ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (١)قوله عزَّ وجلَّ: (أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ).
أحبطها فلا يرون في الآخرة لها جزاء، والمعنى أن حبط ما كان من
صدَقَاتِهِمْ وصلتهم الرحِمَ وأبواب البر بكفرهم، كما قال عزَّ وجلَّ: (كَذَلِكَ يُرِيهُمُ اللَّهُ أعْمَالَهُم حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) وقوله (كَسَرَابٍ بِقيعَةٍ)
وهؤلاء هم الذين صدوا عن النبي - ﷺ -
والدليل على ذلك قوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (٢)
أي كفَّر عَنْهُم وما اقترفوه وَهُمْ كافرونَ لمَّا آمنوا باللَّهِ وبالنبي عليه السلام.
وسائر الأنبياء أجمعين.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ).
أي أصْلَحَ امْرَهُمْ وحالهم.
* * *
وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (٣)
أي الأمر ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل.
وجائز أن يكون ذلك الإضلال لاتباعهم الباطل، وتلك الهداية والكفارات باتباع المؤمنين الحقَ، ثم قال عزَّ وجلَّ:
أي كذلك يبين الله للناس أمثال حسنات المؤمنين وسيئات الكافرين أي
كالبيان الذي ذكر، ومعنى قول القائل: ضربت لك مثلًا، أي بينت لك ضرباً من الأمثال، أي صنفاً منها.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (٤)
معناه فاضربوا الرقاب ضرباً، منصوبٌ على الأمر، وتأويله فإذا لقيتُم
الذين كفروا فاقتلوهم، ولكن أكثر مواقع القتل ضرب العُنُق، فأعلمهم اللَّه
- عزَّ وجلَّ - كيف القصد، وكيف قال: (واضْرِبُوا مِنْهُم كُلً بَنَانٍ)
أي فليس يتوهم بهذا أن الضَّربَ محظور إلَّا على الرقبة فقط.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ).
(أَثْخَنْتُمُوهُمْ) أكثرتم فيهم القتل، كما قال: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)، فالأسر بعد المبالغة في القتل.
ثم قال: (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً).
أي بعد أن تَأسِروهُمْ إِما مننتم عليهم مَنَّا، وإِما أطلقتموهم بفداء.
وقوله: (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا).
(حتى) موصولة بالقتل والأسْرِ، المعنى فاقتلوهم وأسِرُوهُمْ حتى تضع
الحرب أوزارها.
والتفسير حتى يؤمنوا وُيسْلِمُوا، فلا يجب أن تحاربوهم، فما
دام الكفر فالجهاد والحرب قائمة أبداً.
وقوله: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ).
معنى افعلوا ذلك.
(وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ).
أي لو يشاءُ اللَّهُ لَعذَّبَهُمْ وأهلكهم لأنه قادِرٌ عَلَى ذَلِك.
(وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ).
المعنى ولكن أمركم بالحرب ليبلو بعضكم ببعض، أي ليمَحِّصَ اللَّه
المؤمنين ويمحق الكافِرينَ.
وقوله: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ).
ذكر في أول السورة: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) وأعلم أن الذين قاتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم.
ويقرأ عَلَى أربعة أوْجُهٍ:
قَاتَلُوا في سبيل اللَّه، وقُتِلُوا في سبيل اللَّه، على ما لم يسمَّ
فاعله، ويُقْرأ قُتِّلُوا بتشديد التاء، ويُقْرأ قَتَلُوا في سبيل اللَّه، بفتحِ القاف.
* * *
وقوله: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (٥)
يُصْلِحُ لَهُمْ أمر معاشهم في الدنيا مع ما يجازيهم به في الآخرة، كما
قال - عزَّ وجلَّ -: (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ)
أي لو أنهم قبلوا ما فيها وما في الكتب وعملوا به لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرْجُلِهم، وكما قال:
(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (١٢)
فوعد الله عزَّ وجلَّ المؤمنين إصلاح شأنهم وبالهم في الدنيا والآخِرة.
* * *
وقوله: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (٨)
ويجوز أن يكون نصباً على معنى أتعسهم اللَّه.
والتععحم، في اللغة الانْحِطاطُ والعُثور.
* * *
(ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٩)
كرهوا القرآن ونبوة النبي عليه السلام فأحبط اللَّه أعمالهم.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (١٠)
المعنى فينظروا كيف كان عاقبة الكافرين الذين من قبلهم.
(دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ)، أي أهلكهم اللَّه.
(وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) أي أمثال تلك العاقبة، فأهلك الله عزَّ وجل
بالسَّيف من أهلك ممن صدَّ عن النبي - ﷺ -.
* * *
(ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (١١)
أي بأن اللَّه ولي الذين آمنوا يتولاَّهم في جميع أمورِهم في هدايتهم
والنصر على عدوهم.
(وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ).
أي لا وليَّ لهم ينصرهم من اللَّهِ في هِدَايةٍ ولا عُلُوٍّ على المؤمنين، ثم
أعلم اللَّه - عزَّ وجلَّ - ما أعدَّ للمؤِمنين مع النصر والتمكين، وما أعدَّ للكافرين مع الخذلان والإِضلال فقال: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (١٢)
ثم بين صفات تلك الجنات وقال:
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ).
والمثوى المنزل.
* * *
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (١٣)
أي الذين أخرجوك أهلكناهم بتكذيبهم للرسل فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ.
ثم أعلم فقال:
* * *
(أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ
(١٤)
وهذه ألفُ توقِيفٍ وتَقْرِيرٍ، لأن الجواب معلوم، كما أنك إِذا قلْتَ من
يفعل السيئات يشق، ومن يفعل الحسنات يَسْعَد، ثم قلت: الشقاء أحب إليك أم السعادَة. فقد علم أن الجواب السعَادَة، فهذا مجرى ألف التوقيف
والتقرير.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ (١٥)
(مَثَلُ الْجَنَّةِ).
تفسير لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، ففسر تلك الأنهار فقال: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي مما عرفتموه من الدنيا من جناتها وأنهارها جنَّةٌ (فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ).
ويقرأ من ماء غير أسِنٍ، ويجوز في العربية أسْنٍ، يقال أَسَنَ الماءُ يأسِن
فهو آسِنٌ، ويقال: أسَنَ الماءُ فهو أَسِنٌ إذا تغيرت رائحته، فأعلم اللَّه
- عزَّ وجلَّ - أن أنهار الجنة لا تَتَغير رائحة مائها، ولايَأسَن.
(وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ).
أي لا يدخله ما يدخل ألبان الدنيا من التغيرِ.
(وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ).
ليس فيها غَوْلٌ أي لا تُسْكِرُ وَلاَ تفنى.
(وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى).
معناه مصفى لم يخرج من بطون النحل فَيخالطه الشَمْع.
(وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ).
وقيل إن المعنى صِفَةُ الجنَّةِ، وهو نحَوٌ مِما فَسَّرَنَا.
ثم قال: (وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ).
أي لهم فيها من كل الثمَرات وَلَهُم مَغْفِرةٌ من رَبهمْ، يَغْفِر ذُنُوبَهُمْ ولا
يجازون بالسيئات، ولا يوَبَّخُونَ في الجنَّةِ، فَيُهكوْنَ الفوز العظيم والعَطاءَ
الجَزِيلَ.
ثم قال:
(كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).
المعنى أفمن كان على بَينَةٍ من رَبِّه وأُعْطَىْ هَذِهِ الأشْيَاء، كمَن زُيِّنَ له
سوء عمله وهو خَالِدٌ في النَّارِ.
(وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).
واحد الأمعاء مِعًى، مثل ضِلَع وَأضْلَاع.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٦)
يعني المنافقين.
(حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا).
كانُوا يَسْمُعونَ خطبة النبي - ﷺ - فإذا خرجوا سألوا أصحاب رسول الله استهزاء وإعلاماً أنهم لم يلتفتوا إلى ما قال، فقالوا: مَاذَا قَال آنِفاً، أي ماذا قال الساعة، ومعنى آنفاً من قولك استأنَفْتُ الشيء إذا ابْتَدَأتُه، ورَوْضَة أُنُفٌ، إذَا لَمْ تُرْعَ بَعْدُ، أي لها أولٌ يُرعَىْ، فالمعنى ماذا قال من أول وَقْتٍ يَقْرُب مِنَّا.
وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (١٧)
الضمير الذي في (زَادَهُمْ) يجوز أن يكون فيه أحدُ ثلاثة أوْجُهٍ:
فأجْوَدُهَا - واللَّه أعلم - أن يكون فيه ذكر الله، فيكون المعنى مردُوداً على
ويجوز أن يَكونَ الضَميرُ في (زَادَهم) قول الرسول - ﷺ -.
فيكون المعنى وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ ما قال رسول اللَّه هُدًى.
ويجوز أن يكون زَادَهم إعراضُ المنافقين واستهزاؤهم هُدًى.
قوله: (وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ).
