ﰡ
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ تُقَدِّمُواْ﴾ قدّمه وأقدمه منقولان بتثقيل الحشو والهمزة من قدمه إذا تقدمه في قوله تعالى يقدم قومه وحذف المفعول ليتناول كل ما وقع في النفس مما يقدم من القول أو الفعل وجاز أن لا يقصد مفعول والنهي متوجه إلى نفس التقدمة كقوله هُوَ الذى يُحْيىِ ويميت أو هو من قدّم بمعنى تقدم كوجه بمعنى توجه ومنه مقدمة الجيش وهي الجماعة المتقدمة منه ويؤيده قراءة
﴿بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم﴾
يعقوب لاَ تُقَدّمُواْ بحذف إحدى تاءي تتقدموا ﴿بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ﴾ حقيقة قولهم جلست بين يدي فلان أن تجلس بين الجهتين المسامنتين ليمينه وشماله قريباً منه فسميت الجهتان يدين لكونهما على سمت اليدين مع القرب منهما توسعاً كما يسمى الشيء باسم غيره إذا جاوره في هذه العبارة ضرب من المجاز الذي يسمى تمثيلاً وفيه فائدة جليلة وهي تصوير الهجنة والشناعة فيما نهوا عنه من الإقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة ويجوز أن
﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ إعادة النداء عليهم استدعاء منهم لتجديد الاستبصار عند كل خطاب وارد وتحريك منهم لئلا يغفلوا عن تأملهم ﴿لاَ تَرْفَعُواْ أصواتكم فَوْقَ صَوْتِ النبى﴾ أي إذا نطق ونطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه بصوته وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عالياً لكلامكم وجهره باهراً لجهركم حتى تكون مزيته عليكم لائحة وسابقته لديكم واضحة ﴿وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ أي إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم والعدول عما نهيتم عنه من رفع الصوت بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدائر بينكم وأن تتعمدوا في مخاطبته القول اللين المقرب من الهمس الذى يضاد الجهر اولا تقولوا له يا محمد يا أحمد وخاطبوه بالنبوة والسكينة والتعظيم ولما نزلت هذه الآية ما كلم النبى ﷺ أبو بكر وعمر إلا كأخي السرار وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنها نزلت في ثابت بن قيس بن
﴿وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ ﴿إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عند رسول الله﴾
على تقدير حذف المضاف ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾
﴿إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله﴾ ثم اسم إن عند قوله رَسُولِ الله والمعنى يخفضون أصواتهم في مجلسه تعظيماً له ﴿أولئك﴾ مبتدأ خبره ﴿الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى﴾ وتم صلة الذين عند قوله للتقوى وأولئك مع خبره خبران والمعنى أخلصها للتقوى من قولهم امتحن الذهب وفتنة إذا أذابه فخلص ابريزه من خبثه ونقاه وحقيقته عاملها معاملة المختبر فوجدها مخلصة وعن عمر رضى الله عنه أذهب الشهوات عنها والامتحان افتعال من محنه وهو اختبار بليغ أو بلاء جهيد ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ جملة أخرى قيل نزلت في الشيخين رضى الله عنهما لما كان منهما من غض الصوت وهذه الآية بنظمها الذى وتبت عليه من إيقاع الغاضين اصواتهم اسما لان المؤكدة وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معا والمبتدا امس الإشارة واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم وإيراد الجزاء نكرة مبهماً أمره دالة على غاية الاعتداد والارتضاء بفعل الخافضين أصواتهم وفيها تعريض لعظيم ما ارتكب الرافعون اصواتهم
