تفسير سورة التوبة

الموسوعة القرآنية
تفسير سورة سورة التوبة من كتاب الموسوعة القرآنية المعروف بـالموسوعة القرآنية .
لمؤلفه إبراهيم الإبياري . المتوفي سنة 1414 هـ
الجزء العاشر
تتمة الباب الرابع عشر تفسير القران الكريم
(٩) سورة التوبة
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١ الى ٣]
بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (٢) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣)
١- بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:
بَراءَةٌ خبر مبتدأ محذوف، أي هذه براءة.
مِنَ لابتداء الغاية، متعلق بمحذوف وليس بصلة: هذه براءة واصلة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم.
ويجوز أن تكون بَراءَةٌ مبتدأ لتخصيصها بصفتها، والخبر إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ.
والمعنى: أن الله ورسوله قد برئا من العهد الذي عاهدتم به المشركين، وأنه منبوذ إليهم.
٢- فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ:
فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أي تنقلوا فى الأرض.
أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مدة الأمان، وهى شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم.
وقيل هى عشرون من ذى الحجة، والمحرم، وصفر، وشهر ربيع الأول، وعشر من ربيع الآخر، وكانت حرما، لأنهم أومنوا فيها وحرم قتلهم وقتالهم.
٣- وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ:
وَأَذانٌ خبر مبتدأ محذوف، أي هذا أذان، أو هو مبتدأ لتخصيصه بصفته، والجملة معطوفة على مثلها.
والأذان: الإيذان.
يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم عرفة، وقيل: يوم النحر، لأن فيه تمام الحج ومعظم أفعاله، من الطواف والنحر، والحلق، والرمي.
ووصف الحج بالأكبر، لأن العمرة تسمى الحج الأصغر.
أَنَّ بالفتح. وقرىء بالكسر، لأن الأذان فى معنى القول.
وَرَسُولِهِ عطف على المنوي فى بَرِيءٌ، أو على محل (إن) المكسورة واسمها.
وقرىء بالنصب، عطف على اسم (أن)، أو لأن الواو بمعنى (مع)، أي برىء معه منهم.
وبالجر، على الجوار، وقيل: على القسم.
فَإِنْ تُبْتُمْ من الكفر والفتن.
وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ عن التوبة.
غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ غير سابقين الله تعالى ولو فائتين أخذه وعقابه.
[سورة التوبة (٩) : آية ٤]
إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)
٤- إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ:
إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مستثنى من قوله فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ، ولأن الكلام خطاب للمسلمين، ومعناه: براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين فقولوا لهم سيحوا، الا الذين عاهدتم منهم ثم لم ينقضوا فأتموا إليهم عهدهم.
ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً لم يقتلوا منكم أحدا ولم يضروكم قط.
وقرىء: لم ينقضوكم، بالضاد معجمة، أي لم ينقضوا عهدكم.
وَلَمْ يُظاهِرُوا ولم يعاونوا عليكم عدوا.
فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ فأدوه إليهم.
إِلى مُدَّتِهِمْ تاما كاملا.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ أي ان قضية التقوى أن لا يسوى بين القبيلين: الوفى والغادر، فاتقوا الله فى ذلك.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥ الى ٦]
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (٦)
٥- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ انقضت. والأشهر الحرم هى التي أبيح للناكثين أن يسيحوا فيها.
فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ يعنى الذين نقضوكم وظاهروا عليكم.
حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ من حل أو حرم.
وَخُذُوهُمْ وأسروهم، والأخيذ: الأسير.
وَاحْصُرُوهُمْ وقيدوهم وامنعوهم من التصرف فى البلاد.
كُلَّ مَرْصَدٍ كل ممر ومجتاز ترصدونهم به.
فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ فأطلقوا عنهم بعد الأسر والحصر، أو فكفوا عنهم ولا تتعرضوا لهم.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ يغفر لهم ما سلف من الكفر والغدر.
٦- وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ:
أَحَدٌ مرتفع بفعل شرط مضمر يفسره الظاهر، تقديره: وان استجارك أحد استجارك.
فَأَجِرْهُ أي ان جاء أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر لا عهد بينك وبينه ولا ميثاق، فاستأمنك ليسمع ما تدعو اليه من التوحيد ويتبين ما بعثت به فأمنه.
حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ويتدبره ويطلع على حقيقة الأمر.
ثُمَّ أَبْلِغْهُ بعد ذلك وأره داره التي يأمن فيها ان لم يسلم، ثم قاتله إن شئت من غير عذر ولا خيانة.
ذلِكَ أي ذلك الأمر، يعنى بالإجارة فى قوله فَأَجِرْهُ.
بِأَنَّهُمْ بسبب أنهم.
قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ جهلة يجهلون ما الإسلام، وما حقيقة ما تدعو اليه، فلا بد من اعطائهم الأمان حتى يسمعوا ويفهموا الحق.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧ الى ٨]
كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨)
٧- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ:
كَيْفَ استفهام فى معنى الاستنكار والاستبعاد لأن يكون للمشركين عهد عند رسول الله صلّى الله عليه وسلم أي محال أن يثبت لهؤلاء عهد فلا تطمعوا فى ذلك ولا تحدثوا به نفوسكم ولا تفكروا فى قتلهم.
إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ استدراك، أي ولكن الذين عاهدتم منهم عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ ولم يظهر منهم نكث.
فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ على العهد.
فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ على مثله.
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ يعنى أن التربص بهم من أعمال المتقين.
٨- كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ:
كَيْفَ تكرار لاستبعاد ثبات المشركين على العهد، وحذف الفعل لكونه معلوما. أي: كيف يكون لهم عهد.
وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ وحالهم أنهم ان يظهروا عليكم بعد ما سبق لهم من تأكيد الأيمان والمواثيق، لم ينظروا فى حلف ولا عهد ولم يبقوا عليكم.
لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا لا يراعون حقا، وقيل: قرابة.
يُرْضُونَكُمْ كلام مبتدأ فى وصف حالهم من مخالفة الظاهر الباطن، مقرر لاستبعاد الثبات منهم على العهد، وإباء القلوب مخالفة ما فيها من الأضغان، لما يجرونه على ألسنتهم من الكلام الجميل.
وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ متمردون لا مروءة تزعهم، ولا شمائل مرضية تردعهم.
[سورة التوبة (٩) : آية ٩]
اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩)
٩- اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
اشْتَرَوْا استبدلوا.
بِآياتِ اللَّهِ بالقرآن والإسلام.
ثَمَناً قَلِيلًا وهو اتباع الأهواء والشهوات.
فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ فعدلوا عنه، أو صرفوا غيرهم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠ الى ١٢]
لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠) فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢)
١٠- لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ:
هُمُ الْمُعْتَدُونَ المجاوزون الغاية فى الظلم والشرارة.
١١- فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ:
فَإِنْ تابُوا عن الكفر ونقض العهد.
فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ فهم إخوانكم، على حذف المبتدأ.
وَنُفَصِّلُ الْآياتِ ونبينها، وهذا اعتراض، كأنه قيل: وان من تأمل تفصيلها فهو العالم بعثا وتحريضا على تأمل ما فصل من أحكام المشركين المعاهدين، وعلى المحافظة عليها.
١٢- وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ:
وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ وثلبوه وعابوه.
فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ فقاتلوهم، فوضع أئمة الكفر موضع ضميرهم.
إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ أي لا اسلام لهم، أو لا يعطون الأمان بعد الردة والنكث ولا سبيل اليه.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٣ الى ١٥]
أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)
١٣- أَلا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
أَلا تُقاتِلُونَ الهمزة لتقرير انتفاء المقاتلة، والمعنى: الحض عليها على سبيل المبالغة.
نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ التي حلفوها فى المعاهدة.
وَهَمُّوا بِإِخْراجِ الرَّسُولِ من مكة حين تشاوروا فى أمره فى دار الندوة.
وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أي وهم الذين كانت منهم البداءة بالمقاتلة.
أَتَخْشَوْنَهُمْ تقرير الخشية منهم وتوبيخ عليها.
فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ فتقاتلوا أعداءه.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعنى أن قضية الايمان الصحيح ألا يخشى المؤمن إلا ربه ولا يبالى بمن سواه.
١٤- قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ:
يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ قتلا.
وَيُخْزِهِمْ أسرا.
وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ طائفة من المؤمنين، وهم بطون من اليمن وسبأ قدموا مكة فأسلموا فلقوا من أهلها أذى شديدا، فبعثوا الى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يشكون اليه، فقال: أبشروا فإن الفرج قريب.
١٥- وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ لما لقوا من المكروه.
وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلى مَنْ يَشاءُ ابتداء كلام، واخبار بأن بعض أهل مكة يتوب عن كفره.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ يعلم ما سيكون كما يعلم ما قد كان.
حَكِيمٌ لا يفعل الا ما اقتضته الحكمة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٦ الى ١٧]
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٦) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧)
١٦- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ:
أَمْ منقطعة، ومعنى الهمزة فيها التوبيخ على وجود الحسبان.
والمعنى: أنكم لا تتركون على ما أنتم عليه، حتى يتبين المخلص منكم، وهم الذين جاهدوا فى سبيل الله لوجه الله.
وَلَمَّا يَعْلَمِ معناها التوقع، وقد دلت على أن تبين ذلك وإيضاحه متوقع كائن، وأن الذين لم يخلصوا دينهم لله يميز بينهم وبين المخلصين.
والمراد بنفي العلم نفى المعلوم.
وَلَمْ يَتَّخِذُوا معطوف على جاهَدُوا داخل فى خبر الصلة، كأنه قيل: ولما يعلم الله المجاهدين منكم والمخلصين غير المتخذين وليجة من دون الله.
وَلِيجَةً أي بطانة، من الذين يضادون رسول الله صلّى الله عليه وسلم، والمؤمنين.
١٧- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ:
ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ ما صح لهم وما استقام.
أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ أي المسجد الحرام. وقيل: مساجد، لأنه قبلة المساجد كلها وامامها، فعامره كعامر جميع المساجد.
وقيل: المراد جنس المساجد، وإذا لم يصلحوا لأن يعمروا جنسها، دخل تحت ذلك أن لا يعمروا المسجد الحرام الذي هو صدر الجنس ومقدمته.
شاهِدِينَ حال من الواو فى قوله أَنْ يَعْمُرُوا. والمعنى: ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين، عمارة متعبدات الله، مع الكفر بالله وبعبادته.
ومعنى شهادتهم على أنفسهم بالكفر: ظهور كفرهم وأنهم نصبوا أصنامهم حول البيت، وكانوا يطوفون عراة، ويقولون: لا نطوف عليها بثياب قد أصبنا فيها المعاصي.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٨ الى ١٩]
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)
١٨- إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ:
إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ أي انما تستقيم عمارة هؤلاء وتكون معتدا بها. وعمارتها تناولها بما يلزم لها من صيانة وحفظ.
فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء.
١٩- أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ:
أي لا ينبغى أن تجعلوا القائمين بسقاية الحجيج وعمارة المسجد الحرام من المشركين فى منزلة الذين آمنوا بما لله وحده، وصدقوا بالبعث والجزاء، وجاهدوا فى سبيل الله، ذلك أنهم ليسوا بمنزلة واحدة عند الله، والله لا يهدى إلى طريق الخير القوم المستمرين على ظلم أنفسهم بالكفر وظلم غيرهم بالأذى المستمر.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٠ الى ٢٥]

الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (٢٠) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١) خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٢٤)
لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)
٢٠- الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ:
أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ من أهل السقاية والعمارة عندكم.
وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ لا أنتم والمختصون بالفوز دونكم.
٢١- يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ:
أي وهؤلاء يبشرهم الله تعالى برحمته الواسعة التي تشملهم، ويخصهم برضاه وهو أكبر جزاء، وسيدخلهم يوم القيامة جنات لهم فيها نعيم قائم ثابت دائم.
٢٢- خالِدِينَ فِيها أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ:
وهم خالدون فى الجنة لا يتحولون عنها وان الله عنده أجر عظيم وثواب جزيل.
