بسم الله الرحمان الرحيم
الباء مكسورة في نفسها وعملها الخفض لأنها من الحروف الجارة للأسماء، وهي صغيرة القامة في الخط، ونقطها التي تتميز عن غيرها واحد وهو نهاية القلة، ثم موضع هذه النقطة أسفل الحرف، فهي تشير إلى التواضع والخضوع لكل وجه.
والسين " من بسم الله " حرف ساكن فالإشارة من الباء ألا تذر- في الخضوع والتذلل، والجهد والتوسل- ميسورا، ثم تسكن منتظرا للتقدير، فإن من القبول بفضله.
فذلك المأمول، وإن رد بحكم فله الحكيم، فتوافق تقديره بالموافقة في الرضا به، إذا الميم تشبر إلى منته إن شاء، ثم إلى موافقتك لتقديره بالرضا به إن لم يمن.
ويقال الباء تشير إلى بيان قلوب أهل الحقائق بلطائف المكاشفات بما يختصهم الحق- سبحانه- بذلك من دون الخلق، فهم على بيان مما يخفى على الخلق، فالغيب لهم كشف، والخبر لهم عيان، وما للناس علم فلهم وجود.
والسين تشير إلى سرور قلوبهم عند تقريبات البسط بما (. . . ) فيه من وجوه المراعاة !وصنوف لطائف المناجاة، فهم في جنات النعيم، وعيش بسط وتكريم، ودوام روح مقيم.
والميم تشير إلى محبة الحق- سبحانه- لهم بدءا فإنها هي الموجبة لمحابهم، إذ عنها صدر كل حب فبمحبته لهم أحبوه، وبقصده إليهم طلبوه، وبإرادته لهم أرادوه.
ويقال نزهة أسرار الموحدين في الإناخة بعقوة بسم الله، فمن حل تلك الساحة رتع في حدائق القدس، واستروح إلى نسيم الأنس.
ويقال بسم الله موقف الفقراء بقلوبهم، فللأغنياء موقفهم عرفات، وللفقراء موقفهم المكاشفات والمشاهدات.
ويقال قالة " بسم الله " ربيع الأحباب، أزهارها لطائف الوصلة، ونورها زوائد القربة.
ﰡ
ويقال أَلِفَ القلبُ حديثَه فلم يحتشم من بَذْل روحه.
ويقال الألف تجرُّد مَنْ قَصَدَه عن كل غَيْرٍ فلم يتصل بشيء، وحين استغنى عن كل شيء اتصل به كل شيء على جهة الاحتياج إليه.
ويقال صورة اللام كصورة الألف ولكن لما اتصلت بالحروف تعاقبتها الحركات كسائر الحروف ؛ فمرةً أصبحت مفتوحة، ومرةً مسكونة، ومرة مرفوعة، وأمّا الألف التي هي بعيدة عن الاتصال بالعلاقات فباقية على وصف التجرد عن تعاقب الحركات عليها فهي على سكونها الأصلي.
وأمّا الصاد فتشير إلى صدق أحوال المشتاقين في القصد، وصدق أحوال العارفين في الوجد، وتشير إلى صدق قلوب المريدين وأرباب الطلب، إذ العطش نعت كلِّ قاصد، كما أن الدهشة وصف كل واحد.
ويقال الصاد تبدي محبةً للصدورِ وهو بلاء الأحباب.
ويقال الصاد تطالبك بالصدق في الود، وأمارة الصدق في الود بلوغ النهاية والكمال، حتى لا يزيد بالبر، ولا ينقص بالمنع.
﴿ ولنسألن المرسلين ﴾ سؤال تشريف وتقريب.
﴿ فلنسألن الذين أرسل إليهم ﴾ عن القبول فيتقنَّعون بذل الخجل.
﴿ ولنسألن المرسلين ﴾ عن البلاغ فيتكلمون ببيان الهيبة، فالكلُّ بِسِمةِ العبودية والتوقير، والحقُّ بنعت الكبرياء والتقدير.
ويقال أجرى الحقُّ - سبحانه - سُنَّتَه بتخويف العباد بعلمه مرة كما خوَّفهم بعقوبته تارة ؛ فقال تعالى :﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا ﴾[ البقرة : ٤٨ ] يعني العذاب الواقع في ذلك اليوم، وقال في موضع آخر﴿ ويحذِّركم الله نفسه ﴾[ آل عمران : ٢٨ ] وهذا أبلغ في التخويف، وقال
﴿ أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللهَ يَرَى ﴾[ العلق : ١٤ ].
﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ لاستعمالكم - في الخلاف - أبدانَكم، ولإنفاقكم - بالإسراف - أحوالكم، ولاستغراقكم - في الحظوظ - أوقاتكم. فلا نعمة الفراغ شكرتم، ولا من مسِّ العقوبة شكوتم. . . خسرتم وما شعرتم !
قال :﴿ أنا خير منه ﴾ ادَّعى الخيرية، وكان الواجب عليه - لولا الشقوة - أَنْ يؤثِرَ التذلَّلَ على التكبُّر، لا سيما والخطاب الوارد عليه من الحقِّ.
ثم إنه وإنْ سَلَكَ طريق القياس فلا وجه له مع النَّفس لأنه بِحَظٍّ، فلم يزِدْه قياسُه إلا في استحقاق نفيه إذ ادَّعى الخيرية بجوهره، ولم يعلم أن الخيرية بحكمه - سبحانه - وقسمته.
ويقال مَنْ رأى لنفسه محلاً أو قيمة فهو متكبِّر، والمتكبِّر بعيد عن الحق سبحانه، ورؤية المقام قَدْحٌ في الربوبية إذ لا قَدْرَ لغيره تعالى، فَمَنْ ادَّعى لنفسه محلا فقد نازع الربوبية.
ويقال التقى آدمُ بإبليس بعد ذلك فقال : يا شَقِيُّ ! وسوستَ إليَّ وفعلتُ !، فقال إبليس لآدم. يا آدم ! هَبْ أنِّي إبليسُك فَمَنْ كان إبليسي ! ؟.
قوله جلّ ذكره :﴿ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُورِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءاتِهِمَا ﴾.
وفي ذلك دلالة على عناية زائدة حيث قال :﴿ لِيُبْدِىَ لَهُمَا ﴾ فلم يطلع على سوأتهما غيرهما.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الخَالِدِينَ ﴾.
تاقت أنفسهما إلى أن يكونا مَلَكين - لا لأن رتبة الملائكة كانت أعلى من رتبة آدم عليه السلام - ولكن لانقطاع الشهوات والمنى عنهما.
ويقال لمَّا طمعا في الخلود وقعا في الخمود، ووقعا في البلا والخوف ؛ وأصلُ كلَّ محنةٍ الطمعُ.
ويقال إذا كان الطمع في الجنة - وهي دار الخلود - أَوْجَبَ كُلَّ تلك المحن فالطمع في الدنيا - التي هي دار الفناء - متى يسلم صاحبه من ذلك ؟ ويقال إن يكونا إنما ركنا إلى الخلود فلا لنصيبِ أنفسهما، ولكن لأجل البقاء مع الله تعالى، وهذا أَوْلى لأنه يوجب تنزيه محلِّ النبوة. وقيل ساعاتُ الوصال قصيرة وأيام الفراق طويلة، فما لبثا في دار الوصلة إلاَّ بعضاً من النهار ؛ دَخَلاَ ضحوةَ النهار وخَرَجَا نِصْفَ النهار ! ويقال إن الفراقَ عينٌ تصيب أهلَ الوصلة، وفي معناه قال قائلهم :
إنْ تكُنْ عينٌ أصابتك فما | إلا لأنَّ العين تصيب الحَسَنَا |
حين تمَّ الهوى وقلنا سُرِرْنا | وحَسِبْنا مِنْ الفراق أَمنَّا |
بَعَثَ البَيْنُ رُسْلَه في خفاءٍ | فأبادوا من شملنا ما جمعنا |
ويقال لمَّا بَدَتْ سوأتهما احتالا في السَّتْرِ، وطَفِقَا يخصفان عليهما من ورق الجنة فبعدما كانت كسوتهما حُلَلَ الجنة ظَّلا يستتران بورق الجنة، كما قيل :
لله دَرُّهمُ مِنْ فِتْيَةٍ بكروا | مثل الملوك، وراحوا كالمساكين |
لا تعجبوا لمذلتي فأنا الذي | عَبَثَ الزمان بمهجتي فأذَلَّها |
وكانت - على الأيام - نفسي عزيزة | فلمَّا رأت صبري على الذلِّ ذلَّتِ |
فَلَمْ تعرِف قدره. " فَذُقْ جزايا خِلافِك " فكان يسكن عن الجزع. ويقال بل الحكم بالخنوع كما قيل :
وجاشَتْ إليَّ النفسُ أوَّلَ مرةٍ | وزيدت على مكروهها فاستقرتِ |
كانت لا تصل يدُه إلى الأوراق حين أراد قطافها ليخصفها على نفسه، فلو لم تصل يده إلى تلك الشجرة - التي هي شجرة المحنة - لكان ذلك عنايةً بشأنه، ولكن وصلت يده إلى شجرة المحنة، تتمةً للبلاء والفتنة، ولو لم تصل يده إلى شجرة الستر - إبلاغاً في القهر - لَمَا خالف الأمر، ولَمَا حَصَلَ ما حَصَلَ.
﴿ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ﴾ : فكان ما دَاخَلَهما من الخجل أشدَّ من كل عقوبة ؛ لأنهما لو كانا من الغيبة عند سماع النداء فإن الحضور يوجب الهيبة، فلما ناداهما بالعتاب حَلَّ بهما من الخجل ما حلّ، وفي معناه أنشدوا :
واخجلتا من وقوفي وَسْطَ دَارِهمُ *** إذ قال لي مغضبا : من أنت يا رجل ؟
ويقال لم يُخْرَج آدم عليه السلام من رتبة الفضيلة وإنْ أُخرِجَ عن دار الكرامة، فلذلك قال الله تعالى :﴿ ثُمَّ اجتَبَاهُ رَبُّهُ ﴾[ طه : ١٢٢ ] وأما إبليس - لعنةُ الله عليه - فإنه أُخْرِجَ من الحالة والرتبة ؛ فلم ينتعش قط عن تلك السَّقْطة.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾.
﴿ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ ﴾ هذا عامٌّ ﴿ ومَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ : أراد به إبليسَ على الخصوص.
ثم قال :﴿ وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ﴾ فإن اللباس الظاهر يقي آفاتِ الدنيا، ولباس التقوى يصون عن الآفات التي توجب سخط المولى، ولباس التقوى بجميع أجزاء العبد وأعضائه. وللنَّفْس لباسٌ من التقوى وهو بذل الجهد والروح والقلب، لباس من التقوى وهو صدق القصد بنفي الطمع. وللروح لباس من التقوى وهو ترك العلائق وحذف العوائق. وللسرِّ لباسٌ من التقوى وهو نفي المساكنات والتصاون من الملاحظات.