﴿إَنَّ الذين يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الحجرات﴾ نزلت في وفد بني تميم أتوا رسول الله ﷺ وقت الظهيرة وهو راقد وفيهم الافرع بن حابس وعيينة بن حصن ونادوا النبي ﷺ من وراء حجراته وقالوا اخرج إلينا يا محمد فان مدحنازين وذمنا شين فاستيقظ وخرج والوراء الجهة التي بوار بها عنك لشخص بظلمه من خلف او قدام ومن لابتداء الغاية وأن المناداة نشأت من ذلك المكان والحجرة الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها وهى فعلة بمنى مفعولة كالفيضة وجمعها الحجرات بضمتين والحجرات بفتح الجيم وهي قراءة يزيدوالمراد حجرات نساء رسول الله ﷺ كانت لكل منهن حجرة ومناداتهم من ورائها لعلهم تفرقوا على الحجرات متطلبين له أو نادوه من وراء الحجرة التي كان عليه السلام فيها ولكنها اجمعت اجلالا لرسول الله ﷺ والفعل وان كان مسند الى جميعهم فانه يجو ان يتولاه بعضهم وكا الباقون راضين فكأنهم تولوه جميعاً ﴿أَكْثَرُهُمْ لاَ يعقلون﴾ يحتمل ان يكون فهم من قصد استثناؤه ويحتمل أن يكون المراد النفى العام اذ القلة تقع موقع النفي وورود الآية على النمط الذي وردت عليه فيه ما لا يخفى من اجلال محل رسول الله ﷺ منها لتسجيل على الصائحين به بالسفه والجهل ومنها إيقاع لفظ الحجرات كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه ومنها التعريف باللام دون الإضافة ولو تأمل متأمل من أول السورة إلى آخر هذه الآية لوجدها كذلك فتأمل كيف ابتدأ بإيجاب أن تكون الأمور التي تنتمي إلى الله ورسوله متقدمة على الأمور كلها من غير تقيد ثم أردف ذلك النهي عما هو من جنس التقديم من رفع الصوت والجهر كأن الأول بساط للثاني ثم أثنى على الغاضين اصواتهم ليدل على عظيم موفعه عند الله ثم عقبه بما هو أطم وهجنته أتم من الصباح برسول الله ﷺ في حال خلوته من وراء الجدر كما
بصاح بأهون الناس قدر الينبه على فظاعة ما جسروا عليه لأن من رفع الله قدره على أن يجهر له بالقول كان صنيع هؤلاء من المنكر الذي بلغ في التفاحش مبلغاً
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ﴾ أي ولو ثبت صبرهم ومحل أَنَّهُمْ صَبَرُواْ الرفع على الفاعلية والصبر حبس النفس عن أن تنازع إلى هواها قال الله تعالى واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يدعون ربهم وقولهم صبر عن كذا محذوف منه المفعول وهو النفس وقيل الصبر من لا يتجرعه الاخر وقوله ﴿حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ﴾ يفيد أنه لو خرج ولم يكن خروجه إليهم ولأجلهم للزمهم أن يصبروا إلى أن يعلموا أن خروجه إليهم ﴿لَكَانَ﴾ الصبر ﴿خَيْراً لَّهُمْ﴾ في دينهم ﴿والله غفور رحيم﴾ بلغ الغفران والرحمة واسعهما فلن يضيق غفرانه ورحمته عن هؤلاء ان تابوا وانابوا
﴿يا أيها الذين آمنوا إِن جَآءَكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ﴾ أجمعوا أنها نزلت في الوليد بن عقبة وقد بعثه رسول الله ﷺ مصدقا إلى نبى المصطق وكانت بينه وبينهم إحنة في الجاهلية فلما شارف ديارهم ركبوا مستقبلين إليه فحسبهم مقاتليه فرجع وقال لرسول الله ﷺ قد ارتدوا ومنعوا الزكاة فبعث خالد بن الوليد فوجدهم يصلون فسلموا إليه الصدقات فرجع وفي تنكير الفاسق والنبأ شياع في الفساق والأنباء كأنه قال أي فاسق جاءكم بأي نبأ ﴿فَتَبَيَّنُوآ﴾ فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا بقول الفاسق لأن من لا يتحامى جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه وفي الآية دلالة قبول خبر الواحد العدل لأنا لو توقفنا في خبره لسوينا بينه وبين الفاسق ولخلا الخصيص به عن الفائدة والفسوق الخروج من الشيء ويقال فسقت الرطبة عن قشرها ومن مقلوبه فقست البيضة اذا كسرتها