يجوز أن يكون وَألهمهم تقواهم، كما قال عزَّ وجلَّ: (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا).
ويجوز أن يكون - واللَّه أعلم - وآتَاهمْ ثَوَابَ تَقْوَاهُمْ.
* * *
وقوله - عزَّ وجلَّ - (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ (١٨)
ويقرأ " إِلَّا السَّاعَةَ إِنْ تَأْتِهمْ " بغير ياء، والأولى أجْوَد لموافقة المصحف.
وموضع " أن " نَصْبٌ البدَلِ مِنَ السَّاعَةِ.
المعنى فهل ينظرون إِلا أن تأتِيَهُمْ السَّاعَة بَغْتةً.
وهذا البدل المشتمل على الأول في المعنى وهو نحو
قوله (وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ)
المعنى لولا أن تطؤوا رِجالاً مؤمِنين ونساءً مؤمِنَاتٍ.
ومعنى (هَلْ يَنْظُرُونَ) هَلْ يَنْتَظِرونَ واحِدٌ.
ومن قرأ: إن تأتهم " (فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) فعلى الشرط والجزاء.
وأشراطها أعلامها.
(فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ).
المعنى فمن أين لهم ذكراهم إذا جاءتهم الساعة، و (ذِكْرَاهُمْ) في موضع
رفع بقوله (فَأَنَّى).
هذه الفاء جاءت للجزاء، المعنى قد بَيَّنَا مَا يَدل على أنَّ الله وَاحِدٌ
فأعلم اللَّه أنه لا إِله إلا اللَّه، والنبي عليه السلام قد علم ذلك ولكنه خطاب
يدخل الناس فيه مع النبي - ﷺ -، كما قال الله عزَّ وجلَّ: (يَا أيها النبي إذا طلقتم ْالنساء)، والمعنى من عَلِمَ فليقم على ذلك العلم، كما قال: (اهْدِنَا الصِرَاطَ المسْتقيم) أي ثبتنا على الهداية.
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ).
أي يعلم متصرفاتكم ويعلم مثواكم، أي يعلم أين مقامكم في الدنيا
والآخرة.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ (٢٠)
كان المؤمنون - رحمهم اللَّه - يأنسون بالوحي ويسْتَوْحِشُونَ لإِبْطائِه
فلذلك قالوا: (لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ).
(فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ).
ومعنى (مُحْكَمَةٌ)، غير منسوخة، فإذا ذكر فيها فَرْضُ القِتَالِ
(رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) يعنى المنافقين.
(يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ).
لأنهم منافقون يكرهون القتال، لأنهم إذا قعدوا عنه ظَهَرَ نِفَاقُهُمْ، فَخَافوا
عَلَى أنْفُسِهِم القَتْل.
(فَأَوْلَى لَهُمْ).
(أَوْلَى لَهُمْ) وعيدٌ وتَهَدُدٌ، المعنى وَلِيَهُم المكروهُ
* * *
وقوله: (طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ (٢١)
قولهم أولًا طاعة وقول معروف.
ويجوز - واللَّه أعلم - أن يكون المعنى فإذا أنزلت سورة ذات طاعة أي يؤمر فيها بالطاعة، وقول معروف، فيكون المعنى فإذا أنزلت سورة ذات طاعة وقول معروف.
* * *
(فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ).
المعنى فإذا جَدَّ الامْرُ ولزم فرض القتال، فلو صدقوا اللَّه فآمنوا بالنبي - ﷺ - وعملوا بما نزل عليه وما أمروا به من فرض القتال لكان خيراً لهم.
المعنى لكان صدقهم اللَّه بإِيمانِهِمْ خيراً لهم.
* * *
وقوله: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)
وقرأ نافع " فَهَلْ عَسِيتُمْ " واللغة الجيدة البالغة عَسَيْتُمْ - بفتح السين ولو
جاز عَسِيتُمْ لجاز أن تقول: عَسِيَ رَبُّكُمْ أنْ يَرْحَمَكُمْ.
ويقرأ (إِنْ تُوُلِّيتُمْ) و (إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) - بضم التاء وفتحها.
(أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ).
فمن قرأ (تَوَلَّيْتُمْ) - بالفتح - ففيها وجهان:
أحَدَهُمَا أن يكون المعنى لعلكم إن توليتم عما جاءكم به النبي أنْ تَعُودُوا إلى أمر الجاهلية، فتفسدوا وَيَقْتُلُ بعضكم بعضاً.
(وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)، أي تئدوا البنات، أي تدفنوهن أحياء.