ويقال تقوى العُبَّاد ترك الحرام، وتقوى العارفين نفي مساكنة الأنام. ويقال للعوام التقوى، وللخواص للباس التقوى عن شهود التقوى.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هَوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾.
لا يحصل للعبد احتراس من رؤية الشيطان إياه وهو عنه غائب إلا برؤية العبد للحق - سبحانه - بقلبه، فيستغيث إليه من كيده، فيُدْخِلْه - سبحانه - في كنف عنايته فيجد الخلاص من مكر الشيطان.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَقِيمُوا وَجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾.
الإشارة منه إلى استدامة شهوده في كل حالة، وألا تنساه لحظةً في كلِّ ما تأتيه وتذره وتقدمه وتؤخره.
وجملة العلم بالقضاءِ والقَدَرِ أن يتحقق أنه علم ما يكون أنه كيف يكون، وأراد أن يكون كما علم. وما علم ألا يكون - مما جاز أن يكون أراده ألا يكون - أخبر أنه لا يكون. وهو على وجه الذي أخبر، وقضى على العبد وقدَّر أجرى عليه ما سبق به الحكم، وعلى ما قضى عليه حصل العبد على ذلك الوصف
ويقال زينة نفوس العابدين آثار السجود، وزينة قلوب العارفين أنوار الوجود ؛ فالعبد على الباب بنعت العبودية، والعارف على البساط بحكم الحرية. وشتَّان بين عبدٍ وعبد !.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ ﴾.
الإسراف ما تناولته لَكَ ولو بقدر سمسمة.
ويقال الإسراف هو التعدي عن حدِّ الاضطرار فيما يتضمن نصيباً لك أو حظّاً بأي وجهٍ كان.
ويقال زينةُ النفوس صدارُ الخدمة، وزينة القلوب حفظ الحرمة، وزينة الأرواح الإطراق بالحضرة باستدامة الهيبة والحشمة.
ويقال زينة اللسان الذكر وزينة القلب الشكر.
ويقال زينة الظاهر السجود وزينة الباطن الشهود.
ويقال زينة النفوس حسن المعاملة من حيث المجاهدات، وزينة القلوب دوام المواصلة من حيث المشاهدات.
ومعنى قوله :﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِى. . . ﴾ يعني إن الله لم يمنع هذه الزينة عمن تعرض لوجدانها، فمن تصدى لطلبها فهي مباحة له من غير تأخير قصود.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾.
أرزاق النفوس بحكم أفضاله سبحانه، وأرزاق القلوب بموجب إقباله تعالى.
ويقال أرزاق المريدين إلهام ذكر الله، وأرزاق العارفين الإكرام بنسيان ما سوى الله.
ويقال ما ظهر منها كان بنسيان الشريعة، وما بطن بإشارة الحقيقة.
ويقال لقومٍ تركُ الرخص يكون علة، والأوْلى بهم والأفضل لهم الأخذ به. وقومٌ لو ركنوا إلى الرُّخص لقامت عليهم القيامة.
ويقال فاحشة الخواص تتبع ما لأنفسهم فيه نصيب ولو بذرة ولو بذرة أو سِنَّة.
ويقال فاحشة الأحبابِ الصبر على المحبوب.
ويقال فاحشةُ الأحبابِ أن تبقى حيَّاً وقد منيت بالفراق، قال قائلهم :
لا عيش بعد فراقهم *** هذا هو الخطب الأَجَلُّ
ويقال فاحشة قومٍ أن يلاحظوا غيراً بعين الاستحقاق، قال قائلهم :
يا قُرَّةَ العين سَلْ عيني هل اكتحلت *** بمنظر حسنٍ مذ غبت عن عيني ؟
ويقال فاحشة قوم أن تبقى لهم قطرةُ من الدمع ولم يسكبوها للفرقة، أو يبقى لهم نَفَسٌ لم يَتَنَفُّسوا به في حسرة، وفي معناه أنشدوا :
لئن بقِيَتْ في العين منِّي دمعةٌ *** فإني إذاً في العاشقين دخيلُ
ويقال إذا سقط قرصُ الشمس زال سلطانُ النهار فلا يزداد بعده إلا تراكم الظلمة، فإذا ارتحلت عساكرُ الظلام بطلوع الفجر فبعد ذلك لا تبقى فيه للنهار تهمةٌ.
ويقال من سبقت له قسمة السعادة فلو وقع في قَعْرِ اللَّظَى تداركتْه العنايةُ وأخرجتْه الرحمةُ، ومَنْ سَبَقَتْ له قسمةُ الشقاوةِ. . فلو نزل الفراديس تداركته السخطة وأخرجته اللعنة.
ويقال لمَّا خَلَق الجنة وَكَلَ ترتبيها إلى رضوان، والعرش ولي حفظه إلى الجملة، والكعبة سلَم مفتاحها إلى بني شيبة، وأمَّا تطهير صدور المؤمنين فتولاّه بنفسه.
وقال :﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ﴾.
ويقال إذا نزع الغل من الصدور مِنْ قِبَله فلا محلّ للغرم الذي لزمهم بسبب الخصوم حيث كان منه سبحانه وجه آدائه.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَقَالُوا الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي لَوْلاَ أَنْ هَدَانَا اللهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالحَقِّ ﴾.
في قولهم اعترافٌ منهم وإقرارٌ بأنهم لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه من جزيل تلك العطيات، وعظيم تلك الرتب والمقامات بجهدهم واستحقاق فعلهم، وإنما ذلك أجمع ابتداء فضل منه ولطف.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾.
تسكينٌ لقلوبهم، وتطييبٌ لهم، وإلا فإذا رأوا تلك الدرجات علموا أن أعمالهم المشوبة بالتقصير لم توجب لهم كل تلك الدرجات.
ويقال حجاب وأي حجاب ! لا يُرفَع بحيلة ولا تنفع معه وسيلة.
حجابٌ سبق به الحكم قبل الطاعة والجُرْم.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ ﴾.
هؤلاء الأشراف خصوا بأنوار البصائر اليوم فأشرفوا على مقادير الخلْق بأسرارهم، ويشرفون غداً على مقامات الكل وطبقات الجميع بأبصارهم.
ويقال يعرفونهم غداً بسيماهم التي وجدوهم عليها في دنياهم ؛ فأقوامٌ موسومون بأنوار القرب، وآخرون موسومون بأنوار الرد والحجب.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ ﴾.
سَلِمُوا اليومَ عن النكرة والجحودِ، وأكرِمُوا بالعرفان والتوحيد.
وسلموا غداً من فنون الوعيد، وسَعِدُوا بلطائف المزيد. وتحققوا أنهم بلغوا من الرتب ما لم يَسْمُ إليه طرْفُ تأميلهم، ولم يُحِطْ بتفصيله كُنْهُ عقولهم.
ثم أَبْصِرْ كيف لا يسقيهم قطرةً - مع استغنائه عن تعذيبهم، وقدرتِه على أن يعطيه ما يريدون ! ولكنه قهر الربوبية وعِزُّ الأحدية، وأنه فَعَّالٌ لما يريد. فكما لم يرزقهم - اليومَ - من عرفانه ذرة، لا يسقيهم غداً في تلك الأحوال قطرة، وفي معناه أنشدوا :
وأَقْسَمْنَ لا يسقيننا - الدهرَ - قطرةً | ولو فُجِّرت من أرضهن بحورُ |
يا نازحاً نَزَفَتْ دمعي قطيعتُه | هَبْ لي من الدمعِ ما أبكي عليكَ به |
جرف البكاءُ دموعَ عينك فاستعِرْ | عيناً لغيرك دمعها مدرار |
مَنْ ذا يُعيرك عينَه تبكي بها | أرأيتَ عيناً للبكاء تُعار ؟ |
ثم كما يدخل في الظاهر الليل على النهار والنهارَ على الليل فكذلك يدخل القبض على البسط والبسط على القبض. ومنه الإشارة إلى ليل القلوب ونهار القلوب : فَمِنْ عبدٍ أحواله أجمع قبض، ومن عبدِ أحواله أجمع بسط، ومن عبيد يكون مرة بعين القبض ومرة بعين البسط كما أن بعض أقطار العالَم فيها نهار بلا ليل، وفي بعضها ليل بلا نهار، وفي بعضها ليل يدخل على نهار ونهار يدخل على ليل.
﴿ أَلاَ لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ ﴾ فمنه الخير والشر، والنفع والضر، فإن له الخلْقَ والأمر.
﴿ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ﴾ هذه الكلمة مجمع الدعاء لاشتمالها على إفادة معنى قِدَمِه ودوامِ ثبوته من حيث يُقال بَرَكَ الطيرُ على الماء.
وأفادت معنى جلاله الذي هو استحقاقه لنعوت العِزِّ لأنه قد تبارك أي تعظَّم. وأشارت إلى إسداد النِّعم وإتاحة الإحسان من حيث إن البَرَكَة هي الزيادة فهي مجمع الثناء والمدح للحق سبحانه.
ويقال علَّمهم آداب الدعاء حيث قال :﴿ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ﴾ وهذا أدب الدعاء ؛ أن يَدْعُوا بوصف الافتقار والانكسار ونشر الاضطرار. ومن غاية ما تقرر لديك نعت كرمه بك أنه جعل إمساكَكَ عن دعائه - الذي لا بد منه - اعتداء منك.
وفي الجملة : الرجوعُ من الأعلى إلى الأدنى إفسادٌ في الأرض بعد الإصلاح.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ المُحْسِنِينَ ﴾.
يقال المحسنين عملاً والمحسنين أملاً، فالأول العابدون والثاني العاصون.
ويقال المحسن من كان حاضراً بقلبه غير لاهٍ عن ربِّه ولا ناسياً لِحقِّه.
ويقال المحسن القائم بما يلزم من الحقوق.
ويقال المحسن الذي لم يخرج (. . . ) عن إحسانه بقدر الإمكان ولو بشطر كلمة.
ولقد تشمَّمْتُ القضاءَ لحاجتي | فإذا له من راحتيك نسيم |
الإشارة منه أنه يحصل بالمهجور ما يتأذى به الصدر ويُبَرِّحُ به الوجه ويَنْحلُ به الجسم، بل يُبْطِلُ كلَّه البعد، فيأتيه القُرب فيعود عود وصاله بعد الذبول طرياً، ويصير دارس حاله عقيب السقوط نديا، كما قال بعضهم :
كُنّا كمن أُلْبِسَ أكفانه | وقرَّب النعشُ من اللَّحد |
فجالتْ الروحُ في جسمه | وردَّه الوصلُ إلى المولد |
قوله جلّ ذكره :﴿ وَزَادَكُمْ فِى الخَلْقِ بَسطَةً ﴾.