﴿واعلموا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ الله﴾ فلا تكذبوا فإن الله يخبره فينهتك ستر الكاذب أو فارجعوا اليه اطلبوا رأيه ثم قال مستأنفاً ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِّنَ الأمر لَعَنِتُّمْ﴾ لوقعتم في الجهد والهلاك وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا لرسول الله ﷺ الإيقاع ببني المصطلق وتصديق قول الوليد وأن بعضهم كانوا يتصوّنون ويزعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على ذلك وهم الذين استثناهم بقوله ﴿ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان﴾ وقيل هم الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ولما كانت صفة الذين حبب الله إليهم الإيمان غايرت صفة المتقدم ذكرهم وقت لكن في
﴿وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق﴾
حال موقعها من الاستدراك وهو مخالفة ما بعدها لما قبله نفياً وإثباتاً ﴿وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر﴾ وهو تغطية نعم الله وغمطها بالجحود - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ﴿والفسوق﴾ وهو الخروج عن محجة الإيمان بركوب الكبائر ﴿والعصيان﴾ وهو ترك الانقياد لما أمر به الشارع ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الراشدون﴾ أي أولئك المستثنون هم الراشدون يعني أصابوا طريق الحق ولم يميلو اعن الاستقامة والرشد الاستقامة على طريق الحق مع تصلب فيه من الرشادة وهي الصخرة
﴿فَضْلاً مِّنَ الله وَنِعْمَةً﴾ الفضل والنعمة بمعنى الإفضال والإنعام
﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا﴾ وقف رسول الله ﷺ على مجلس بعض الأنصار وهو على حمار فبال الحمار فأمسك ابن أبي بأنفه وقال خل سبيل حمارك فقد آذانا نتنه فقال عبد الله بن رواحة والله إن بول حماره لأطيب من مسكك ومضى رسول الله ﷺ وطال الخوض بينهما حتى استبا وتجالدا وجاء قوماهما وهما الأوس والخزرج فتجالدوا بالعصي وقيل بالايدى والنعال والسعف فرجع اليهم رسول له ﷺ فأصلح بينهم ونزلت وجمع اقتتلوا حملاً على المعنى لأن الطائفتين في معنى القوم والناس وثنى في فاصلحوا بينهما نظر إلى اللفظ ﴿فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا على الأخرى﴾ البغي الاستطالة والظلم وإباء الصلح ﴿فقاتلوا التى تَبْغِى حتى تَفِىءَ﴾ أي ترجع والفيء الرجوع وقد سمى به الظل والغنيمة لأن الظل يرجع بعد نسخ الشمس والغنيمة ما يرجع من أموال الكفار إلى المسلمين وحكم الفئة الباغية وجوب قتالها ما قاتلت فإذا كفت وقبضت عن الحرب أيديها تركت ﴿إلى أَمْرِ الله﴾ المذكور في كتابه من الصلح وزوال الشحناء ﴿فَإِن فَآءَتْ﴾ عن البغي إلى أمر الله ﴿فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل﴾ بالإنصاف ﴿وَأَقْسِطُواْ﴾ واعدلوا وهو امر استعمال القسط على طريق العموم بعد ما أمر به في إصلاح ذات البين ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين﴾ العادلين والقسط الجور والقسط العدل والفعل منه أقسط وهمزته للسلب أي زال القسط وهو الجوار
﴿إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ هذا تقرير لما ألزمه من تولي
﴿واتقوا الله لعلكم ترحمون﴾
بذلك أخوتكم يعقوب ﴿واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ أي واتقوا الله فالتقوى تحملكم على التواصل والائتلاف وكان عند فعلكم ذلك وصول رحمة الله إليكم مرجواً والآية تدل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان لأنه سماهم مؤمنين مع وجود البغى
﴿يا أيها الذين آمنوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عسى أَن يَكُنّ خَيْراً مِّنْهُنَّ﴾ القوم الرجال خاصة لأنهم القوام بأمور النساء قال الله تعالى الرجال قوامون على النساء وهو في الاصل جمع فائم كصوم وزورق في جمع صائم وزائر واختصاص القوم بالرجال صريح الآية إذ لو كانت النساء داخلة في قوم لم يقل ولا نساء وحقق ذلك زهير في قوله... وما أدري ولست إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء...