ويجوز أن يكون فلعلكم إن توليتم الأمر أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا
أرحَامَكُمْ، ويَقْتُلُ قُريشٌ بَنِي هاشم، وبَنو هَاشِم قُريْشاً، وكذلِكَ إن توليتم.
* * *
وقوله: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥)
المعنى رجعوا - بعد سماع الهدى وتَبَيُّنِهِ - إلى الكُفرْ.
وقوله: (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ).
(وَأمْلَى لهم)، أملى اللَّه لهم كما قال:
(إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) معناه إنما نؤخرهم.
وقد قرئت (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأُمْلِي لَهُمْ) على الإخبار عَنِ اللَّه عزَّ وجلَّ، المعنى وأنَا أُمْلِي.
وقُرئت (وَأُمْلِيَ لَهُمْ) بفتح الياء على ما لم يسم فاعله (١).
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦)
المعنى - والله أعلم - الأمر ذلك أي ذلك الِإضلال بقولهم للذين
كرهوا ما نزل اللَّه، وجاء في التفسير أنهم اليهود، قالوا سنطيعكم في بعض
الأمر، أي سنطيعكم في التظاهر على عداوة النبي - ﷺ -
(وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَسْرَارَهُمْ).
و (إِسْرَارَهُمْ) قرئ بهما جميعاً، فمن قرأ (أَسْرَارَهُمْ) - بالفتح - فهُو جمعُ سِرٍّ
وأسرار، مثل حمل وأحمال، ومن قرأ (إِسْرَارَهُمْ) فهو مصدر أسْرَرْتً إسرَاراً.
* * *
وقوله: (فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧)
يفعلون بهم ذلك في نار جهنم - واللَّه أعلم - ويكون المعنى فكيف
يكون حالهم إذا توفتهم الملائكة وهم يضربون وجوههم وأدبَارَهم.
* * *
قوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)
المعنى - واللَّه أعلم - ذلك جزاؤهم بأنهم اتبعوا الشيء الذي أسخط
اللَّه وكرهوا رضوانه، أي اتبعو مَن خالف النبي - ﷺ - ومن خالف الشريعة وكرهوا الِإيمان بالنبي - ﷺ - واتباع شريعته.
(فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ).
قوله: ﴿الشيطان سَوَّلَ﴾: هذه الجملةُ خبرُ ﴿إِنَّ الذين ارتدوا﴾. وقد تقدَّم الكلامُ على «سَوَّل» معنًى واشتقاقاً. وقال الزمخشري هنا: «وقد اشتقَّه من السُّؤْل مَنْ لا عِلْمَ له بالتصريفِ والاشتقاقِ جميعاً» كأنَّه يُشير إلى ما قاله ابن بحر: مِنْ أنَّ المعنى: أعطاهم سُؤْلَهم. ووجهُ الغلطِ فيه أنَّ مادةَ السُّؤْلِ من السؤال بالهمز، ومادةَ هذا بالواوِ فافترقا، فلو كان على ما قيل لقيل: سَأَّل بتشديد الهمزة لا بالواو. وفيما قاله الزمخشريُّ نَظَرٌ؛ لأن السؤالَ له مادتان: سَأَل بالهمز، وسال بالألفِ المنقلبةِ عن واوٍ، وعليه قراءةُ «سال سايل» وقوله:
٤٠٦٧ سالَتْ هُذَيْلٌ رسولَ الله فاحِشةً... ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بما سالَتْ ولم تُصِبِ
وقد تقدَّم هذا في البقرةِ مُسْتوفى.
قوله: «وأَمْلَى» العامَّةُ على «أَمْلَى» مبنياً للفاعل، وهو ضمير الشيطان. وقيل: هو للباري تعالَى. قال أبو البقاء: «على الأول يكونُ معطوفاً على الخبر، وعلى الثاني يكونُ مُسْتأنفاً». ولا يَلْزَمُ ما قاله بل هو معطوفٌ على الخبر في كلا التقديرَيْن، أخبر عنهم بهذا وبهذا. وقرأ أبو عمروٍ في آخرين «أُمْلِيَ» مبنياً للمفعول، والقائمُ مَقامَ الفاعلِ الجارُّ. وقيل: القائم مَقامَه ضميرُ الشيطان، ذكره أبو البقاء، ولا معنى لذلك. وقرأ يَعْقُوبُ وسلام ومجاهد/ «وأُمْلِيْ» بضمِ الهمزةِ وكسرِ اللام وسكونِ الياءِ. فاحتملَتْ وجهَيْن، أحدُهما: أَنْ يكونَ مضارعاً مُسْنداً لضمير المتكلم أي: وأُمْلِي أنا لهم، وأَنْ يكونَ ماضياً كقراءة أبي عمروٍ سُكِّنَتْ ياؤه تخفيفاً. وقد مضى منه جملةٌ.
