ﰡ
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ ﴾؛ لأقوالِكم.
﴿ عَلِيمٌ ﴾؛ بأفعالِكم، وقال جابرٍ: (نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ فِي النَّهْيِ عَنِ الذبْحِ يَوْمَ الأَضْحَى قَبْلَ الصَّلاَةِ). وقالت عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: " نَزَلْنَ فِي النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشُّكِّ)، وعن مسروقٍ قالَ: (دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي يَوْمِ الشُّكِّ، فَقَالَتْ لِلْجَاريَةِ: اسْقِيهِ، فَقُلْتُ: إنِّي صَائِمٌ، فَقَالَتْ: قَدْ نَهَى اللهُ تَعَالَى عَنْ صَوْمِ هَذا الْيَوْمِ، وَفِيْهِ نَزَلَ ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾.
وعن الحسنِ البصريِّ قال: (نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي الذبْحِ يَوْمَ الأَضْحَى، كَأَنَّهُ قَالَ: لاَ تَذْبَحُواْ قَبْلَ ذبْحِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَذلِكَ أنَّ نَاساً مِنَ الْمُسْلِمِينَ ذبَحُواْ قَبْلَ صَلاَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: فَأَمَرَهُمْ أنْ يُعِيدُواْ الذبْحَ). وعن ابنِ عبَّاس رضي الله عنه قال: سَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ:" أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَهْطاً مِنْ أصْحَابهِ وَهُمْ سَبْعٌ وَعُشْرُونَ رَجُلاً، وَأمَّرَ عَلَيْهِمُ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو، وَأمَرَهُمْ أنْ يَسِيرُوا إلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَأنْ يَمُرُّواْ عَلَى بَنِي سُلَيْمٍ، فَبَاتُوا عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الرَّحِيلِ، أضَلَّ أرْبَعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَعِيراً لَهُمْ، فَاسْتَأْذنُوا الْمُنْذِرَ أنْ يَتَخَلَّفُواْ عَنْهُ حَتَّى يَطْلِبُوهُ، فَأَذِنَ لَهُمْ. وَسَارَ الْمُنْذِرُ بمَنْ بَقِيَ مَعَهُ، وَكَانَتْ بَنُوا سُلَيْمٍ دَسَّتْ إلَى بَنِي عَامِرِ خَبَرَ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَعَدُّواْ لِقِتَالِهِمْ وَاجْتَمَعُواْ لَهُمْ، فَسَارَ أصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى بئْرِ مَعُونَةَ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالاً شَدِيداً وَقُتِلَ الْمُنْذِرُ وَأصْحَابُهُ، وَقُتِلَ أحَدُ الأَرْبَعَةِ وَرَجَعَ الثَّلاَثَةُ إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقُوا رَجُلَيْنِ خَارجَيْنِ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُواْ: مِمَّا أنْتُمَا؟ فَقَالاَ: مِنْ بَنِي عَامِرٍ، فَقَالُواْ: إنَّهُمَا مِنْ عَدُوِّنَا، فَقَتَلُوهُمَا وَأخُذوْا سَلْبَهُمَا. وَجَاءُوا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَذكَرُوا لَهُ الْقِصَّةَ، فَقَالَ لَهُمْ صلى الله عليه وسلم: " بئْسَمَا فَعَلْتُمْ، إنَّهُمَا مِنْ أهْلِ مِيثَاقِي مَنْ بَنِي سُلَيْمٍ، وَهَذا الَّذِي مَعَكُمْ مِنْ سَلْبهِمَا مِنْ كِسْوَتِي ". وَجَاءَ السُّلَيْمِيُّونَ يَطْلُبُونَ الْقَوَدَ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه سلم: " إنَّ صَاحِبَيْكُمْ اعْتَزَمَا إلَى عَدُوَِّنَا، فَلاَ قَوَدَ فِيهِمَا وَلَكِنَّا نُؤَدِّي إلَيْكُمُ الدِّيَةَ " فَأَمَرَ عليه السلام أنْ تُقْسَمَ دِيَتَهُمَا عَلَى أهْلِ مِيثَاقِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ ". والمعنى: لا تُقدِّموا بقولٍ ولا فعلٍ حتى يكون النبيُّ صلى الله عليه وسلم هو الذي يأمُركم في ذلك. وَقِيْلَ: إنَّ نَاساً كانوا يقولون: لو أنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بكذا ونَهى عن كَذا، فقِيلَ: لا تُقدِّموا بين يدَي اللهِ ورسولهِ، فإنَّ اللهَ أعلمُ بصلاحِ خَلقهِ. وقرئَ (لاَ تَقَدَّمُوا) بفتحِ التاء والدالِ، فيجوزُ أن يكون معناهما واحداً، يقالُ: قدَّمتُ في كذا وتَقدَّمتُ فيه، كما يقالُ عَجِلَتُ في الأمرِ وتعَجَّلتُ فيه بمعنى واحدٍ، ويجوز أنْ يكون معنى الضمِّ: لا تُقدِّمُوا كلامَكم ولا فعلَكم وما أنتم صانِعون في أمرٍ من الأمُور قبلَ أن يأمُرَكم اللهُ ورسوله. ومعنى قراءةِ الفتحِ لا تَقَدَّموا بأمرٍ ولا فعلٍ بحضرةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حتى يأمُرَكم به. وَقِيْلَ: إنَّها نزلت في قومٍ كانوا يحضُرون مجلسَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإذا سُئل الرسولُ عن شيءٍ خَاضُوا فيه، وتقدَّمُوا بالفتوَى والقولِ، فنُهوا عن ذلك وزُجِرُوا عن أنْ يقولَ أحدٌ في شيءٍ من دينِ الله قبلَ أن يقولَ رسولُ الله. وَقِيْلَ: معنى الآيةِ: لا تَمشُوا بين يدَي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك بينَ يدَي العُلماءِ؛ فإنَّهم ورثةُ الأنبياءِ، ودليلُ هذا ما رُوي عن أبي الدَّرداءِ رضي الله عنه قال:" رَآنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْشِي أمَامَ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ: " أتَمْشِي أمَامَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَلاَ غَرَبَتْ عَلَى أحَدٍ بَعْدَ النَّبيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ خَيْرٌ مِنْ أبي بَكْرٍ رضي الله عنه " ".
﴿ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾؛ لِمَن تابَ منهم.
﴿ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾.
﴿ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾؛ حتى اختَرتُموهُ.
﴿ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ ﴾؛ أي بَغَّضَ إليكم هذه الأشياءَ: الكفرُ ظاهر المعنى، والفُسُوق وَالكَذِبُ والخروجُ عن أمرِ الله، والعصيانُ: جمعُ معاصِي الله. ثم عادَ إلى الخبرِ عنهم فقال: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ ﴾؛ أي المهتَدُون إلى محاسنِ الأمُور. ثم بيَّنَ أنَّ جميعَ ذلك تفضُّلٌ من اللهِ تعالى فقالَ: ﴿ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً ﴾؛ أي تَفَضُّلاً مِن اللهِ ورحمةً.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾؛ بما في قُلوبهم.
﴿ حَكِيمٌ ﴾؛ فيهم بعِلمهِ.
﴿ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ ﴾؛ حتى ترجعَ عن البغيِ إلى كتاب اللهِ، والصُّلح الذي أمر اللهُ تعالى به. والبغيُ هو الاستطالَةُ، والعدولُ عن الحقِّ وعمَّا عليه جماعةُ المسلمين. والطائفةُ الباغِيَةُ هي التي تطلبُ ما ليس لها أنْ تَطْلُبَهُ، قولهُ ﴿ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيۤءَ إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ ﴾ أي حتى ترجعَ إلى طاعةِ اللهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فَإِن فَآءَتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ ﴾؛ أي واعدِلُوا في الإصلاحِ بينهما، وفي كلِّ حكمٍ.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ ﴾؛ أي يحبُّ الذين يَعدِلُون في حُكمِهم وأهلِيهم وما تولَّوهُ، الإقْسَاطُ في اللغة هو العَدْلُ، يقالُ: أقسَطَ الرجلُ إذا عَدَلَ، وقَسَطَ إذا جَارَ، ومنه قولهُ﴿ وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً ﴾[الجن: ١٥].
وعن ابنِ عُمر رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:" يَا ابْنَ أُمِّ عَبْدٍ؛ هَلْ تَدْري كَيْفَ حُكْمُ اللهِ فِيمَنْ يَفِيءُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ "؟ قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: " لاَ يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهَا وَلاَ يُقْتَلُ أسِيرُهَا وَلاَ يُطْلََبُ هَاربُهَا وَلاَ يُقْسَمُ فِيْهَا ".