كما زاد قوماً على من تقدمهم في بسطة الخَلْقِ زاد قوماً على من تقدمهم في بسطة الخُلُق، وكما أوقع التفاوتَ بين شخصٍ وشخص فيما يعود إلى المباني أوقع التباين بين قوم وقوم فيما يرجع إلى المعاني.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾.
النَّعماء عام، والآلاء خاص، فتلك تتضمن ترويح الظواهر، وهذه تتضمن التلويح في السرائر، تلك بالترويح بوجود المبار، وهذه بالتلويح بشهود الأسرار.
أراكَ بقيةً من قوم موسى | فهم لا يصبرون على طعام |
لا يهتدي قلبي إلى غيركم | لأنه سُدَّ عليه الطريق |
وأخبر - سبحانه - أنه نجَّى هوداً برحمته، وكذلك نجَّى الذين آمنوا معه برحمته، ليُعْلَمَ أنَّ النجاةَ لا تكون باستحقاق العمل، وإنما تكون بابتداء فضلٍ من الله ورحمته ؛ فما نَجَا مَنْ نجا إلا بفضل الحق سبحانه.
ثم أخبر عن إمضاءِ سُنَّتِه تعالى بإرسال الرسل عليهم السلام، وإمهال أُمَمِهم ريثما ينظرون في معجزات الرسل.
ثم أخبر عما دَرَجُوا عليه في مقابلتهم الرسل بالتكذيب تسليةً للمصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى آله - فيما كان يقاسي من بلاء قومه.
وما ضرَّ نصلَ السيف إخلاقُ غمده | إذا كان غَصْباً حيث وجهته وترا |
وما ضرَّ نصلَ السيف إخلاقُ غمده | إذا كان غَصْباً حيث وجهته وترا |
وكم سُقْتُ في آثاركم من نصيحةٍ | وقد يستفيد البغضة المتنصح |
قوله جلّ ذكره :﴿ وَاذْكُرُوا إِذَا كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُم وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ﴾.
مَنَّ عليهم بتكثير العدد لأن بالتناصر والتعاون تمشي الأمور ويحصل المراد.
ويقال كما أن كل أمرٍ بالأعوان والأنصار خيراً أو شراً، فلا نعمة فوق اتفاق الأنصار في الخير، ولا محنة فوق اتفاق الأعوان في الشر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَاذْكُرُوا إِذَا كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُم وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُوا بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَّمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الحَاكِمِينَ ﴾.
مَنَّ عليهم بتكثير العدد لأن بالتناصر والتعاون تمشي الأمور ويحصل المراد.
ويقال كما أن كل أمرٍ بالأعوان والأنصار خيراً أو شراً، فلا نعمة فوق اتفاق الأنصار في الخير، ولا محنة فوق اتفاق الأعوان في الشر.
ثم اشتاقوا إلى جميل التوكل فقالوا :﴿ عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا ﴾ أي به وَثِقْنَا، ومنه الخيرَ أَمَّلْنا.
ثم فوضوا أمورهم إلى الله فقالوا :﴿ رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالحَقِّ ﴾ فتداركهم الحقُّ - سبحانه - عند ذلك بجميل العصْمة وحسن الكفاية.
قوله جلّ ذكره :﴿ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الخَاسِرِينَ ﴾.
الحقُّ غالِبٌ في كل أمر، والباطل زاهق بكل وصف، وإذا كانت العِزَّةُ نعتَ مَنْ هو أزليُّ الوجود، وكان الجلال حقَّ مَنْ هو المَلِك فأي أثر للكثرة مع القدرة ؟ وأي خطر للعلل مع الأزل ؟ ولقد أنشدوا في قريبٍ من هذا :
استقبلني وسيفه مسلول | وقال لي واحدنا معذول |
ويقال ليست العِبْرة بالنعمة إنما العبرة بالبركة في النعمة، ولذا لم يَقُلْ أضعفنا لهم النعمة ولكنه قال : باركنا لهم فيما خوَّلنا.
ويقال ليست العِبْرة بالنعمة إنما العبرة بالبركة في النعمة، ولذا لم يَقُلْ أضعفنا لهم النعمة ولكنه قال : باركنا لهم فيما خوَّلنا.
ويقال رُبَّ ليلةٍ مُفْتَتَحةٍ بالفَرَحِ مختتمةٌ ( بالترح ). ويقال رُبّ يومٍ تطلع شمسه من أوج السعادة قامت ظهيرته على قيام الفتنة.
ويقال : شكا مِنْ أكثرِهم إلى أقلِّهم، فالأكثرون مَنْ ردَّتهم القسمة، والأقلون مَنْ قَبِلَتْهم الوصلة.
ورماني بأسهم صائباتٍ *** وتعمدته بسهم فطاشا
فَبَيْنَاهم في توهِّم أنَّ الغلبة لهم فُتِحَ عليهم - من مكامن القدرة - جيشٌ، فوجدوا أنفسهم - في فتح القدرة - مقهورين بسيف المشيئة.
ورماني بأسهم صائباتٍ *** وتعمدته بسهم فطاشا
فَبَيْنَاهم في توهِّم أنَّ الغلبة لهم فُتِحَ عليهم - من مكامن القدرة - جيشٌ، فوجدوا أنفسهم - في فتح القدرة - مقهورين بسيف المشيئة.
ورماني بأسهم صائباتٍ *** وتعمدته بسهم فطاشا
فَبَيْنَاهم في توهِّم أنَّ الغلبة لهم فُتِحَ عليهم - من مكامن القدرة - جيشٌ، فوجدوا أنفسهم - في فتح القدرة - مقهورين بسيف المشيئة.
بسم الله الرحمان الرحيم
الباء مكسورة في نفسها وعملها الخفض لأنها من الحروف الجارة للأسماء، وهي صغيرة القامة في الخط، ونقطها التي تتميز عن غيرها واحد وهو نهاية القلة، ثم موضع هذه النقطة أسفل الحرف، فهي تشير إلى التواضع والخضوع لكل وجه.
والسين " من بسم الله " حرف ساكن فالإشارة من الباء ألا تذر- في الخضوع والتذلل، والجهد والتوسل- ميسورا، ثم تسكن منتظرا للتقدير، فإن من القبول بفضله.
فذلك المأمول، وإن رد بحكم فله الحكيم، فتوافق تقديره بالموافقة في الرضا به، إذا الميم تشبر إلى منته إن شاء، ثم إلى موافقتك لتقديره بالرضا به إن لم يمن.
ويقال الباء تشير إلى بيان قلوب أهل الحقائق بلطائف المكاشفات بما يختصهم الحق- سبحانه- بذلك من دون الخلق، فهم على بيان مما يخفى على الخلق، فالغيب لهم كشف، والخبر لهم عيان، وما للناس علم فلهم وجود.
والسين تشير إلى سرور قلوبهم عند تقريبات البسط بما (... ) فيه من وجوه المراعاة !وصنوف لطائف المناجاة، فهم في جنات النعيم، وعيش بسط وتكريم، ودوام روح مقيم.
والميم تشير إلى محبة الحق- سبحانه- لهم بدءا فإنها هي الموجبة لمحابهم، إذ عنها صدر كل حب فبمحبته لهم أحبوه، وبقصده إليهم طلبوه، وبإرادته لهم أرادوه.
ويقال نزهة أسرار الموحدين في الإناخة بعقوة بسم الله، فمن حل تلك الساحة رتع في حدائق القدس، واستروح إلى نسيم الأنس.
ويقال بسم الله موقف الفقراء بقلوبهم، فللأغنياء موقفهم عرفات، وللفقراء موقفهم المكاشفات والمشاهدات.
ويقال قالة " بسم الله " ربيع الأحباب، أزهارها لطائف الوصلة، ونورها زوائد القربة.
بسم الله الرحمان الرحيم
الباء مكسورة في نفسها وعملها الخفض لأنها من الحروف الجارة للأسماء، وهي صغيرة القامة في الخط، ونقطها التي تتميز عن غيرها واحد وهو نهاية القلة، ثم موضع هذه النقطة أسفل الحرف، فهي تشير إلى التواضع والخضوع لكل وجه.
والسين " من بسم الله " حرف ساكن فالإشارة من الباء ألا تذر- في الخضوع والتذلل، والجهد والتوسل- ميسورا، ثم تسكن منتظرا للتقدير، فإن من القبول بفضله.
فذلك المأمول، وإن رد بحكم فله الحكيم، فتوافق تقديره بالموافقة في الرضا به، إذا الميم تشبر إلى منته إن شاء، ثم إلى موافقتك لتقديره بالرضا به إن لم يمن.
ويقال الباء تشير إلى بيان قلوب أهل الحقائق بلطائف المكاشفات بما يختصهم الحق- سبحانه- بذلك من دون الخلق، فهم على بيان مما يخفى على الخلق، فالغيب لهم كشف، والخبر لهم عيان، وما للناس علم فلهم وجود.
والسين تشير إلى سرور قلوبهم عند تقريبات البسط بما (... ) فيه من وجوه المراعاة !وصنوف لطائف المناجاة، فهم في جنات النعيم، وعيش بسط وتكريم، ودوام روح مقيم.
والميم تشير إلى محبة الحق- سبحانه- لهم بدءا فإنها هي الموجبة لمحابهم، إذ عنها صدر كل حب فبمحبته لهم أحبوه، وبقصده إليهم طلبوه، وبإرادته لهم أرادوه.
ويقال نزهة أسرار الموحدين في الإناخة بعقوة بسم الله، فمن حل تلك الساحة رتع في حدائق القدس، واستروح إلى نسيم الأنس.
ويقال بسم الله موقف الفقراء بقلوبهم، فللأغنياء موقفهم عرفات، وللفقراء موقفهم المكاشفات والمشاهدات.
ويقال قالة " بسم الله " ربيع الأحباب، أزهارها لطائف الوصلة، ونورها زوائد القربة.
بسم الله الرحمان الرحيم
الباء مكسورة في نفسها وعملها الخفض لأنها من الحروف الجارة للأسماء، وهي صغيرة القامة في الخط، ونقطها التي تتميز عن غيرها واحد وهو نهاية القلة، ثم موضع هذه النقطة أسفل الحرف، فهي تشير إلى التواضع والخضوع لكل وجه.
والسين " من بسم الله " حرف ساكن فالإشارة من الباء ألا تذر- في الخضوع والتذلل، والجهد والتوسل- ميسورا، ثم تسكن منتظرا للتقدير، فإن من القبول بفضله.
