تفسير سورة سورة محمد من كتاب تفسير القرآن العزيز
المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين
.
لمؤلفه
ابن أبي زَمَنِين
.
المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة محمد صلى الله عليه وسلم وهي مدنية كلها.
ﰡ
قَوْله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيل الله﴾ سَبِيل الْهدى؛ يَعْنِي: الْإِسْلَام ﴿أَضَلَّ أَعْمَالهم﴾ أحبط أَعْمَالهم فِي الْآخِرَة؛ يَعْنِي: مَا عمِلُوا من حسن
﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نزل على مُحَمَّد﴾ صدقُوا بِهِ؛ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُم سيئاتهم﴾ غفرها لَهُم ﴿وَأصْلح بالهم﴾ حَالهم؛ يَعْنِي: يدخلهم الْجنَّة
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِل﴾ يَعْنِي: إِبْلِيس؛ اتبعُوا وسوسته بِالَّذِي دعاهم إِلَيْهِ من عبَادَة الْأَوْثَان ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ﴾ أَي: يبين ﴿للنَّاس أمثالهم﴾ يَعْنِي: صِفَات أَعْمَالهم.
قَالَ محمدٌ: معنى قَول الْقَائِل: ضربت لَك مثلا؛ أَي: بيّنت لَك صنفا من الْأَمْثَال.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ٤ إِلَى آيَة ٦.
﴿فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرّقاب﴾.
يَحْيَى: عَنِ الْمَسْعُودِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث سَرِيَّة إِلَى حَيٍّ فَأَصَابُوهُمْ، فَصَعِدَ رَجُلٌ مِنْهُمْ شَجَرَةً مُلْتَفَّةً أَغْصَانُهَا قَالَ الَّذِي حَضَرَ: قَطَعْنَاهَا فَلا شَيْءَ، وَرَمَيْنَاهَا فَلا شَيْءَ؟ قَالَ: فَجَاءُوا بِنَارٍ فَأُضْرِمَتْ فِيهَا فَخَرَّ الرَّجُلُ مَيِّتًا فَبلغ ذَلِك رَسُول الله فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لأُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ! وَلَكِنْ بُعِثْتُ بِضَرْبِ الأَعْنَاقِ وَالْوَثَاقِ ".
قَوْله:
﴿حَتَّى إِذَا أثخنتموهم فشدوا الوثاق﴾ وَهَذَا فِي الأَسْرى
﴿فَإِمَّا مَنًّا بعد وَإِمَّا فدَاء﴾ لم يكن لَهُم حِين نزلت هَذِه الْآيَة إِذا أخذُوا أَسِيرًا إِلَّا أَن يقادوه أَو يمنون عَلَيْهِ فيرسلوه، وَهِي مَنْسُوخَة نسختها
﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بهم من خَلفهم﴾ الْآيَة؛ فَإِن شَاءَ الإمامُ قتل الْأَسير، وَإِن شَاءَ جعله غنيمَة وَإِن شَاءَ فاداه، وَأما المنُّ بِغَيْر فدَاء فَلَيْسَ ذَلِك لَهُ.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله
﴿أثخنتموهم﴾ يَعْنِي: أَكثرْتُم فيهم الْقَتْل كَقَوْلِه:
﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْض تُرِيدُونَ عرض الدُّنْيَا﴾ أَي: يُبَالغ فِي الْقَتْل.
235
وَقَوله:
﴿فَضرب الرّقاب﴾ منصوبٌ على الْأَمر؛ أَي: فاضربوا الرّقاب. وَقَوله:
﴿فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فدَاء﴾ يَعْنِي: مُنُّوا منًّا، وافدوا فدَاء
﴿حَتَّى تضع الْحَرْب أَوزَارهَا﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: حَتَّى لَا يكون دينٌ إِلَّا الْإِسْلَام.
