأَنَا أَنْفِيهِ عَنْكَ بِلَا مُسْتَنَدٍ مِنْكَ، وَلَا مِنْ رَسُولِكَ، وَآتِيكَ بَدَلَهُ بِالْوَصْفِ اللَّائِقِ بِكَ.
فَالْيَدُ مَثَلًا الَّتِي وَصَفْتَ بِهَا نَفْسَكَ لَا تَلِيقُ بِكَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْجَارِحَةِ، وَأَنَا أَنْفِيهَا عَنْكَ نَفْيًا بَاتًّا، وَأُبْدِلُهَا لَكَ بِوَصْفٍ لَائِقٍ بِكَ، وَهُوَ النِّعْمَةُ أَوِ الْقُدْرَةُ مَثَلًا أَوِ الْجُودُ.
سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.
وَمِنَ الْغَرِيبِ أَنَّ بَعْضَ الْجَاحِدِينَ لِصِفَاتِ اللَّهِ الْمُئَوِّلِينَ لَهَا بِمَعَانٍ لَمْ تَرِدْ عَنِ اللَّهِ، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ يُؤْمِنُونَ فِيهَا بِبَعْضِ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضٍ.
فَيُقِرُّونَ بِأَنَّ الصِّفَاتِ السَّبْعَ الَّتِي تُشْتَقُّ مِنْهَا أَوْصَافٌ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ مَعَ التَّنْزِيهِ، وَنَعْنِي بِهَا الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ وَالْعِلْمَ وَالْحَيَاةَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْكَلَامَ ; لِأَنَّهَا يُشْتَقُّ مِنْهَا قَادِرٌ حَيٌّ عَلِيمٌ إِلَخْ، وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ كَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْمُلْكِ وَالْجَلَالِ مَثَلًا ; لِأَنَّهَا يُشْتَقُّ مِنْهَا الْعَظِيمُ الْمُتَكَبِّرُ وَالْجَلِيلُ وَالْمَلِكُ، وَهَكَذَا يَجْحَدُونَ كُلَّ صِفَةٍ ثَبَتَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُشْتَقَّ مِنْهَا غَيْرُهَا كَصِفَةِ الْيَدِ وَالْوَجْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ أَثْبَتَهَا لَهُ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا وَجْهَ لَهُ الْبَتَّةَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
وَلَمْ يَرِدْ عَنِ اللَّهِ، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِذْنُ فِي الْإِيمَانِ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ وَجَحْدِ بَعْضِهَا وَتَأْوِيلِهِ ; لِأَنَّهَا لَا يُشْتَقُّ مِنْهَا.
وَهَلْ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الِاشْتِقَاقِ مُسَوِّغًا لَجَحْدِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ؟
وَلَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ رَاجَعَ عَقْلَهُ، أَنَّ عَدَمَ الِاشْتِقَاقِ لَا يُرَدُّ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ فِيمَا أَثْنَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا كَلَامُ رَسُولِهِ فِيمَا وَصَفَ بِهِ رَبَّهُ.
وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْإِيمَانِ إِيجَابًا حَتْمًا كُلِّيًّا هُوَ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهَذَا السَّبَبُ هُوَ الَّذِي عَلِمَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ الْمُوجِبُ لِلْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ، سَوَاءٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ
فَالْيَدُ مَثَلًا الَّتِي وَصَفْتَ بِهَا نَفْسَكَ لَا تَلِيقُ بِكَ لِدَلَالَتِهَا عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْجَارِحَةِ، وَأَنَا أَنْفِيهَا عَنْكَ نَفْيًا بَاتًّا، وَأُبْدِلُهَا لَكَ بِوَصْفٍ لَائِقٍ بِكَ، وَهُوَ النِّعْمَةُ أَوِ الْقُدْرَةُ مَثَلًا أَوِ الْجُودُ.
سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ.
فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ.
وَمِنَ الْغَرِيبِ أَنَّ بَعْضَ الْجَاحِدِينَ لِصِفَاتِ اللَّهِ الْمُئَوِّلِينَ لَهَا بِمَعَانٍ لَمْ تَرِدْ عَنِ اللَّهِ، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ يُؤْمِنُونَ فِيهَا بِبَعْضِ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضٍ.
فَيُقِرُّونَ بِأَنَّ الصِّفَاتِ السَّبْعَ الَّتِي تُشْتَقُّ مِنْهَا أَوْصَافٌ ثَابِتَةٌ لِلَّهِ مَعَ التَّنْزِيهِ، وَنَعْنِي بِهَا الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ وَالْعِلْمَ وَالْحَيَاةَ وَالسَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْكَلَامَ ; لِأَنَّهَا يُشْتَقُّ مِنْهَا قَادِرٌ حَيٌّ عَلِيمٌ إِلَخْ، وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ الْجَامِعَةِ كَالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْمُلْكِ وَالْجَلَالِ مَثَلًا ; لِأَنَّهَا يُشْتَقُّ مِنْهَا الْعَظِيمُ الْمُتَكَبِّرُ وَالْجَلِيلُ وَالْمَلِكُ، وَهَكَذَا يَجْحَدُونَ كُلَّ صِفَةٍ ثَبَتَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُشْتَقَّ مِنْهَا غَيْرُهَا كَصِفَةِ الْيَدِ وَالْوَجْهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ صِفَاتِ اللَّهِ الَّتِي أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ، أَوْ أَثْبَتَهَا لَهُ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا وَجْهَ لَهُ الْبَتَّةَ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
وَلَمْ يَرِدْ عَنِ اللَّهِ، وَلَا عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِذْنُ فِي الْإِيمَانِ بِبَعْضِ صِفَاتِهِ وَجَحْدِ بَعْضِهَا وَتَأْوِيلِهِ ; لِأَنَّهَا لَا يُشْتَقُّ مِنْهَا.
وَهَلْ يَتَصَوَّرُ عَاقِلٌ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الِاشْتِقَاقِ مُسَوِّغًا لَجَحْدِ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ؟
وَلَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ رَاجَعَ عَقْلَهُ، أَنَّ عَدَمَ الِاشْتِقَاقِ لَا يُرَدُّ بِهِ كَلَامُ اللَّهِ فِيمَا أَثْنَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا كَلَامُ رَسُولِهِ فِيمَا وَصَفَ بِهِ رَبَّهُ.
وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلْإِيمَانِ إِيجَابًا حَتْمًا كُلِّيًّا هُوَ كَوْنُهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهَذَا السَّبَبُ هُوَ الَّذِي عَلِمَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ أَنَّهُ الْمُوجِبُ لِلْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ، سَوَاءٌ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ
273
بِعِلْمِهِ كَالْمُتَشَابِهِ، أَوْ كَانَ مِمَّا يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ: وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا [٣ ٧].
فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَقَوْلَهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [٢ ٢٨٤] مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا أَيْضًا فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِالْجَمِيعِ ; لِأَنَّهُ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا.
أَمَّا الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، بِأَنَّ هَذَا يُشْتَقُّ مِنْهُ، وَهَذَا لَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فَقَدْ آمَنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضٍ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ يُشْتَقُّ مِنْهُ أَوْ لَا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ.
وَمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ مَثَلًا وَنَحْوَهُمَا لَيْسَتْ كَالْيَدِ، وَالْوَجْهِ، بِدَعْوَى أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ مَثَلًا ظَهَرَتْ آثَارُهُمَا فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا كَصِفَةِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ هُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنْ آثَارِ صِفَةِ الْيَدِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ آدَمَ.
وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ تَعَالَى لِلَّذِينِ مَاتُوا عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ تَشْبِيهَ اللَّهِ بِخَلْقِهِ، وَإِنَّمَا يُحَاوِلُونَ تَنْزِيهَهُ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ.
فَقَصْدُهُمْ حَسَنٌ، وَلَكِنَّ طَرِيقَهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ سَيِّئَةٌ.
وَإِنَّمَا نَشَأَ لَهُمْ ذَلِكَ السُّوءُ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ظَنُّوا لَفْظَ الصِّفَةِ الَّتِي مَدَحَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مُشَابَهَةِ صِفَةِ الْخَلْقِ فَنَفَوُا الصِّفَةَ الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا لَا تَلِيقُ قَصْدًا مِنْهُمْ لِتَنْزِيهِ اللَّهِ، وَأَوَّلُوهَا بِمَعْنًى آخَرَ يَقْتَضِي التَّنْزِيهَ فِي ظَنِّهِمْ فَهُمْ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَامَ نَفْعًا فَضَرَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَمِنَ الْبِرِّ مَا يَكُونُ عُقُوقًا وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ خَطَأَهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا دَاخِلِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَقَوْلَهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [٢ ٢٨٤] مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا أَيْضًا فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِالْجَمِيعِ ; لِأَنَّهُ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا.
أَمَّا الَّذِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّ كُلَّهُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، بِأَنَّ هَذَا يُشْتَقُّ مِنْهُ، وَهَذَا لَا يُشْتَقُّ مِنْهُ فَقَدْ آمَنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ دُونَ بَعْضٍ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ كُلَّ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ الْمُتَشَابِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ يُشْتَقُّ مِنْهُ أَوْ لَا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ - سُئِلَ كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ.
وَمَا يَزْعُمُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ مَثَلًا وَنَحْوَهُمَا لَيْسَتْ كَالْيَدِ، وَالْوَجْهِ، بِدَعْوَى أَنَّ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ مَثَلًا ظَهَرَتْ آثَارُهُمَا فِي الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا كَصِفَةِ الْيَدِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْبَاطِلِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَقُولُهُ هُوَ وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنْ آثَارِ صِفَةِ الْيَدِ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ بِهَا نَبِيَّهُ آدَمَ.
وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ تَعَالَى لِلَّذِينِ مَاتُوا عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ تَشْبِيهَ اللَّهِ بِخَلْقِهِ، وَإِنَّمَا يُحَاوِلُونَ تَنْزِيهَهُ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ.
فَقَصْدُهُمْ حَسَنٌ، وَلَكِنَّ طَرِيقَهُمْ إِلَى ذَلِكَ الْقَصْدِ سَيِّئَةٌ.
وَإِنَّمَا نَشَأَ لَهُمْ ذَلِكَ السُّوءُ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ظَنُّوا لَفْظَ الصِّفَةِ الَّتِي مَدَحَ اللَّهُ بِهَا نَفْسَهُ يَدُلُّ ظَاهِرُهُ عَلَى مُشَابَهَةِ صِفَةِ الْخَلْقِ فَنَفَوُا الصِّفَةَ الَّتِي ظَنُّوا أَنَّهَا لَا تَلِيقُ قَصْدًا مِنْهُمْ لِتَنْزِيهِ اللَّهِ، وَأَوَّلُوهَا بِمَعْنًى آخَرَ يَقْتَضِي التَّنْزِيهَ فِي ظَنِّهِمْ فَهُمْ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: رَامَ نَفْعًا فَضَرَّ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَمِنَ الْبِرِّ مَا يَكُونُ عُقُوقًا وَنَحْنُ نَرْجُو أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ خَطَأَهُمْ، وَأَنْ يَكُونُوا دَاخِلِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
274
وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [٣٣ ٥].
وَخَطَؤُهُمُ الْمَذْكُورُ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِتَطْهِيرِ قُلُوبِهِمْ مِنَ التَّشْبِيهِ أَوَّلًا، وَجَزَمُوا بِأَنَّ ظَاهِرَ صِفَةِ الْخَالِقِ هُوَ التَّنْزِيهُ عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ، لَسَلِمُوا مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَالِمٌ كُلَّ الْعِلْمِ، بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ، مِمَّا مَدَحَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ هُوَ التَّنْزِيهُ التَّامُّ عَنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ، وَلَوْ كَانَ يَخْطُرُ فِي ذِهْنِهِ أَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يَلِيقُ ; لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ، لَبَادَرَ كُلَّ الْمُبَادَرَةِ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْعَقَائِدِ، وَلَا سِيَّمَا فِيمَا ظَاهِرُهُ الْكُفْرُ وَالتَّشْبِيهُ.
فَسُكُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيَانِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا زَعَمَهُ الْمُئَوِّلُونَ لَا أَسَاسَ لَهُ كَمَا تَرَى.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ فِي لُغَتِهَا كَيْفِيَّةً لِلْيَدِ مَثَلًا، إِلَّا كَيْفِيَّةَ الْمَعَانِي الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهَا كَالْجَارِحَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ مَعَانِي الْيَدِ الْمَعْرُوفَةِ فِي اللُّغَةِ، فَبَيِّنُوا لَنَا كَيْفِيَّةً لِلْيَدِ مُلَائِمَةً لِمَا ذَكَرْتُمْ.
فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُدْرِكُ كَيْفِيَّاتِ صِفَاتِ اللَّهِ مِنْ لُغَتِهَا، لِشِدَّةِ مُنَافَاةِ صِفَةِ اللَّهِ لِصِفَةِ الْخَلْقِ.
وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ عُقُولُهُمْ كَيْفِيَّاتٍ إِلَّا لِصِفَاتِ الْخَلْقِ، فَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ كَيْفِيَّةً لِلسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، إِلَّا هَذِهِ الْمُشَاهَدَةَ فِي حَاسَّةِ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ، أَمَّا سَمْعٌ لَا يَقُومُ بِأُذُنٍ، وَبَصَرٌ لَا يَقُومُ بِحَدَقَةٍ، فَهَذَا لَا يَعْرِفُونَ لَهُ كَيْفِيَّةً الْبَتَّةَ.
فَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَبَيْنَ الْيَدِ وَالِاسْتِوَاءِ، فَالَّذِي تَعْرِفُ كَيْفِيَّتَهُ الْعَرَبُ مِنْ لُغَتِهَا مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ هُوَ الْمُشَاهَدُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ.
وَخَطَؤُهُمُ الْمَذْكُورُ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَوْ وَفَّقَهُمُ اللَّهُ لِتَطْهِيرِ قُلُوبِهِمْ مِنَ التَّشْبِيهِ أَوَّلًا، وَجَزَمُوا بِأَنَّ ظَاهِرَ صِفَةِ الْخَالِقِ هُوَ التَّنْزِيهُ عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ، لَسَلِمُوا مِمَّا وَقَعُوا فِيهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَالِمٌ كُلَّ الْعِلْمِ، بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ، مِمَّا مَدَحَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ هُوَ التَّنْزِيهُ التَّامُّ عَنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ، وَلَوْ كَانَ يَخْطُرُ فِي ذِهْنِهِ أَنَّ ظَاهِرَهُ لَا يَلِيقُ ; لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ بِصِفَاتِ الْخَلْقِ، لَبَادَرَ كُلَّ الْمُبَادَرَةِ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْعَقَائِدِ، وَلَا سِيَّمَا فِيمَا ظَاهِرُهُ الْكُفْرُ وَالتَّشْبِيهُ.
فَسُكُوتُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيَانِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا زَعَمَهُ الْمُئَوِّلُونَ لَا أَسَاسَ لَهُ كَمَا تَرَى.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ نَزَلَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ فِي لُغَتِهَا كَيْفِيَّةً لِلْيَدِ مَثَلًا، إِلَّا كَيْفِيَّةَ الْمَعَانِي الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهَا كَالْجَارِحَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ مَعَانِي الْيَدِ الْمَعْرُوفَةِ فِي اللُّغَةِ، فَبَيِّنُوا لَنَا كَيْفِيَّةً لِلْيَدِ مُلَائِمَةً لِمَا ذَكَرْتُمْ.
فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْعَرَبَ لَا تُدْرِكُ كَيْفِيَّاتِ صِفَاتِ اللَّهِ مِنْ لُغَتِهَا، لِشِدَّةِ مُنَافَاةِ صِفَةِ اللَّهِ لِصِفَةِ الْخَلْقِ.
وَالْعَرَبُ لَا تَعْرِفُ عُقُولُهُمْ كَيْفِيَّاتٍ إِلَّا لِصِفَاتِ الْخَلْقِ، فَلَا تَعْرِفُ الْعَرَبُ كَيْفِيَّةً لِلسَّمْعِ وَالْبَصَرِ، إِلَّا هَذِهِ الْمُشَاهَدَةَ فِي حَاسَّةِ الْأُذُنِ وَالْعَيْنِ، أَمَّا سَمْعٌ لَا يَقُومُ بِأُذُنٍ، وَبَصَرٌ لَا يَقُومُ بِحَدَقَةٍ، فَهَذَا لَا يَعْرِفُونَ لَهُ كَيْفِيَّةً الْبَتَّةَ.
فَلَا فَرْقَ بَيْنَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ، وَبَيْنَ الْيَدِ وَالِاسْتِوَاءِ، فَالَّذِي تَعْرِفُ كَيْفِيَّتَهُ الْعَرَبُ مِنْ لُغَتِهَا مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ هُوَ الْمُشَاهَدُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ.
275
وَأَمَّا الَّذِي اتَّصَفَ اللَّهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا تَعْرِفُ لَهُ الْعَرَبُ كَيْفِيَّةً، وَلَا حَدًّا لِمُخَالَفَةِ صِفَاتِهِ لِصِفَاتِ الْخَلْقِ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ مِنْ لُغَتِهِمْ أَصْلَ الْمَعْنَى، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدَعَةٌ.
كَمَا يَعْرِفُونَ مِنْ لُغَتِهِمْ أَنَّ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، وَالرَّازِقِ وَالْمَرْزُوقِ، وَالْمُحْيِي وَالْمُحْيَا، وَالْمُمِيتِ وَالْمَمَاتِ - فَوَارِقَ عِظْيَمَةً لَا حَدَّ لَهَا تَسْتَلْزِمُ الْمُخَالَفَةَ التَّامَّةَ، بَيْنَ صِفَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ لِمَنْ قَالَ: بَيِّنُوا لَنَا كَيْفِيَّةً لِلْيَدِ مُلَائِمَةً لِمَا ذَكَرْتُمْ، مِنْ كَوْنِهَا صِفَةَ كَمَالٍ وَجَلَالٍ، مُنَزَّهَةً عَنْ مُشَابَهَةِ جَارِحَةِ الْمَخْلُوقِ.
هَلْ عَرَفْتَ كَيْفِيَّةَ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُتَّصِفَةِ بِالْيَدِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: لَا. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ.
قُلْنَا: مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الصِّفَاتِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الذَّاتِ.
فَالذَّاتُ وَالصِّفَاتُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ.
فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ - جَلَّ وَعَلَا - تُخَالِفُ جَمِيعَ الذَّوَاتِ، فَإِنَّ صِفَاتِهِ تُخَالِفُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّفَاتِ تَخْتَلِفُ وَتَتَبَايَنُ بِاخْتِلَافِ مَوْصُوفَاتِهَا.
أَلَّا تَرَى مَثَلًا أَنَّ لَفْظَةَ رَأْسٍ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ؟
إِنْ أَضَفْتَهَا إِلَى الْإِنْسَانِ، فَقُلْتَ: رَأَسُ الْإِنْسَانِ، وَإِلَى الْوَادِي، فَقُلْتَ: رَأَسُ الْوَادِي، وَإِلَى الْمَالِ، فَقُلْتَ: رَأْسُ الْمَالِ، وَإِلَى الْجَبَلِ، فَقُلْتَ: رَأَسُ الْجَبَلِ.
فَإِنَّ كَلِمَةَ الرَّأْسِ اخْتَلَفَتْ مَعَانِيهَا، وَتَبَايَنَتْ تَبَايُنًا شَدِيدًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ إِضَافَتِهَا، مَعَ أَنَّهَا فِي مَخْلُوقَاتٍ حَقِيرَةٍ.
كَمَا يَعْرِفُونَ مِنْ لُغَتِهِمْ أَنَّ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، وَالرَّازِقِ وَالْمَرْزُوقِ، وَالْمُحْيِي وَالْمُحْيَا، وَالْمُمِيتِ وَالْمَمَاتِ - فَوَارِقَ عِظْيَمَةً لَا حَدَّ لَهَا تَسْتَلْزِمُ الْمُخَالَفَةَ التَّامَّةَ، بَيْنَ صِفَاتِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ لِمَنْ قَالَ: بَيِّنُوا لَنَا كَيْفِيَّةً لِلْيَدِ مُلَائِمَةً لِمَا ذَكَرْتُمْ، مِنْ كَوْنِهَا صِفَةَ كَمَالٍ وَجَلَالٍ، مُنَزَّهَةً عَنْ مُشَابَهَةِ جَارِحَةِ الْمَخْلُوقِ.
هَلْ عَرَفْتَ كَيْفِيَّةَ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُتَّصِفَةِ بِالْيَدِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: لَا. فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ.
قُلْنَا: مَعْرِفَةُ كَيْفِيَّةِ الصِّفَاتِ تَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ الذَّاتِ.
فَالذَّاتُ وَالصِّفَاتُ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ.
فَكَمَا أَنَّ ذَاتَهُ - جَلَّ وَعَلَا - تُخَالِفُ جَمِيعَ الذَّوَاتِ، فَإِنَّ صِفَاتِهِ تُخَالِفُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصِّفَاتِ تَخْتَلِفُ وَتَتَبَايَنُ بِاخْتِلَافِ مَوْصُوفَاتِهَا.
أَلَّا تَرَى مَثَلًا أَنَّ لَفْظَةَ رَأْسٍ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ؟
إِنْ أَضَفْتَهَا إِلَى الْإِنْسَانِ، فَقُلْتَ: رَأَسُ الْإِنْسَانِ، وَإِلَى الْوَادِي، فَقُلْتَ: رَأَسُ الْوَادِي، وَإِلَى الْمَالِ، فَقُلْتَ: رَأْسُ الْمَالِ، وَإِلَى الْجَبَلِ، فَقُلْتَ: رَأَسُ الْجَبَلِ.
فَإِنَّ كَلِمَةَ الرَّأْسِ اخْتَلَفَتْ مَعَانِيهَا، وَتَبَايَنَتْ تَبَايُنًا شَدِيدًا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ إِضَافَتِهَا، مَعَ أَنَّهَا فِي مَخْلُوقَاتٍ حَقِيرَةٍ.
276
فَمَا بَالُكَ بِمَا أُضِيفَ مِنَ الصِّفَاتِ إِلَى اللَّهِ، وَمَا أُضِيفَ مِنْهَا إِلَى خَلْقِهِ، فَإِنَّهُ يَتَبَايَنُ كَتَبَايُنِ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، كَمَا لَا يَخْفَى.
فَاتَّضَحَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي قَوْلِ الْمُقْرِئِ فِي إِضَاءَتِهِ:
وَالنَّصُّ إِنْ أَوْهَمَ غَيْرَ اللَّائِقِ
شَرْطٌ مَفْقُودٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ نُصُوصَ الْوَحْيِ الْوَارِدَةَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ لَا تَدُلُّ ظَوَاهِرُهَا الْبَتَّةَ إِلَّا عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِخَلْقِهِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ.
فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُرَاجِعُونَ عُقُولَهُمْ، لَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ السَّابِقَ إِلَى ذِهْنِ الْمُسْلِمِ هُوَ مُخَالَفَةُ اللَّهِ لِخَلْقِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [٤٢ ١١]، وَقَوْلِهِ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [١١٢ ٤]، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الَّذِي بَنَاهُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:
فَاصْرِفْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِجْمَاعًا
إِجْمَاعٌ مَفْقُودٌ أَصْلًا، وَلَا وُجُودَ لَهُ الْبَتَّةَ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَرْطٍ مَفْقُودٍ لَا وُجُودَ لَهُ الْبَتَّةَ.
فَالْإِجْمَاعُ الْمَعْدُومُ الْمَزْعُومُ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ تَابِعِيهِمْ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الْمَعْرُوفِينَ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ظَوَاهِرَ نُصُوصِ الْوَحْيِ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ الَّذِي هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ لَا دَاعِيَ لِصَرْفِهَا عَنْهُ كَمَا تَرَى.
وَلِأَجْلِ هَذَا كُلِّهِ قُلْنَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْصُوفٌ
فَاتَّضَحَ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي قَوْلِ الْمُقْرِئِ فِي إِضَاءَتِهِ:
وَالنَّصُّ إِنْ أَوْهَمَ غَيْرَ اللَّائِقِ
شَرْطٌ مَفْقُودٌ قَطْعًا ; لِأَنَّ نُصُوصَ الْوَحْيِ الْوَارِدَةَ فِي صِفَاتِ اللَّهِ لَا تَدُلُّ ظَوَاهِرُهَا الْبَتَّةَ إِلَّا عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ، وَمُخَالَفَتِهِ لِخَلْقِهِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ.
فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُرَاجِعُونَ عُقُولَهُمْ، لَا يَشُكُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ فِي أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ السَّابِقَ إِلَى ذِهْنِ الْمُسْلِمِ هُوَ مُخَالَفَةُ اللَّهِ لِخَلْقِهِ، كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [٤٢ ١١]، وَقَوْلِهِ: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [١١٢ ٤]، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الَّذِي بَنَاهُ عَلَى ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:
فَاصْرِفْهُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِجْمَاعًا
إِجْمَاعٌ مَفْقُودٌ أَصْلًا، وَلَا وُجُودَ لَهُ الْبَتَّةَ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى شَرْطٍ مَفْقُودٍ لَا وُجُودَ لَهُ الْبَتَّةَ.
فَالْإِجْمَاعُ الْمَعْدُومُ الْمَزْعُومُ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَا مِنْ تَابِعِيهِمْ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ، وَلَا مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الْمَعْرُوفِينَ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّ ظَوَاهِرَ نُصُوصِ الْوَحْيِ لَا تَدُلُّ إِلَّا عَلَى تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ مُشَابَهَةِ خَلْقِهِ، وَهَذَا الظَّاهِرُ الَّذِي هُوَ تَنْزِيهُ اللَّهِ لَا دَاعِيَ لِصَرْفِهَا عَنْهُ كَمَا تَرَى.
وَلِأَجْلِ هَذَا كُلِّهِ قُلْنَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَوْصُوفٌ
277
بِتِلْكَ الصِّفَاتِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا ; لِأَنَّا نَعْتَقِدُ اعْتِقَادًا جَازِمًا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ شَكٌّ أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا، لَا تَدُلُّ الْبَتَّةَ إِلَّا عَلَى التَّنْزِيهِ عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ وَاتِّصَافِهِ تَعَالَى بِالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ.
وَإِثْبَاتُ التَّنْزِيهِ وَالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ لِلَّهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا - لَا يُنْكِرُهُ مُسْلِمٌ.
وَمِمَّا يَدْعُو إِلَى التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ، وَنَفْيِ الْمَجَازِ، كَثْرَةُ الْجَاهِلِينَ الزَّاعِمِينَ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا حَقَائِقَ لَهَا، وَأَنَّهَا كُلَّهَا مَجَازَاتٌ.
وَجَعَلُوا ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى نَفْيِهَا ; لِأَنَّ الْمَجَازَ يَجُوزُ نَفْيُهُ، وَالْحَقِيقَةُ لَا يَجُوزُ نَفْيُهَا.
فَقَالُوا مَثَلًا: الْيَدُ مَجَازٌ يُرَادُ بِهِ الْقُدْرَةُ وَالنِّعْمَةُ أَوِ الْجُودُ، فَنَفَوْا صِفَةَ الْيَدِ، لِأَنَّهَا مَجَازٌ.
وَقَالُوا: عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى مَجَازٌ فَنَفَوُا الِاسْتِوَاءَ ; لِأَنَّهُ مَجَازٌ.
وَقَالُوا: مَعْنَى «اسْتَوَى» اسْتَوْلَى، وَشَبَّهُوا اسْتِيلَاءَهُ بِاسْتِيلَاءِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ.
وَلَوْ تَدَبَّرُوا كِتَابَ اللَّهِ لِمَنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ تَبْدِيلِ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَتَبْدِيلِ الْيَدِ بِالْقُدْرَةِ أَوِ النِّعْمَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [٢ ٥٩]، وَيَقُولُ فِي الْأَعْرَافِ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ [٧ ١٦٢]، فَالْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ لَهُمْ هُوَ قَوْلُهُ «حِطَّةٌ» وَهِيَ فِعْلَةٌ مِنَ الْحَطِّ بِمَعْنَى الْوَضْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ دُعَاؤُنَا وَمَسْأَلَتُنَا لَكَ حِطَّةٌ لِذُنُوبِنَا، أَيْ حَطٌّ وَوَضْعٌ لَهَا عَنَّا فَهِيَ بِمَعْنَى طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ بَدَّلُوا هَذَا الْقَوْلَ بِأَنْ زَادُوا نُونًا فَقَالُوا: حِنْطَةٌ، وَهِيَ الْقَمْحُ.
وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ قِيلَ لَهُمْ: عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، فَزَادُوا لَامًا، فَقَالُوا: اسْتَوْلَى.
وَإِثْبَاتُ التَّنْزِيهِ وَالْكَمَالِ وَالْجَلَالِ لِلَّهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا - لَا يُنْكِرُهُ مُسْلِمٌ.