٢٣- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَإِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ:
أَوْلِياءَ نصراء.
وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ يستنصر بهم.
٢٤- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ:
فَتَرَبَّصُوا وعيد.
بِأَمْرِهِ عقوبة عاجلة وآجلة.
٢٥- لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ
فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ مواطن الحرب: مقاماتها ومواقفها. وكثيرة، يعنى وقعات بدر، وقريظة، والنضير، والحديبية، وخيبر، وفتح مكة.
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ أي وموطن يوم حنين.
إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ وزل عنكم أن الله هو الناصر لا كثرة الجنود.
بِما رَحُبَتْ ما، مصدرية. والباء بمعنى: مع، أي مع رحبها.
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثم انهزمتم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٦ الى ٢٨]
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (٢٦) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٨)
٢٦- ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ:
سَكِينَتَهُ رحمته التي سكنوا بها.
وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ الذين ثبتوا مع رسوله صلّى الله عليه وسلم حين وقع الهرب.
وَأَنْزَلَ جُنُوداً يعنى الملائكة.
وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا بالقتل والأسر.
٢٧- ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ أي يسلم بعد ذلك ناس منهم.
٢٨- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
نَجَسٌ ذوو نجس، لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس، أو جعلوا كأنهم النجاسة بعينها مبالغة فى وصفهم بها.
فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ فلا يحجوا ولا يعتمروا كما كانوا يفعلون فى الجاهلية.
بَعْدَ عامِهِمْ هذا بعد حج عامهم هذا، وهو عام تسع من الهجرة حين أمر أبو بكر على الموسم.
وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً أي فقرا بسبب منع المشركين من الحج.
فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ من عطائه، أو من تفضله بوجه آخر.
إِنْ شاءَ ان أوجبت الحكمة إغناءكم، وكان مصلحة لكم فى دينكم.
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بأحوالكم.
حَكِيمٌ لا يعطى ولا يمنع الا عن حكمة وصواب.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ (٢٩) وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٣٠)
٢٩- قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ:
مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بيان لقوله الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ مع ما فى حيزه.
عَنْ يَدٍ أي يد المعطى، والمعنى: حتى يعطوها عن يد، أي عن يد مواتية غير ممتنعة، لأن من أبى وامتنع لم يعط يده، بخلاف المطيع المنقاد.
أو يد الآخذ، ويكون المعنى: حتى يعطوها عن يد قاهرة مستولية، أي عن إنعام عليهم، لأن قبول الجزية منهم وترك أرواحهم لهم نعمة عظيمة عليهم.
وَهُمْ صاغِرُونَ أي تؤخذ منهم على الصغار والذل.
٣٠- وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ:
عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ مبتدأ وخبر.
الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ مبتدأ وخبر.
ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ أي قول لا يعضده برهان، فما هو إلا لفظ يفوهون به. وقد يراد بالقول المذهب، كأنه قيل: ذلك دينهم ومذهبهم بأفواههم لا بقلوبهم لأنه لا حجة معه ولا شبهة حتى يؤثر فى القلوب.
يُضاهِؤُنَ قَوْلَ على حذف مضاف، أي يضاهىء قولهم قولهم، ثم حذف المضاف وأقيم الضمير المضاف اليه مقامه، فانقلب مرفوعا.
والمعنى: أن الذين كانوا فى عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى يضاهى قولهم قول قدمائهم. يعنى أنه كفر قديم فيهم غير مستحدث.
قاتَلَهُمُ اللَّهُ أي هم أحقاء بأن يقال لهم هذا، تعجبا من شناعة قولهم.
أَنَّى يُؤْفَكُونَ كيف يصرفون عن الحق؟
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣١ الى ٣٢]
اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣١) يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٣٢)
٣١- اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلَّا هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ:
أَرْباباً أطاعوهم فى الأمر بالمعاصي وتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله.
وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً أمرتهم بذلك أدلة العقل والنصوص فى الإنجيل.
سُبْحانَهُ تنزيه له عن الإشراك به واستبعاد له.
٣٢- يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ:
نُورَ اللَّهِ الإسلام.
مثل حالهم فى طلبهم أن يبطلوا نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم بالتكذيب بحال
من يريد أن ينفخ فى نور عظيم منبث فى الآفاق، يريد الله أن يزيده ويبلغه الغاية القصوى فى الاشراق أو الاضاءة، ليطفئه بنفخه أو يطمسه.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (٣٥)
٣٣- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ:
لِيُظْهِرَهُ أي ليظهر الرسول صلّى الله عليه وسلم.
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ على أهل الأديان كلهم، أو ليظهر دين الحق على كل دين.
٣٤- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ:
لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ أي ليأخذون.
وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي يضنون بها عن الانفاق فى سبيل الخير.
٣٥- يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ:
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها أي تحمى النار عليها، فلما حذفت النار، قيل: يحمى عليها، لانتقال الاسناد عن النار الى عَلَيْها.
هذا ما كَنَزْتُمْ على ارادة القول.
لِأَنْفُسِكُمْ أي كنزتموه لتنتفع به نفوسكم.
فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ أي وبال المال الذي كنتم تكنزونه، أو وبال كونكم كافرين.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (٣٦) إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (٣٧) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨)
٣٦- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ:
فِي كِتابِ اللَّهِ فيما أثبته وأوجبه من حكمه.
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثلاثة سرد، وهى ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وواحد فرد، وهو رجب.
ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ يعنى أن تحريم الأشهر الأربعة هو الدين المستقيم، دين ابراهيم وإسماعيل وكانت العرب قد تمسكت به وراثة منها، وكانوا يعظمون الأشهر الحرم ويحرمون القتال فيها.
فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ فى الحرم.
أَنْفُسَكُمْ أي لا تجعلوا حرامها حلالا.
كَافَّةً حال من الفاعل، أو المفعول.
مَعَ الْمُتَّقِينَ ناصر لهم.
٣٧- إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ:
إِنَّمَا النَّسِيءُ تأخير حرمة الشهر الى شهر آخر.
لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ أي ليوافقوا العدة التي هى الأربعة ولا يخالفوها.
فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ فيحلوا بمواطأة العدة وحدها من غير تخصيص ما حرم الله من القتال أو من ترك الاختصاص للأشهر بعينها.
زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ خذلهم الله فحسبوا أعمالهم القبيحة حسنة.
٣٨- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ:
اثَّاقَلْتُمْ تثاقلتم، أي تباطأتم وتقاعستم.
مِنَ الْآخِرَةِ أي بدل الآخرة.
فِي الْآخِرَةِ فى جنب الآخرة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٣٩ الى ٤٠]
إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)
٣٩- إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
إِلَّا تَنْفِرُوا ان لم تستجيبوا للرسول فتخرجوا للجهاد فى سبيل الله.
أَلِيماً موجعا.
وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ويستبدل بكم قوما آخرين يستجيبون للرسول ولا يتخلفون عن الجهاد.
وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً ولا تضرون الله بهذا التخلف شيئا.
٤٠- إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ أي إلا تنصروه فسينصره من نصره حين لم يكن معه الا رجل واحد، ولا أقل من الواحد، أو أنه أوجب له النصر وجعله منصورا فى ذلك الوقت فلن يخذل من بعده.
إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا أسند الإخراج الى الكفار لأنهم حين هموا بإخراجه أذن له فى الخروج فكأنهم أخرجوه.
ثانِيَ اثْنَيْنِ أحد اثنين.
إِذْ هُما بدل من إِذْ أَخْرَجَهُ.
فِي الْغارِ ثقب فى أعلى ثور، وهو جبل فى يمين مكة على مسيرة ساعة.
إِذْ يَقُولُ بدل ثان.
سَكِينَتَهُ ما ألقى فى قلبه من الأمنة التي سكن عندها وعلم أنهم لا يصلون اليه.
بِجُنُودٍ الملائكة يوم بدر.
كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا دعوتهم الى الكفر.
كَلِمَةُ اللَّهِ دعوته الى الإسلام.
هِيَ فصل، أو مبتدأ، وفيها تأكيد فضل كلمة الله فى العلو، وأنها المختصة به دون سائر الكلم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤١) لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٤٢)
٤١- انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
خِفافاً وَثِقالًا خفافا فى النفور لنشاطكم له، وثقالا عنه لمشقته عليكم.
وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ إيجاب للجهاد بهما ان أمكن، أو بأحدهما على حسب الحال والحاجة.
٤٢- لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:
عَرَضاً العرض: ما عرض لك من منافع الدنيا.
وَسَفَراً قاصِداً وسطا مقاربا.
الشُّقَّةُ المسافة الشاطة الشاقة.
يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بدل من سَيَحْلِفُونَ، أو حال بمعنى: مهلكين.
والمعنى: أنهم يوقعونها فى الهلاك بحلفهم الكاذب، وما يحلفون عليه من التخلف.
ويحتمل أن يكون حالا من قوله لَخَرَجْنا أي لخرجنا معكم وان أهلكنا أنفسنا وألقيناها فى التهلكة بما نحملها من المسير فى تلك المشقة.
وجاء به على لفظ الغائب لأنه مخبر عنهم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٣ الى ٤٦]
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣) لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦)
٤٣- عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ:
لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ بيان لما كنى عنه بالعفو. والمعنى: مالك أذنت لهم فى القعود عن الغزو حين استأذنوك واعتلوا لك بعللهم.
حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ وهلا استأنيت بالإذن حتى يتبين لك من صدق فى عذره ممن كذب فيه.
٤٤- لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ:
لا يَسْتَأْذِنُكَ ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنك فى أن يجاهدوا، وكان الخلص من المهاجرين والأنصار يقولون: لا نستأذن النبي أبدا، ولنجاهدن أبدا معه بأموالنا وأنفسنا.
أَنْ يُجاهِدُوا فى أن يجاهدوا، أو كراهة أن يجاهدوا.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ شهادة لهم بالانتظام فى زمرة المتقين، وعدة لهم بأجزل الثواب.
٤٥- إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ:
إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ يعنى المنافقين.
يَتَرَدَّدُونَ أي يتحيرون.
٤٦- وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ:
وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ ولو صدقت نية هؤلاء المنافقين.
لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً لأخذوا أهبة الحرب واستعدوا لها.
وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ ولكن كره الله خروجهم لعلمه أنهم لو خرجوا معكم لكانوا عليكم لا لكم.
فَثَبَّطَهُمْ فعوقهم عن الخروج بما امتلأت به قلوبهم من النفاق.
وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ وقال قائلهم: اقعدوا مع القاعدين من أصحاب المعاذير.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ (٤٩)
٤٧- لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ:
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ولو خرجوا معكم إلى الجهاد.
ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا ما زادوكم بخروجهم قوة.
وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ ولكن يشيعون الاضطراب أو يسرعون إلى الفتنة ويشيعونها فيما بينكم.
وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وفيكم من يجهل خبث نياتهم ويمكن أن يخدع بكلامهم، أو لضعفه يسمع دعوتهم الى الفتنة.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ والله عليم بهؤلاء المنافقين الذين يظلمون أنفسهم بما أضمروه من الفساد.
٤٨- لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ:
لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ أي العنت ونصب الغوائل.
مِنْ قَبْلُ من قبل غزوة تبوك.
وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ ودبروا لك الحيل والمكايد.
حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وهو تأييدك ونصرك.
وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وغلب دينه وعلا شرعه.
٤٩- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ:
ائْذَنْ لِي فى القعود.
وَلا تَفْتِنِّي ولا توقعنى فى الفتنة، وهى الإثم، بأن لا تأذن لى، فإنى ان تخلفت بغير إذنك أثمت.
أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا أي ان الفتنة التي سقطوا فيها، وهى فتنة التخلف.
لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ أي انها تحيط بهم يوم القيامة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاَّ ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١)
٥٠- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ:
إِنْ تُصِبْكَ فى بعض الغزوات.
حَسَنَةٌ ظفر وغنيمة.
وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ نكبة وشدة، نحو ما جرى يوم أحد.
يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا أي أمرنا الذي نحن منتسمون به من الحذر والتيقظ والعمل بالحزم.
مِنْ قَبْلُ من قبل ما وقع.
وَيَتَوَلَّوْا عن مقام التحدث بذلك والاجتماع له الى أهاليهم، أو أعرضوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وَهُمْ فَرِحُونَ مسرورون.
٥١- قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ:
إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا مفيدة معنى الاختصاص، كأنه قيل: لن يصيبنا الا ما اختصنا الله به بإثباته وإيجابه من النصرة عليكم أو الشهادة.
هُوَ مَوْلانا أي الذي يتولانا ونتولاه.
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ وحق المؤمنين ألا يتوكلوا على غير الله، فليفعلوا ما هو حقهم.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٢ الى ٥٥]

قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤) فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥)
٥٢- قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ:
إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ الا بإحدى العاقبتين اللتين كل واحدة منهما هى حسن العواقب، وهما النصرة والشهادة.
وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ احدى السوأتين من العواقب.
أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذابٍ مِنْ عِنْدِهِ اما قارعة من السماء كما نزلت على عاد وثمود.
أَوْ بِأَيْدِينا أو بعذاب بأيدينا، وهو القتل على الكفر.
فَتَرَبَّصُوا بنا ما ذكرناه من عواقبنا.
إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ما هو عاقبتكم، فلا بد أن يلقى كلنا ما يتربصه لا يتجاوزه.
٥٣- قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ:
أَنْفِقُوا يعنى فى سبيل الله ووجوه البر، وهو أمر فى معنى الخبر.
طَوْعاً أَوْ كَرْهاً نصب على الحال، أي طائعين أو مكرهين.
لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ أي لن يتقبل منكم أنفقتم طوعا أو كرها.
إِنَّكُمْ تعليل لرد انفاقهم.
فاسِقِينَ الفسق: التمرد والعتو.
٥٤- وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كارِهُونَ:
أَنَّهُمْ فاعل مَنَعَهُمْ.
٥٥- فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ:
وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ ويدركهم الموت.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٦ الى ٦٠]

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ (٥٩) إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٦٠)
٥٦- وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ:
لَمِنْكُمْ لمن جملة المسلمين.
يَفْرَقُونَ يخافون القتل وما يفعل بالمشركين فيتظاهرون بالإسلام تقية.
٥٧- لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ:
مَلْجَأً مكانا يلتجئون اليه متحصنين به فى الجبل.
أَوْ مَغاراتٍ سراديب.
أَوْ مُدَّخَلًا نفقا يندسون فيه وينجحرون.
وَهُمْ يَجْمَحُونَ يسرعون اسراعا لا يرده شىء.
٥٨- وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ:
يَلْمِزُكَ يعيبك فى قسمة الصدقات ويطعن عليك.
٥٩- وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ:
وَلَوْ أَنَّهُمْ جواب (لو) محذوف، تقديره: ولو أنهم رضوا لكان خيرا لهم. والمعنى: ولو أنهم رضوا ما أصابهم به الرسول من الغنيمة وطابت به نفسهم وان قل نصيبهم وقالوا كفانا فضل الله وصنعه وحسبنا ما قسم لنا، سيرزقنا الله غنيمة أخرى فيؤتينا رسول الله صلّى الله عليه وسلم أكثر مما أتانا اليوم.
إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ فى أن يغنمنا ويخولنا فضله لراغبون.
٦٠- إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ قصر لجنس الصدقات على الأصناف المعدودة وأنها مختصة بها لا تتجاوزها الى غيرها.
وَالْعامِلِينَ عَلَيْها السعاة الذين يقبضونها.
وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ أشراف العرب الذين كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يستألفهم على أن يسلموا فيرضخ لهم شيئا منها حين كان فى المسلمين قلة.
وَفِي الرِّقابِ المكاتبون. وقيل: الأسارى. وقيل: تبتاع الرقاب فتعتق.
وَالْغارِمِينَ الذين ركبتهم الديون ولا يملكون بعدها ما يبلغ النصاب.
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فقراء الغزاة والحجيج المنقطع بهم.
وَابْنِ السَّبِيلِ المسافر المنقطع عن ماله.
فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ فى معنى المصدر المؤكد، لأن قوله إِنَّمَا الصَّدَقاتُ معناه: فرض الله الصدقات.
وقرىء: فريضة، بالرفع، أي تلك فريضة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣)
٦١- وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
هُوَ أُذُنٌ الأذن: الرجل الذي يصدق كل ما يسمع، سمى بالجارحة التي هى آلة السماع.
أُذُنُ خَيْرٍ أي أذن فى الخير والحق وفيما يجب سماعه.
٦٢- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ:
لَكُمْ الخطاب للمسلمين.
٦٣- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ:
مَنْ يُحادِدِ المحادة، مفاعلة من الحد وهو الغضب والإغلاظ.
فَأَنَّ لَهُ على حذف الخبر، أي: فحق أن له نار جهنم. وقيل:
معناه: فله و (أن) تكرير، لأن فى قوله أَنَّهُ تأكيدا.
ويجوز أن يكون فَأَنَّ لَهُ معطوفا على أَنَّهُ على أن جواب (من) محذوف، تقديره: ألم يعلموا أن من يحادد الله ورسوله يهلك فأن له نار جهنم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٤ الى ٦٦]
يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦)
٦٤- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ:
كان المنافقون يستهزءون فيما بينهم بالرسول صلّى الله عليه وسلم، ويخشون أن يفتضح أمرهم، فتنزل فيهم على النبي صلّى الله عليه وسلم آيات من القرآن تظهر ما يخفون فى قلوبهم ويسيرونه فيما بينهم، فأمر الرسول صلّى الله عليه وسلم بأن يقول لهم:
استهزئوا ما شئتم فان الله مظهر ما تخشون ظهوره.
٦٥- وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ:
أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لم يعبأ باعتذارهم لأنهم كانوا كاذبين فيه، فجعلوا كأنهم معترفون باستهزائهم، وبأنه موجود منهم.