قَالَ يحيى: وفيهَا تقديمٌ؛ يَقُول: فَإِذا لَقِيتُم الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى تضع الحربُ أوزارَها.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: حَتَّى يضع أهلُ الْحَرْب السَّلَام؛ وَهُوَ الَّذِي ذهب إِلَيْهِ مُجَاهِد، وأصل الْوزر مَا حَملته، فَسُمي السِّلَاح: أوزارًا؛ لِأَنَّهُ يُحْمل، قَالَ الْأَعْشَى:
(وأَعْدَدْتُ للحربِ أَوْزَارَهَا | رِمَاحًا طِوَالًا وَخَيْلًا ذُكُورا) |
يَحْيَى: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: " سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ: إِذَا كَانَ عَلِيَّ إِمَامٌ جَائِرٌ فَلَقِيتُ مَعَهُ أَهْلَ ضَلالَةٍ أَأُقَاتِلُ أَمْ لَا، لَيْسَ بِي حُبُّهُ وَلا مُظَاهَرَتُهُ؟ قَالَ: قَاتِلْ أَهْلَ الضَّلالَةِ أَيْنَمَا وَجَدْتُهُمْ، وَعَلَى الإِمَامِ مَا حَمَلَ، وَعَلَيْكَ مَا حَمَلْتَ ".
يَحْيَى: عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ جِسْرٍ الْمِصِّيصِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى ثَلاثٍ: الْجِهَادُ مَاضٍ مُنْذُ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِلَى آخِرِ فِئَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ تَكُونُ هِيَ الَّتِي تُقَاتِلُ الدَّجَّالَ؛ لَا يَنْقُضُهُ جَوْرُ مَنْ جَارَ،
236
وَالْكَفُّ عَنْ أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَنْ تُكَفِّرُوهُمْ بِذَنْبٍ، وَالْمَقَادِيرُ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا مِنَ اللَّهِ ".
﴿ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُم﴾ بِغَيْر قتال
﴿وَلَكِن لِّيَبْلُوَا﴾ يَبْتَلِي
﴿بَعْضَكُم بِبَعْضٍ﴾.
﴿وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ (ل ٣٢٧) لن يحبطها اللَّه فَإِن أَحْسنُوا غفر لَهُم
237
﴿سيهديهم وَيصْلح بالهم﴾ حَالهم
﴿ويدخلهم الْجنَّة عرفهَا لَهُم﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: يعْرفُونَ مَنَازِلهمْ فِي الْجنَّة [ويهتدون] إِلَيْهَا.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ٧ إِلَى آيَة ١١.
﴿يَا أَيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ينصركم﴾ نصرتهم النَّبِي نصْرَة لله.
﴿وَالَّذين كفرُوا فتعسا لَهُم﴾ تَفْسِير الْحسن: أَن التَّعْسَ شتم من اللَّه لَهُم، وَهِي كلمةٌ عَرَبِيَّة.
قَالَ محمدٌ: قيل: إِن معنى (تعساً لَهُم): بُعدًا لَهُم، وَقَالُوا: تَعِسَ الرجل، وفيهَا لُغَة أُخْرَى تَعَسَ بِفَتْح العيْن، وأَتْعَسْتُهُ أَنا؛ أَي: أشقيته، وتعسًا منصوبٌ على معنى: أتعسهم الله.
﴿وأضل أَعْمَالهم﴾ أحبطَ مَا كَانَ مِنْهَا حسنا.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ الله﴾ الْقُرْآن
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قبلهم﴾ أَي: أهلكهم اللَّه ﴿وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا﴾ يَعْنِي: عَاقِبَة الَّذين تقوم عَلَيْهِم السَّاعَة: كفار آخر هَذِه الْأمة؛ يهْلكُونَ بالنفخة الأولى.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: وللكافرين أَمْثَالهَا؛ أَي: أَمْثَال تِلْكَ الْعَاقِبَة.
﴿ذَلِك بِأَن الله مولى﴾ يَعْنِي: وليّ (الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى
238
لَهُمْ} لَا وليَّ لَهُم إِلَّا الشَّيْطَان؛ فَإِنَّهُ وليُّهم، وَقَوله فِي غير هَذِه السُّورَة:
﴿ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحق﴾ فَمَعْنَاه: مالكهم، وَلَيْسَ هُوَ من بَاب ولَايَة الله للْمُؤْمِنين.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ١٢ إِلَى آيَة ١٤.
239
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ﴾ ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ (وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ} وَهِي غافلة عَن الْآخِرَة ﴿وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ﴾ أَي: منزلٌ، يَعْنِي: الَّذين كفرُوا.
﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ﴾ أَي: وَكم من قَرْيَة ﴿هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً﴾ أَهلهَا أشدُّ قُوَّة ﴿مِّن قَرْيَتِكَ﴾ من أهل قريتك ﴿الَّتِي أَخْرَجَتْكَ﴾ أخرجك أَهلهَا؛ يَعْنِي: مَكَّة.
﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ﴾ وَهَذَا الْمُشرك؛ أَي ليسَا بِسَوَاء.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ١٥ إِلَى آيَة ١٧.
﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾ صفة الْجنَّة ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاء غير آسن﴾ أَي: متغيِّر.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: أَسَنَ الماءُ يَأْسُنُ أُسُونًا وأَسْنًا.
﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طعمه﴾ أَي: لم يخرج من ضلوع الْمَوَاشِي فيتغيّر ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّة للشاربين﴾.
قَالَ مُحَمَّد: قَوْله: ﴿لذه﴾ أَي: لذيذة، يُقَال: شرابٌ لَذُّ إِذا كَانَ طيِّبًا.
﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ عسل مصفى﴾ لم يخرج من بطُون النَّحْل ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿فَقطع أمعاءهم﴾ وَهَذَا على الِاسْتِفْهَام، يَقُول: أَهَؤُلَاءِ المتقون الَّذين وُعِدُوا الْجنَّة فِيهَا مَا وصف ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّار﴾ على مَا وصف؟! أَي: لَيْسُوا بِسَوَاء.
﴿وَمِنْهُم من يستمع إِلَيْك﴾ يَعْنِي: الْمُنَافِقين ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعلم مَاذَا قَالَ آنِفا﴾ كَانُوا يأْتونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَمِعُون حَدِيثه من غير حِسْبَة وَلَا يفقهُونَ حَدِيثه؛ فَإِذا خَرجُوا من عِنْده قَالُوا لعبد اللَّه بْن مَسْعُود: مَاذَا قَالَ محمدٌ آنِفا؟ لمْ يفقهوا مَا قَالَ النَّبِي.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿أنفًا﴾ مَعْنَاهُ: السَّاعَة.
قَالَ اللَّه للنَّبِي: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾.
﴿وَالَّذين اهتدوا زادهم هدى﴾ كلما جَاءَهُم من اللَّه شيءٌ صدقوه؛ فَزَادَهُم ذَلِك هدى ﴿وَآتَاهُمْ﴾ أَعْطَاهُم ﴿تقواهم﴾ جعلهم متقين.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ١٨ إِلَى آيَة ١٩.
﴿فَهَل ينظرُونَ﴾ أَي: فَمَا ينتظرون
﴿إِلا السَّاعَةَ﴾ النفخة الأولى الَّتِي يهْلك اللَّه بِهَا كُفَّارُ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ
﴿أَن تأتيهم بَغْتَة﴾ فَجْأَة
﴿فقد جَاءَ أشراطها﴾ كَانَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم من أشراطها، وأشراطها كثير، مِنْهَا انْشِقَاق الْقَمَر، ورَجْمُ الشَّيَاطِين بالنجوم.
قَالَ محمدٌ: معنى (أشراطها): أعلامها، الْوَاحِد مِنْهَا شَرَطٌ - بِالتَّحْرِيكِ - وَأنْشد بَعضهم:
(فَإنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ بالصَّرْمِ بَيْنَنَا | فقد جَعَلَتْ أَشْرَاطُ أَوّلهِ تَبْدُو) |
يَحْيَى: عَنْ أَبِي الأَشْهَبِ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ [كَهَاتَيْنِ. فَمَا فَضَّلَ إِحْدَاهُمْا عَلَى الأُخْرَى، وَجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي يَقُولُ النَّاسُ: السَّبَّابَةُ] ".
241
(ل ٣٢٨) يَحْيَى: عَنْ خَدَاشٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حِينَ بُعِثَ إِلَيَّ بُعِثَ إِلَى صَاحِبِ الصُّورِ فَأَهْوَى بِهِ إِلَى فِيهِ، وَقَدَّمَ رِجْلًا وَأَخَّرَ أُخْرَى، يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرْ يَنْفُخْ، أَلَا فَاتَّقُوا النَّفْخَةَ ".
﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ أَي: فَكيف لَهُم تَوْبَتهمْ إِذا جَاءَتْهُم السَّاعَة؟! أَي: أَنَّهَا لَا تقبل مِنْهُم
242
﴿وَالله يعلم متقلبكم﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿ومثواكم﴾ إِذا صرتم إِلَيْهِ، والمثوى: الْمنزل الَّذِي يثوون فِيهِ لَا يزولون عَنهُ.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ٢٠ إِلَى آيَة ٢٤.
﴿وَيَقُول الَّذين آمنُوا لَوْلَا﴾ هلا ﴿نُزِّلَتْ سُورَةٌ﴾ ﴿محكمَة﴾ أَي: مفروضٌ فِيهَا الْقِتَال.
﴿رَأَيْتَ الَّذين فِي قُلُوبهم مرض﴾ يَعْنِي: الْمُنَافِقين ﴿يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ من الْمَوْت﴾ خوفًا وكراهية لِلْقِتَالِ ﴿فَأَوْلَى لَهُمْ﴾ هَذَا وعيدٌ من اللَّه لَهُم، ثمَّ انْقَطع الْكَلَام.
قَوْله:
﴿طَاعَة﴾ أَي: طاعةٌ لله وَرَسُوله
﴿وَقَوْلٌ مَعْرُوف﴾ خير مِمَّا أضمروا
242
من النِّفَاق
﴿فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ﴾ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيل اللَّه
﴿فَلَوْ صدقُوا الله﴾ فَكَانَ بَاطِن أَمرهم وَظَاهره صدقا
﴿لَكَانَ خيرا لَهُم﴾ يَعْنِي: بِهِ الْمُنَافِقين.
243
قَالَ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ عَمَّا فِي قُلُوبكُمْ من النِّفَاق حَتَّى تظهروه شركا ﴿أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْض وتقطعوا أَرْحَامكُم﴾ أَي: تقتلُوا قرابتكم.
قَالَ محمدٌ: قَرَأَ نَافِع ﴿عَسِيتُمْ﴾ بكَسْر السِّين، وَقَرَأَ غير وَاحِد من الْقُرَّاء بِالْفَتْح، وَهِي أَعلَى اللغتين وأفصحهما؛ ذكره أَبُو عبيد.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ﴾ عَن الْهدى (وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ عَنهُ
﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ أَي: أَن على قُلُوبهم أقفالها؛ وَهُوَ الطَّبْع.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ٢٥ إِلَى آيَة ٢٩.
﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ من بعد مَا أعْطوا الْإِيمَان، وَقَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة بِالنَّبِيِّ وَالْقُرْآن، يَعْنِي: الْمُنَافِقين
﴿الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ﴾ ﴿زين لَهُم﴾ (وَأَمْلَى لَهُمْ} قَالَ الْحسن: يَعْنِي: وسوس
243
إِلَيْهِم أَنكُمْ تعيشون فِي الدُّنْيَا بِغَيْر عَذَاب، ثمَّ تموتون فتصيرون إِلَى غير عَذَاب
244
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بعض الْأَمر﴾ أَي: فِي الشّرك وافقوهم على الشّرك؛ فِي السِّرِّ ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إسرارهم﴾.
قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ بِفَتْح الْألف فَهُوَ جمع (سر).
﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوههم وأدبارهم﴾ تَفْسِير الْحسن: ﴿توفتهم الْمَلَائِكَة﴾ حشرتهم إِلَى النَّار ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وأدبارهم﴾ فِي النَّار.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى: فَكيف تكون حالُهم إِذا فعلت الْمَلَائِكَة هَذَا بهم؟!
﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مرض﴾ وهم المُنَافِقُونَ ﴿أَنْ لَنْ يُخْرِجَ الله أضغانهم﴾ يَعْنِي: مَا يكنون فِي صُدُورهمْ من الشّرك.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ٣٠ إِلَى آيَة ٣١.
﴿وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ يَعْنِي: نعتهم من غير أَن تعرفهم
﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ يَعْنِي: تَعَلُّلَهم وَمَا كَانُوا يَعْتَذِرُونَ بِهِ من الْبَاطِل فِي الغَزْوِ، وَفِيمَا يكون مِنْهُم من القَوْل، ثمَّ أخبرهُ اللَّه بهم، فَلم يخف على رَسُول الله بعد هَذِه الْآيَة منافقٌ، وأَسَرَّهم النَّبِي إِلَى حُذَيْفَة.