فذلك المأمول، وإن رد بحكم فله الحكيم، فتوافق تقديره بالموافقة في الرضا به، إذا الميم تشبر إلى منته إن شاء، ثم إلى موافقتك لتقديره بالرضا به إن لم يمن.
ويقال الباء تشير إلى بيان قلوب أهل الحقائق بلطائف المكاشفات بما يختصهم الحق- سبحانه- بذلك من دون الخلق، فهم على بيان مما يخفى على الخلق، فالغيب لهم كشف، والخبر لهم عيان، وما للناس علم فلهم وجود.
والسين تشير إلى سرور قلوبهم عند تقريبات البسط بما (... ) فيه من وجوه المراعاة !وصنوف لطائف المناجاة، فهم في جنات النعيم، وعيش بسط وتكريم، ودوام روح مقيم.
والميم تشير إلى محبة الحق- سبحانه- لهم بدءا فإنها هي الموجبة لمحابهم، إذ عنها صدر كل حب فبمحبته لهم أحبوه، وبقصده إليهم طلبوه، وبإرادته لهم أرادوه.
ويقال نزهة أسرار الموحدين في الإناخة بعقوة بسم الله، فمن حل تلك الساحة رتع في حدائق القدس، واستروح إلى نسيم الأنس.
ويقال بسم الله موقف الفقراء بقلوبهم، فللأغنياء موقفهم عرفات، وللفقراء موقفهم المكاشفات والمشاهدات.
ويقال قالة " بسم الله " ربيع الأحباب، أزهارها لطائف الوصلة، ونورها زوائد القربة.
بسم الله الرحمان الرحيم
الباء مكسورة في نفسها وعملها الخفض لأنها من الحروف الجارة للأسماء، وهي صغيرة القامة في الخط، ونقطها التي تتميز عن غيرها واحد وهو نهاية القلة، ثم موضع هذه النقطة أسفل الحرف، فهي تشير إلى التواضع والخضوع لكل وجه.
والسين " من بسم الله " حرف ساكن فالإشارة من الباء ألا تذر- في الخضوع والتذلل، والجهد والتوسل- ميسورا، ثم تسكن منتظرا للتقدير، فإن من القبول بفضله.
فذلك المأمول، وإن رد بحكم فله الحكيم، فتوافق تقديره بالموافقة في الرضا به، إذا الميم تشبر إلى منته إن شاء، ثم إلى موافقتك لتقديره بالرضا به إن لم يمن.
ويقال الباء تشير إلى بيان قلوب أهل الحقائق بلطائف المكاشفات بما يختصهم الحق- سبحانه- بذلك من دون الخلق، فهم على بيان مما يخفى على الخلق، فالغيب لهم كشف، والخبر لهم عيان، وما للناس علم فلهم وجود.
والسين تشير إلى سرور قلوبهم عند تقريبات البسط بما (... ) فيه من وجوه المراعاة !وصنوف لطائف المناجاة، فهم في جنات النعيم، وعيش بسط وتكريم، ودوام روح مقيم.
والميم تشير إلى محبة الحق- سبحانه- لهم بدءا فإنها هي الموجبة لمحابهم، إذ عنها صدر كل حب فبمحبته لهم أحبوه، وبقصده إليهم طلبوه، وبإرادته لهم أرادوه.
ويقال نزهة أسرار الموحدين في الإناخة بعقوة بسم الله، فمن حل تلك الساحة رتع في حدائق القدس، واستروح إلى نسيم الأنس.
ويقال بسم الله موقف الفقراء بقلوبهم، فللأغنياء موقفهم عرفات، وللفقراء موقفهم المكاشفات والمشاهدات.
ويقال قالة " بسم الله " ربيع الأحباب، أزهارها لطائف الوصلة، ونورها زوائد القربة.
وكذا المَلُولُ إذا أراد قطيعة | ملَّ الوصال وقال كان وكانا |
إن الكريم إذا حبَاكَ بودِّه | سَتَر القبيح وأظهر الإحسانا |
المتفرد بالإيجاد هو الواحد ولكن بصائرهم مسدودة، وعقولهم عن شهود الحقيقة مصدودة، وأفهامهم عن إدراك المعاني مردودة.
إذا ارعوى عاد إلى جهله | كذي الضنى عاد إلى نكسه |
والشيخُ لا يترك أخلاقَه | حتى يُوارى في ثرى رمسه |
إذا ارعوى عاد إلى جهله | كذي الضنى عاد إلى نكسه |
والشيخُ لا يترك أخلاقَه | حتى يُوارى في ثرى رمسه |
ويقال مَنْ ابتغى بالصنم أن يكون معبوده متى يُتَوَّهم في وصفِه أَنْ يُخلِصَ إلى اللهِ قصودَه ؟
ويقال مَنْ ابتغى بالصنم أن يكون معبوده متى يُتَوَّهم في وصفِه أَنْ يُخلِصَ إلى اللهِ قصودَه ؟
أمطلينا وسَوِّفي *** وعِدِينا ولا تَفِي
ويقال عَلَّلَ الحقُّ - سبحانه - موسى بالوعد الذي وعده بأن يُسْمِعَه مرةً أخرى كلامَه، وذلك أنه في المرة الأولى ابتلاه بالإسماع من غير وعد، فلا انتظار ولا توقع ولا أمل، فأخذ سماعُ الخطاب بمجامع قلب موسى - عليه السلام - فعلَّق قلبه بالميقات المعلوم ليكون تأميله تعليلاً له، ثم إن وعد الحقِّ لا يكون إلا صدقاً، فاطمأن قلبُ موسى - عليه السلام - للميعاد، ثم لمَّا مضت ثلاثون ليلة أتى كما سَلَفَ الوعد فزاد له عشراً في الموعد. والمطل في الإنجاز غير محبوب إلا في سُنَّةِ الأحباب، فإن المطل عندهم أشهى من الإنجاز، وفي قريب من هذا المعنى أنشدوا :
أقيمي لعمرك لا تهجرينا *** ومَنِّينا المنى، ثم امطلينا
عِدينا موعداً ما شِئْتِ إنَّا *** نحبُّ وإنْ مطلت تواعدينا
فإِما تنجزي وعدَكِ أو فإنا *** نعيش نؤمل فيك حينا
قوله جلّ ذكره :﴿ وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ ﴾.
كان هارون - عليه السلام - حمولاً بحسن الخُلُق ؛ لمَّا كان المرورُ إلى فرعونَ استصحب موسى - عليه السلام - هارونَ، فقال الله - سبحانه - :﴿ وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى ﴾[ طه : ٣٢ ] بعد ما قال :﴿ وَأَخِى هَارُونَ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّى لِسَانًا ﴾[ القصص : ٣٤ ]. ولمَّا كان المرور إلى سماع الخطاب أفرده عن نفسه، فقال : و ﴿ اخْلُفْنِى فِى قَوْمِى ﴾ وهذا غاية لحَمْلِ من هارون ونهاية التصبر والرضاء، فلم يَقُلْ : لا أقيم في قومك. ولم يقل : هلاَّ تحملني مع نفسك كما استصحبتني حال المرور إلى فرعون ؟ بل صبر ورضي بما لزم، وهذه من شديدات بلاء الأحباب، وفي قريب منه أنشدوا :
قال لي من أحب والبين قد *** حلَّ وفاقاً لزفرتي وشهيقي
ما تُرى في الطريق تصنع بعدي *** قلت : أبكي عليك طول الطريق
ثم إن موسى لما رجع من سماع الخطاب، فرأى من قومه ما رأى من عبادة العِجْل أخذ برأس أخيه يجره إليه حتى استلطفه هارون - عليه السلام - في الخطاب، فقال :
﴿ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى ﴾[ طه : ٩٤ ].
ويقال لو قال هارون - عليه السلام : إن لم تعوضني عما فاتني من الصحبة فلا تعاتبني فيما لم أذنب فيه بحال ذرةً ولا حبَّةً. . لكان موضع هذه القالة.
ويقال الذنبُ كان من بني إسرائيل، والعتاب جرى مع هارون، وكذا الحديث والقصة، فما كلُّ مَنْ عصى وجنى استوجب العتابَ، فالعتابُ ممنوعُ عن الأجانب
ويقال لمَّا جاء موسى لميقات باسطِ الحقِّ - سبحانه - سقط بسماع الخطاب، فلم يتمالك حتى قال :﴿ أَرِنِى أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾، فإنَّ غَلَبَاتِ الوجد عليه استنطقته بطلب كمال الوصلة من الشهود، وكذا قالوا :
وأبرحُ ما يكونُ الشوقُ يوماً *** إذا دَنَتْ الخيامُ من الخيام
ويقال صار موسى - عليه السلام - عند سماع الخطاب بعين السُّكْر فنطق ما نطق، والسكران لا يُؤخذ بقوله، ألا ترى أنه ليس في نص الكتاب معه عتاب بحرف ؟
ويقال أخذته عِزَّةُ السَّمَاعِ فخرج لسانه عن طاعته جرياً على مقتضى ما صحبه مِنَ الأَرْيَحَيَّةِ وبَسْطِ الوصلة.
ويقال جمع موسى - عليه السلام - كلماتٍ كثيرةً يتكلم بها في تلك الحالة ؛ فإن في القصص أنه كان يتحمل في أيام الوعد كلمات الحق، ويقول لمعارفه : ألكم حاجة إلى الله ؟ ألكم كلام معه ؟ فإني أريد أن أمضي إلى مناجاته.
ثم إنه لما جاء وسمع الخطاب لم يذكر - مما دبَّره في نفسه، وتحمله من قومه، وجمعه في قلبه - شيئاً لا حرفاً، بل نطق بما صار في الوقت غالباً على قلبه، فقال :﴿ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ وفي معناه أنشدوا :
فيا ليلَ كم من حاجةٍ لي مهمة *** إذا جئتُكم ليلى فلم أدرِ ماهِيَا
ويقال أشدُّ الخَلْقِ شوقاً إلى الحبيب أقربُهم من الحبيب ؛ هذا موسى عليه السلام، وكان عريق الوصلة، واقفاً في محل المناجاة، محدقة به سجوفُ التولي، غالبة عليه بوادِهُ الوجود، ثم في عين ذلك كان يقول :﴿ رَبِّ أَرِنِى أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾ كأنه غائب عن الحقيقة. ولكن ما ازداد القومُ شَرْباً إلا ازدادوا عطشاً، ولا ازدادوا تيماً إلا ازدادوا شوقاً، لأنه لا سبيل إلى الوصلة إلا بالكمال، والحقُّ - سبحانه - يصونُ أسرار أصفيائه عن مداخلة الملال.
