ﰡ
(بسم الله الرّحمن الرّحيم)
سورة محمدقوله تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ- إلى قوله- فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) الآية/ ٤.
فيه بيان كيفية الجهاد، وما يجب التمسك به في محاربتهم، فبيّن أولا ما يجب عند لقاء الكفار، والمنعة قائمة، وهو ضرب الرقاب، لأن عند ذلك تجب هذه الطريقة، ثم بين الحكم إذا نحن أثخناهم وبنّنّا امتناعهم «١»، فأمر أن نشدهم في الوثاق فإما أن نمن أو نفادى، وهذا لأنه تعالى كان قد حرم الأسر بقوله: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) «٢» :
فأباح بهذه الآية أسرهم إذا أثخناهم بالجراح وغيره، وبين أن أمرهم إلى الإمام، فإن شاء منّ عليهم بإطلاق من غير فداء، وإن شاء فادى، وإن شاء قتل، على ما يراد الأصلح للإسلام والمسلمين.
ودل بقوله: (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) : أن ذلك غاية فيما
(٢) سورة الأنفال آية ٦٧.
قال الحسن: في الآية تقديم وتأخير، فكأنه قال: فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها، ثم قال: حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق.
وزعموا أنه ليس للإمام إذا حصل الأسير في يده أن يقتله بل هو بالخيار في ثلاثة مراتب: إما أن يمن أو يفادى أو يسترق.
وقال السدي فيما رواه إسماعيل بن إسحاق: إن ذلك منسوخ بقوله تعالى: (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) «١».
وقال قتادة مثله، وجعل ناسخه قوله تعالى: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) «٢».
وقال إسماعيل بن إسحاق: المن والفداء حقه في الأسير إذا تمكن منه «٣»، ولا يمنع ذلك من القتل الذي سنه الله تعالى في الكفار، فكأن الله تعالى حرم المن والفداء قبل التمكن، وأذن فيهما بعد التمكن، والقتل في الحالتين من حيث الكفر سائغ.
وروى في قوله تعالى: (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) أقوال:
روي عن الحسن: حتى يعبد الله ولا يشرك به، وعن مجاهد: حتى لا يكون دين إلا الإسلام.
(٢) سورة الأنفال آية ٥٧.
(٣) أنظر تفسير الدر المنثور للسيوطي.
حتى يخرج عيسى بن مريم فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة، وتأمن الشاة من الذئب.
قوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ)، الآية/ ٣٣.
احتج به قوم في أن التحلل من التطوع، صلاة كان أو صوما بعد التلبس به لا يجوز، لأن فيه إبطال العمل، وقد نهى الله تعالى عنه.
والجواب عنه: أن المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض، وذلك العمل المفروض ينهى الرجل عن إحباط ثوابه، فأما ما كان فعلا فلا، فإنه ليس واجبا عليه.
فإن زعموا أن اللفظ عام.
قلنا: العام يجوز تخصيصه ووجه تخصيصه أن الفعل تطوع والتطور يقتضي تخيرا، وهذا مستقصى في كتب الفقه «١».
قوله تعالى: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) الآية/ ٣٥.
فيه دليل على منع مهادنة الكفار إلا عند الضرورة، وتحريم ترك الجهاد إلا عند العجز عن مقابلتهم، لضعف يكون بالمسلمين والعياذ بالله.
وهذا إتمام ما أردناه في هذه السورة.