وأما قولهم في قوم فرعون وقوم عاد هم الذكور والإناث فليس لفظ القوم بمتعاط للفريقين ولكن قصد ذكر الذكور وترك ذكر الإناث لأتهن توابع لرجالهن وتنكير القوم والنساء يحتمل معنيين أن يراد لا يسخر بعض المؤمنين والمؤمنات من بعض وأن يقصد إفادة الشياع وأن يصير كل جماعة منهم منهية من السخرية وإنما لم يقل رجل من رجل ولا امرأة من امرأة على التوحيد إعلاماً بإقدام غير واحد من رجالهم وغير واحدة من نسائهم على السخرية واستفظاعاً للشأن الذي كانوا عليه وقوله عسى أَن يَكُونُواْ خَيْراً منهم كلام مستأنف ورد مورد جوبا المستخير عن علة النهي وإلا فقد كان حقه أن يوصل بما قبله بالفاء والمعنى وجوب أن يعتقد كل واحد أن
﴿بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون﴾
بالقصر ورُوي أنها نزلت في ثابت بن قيس وكان به وقر فكانوا يوسعون له في مجلس رسول الله ﷺ ليسمع فأتى يوماً وهو يقول تفسحوا حتى انتهى الى رسول الله ﷺ فقال لرجل تنح فلم يفعل فقال من هذا فقال الرجل أنا فلان فقال بل أنت ابن فلانة يريد أماً كان يعير بها في الجاهلية فخجل الرجل فنزلت فقال ثابت لا أفخر على أحد في الحسب بعدها أبداً ﴿بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الإيمان﴾ الاسم ههنا بمعنى الذكر من قولهم طار اسمه في الناس بالكرام أو باللؤم وحقيقته ما سما من ذكره
﴿يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كَثِيراً مِّنَ الظن﴾ يقال جنبه الشر إذا أبعده عنه وحقيقته جعله في جانب فيعدى إلى مفعولين قال الله تعالى واجنبنى وبنى ان نعبد الاصنام ومطاوعه اجتنب الشر فنقص مفعولاً والمأمور باجتنابه بعض الظن وذلك البعض موصوف بالكثرة ألا ترى إلى قوله ﴿إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ﴾ قال الزجاج هو ظنك باهل الخير سوء فاما اهل الفسق فلما أن نظن فيهم مثل الذي ظهر منهم أو معناه اجتناباً كثيراً أو احترزوا من الكثير ليقع التحرز عن البعض والإثم الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب ومنه قيل لعقوبته الآثام فعال منه كالنكال والعذاب ﴿وَلاَ تَجَسَّسُواْ﴾ أي لا تتبعوا عورات المسلمين ومعايبهم يقال تجسس الأمر إذا تطلبه وبحث عنه تفعل من الجس وعن مجاهد خذوا ما ظهر ودعوا ما ستر الله وقال سهل لا تبحثوا عن طلب معايب ما ستره الله على عباده ﴿وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً﴾ الغيبة الذكر بالعيب في ظهر الغيب وهي من الاغتياب كالغيلة من الاغتيال وفي الحديث هو أن تذكر أخاك بما يكره فإن كان فيه فهو غيبة وإلا فهو بهتان وعن ابن عباس الغيبة إدام كلاب الناس ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً﴾ مَيِّتًا مدني وهذا
﴿فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم﴾
أو من أخيه ولما قررهم بأن أحداً منهم لا يحب أكل جيفة أخيه عقب ذلك بقوله ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ أي فتحققت كراهتكم له باستقامة العقل فليتحقق أن تكرهوا ما هو نظيره من الغيبة باستقامة الذين ﴿واتقوا الله إِنَّ الله تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾ التواب البليغ في قبول التوبة والمعنى واتقوا الله بترك ما أمرتم باجتنابه والندم على ما وجد منكم منه فإنكم إن اتقيتم تقبل الله توبتكم وأنعم عليكم بثواب المتقين التائبين ورُوي أن سلمان كان يخدم رجلين من الصحابة ويسوي لهما طعامهما فنام عن شأنه يوما فبعثاه الى رسول الله ﷺ يبغي لهما إداماً وكان أسامة على طعام رسول الله ﷺ فقال ما عندي شيء فأخبرهما سلمان فقالا لو بعثناه إلى بئر سميحة لغار ماؤها فلما جاء الى رسول الله ﷺ فقال لهما مالي أرى خضرة اللحم في أفواهكما فقالا ما تناولنا لحماً قال إنكما قد اغتبتما ومن اغتاب مسلماً فقد أكل لحمه ثم قرأ الآية وقيل غيبة الخلق إنما تكون من الغيبة عن الحق