٦٦- لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ:
لا تَعْتَذِرُوا لا تشتغلوا باعتذاراتكم الكاذبة فانها لا تنفعكم بعد ظهور سركم.
قَدْ كَفَرْتُمْ قد ظهر كفركم باستهزائكم.
بَعْدَ إِيمانِكُمْ بعد إظهاركم الايمان.
إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ بإحداثهم التوبة وإخلاصهم الايمان بعد النفاق.
نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ مصرين على النفاق غير تائبين منه.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٦٧ الى ٦٩]

الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ (٦٨) كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٩)
٦٧- الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ:
بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ أريد به نفى أن يكونوا من المؤمنين.
يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ بالكفر والمعاصي.
وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ عن الايمان والطاعات.
وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ شحا بالإنفاق فى سبيل الله.
نَسُوا اللَّهَ أغفلوا ذكره.
فَنَسِيَهُمْ فتركهم من رحمته وفضله.
هُمُ الْفاسِقُونَ هم الكاملون فى الفسق.
٦٨- وَعَدَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ:
خالِدِينَ فِيها مقدرين الخلود.
هِيَ حَسْبُهُمْ دلالة على عظم عذابها.
وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وجعلهم من المذمومين.
وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ دائم.
٦٩- كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوالًا وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ:
كَالَّذِي الكاف، محلها رفع، على: أنتم مثل الذين من قبلكم، أو نصب، على: فعلتم مثل ما فعل الذين من قبلكم وهو أنكم استمتعتم وخضتم كما استمتعوا وخاضوا.
كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً تفسير لتشبيههم بهم، وتمثيل فعلهم بفعلهم.
فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ الخلاق: النصيب، وهو ما خلق للإنسان، أي قدر من خير.
وَخُضْتُمْ الخوض: الدخول فى الباطل واللهو.
كَالَّذِي خاضُوا كالخوض الذي خاضوه.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٠ الى ٧٢]
أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٧٠) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٧١) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٧٢)
٧٠- أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْراهِيمَ وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ:
وَأَصْحابِ مَدْيَنَ وأهل مدين، وهم قوم شعيب.
وَالْمُؤْتَفِكاتِ مدائن قوم لوط. وقيل: قريات قوم لوط وهود وصالح. وائتفاكهن: انقلاب أحوالهن عن الخير الى الشر.
فَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ فما صح منه أن يظلمهم وهو حكيم لا يجوز عليه القبيح، ولكن ظلموا أنفسهم حيث كفروا به فاستحقوا عقابه.
٧١- وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فى مقابلة قوله فى المنافقين بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ.
سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ السين مفيدة وجود الرحمة لا محالة، فهى تؤكد الوعد.
عَزِيزٌ غالب على كل شىء قادر عليه، فهو يقدر على الثواب والعقاب.
حَكِيمٌ واضع كلا موضعه على حسب الاستحقاق.
٧٢- وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ
خالِدِينَ فِيها وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
وَمَساكِنَ طَيِّبَةً تطيب بها نفوسهم.
عَدْنٍ اقامة وخلود.
وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ وشىء من رضوان الله أكبر من ذلك.
ذلِكَ اشارة الى ما وعد الله، أو الى الرضوان.
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وحده دون ما يعده الناس فوزا.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٣ الى ٧٥]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤) وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥)
٧٣- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ:
جاهِدِ الْكُفَّارَ بالحجة.
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ واشتد عليهم.
٧٤- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ:
وَما نَقَمُوا وما أنكروا وما عابوا.
إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم المدينة فى ضنك من العيش فأثروا بالغنائم.
فَإِنْ يَتُوبُوا اشارة الى ما كان من الجلاس حين قتل له مولى
فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بديته اثنى عشر ألفا فاستغنى الجلاس.
٧٥- وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ:
وَمِنْهُمْ ومن المنافقين.
مَنْ عاهَدَ اللَّهَ من أقسم بالله وعاهده.
لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لئن آتاهم الله مالا وغناهم من فضله.
مِنَ الصَّالِحِينَ فى أعمالهم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٧٦ الى ٨٠]
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٨٠)
٧٦-
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ:
نزلت فى ثعلبة بن حاطب وكان قد سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يدعوا له الله أن يرزقه مالا فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلم: قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه فراجعه ثعلبة وقال: والذي بعثني بالحق لئن رزقنى الله مالا لأعطين كل ذى حق حقه، فدعا له فاتخذ غنما فنمت حتى ضاقت بها المدينة. وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلم مصدقين لأخذ الصدقات، ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة، فقال: ما هذه الا أخت الجزية، وقال: ارجعا حتى أرى رأيى، فلما رجعا قال لهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل أن يكلماه: يا ويح ثعلبة. فنزلت الآية.
٧٧- فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ:
فَأَعْقَبَهُمْ الضمير للبخل، أي فأورثهم البخل نفاقا متمكنا فى قلوبهم.
٧٨- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ:
سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ ما أسروه من النفاق والعزم على اخلاف ما وعدوه وما يتناجون به من المطاعن فى الدين، وتسمية الصدقة جزية.
٧٩- الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
الَّذِينَ يَلْمِزُونَ محل النصب أو الرفع على الذم. ويجوز أن يكون فى محل الجر بدلا من الضمير فى سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ. واللمز:
العيب.
الْمُطَّوِّعِينَ المتطوعين المتبرعين.
إِلَّا جُهْدَهُمْ الا طاقتهم.
٨٠- اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً
فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ
كان عبد الله بن عبد الله بن أبى- وكان رجلا صالحا- سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن يستغفر لأبيه فى مرضه ففعل، فنزلت.
وكان هذا من رأفة الرسول صلّى الله عليه وسلم بأمته.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٨١ الى ٨٣]
فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (٨٣)
٨١- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ:
الْمُخَلَّفُونَ الذين استأذنوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم من المنافقين فأذن لهم وخلفهم عن الغزو.
خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ خلفه.
قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا استجهال لهم، لأن من تصون من مشقة ساعة توقع بسبب ذلك التصون فى مشقة الأبد، كان أجهل من كل جاهل.
