تفسير سورة سورة الأعراف من كتاب تفسير العز بن عبد السلام
المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام
.
لمؤلفه
عز الدين بن عبد السلام
.
المتوفي سنة 660 هـ
سورة الأعراف مكية كلها، أو مكية إلا خمس آيات ﴿ واسألهم عن القرية ﴾ إلى آخر الخمس [ ٦٣ - ١٦٧ ].
ﰡ
ﭑ
ﰀ
١ - ﴿المص﴾ أنا الله أفصل، أو هجاء ((المصور))، أو اسم للقرآن، أو للسورة أو اختصار كلام يفهمه الرسول ﷺ قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو حروف الاسم الأعظم، أو حروف هجاء مقطعة، أو من حساب الجُمَّل، أو حروف تحوي معاني كثيرة دلّ الله - تعالى - خلقه بها على مراده من كل ذلك.
٢ - ﴿حَرَجٌ﴾ ضيق، أو شك، أو لا يضيق صدرك بتكذيبهم.
474
{وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قاءلون (٤) فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين (٥) فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين (٦) فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين (٧)
475
٤ - ﴿ (أَهْلَكْنَاهَا﴾ حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا، أو أهلكناها بإرسال ملائكة العذاب إليها فجاءها بأسنا بوقوع العذاب بهم، أو أهلكناها بالخذلان عن الطاعة فجاءتهم العقوبة، أو وقوع الهلاك والبأس معاً فتكون الفاء بمعنى ((الواو)) كقوله: ((أعطيت فأحسنت)) وكان الإحسان مع العطاء لا بعده. البَأس: شدة العذاب، والبُؤْس: شدة الفقر. ﴿بَيَاتاً﴾ في نوم الليل. ﴿قَآئِلُونَ﴾ نوم النهار ووقت القائلة لأن وقوع العذاب في وقت الراحة أفظع. ﴿والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولائك هم المفلحون (٨) ومن خفت موازينه فأولائك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (٩) ﴾
٨ - / ﴿وَالْوَزْنُ﴾ القضاء بالعدل، أو موازنة الحسنات والسيئات بميزان له كفَّتان توضع الحسنات في إحداهما والسيئات في الأخرى أو توزن صحائف الأعمال إذ لا يمكن وزن الأعمال وهي أعراض قاله ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -، أو يوزن الإنسان فيؤتى بالرجل العظيم الجثة فلا يزن جناح
475
بعوضة قاله عبيد بن عمير - رضي الله تعالى عنهما - ﴿فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ قضي له بالطاعة، أو زادت حسناته على سيئاته، أو ثقلت كفة حسناته. ﴿ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون (١٠) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (١١) ﴾
476
١١ - ﴿وَلَقَدْ خَلَقَناكُمْ﴾ في أصلاب الرجال ﴿ثُمَّ صَوَّرْناكُمْ﴾ في أرحام النساء، أو خلقناكم ((إدم)) ثم صورناكم في ظهره، أو خلقناكم نطفاً في أصلاب الرجال وترائب النساء ثم صورناكم في ارحام، أو خلقناكم في الأرحام ثم صورناكم فيها بعد الخلق بشق السمع والبصر. ﴿ثُمَّ قُلْنَا﴾ صورناكم في صلبه ثم قلنا، أو صورناكم ثم أخبرناكم بأنا قلنا، أو فيه تقديم وتأخير تقديره ثم قلنا للملائكة اسجدوا ثم صورناكم أو يكون ثم بمعنى ((الواو)) قاله
476
الأخفش، وأنكره بعض النحويين. {قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (١٢) قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين (١٣) قال أنظرني إلى يوم يبعثون (١٤) قال إنك من المنظرين (١٥)
477
١٣ - ﴿فَأْهْبِطْ مِنْهَا﴾ من السماء، أو من الجنة، قاله ربه له على لسان بعض الملائكة أو أراه آية دلَّته على ذلك.
١٤ - ﴿أَنظِرْنِى﴾ طلب الإنظار بالعقوبة إلى يوم القيامة فأنظر بها إلى يوم القيامة، أو طلب الإنظار بالحياة إلى القيامة فأنظره إلى النفخة الأولى ليذوق الموت بين النفختين، وهوأربعون سنة، ولا يصح أجابة العصاة لأنها تكرمة ولا يستحقونها فقوله: ﴿إنك من المنظرين﴾ [١٥] ابتداء عطاء جعل عقيب سؤاله، أو يصح إجابتهم ابتلاء وتأكيدا للحجة. {قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (١٦) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (١٧) قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين (١٨)
١٦ - ﴿فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِى﴾ الباء للقسم، أو للمجازاة، أو التسبب. ﴿أغويتيني﴾ أضللتني، أو خيبتني من جنتك، أو أهلكتني باللعن، غوى الفصيل: أشفى على الهلاك. ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ﴾ على صراطك: طريق الحق / ليصدهم عنه، أو طريق مكة ليمنع من الحج والعمرة.