وَمِمَّا يَدْعُو إِلَى التَّصْرِيحِ بِلَفْظِ الْحَقِيقَةِ، وَنَفْيِ الْمَجَازِ، كَثْرَةُ الْجَاهِلِينَ الزَّاعِمِينَ أَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا حَقَائِقَ لَهَا، وَأَنَّهَا كُلَّهَا مَجَازَاتٌ.
وَجَعَلُوا ذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى نَفْيِهَا ; لِأَنَّ الْمَجَازَ يَجُوزُ نَفْيُهُ، وَالْحَقِيقَةُ لَا يَجُوزُ نَفْيُهَا.
فَقَالُوا مَثَلًا: الْيَدُ مَجَازٌ يُرَادُ بِهِ الْقُدْرَةُ وَالنِّعْمَةُ أَوِ الْجُودُ، فَنَفَوْا صِفَةَ الْيَدِ، لِأَنَّهَا مَجَازٌ.
وَقَالُوا: عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى مَجَازٌ فَنَفَوُا الِاسْتِوَاءَ ; لِأَنَّهُ مَجَازٌ.
وَقَالُوا: مَعْنَى «اسْتَوَى» اسْتَوْلَى، وَشَبَّهُوا اسْتِيلَاءَهُ بِاسْتِيلَاءِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ.
وَلَوْ تَدَبَّرُوا كِتَابَ اللَّهِ لِمَنَعَهُمْ ذَلِكَ مِنْ تَبْدِيلِ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، وَتَبْدِيلِ الْيَدِ بِالْقُدْرَةِ أَوِ النِّعْمَةِ ; لِأَنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [٢ ٥٩]، وَيَقُولُ فِي الْأَعْرَافِ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ [٧ ١٦٢]، فَالْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ لَهُمْ هُوَ قَوْلُهُ «حِطَّةٌ» وَهِيَ فِعْلَةٌ مِنَ الْحَطِّ بِمَعْنَى الْوَضْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ دُعَاؤُنَا وَمَسْأَلَتُنَا لَكَ حِطَّةٌ لِذُنُوبِنَا، أَيْ حَطٌّ وَوَضْعٌ لَهَا عَنَّا فَهِيَ بِمَعْنَى طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي شَأْنِهِمْ أَنَّهُمْ بَدَّلُوا هَذَا الْقَوْلَ بِأَنْ زَادُوا نُونًا فَقَالُوا: حِنْطَةٌ، وَهِيَ الْقَمْحُ.
وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ قِيلَ لَهُمْ: عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، فَزَادُوا لَامًا، فَقَالُوا: اسْتَوْلَى.
278
وَهَذِهِ اللَّامُ الَّتِي زَادُوهَا أَشْبَهُ شَيْءٍ بِالنُّونِ الَّتِي زَادَهَا الْيَهُودُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقُولُوا حِطَّةٌ. وَيَقُولُ اللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - فِي مَنْعِ تَبْدِيلِ الْقُرْآنِ بِغَيْرِهِ: قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ بَدَّلَ اسْتَوَى بِاسْتَوْلَى مَثَلًا لَمْ يَتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فِعْلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ التَّبْدِيلَ وَيَخَافَ الْعَذَابَ الْعَظِيمَ، الَّذِي خَافَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ عَصَى اللَّهَ فَبَدَّلَ قُرْآنًا بِغَيْرِهِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
وَالْيَهُودُ لَمْ يُنْكِرُوا أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ لَهُمْ: هُوَ لَفْظُ حِطَّةٍ وَلَكِنَّهُمْ حَرَّفُوهُ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَأَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَمْ يُنْكِرُوا أَنَّ كَلِمَةَ الْقُرْآنِ هِيَ اسْتَوَى، وَلَكِنْ حَرَّفُوهَا وَقَالُوا فِي مَعْنَاهَا: اسْتَوْلَى وَإِنَّمَا أَبْدَلُوهَا بِهَا ; لِأَنَّهَا أَصْلَحُ فِي زَعْمِهِمْ مِنْ لَفْظِ كَلِمَةِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ الْقُرْآنِ تُوهِمُ غَيْرَ اللَّائِقِ، وَكَلِمَةُ اسْتَوْلَى فِي زَعْمِهِمْ هِيَ الْمُنَزِّهَةُ اللَّائِقَةُ بِاللَّهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ تَشْبِيهٌ أَشْنَعُ مِنْ تَشْبِيهِ اسْتِيلَاءِ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ الْمَزْعُومِ، بِاسْتِيلَاءِ بِشْرٍ عَلَى الْعِرَاقِ.
وَهَلْ كَانَ أَحَدٌ يُغَالِبُ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ حَتَّى غَلَبَهُ عَلَى الْعَرْشِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ؟
وَهَلْ يُوجَدُ شَيْءٌ إِلَّا وَاللَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ، فَاللَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى اسْتَوَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ الْعَرْشِ؟
فَافْهَمْ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ بَدَّلَ اسْتَوَى بِاسْتَوْلَى مَثَلًا لَمْ يَتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فِعْلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَ التَّبْدِيلَ وَيَخَافَ الْعَذَابَ الْعَظِيمَ، الَّذِي خَافَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَوْ عَصَى اللَّهَ فَبَدَّلَ قُرْآنًا بِغَيْرِهِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.
وَالْيَهُودُ لَمْ يُنْكِرُوا أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي قَالَهُ اللَّهُ لَهُمْ: هُوَ لَفْظُ حِطَّةٍ وَلَكِنَّهُمْ حَرَّفُوهُ بِالزِّيَادَةِ الْمَذْكُورَةِ.
وَأَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لَمْ يُنْكِرُوا أَنَّ كَلِمَةَ الْقُرْآنِ هِيَ اسْتَوَى، وَلَكِنْ حَرَّفُوهَا وَقَالُوا فِي مَعْنَاهَا: اسْتَوْلَى وَإِنَّمَا أَبْدَلُوهَا بِهَا ; لِأَنَّهَا أَصْلَحُ فِي زَعْمِهِمْ مِنْ لَفْظِ كَلِمَةِ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ كَلِمَةَ الْقُرْآنِ تُوهِمُ غَيْرَ اللَّائِقِ، وَكَلِمَةُ اسْتَوْلَى فِي زَعْمِهِمْ هِيَ الْمُنَزِّهَةُ اللَّائِقَةُ بِاللَّهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْقَلُ تَشْبِيهٌ أَشْنَعُ مِنْ تَشْبِيهِ اسْتِيلَاءِ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ الْمَزْعُومِ، بِاسْتِيلَاءِ بِشْرٍ عَلَى الْعِرَاقِ.
وَهَلْ كَانَ أَحَدٌ يُغَالِبُ اللَّهَ عَلَى عَرْشِهِ حَتَّى غَلَبَهُ عَلَى الْعَرْشِ وَاسْتَوْلَى عَلَيْهِ؟
وَهَلْ يُوجَدُ شَيْءٌ إِلَّا وَاللَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ، فَاللَّهُ مُسْتَوْلٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.
وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى اسْتَوَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ غَيْرَ الْعَرْشِ؟
فَافْهَمْ.
279
وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَإِنَّ الْمُئَوِّلَ زَعَمَ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ يُوهِمُ غَيْرَ اللَّائِقِ بِاللَّهِ لِاسْتِلْزَامِهِ مُشَابَهَةَ اسْتِوَاءِ الْخَلْقِ، وَجَاءَ بَدَلَهُ بِالِاسْتِيلَاءِ، لِأَنَّهُ هُوَ اللَّائِقُ بِهِ فِي زَعْمِهِ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ.
لِأَنَّ تَشْبِيهَ اسْتِيلَاءِ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ بِاسْتِيلَاءِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ هُوَ أَفْظَعُ أَنْوَاعِ التَّشْبِيهِ، وَلَيْسَ بِلَائِقٍ قَطْعًا، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الِاسْتِيلَاءَ الْمَزْعُومَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ اسْتِيلَاءِ الْخَلْقِ، مَعَ أَنَّهُ ضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ بِاسْتِيلَاءِ بِشَرٍ عَلَى الْعِرَاقِ وَاللَّهُ يَقُولُ: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [١٦ ٧٤].
وَنَحْنُ نَقُولُ: أَيُّهَا الْمُئَوِّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ، نَحْنُ نَسْأَلُكَ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَنْزِيهِ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ أَعْنِي لَفْظَ اسْتَوَى الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ الْمَلَكَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرْآنًا يُتْلَى، كُلُّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ أَنْكَرَ أَنَّهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَفَرَ.
وَلَفْظَةُ اسْتَوْلَى الَّتِي جَاءَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى نَصٍّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ.
فَأَيُّ الْكَلِمَتَيْنِ أَحَقُّ بِالتَّنْزِيهِ فِي رَأْيِكَ. الْأَحَقُّ بِالتَّنْزِيهِ كَلِمَةُ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ، أَمْ كَلِمَتُكُمُ الَّتِي جِئْتُمْ بِهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ، مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ أَصْلًا؟
وَنَحْنُ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا الْجَوَابُ الصَّحِيحُ، عَنْ هَذَا السُّؤَالِ إِنْ كُنْتَ لَا تَعْرِفُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الصِّفَاتِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ.
وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ الْبَتَّةَ بَيْنَ صِفَةٍ يُشْتَقُّ مِنْهَا وَصْفٌ، كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَيَاةِ.
وَبَيْنَ صِفَةٍ لَا يُشْتَقُّ مِنْهَا كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ.
وَأَنَّ تَأْوِيلَ الصِّفَاتِ كَتَأْوِيلِ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ.
هُوَ مُعْتَقَدُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَهُوَ مُعْتَقَدُ عَامَّةِ السَّلَفِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ.
فَمَنِ ادَّعَى عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ يُئَوِّلُ صِفَةً مِنَ الصِّفَاتِ، كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالِاسْتِوَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدِ افْتَرَى عَلَيْهِ افْتِرَاءً عَظِيمًا.
لِأَنَّ تَشْبِيهَ اسْتِيلَاءِ اللَّهِ عَلَى عَرْشِهِ بِاسْتِيلَاءِ بِشْرِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ هُوَ أَفْظَعُ أَنْوَاعِ التَّشْبِيهِ، وَلَيْسَ بِلَائِقٍ قَطْعًا، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: إِنَّ الِاسْتِيلَاءَ الْمَزْعُومَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ اسْتِيلَاءِ الْخَلْقِ، مَعَ أَنَّهُ ضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ بِاسْتِيلَاءِ بِشَرٍ عَلَى الْعِرَاقِ وَاللَّهُ يَقُولُ: فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [١٦ ٧٤].
وَنَحْنُ نَقُولُ: أَيُّهَا الْمُئَوِّلُ هَذَا التَّأْوِيلَ، نَحْنُ نَسْأَلُكَ إِذَا عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَنْزِيهِ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ أَعْنِي لَفْظَ اسْتَوَى الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ الْمَلَكَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قُرْآنًا يُتْلَى، كُلُّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ أَنْكَرَ أَنَّهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَفَرَ.
وَلَفْظَةُ اسْتَوْلَى الَّتِي جَاءَ بِهَا قَوْمٌ مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى نَصٍّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ وَلَا قَوْلِ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ.
فَأَيُّ الْكَلِمَتَيْنِ أَحَقُّ بِالتَّنْزِيهِ فِي رَأْيِكَ. الْأَحَقُّ بِالتَّنْزِيهِ كَلِمَةُ الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلَةِ مِنَ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ، أَمْ كَلِمَتُكُمُ الَّتِي جِئْتُمْ بِهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِكُمْ، مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ أَصْلًا؟
وَنَحْنُ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا الْجَوَابُ الصَّحِيحُ، عَنْ هَذَا السُّؤَالِ إِنْ كُنْتَ لَا تَعْرِفُهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الصِّفَاتِ، فَهُوَ مَوْصُوفٌ بِهِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، عَلَى الْوَجْهِ اللَّائِقِ بِكَمَالِهِ وَجَلَالِهِ.
وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ الْبَتَّةَ بَيْنَ صِفَةٍ يُشْتَقُّ مِنْهَا وَصْفٌ، كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْحَيَاةِ.
وَبَيْنَ صِفَةٍ لَا يُشْتَقُّ مِنْهَا كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ.
وَأَنَّ تَأْوِيلَ الصِّفَاتِ كَتَأْوِيلِ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، لَا يَجُوزُ وَلَا يَصِحُّ.
هُوَ مُعْتَقَدُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَهُوَ مُعْتَقَدُ عَامَّةِ السَّلَفِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ.
فَمَنِ ادَّعَى عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ يُئَوِّلُ صِفَةً مِنَ الصِّفَاتِ، كَالْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالِاسْتِوَاءِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدِ افْتَرَى عَلَيْهِ افْتِرَاءً عَظِيمًا.
280
بَلِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مُصَرِّحٌ فِي كُتُبِهِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي صَنَّفَهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ عَنِ الِاعْتِزَالِ، (كَالْمُوجَزِ)، (وَمَقَالَاتِ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافِ الْمُصَلِّينَ)، (وَالْإِبَانَةِ عَنْ أُصُولِ الدِّيَانَةِ) أَنَّ مُعْتَقَدَهُ الَّذِي يَدِينُ اللَّهَ بِهِ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ مِنَ الْإِيمَانِ بِكُلِّ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ، أَوْ وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ غَيْرٍ كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ.
وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ، وَلَا الْقَوْلُ بِالْمَجَازِ فِيهِ.
وَأَنَّ تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ.
وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ إِمَامٍ فِي مَذْهَبِهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إِلَى الْحَقِّ، وَسَنَذْكُرُ لَكَ هُنَا بَعْضَ نُصُوصِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِتَعْلَمَ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ عَنْ أُصُولِ الدِّيَانَةِ) الَّذِي قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ آخِرُ كِتَابٍ صَنَّفَهُ، مَا نَصُّهُ:
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: قَدْ أَنْكَرْتُمْ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، فَعَرِّفُونَا قَوْلَكُمُ الَّذِي بِهِ تَقُولُونَ، وَدِيَانَتَكُمُ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ، قِيلَ لَهُ:
قَوْلُنَا الَّذِي نَقُولُ بِهِ وَدِيَانَتُنَا الَّتِي نَدِينُ بِهَا، التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
وَنَحْنُ بِذَلِكَ مُعْتَصِمُونَ، وَبِمَا كَانَ يَقُولُ بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُ قَائِلُونَ، وَلِمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ مُجَانِبُونَ.