قَالَ محمدٌ: (فِي لحن القَوْل) أَي: فِي لحن كَلَامهم وَمَعْنَاهُ، وأصل الْكَلِمَة
244
من قَوْلهم: لَحِنْتُ أَي: بيَّنتُ، وأَلْحَنْتُ الرجلَ فَلَحِنَ؛ أَي: فهَّمتُه ففهم.
﴿وَالله يعلم أَعمالكُم﴾ من قبل أَن تعملوا.
245
﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ﴾ وَهَذَا علم الفَعَال ﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ أَي: نختبركم؛ فنعلم من يصدق فِيمَا أَعْطي من الْإِيمَان وَمن يكذب.
تَفْسِير سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ٣٢ إِلَى آيَة ٣٥.
﴿وشاقوا الرَّسُول﴾ فارقوه وعادوه ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تبين لَهُم الْهدى﴾ من بعد مَا قَامَت عَلَيْهِم الحُجَّة ﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ بكفرهم ﴿وسيحبط أَعْمَالهم﴾.
﴿وَلَا تُبْطِلُوا أَعمالكُم﴾ تَفْسِير السُّدي: لَا تُحْبطوا أَعمالكُم.
﴿فَلَا تهنوا﴾ (ل ٣٢٩) لَا تضعفوا فِي الْجِهَاد
﴿وَتَدْعُوا إِلَى السّلم﴾ الصُّلْح، أَي: لَا تدعوا إِلَى الصُّلْح
﴿وَأَنْتُم الأعلون﴾ أَي: منصورون؛ بقوله للْمُؤْمِنين
﴿وَالله مَعكُمْ﴾ ناصركم
﴿وَلنْ يتركم أَعمالكُم﴾ أَي: لن ينقصكم
245
شَيْئا من ثَوَاب أَعمالكُم.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: وَتَرْتَنِي حقِّي: أَي بَخَسْتَنِيه، وَهُوَ الوِتْر بِكَسْر الْوَاو والتِّرَةُ أَيْضا.
يَحْيَى: عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا، وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ " مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدٍ.
تَفْسِيرُ سُورَة مُحَمَّد من الْآيَة ٣٦ إِلَى آيَة ٣٨.
246
قَوْله: ﴿إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهو﴾ أَي: إِن أهل الدُّنْيَا؛ يَعْنِي: الْمُشْركين الَّذين لَا يُرِيدُونَ غَيرهَا أهل لَهْوٍ ولعبٍ.
﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا وتتقوا يُؤْتكُم أجوركم﴾ ثوابكم ﴿وَلَا يسألكم أَمْوَالكُم﴾ يَعْنِي: النَّبِي
﴿إِن يَسْئَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ﴾ بِالْمَسْأَلَة
﴿تبخلوا﴾ أَي: لَو سألكم أَمْوَالكُم لبخلتم بهَا
﴿وَيخرج أضغانكم﴾ عداوتكم.
246
قَالَ محمدٌ: يُقَال: أَحْفاني بِالْمَسْأَلَة؛ أَي: ألح.
247
﴿هَا أَنْتُم هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله فمنكم من يبخل﴾ بِالنَّفَقَةِ فِي سَبِيل اللَّه؛ يَعْنِي: الْمُنَافِقين
﴿وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَفسه وَالله الْغَنِيّ﴾ عَنْكُم
﴿وَأَنْتُم الْفُقَرَاء﴾ إِلَيْهِ؛ يَعْنِي: جمَاعَة النَّاس
﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا﴾ عَن الْإِيمَان
﴿يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ ويهلككم بالاستئصال
﴿ثُمَّ لَا يَكُونُوا أمثالكم﴾ أَي: يَكُونُوا خيرا مِنْكُم؛ يَقُوله للْمُشْرِكين.
247
تَفْسِير سُورَة الْفَتْح وَهِي مَدَنِيَّة كلهَا
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
تَفْسِير سُورَة الْفَتْح من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٥.
248