ﰡ
﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ ذُكر في السورة خمس مرات، والمخاطبون فيها المؤمنون، والمخاطَب به أمر، أو نهي، وذُكر فيها ﴿ يا أيها الناس ﴾ مرّة، والمخاطبون فيها يعمّ المؤمنين والكافرين، كما أن المخاطب به وهو قوله :﴿ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ﴾ [ الحجرات : ١٣ ] يعمُّهما، فناسب فيها ذكر الناس، وقوله :﴿ لا تقدّموا ﴾ من قدّم بمعنى تقدّم، لأن المراد به نهيُهم عن أن يتقدّموا على النبي صلى الله عليه وسلم، بقولٍ، أو فعلٍ، لا عن أن يُقدِّموا غيرهم.
فائدة ذكر ﴿ ولا تجهروا له بالقول ﴾ بعد قوله :﴿ لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ﴾ النهي عن الجهر في مخاطبته، وإنْ لم يتضمّن رفع أصواتهم على صوته.
وقيل : المراد النهي عن مخاطبته صلى الله عليه وسلم باسمه.
قوله تعالى :﴿ أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ﴾ [ الحجرات : ٢ ] أي مخافة حبوطها.
فإن قلتَ : كيف قال ذلك، مع أن الأعمال إنما تحبط بالكفر، ورفع الصوت على صوت النبي ليس بكفر ؟
قلتُ : المراد به الاستخفاف بالنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه ربما يؤدي إلى الكفر( ١ ).
وقيل : حبوط العمل هنا مجاز عن نقصان المنزلة، وانحطاط الرتبة.
إن قلتَ : ما فائدة الجمع بين الفِسق والعصيان ؟ !
قلتُ : الفسوق : الكذب، كما نُقل عن ابن عباس رضي الله عنهما، والعصيان : بقيّة المعاصي، وإنما أفرد الكذب بالذكر، لأنه سبب نزول هذه الآية.
وقيل : الفسوق : الكبيرة، والعصيان : الصغيرة( ١ ).
المنفيّ هنا : الإيمان بالقلب، والمُثبت : الانقياد ظاهرا، فهما في اللغة متغايران بهذا الاعتبار، كما أنهما في الشرع مختلفان مفهوما، متّحدان صدقا، إذِ الإيمان هو التصديق بالقلب، بشرط التلفظ بالشهادتين، والإسلام بالعكس( ١ ).
إن قلتَ : العمل ليس من الإيمان، فكيف ذكر أنه منه في هذه الآية ؟
قلتُ : المراد منها الإيمان الكامل، أي إنما المؤمنون إيمانا كاملا، كما في قوله تعالى :﴿ إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾ [ فاطر : ٢٨ ]. وقوله صلى الله عليه وسلم :( المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده ) ( ١ ).