﴿ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ﴾؛ يعني بين كلِّ مُسلِمين تَخَاصَما وتقاتَلاَ واختلَفا، قرأ ابنُ سيرين (بَيْنَ أخَوَيْكُمْ) بالجمعِ، وقرأ حسن (بَيْنَ إخْوَانِكُمْ) بالألف والنُّون. وقوله تعالى: ﴿ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ﴾؛ أي أطِيعُوا اللهَ ولا تُخالفوا أمرَهُ.
﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾.
وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: (الْمُسْلِمُ أخُو الْمُسْلِمِ؛ لاَ يَظْلِمُهُ؛ وَلاَ يَعِيبُهُ وَلاَ يَخْذِلُهُ، وَلاَ يَتَطَاوَلُ عَلَيْهِ بالْبُنْيَانِ فَيَسْتُرُ عَنْهُ الرِّيحَ إلاَّ بإذْنِهِ، وَلاَ يُؤْذِيهِ بقِتَار قِدْرهِ إلاَّ أنْ يَغْرِفَ لَهُ مِنْهُ، وَلاَ يَشْتَرِي لِبَيْتِهِ الْفَاكِهَةَ فَيَخْرِجُونَ بهَا إلَى أوْلاَدِ جَارهِ إلاَّ أنْ يُطْعِمُوهُمْ مِنْهَا).
﴿ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ ﴾؛ ولا يُعَيِّرُ نساؤُنا نساءَنا لعلَّ الْمَسخُورَةَ منهنَّ أفضلُ من السَّاخراتِ. وَقِيْلَ: معناهُ: لا يسخَرْ غَنِيٌّ من فقيرٍ لفَقرهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾؛ أي لا تُعِيبُوا إخوانَكم الذين هم كأَنفُسكم.
﴿ وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ ﴾؛ أي لا يَدْعُ بعضُكم بعضاً باللَّقَب الذي يكرههُ صاحبهُ؛ لأن عليه أنْ يخاطِبَ أخاهُ بأحَب الأسماءِ إليه. وقال قتادةُ: (مَعْنَاهُ: لاَ تَقُلْ لأَخِيكَ الْمُسْلِمِ: يَا فَاسِقُ وَيَا مُنَافِقُ، وَلاَ يَقُولُ لِلْيَهُودِيِّ بَعْدَ أنْ آمَنَ: يَا يَهُودِيُّ) وذلك معنى: ﴿ بِئْسَ ٱلاسْمُ ٱلْفُسُوقُ بَعْدَ ٱلإَيمَانِ ﴾؛ قال عطاءُ: (هُوَ كُلُّ شَيْءٍ أغْضَبْتَ بهِ أخَاكَ كَقَوْلِكَ: يَا كَلْبُ؛ يَا خِنْزِيرُ؛ يَا حِمَارُ). قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَن لَّمْ يَتُبْ ﴾؛ أي مَن لَمْ يَتُبْ ممن التَّنابُزِ ﴿ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾؛ وقال: (نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ ﴾ فِي نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ عَيَّرْنَ أُمَّ سَلَمَةَ بالْقِصَرِ). ويقالُ: نزلَت في عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أشَارَتْ بيَدِهَا فِي أُمِّ سَلَمَةَ أنَّهَا قَصِيرَةٌ. ورَوى عكرمةُ عن ابنِ عبَّاس:" أنَّ صَفِيَّةَ بنْتَ حَييِّ بْنِ أخْطَبَ أتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنَّ النِّسَاءَ يُعَيِّرْنَنِي يَا يَهُودِيَّةُ بنْتُ يَهُودِيَّينِ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " هَلاَّ قُلْتِ: أبي هَارُونُ وَعَمِّي مُوسَى وَأنَّ زَوْجِي مُحَمَّدٌ " "فَأنزلَ اللهُ تعالى هذه الآيةَ ﴿ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾ أي لا يَغتَبْ بعضُكم بعضاً ولا يطعَنْ بعضُكم على بعضٍ. وَقِيْلَ: اللَّمْزُ العيبُ في الْمَشْهَرِ، والْهَمْزُ فِي الْمَغِيب، وقال محمَّدُ بن زيدٍ: (اللَّمْزُ يَكُونُ باللِّسَانِ وَالْعَيْنِ وَالإِشَارَةِ، وَالْهَمْزُ لاَ يَكُونُ إلاَّ باللِّسَانِ)، قال الشاعرُ: إنْ لَقِيتُكَ تُبْدِي لِي مُكَاشَرَةً وَإنْ أغِبْ فَلأَنْتَ الْهَامِزُ اللُّمَزَهْ