لِأَنَّهُ الْإِمَامُ الْفَاضِلُ وَالرَّئِيسُ الْكَامِلُ الَّذِي أَبَانَ بِهِ الْحَقَّ وَرَفَعَ بِهِ الضَّلَالَ وَأَوْضَحَ بِهِ الْمِنْهَاجَ وَقَمَعَ بِهِ بِدَعَ الْمُبْتَدِعِينَ، وَزَيْغَ الزَّائِغِينَ وَشَكَّ الشَّاكِّينَ. فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ إِمَامٍ مُقَدَّمٍ وَخَلِيلٍ مُعَظَّمٍ مُفَخَّمٍ، وَعَلَى جَمِيعِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَجُمْلَةُ قَوْلِنَا: أَنَّا نُقِرُّ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.
وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَرْدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَأَنَّ
وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُ، وَلَا الْقَوْلُ بِالْمَجَازِ فِيهِ.
وَأَنَّ تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ هُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ ضَاهَاهُمْ.
وَهُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَقْوَالِ الْمُعْتَزِلَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ أَعْظَمَ إِمَامٍ فِي مَذْهَبِهِمْ، قَبْلَ أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إِلَى الْحَقِّ، وَسَنَذْكُرُ لَكَ هُنَا بَعْضَ نُصُوصِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِتَعْلَمَ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ (فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ عَنْ أُصُولِ الدِّيَانَةِ) الَّذِي قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ آخِرُ كِتَابٍ صَنَّفَهُ، مَا نَصُّهُ:
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ: قَدْ أَنْكَرْتُمْ قَوْلَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ وَالرَّافِضَةِ، وَالْمُرْجِئَةِ، فَعَرِّفُونَا قَوْلَكُمُ الَّذِي بِهِ تَقُولُونَ، وَدِيَانَتَكُمُ الَّتِي بِهَا تَدِينُونَ، قِيلَ لَهُ:
قَوْلُنَا الَّذِي نَقُولُ بِهِ وَدِيَانَتُنَا الَّتِي نَدِينُ بِهَا، التَّمَسُّكُ بِكِتَابِ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ.
وَنَحْنُ بِذَلِكَ مُعْتَصِمُونَ، وَبِمَا كَانَ يَقُولُ بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ نَضَّرَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَرَفَعَ دَرَجَتَهُ وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُ قَائِلُونَ، وَلِمَنْ خَالَفَ قَوْلَهُ مُجَانِبُونَ.
لِأَنَّهُ الْإِمَامُ الْفَاضِلُ وَالرَّئِيسُ الْكَامِلُ الَّذِي أَبَانَ بِهِ الْحَقَّ وَرَفَعَ بِهِ الضَّلَالَ وَأَوْضَحَ بِهِ الْمِنْهَاجَ وَقَمَعَ بِهِ بِدَعَ الْمُبْتَدِعِينَ، وَزَيْغَ الزَّائِغِينَ وَشَكَّ الشَّاكِّينَ. فَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ مِنْ إِمَامٍ مُقَدَّمٍ وَخَلِيلٍ مُعَظَّمٍ مُفَخَّمٍ، وَعَلَى جَمِيعِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ.
وَجُمْلَةُ قَوْلِنَا: أَنَّا نُقِرُّ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا نَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.
وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَرْدٌ صَمَدٌ، لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا وَأَنَّ
281
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حُقٌّ، وَالسَّاعَةُ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ.
وَأَنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [٥٥ ٢٧]، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، وَكَمَا قَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [٥ ٦٤]، وَأَنَّ لَهُ عَيْنَانِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [٥٤ ١٤]. انْتَهَى مَحَلٌّ الْغَرَضُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يَفْتَرِي عَلَى الْأَشْعَرِيِّ - أَنَّهُ مِنَ الْمُئَوِّلِينَ الْمُدَّعِينَ أَنَّ ظَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ - كَاذِبٌ عَلَيْهِ كَذِبًا شَنِيعًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ أَيْضًا فِي إِثْبَاتِ الِاسْتِوَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى مَا نَصُّهُ:
إِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُونَ فِي الِاسْتِوَاءِ؟ قِيلَ لَهُ: نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [٣٥ ١٠]، وَقَدْ قَالَ: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [٤ ١٥٨]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [٣٢ ٥]، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [٤٠ ٣٦].
فَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ). وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ.
فَالسَّمَاوَاتُ فَوْقَهَا الْعَرْشُ، فَلَمَّا كَانَ الْعَرْشُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ قَالَ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ، فَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ. هَذَا لَفْظُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ الْمَذْكُورِ.
وَقَدْ أَطَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكَلَامِ بِذِكْرِ الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ الِاسْتِوَاءِ، وَصِفَةِ الْعُلُوِّ لِلَّهِ - جَلَّ وَعَلَا.
وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ مَا نَصُّهُ:
وَأَنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، وَأَنَّ لَهُ وَجْهًا كَمَا قَالَ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [٥٥ ٢٧]، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، وَكَمَا قَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [٥ ٦٤]، وَأَنَّ لَهُ عَيْنَانِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [٥٤ ١٤]. انْتَهَى مَحَلٌّ الْغَرَضُ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يَفْتَرِي عَلَى الْأَشْعَرِيِّ - أَنَّهُ مِنَ الْمُئَوِّلِينَ الْمُدَّعِينَ أَنَّ ظَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا لَا يَلِيقُ بِاللَّهِ - كَاذِبٌ عَلَيْهِ كَذِبًا شَنِيعًا.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ أَيْضًا فِي إِثْبَاتِ الِاسْتِوَاءِ لِلَّهِ تَعَالَى مَا نَصُّهُ:
إِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا تَقُولُونَ فِي الِاسْتِوَاءِ؟ قِيلَ لَهُ: نَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [٣٥ ١٠]، وَقَدْ قَالَ: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [٤ ١٥٨]، وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ [٣٢ ٥]، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ فِرْعَوْنَ: يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا [٤٠ ٣٦].
فَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ). وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ.
فَالسَّمَاوَاتُ فَوْقَهَا الْعَرْشُ، فَلَمَّا كَانَ الْعَرْشُ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ قَالَ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ لِأَنَّهُ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ الَّذِي فَوْقَ السَّمَاوَاتِ، وَكُلُّ مَا عَلَا فَهُوَ سَمَاءٌ، فَالْعَرْشُ أَعْلَى السَّمَاوَاتِ. هَذَا لَفْظُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ الْمَذْكُورِ.
وَقَدْ أَطَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْكَلَامِ بِذِكْرِ الْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي إِثْبَاتِ صِفَةِ الِاسْتِوَاءِ، وَصِفَةِ الْعُلُوِّ لِلَّهِ - جَلَّ وَعَلَا.
وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ مَا نَصُّهُ:
282
وَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ: إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى أَنَّهُ اسْتَوْلَى وَمَلَكَ وَقَهَرَ، وَأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ مَكَانٍ. وَجَحَدُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحَقِّ، وَذَهَبُوا فِي الِاسْتِوَاءِ إِلَى الْقُدْرَةِ.
وَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا ذَكَرُوهُ كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْشِ وَالْأَرْضِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحُشُوشِ، وَعَلَى كُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ.
فَلَوْ كَانَ اللَّهُ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَوْلٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لَكَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ وَعَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى السَّمَاءِ وَعَلَى الْحُشُوشِ وَالْأَفْرَادِ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهَا.
وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقُولَ:
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَوٍ عَلَى الْحُشُوشِ وَالْأَخْلِيَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ الِاسْتِيلَاءَ الَّذِي هُوَ عَامٌّ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا.
وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اسْتِوَاءً يَخْتَصُّ الْعَرْشَ دُونَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا.
وَزَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْحَرُورِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ مَكَانٍ فَلَزِمَهُمْ أَنَّهُ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ وَفِي الْحُشُوشِ وَالْأَخْلِيَةِ.
وَهَذَا خِلَافُ الدِّينِ - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ. اهـ.
هَذَا لَفْظُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ مُصَنَّفَاتِهِ، وَهُوَ كِتَابُ الْإِبَانَةِ عَنْ أُصُولِ الدِّيَانَةِ.
وَتَرَاهُ صَرَّحَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ لَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَقَامَ الْبَرَاهِينَ الْوَاضِحَةَ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ.
فَلْيَعْلَمْ مُئَوِّلُو الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ أَنَّ سَلَفَهُ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْحَرُورِيَّةُ، لَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ الْآيَةَ [٦ ٣] أَنَّ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ - قَوْلٌ بَاطِلٌ.
وَلَوْ كَانَ هَذَا كَمَا ذَكَرُوهُ كَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَرْشِ وَالْأَرْضِ، فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ قَادِرٌ عَلَيْهَا وَعَلَى الْحُشُوشِ، وَعَلَى كُلِّ مَا فِي الْعَالَمِ.
فَلَوْ كَانَ اللَّهُ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَوْلٍ عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا لَكَانَ مُسْتَوِيًا عَلَى الْعَرْشِ وَعَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى السَّمَاءِ وَعَلَى الْحُشُوشِ وَالْأَفْرَادِ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْأَشْيَاءِ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهَا.
وَإِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا وَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقُولَ:
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُسْتَوٍ عَلَى الْحُشُوشِ وَالْأَخْلِيَةِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِوَاءُ عَلَى الْعَرْشِ الِاسْتِيلَاءَ الَّذِي هُوَ عَامٌّ فِي الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا.
وَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ اسْتِوَاءً يَخْتَصُّ الْعَرْشَ دُونَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا.
وَزَعَمَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْحَرُورِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ مَكَانٍ فَلَزِمَهُمْ أَنَّهُ فِي بَطْنِ مَرْيَمَ وَفِي الْحُشُوشِ وَالْأَخْلِيَةِ.
وَهَذَا خِلَافُ الدِّينِ - تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ. اهـ.
هَذَا لَفْظُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي آخِرِ مُصَنَّفَاتِهِ، وَهُوَ كِتَابُ الْإِبَانَةِ عَنْ أُصُولِ الدِّيَانَةِ.
وَتَرَاهُ صَرَّحَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّ تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْحَرُورِيَّةِ لَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَقَامَ الْبَرَاهِينَ الْوَاضِحَةَ عَلَى بُطْلَانِ ذَلِكَ.
فَلْيَعْلَمْ مُئَوِّلُو الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ أَنَّ سَلَفَهُ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْحَرُورِيَّةُ، لَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ.
وَقَدْ أَوْضَحْنَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ الْآيَةَ [٦ ٣] أَنَّ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ: إِنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ - قَوْلٌ بَاطِلٌ.
283
لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَمْكِنَةِ الْمَوْجُودَةِ أَحْقَرُ وَأَقَلُّ وَأَصْغَرُ، مِنْ أَنْ يَسَعَ شَيْءٌ مِنْهَا خَالِقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَلَا يُحِيطُ بِهِ شَيْءٌ.
فَانْظُرْ إِيضَاحَ ذَلِكَ فِي الْأَنْعَامِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَزْعُمُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ، مِنْ أَنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنْ صِفَةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْجِهَةَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نَفْيُ الِاسْتِوَاءِ وَالْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ، وَتَأْوِيلُهَا بِمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي كُلُّهُ بَاطِلٌ.
وَسَبَبُهُ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمُدَّعِي لُزُومِ الْجِهَةِ لِظَوَاهِرِ نُصُوصِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَاسْتِلْزَامُ ذَلِكَ لِلنَّقْصِ الْمُوجِبِ لِلتَّأْوِيلِ يُقَالُ لَهُ:
مَا مُرَادُكَ بِالْجِهَةِ؟
إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَكَانًا مَوْجُودًا انْحَصَرَ فِيهِ اللَّهُ، فَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ الْعَدَمَ الْمَحْضَ.
فَالْعَدَمُ عِبَارَةٌ عَنْ لَا شَيْءٍ.
فَمَيِّزْ أَوَّلًا بَيْنَ الشَّيْءِ الْمَوْجُودِ، وَبَيْنَ لَا شَيْءٍ.
وَقَدْ قَالَ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ:
فَإِنْ سُئِلْنَا: أَتَقُولُونَ: إِنَّ لِلَّهِ يَدَيْنِ؟ قِيلَ: نَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [٤٨ ١٠]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥].
وَأَطَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلَامَ فِي ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَةِ الْيَدَيْنِ لِلَّهِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَ مَا نَصُّهُ:
وَيُقَالُ لَهُمْ: لِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَى بِقَوْلِهِ: يَدَيَّ يَدَيْنِ لَيْسَتَا نِعْمَتَيْنِ.
فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ الْيَدَ إِذَا لَمْ تَكُنْ نِعْمَةً لَمْ تَكُنْ إِلَّا جَارِحَةً.
فَانْظُرْ إِيضَاحَ ذَلِكَ فِي الْأَنْعَامِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا يَزْعُمُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْجَهَلَةِ، مِنْ أَنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ مِنْ صِفَةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ يَسْتَلْزِمُ الْجِهَةَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ نَفْيُ الِاسْتِوَاءِ وَالْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ، وَتَأْوِيلُهَا بِمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعَانِي كُلُّهُ بَاطِلٌ.
وَسَبَبُهُ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ وَبِكِتَابِهِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَمُدَّعِي لُزُومِ الْجِهَةِ لِظَوَاهِرِ نُصُوصِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ. وَاسْتِلْزَامُ ذَلِكَ لِلنَّقْصِ الْمُوجِبِ لِلتَّأْوِيلِ يُقَالُ لَهُ:
مَا مُرَادُكَ بِالْجِهَةِ؟
إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ مَكَانًا مَوْجُودًا انْحَصَرَ فِيهِ اللَّهُ، فَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِالْجِهَةِ الْعَدَمَ الْمَحْضَ.
فَالْعَدَمُ عِبَارَةٌ عَنْ لَا شَيْءٍ.
فَمَيِّزْ أَوَّلًا بَيْنَ الشَّيْءِ الْمَوْجُودِ، وَبَيْنَ لَا شَيْءٍ.
وَقَدْ قَالَ أَيْضًا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ أَيْضًا مَا نَصُّهُ:
فَإِنْ سُئِلْنَا: أَتَقُولُونَ: إِنَّ لِلَّهِ يَدَيْنِ؟ قِيلَ: نَقُولُ ذَلِكَ، وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [٤٨ ١٠]، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥].
وَأَطَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلَامَ فِي ذِكْرِ الْأَدِلَّةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ صِفَةِ الْيَدَيْنِ لِلَّهِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ مَا قَالَ مَا نَصُّهُ:
وَيُقَالُ لَهُمْ: لِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنَى بِقَوْلِهِ: يَدَيَّ يَدَيْنِ لَيْسَتَا نِعْمَتَيْنِ.
فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّ الْيَدَ إِذَا لَمْ تَكُنْ نِعْمَةً لَمْ تَكُنْ إِلَّا جَارِحَةً.
284
قِيلَ لَهُمْ: وَلِمَ قَضَيْتُمْ أَنَّ الْيَدَ إِذَا لَمْ تَكُنْ نِعْمَةً لَمْ تَكُنْ إِلَّا جَارِحَةً؟
فَإِنَّ رُجُوعَنَا إِلَى شَاهِدِنَا، وَإِلَى مَا نَجِدُهُ فِيمَا بَيْنَنَا مِنَ الْخَلْقِ؟
فَقَالُوا: الْيَدُ إِذَا لَمْ تَكُنْ نِعْمَةً فِي الشَّاهِدِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا جَارِحَةً.
قِيلَ لَهُمْ: إِنْ عَمِلْتُمْ عَلَى الشَّاهِدِ وَقَضَيْتُمْ بِهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَذَلِكَ لَمْ نَجِدْ حَيًّا مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا جِسْمًا لَحْمًا وَدَمًا، فَاقْضُوا بِذَلِكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَإِلَّا فَأَنْتُمْ لِقَوْلِكُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَلِاعْتِلَالِكُمْ نَاقِضُونَ.
وَإِنْ أَثْبَتُّمْ حَيًّا لَا كَالْأَحْيَاءِ مِنَّا.
فَلِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الْيَدَانِ اللَّتَانِ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمَا، يَدَيْنِ لَيْسَتَا نِعْمَتَيْنِ، وَلَا جَارِحَتَيْنِ، وَلَا كَالْأَيْدِي؟
وَكَذَلِكَ يُقَالُ لَهُمْ:
لَمْ تَجِدُوا مُدَبِّرًا حَكِيمًا إِلَّا إِنْسَانًا، ثُمَّ أَثْبَتُّمْ أَنَّ لِلدُّنْيَا مُدَبِّرًا حَكِيمًا، لَيْسَ كَالْإِنْسَانِ، وَخَالَفْتُمُ الشَّاهِدَ وَنَقَضْتُمُ اعْتِلَالَكُمْ.
فَلَا تَمْنَعُوا مِنْ إِثْبَاتِ يَدَيْنِ لَيْسَتَا نِعْمَتَيْنِ وَلَا جَارِحَتَيْنِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الشَّاهِدِ انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْمُئَوِّلُونَ كَصِفَةِ الْيَدِ، مِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَالْحَيَاةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ الْبَتَّةَ بَيْنَ صِفَةِ الْيَدِ وَصِفَةِ الْحَيَاةِ فَمَا اتَّصَفَ اللَّهُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ مَا اتَّصَفَ بِهِ الْخَلْقُ مِنْهُ.
وَاللَّازِمُ لِمَنْ شَبَّهَ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ وَنَزَّهَ فِي بَعْضِهَا أَنْ يُشْبِّهَ فِي جَمِيعِهَا أَوْ يُنَزِّهَ فِي جَمِيعِهَا، كَمَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ.
أَمَّا ادِّعَاءُ ظُهُورِ التَّشْبِيهِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، فَلَا وَجْهَ لَهُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ خَلْقِهِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُشَارِ إِلَيْهَا آنِفًا فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ مَا نَصُّهُ:
فَإِنَّ رُجُوعَنَا إِلَى شَاهِدِنَا، وَإِلَى مَا نَجِدُهُ فِيمَا بَيْنَنَا مِنَ الْخَلْقِ؟
فَقَالُوا: الْيَدُ إِذَا لَمْ تَكُنْ نِعْمَةً فِي الشَّاهِدِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا جَارِحَةً.
قِيلَ لَهُمْ: إِنْ عَمِلْتُمْ عَلَى الشَّاهِدِ وَقَضَيْتُمْ بِهِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَذَلِكَ لَمْ نَجِدْ حَيًّا مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا جِسْمًا لَحْمًا وَدَمًا، فَاقْضُوا بِذَلِكَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَإِلَّا فَأَنْتُمْ لِقَوْلِكُمْ مُتَأَوِّلُونَ وَلِاعْتِلَالِكُمْ نَاقِضُونَ.
وَإِنْ أَثْبَتُّمْ حَيًّا لَا كَالْأَحْيَاءِ مِنَّا.
فَلِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الْيَدَانِ اللَّتَانِ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمَا، يَدَيْنِ لَيْسَتَا نِعْمَتَيْنِ، وَلَا جَارِحَتَيْنِ، وَلَا كَالْأَيْدِي؟
وَكَذَلِكَ يُقَالُ لَهُمْ:
لَمْ تَجِدُوا مُدَبِّرًا حَكِيمًا إِلَّا إِنْسَانًا، ثُمَّ أَثْبَتُّمْ أَنَّ لِلدُّنْيَا مُدَبِّرًا حَكِيمًا، لَيْسَ كَالْإِنْسَانِ، وَخَالَفْتُمُ الشَّاهِدَ وَنَقَضْتُمُ اعْتِلَالَكُمْ.
فَلَا تَمْنَعُوا مِنْ إِثْبَاتِ يَدَيْنِ لَيْسَتَا نِعْمَتَيْنِ وَلَا جَارِحَتَيْنِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ الشَّاهِدِ انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْمُئَوِّلُونَ كَصِفَةِ الْيَدِ، مِنْ جُمْلَةِ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَالْحَيَاةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ الْبَتَّةَ بَيْنَ صِفَةِ الْيَدِ وَصِفَةِ الْحَيَاةِ فَمَا اتَّصَفَ اللَّهُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ مَا اتَّصَفَ بِهِ الْخَلْقُ مِنْهُ.
وَاللَّازِمُ لِمَنْ شَبَّهَ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ وَنَزَّهَ فِي بَعْضِهَا أَنْ يُشْبِّهَ فِي جَمِيعِهَا أَوْ يُنَزِّهَ فِي جَمِيعِهَا، كَمَا قَالَهُ الْأَشْعَرِيُّ.
أَمَّا ادِّعَاءُ ظُهُورِ التَّشْبِيهِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ، فَلَا وَجْهَ لَهُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّ الْمَوْصُوفَ بِهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ خَلْقِهِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُشَارِ إِلَيْهَا آنِفًا فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ مَا نَصُّهُ:
285
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [٣٦ ٧١]، وَقَوْلُهُ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥] عَلَى الْمَجَازِ؟.
قِيلَ لَهُ: حُكْمُ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَلَا يَخْرُجُ الشَّيْءُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى الْمَجَازِ إِلَّا لِحُجَّةٍ.
أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ الْعُمُومَ، فَإِذَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، فَلَيْسَ هُوَ عَلَى حَقِيقَةِ الظَّاهِرِ؟
وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ بِمَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ عَنِ الْعُمُومِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؟
كَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ مِنْ إِثْبَاتِ الْيَدَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ بِهِ عَنْ ظَاهِرِ الْيَدَيْنِ إِلَى مَا ادَّعَاهُ خُصُومُنَا إِلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لِمُدَّعٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ مَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ، فَهُوَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَمَا ظَاهَرُهُ الْخُصُوصُ فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ.
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ هَذَا لِمُدَّعِيهِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ لَمْ يَجُزْ لَكُمْ مَا ادَّعَيْتُمُوهُ أَنَّهُ مَجَازٌ بِغَيْرِ حُجَّةٍ.
بَلْ وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ إِثْبَاتُ يَدَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرَ نِعْمَتَيْنِ إِذَا كَانَتِ النِّعْمَتَانِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: فَعَلْتُ بِيَدِيَّ وَهُوَ يَعْنِي النِّعْمَتَيْنِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَفِيهِ تَصْرِيحُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، بِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ كَصِفَةِ الْيَدِ ثَابِتَةٌ لَهُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَأَنَّ الْمُدَّعِينَ أَنَّهَا مَجَازٌ هُمْ خُصُومُهُ وَهُوَ خَصْمُهُمْ كَمَا تَرَى.
وَإِنَّمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِهَا حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّ ظَاهِرَ صِفَةِ اللَّهِ هُوَ مُخَالَفَةُ صِفَةِ الْخَلْقِ، وَتَنْزِيهُهَا عَنْ مُشَابَهَتِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ السَّلَفِ الصَّالِحِ كُلِّهِمْ.
فَإِثْبَاتُ الْحَقِيقَةِ وَنَفْيُ الْمَجَازِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ هُوَ اعْتِقَادُ كُلِّ مُسْلِمٍ طَاهِرِ الْقَلْبِ مِنْ أَقْذَارِ التَّشْبِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْبِقُ إِلَى ذِهْنِهِ مِنَ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الصِّفَةِ كَصِفَةِ الْيَدِ وَالْوَجْهِ إِلَّا أَنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ مُنَزَّهَةٌ عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ.
قِيلَ لَهُ: حُكْمُ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَلَا يَخْرُجُ الشَّيْءُ عَنْ ظَاهِرِهِ إِلَى الْمَجَازِ إِلَّا لِحُجَّةٍ.
أَلَا تَرَوْنَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ ظَاهِرُ الْكَلَامِ الْعُمُومَ، فَإِذَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْعُمُومِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ، فَلَيْسَ هُوَ عَلَى حَقِيقَةِ الظَّاهِرِ؟
وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ بِمَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ عَنِ الْعُمُومِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؟
كَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ مِنْ إِثْبَاتِ الْيَدَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْدَلَ بِهِ عَنْ ظَاهِرِ الْيَدَيْنِ إِلَى مَا ادَّعَاهُ خُصُومُنَا إِلَّا بِحُجَّةٍ.
وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لِمُدَّعٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ مَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ، فَهُوَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَمَا ظَاهَرُهُ الْخُصُوصُ فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ.
وَإِذَا لَمْ يَجُزْ هَذَا لِمُدَّعِيهِ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ لَمْ يَجُزْ لَكُمْ مَا ادَّعَيْتُمُوهُ أَنَّهُ مَجَازٌ بِغَيْرِ حُجَّةٍ.
بَلْ وَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ إِثْبَاتُ يَدَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ غَيْرَ نِعْمَتَيْنِ إِذَا كَانَتِ النِّعْمَتَانِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: فَعَلْتُ بِيَدِيَّ وَهُوَ يَعْنِي النِّعْمَتَيْنِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَفِيهِ تَصْرِيحُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، بِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ كَصِفَةِ الْيَدِ ثَابِتَةٌ لَهُ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، وَأَنَّ الْمُدَّعِينَ أَنَّهَا مَجَازٌ هُمْ خُصُومُهُ وَهُوَ خَصْمُهُمْ كَمَا تَرَى.
وَإِنَّمَا قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِنَّهُ تَعَالَى مُتَّصِفٌ بِهَا حَقِيقَةً لَا مَجَازًا، لِأَنَّهُ لَا يَشُكُّ فِي أَنَّ ظَاهِرَ صِفَةِ اللَّهِ هُوَ مُخَالَفَةُ صِفَةِ الْخَلْقِ، وَتَنْزِيهُهَا عَنْ مُشَابَهَتِهَا كَمَا هُوَ شَأْنُ السَّلَفِ الصَّالِحِ كُلِّهِمْ.
فَإِثْبَاتُ الْحَقِيقَةِ وَنَفْيُ الْمَجَازِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ هُوَ اعْتِقَادُ كُلِّ مُسْلِمٍ طَاهِرِ الْقَلْبِ مِنْ أَقْذَارِ التَّشْبِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَسْبِقُ إِلَى ذِهْنِهِ مِنَ اللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الصِّفَةِ كَصِفَةِ الْيَدِ وَالْوَجْهِ إِلَّا أَنَّهَا صِفَةُ كَمَالٍ مُنَزَّهَةٌ عَنْ مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ.
286
فَلَا يَخْطُرُ فِي ذِهْنِهِ التَّشْبِيهُ الَّذِي هُوَ سَبَبُ نَفْيِ الصِّفَةِ وَتَأْوِيلِهَا بِمَعْنًى لَا أَصْلَ لَهُ.
تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ
فَإِنْ قِيلَ: دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةِ الْيَدَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [٥ ٦٤]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ الْآيَةَ [٣٩ ٦٧].
وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ كَثِيرَةٌ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِصِفَةِ الْأَيْدِي مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ [٣٦ ٧١]، فَلِمَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَقْدِيمِ آيَةِ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ عَلَى آيَةِ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ صِيَغَ الْجُمُوعِ تَأْتِي لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إِرَادَةُ التَّعْظِيمِ فَقَطْ، فَلَا يَدْخُلُ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ تَعَدُّدٌ أَصْلًا، لِأَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ الْمُرَادَ بِهَا التَّعْظِيمُ - إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا وَاحِدٌ.
وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ يَكْثُرُ فِيهِ جِدًّا إِطْلَاقُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى نَفْسِهِ صِيغَةَ الْجَمْعِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْظِيمَ نَفْسِهِ، وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعَدُّدًا وَلَا أَنَّ مَعَهُ غَيْرَهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
فَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا وَفِي قَوْلِهِ: نَحْنُ وَفِي قَوْلِهِ: نَزَّلْنَا وَقَوْلِهِ: لَحَافِظُونَ لَا يُرَادُ بِهَا أَنَّ مَعَهُ مُنَزِّلًا لِلذِّكْرِ، وَحَافِظًا لَهُ غَيْرَهُ تَعَالَى.
بَلْ هُوَ وَحْدَهُ الْمُنَزِّلُ لَهُ وَالْحَافِظُ لَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [٥٦ ٥٨ - ٥٩]، وَقَوْلُهُ: أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [٥٦ ٦٩]، وَقَوْلُهُ: أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [٥٦ ٧٢]، وَنَحْوُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ جِدًّا، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا. وَفِي قَوْلِهِ: خَلَقْنَا وَفِي قَوْلِهِ: عَمِلَتْ أَيْدِينَا إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا التَّعْظِيمُ، وَلَا يُرَادُ بِهَا التَّعَدُّدُ أَصْلًا.
تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ
فَإِنْ قِيلَ: دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ وَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةِ الْيَدَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [٥ ٦٤]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ الْآيَةَ [٣٩ ٦٧].
وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى مِثْلِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ كَثِيرَةٌ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - لَا يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِصِفَةِ الْأَيْدِي مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ [٣٦ ٧١]، فَلِمَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَقْدِيمِ آيَةِ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ عَلَى آيَةِ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَهْلِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، وَلَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ صِيَغَ الْجُمُوعِ تَأْتِي لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا إِرَادَةُ التَّعْظِيمِ فَقَطْ، فَلَا يَدْخُلُ فِي صِيغَةِ الْجَمْعِ تَعَدُّدٌ أَصْلًا، لِأَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ الْمُرَادَ بِهَا التَّعْظِيمُ - إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا وَاحِدٌ.
وَالثَّانِي أَنْ يُرَادَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمَعْرُوفِ، وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ يَكْثُرُ فِيهِ جِدًّا إِطْلَاقُ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - عَلَى نَفْسِهِ صِيغَةَ الْجَمْعِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعْظِيمَ نَفْسِهِ، وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ تَعَدُّدًا وَلَا أَنَّ مَعَهُ غَيْرَهُ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.
فَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا وَفِي قَوْلِهِ: نَحْنُ وَفِي قَوْلِهِ: نَزَّلْنَا وَقَوْلِهِ: لَحَافِظُونَ لَا يُرَادُ بِهَا أَنَّ مَعَهُ مُنَزِّلًا لِلذِّكْرِ، وَحَافِظًا لَهُ غَيْرَهُ تَعَالَى.
بَلْ هُوَ وَحْدَهُ الْمُنَزِّلُ لَهُ وَالْحَافِظُ لَهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [٥٦ ٥٨ - ٥٩]، وَقَوْلُهُ: أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [٥٦ ٦٩]، وَقَوْلُهُ: أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [٥٦ ٧٢]، وَنَحْوُ هَذَا كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ جِدًّا، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا. وَفِي قَوْلِهِ: خَلَقْنَا وَفِي قَوْلِهِ: عَمِلَتْ أَيْدِينَا إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا التَّعْظِيمُ، وَلَا يُرَادُ بِهَا التَّعَدُّدُ أَصْلًا.
287
وَإِذَا كَانَ يُرَادُ بِهَا التَّعْظِيمُ، لَا التَّعَدُّدُ؛ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ بِهَا مُعَارِضَةُ قَوْلِهِ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ، لِأَنَّهَا دَلَّتْ عَلَى صِفَةِ الْيَدَيْنِ. وَالْجَمْعُ فِي قَوْلِهِ: أَيْدِينَا لِمُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ.
وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ فَيَطْلُبُ الدَّلِيلَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْظِيمِ وَاحِدٌ حُكِمَ بِذَلِكَ، كَالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ حُكِمَ بِهِ.
فَقَوْلُهُ مَثَلًا: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [١٥ ٩]، قَامَ فِيهِ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ أَنَّهُ حَافِظٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [٥٦ ٥٩]، أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [٥٦ ٦٩]، أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [٥٦ ٧٢]، فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ وَاحِدٌ، وَمُنْزِلٌ وَاحِدٌ، وَمُنْشِئٌ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [٣٦ ٧١]، فَقَدْ دَلَّ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْيَدَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ قَرِيبًا.
وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: لَحَافِظُونَ [١٥ ٩]، وَقَوْلِهِ: أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [٥٦ ٥٩]، وَقَوْلِهِ: أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [٥٦ ٦٩]، وَقَوْلِهِ: أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [٥٦ ٧٢]، وَقَوْلِهِ: خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [٣٦ ٧١]، لَا يُرَادُ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ فَقَطْ.
وَقَدْ أَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا فِي الْمَعْنَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْيَدَيْنِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ اسْتِعْمَالًا خَاصًّا، بِلَفْظٍ خَاصٍّ لَا تُقْصَدُ بِهِ فِي ذَلِكَ النِّعْمَةُ وَلَا الْجَارِحَةُ وَلَا الْقُدْرَةُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَعْنَى أَمَامٍ.
وَاللَّفْظُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ لَفْظَةُ الْيَدَيْنِ الَّتِي أُضِيفَتْ إِلَيْهَا لَفْظَةُ «بَيْنَ» خَاصَّةً، أَعْنِي لَفْظَةَ «بَيْنَ يَدَيْهِ»، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَمَامُهُ. وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يُقْصَدُ فِيهِ مَعْنَى الْجَارِحَةِ وَلَا النِّعْمَةِ وَلَا الْقُدْرَةِ، وَلَا أَيَّ صِفَةٍ كَائِنَةٍ مَا كَانَتْ.
وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَدُّدِ فَيَطْلُبُ الدَّلِيلَ مِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْظِيمِ وَاحِدٌ حُكِمَ بِذَلِكَ، كَالْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ.
وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَعْنًى آخَرَ حُكِمَ بِهِ.
فَقَوْلُهُ مَثَلًا: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [١٥ ٩]، قَامَ فِيهِ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ أَنَّهُ حَافِظٌ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [٥٦ ٥٩]، أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [٥٦ ٦٩]، أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [٥٦ ٧٢]، فَإِنَّهُ قَدْ قَامَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ وَاحِدٌ، وَمُنْزِلٌ وَاحِدٌ، وَمُنْشِئٌ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [٣٦ ٧١]، فَقَدْ دَلَّ الْبُرْهَانُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِصِفَةِ الْيَدَيْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ قَرِيبًا.
وَقَدْ عَلِمَتْ أَنَّ صِيغَةَ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: لَحَافِظُونَ [١٥ ٩]، وَقَوْلِهِ: أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ [٥٦ ٥٩]، وَقَوْلِهِ: أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ [٥٦ ٦٩]، وَقَوْلِهِ: أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ [٥٦ ٧٢]، وَقَوْلِهِ: خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [٣٦ ٧١]، لَا يُرَادُ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ فَقَطْ.
وَقَدْ أَجَابَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ بِمَا يَقْرُبُ مِنْ هَذَا فِي الْمَعْنَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ لَفْظَ الْيَدَيْنِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ اسْتِعْمَالًا خَاصًّا، بِلَفْظٍ خَاصٍّ لَا تُقْصَدُ بِهِ فِي ذَلِكَ النِّعْمَةُ وَلَا الْجَارِحَةُ وَلَا الْقُدْرَةُ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ مَعْنَى أَمَامٍ.
وَاللَّفْظُ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ لَفْظَةُ الْيَدَيْنِ الَّتِي أُضِيفَتْ إِلَيْهَا لَفْظَةُ «بَيْنَ» خَاصَّةً، أَعْنِي لَفْظَةَ «بَيْنَ يَدَيْهِ»، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ أَمَامُهُ. وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ عَرَبِيٌّ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ لَا يُقْصَدُ فِيهِ مَعْنَى الْجَارِحَةِ وَلَا النِّعْمَةِ وَلَا الْقُدْرَةِ، وَلَا أَيَّ صِفَةٍ كَائِنَةٍ مَا كَانَتْ.
288
وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ أَمَامٌ فَقَطْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ [٣٤ ٣١]، أَيْ وَلَا بِالَّذِي كَانَ أَمَامَهُ سَابِقًا عَلَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ.
وَكَقَوْلِهِ: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ [٥ ٤٦]، أَيْ مُصَدِّقًا لِمَا كَانَ أَمَامَهُ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ.
وَكَقَوْلِهِ: فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [٤١ ٢٥]، فَالْمُرَادُ بِلَفْظِ «مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» مَا أَمَامَهُمْ.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [٧ ٥٧]، أَيْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ أَمَامَ رَحْمَتِهِ الَّتِي هِيَ الْمَطَرُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْيَدَيْنِ فِي ذَلِكَ بِنِعْمَتَيْنِ وَلَا قُدْرَتَيْنِ وَلَا جَارِحَتَيْنِ. وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ، فَهَذَا أُسْلُوبٌ خَاصٌّ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ. بِلَفْظٍ خَاصٍّ مَشْهُورٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَا صِلَةَ لَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْجَارِحَةِ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ وَلَا بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. فَافْهَمْ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ «مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافُ الْمُصَلِّينَ» الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ أَقْوَالَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْمُئَوِّلِينَ وَالنَّافِينَ لِصِفَاتِ اللَّهِ أَوْ بَعْضِهَا مَا نَصُّهُ:
جُمْلَةُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدُّونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.
وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا قَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، وَكَمَا قَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [٥ ٦٤]. إِلَى أَنْ قَالَ فِي كَلَامِهِ هَذَا بَعْدَ أَنْ سَرَدَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - مَا نَصُّهُ:
فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُونَهُ وَيَرَوْنَهُ، وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ، وَإِلَيْهِ
وَكَقَوْلِهِ: وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ [٥ ٤٦]، أَيْ مُصَدِّقًا لِمَا كَانَ أَمَامَهُ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ.
وَكَقَوْلِهِ: فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ [٤١ ٢٥]، فَالْمُرَادُ بِلَفْظِ «مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» مَا أَمَامَهُمْ.
وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ [٧ ٥٧]، أَيْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ أَمَامَ رَحْمَتِهِ الَّتِي هِيَ الْمَطَرُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُ الْيَدَيْنِ فِي ذَلِكَ بِنِعْمَتَيْنِ وَلَا قُدْرَتَيْنِ وَلَا جَارِحَتَيْنِ. وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصِّفَاتِ، فَهَذَا أُسْلُوبٌ خَاصٌّ دَالٌّ عَلَى مَعْنًى خَاصٍّ. بِلَفْظٍ خَاصٍّ مَشْهُورٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَلَا صِلَةَ لَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى الْجَارِحَةِ، بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْإِنْسَانِ وَلَا بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى صِفَةِ الْكَمَالِ وَالْجَلَالِ الثَّابِتَةِ لِلَّهِ تَعَالَى. فَافْهَمْ.
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ «مَقَالَاتُ الْإِسْلَامِيِّينَ وَاخْتِلَافُ الْمُصَلِّينَ» الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ أَقْوَالَ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ وَالْمُئَوِّلِينَ وَالنَّافِينَ لِصِفَاتِ اللَّهِ أَوْ بَعْضِهَا مَا نَصُّهُ:
جُمْلَةُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ الْإِقْرَارُ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، وَمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدُّونَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا.
وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَرْدٌ صَمَدٌ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ، وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا، وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلَى عَرْشِهِ، كَمَا قَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، وَأَنَّ لَهُ يَدَيْنِ بِلَا كَيْفٍ كَمَا قَالَ: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، وَكَمَا قَالَ: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [٥ ٦٤]. إِلَى أَنْ قَالَ فِي كَلَامِهِ هَذَا بَعْدَ أَنْ سَرَدَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - مَا نَصُّهُ:
فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَا يَأْمُرُونَ بِهِ وَيَسْتَعْمِلُونَهُ وَيَرَوْنَهُ، وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقُولُ، وَإِلَيْهِ
289
نَذْهَبُ، وَمَا تَوْفِيقُنَا إِلَّا بِاللَّهِ، وَهُوَ حَسَبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ، وَعَلَيْهِ نَتَوَكَّلُ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ، هَذَا لَفْظُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ وَمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا يَنْفِيهِ بَلْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيُثْبِتُهُ لِلَّهِ، بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ مَا نَصُّهُ:
وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ: لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا يُشْبِهُ الْأَشْيَاءَ وَإِنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَلَا نُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فِي الْقَوْلِ، بَلْ نَقُولُ: اسْتَوَى بِلَا كَيْفٍ. ثُمَّ أَطَالَ الْكَلَامَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِمَعْنَى اسْتَوْلَى. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
فَتَرَاهُ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ، بِأَنَّ تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا قَوْلُهُ هُوَ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَزَادَ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ الْجَهْمِيَّةَ وَالْحَرُورِيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عَنِ الِاعْتِزَالِ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا.
وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ الْحَقِّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ بِالْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [٧ ٥٤].
وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّةَ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ رَجَعُوا قَبْلَ مَوْتِهِمْ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَأْمُونِ الْعَاقِبَةِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا، لَا تَلِيقُ بِاللَّهِ لِظُهُورِهَا وَتَبَادُرِهَا فِي مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ.
ثُمَّ نَفْيِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، لِأَجْلِ تِلْكَ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ الْمَشْئُومَةِ، ثُمَّ تَأْوِيلِهَا بِأَشْيَاءَ أُخَرَ، دُونَ مُسْتَنَدٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَكُلُّ مَذْهَبٍ هَذِهِ حَالُهُ، فَإِنَّهُ جَدِيرٌ بِالْعَاقِلِ الْمُفَكِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ.
وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّهُ يُؤْمِنُ بِكُلِّ مَا جَاءَ عَنِ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ وَمَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرُدُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَلَا يَنْفِيهِ بَلْ يُؤْمِنُ بِهِ وَيُثْبِتُهُ لِلَّهِ، بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ مَا نَصُّهُ:
وَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ: لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا يُشْبِهُ الْأَشْيَاءَ وَإِنَّهُ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى وَلَا نُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فِي الْقَوْلِ، بَلْ نَقُولُ: اسْتَوَى بِلَا كَيْفٍ. ثُمَّ أَطَالَ الْكَلَامَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ مَا نَصُّهُ: وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: إِنَّ اللَّهَ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِمَعْنَى اسْتَوْلَى. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
فَتَرَاهُ صَرَّحَ فِي كِتَابِ الْمَقَالَاتِ الْمَذْكُورِ، بِأَنَّ تَأْوِيلَ الِاسْتِوَاءِ بِالِاسْتِيلَاءِ، هُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا قَوْلُهُ هُوَ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ.
وَزَادَ فِي كِتَابِ الْإِبَانَةِ مَعَ الْمُعْتَزِلَةِ الْجَهْمِيَّةَ وَالْحَرُورِيَّةَ كَمَا قَدَّمْنَا.
وَبِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ رَجَعَ عَنِ الِاعْتِزَالِ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا.
وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ الْحَقِّ فِي آيَاتِ الصِّفَاتِ بِالْأَدِلَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [٧ ٥٤].
وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّةَ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ رَجَعُوا قَبْلَ مَوْتِهِمْ عَنْهُ، لِأَنَّهُ مَذْهَبٌ غَيْرُ مَأْمُونِ الْعَاقِبَةِ ; لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّ ظَوَاهِرَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا، لَا تَلِيقُ بِاللَّهِ لِظُهُورِهَا وَتَبَادُرِهَا فِي مُشَابَهَةِ صِفَاتِ الْخَلْقِ.