اهـ (الدُّرُّ المصُون).
بكفرهم بما أتى به النبي - ﷺ -.
* * *
وقوله: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ
(٢٩)
(الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) المنافقون أي لن يبدي اللَّه عداوتهم لرسوله
عليه السلام ويظهره على نفاقهم.
* * *
(وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (٣٠)
معنى (لَأَرَيْنَاكَهُمْ) لعَرفْنَاكَهُمْ، تقول: قد أرَيْتَكَ هَذَا الأمْر أي قد عرفتك
إياه، المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي السيمياء.
(فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ).
أي بتلك العلامة.
(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ)، أي في فحوى القَوْلِ.
فدلَّ بهذا والله أعلم - على أن قول القائل وفعله يدُلُّ على نِيَّته.
وقولُ الناس: قد لَحَنَ فلانٌ، تأويله: قد أَخذ في ناحية عن الصواب، وَعدَلَ عن الصواب إِليها، وقول الشاعر:
مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أَحْيا... ناً وخَيْرُ الحديثِ ما كانَ لَحْنا
تأويله: خير الحديث من مِثْل هذه ما كان لا يعرفه كلُّ أحد، إِنما يُعْرََفُ قولها في أنحاء قولها.
معنى (لَنَبْلُوَنَّكُمْ) لنختبرنكم بالحرب.
(حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ).
وهو عزَّ وجلَّ قَدْ عَلِمَ قَبْلَ خَلْقِهِم المجاهدين منهم والصابرين، ولكنه
أراد العلم الذي يقع به الجزاء، لأنه إنما يجازيهم على أعمالهم.
فتأويله حتى يعلم المجاهدين علم شهادة، وقد علم - عزَّ وجلَّ - الغيب، ولكن الجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم شهادة.
* * *
وقوله - عزَّ وجلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤)
أعلم - عزَّ وجلَّ - أنه لا يغفر لمن مات على الكفر.
* * *
وقوله: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (٣٥)
(إِلَى السَّلْمِ)
والسَّلَم، ومعناه الصلْحُ، يقال للصُّلِحَ هو السِّلْمُ، والسَّلْمُ، والسَّلَمُ.
ومعنى (لَا تَهِنُوا) لا تَضْعُفوا. يقال: وَهَنَ يَهِن، إِذَا ضَعُفَ، فمنع اللَّه المُسْلِمينَ أن يَدْعوا الكافرين إِلىَ الصُّلْحِ وأمرَهًمْ بِحَرْبِهِمْ حتى يُسْلِمُوا.
* * *
وقوله عزَّ وجلَّ: (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ).
تأويله. أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ فى الحجةِ ومَعَكًمً النبيُ - ﷺ - وَمَا أتَى به من الآياتِ التي تدل على نبُوته، (وَاللَّهُ مَعَكمْ) أي نَاصِرُكُمْ.
وقوله - عزَّ وجلَّ - (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ).
أي لن ينْقِصكُمْ شيئاً مِن ثَوَابِكًمْ.
* * *
وقوله: (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (٣٦)
وقد عرفهم أنَّ أجورهم الجنةُ.
وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (٣٧)
ونخْرِج أضْغَانُكُمْ، وقد قرئ بهما جميعاً.
* * *
وقوله: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (٣٨)
جاء في التفسير: إن تَوَلَّى العِبَادُ استَبْدَلَ اللَّه بِهِمُ المَلَائِكَة.
وجاء أيضاً: إن تَوَلَّى أهل مكَةَ استبدل الله بهم أهل المدينة.
وجاء أيضاً - يَستَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكمْ مِن أهل فَارِسَ.
فأما ما جاء أنه يستبدل بهم الملائكة، فهو في اللغةِ عَلَى مَا أَتَوَهَّم فيه بُعْدٌ لأنه لا يقال للملائكة قومٌ، إِنما يقال قوم لِلآدَمِيينَ.
والمعنى - واللَّه أعلم - وَإِنْ تَتَوَلًوْا يستَبْدِل قَوماً أطْوَعَ مِنكم، كما قال - عزَّ وجلَّ - (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ).
إِلى آخر القصة.
فلم يتولَّ جَميعَ النَّاسِ - واللَّه أعلم.