١٧ - ﴿مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ من بين أيديهم: أشككهم في الآخرة ﴿وَمِنْ خَلفِهِمْ﴾ أرغبهم في الدنيا ﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ﴾ حسناتهم، ﴿وَعَن شَمَآئِلِهِمْ﴾
477
سيئاتهم قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: أو ((من بين أيديهم)) الدنيا ((وخلفهم)) الآخرة، ((وأيمانهم)) : الحق يشككهم فيه، وشمائلهم ((الباطل يرغبهم فيه، أو ((بين أيديهم وعن أيمانهم)) من حيث يبصرون، ((ومن خلفهم وعن شمائلهم)) من حيث لا يبصرون، أو أراد من كل جهة يمكن الاحتيال عليهم منها ﴿شَاكِرينَ﴾ ظنَّ أنهم لا يشكرون فصدق ظنه، أو يمكن أن علمه من بعض الملائكة بإخبار الله - تعالى -.
478
١٨ - ﴿مَذْءُوماً﴾ مذموماً، أو أسواْ حالاً من المذموم، أو لئيما، أومقيتا /، أو منفيا. ﴿مدحورا﴾ مدفوعا، أو مطرودا. ﴿ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (١٩) فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وروي عنهما من سوءاتهما وقال مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هذه الشجرة إِلاَّ أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (٢٠) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين (٢١) ﴾
٢٠ - ﴿فَوَسْوَسَ) الوسوسة: إخفاء الصوت بالدعاء، وسوس له: أوهمه النصح، ووسوس إليه: ألقى إليه المعنى، كان في الأرض وهما في الجنة في السماء فوصلت وسوسته إليهما بقوة أعطيها قاله الحسن، أوكان في السماء، وكانا يخرجان إليه فيلقاهما هناك أو خاطبهما من باب الجنة وهما فيها. {مَا نَهَاكُمَا﴾ هذه وسوسته: رغَّبهما في الخلود وشرف المنزلة، وأوهمهما أنهما يتحولان في صور الملائكة، أو أنهما يصيران بمنزلة الملك في علو منزلته مع علمهما أن صورهما لا تتحول. ﴿فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشطان لكما عدو مبين (٢٢) قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين (٢٣) ﴾
٢٢ - ﴿فَدَلاَّهُمَا﴾ حطهما من منزلة الطاعة إلى منزلة المعصية. ﴿وطفقا﴾ جعلا ﴿يخصفان﴾ يطعان من ورق التين. ﴿قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (٢٤) قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون (٢٥) ﴾
٢٤ - ﴿اهْبِطُواْ﴾ آدم وحواء وإبليس، أخبر أنه أمرهم وإن وقع أمره في زمانين لأن إبليس أخرج قبلهما. ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾ استقرار، أو موضع استقرار ﴿وَمَتَاعٌ﴾ ما انتفع به من عروض الدنيا. (حِينٍ) انقضاء الدنيا. ﴿يا يني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكما وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من ءايات الله لعلهم يذكرون (٢٦) يايني آدم لا يفتتنكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون﴾
٢٦ - ﴿قَدْ أَنزَلْنَا﴾ لما كانوا يطوفون بالبيت عراة ويرونه أبلغ في التعظيم بنزع ثياب عصوا فيها، أو للتفاؤل بالتعري من من الذنوب نزلت وجُعل اللباس
479
مُنزلاً، لنباته بالمطر المنزَل، أو لأنه من بركات الله - تعالى - والبركة تنسب إلى النزول من السماء ﴿وأنزلنا الحديد﴾ [الحديد: ٢٥] ﴿سوآتكم﴾ عوراتكم، لأنه يسوء صاحبها انكشافها. ﴿وَرِيشاً﴾ المعاش، أو اللباس والعيش والنعيم، أو الجمال، أو المال.
﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ الإيمان، أو الحياء، أو العمل الصالح، أو السمت الحسن، أو خشية الله - تعالى - أو ستر العورة. ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ لباس التقوى خير من الرياش واللباس، أويريد أن ما ذكره من اللباس والرياش ولباس التقوى ذلك خير كله فلا يكون خير للتفضيل.