ثُمَّ نَفْيِ تِلْكَ الصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، لِأَجْلِ تِلْكَ الدَّعْوَى الْكَاذِبَةِ الْمَشْئُومَةِ، ثُمَّ تَأْوِيلِهَا بِأَشْيَاءَ أُخَرَ، دُونَ مُسْتَنَدٍ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ قَوْلِ صَحَابِيٍّ أَوْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ.
وَكُلُّ مَذْهَبٍ هَذِهِ حَالُهُ، فَإِنَّهُ جَدِيرٌ بِالْعَاقِلِ الْمُفَكِّرِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ.
290
وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ أَنَّ وَصْفَ اللَّهِ بِالِاسْتِوَاءِ صَادِرٌ عَنْ خَبِيرٍ بِاللَّهِ، وَبِصِفَاتِهِ عَالِمٌ بِمَا يَلِيقُ بِهِ، وَبِمَا لَا يَلِيقُ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [٢٥ ٥٩].
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا، بَعْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ، تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ وَصَفَ الرَّحْمَنَ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ خَبِيرٌ بِالرَّحْمَنِ وَبِصِفَاتِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ اللَّائِقُ مِنَ الصِّفَاتِ وَغَيْرُ اللَّائِقِ.
فَالَّذِي نَبَّأَنَا بِأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ هُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَنُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [٣٥ ١٤].
وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الِاسْتِوَاءَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ - غَيْرُ خَبِيرٍ، نَعَمْ وَاللَّهِ هُوَ غَيْرُ خَبِيرٍ.
وَسَنَذْكُرُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ أَئِمَّةَ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمَشْهُورِينَ رَجَعُوا كُلُّهُمْ عَنْ تَأْوِيلِ الصِّفَاتِ.
أَمَّا كَبِيرُهُمُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبُ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالصِّفَاتِ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَيَمْنَعُ تَأْوِيلَهَا مَنْعًا بَاتًّا، وَيَقُولُ فِيهَا بِمِثْلِ مَا قَدَّمْنَا عَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَسَنَذْكُرُ لَكَ هُنَا بَعْضَ كَلَامِهِ.
قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ:
بَابٌ فِي أَنَّ لِلَّهِ وَجْهًا وَيَدَيْنِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجْهًا وَيَدَيْنِ؟ قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [٥٥ ٢٧].
وَقَوْلُهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، فَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ وَجْهًا وَيَدَيْنِ.
فَإِنْ قَالُوا: فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِقُدْرَتِهِ أَوْ بِنِعْمَتِهِ، لِأَنَّ الْيَدَ فِي اللُّغَةِ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ، وَبِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، كَمَا يُقَالُ: لِي عِنْدَ فُلَانٍ يَدٌ بَيْضَاءُ. يُرَادُ بِهِ نِعْمَةٌ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا، بَعْدَ قَوْلِهِ: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ، تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ وَصَفَ الرَّحْمَنَ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ خَبِيرٌ بِالرَّحْمَنِ وَبِصِفَاتِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ اللَّائِقُ مِنَ الصِّفَاتِ وَغَيْرُ اللَّائِقِ.
فَالَّذِي نَبَّأَنَا بِأَنَّهُ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ هُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ الَّذِي هُوَ الرَّحْمَنُ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [٣٥ ١٤].
وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الِاسْتِوَاءَ يَسْتَلْزِمُ التَّشْبِيهَ، وَأَنَّهُ غَيْرُ لَائِقٍ - غَيْرُ خَبِيرٍ، نَعَمْ وَاللَّهِ هُوَ غَيْرُ خَبِيرٍ.
وَسَنَذْكُرُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ أَئِمَّةَ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمَشْهُورِينَ رَجَعُوا كُلُّهُمْ عَنْ تَأْوِيلِ الصِّفَاتِ.
أَمَّا كَبِيرُهُمُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَهُوَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ الطَّيِّبُ الْمَعْرُوفُ بِأَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ، فَإِنَّهُ كَانَ يُؤْمِنُ بِالصِّفَاتِ عَلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ وَيَمْنَعُ تَأْوِيلَهَا مَنْعًا بَاتًّا، وَيَقُولُ فِيهَا بِمِثْلِ مَا قَدَّمْنَا عَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَسَنَذْكُرُ لَكَ هُنَا بَعْضَ كَلَامِهِ.
قَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ الْمَذْكُورُ فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ:
بَابٌ فِي أَنَّ لِلَّهِ وَجْهًا وَيَدَيْنِ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا الْحُجَّةُ فِي أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجْهًا وَيَدَيْنِ؟ قِيلَ لَهُ: قَوْلُهُ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [٥٥ ٢٧].
وَقَوْلُهُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، فَأَثْبَتَ لِنَفْسِهِ وَجْهًا وَيَدَيْنِ.
فَإِنْ قَالُوا: فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَنَّهُ خَلَقَهُ بِقُدْرَتِهِ أَوْ بِنِعْمَتِهِ، لِأَنَّ الْيَدَ فِي اللُّغَةِ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ، وَبِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، كَمَا يُقَالُ: لِي عِنْدَ فُلَانٍ يَدٌ بَيْضَاءُ. يُرَادُ بِهِ نِعْمَةٌ.
291
وَكَمَا يُقَالُ: هَذَا الشَّيْءُ فِي يَدِ فُلَانٍ وَتَحْتَ يَدِ فُلَانٍ، يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ وَفِي مُلْكِهِ.
وَيُقَالُ: رَجُلٌ أَيْدٍ إِذَا كَانَ قَادِرًا.
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا [٣٦ ٧١]، يُرِيدُ عَمِلْنَا بِقُدْرَتِنَا. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ يَعْنِي بِقُدْرَتِي أَوْ نِعْمَتِي.
يُقَالُ لَهُمْ هَذَا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: بِيَدَيَّ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ يَدَيْنِ هُمَا صِفَةٌ لَهُ.
فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمَا الْقُدْرَةُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَتَانِ.
وَأَنْتُمْ لَا تَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْبَارِّي سُبْحَانَهُ قُدْرَةً وَاحِدَةً، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُثْبِتُوا لَهُ قُدْرَتَيْنِ؟
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ وَالنَّافِينَ لَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَعَالَى قُدْرَتَانِ فَبَطَلَ مَا قُلْتُمْ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ بِنِعْمَتَيْنِ ; لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى آدَمَ وَعَلَى غَيْرِهِ لَا تُحْصَى.
وَلِأَنَّ الْقَائِلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: رَفَعْتُ الشَّيْءَ بِيَدَيَّ أَوْ وَضَعْتُهُ بِيَدَيَّ أَوْ تَوَلَّيْتُهُ بِيَدَيَّ وَهُوَ يَعْنِي نِعْمَتَهُ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لِي عِنْدَ فُلَانٍ يَدَانِ يَعْنِي نِعْمَتَيْنِ.
وَإِنَّمَا يُقَالُ لِي عِنْدَهُ يَدَانِ بَيْضَاوَانِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ: يَدٌ - لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْيَدِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الذَّاتِ.
وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ لَمْ يَغْفُلْ عَنْ ذَلِكَ إِبْلِيسُ، وَعَنْ أَنْ يَقُولَ: وَأَيُّ فَضْلٍ لِآدَمَ عَلِيَّ يَقْتَضِي أَنْ أَسْجُدَ لَهُ، وَأَنَا أَيْضًا بِيَدِكَ خَلَقْتَنِي الَّتِي هِيَ قُدْرَتُكَ وَبِنِعْمَتِكَ خَلَقْتَنِي؟
وَفِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَّلَ آدَمَ عَلَيْهِ بِخَلْقِهِ بِيَدَيْهِ - دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا قَالُوهُ.
وَيُقَالُ: رَجُلٌ أَيْدٍ إِذَا كَانَ قَادِرًا.
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا [٣٦ ٧١]، يُرِيدُ عَمِلْنَا بِقُدْرَتِنَا. وَقَالَ الشَّاعِرُ:
إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ | تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ |
يُقَالُ لَهُمْ هَذَا بَاطِلٌ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ: بِيَدَيَّ يَقْتَضِي إِثْبَاتَ يَدَيْنِ هُمَا صِفَةٌ لَهُ.
فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِمَا الْقُدْرَةُ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُدْرَتَانِ.
وَأَنْتُمْ لَا تَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْبَارِّي سُبْحَانَهُ قُدْرَةً وَاحِدَةً، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ تُثْبِتُوا لَهُ قُدْرَتَيْنِ؟
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ وَالنَّافِينَ لَهَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُ تَعَالَى قُدْرَتَانِ فَبَطَلَ مَا قُلْتُمْ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ بِنِعْمَتَيْنِ ; لِأَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى آدَمَ وَعَلَى غَيْرِهِ لَا تُحْصَى.
وَلِأَنَّ الْقَائِلَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ: رَفَعْتُ الشَّيْءَ بِيَدَيَّ أَوْ وَضَعْتُهُ بِيَدَيَّ أَوْ تَوَلَّيْتُهُ بِيَدَيَّ وَهُوَ يَعْنِي نِعْمَتَهُ.
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لِي عِنْدَ فُلَانٍ يَدَانِ يَعْنِي نِعْمَتَيْنِ.
وَإِنَّمَا يُقَالُ لِي عِنْدَهُ يَدَانِ بَيْضَاوَانِ، لِأَنَّ الْقَوْلَ: يَدٌ - لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْيَدِ الَّتِي هِيَ صِفَةُ الذَّاتِ.
وَيَدُلُّ عَلَى فَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ لَمْ يَغْفُلْ عَنْ ذَلِكَ إِبْلِيسُ، وَعَنْ أَنْ يَقُولَ: وَأَيُّ فَضْلٍ لِآدَمَ عَلِيَّ يَقْتَضِي أَنْ أَسْجُدَ لَهُ، وَأَنَا أَيْضًا بِيَدِكَ خَلَقْتَنِي الَّتِي هِيَ قُدْرَتُكَ وَبِنِعْمَتِكَ خَلَقْتَنِي؟
وَفِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَضَّلَ آدَمَ عَلَيْهِ بِخَلْقِهِ بِيَدَيْهِ - دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ مَا قَالُوهُ.
292
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ وَيَدُهُ جَارِحَةً؟ إِذْ كُنْتُمْ لَمْ تَعْقِلُوا يَدَ صِفَةٍ وَوَجْهَ صِفَةٍ لَا جَارِحَةً.
يُقَالُ لَهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجِبُ إِذَا لَمْ نَعْقِلْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إِلَّا جِسْمًا أَنْ نَقْضِيَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ.
وَكَمَا لَا يَجِبُ مَتَى كَانَ قَائِمًا بِذَاتِهِ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا أَوْ جِسْمًا، لِأَنَّا وَإِيَّاكُمْ لَمَ نَجِدْ قَائِمًا بِنَفْسِهِ فِي شَاهِدِنَا إِلَّا كَذَلِكَ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَرَى أَنَّ صِفَةَ الْوَجْهِ، وَصِفَةَ الْيَدِ، وَصِفَةَ الْعِلْمِ، وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ كُلَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي، وَلَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا، وَجَمِيعُ صِفَاتِ اللَّهِ مُخَالَفَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ:
فَإِنْ قَالُوا: فَهَلْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟
قِيلَ: مَعَاذَ اللَّهِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، وَقَالَ تَعَالَى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [٣٥ ١٠]، وَقَالَ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ.
وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَكَانَ فِي جَوْفِ الْإِنْسَانِ وَفَمِهِ وَفِي الْحُشُوشِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهَا، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَلَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ بِزِيَادَةِ الْأَمَاكِنِ إِذْ خَلَقَ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ خَلَقَهُ، وَيَنْقُصَ بِنُقْصَانِهَا إِذَا بَطَلَ مِنْهَا مَا كَانَ.
وَلَصَحَّ أَنْ يُرْغَبَ إِلَيْهِ إِلَى نَحْوِ الْأَرْضِ وَإِلَى وَرَاءِ ظُهُورِنَا وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَشَمَائِلِنَا.
وَهَذَا مَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَتَخْطِئَةِ قَائِلِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ هُوَ اسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ هُوَ الْقُدْرَةُ وَالْقَهْرُ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ قَادِرًا قَاهِرًا عَزِيزًا مُقْتَدِرًا.
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [٢٥ ٥٩]، يَقْتَضِي اسْتِفْتَاحَ هَذَا الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَيُبْطِلُ مَا قَالُوهُ.
يُقَالُ لَهُ: لَا يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَجِبُ إِذَا لَمْ نَعْقِلْ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا إِلَّا جِسْمًا أَنْ نَقْضِيَ نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ.
وَكَمَا لَا يَجِبُ مَتَى كَانَ قَائِمًا بِذَاتِهِ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا أَوْ جِسْمًا، لِأَنَّا وَإِيَّاكُمْ لَمَ نَجِدْ قَائِمًا بِنَفْسِهِ فِي شَاهِدِنَا إِلَّا كَذَلِكَ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَرَى أَنَّ صِفَةَ الْوَجْهِ، وَصِفَةَ الْيَدِ، وَصِفَةَ الْعِلْمِ، وَالْحَيَاةِ وَالْقُدْرَةِ كُلَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي، وَلَا وَجْهَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهَا، وَجَمِيعُ صِفَاتِ اللَّهِ مُخَالَفَةٌ لِجَمِيعِ صِفَاتِ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الْبَاقِلَّانِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ التَّمْهِيدِ مَا نَصُّهُ:
فَإِنْ قَالُوا: فَهَلْ تَقُولُونَ: إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟
قِيلَ: مَعَاذَ اللَّهِ، بَلْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، وَقَالَ تَعَالَى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [٣٥ ١٠]، وَقَالَ: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ.
وَلَوْ كَانَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، لَكَانَ فِي جَوْفِ الْإِنْسَانِ وَفَمِهِ وَفِي الْحُشُوشِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي يُرْغَبُ عَنْ ذِكْرِهَا، تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَلَوَجَبَ أَنْ يَزِيدَ بِزِيَادَةِ الْأَمَاكِنِ إِذْ خَلَقَ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ خَلَقَهُ، وَيَنْقُصَ بِنُقْصَانِهَا إِذَا بَطَلَ مِنْهَا مَا كَانَ.
وَلَصَحَّ أَنْ يُرْغَبَ إِلَيْهِ إِلَى نَحْوِ الْأَرْضِ وَإِلَى وَرَاءِ ظُهُورِنَا وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَشَمَائِلِنَا.
