تفسير سورة الحجرات

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الْحُجُرَاتِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا تُقَدِّمُوا) : الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ لَا تُقَدِّمُوا مَا لَا يَصْلُحُ.
وَيُقْرَأُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالدَّالِ؛ أَيْ تَتَقَدَّمُوا.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَحْبَطَ) : أَيْ مَخَافَةَ أَنْ تَحْبَطَ، أَوْ لِأَنْ تَحْبَطَ، عَلَى أَنْ تَكُونَ اللَّامُ لِلْعَاقِبَةِ. وَقِيلَ: لِئَلَّا تَحْبَطَ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُولَئِكَ) : هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَ «الَّذِينَ امْتَحَنَ» : خَبَرُهُ. وَ (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) : جُمْلَةٌ أُخْرَى.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «الَّذِينَ امْتَحَنَ» صِفَةً لِأُولَئِكَ، وَ «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» الْخَبَرُ، وَالْجَمِيعُ خَبَرُ إِنَّ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تُصِيبُوا) : هُوَ مِثْلُ: «أَنْ تَحْبَطَ».
قَالَ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَوْ يُطِيعُكُمْ) : هُوَ مُسْتَأْنَفٌ؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ، وَالْعَامِلُ فِيهِ الِاسْتِقْرَارُ؛ وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ جَازَ أَنْ يَقَعَ صِفَةً لِلنَّكِرَةِ؛ كَقَوْلِكَ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ لَوْ كَلَّمْتُهُ لَكَلَّمَنِي؛ أَيْ مُتَهَيِّءٌ لِذَلِكَ.
قَالَ تَعَالَى: (فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٨) وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَضْلًا) : هُوَ مَفْعُولٌ لَهُ، أَوْ مَصْدَرٌ مِنْ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّ تَزْيِينَهُ الْإِيمَانَ تَفَضُّلٌ، أَوْ هُوَ مَفْعُولٌ. وَ (طَائِفَتَانِ) : فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ. وَ (اقْتَتَلُوا) : جَمْعٌ عَلَى آحَادِ الطَّائِفَتَيْنِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) : بِالتَّثْنِيَةِ، وَالْجَمْعِ، وَالْمَعْنَى: مَفْهُومٌ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَيْتًا) : هُوَ حَالٌ مِنَ اللَّحْمِ، أَوْ مِنْ أَخِيهِ.
(فَكَرِهْتُمُوهُ) : الْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: عَرَضَ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ فَكَرِهْتُمُوهُ.
وَالْمَعْنَى: يُعْرَضُ عَلَيْكُمْ فَتَكْرَهُونَهُ.
وَقِيلَ: إِنْ صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَكُمْ فَأَنْتُمْ تَكْرَهُونَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِتَعَارَفُوا) أَيْ لِيَعْرِفَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
وَيُقْرَأُ لِتَعْرِفُوا (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ، وَأَنَّ وَمَا عَمِلَتْ فِيهِ الْمَفْعُولُ.
قَالَ تَعَالَى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَلِتْكُمْ) : يُقْرَأُ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْيَاءِ، وَمَاضِيهِ أَلَتَ.
وَيُقْرَأُ بِغَيْرِ هَمْزٍ؛ وَمَاضِيهِ لَاتَ يَلِيتُ؛ وَهُمَا لُغَتَانِ، وَمَعْنَاهُمَا النُّقْصَانُ.
وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ: يُلْيِتُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
Icon