(فريشي منكم وهواي معكم | وإن كانت زيارتكم لماما) |
480
٢٧ - ﴿لِبَاسَهُمَا﴾ من التقوى والطاعة، أو كان لباسهما نوراً، أو أظفاراً تستر البدن فنُزعت عنهما وتُركت زينة وتذكرة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. {وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليهآ ءابآءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشآء أتقولون على الله ما لا تعلمون (٢٨) قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودودن (٢٩) فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم
480
الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أوليآء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون (٣٠) }
481
٢٨ - ﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ توجَّهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة، أو اجعلوا سجودكم خالصاً لله - تعالى - دون الأصنام. ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ﴾ شقياً وسعيداً كذلك تبعثون يوم القيامة، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو كما قدر على الابتداء يقدر على الإعادة، أو كما بدأكم لا تملكون شيئاً كذلك تبعثون، قال الرسول ﷺ " يُحشر الناس حفاة عراة غُرلاً " ثم قرأ ﴿كما بدأنا أول خلق نعيده﴾ [الأنبياء: ١٠٤]. {يا بني ءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين (٣١) قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين ءامنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون (٣٢) قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وَأّن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (٣٣) ولكل أمة أجل فإذا جآء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (٣٤) يا بني ءادم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم
481
آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٣٥) والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنهآ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (٣٦) }
482
٣١ - ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمْ﴾ ستر العورة في الطواف، أو في الصلاة أو التزين باجمل اللباس في الجمع والإعياد، أو أراد المشط لتسريح اللحية وهو شاذ. ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ﴾ ما أحلَّ لكم ﴿وَلا تُسْرِفُواْ﴾ في التحريم، أو لا تأكلوا حراماً، أو لا تأكلوا ما زاد على الشبع.
٣٢ - ﴿زينة الله﴾ ستر العورة في الطواف. ﴿الطيبات﴾ الحلال، أو المستلذ كانوا يحرِّمون السمن والألبان في الإحرام، أو البحيرة والسائبة. ﴿خَالِصَةً﴾ لهم دون الكفر، أو خالصة من مأثم أو مضرة. ﴿فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جآءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين (٣٧) قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلآء أضلونا فئاتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون (٣٨) وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون (٣٩) ﴾
٣٧ - ﴿نَصِيبُهُم﴾ العذاب، أو الشقاء والسعادة، أو ما كتب عليهم مما عملوه في الدنيا، أو ما وُعدوا في الكتاب من خير أو شر، أو ما كتب لهم من الأجل والرزق والعمل. ﴿يَتَوَفَّوْنَهُمْ﴾ بالموت، أو بالحشر إلى النار. {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السمآء ولا يدخلون الجنة حتى
482
يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين (٤٠) لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين (٤١) }
483
٤٠ - ﴿لا تُفَتَّحُ﴾ لأرواحهم، وتفتح لأرواح المؤمنين، أو لدعائهم وأعمالهم أو لا تفتح لهم لدخول الجنة لأنها في السماء. ﴿الْجَمَلُ﴾ البعير، وسم الخياط: ثقب الإبرة، أو السم القاتل الداخل في مسام الجسد الخفية.
٤١ - ﴿مِهَادٌ﴾ المهاد: الوطاء، ومنه مهد الصبي. ﴿غَوَاشٍ﴾ لحف، أو لباس، أو ظلل. ﴿والذين ءامنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعهآ أولئك أصحاب الجنة هم فيها جالدون (٤٢) ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (٤٣) ﴾
٤٣ - ﴿وَنَزَعْنَا﴾ الحقد من صدورهم لطفاً بهم أو انتزاعه من لوازم الإيمان الذي هدوا إليه، وهو أحقاد الجاهلية، أو لا تحاقد ولا عداوة بعد الإيمان. {ونادى أَصْحَابُ الجنة أَصْحَابَ النار أَن قَدْ وَجَدْنَا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين (٤٤) الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرى كافرون (٤٥) وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون (٤٦) وإذا صرفت أبصارهم تلقاء
483
أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين (٤٧) }
484
٤٦ - ﴿الأَعْرَافِ﴾ جمع ((عرف))، وهو سور بين الجنة والنار، مأخوذ من الارتفاع، منه عرف الديك، وأصحابه فضلاء المؤمنين، قاله الحسن ومجاهد، أو ملائكة في صورة الرجال، أو قوم بطأت بهم صغائرهم إلى آخر الناس، أو قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فجعلوا هنالك حتى يقضي الله - تعالى - فيهم ما شاء الله ثم يدخلون الجنة، قاله ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - أو قوم قُتلوا في سبيل الله - تعالى - عصاة لآبائهم، سُئل الرسول ﷺ عن أصحاب الأعراف فقال ((قوم قُتلوا في سبيل الله - تعالى - بمعصية آبائهم أن يدخلوا الجنة)). ﴿بِسِيمَاهُمْ﴾ علامات في وجوههم وأعينهم، سواد الوجه
484