وَهَذَا مَا قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى خِلَافِهِ وَتَخْطِئَةِ قَائِلِهِ، إِلَى أَنْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اسْتِوَائِهِ عَلَى الْعَرْشِ هُوَ اسْتِيلَاؤُهُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
قَدِ اسْتَوَى بِشْرٌ عَلَى الْعِرَاقِ | مِنْ غَيْرِ سَيْفٍ وَدَمٍ مِهْرَاقِ |
وَقَوْلُهُ: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [٢٥ ٥٩]، يَقْتَضِي اسْتِفْتَاحَ هَذَا الْوَصْفِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَيُبْطِلُ مَا قَالُوهُ.
293
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَفَصِّلُوا لِي صِفَاتَ ذَاتِهِ مِنْ صِفَاتِ أَفْعَالِهِ، لِأَعْرِفَ ذَلِكَ.
قِيلَ لَهُ: صِفَاتُ ذَاتِهِ هِيَ الَّتِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهَا.
وَهِيَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْبَقَاءُ وَالْوَجْهُ وَالْعَيْنَانِ وَالْيَدَانِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَقَدْ نَقَلْنَاهُ مِنْ نُسْخَةٍ هِيَ أَجْوَدُ نُسْخَةٍ مَوْجُودَةٍ لِكِتَابِ التَّمْهِيدِ لِلْبَاقِلَانِيِّ الْمَذْكُورِ.
وَتَرَى تَصْرِيحَهُ فِيهَا بِأَنَّ صِفَةَ الْوَجْهِ وَالْيَدِ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ، أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيَّ، كَانَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ أَئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ، وَقَدْ قَرَّرَ التَّأْوِيلَ وَانْتَصَرَ لَهُ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ.
وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ الْعَقِيدَةُ النِّظَامِيَّةُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا:
اخْتَلَفَ مَسَالِكُ الْعُلَمَاءِ فِي الظَّوَاهِرِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَامْتَنَعَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ فَحْوَاهَا وَإِجْرَاؤُهَا عَلَى مُوجَبِ مَا تُبْرِزُهُ أَفْهَامُ أَرْبَابِ اللِّسَانِ مِنْهَا.
فَرَأَى بَعْضُهُمْ تَأْوِيلَهَا، وَالْتِزَامَ هَذَا الْمَنْهَجِ فِي آيِ الْكِتَابِ، وَفِيمَا صَحَّ مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى الِانْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيلِ وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا، وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ.
وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ لِلَّهِ بِهِ عَقَدًا - اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَالْأَوْلَى الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعَ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَمِ الشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ دَرَجَ صَحْبُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَعَانِيهَا وَدَرْكِ مَا فِيهَا وَهُمْ صَفْوَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُشْتَغِلُونَ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ.
وَكَانُوا لَا يَأْلُونَ جُهْدًا فِي ضَبْطِ قَوَاعِدَ الْمِلَّةِ وَالتَّوَاصِي بِحِفْظِهَا وَتَعْلِيمِ النَّاسِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهَا.
قِيلَ لَهُ: صِفَاتُ ذَاتِهِ هِيَ الَّتِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مَوْصُوفًا بِهَا.
وَهِيَ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ وَالْقُدْرَةُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالْكَلَامُ وَالْإِرَادَةُ وَالْبَقَاءُ وَالْوَجْهُ وَالْعَيْنَانِ وَالْيَدَانِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.
وَقَدْ نَقَلْنَاهُ مِنْ نُسْخَةٍ هِيَ أَجْوَدُ نُسْخَةٍ مَوْجُودَةٍ لِكِتَابِ التَّمْهِيدِ لِلْبَاقِلَانِيِّ الْمَذْكُورِ.
وَتَرَى تَصْرِيحَهُ فِيهَا بِأَنَّ صِفَةَ الْوَجْهِ وَالْيَدِ مِنْ صِفَاتِ الْمَعَانِي كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ، كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَا إِيضَاحَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ، أَبَا الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيَّ، كَانَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ أَئِمَّةِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ، وَقَدْ قَرَّرَ التَّأْوِيلَ وَانْتَصَرَ لَهُ فِي كِتَابِهِ الْإِرْشَادِ.
وَلَكِنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ فِي رِسَالَتِهِ الْعَقِيدَةُ النِّظَامِيَّةُ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا:
اخْتَلَفَ مَسَالِكُ الْعُلَمَاءِ فِي الظَّوَاهِرِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَامْتَنَعَ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ فَحْوَاهَا وَإِجْرَاؤُهَا عَلَى مُوجَبِ مَا تُبْرِزُهُ أَفْهَامُ أَرْبَابِ اللِّسَانِ مِنْهَا.
فَرَأَى بَعْضُهُمْ تَأْوِيلَهَا، وَالْتِزَامَ هَذَا الْمَنْهَجِ فِي آيِ الْكِتَابِ، وَفِيمَا صَحَّ مِنْ سُنَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَذَهَبَ أَئِمَّةُ السَّلَفِ إِلَى الِانْكِفَافِ عَنِ التَّأْوِيلِ وَإِجْرَاءِ الظَّوَاهِرِ عَلَى مَوَارِدِهَا، وَتَفْوِيضِ مَعَانِيهَا إِلَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ.
وَالَّذِي نَرْتَضِيهِ رَأْيًا وَنَدِينُ لِلَّهِ بِهِ عَقَدًا - اتِّبَاعُ سَلَفِ الْأُمَّةِ، فَالْأَوْلَى الِاتِّبَاعُ وَتَرْكُ الِابْتِدَاعَ، وَالدَّلِيلُ السَّمْعِيُّ الْقَاطِعُ فِي ذَلِكَ أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ مُتَّبَعَةٌ، وَهُوَ مُسْتَنَدُ مُعْظَمِ الشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ دَرَجَ صَحْبُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِمَعَانِيهَا وَدَرْكِ مَا فِيهَا وَهُمْ صَفْوَةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُشْتَغِلُونَ بِأَعْبَاءِ الشَّرِيعَةِ.
وَكَانُوا لَا يَأْلُونَ جُهْدًا فِي ضَبْطِ قَوَاعِدَ الْمِلَّةِ وَالتَّوَاصِي بِحِفْظِهَا وَتَعْلِيمِ النَّاسِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهَا.
294
فَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ مُسَوِّغًا أَوْ مَحْتُومًا لَأَوْشَكَ أَنْ يَكُونَ اهْتِمَامُهُمْ بِهَا فَوْقَ اهْتِمَامِهِمْ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
فَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُهُمْ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ بِحَقٍّ.
فَعَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنَزُّهَ الرَّبِّ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ، وَلَا يَخُوضُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْكِلَاتِ وَيَكِلُ مَعْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ.
وَمِمَّا اسْتُحْسِنَ مِنْ إِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ.
فَلْتُجْرِ آيَةَ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَقَوْلَهُ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [٥٥ ٢٧]، وَقَوْلَهُ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [٥٤ ١٤]، وَمَا صَحَّ عَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَخَبَرِ النُّزُولِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَهَذَا بَيَانُ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ رُجُوعَ الْجُوَيْنِيِّ فِيهَا إِلَى أَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ.
وَكَذَلِكَ أَبُو حَامِدِ الْغَزَالِيِّ، كَانَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: إِلْجَامُ الْعَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ الصَّرِيحَ الَّذِي لَا مِرَاءَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَائِرِ - هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ، أَعْنِي الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْبُرْهَانَ الْكُلِّيَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي مَذْهَبِ السَّلَفِ وَحْدَهُ يَنْكَشِفُ بِتَسْلِيمِ أَرْبَعَةِ أُصُولٍ مُسَلَّمَةٍ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِصَلَاحِ أَحْوَالِ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
الْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَلَّغَ كُلَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ صَلَاحِ الْعِبَادِ فِي مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، وَلَمْ يَكْتُمْ مِنْهُ شَيْئًا.
فَإِذَا انْصَرَمَ عَصْرُهُمْ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ عَلَى الْإِضْرَابِ عَنِ التَّأْوِيلِ كَانَ ذَلِكَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ الْوَجْهُ الْمُتَّبَعُ بِحَقٍّ.
فَعَلَى ذِي الدِّينِ أَنْ يَعْتَقِدَ تَنَزُّهَ الرَّبِّ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثَاتِ، وَلَا يَخُوضُ فِي تَأْوِيلِ الْمُشْكِلَاتِ وَيَكِلُ مَعْنَاهَا إِلَى الرَّبِّ.
وَمِمَّا اسْتُحْسِنَ مِنْ إِمَامِ دَارِ الْهِجْرَةِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ.
فَلْتُجْرِ آيَةَ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَقَوْلَهُ: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [٣٨ ٧٥]، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [٥٥ ٢٧]، وَقَوْلَهُ: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [٥٤ ١٤]، وَمَا صَحَّ عَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَخَبَرِ النُّزُولِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَهَذَا بَيَانُ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ النِّظَامِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ أَنَّ رُجُوعَ الْجُوَيْنِيِّ فِيهَا إِلَى أَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ أَمْرٌ مَعْلُومٌ.
وَكَذَلِكَ أَبُو حَامِدِ الْغَزَالِيِّ، كَانَ فِي زَمَانِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ بِالتَّأْوِيلِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ.
وَقَالَ فِي كِتَابِهِ: إِلْجَامُ الْعَوَامِّ عَنْ عِلْمِ الْكَلَامِ:
اعْلَمْ أَنَّ الْحَقَّ الصَّرِيحَ الَّذِي لَا مِرَاءَ فِيهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَصَائِرِ - هُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ، أَعْنِي الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْبُرْهَانَ الْكُلِّيَّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ فِي مَذْهَبِ السَّلَفِ وَحْدَهُ يَنْكَشِفُ بِتَسْلِيمِ أَرْبَعَةِ أُصُولٍ مُسَلَّمَةٍ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ.
ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنْ تِلْكَ الْأُصُولِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِصَلَاحِ أَحْوَالِ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ.
الْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ بَلَّغَ كُلَّ مَا أُوحِيَ إِلَيْهِ مِنْ صَلَاحِ الْعِبَادِ فِي مَعَادِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ، وَلَمْ يَكْتُمْ مِنْهُ شَيْئًا.
295
الْأَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ أَعْرَفَ النَّاسِ بِمَعَانِي كَلَامِ اللَّهِ وَأَحْرَاهُمْ بِالْوُقُوفِ عَلَى أَسْرَارِهِ هُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ لَازَمُوهُ وَحَضَرُوا التَّنْزِيلَ وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ.
وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي طُولِ عَصْرِهِمْ إِلَى آخِرِ أَعْمَارِهِمْ مَا دَعَوُا الْخَلْقَ إِلَى التَّأْوِيلِ، وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ مِنَ الدِّينِ أَوْ عِلْمِ الدِّينِ لَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَدَعَوْا إِلَيْهِ أَوْلَادَهُمْ وَأَهْلَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَبِهَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْمُسَلَّمَةِ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ نَعْلَمُ بِالْقَطْعِ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالُوهُ وَالصَّوَابَ مَا رَأَوْهُ.
انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْغَزَالِيِّ هَذَا لِأَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ هُوَ الْحَقُّ - اسْتِدْلَالٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ، وَوُضُوحِ وَجْهِ الدَّلِيلِ فِيهِ، وَأَنَّ التَّأْوِيلَ لَوْ كَانَ سَائِغًا أَوْ لَازِمًا لَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَلِقَالَ بِهِ أَصْحَابُهُ وَتَابَعُوهُمْ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ إِلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَحِفْظِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَاتَ وَعَلَى صَدْرِهِ صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ أَعْظَمَ أَئِمَّةِ التَّأْوِيلِ - رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ مُعْتَرِفًا بِأَنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ هِيَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابَهُ: أَقْسَامُ اللَّذَّاتِ: لَقَدِ اخْتَبَرْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَلَمْ أَجِدْهَا تَرْوِي غَلِيلًا، وَلَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، أَقْرَأُ فِي الْإِثْبَاتِ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [٣٥ ١٠]، وَفِي النَّفْيِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [٤٢ ١١]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [١٩ ٦٥]، وَمُنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي. اهـ.
وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَبْيَاتِهِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا:
وَالْأَصْلُ الرَّابِعُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي طُولِ عَصْرِهِمْ إِلَى آخِرِ أَعْمَارِهِمْ مَا دَعَوُا الْخَلْقَ إِلَى التَّأْوِيلِ، وَلَوْ كَانَ التَّأْوِيلُ مِنَ الدِّينِ أَوْ عِلْمِ الدِّينِ لَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَدَعَوْا إِلَيْهِ أَوْلَادَهُمْ وَأَهْلَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَبِهَذِهِ الْأُصُولِ الْأَرْبَعَةِ الْمُسَلَّمَةِ عِنْدَ كُلِّ مُسْلِمٍ نَعْلَمُ بِالْقَطْعِ أَنَّ الْحَقَّ مَا قَالُوهُ وَالصَّوَابَ مَا رَأَوْهُ.
انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْغَزَالِيِّ هَذَا لِأَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ هُوَ الْحَقُّ - اسْتِدْلَالٌ لَا شَكَّ فِي صِحَّتِهِ، وَوُضُوحِ وَجْهِ الدَّلِيلِ فِيهِ، وَأَنَّ التَّأْوِيلَ لَوْ كَانَ سَائِغًا أَوْ لَازِمًا لَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ، وَلِقَالَ بِهِ أَصْحَابُهُ وَتَابَعُوهُمْ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ إِلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَحِفْظِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالِاعْتِرَافِ بِأَنَّ الْحَقَّ هُوَ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ.
وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَاتَ وَعَلَى صَدْرِهِ صَحِيحُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
وَاعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْفَخْرَ الرَّازِيَّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ أَعْظَمَ أَئِمَّةِ التَّأْوِيلِ - رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْمَذْهَبِ إِلَى مَذْهَبِ السَّلَفِ مُعْتَرِفًا بِأَنَّ طَرِيقَ الْحَقِّ هِيَ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ فِي صِفَاتِ اللَّهِ.
وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابَهُ: أَقْسَامُ اللَّذَّاتِ: لَقَدِ اخْتَبَرْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَلَمْ أَجِدْهَا تَرْوِي غَلِيلًا، وَلَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، أَقْرَأُ فِي الْإِثْبَاتِ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [٢٠ ٥]، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [٣٥ ١٠]، وَفِي النَّفْيِ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [٤٢ ١١]، هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [١٩ ٦٥]، وَمُنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي. اهـ.
وَقَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَعْنَى فِي أَبْيَاتِهِ الْمَشْهُورَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا: