مدنية إلا آية ١٣ فنزلت في الطريق أثناء الهجرة وآياتها ٣٨ نزلت بعد الحديد
ﰡ
مدنية الآية ١٣ فنزلتفي الطريق أثناء الهجرة وآياتها ٣٨ نزلت بعد الهجرة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سورة محمد ﷺ [وتسمى سورة القتال] الَّذِينَ كَفَرُوا يعني كفار قريش، وعموم اللفظ يعم كل كافر، كما أن قوله بعد هذا: والذين آمنوا يعني الصحابة، وعموم اللفظ يصلح لكل مؤمن وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يحتمل أن يكون صدّوا بمعنى: أعرضوا فيكون غير متعد أو يكون بمعنى صدوا الناس فيكون متعديا، وسبيل الله: الإسلام والطاعة أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ أي أبطلها وأحبطها، وقيل:
المراد بأعمالهم هنا ما أنفقوا في غزوة بدر فإن هذه الآية نزلت بعد بدر، واللفظ أعم من ذلك وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ هذا تجريد للاختصاص والاعتناء، بعد عموم قوله:
آمنوا وعملوا الصالحات ولذلك أكده بالجملة الاعتراضية، وهو قوله: وهو الحق من ربهم وَأَصْلَحَ بالَهُمْ قيل: معناه أصلح حالهم وشأنهم، وحقيقة البال الخاطر الذي في القلب، وإذا صلح القلب صلح الجسد كله، فالمعنى: إصلاح دينهم بالإيمان والإخلاص والتقوى.
فَضَرْبَ الرِّقابِ أصله فاضربوا الرقاب ضربا، ثم حذف الفعل وأقام المصدر مقامه، والمراد، اقتلوهم. ولكن عبّر عنه بضرب الرقاب، لأنه الغالب في صفة القتل حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ أي هزمتموهم، والإثخان أن يكثر فيهم القتل والأسر فَشُدُّوا الْوَثاقَ عبارة عن الأسر فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً المن: العتق، والفداء: فك الأسير بمال، وهما جائزان.
فإن مذهب مالك أن الإمام مخيّر في الأسارى بين خمسة أشياء: وهي: المن والفداء والقتل والاسترقاق وضرب الجزية. وقيل: لا يجوز المنّ ولا الفداء لأن الآية منسوخة بقوله: اقتلوا المشركين فلا يجوز على هذا إلا قتلهم. والصحيح أنها محكمة وانتصب منّا وفداء على المصدرية، والعامل فيهما فعلان مضمران حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها الأوزار في اللغة:
مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا أي وليهم وناصرهم، وكذلك وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ معناه: لا ناصر لهم، ولا يصح أن يكون المولى هنا بمعنى السيد، لأن الله مولى المؤمنين والكافرين بهذا المعنى ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله: وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ [الأنعام: ٦٢] لأن معنى المولى مختلف في الموضعين فمعنى مولاهم الحق: ربهم وهذا على العموم في جميع الخلق بخلاف قوله: مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا فإنه خاص بالمؤمنين لأنه بمعنى الولي والناصر وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ عبارة عن كثرة أكلهم، وعن غفلتهم عن النظر كالبهائم مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ يعني مكة. وخروجه صلى الله عليه وآله وسلم من وقت الهجرة، ونسب الإخراج إلى القرية. والمراد أهلها، لأنهم آذوه حتى خرج أَهْلَكْناهُمْ الضمير للقرى المتقدمة المذكورة في قوله: وكأين من قرية وجمعه حملا على المعنى والمراد أهلكنا: أهلها أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ أي على حجة ويعني به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كما يعني قريشا بقوله: كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ واللفظ أعم من ذلك.
استأنفت الشيء إذا ابتدأته وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً يعني المؤمنين والضمير في زادهم لله تعالى أو للكلام الذي قال فيه المنافقون: ماذا قال آنفا. وقيل: يعني بالذين اهتدوا قوما من النصارى آمنوا بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فاهتداؤهم هو إيمانهم بعيسى وزيادة هداهم إسلامهم فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ الضمير للمنافقين، والمعنى هل ينتظرون إلا الساعة لأنها قريبة فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها أي علاماتها والذي كان قد جاء من ذلك مبعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه قال: أنا من أشراط الساعة، وبعثت أنا والساعة كهاتين «٢» فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ أي كيف لهم الذكرى إذا جاءتهم الساعة بغتة؟ فلا يقدرون على عمل ولا تنفعهم التوبة، ففاعل جاءتهم الساعة، وذكراهم مبتدأ وخبره الاستفهام المتقدم، والمراد به الاستبعاد.
فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ أي دم على العلم بذلك، واستدل بعضهم بهذه الآية على أن النظر والعلم قبل العمل، لأنه قدم قوله: فاعلم على قوله: واستغفر وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ قيل: متقلبكم تصرفكم في الدنيا، ومثواكم إقامتكم في القبور. وقيل: متقلبكم تصرفكم في اليقظة، ومثواكم منامكم
لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ كان المؤمنون يقولون ذلك على وجه الحرص على نزول القرآن، والرغبة فيه لأنهم كانوا يفرحون به ويستوحشون من إبطائه مُحْكَمَةٌ يحتمل أن يريد بالمحكمة أي ليس فيها منسوخ، أو يراد متقنة، وقرأ ابن مسعود سورة محدثة رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ يعني المنافقين،
(٢). قوله: بعثت أنا والساعة كهاتين رواه أحمد عن أنس وجابر بن سمرة ج ٣ ص ٢٣٧.