ويقال نطق موسى عليه السلام بلسان الافتقار فقال ﴿ رَبِّ أَرِنِى أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾ ولا أقلَّ من نظرة - والعبد قتيل هذه القصة - فقوبل بالردِّ، وقيل له :﴿ لَنْ تَرَانِى ﴾ وكذا قهر الأحباب ولذا قال قائلهم :
جَوْرُ الهوى أحسن من عَدْلِه *** وبخله أظرف من بذله
ويقال لمَّا صرَّح بسؤال الرؤية، وجهر صريحاً رُدَّ صريحاً فقيل له :﴿ لَن تَرَانِى ﴾، ولما قال نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - بِسِرِّه في هذا الباب، وأشار إلى السماء منتظراً الرد والجواب من حيث الرمز نزل قوله تعالى :﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ﴾[ البقرة : ١٤٤ ] فردَّه إلى شهود الجهات والأطلال إشارة إلى أنه أعزُّ من أن يطمح إلى شهوده - اليوم - طَرْفٌ، بل الألحاظ مصروفة موقوفة - اليومَ - على الأغيار.
ويقال لما سَمَتْ همَّتُه إلى أسنى المطالب - وهي الرؤية - قوبل " بِلَنْ، ولمَّا رجِعَ إلى الخلْق وقال للخضر﴿ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ﴾[ الكهف : ٦٦ ]، قال الخضر :﴿ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْرًا ﴾[ الكهف : ٦٧ ] فقابله بلن، فصار الردُّ موقوفاً على موسى - عليه السلام من الحق ومن الخلْق، ليكون موسى بلا موسى، ويكون موسى صافياً عن كل نصيب لموسى من موسى، وفي قريب منه أنشدوا :
(. . . . . . ) نحنُ أهلُ منازلٍ *** أبداً غرابُ البيْن فينا ينعق
ويقال طلب موسى الرؤية وهو بوصف التفرقة فقال :﴿ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ فأجيب بلن لأن عين الجمع أتم من عين الفَرْق. فزع موسى حتى خَرَّ صعقاً، والجبل صار دَكَّاً. ثم الروْح بعد وقوع الصعقة على القالب مكاشفته بما هو حقائق الأحدية، ويكون الحقُّ - بعد امتحاء معالم موسى - خيراً لموسى من بقاء موسى لموسى، فعلى الحقيقة : شهود الحقائق بالحقِّ أتمُ من بقاء الخلق بالخلق، كذا قال قائلهم :
ولوجهها من وجهها قمرٌ *** ولعينها من عينها كحل
ويقال البلاء الذي ورد على موسى بقوله :﴿ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى ﴾ ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا ﴾ أتمُّ وأعظم منه قولُه :﴿ لَن تَرَانِى ﴾ لأن ذلك صريحٌ في الرد، وفي اليأس راحة. لكنَّه لما قال فسوف أطْمِعُه فيما مُنعِه فلما اشتد موقُفه جعل الجبل دكاً، وكان قادراً على إمساك الجَبَل، لكنه قهر الأحباب الذي به جَرَتْ سُنَّتُهم.
ويقال في قوله :﴿ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ ﴾ بلاءٌ شديد لموسى لأنه نُفِيَ عن رؤية مقصوده ومُنِيَ برؤية الجبل، ولو أذِنَ أَنْ يُغْمِضَ جفنَه فلا ينظر إلى شيء بعدما بقي عن مراده من رؤيته لكان الأمرُ أسهلَ عليه، ولكنه قال له :﴿ لَن تَرَانِى وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ ﴾.
ثم أشدُّ من ذلك أنه أعطى الجبل التَّجليَ ؛ فالجبل رآه وموسى لم يَرَه، ثم أَمَرَ موسى بالنظر إلى الجبل الذي قدم عليه في هذا السؤال، وهذا - واللهِ - لصعبٌ شديد ! ! ولكن موسى لم ينازع، ولم يقل أنا أريد النظر إليك فإذا لم أرَكَ لا أنظر إلى غيرك بل قال : لا أرفع بصري عما أمرتني بأن أنظر إليه، وفي معناه أنشدوا :
أريدُ وصالَه ويريد هجري *** فأترك ما أريد لما يريد
ويقال بل الحق سبحانه أراد بقوله :﴿ وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ ﴾ تداركه قلبُ موسى - عليه السلام - حيث لم يترك على صريح الرد بل علله برفق كما قيل :
فذريني أفني قليلاً قليلاً ***. . .
ويقال لما رُدَّ موسى إلى حال الصحو وأفاق رجع إلى رأس الأمر فقال :﴿ تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾ يعني إن لم تكن الرؤية هي غاية المرتبة فلا أقل من التوبة، فَقَبِلَه - تعالى - لسمو همته إلى الرتبة العلية.
قوله جلّ ذكره :﴿ تُبْتُ إِلَيْكَ ﴾.
هذه إناخة بعقوة العبودية، وشرط الإنصاف ألا تبرحَ محلّ الخدمة وإِنْ حيل بينك وبين وجود القربة ؛ لأن القربةَ حظُّ نفسك، والخدمةَ حقُّ ربك، وهي تتم بألا تكون بحظ نفسك.
إنْ أعرضوا فهم الذين تَعَطَّفُوا | وإنْ جَنَوْا فاصبرْ لهم إن أخلفوا |
قوله جلّ ذكره :﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾.
فيه إشارة إلى أن الأَخْذَ يُشير إلى غاية القرْبِ، والمراد ها هنا صفاءُ الحال، لأن قربَ المكانِ لا يَصِحُّ على الله سبحانه.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾.
فَرْقٌ بين ما أمر به موسى من الأخذ وبين ما أمره أن يأمر به قومه من الأخذ، أَخْذُ موسى عليه السلام من الحق على وجهٍ من تحقيق الزلفة وتأكيد الوصلة، وأَخْذُهُم أخذُ قبولٍ من حيث التزام الطاعة، وشتان ما هما !.
قوله :﴿ بِأَحْسَنِهَا ﴾ بمعنى بِحُسْنِهَا، و يحتمل أن تكون الهمزة للمبالغة يعني : بأحسنها ألا تعرِّج على تأويل وارجع إلى الأَوْلى.
قوله جلّ ذكره :﴿ سَأُورِيكُمْ دَارَ الفَاسِقِينَ ﴾.
يعني عليها غَبَرةٌ العقوبة، خاوية على عروشها، ساقطة على سقوفها، مُنْهَدٌّ بنيانُها، عليه قَتَرةُ العِقاب.
والإشارة من دار الفاسقين إلى النُّفوس المتابعة للشهوات، والقلوب التي هي معادن المنى وفاسد الخطرات، فإنَّ الفِسقَ يوجب خرابَ المحل الذي يجري فيه ؛ فمن جرى على نفسه فِسْق خربت نفسه. وآية خراب النفوس انتفاءُ ما كان عليها وفيها من سكان الطاعات، فكما تتعطل المنازل عن قطانها إذا تداعت للخراب فكذلك إذا خربت النفوس بعمل المعاصي فتنتفي عنها لوازم الطاعات ومعتادها، فبعد ما كان العبد يتيسر عليه فعل الطاعات لو ارتكب شيئاً من المحظورات يشق عليه فعل العبادة، حتى لو خُيِّر بين ركعتي صلاة وبين مقاساة كثيرٍ من المشاق آثر تحمل المشاقِّ على الطاعة. . وعلى هذا النحو ظلمُ القلوب وفسادُها في إيجاب خراب محالها.
والتكبُّر جحدُ الحق - على لسان العلم، فَمَنْ جَحَدَ حقائقَ الحقِّ فجحودُه تكبُّره واعتراضُه على التقدير مما يتحقق جحودُه في القلب.
ويقال التكبُّر توهمُ استحقاقِ الحقِّ لك.
ويقال من رأى لنفسه قيمةً في الدنيا والآخرة فهو متكبِّر.
ويقال مَنْ ظَنَّ أَنَّ شيئاً منه أو له أو إليه - من النفي والإثبات - إلا على وجه الاكتساب فهو متكبِّر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
تبيَّن بهذا أنه لا يكفي شهودُ الحقِّ حقاً وشهودُ الباطلِ باطلاً بل لا بُدَّ من شهود الحق من وجود التوفيق للحق، ومنع شهود الباطل من وجود العصمة من اتباع الباطل.
ويقال إِنَّ الجاحِدَ للحقِّ - مع تحققه به - أقبحُ حالةً من الجاهل به المُقصِّرِ في تعريفه.
والتكبُّر جحدُ الحق - على لسان العلم، فَمَنْ جَحَدَ حقائقَ الحقِّ فجحودُه تكبُّره واعتراضُه على التقدير مما يتحقق جحودُه في القلب.
ويقال التكبُّر توهمُ استحقاقِ الحقِّ لك.
ويقال من رأى لنفسه قيمةً في الدنيا والآخرة فهو متكبِّر.
ويقال مَنْ ظَنَّ أَنَّ شيئاً منه أو له أو إليه - من النفي والإثبات - إلا على وجه الاكتساب فهو متكبِّر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الغَىِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
تبيَّن بهذا أنه لا يكفي شهودُ الحقِّ حقاً وشهودُ الباطلِ باطلاً بل لا بُدَّ من شهود الحق من وجود التوفيق للحق، ومنع شهود الباطل من وجود العصمة من اتباع الباطل.
ويقال إِنَّ الجاحِدَ للحقِّ - مع تحققه به - أقبحُ حالةً من الجاهل به المُقصِّرِ في تعريفه.
ويقال إن أقواماً رضوا بالعِجْلِ. أن يكونَ معبودَهم متى تشم أسرارُهم نسيمَ التوحيد ؟ هيهات لا ! لا ولا مَنْ لاحظ جبريلَ وميكائيلَ والعرشَ أو الثَّرى، أو الجِنَّ أو الورى. وإِنَّ مَنْ لَحِقَه ذلك أو وجد من قبيل ما يقبل نعوت الحدثان، أو صحَّ في التجويز أن ترتقي إليه صواعد التقدير وشرائط الكيفية فغيرُ صالحٍ لاستحقاق الإلهية.
ويقال شتَّان بين أمة وأمة ! أمة خرج نبيهم عليه السلام من بينهم أربعين يوماً فعبدوا العِجْلَ، وأمة خرج نبيُّهم - عليه السلام - من بينهم وأَتَى نيف وأربعمائة سنة فمن ذكر بين أيديهم أن الشموس والأقمار أو شيئاً من الرسوم والأطلال تستحق الإلهية أحرقوه بهممهم.
ويقال لا فصلَ بين الجسم والجسد، فكما لا يصلح أن يكون المعبود جسماً لا يصلح أن يكون متصفاً بما في معناه، ولا أن يكون له صوت فإن حقيقة الأصوات مُصَاكَّةُ الأجرام الصلبة، والتوحيد الأزلي ينافي هذه الجملة.
ويقال أَجْهِلْ بقوم آمنوا بأن يكونَ مصنوعُهم معبودَهم ! ولولا قهر الربوبية وأنه تعالى يفعل ما يشاء - فأَيُّ عقلٍ يُقِرُّ مثل هذا التلبيس ؟ !
قوله جلّ ذكره :﴿ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ ﴾.
جعل من استحقاقه نعوت الإلهية صحة الخطاب وأن تكون منه الهداية، وهذا يدل على استحقاق الحق بالنعوت بأن متكلِّمٌ في حقائق آزاله، وأنه متفرِّد بهداية العبد لا هاديَ سواه. وفيه إشارة إلى مخاطبة الحق - سبحانه - وتكليمه مع العبد، وإنَّ الملوكَ إذا جلَّتْ رتبتهم استنكفوا أن يخاطبوا أحداً بلسانهم حتى قال قائلهم :
وما عَجَبٌ تناسي ذِكْرِ عبدٍ | على المولى إذا كَثُرَ العبيدُ |
﴿ اخْسَئُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ ﴾[ المؤمنون : ١٠٨ ] وأمَّا المؤمنون فقال صلى الله عليه وسلم :" ما منكم إلا يكلمه ربُّه ليس بينه وبينه ترجمان "، وأنشدوا في معناه.
وما تزدهينا الكبرياءُ عليهمُ | إذا كلَّمونا أن نكلمهم مَرَدَّا |
أَفِقدانُ سماع الخطابِ ؟ أو بقاؤه عن سؤال الرؤية ؟ أو ما شاهد من افتنان بني إسرائيل، واستيلاء الشهوة على قلوبهم في عبادة العجل ؟ سبحان الله ! ما أَشدَّ بلاءه على أوليائه !
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلأَخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾.
إن موسى عليه السلام وإنْ كان سَمِعَ من اللهِ فتَنَ قومه فإنه لما شَاهَدَهُم أثَّرت فيه المشاهدةُ بما لم يؤثر فيه السماع، وإنْ عُلِمَ قطعاً أنه تأثر بالسماع إلا أن للمعاينة تأثيراً آخر.
ثم إن موسى لما أخذ برأس أخيه يجره إليه استلطفه هارونُ في الخطاب.
فقال :﴿ ابْنَ أُمَّ ﴾[ طه : ٩٤ ] فَذَكَرَ الأمَّ هنا للاسترفاق والاسترحام.
وكذلك قوله :﴿ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى ﴾[ طه : ٩٤ ] يريد بهذا أنه قد توالت المحنُ علي فذرني وما أنا فيه، ولا تَزِدْ في بلائي، خلفتني فيهم فلم يستنصحوني. وتلك عليَّ شديدةٌ. ولقيتُ بَعْدَكَ منهم ما ساءني، ولقد علمت أنها كانت علي عظيمة كبيرة، وحين رجعتَ أخذتَ في عتابي وجر رأسي وقصدْتَ ضربي، وكنت أود منك تسليتي وتعزيتي. فرِفقاً بي ولا تُشْمِتْ بي الأعداء، ولا تضاعِفْ عليّ البلاء.
وعند ذلك رقَّ له موسى - عليه السلام، ورجع إلى الابتهال إلى الله والسؤال بنشر الافتقار فقال :﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلأَخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ ﴾ وفي هذا إشارة إلى وجوب الاستغفار على العبد في عموم الأحوال، والتحقق بأنَّ له - سبحانه - تعذيبَ البريءِ ؛ إذ الخلقُ كُلُّهم مِلْكُه، وتَصَرُّفُ المالكِ في مِلْكه نافذٌ.
ويقال : ارتكابُ الذَّنْبِ كان من بني إسرائيل، والاعتذارُ كان من موسى وهارون عليهما السلام، وكذا الشرط في باب خلوص العبودية.
أَفِقدانُ سماع الخطابِ ؟ أو بقاؤه عن سؤال الرؤية ؟ أو ما شاهد من افتنان بني إسرائيل، واستيلاء الشهوة على قلوبهم في عبادة العجل ؟ سبحان الله ! ما أَشدَّ بلاءه على أوليائه !
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ القَوْمَ اسْتَضْعَفُونِى وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِى فَلاَ تُشْمِتْ بِىَ الأَعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلأَخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾.
إن موسى عليه السلام وإنْ كان سَمِعَ من اللهِ فتَنَ قومه فإنه لما شَاهَدَهُم أثَّرت فيه المشاهدةُ بما لم يؤثر فيه السماع، وإنْ عُلِمَ قطعاً أنه تأثر بالسماع إلا أن للمعاينة تأثيراً آخر.
ثم إن موسى لما أخذ برأس أخيه يجره إليه استلطفه هارونُ في الخطاب.
فقال :﴿ ابْنَ أُمَّ ﴾[ طه : ٩٤ ] فَذَكَرَ الأمَّ هنا للاسترفاق والاسترحام.
وكذلك قوله :﴿ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِى وَلاَ بِرَأْسِى ﴾[ طه : ٩٤ ] يريد بهذا أنه قد توالت المحنُ علي فذرني وما أنا فيه، ولا تَزِدْ في بلائي، خلفتني فيهم فلم يستنصحوني. وتلك عليَّ شديدةٌ. ولقيتُ بَعْدَكَ منهم ما ساءني، ولقد علمت أنها كانت علي عظيمة كبيرة، وحين رجعتَ أخذتَ في عتابي وجر رأسي وقصدْتَ ضربي، وكنت أود منك تسليتي وتعزيتي. فرِفقاً بي ولا تُشْمِتْ بي الأعداء، ولا تضاعِفْ عليّ البلاء.
وعند ذلك رقَّ له موسى - عليه السلام، ورجع إلى الابتهال إلى الله والسؤال بنشر الافتقار فقال :﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلأَخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ ﴾ وفي هذا إشارة إلى وجوب الاستغفار على العبد في عموم الأحوال، والتحقق بأنَّ له - سبحانه - تعذيبَ البريءِ ؛ إذ الخلقُ كُلُّهم مِلْكُه، وتَصَرُّفُ المالكِ في مِلْكه نافذٌ.
ويقال : ارتكابُ الذَّنْبِ كان من بني إسرائيل، والاعتذارُ كان من موسى وهارون عليهما السلام، وكذا الشرط في باب خلوص العبودية.
ويقال استداموا للإيمان فكان موافاتهم على الإيمان.
أو آمنوا بأنهم لو عادوا إلى ترك العهد وتضييع الأمر سقطوا من عين الله، إذ ليس كل مرة تسلم الجرة.
وإذا كانت حالة الأنبياء - عليهم السلام - أنه يغلبهم ما يعطلهم عن الاختيار فكيف الظن بِمنْ دونهم.
الذين اختارهم موسى قالوا :﴿ أرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ ﴾[ النساء : ١٥٣ ] والذين اختارهم الحق - سبحانه - قال الله تعالى فيهم :﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
[ القيامة : ٢٢ ].
ويقال إن موسى - عليه السلام - جاهر الحقَّ - سبحانه - بنعت التحقيق وفارق الحشمة وقال صريحاً :﴿ إنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ ﴾ ثم وَكَلَ الحكمَ إليه فقال :﴿ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاءُ وَتَهْدِى مَن تَشَاءُ ﴾ ثم عقَّبها ببيان التضرع فقال :﴿ فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴾، ولقد قدَّم الثناءَ على هذا الدعاء فقال :﴿ أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ﴾.
وفي هذه إشارة إلى تخصيص نبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - في التبري من الحول والقوة والرجوع إلى الحقِّ لأن موسى - عليه السلام قال :﴿ وَاكْتُبْ لَنَا فِى. . . . ﴾ ونبيُّنا صلى الله عليه وسلم قال :" لا تكلني إلى نفسي طرفة عين " ولا أقلَّ من ذلك، وقال :" واكفلني كفالة الوليد " ثم زاد في ذلك حيث قال :" لا أحصي ثناء عليك ".
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾.
أي مِلْنَا إلى دينك، وصِرْنَا لكَ بالكلية، في غير أَنْ نترك لأنفسنا بقية.
قوله جلّ ذكره :﴿ قَالَ عَذَابِى أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيءٍ ﴾.
وفي هذا لطيفة ؛ حيث لم يقل : عذابي لا أُخْلِي منه أحَداً، بل علَّقَه على المشيئة. وفيه أيضاً إشارة ؛ أنّ أفعاله - سبحانه - غيرُ مُعَلَّلَة بأكساب الخلق ؛ لأنه لم يقل : عذابي أصيب به العصاة بل قال :﴿ مَنْ أَشَاءُ ﴾ ؛ وفي ذلك إشارة إلى جواز الغفران لمن أراد لأنه قال :﴿ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ ﴾ فإذا شاء ألا يصيب به أحداً كان له ذلك، وإلا لم يكن حينئذٍ مختاراً.
ثم لمَّا انتهى إلى الرحمة قال :﴿ وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَيء ﴾ لم يُعَلِّقها بالمشيئة ؛ لأنها نفس المشيئة ولأنها قديمة، والإرادة لا تتعلق بالقديم. فلمَّا كان العذابُ من صفات الفعل علَّقه بالمشيئة، بعكس الرحمة لأنها من صفات الذات.
ويقال في قوله تعالى :﴿ وَسِعَتْ كُلَّ شَيء ﴾ مجالٌ لآمالِ العُصَاة ؛ لأنهم وإن لم يكونوا من جملة المطيعين والعبادين والعارفين فهم ﴿ شيء ﴾.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾.
أي سأوجبها لهم، فيجب الثواب للمؤمنين من الله ولا يجب لأحدٍ شيء على الله إذ لا يجب عليه شيءٍ لعزِّه في ذاته.
قوله ها هنا :﴿ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ﴾ أي يجتنبون أَنْ يروا الرحمة باستحقاقهم، فإذا اتقوا هذه الظنون، وتيقنوا أن أحكامه ليست معللةً بأكسابهم - استوجبوا الرحمة، ويحكم بها لهم.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ أي بما يكاشفهم به الأنظار مما يقفون عليه بوجوه الاستدلال، وبما يلاطفهم به في الأسرار مما يجدونه في أنفسهم من فنون الأحوال.
ثم قال :﴿ يَأْمُرُهُم بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ ﴾ : والمعروف هو القيام بحق الله، والمنكر هو البقاء بوصف الحظوظ وأحكام الهوى، والتعريج في أوطان المُنَى، وما تصوِّره للعبد تزويراتُ الدعوى. والفاصلُ بين الجسمين، والمميِّزُ بين القسمين - الشريعةُ، فالحَسَنُ من أفعال العباد ما كان بنعت الإذن من مالك الأعيان فلَهُم ذلك، والقبيح ما كان موافقاً لِلنَّهْيِ والزجرِ فليس لهم فعل ذلك.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾.
الإصرُ الثُّقلُ، ولا شيءَ أثقلُ من كَدِّ التدبير، فَمَنْ ترك كد التدبير إلى روْح شهود التقدير، فقد وُضِع عنه كلُّ إصر، وكُفِيَ كُلَّ وِزر وأمر.
والأغلالُ التي كانت عليهم هي ما ابتدعوه مِنْ قبَلِ أنفسهم باختيارهم في التزامِ طاعات الله ما لم يُفْتَرضْ عليهم، فَوُكِلُوا إلى حَوْلِهمُ ومُنَّتِهم فيها ؛ فأهملوها، ونقضوا عهودهم.
ومَنْ لَقِيَ - بخصائص الرضا - ما تجري به المقادير، وشَهِدَ الحقَّ في أجناس الأحداث، فقد خُصَّ بكل نعمة وفضل.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾.
اعترف لهم بنصرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم كان الله حسيبه، ومَنْ كان استقلاله بالحق لم يقف انتعاشه على نصرة الخلق.
ويقال إذا كان تغييرُ كلمةٍ هي عبارة عن التوبة يوجب كل ذلك العذاب - فما الظنُّ بتغيير ما هو خبرٌ عن صفات المعبود ؟
ويقال إنَّ القولَ أَنْقَصُ من العمل بكلِّ وجهٍ - فإذا كان التغيير في القول يُوجِبُ كلَّ هذا. . فكيف بالتبديل والتغيير في الفعل ؟
إذا انصرفَتْ نفسي عن الشيء لم تكَدْ | إليه بوجهٍ آخرَ الدهرِ تُقْبَلُ |
ويقال الحسنة أن ينسيك نفسك، والسيئة أن يشهدك نفسك.
ويقال الحسنات بتيسير وقت عن الغفلات خال، وتسهيل يوم عن الآفات بائن. والسيئات التي ابتلاهم بها خذلان حاصل وحرمان متوصال.
ويقال من أمارات الاستدراج ارتكابُ الزلة، والاغترارُ بزمان المُهْلة، وحَمْلُ تأخيرِ العقوبة على استحقاق الوصلة.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوه ﴾.
أخبر عن إصرارهم على الاغترار بالمنى، وإيثار متابعة الهوى.
قوله جلّ ذكره :﴿ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَاقُ الكِتَابِ أَن لاَّ يَقُولُوا عَلَى الله إِلاَّ ﴾.
استفهام في معنى التقرير، أي أُمِروا ألا يَصِفُوا الحقَّ إلا بنعت الجلال، واستحقاق صفات الكمال، وألا يتحاكموا عليه بما لم يأتِ منه خبر، ولم يشهد بصحته برهانٌ ولا نظر.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾.
يعني تحققوا بمضمون الكتاب ثم جحدوا بعد لوح البيان وظهور البرهان. يعني التعرضُ لنفحات فضله - سبحانه - خيرٌ لمن أَمَّلَ جودَه من مقاساة التعب ممن بَذَلَ - في تحصيل هواه - مجهودَه.
يمسكون بالكتاب إيماناً، وأقاموا الصلاة إحساناً، فبالإيمان وجدوا الأَمَان، وبالإحسان وجدوا الرضوان ؛ فالأَمانُ مُعَجَّل والرضوان مؤجل. ويقال ﴿ يمسكون بالكتاب ﴾ سبب النجاة، وإقامة الصلاة تحقق المناجاة. فالنجاة في المآل والمناجاة في الحال.
ويقال أفرد الصلاة ها هنا بالذكر عن جملة الطاعات ليُعْلمَ أنها أفضل العبادات بعد معرفة الذات والصفات.
قوله جلّ ذكره :﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ المُصْلِحِينَ ﴾.
مَنْ أَمَّلَ سببَ إنعامنا لم تَخْسِرْ له صفقة، ولم تخْفِق له في الرجاء رفقة، ويقال من نقل (. . . ) إلى بابه قَدَمَه لم يَعْدم في الآجل نِعمَهَ، ومَنْ رَفَعَ إلى ساحاتِ جوده هِمَمَه نالَ في الحالِ كرمه.
ويقال مَنْ تَوَصَّلَ غليه بجوده نال في الدارين شَرَفَه. ومن اكتفى بجوده كان اللهُ عنه خَلَفَه.
إذا كان لا يرضيك إلا شفاعة | فلا خير في ود يكون لشافعِ |
إذا أنا عاتبتُ الملولَ فإنَّما | أَخُطُّ بأقلامي على الماء أَحْرُفَا |
وَهَبْهُ ارْعَوَى بعد العتاب | ألم يكن تودده طبعاً، فصار تكلُّفا ؟ |
سُقياً لليْلَى والليالي التي | كُنَّا بَلَيْلَى نلتقي فيها |
أفديكِ بل أيامُ دهري كلها | يفدين أياماً عَرَفْتُكِ فيها |
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى | وصادف قلبي فارغاً فتمكنَّا |
ويقال أقوام لاطَفَهم في عين ما كاشَفَهم فأقروا بنعت التوحيد، وآخرون أبعدهم في نفس ما أشهدهم فأقروا عن رأس الجحود.
ويقال وَسَمَ بالجهل قوماً فألزمهم بالإشهاد بيان الحجة فأكرمهم بالتوحيد، وآخرين أشهدهم واضِحَ الحجة (. . . ).
ويقال تجلَّى لقوم فتولَّى تعريفهم فقالوا :" بلى " عن حاصل يقين، وتَعَزَّزَ عن آخرين فأثبتهم في أوطان الجحد فقالوا :" بلى " عن ظنٍ وتخمين.
ويقال جمع المؤمنين في الأسماء ولكن غاير بينهم في الرتب ؛ فَجَذَبَ قلوبَ قوم إلى الإقرار بما أطمعها فيه من المبَارِّ، وأنطق آخرين بصدق الإقرار بما أشهدهم من العيان وكاشفهم به من الأسرار.
ويقال فرقةٌ ردَّهم إلى الهيبة فهاموا، وفِرْقَةٌ لاطفَهم بالقربة فاستقاموا.
ويقال عرَّف الأولياء أنه مَنْ هو فتحققوا بتخليصهم، ولَبَّسَ على الأعداء فتوقفوا لحيرة عقولهم.
ويقال أسمعهم وفي نفس أحضرهم، ثم أخذهم عنهم فيما أحضرهم، وقام عنهم فأنطقهم بحكم التعريف، وحفظ عليهم - بحسن التولي - أحكامَ التكليف وكان - سبحانه - لهم مُكَلِّفاً، وعلى ما أراده مُصَرِّفاً، وبما استخلصهم له مُعَرِّفاً، وبما رقاهم إليه مُشَرّقاً.
ويقال كاشف قوماً - في حال الخطاب - بجماله فطوحهم في هيمان حبه، فاستمكنت محابُّهم في كوامن أسرارهم ؛ فإِذا سمعوا - اليومَ - سماعاً تجددت تلك الأحوال، فالانزعاجُ الذي يَظْهَرُ فيهم لِتَذَكُّرِ ما سَلَفَ لهم من العهد المتقدم.
ويقال أسمع قوماً بشاهد الربوبية فأصحاهم عن عين الاستشهاد فأجابوا عن عين التحقيق، وأَسمع آخرين بشاهد الربوبية فمحاهم عن التحصيل فأجابوا بوصف الجحود.
ويقال أظهر آثارَ العناية بدءاً حين اختصَّ بالأنوار التي رشت عليهم قوماً، فَمَنْ حَرَمَه تلك الأنوار لم يجعله أهلاً للوصلة، ومَنْ أصابَته تلك الأنوارُ أَفْصَحَ بما خُصَّ به من غير مقاساة كَلَفَة.
سُقياً لليْلَى والليالي التي | كُنَّا بَلَيْلَى نلتقي فيها |
أفديكِ بل أيامُ دهري كلها | يفدين أياماً عَرَفْتُكِ فيها |
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى | وصادف قلبي فارغاً فتمكنَّا |
ويقال أقوام لاطَفَهم في عين ما كاشَفَهم فأقروا بنعت التوحيد، وآخرون أبعدهم في نفس ما أشهدهم فأقروا عن رأس الجحود.
ويقال وَسَمَ بالجهل قوماً فألزمهم بالإشهاد بيان الحجة فأكرمهم بالتوحيد، وآخرين أشهدهم واضِحَ الحجة (... ).
ويقال تجلَّى لقوم فتولَّى تعريفهم فقالوا :" بلى " عن حاصل يقين، وتَعَزَّزَ عن آخرين فأثبتهم في أوطان الجحد فقالوا :" بلى " عن ظنٍ وتخمين.
ويقال جمع المؤمنين في الأسماء ولكن غاير بينهم في الرتب ؛ فَجَذَبَ قلوبَ قوم إلى الإقرار بما أطمعها فيه من المبَارِّ، وأنطق آخرين بصدق الإقرار بما أشهدهم من العيان وكاشفهم به من الأسرار.
ويقال فرقةٌ ردَّهم إلى الهيبة فهاموا، وفِرْقَةٌ لاطفَهم بالقربة فاستقاموا.
ويقال عرَّف الأولياء أنه مَنْ هو فتحققوا بتخليصهم، ولَبَّسَ على الأعداء فتوقفوا لحيرة عقولهم.
ويقال أسمعهم وفي نفس أحضرهم، ثم أخذهم عنهم فيما أحضرهم، وقام عنهم فأنطقهم بحكم التعريف، وحفظ عليهم - بحسن التولي - أحكامَ التكليف وكان - سبحانه - لهم مُكَلِّفاً، وعلى ما أراده مُصَرِّفاً، وبما استخلصهم له مُعَرِّفاً، وبما رقاهم إليه مُشَرّقاً.
ويقال كاشف قوماً - في حال الخطاب - بجماله فطوحهم في هيمان حبه، فاستمكنت محابُّهم في كوامن أسرارهم ؛ فإِذا سمعوا - اليومَ - سماعاً تجددت تلك الأحوال، فالانزعاجُ الذي يَظْهَرُ فيهم لِتَذَكُّرِ ما سَلَفَ لهم من العهد المتقدم.
ويقال أسمع قوماً بشاهد الربوبية فأصحاهم عن عين الاستشهاد فأجابوا عن عين التحقيق، وأَسمع آخرين بشاهد الربوبية فمحاهم عن التحصيل فأجابوا بوصف الجحود.
ويقال أظهر آثارَ العناية بدءاً حين اختصَّ بالأنوار التي رشت عليهم قوماً، فَمَنْ حَرَمَه تلك الأنوار لم يجعله أهلاً للوصلة، ومَنْ أصابَته تلك الأنوارُ أَفْصَحَ بما خُصَّ به من غير مقاساة كَلَفَة.
ويقال أقامه في محل القربة، ثم أبرز له من مكامن المكر ما أعدَّ له من سابق التقدير ؛ فأصبح والكلُّ دونه رتبة، وأمسى والكلب فوقه - مع خساسته. . وفي معناه أنشدوا :
فبينا بخيرٍ والدُّنى مطمئنة | وأصبح يوماً - والزمان تَقَلَّبَا |
لو ساعدته المشيئة بالسعادة الأزلية لم تَلْحَقْه الشقاوةُ الأبدية، ولكن من قصمته السوابق لم تنعشه اللواحق.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ ﴾.
إذا كانت مساكنةُ آدم للجَنَّةِ وَطمعُه في الخلود فيها أوجبا خروجَه عنها، فالركونُ إلى الدنيا - متى يوجِب البقاءَ فيها ؟.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ﴾.
موافقة الهوى تُنْزِلُ صاحبَها من سماءِ العِزِّ إلى تراب الذُّل، وتلقيه في وهدة الهوان ؛ ومن لم يُصَدِّقِ عِلْماً فعن قريبٍ يقاسيه وجوداً.
قوله جلّ ذكره :﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ ﴾.
من أخلاق الكلب التعرُّضُ لِمَنْ لم يُخِفْه على جهة الابتداء، ثم الرضاء عنه بلقمة. . كذلك الذي ارتدَّ عن طريق الإرادة يصير ضيق الصدر، سيئ الخُلُق، يبدأ بالجفاء كُلَّ بريءٍ، ثم يهدأ طياشه بِنَيْل كُلِّ عَرَضٍ خسيس.
قوله جلّ ذكره :﴿ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.
المحجوب عن الحقيقة عنده الإساءةُ والإحسانُ ( سيان )، فهو في الحالين : إمَّا صاحب ضَجَر أو صاحب بَطَر، لا يحمل المحنة إلا زوال الدولة، ولا يقابل النعمة إلا بالنهمة، فهو في الحالين محجوبٌ عن الحقيقة.
ويقال الكلب نجاسته أصلية، وخساسته كلية، كذلك المردوده في الصفة ؛ له نقصان القيمة وحرمان القسمة.
ومَنْ أَهَّلَه للسخطة - أنَّى يستحق الرضوان ؟
ولولا انسداد البصائر وإلا فأيُّ إشكالٍ بقي بعد هذا الإيضاح ؟
ويقال هم - اليومَ - في جحيم الجحود، مُقَرَّنين في أصفاد الخذلان، مُلْبَسِين ثياب الحرمان، طعامُهم ضريع الوحشة، وشرابهم حميم الفرقة، وغداً هُمْ في جحيم الحرقة كما فَصَّلَ في الكتاب شرعَ تلك الحالة.
قوله جلّ ذكره :﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ ﴾.
أي لا يفقهون معاني الخطاب كما يفهم المُحَدَّثون، وليس لهم تمييز بين خواطر الحق وبين هواجس النفس ووساوس الشيطان، ولهم أعينٌ لا يُبْصِرون بها شواهدَ التوحيد وعلاماتِ اليقين ؛ فلا ينظرون إلا من حيث الغفلة، ولا يسمعون إلا دواعي الفتنة، ولا ينخرطون إلا مع من سلك ركوب الشهوة.
﴿ أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ﴾ : لأنَّ الأَنْعَامَ قد رُفِعَ عنها التكليفُ، وإن لم يكن لها وِفاقُ الشرع فليس منها أيضاً خلاف الأمر.
والأنعامُ لا يَهُمُّها إلا الاعتلاف، وما تدعو الحيلة من مباشرة الجنس، فكذلك مَنْ أُقيم بشواهد نفسه وكان من المربوطين بأحكام النَّفْس، وفي معناه أنشدوا :
نهارك يا مغرورُ سَهْوٌ وغفلةٌ | وليلك نومٌ والرَّدى لك لازِمٌ |
وسعيك فيها سوف تكره غِبَّه | كذلك في الدنيا تعيش البهائمُ |
وقال إنَّ الله - سبحانه - وقف الخلْق بأسمائه فهم يذكرونها قالةً، وتعزَّزَ بذاته، والعقول - وإنْ صَفَتْ لا تهجم على حقائق الإشراف، إذ الإدراك لا يجوز على الحق ؛ فالعقول عند بواده الحقائق متقنعة بنقاب الحيرة عند التعرض للإحاطة، والمعارف تائهة عند قصد الإشراف على حقيقة الذات، والأبصار حسيرةٌ عند طلب الإدراك في أحوال الرؤية، والحق سبحانه عزيز، وباستحقاق نعوت التعالي مُتَفَرِّد.
قوله :﴿ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِى أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ : الإلحاد هو الميل عن القصد، وذلك على وجهين بالزيادة والنقصان ؛ فأهل التمثيل زادوا فألحدوا، وأهل التعطيل نقصوا فألحدوا.
إذا لم يكن قطبٌ *** فمن ذا يديرها ؟
فهدايتهم بالحق أنهم يدعون إلى الحق، ويدلون على الحق، ويتحركون بالحق، ويسكنون للحق بالحق، وهم قائمون بالحق ؛ يصرفهم الحق بالحق أولئك هم غياث الخَلْق ؛ بهم يُسْقَوْنَ إذا قحطوا، ويُمْطَرون إذا أجدبوا، ويُجَابُون إذا دَعَوْا.
ويقال الاستدراجُ انتشار الصيت بالخير في الخلْق، والانطواء على الشر - في السر - مع الحق.
ويقال الاستدراج ألا يزداد في المستقبل صحبةً إلا ازداد في الاستحقاق نقصان رتبة.
ويقال الاستدراج الرجوع من توهم صفاء الحال إلى ركوب قبيح الأعمال، ولو كان صادقاً في حاله لكان معصوماً في أعماله.
ويقال الاستدراج دعاوى عريضة صدرت عن معانٍ مريضة.
ويقال الاستدراج إفاضة البرِّ مع (. . . ) الشكر.
ويقال الاستدراجُ انتشار الصيت بالخير في الخلْق، والانطواء على الشر - في السر - مع الحق.
ويقال الاستدراج ألا يزداد في المستقبل صحبةً إلا ازداد في الاستحقاق نقصان رتبة.
ويقال الاستدراج الرجوع من توهم صفاء الحال إلى ركوب قبيح الأعمال، ولو كان صادقاً في حاله لكان معصوماً في أعماله.
ويقال الاستدراج دعاوى عريضة صدرت عن معانٍ مريضة.
ويقال الاستدراج إفاضة البرِّ مع (... ) الشكر.
ويقال إن برود الواسطة - صلوات الله عليه وعلى آله - كانت بنسيم القربة معطرة، ولكن لا يُدْرَكُ ذلك النَّشْرُ إلا بِشَمِّ العرفان، فمَنْ فَقَدَ ذلك - فأي خبر له عن حقيقة حاله - صلوات الله عليه.
ويقال ألاح الله تعالى - لقلوب الناظرين بعيون الفكر - حقائق التحصيل ؛ فَمَنْ لم يُعَرِّج في أوطان التقصير أَنْزَلَتْه مراكبُ السِّرِّ بساحات التحقق.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَنْ عَسَى أَن يِكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَىِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾.
الناس في مغاليط آمالهم ناسون لو شيك آجالهم، فكم من ناسجٍ لأكفانه !وكم من بانٍ لأعدائه ! وكم من زارعٍ لم يحصد زرعه !
هيهات ! الكبش يعتلف والقَصَّابُ مسْتَعِدٌّ له !
ويقال سرعة الأَجَل تُنَغِّص لذة الأمل.
ويقال الحق - سبحانه - استأثر بعلم الساعة ؛ فلم يُطلِعْ على وقتها نَبيَّا ولا صفيَّا، فالإيمان بها غيبيٌّ، ويقين أهل التوحيد صادق عن شوائب الرِّيب. ثم مُعَجَّل قيامتهم يُوجِبُ الإيمانَ بمؤجَّلها.
قوله جلّ ذكره :﴿ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَّعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾.
ردَّ المِثْل إلى المِثْل، وربط الشَّكلَ بالشكل، ليَعْلَمَ العالمون أن سكون الخلْق مع الحقِّ لا إلى الحق، وكذلك أنسل الخلْق من الخلق لا من الحق، فالحقُّ تعالى قدوس ؛ منه كل حظ للخلق خلْقاً، منزه عن رجوع شيءٍ إلى حقيقته حقاً.
خصائص حق الحق فقد جحَدَ.
قوله جلّ ذكره :﴿ قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونَ ﴾.
صدق التوكل على الله يوجب ترك المبالاة بغير الله، كيف لا. . . والمتفرِّدُ بالقدرة - على النفع والضرر، والخير والشر - اللهُ ؟
ويقال رؤية الأكابر ليست بشهود أشخاصهم، لكن بما يحصل للقلوب من مكاشفات الغيب، وذلك على مقادير الاحترام وحصول الإيمان.
قوله ﴿ وَأمُرْ بِالعُرْفِ ﴾ : أفضل العرف أن يكون أكمل العطاء لأكثر أهل الجفاء، وبذلك عامل الرسول - صلى الله عليه وعلى آله - الناسَ.
قوله :﴿ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ ﴾ : الإعراض عن الأغيار بالإقبال عن من لم يَزْل ولا يزال، وفي ذلك النجاة من الحجاب، والتحقق بما يتقاصر عن شرحه الخطاب.
والإنصات - في الظاهر - من آداب أهل الباب، والإنصات - بالسرائر - من آداب أهل البِساط، قال الله تعالى في نعت تواصي الجنِّ بعضهم لبعض عند شهود الرسول صلى الله عليه وسلم﴿ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا ﴾[ الأحقاف : ٢٩ ] ؛ فإذا كان الحضور إلى الواسطة عليه السلام يوجب هذه الهيبة فلزومُ الهيبة وحفظُ الأدب عند حضور القلب بشهود الربِّ أولى وأَحَق، قال تعالى :﴿ وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمنِ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا ﴾[ طه : ١٠٨ ].
فأمَّا مَنْ دونَهم فَتَنوُّعُ أحوالهم من حيث الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة. ومن فوق الجميع فأصحاب البقاء والفناءِ، والصحو والمحو ووراءهم أرباب الحقائق مُثْبَتُون في أوطان التمكين، فلا تَلَوُّنَ لهم ولا تجنُّسَ لقيامهِم بالحق، وامتحائهم عن شواهدهم.