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ ﴾؛ على مَن تابَ.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾؛ معناهُ: إنَّ أكرمَكم في الآخرةِ اتقَاكُم للهِ في الدُّنيا، وقال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ اللهَ قَدْ أذْهَبَ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعْظِيمِهَا بالآبَاءِ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ؛ وَآدَمُ مِنَ التُّرَاب؛ أكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ، لاَ فَضْلَ لِعَرَبيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إلاَّ بالتَّقْوَى ". وقال صلى الله عليه وسلم:" مَنْ سَرَّهُ أنْ يَكُونَ أكْرَمَ النَّاسِ فَلْيَتَّقِ اللهَ " وقَالَ: " كَرَمُ الرَّجُلِ دِينُهُ وَتَقْوَاهُ، وَفَضْلُهُ عَقْلُهُ، وَحَسَبُهُ خُلُقُهُ ". وقال صلى الله عليه وسلم:" إنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إلَى صُوَركُمْ وَلاَ إلَى أقْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إلَى قُلُوبكُمْ وَأعْمَالِكُمْ، وَإنَّمَا أنْتُمْ بَنِي آدَمَ، أكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ ". وقال ابنُ عبَّاس: (كَرَمُ الدُّنْيَا الْغِنَى، وَكَرَمُ الآخِرَةِ التَّقْوَى)، وقال الشاعرُ: مَا يَصْنَعُ الْعَبْدُ بعِزِّ الْغِنَى وَالْعِزُّ كُلُّ الْعِزِّ لِلْمُتَّقِيمَنْ عَرَفَ اللهَ فَلَمْ تُغْنِهِ مَعْرِفَةُ اللهِ فَذاكَ الشَّقِي
﴿ لاَ يَلِتْكُمْ مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً ﴾؛ أي لا يَنقِصْكُم من ثواب أعمالكم شيئاً.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ ﴾؛ لِمَن تابَ.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾؛ بمَن ماتَ على التوبةِ. ومن قرأ (لاَ يَأْلِتْكُمْ) بالهمزةِ فهو من ألَتَ يَأْلِتُ ألَتاً إذا نَقَصَ، ويقال: لاتَ يَلِيتُ لَيْتاً بهذا المعنى، وكِلا القراءَتين بمعنىً واحدٍ.
﴿ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ ﴾؛ أي لَمْ يَشُكُّوا في دينِهم بعدَ الإيمانِ.
﴿ وَجَاهَدُواْ ﴾؛ العدوَّ.
﴿ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾؛ طاعةً.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصَّادِقُونَ ﴾؛ في الإيمانِ. فلمَّا نَزلت هذه الآيةُ جاءَ القومُ يحلِفون لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّهم يُؤمنون في السرِّ والعلانيةِ، وقد عَلِمَ الله منهم غيرَ ذلك، فأنزلَ اللهُ: قولَهُ تعالى: ﴿ قُلْ أَتُعَلِّمُونَ ٱللَّهَ بِدِينِكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾؛ معناهُ: كيف يُعلِّمونَ اللهَ بالدِّين الذي أنتُم عليه، وهو عالِمٌ بكلِّ شيءٍ من كلِّ وجهٍ، وكيف يجوزُ أن يُعَلَّمَ مَن كان بهذه الصِّفة. وقوله: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ ﴾ وذلكَ أنَّ هؤلاءِ المنافقين كانوا يقُولون للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: قَاتَلَتْكَ العربُ بأسيافِهم ونحنُ جِئناك بالأهلِ والذراري والأثقالِ، ولم نُقاتِلْكَ كما قاتَلَك بنو فلانٍ، فقال اللهُ تعالى: ﴿ يَمُنُّونَ عَلَيْكَ ﴾؛ يا مُحَمَّدُ؛ ﴿ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ ﴾؛ فإنَّ إجَابَتَكم إلى الإسلامِ لم تكن إلاَّ لاجابتكم على أنفُسِكم لاَ إنَّكم أنعَمتُم على مَن دعاكُم إلى ذلك. ومِن المعلومِ أنَّ حقَّ الداعِي إلى الهدايةِ أعظمُ من حقِّ المطيعِ بالإجابةِ، فليس للمطالِب أن يُطالِبَ بالحقِّ الذي لَهُ وينسَى الحقَّ الأعظمَ الذي عليهِ، ولذلك قالَ اللهُ: ﴿ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ ﴾؛ وأخرجَكم من الضَّلال.
﴿ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾؛ في مَقالَتِكم.