وزرقة العين لأهل النار، وبياضه وحسن العين لأهل الجنة. ونادى أصحاب الأعراف رجالاً يعرفونهم بسيماهم قالوا مآ أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون (٤٨) أهؤلآء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لاخوف عليكم ولآ أنتم تحزنون (٤٩) ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من المآء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين (٥٠) الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقآء يومهم هذا وما كانوا بئاياتنا يجحدون (٥١) }
485
٤٨ - ﴿وَنَادَى﴾ وينادي، أو تقديره: إذا كان يوم القيامة نادى. ﴿ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون (٥٢) هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تاويله يقول الذين نسوه من قبل قد جآءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعآء فيشفعوا لنآ أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروآ أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (٥٣) ﴾
٥٣ - ﴿تَأْوِيلَهُ﴾ تأويل القرآن: عاقبته من الجزاء، أو البعث والحساب. ﴿نَسُوهُ﴾ أعرضوا عنه فصار كالمنسِي، أو تركوا العمل به. ﴿إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (٥٤) ﴾
٥٤ - ﴿سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ من الأحد إلى الجمعة. ﴿اسْتَوَى﴾ أمره على العرش
485
قاله الحسن، أو استولى. ﴿الْعَرْشِ﴾ عبَّر به عن الملك لعادة الملوك الجلوس على الأَسرَّة، أو السموات كلها، لأنها سقف / وكل سقف عرش ﴿خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا﴾ [البقرة: ٢٥٩، الكهف: ٤٢] سقوفها أو موضع هو أعلى ما في السماء وأشرفه محجوب عن الملائكة. ﴿يُغْشِى﴾ ظلمة الليل ضوء النهار. ﴿يَطْلُبُهُ﴾ عبَّر عن سرعة التعاقب بالطلب. ﴿ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين (٥٥) ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين (٥٦) ﴾
486
٥٥ - ﴿تضرعا وخفية﴾ رغبة ورهبة، أو التضرع: التذلل، والخفية: الإسرار. ﴿لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ في الدعاء برفع الصوت، أو بطلب ما لا يستحقه من منازل الأنبياء، أو باللعنة والهلاك على من لا يستحقهما.
٥٦ - ﴿وَلا تُفْسِدُواْ فِى الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾ [لا تفسدوها بالكفر بعد إصلاحها] بالإيمان، أو بالمعصية بعد إصلاحها بالطاعة، أو بتكذيب الرسل بعد إصلاحها بالوحي، أو بقتل المؤمن بعد إصلاحها ببقائه. ﴿رحمة اللَّهِ﴾ أتت على المعنى لأنها " إنعام "، أو " مكان رحمة الله ". {وهو الذي يرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته حتى إذآ أقلت سحاباً ثقالاً
486
سقناه لبلد ميت فأنزلنا به المآء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون (٥٧) والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون (٥٨) }
487
٥٨ - ﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ﴾ القلب النقي ﴿يَخْرُجُ نَبَاتُهُ﴾ من الإيمان والطاعات ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ بما أمر به ذلك ﴿وَالَّذِى خَبُثَ﴾ من القلوب ﴿لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا﴾ بالكفر والمعاصي، قاله بعض أرباب القلوب، والجمهور على أنه من بلاد الأرض الطيِّب التربة والرخيص السعر، أو الكثير العلماء، أو العادل سلطانه. ضرب الله - تعالى - الأرض الطيبة مثلاً للمؤمن والخبيثة السبخة مثلاُ للكافر ﴿يَخْرُجُ نَبَاتُهُ﴾ زرعه وثماره ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ بلا كد على قول التربة، أو صلاح أهله على قول الطيب بالعلماء ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ بدين ربه أو كثرة أمواله وحسن أحواله على قول عدل السلطان ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِ) {بأمر ربه﴾ (وَالَّذِى خَبُثَ} في تربته، أو بغلاء أسعاره. أو بجور سلطانه، أو قلّة علمائه. ﴿نَكِداً﴾ بالكد والتعب، أو قليلاً لا ينتفع به، أو عسراً لشدته مانعا من خيره. {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (٥٩) قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين (٦٠) قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين (٦١) أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون (٦٢) أو عجبتم أن جآءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون (٦٣) فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك
487
وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنآ إنهم كانوا قوما عمين (٦٤) وإلى عاد أخاهم هوداً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون (٦٥) قال الملآ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين (٦٦) قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين (٦٧) أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين (٦٨) أو عجبتم أن جآءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفآء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا ءالآء الله لعلكم تفلحون (٦٩) قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آبآؤنا فأتنا بما تعدنآ إن كنت من الصادقين (٧٠) قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسمآء سميتموهآ أنتم وءابآؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين (٧١) فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين (٧٢) }
488
٦٩ - ﴿بَسطَةً﴾ قوة، أو بسط اليدين وطول الجسد، كان أقصرهم طوله اثنا عشر دراعاً. ﴿آلاء اللَّهِ﴾ نعمه، أو عهوده.