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ هذا خطاب للمنافقين المذكورين خرج من الغيبة إلى الخطاب، ليكون أبلغ في التوبيخ والمعنى هل يتوقع منكم، إلّا فساد في الأرض وقطع الأرحام إن توليتم، ومعنى توليتم: صرتم ولاة على الناس وصار الأمر لكم، وعلى هذا قيل: إنها نزلت في بني أمية. وقيل: معناه أعرضتم عن الإسلام إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ نزلت في المنافقين الذين نافقوا بعد إسلامهم وقيل:
نزلت في قوم من اليهود، كانوا قد عرفوا نبوة سيدنا محمد ﷺ من التوراة ثم كفروا به سَوَّلَ لَهُمْ أي زيّن لهم ورجّاهم ومنّاهم ووَ أَمْلى لَهُمْ أي مدّ لهم في الأماني والآمال، والفاعل هو الشيطان وقيل: الله تعالى والأول أظهر، لتناسب الضمير بين الفاعلين، في سوّل وأملى سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ «١» قال ذلك اليهود للمنافقين، وبعض الأمر: يعنون به مخالفة رسول الله ﷺ ومحاربته فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ أي كيف يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة؟ يعني ملك الموت ومن معه، والفاء رابطة للكلام مع ما قبله.
والمعنى: هذا جزعهم من ذكر القتال، فكيف يكون حالهم عند الموت؟ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ ضمير الفاعل للملائكة، وقيل: إنه للكفار أي يضربون وجوه أنفسهم وذلك ضعيف.
معنى لحن القول مقصده وطريقته، وقيل: اللحن هو الخفي المعنى كالكناية والتعريض، والمعنى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم سيعرفهم من دلائل كلامهم، وإن لم يعرفه الله بهم على التعيين وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ أي نختبركم حَتَّى نَعْلَمَ أي نعلمه علما ظاهرا في الوجود تقوم به الحجة عليكم وقد علم الله الأشياء قبل كونها، ولكنه أراد إقامة الحجة على عباده بما يصدر منهم، وكان الفضيل بن عياض إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبتلينا، فإنك إذا ابتليتنا فضحتنا وهتكت أستارنا وَشَاقُّوا الرَّسُولَ أي خالفوه وعادوه، ونزلت الآية في المنافقين وقيل: في اليهود.
وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ يحتمل أربعة معان: أحدها لا تبطلوا أعمالكم بالكفر بعد الإيمان والثاني لا تبطلوا حسناتكم بفعل السيئات ذكره الزمخشري وهذا على مذهب المعتزلة، خلافا للأشعرية فإن مذهبهم أن السيئات لا تبطل الحسنات. والثالث لا تبطلوا أعمالكم بالرياء والعجب، والرابع لا تبطلوا أعمالكم بأن تقتطعوها قبل تمامها، وعلى هذا أخذ الفقهاء الآية: وبهذا يستدلون على أن من ابتدأ نافلة لم يجز له قطعها، وهذا أبعد هذه المعاني، والأول أظهر لقوله قبل ذلك في الكفار أو المنافقين، وسيحبط أعمالهم فكأنه يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا أعمالكم مثل هؤلاء الذين أحبط الله أعمالهم بكفرهم وصدهم عن سبيل الله ومشاقتهم الرسول فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ هذا قطع بأن من مات على الكفر لا يغفر الله له، وقد أجمع المسلمون على ذلك فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ «١» أي لا تضعفوا عن مقاتلة الكفار وتبتدئوهم بالصلح، هو كقوله: وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها [الأنفال: ٦١] وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ أي لن ينقصكم أجور أعمالكم، يقال: وترت
وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ أي لا يسألكم جميعها إنما يسألكم ما يخفّ عليكم مثل ربع العشر وذلك خفيف إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا معنى يحفكم يلح عليكم، والإحفاء أشد السؤال وتبخلوا جواب الشرط وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ الفاعل الله تعالى أو البخل، والمعنى يخرج ما في قلوبكم من البخل وكراهة الإنفاق هؤُلاءِ منصوب على التخصيص أو منادى لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يعني الجهاد والزكاة وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ أي إنما ضرر بخله على نفسه فكأنه بخل على نفسه بالثواب الذي يستحقه بالإنفاق وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ أي يأت بقوم على خلاف صفتكم، بل راغبين في الإنفاق في سبيل الله، فقيل إن هذا الخطاب لقريش، والقوم غيرهم هم الأنصار وهذا ضعيف لأن الآية مدنية نزلت والأنصار حاضرون، وقيل:
الخطاب لكل من كان حينئذ بالمدينة، والقوم هم أهل اليمن وقيل فارس.