﴿يا أيها الناس إِنَّا خلقناكم مِّن ذَكَرٍ وأنثى﴾ من آدم وحواء أو كل واحد منكم من أب وأم فما منكم من أحد إلا وهو يدلي بمثل ما يدلي به الآخر سواء بسواء فلا معنى للتفاخر والتفاضل في النسب ﴿وجعلناكم شُعُوباً وَقَبَآئِلَ﴾ الشعب الطبقة الأولى من الطبقات الست التي عليها العرب وهي الشعب
﴿قَالَتِ الأعراب﴾ أي بعض الأعراب لأن من الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر وهم أعراب بني أسد قدموا المدينة في سنة جدبة فأظهروا
﴿آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا﴾
الشهادة يريدون الصدقة ويمنون عليه ﴿آمنا﴾ اى ظاهر وباطناً ﴿قُلْ﴾ لهم
﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ﴾ ارتاب مطاوع رابه إذا أوقعه في الشك مع التهمة والمعنى أنهم آمنوا ثم لم يقع في نفوسهم شك فيما آمنوا به ولا اتهام لمن صدقوه ولما كان الإيقان وزوال الريب ملاك الايمان أفرااد بالذكر بعد تقدم الإيمان تنبيهاً على مكانه وعطف على الايمان بكلمة التراخى اشعار باستقراره في الازمنة المتراخية المتطاولة غضا جديد ﴿وجاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ الله﴾ يجوز أن يكون المجاهد منوياً وهو العدو المحارب أو الشيطان أو الهوى وأن يكون جاهد مبالغة في جهد ويجوز أن يراد بالمجاهدة بالنفس الغزو وان بناول العبادات بأجمعها وبالمجاهدة بالمال نحو صنيع عثمان في جيش العسرة وان يتناول
الله الرحمن الرحيم
﴿ق والقرآن المجيد﴾ ﴿وعجبوا أن جاءهم منذر منهم﴾
الزكاة وكل ما يتعلق بالمال من أعمال البر وخبرالمبتدا الذي هو المؤمنون ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الصادقون﴾ أي الذين صدقوا في قولهم آمنا ولم يكذبوا كما كذب اعراب بنى اسد وهم الذين إيمانهم إيمان صدق وحق وقوله الذين آمَنُواْ صفة لهم ولما نزلت هذه الآية جاءوا وحلفوا أنهم مخلصون فنزل
﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ الله بِدِينِكُمْ﴾ أي أتخبرونه بتصديق قلوبكم ﴿والله يَعْلَمُ مَا فِى السماوات وَمَا فِي الأرض والله بكل شيء﴾ من النفاق والإخلاص وغير ذلك
﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ﴾ أي بأن ﴿أَسْلَمُواْ﴾ يعني بإسلامهم والمن ذكر الأيادي تعريضاً للشكر ﴿قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسلامكم بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ أي المنة لله عليكم ﴿أَنْ هَداكُمْ﴾ بأن هداكم أو لأن ﴿للإيمان إِنُ كُنتُمْ صادقين﴾ إن صح زعمكم وصدقت دعواكم إلا أنكم تزعمون وتدعون ما الله عليم بخلافه وجواب الشرط محذوف لدلالة ما قبله عليه تقديره إن
﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ وبالياء مكي وهذا بيان لكونهم غير صادقين في دعواهم يعني أنه تعالى يعلم كل مستتر في العالم ويبصر كل عمل تعملونه في سركم وعلانيتكم لا يخفي عليه منه شيء فكيف يخفي عليه ما في ضمائركم وهو علام الغيوب
بسم الله الرحمن الرحيم