٨٢- فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ:
أي: فسيضحكون قليلا ويبكون كثيرا بما كانوا يكسبون، إلا أنه أخرج على لفظ الأمر للدلالة على أنه حتم واجب لا يكون غيره.
٨٣- فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ:
طائِفَةٍ مِنْهُمْ لأن منهم من تاب عن النفاق وندم على التخلف أو اعتذر بعذر صحيح.
وقيل: لم يكن المخلفون كلهم منافقين، فأراد بالطائفة: المنافقين منهم.
فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ يعنى الى غزوة بعد غزوة تبوك.
أَوَّلَ مَرَّةٍ هى الخروج الى غزوة تبوك.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٨٤ الى ٨٩]

وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (٨٤) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥) وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧) لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨)
أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)
٨٤- وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ:
وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ عند دفنه.
٨٥- وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ:
وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ أي يموتون.
٨٦- وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ:
وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أي بتمامها، أو بعضها. وقيل: هى براءة، لأن فيها الأمر بالايمان والجهاد.
أَنْ آمِنُوا أن، المفسرة.
أُولُوا الطَّوْلِ ذوو الفضل والسعة.
مَعَ الْقاعِدِينَ الذين لهم علة وعذر فى التخلف.
٨٧- رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ:
فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ما فى الجهاد من الفوز والسعادة وما فى التخلف من الشقاء والهلاك.
٨٨- لكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ:
لكِنِ الرَّسُولُ أي ان تخلف هؤلاء فقد نهض الى الغزو من هو خير منهم وأخلص نية ومعتقدا.
الْخَيْراتُ تتناول منافع الدارين، لاطلاق اللفظ.
٨٩- أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:
(م ٣- الموسوعة القرآنية ج ١٠)
ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ أي النجاح الكبير.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩٠ الى ٩٢]
وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٠) لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩١) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ (٩٢)
٩٠- وَجاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ:
الْمُعَذِّرُونَ من عذر فى الأمر، إذا قصر فيه وتوانى ولم يجد، وحقيقته أنه يوهم أن له عذرا فيما يفعل ولا عذر له.
وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ منافقوا الأعراب الذين لم يجيئوا ولم يعتذروا، وظهر بذلك أنهم كذبوا الله ورسوله فى ادعائهم الايمان.
سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ من الأعراب.
عَذابٌ أَلِيمٌ فى الدنيا بالقتل وفى الآخرة بالنار.
٩١- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
الضُّعَفاءِ الهرمى والزمنى.
وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ الفقراء.
حَرَجٌ إثم.
إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ آمنوا بهما وأطاعوهما فى السر والعلن.
ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ ما على المعذورين الناصحين.
مِنْ سَبِيلٍ أي لا جناح عليهم، ولا طريق للعائب عليهم.
٩٢- وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ:
قُلْتَ لا أَجِدُ حال من الكاف فى أَتَوْكَ. أي إذا ما أتوك قائلا لا أجد.
تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ أي تفيض دمعا، وهو أبلغ، لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض. ومِنَ للبيان.
أَلَّا يَجِدُوا لئلا يجدوا. ومحله نصب على أنه مفعول له.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩٣ الى ٩٥]
إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥)
٩٣- إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
(رضوا) استئناف، كأنه قيل: ما بالهم استأذنوا وهم أغنياء؟
فقيل: رضوا بالانتظام فى جملة الخوالف.
وَطَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ أي ان السبب فى استئذانهم خذلان الله تعالى إياهم.
٩٤- يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ:
لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ علة للنهى عن الاعتذار، لأن غرض المعتذر أن يصدق فيما يعتذر به، فاذا علم أنه مكذب وجب عليه الترك.
قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ علة لانتفاء تصديقهم، لأن الله عز وجل إذا أوحى الى رسوله الإعلام بأخبارهم وما فى ضمائرهم من الشر والفساد، لم يستقم مع ذلك تصديقهم فى معاذرهم.
وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ أتنيبون أم تثبتون على كفركم.
ثُمَّ تُرَدُّونَ اليه وهو عالم كل غيب وشهادة وسر وعلانية.
فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ فيجازيكم على حسب ذلك.
٩٥- سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ:
لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فلا توبخوهم ولا تعاتبوهم.
فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ فأعطوهم طلبتهم.
إِنَّهُمْ رِجْسٌ تعليل لترك معاتبتهم.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩٦ الى ٩٨]

يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨)
٩٦- يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ:
لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ أي غرضهم فى الحلف بالله طلب رضاكم لينفعهم ذلك فى دنياهم.
فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطا عليهم.
٩٧- الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
الْأَعْرابُ أهل البدو.
أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً من أهل الحضر لجفائهم وقسوتهم.
وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا وأحق بجهل حدود الدين وما أنزل الله من الشرائع والأحكام.
وَاللَّهُ عَلِيمٌ يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر.
حَكِيمٌ فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ومخطئهم ومصيبهم من عقابه وثوابه.
٩٨- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
مَغْرَماً غرامة وخسرانا.
وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ دوائر الزمان، أي دوله وعواقبه، لتذهب غلبتكم عليه فيتخلص من إعطاء الصدقة.
عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ دعاء معترض. دعا عليهم بنحو ما دعوا به.
وَاللَّهُ سَمِيعٌ لما يقولون إذا توجهت عليهم الصدقة.
عَلِيمٌ بما يضمرون.

[سورة التوبة (٩) : آية ٩٩]

وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)
٩٩- وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
قُرُباتٍ مفعول ثان للفعل يَتَّخِذُ. والمعنى أن ما ينفقه سبب لحصول القربات عند الله.
وَصَلَواتِ الرَّسُولِ لأن الرسول كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم.
أَلا إِنَّها شهادة من الله للتصديق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات وصلوات وتصديق لرجائه، على طريق الاستئناف مع حرف التنبيه والتحقيق المؤذن بثبات الأمر وتمكنه.
سَيُدْخِلُهُمُ السين تفيد تحقيق الوعد.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٠ الى ١٠١]
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠) وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ (١٠١)
١٠٠- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ هم الذين صلوا الى القبلتين.
وقيل: الذين شهدوا بدرا. وقيل: من بايع بالحديبية، وهى بيعة الرضوان ما بين الهجرتين.
وَالْأَنْصارِ ومن الأنصار أهل بيعة العقبة الأولى، وكانوا سبعة نفر، وأهل العقبة الثانية وكانوا سبعين.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ رضى عنهم لأعمالهم.
وَرَضُوا عَنْهُ لما أفاض عليهم من نعمته الدينية والدنيوية.
١٠١- وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ:
وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ يعنى حول بلدتكم، وهى المدينة.
مُنافِقُونَ هم جهينة وأسلم وأشجع وغفار، وكانوا نازلين حولها.
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عطف على خبر المبتدأ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ.
مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ تمهروا فيه.
لا تَعْلَمُهُمْ أي يخفى عليه أمرهم لتحاميهم ما يشكك فيهم.
نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ أي لا يعلمهم الا الله.
سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ أي القتل وعذاب الآخرة.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٢ الى ١٠٤]
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)
١٠٢- وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ أي لم يعتذروا عن تخلفهم المعاذير الكاذبة كغيرهم، ولكن اعترفوا على أنفسهم.
عَمَلًا صالِحاً خروجا الى الجهاد.
وَآخَرَ سَيِّئاً تخلفا عنه.
١٠٣- خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم:
تُطَهِّرُهُمْ صفة لقوله صَدَقَةً.
وَتُزَكِّيهِمْ التزكية: مبالغة فى التطهير وزيادة فيه.
صلواتك وقرىء: صلاتك، على التوحيد.
سَكَنٌ لَهُمْ يسكنون اليه وتطمئن قلوبهم بأن الله قد تاب عليهم.
وَاللَّهُ سَمِيعٌ يسمع اعترافهم بذنوبهم ودعاءهم.
عَلِيمٌ بما فى ضمائرهم.
١٠٤- أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ:
أَلَمْ يَعْلَمُوا أي المتوب عليهم، أي لم يعلموا قبل أن يتاب عليهم.
أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ إذا صحت.
وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ويقبل الصدقات إذا صدرت عن خلوص النية.
وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وأن الله تعالى من شأنه قبول توبة التائبين.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٧]
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥) وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٠٧)
١٠٥- وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ:
وَقُلِ لهؤلاء التائبين. وقيل: لغير التائبين ترغيبا لهم فى التوبة.
اعْمَلُوا فان عملكم لا يخفى خيرا كان أو شرا.
فَسَيَرَى اللَّهُ وعيد لهم وتحذير.
١٠٦- وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
مُرْجَوْنَ مؤخرون.
لِأَمْرِ اللَّهِ موقوف أمرهم الى الله.
إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ ان بقوا على الإصرار ولم يتوبوا.
وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ان تابوا.
١٠٧- وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ:
ضِراراً مضارة لاخوانهم أصحاب مسجد قباء.
وَكُفْراً وتقوية للنفاق.
وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ لأنهم كانوا يصلون فى مسجد قباء مجتمعين، فأرادوا أن يتفرقوا عنه وتختلف كلمتهم.
وَإِرْصاداً وإعدادا.
لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لأجل من حارب الله ورسوله.
مِنْ قَبْلُ متعلق بقوله اتَّخَذُوا أي اتخذوا مسجدا من قبل أن ينافق هؤلاء بالتخلف.
إِنْ أَرَدْنا ما أردنا ببناء هذا المسجد.
إِلَّا الْحُسْنى أي: الا الخصلة الحسنى، أو الارادة الحسنى، وهى الصلاة، وذكر الله والتوسعة على المصلين.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٠٨ الى ١١٠]
لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠)
١٠٨- لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ:
لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى هو مسجد قباء، أسسه رسول الله صلّى الله عليه وسلم أيام مقامه بقباء. وقيل: هو مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالمدينة.
ويؤيد هذا ما
روى عن أبى سعيد الخدري، قال: سألت رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن المسجد الذي أسس على التقوى، فأخذ حصباء فضرب بها الأرض وقال: هو مسجدكم هذا، مسجد المدينة.
مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ من أول يوم من أيام وجوده.
فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا من النجاسات كلها.
١٠٩- أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ:
شَفا جُرُفٍ هارٍ فى قلة الثبات والاستمساك.
١١٠- لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
رِيبَةً شكا فى الدين ونفاقا. وكان القوم منافقين وانما حملهم على بناء ذلك المسجد كفرهم ونفاقهم. فلما هدمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم ازدادوا
تصميما على النفاق وهذا ما يدل عليه قوله تعالى لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ أي لا يزال هدمه سبب شك ونفاق زائد على شكهم ونفاقهم.
إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ أي لا يزول رسم هذا النفاق عن قلوبهم ولا يضمحل أثره الا أن تقطع قلوبهم قطعا وتفرق أجزاء، فحينئذ يسلون عنه.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١١ الى ١١٣]
إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١) التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢) ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (١١٣)
١١١- إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ:
يُقاتِلُونَ فيه معنى الأمر.
وَعْداً مصدر مؤكد.
حَقًّا أخبر بأن هذا الوعد الذي وعده للمجاهدين فى سبيله وعد ثابت قد أثبته فى التوراة والإنجيل كما أثبته فى القرآن.
وَمَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ أي ان إخلاف الميعاد قبيح بالناس الذين يجوز عليهم القبيح فكيف بالغنى الذي لا يجوز عليه القبيح قط.
١١٢- التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ:
التَّائِبُونَ رفع على المدح، أي هم التائبون، يعنى المؤمنين المذكورين.
الْعابِدُونَ الذين عبدوا الله وحده وأخلصوا له العبادة.
السَّائِحُونَ الصائمون.
١١٣- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ:
ما كانَ لِلنَّبِيِّ ما صح للنبى الاستغفار فى حكم الله وحكمته.
مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ لأنهم ماتوا على الشرك.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٤ الى ١١٧]
وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤) وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦) لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧)
١١٤- وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ:
إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ أي وعدها ابراهيم أباه، وهو قوله لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ.
فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ فلما تبين له من جهة الوحى أنه لن يؤمن وأنه يموت كافرا وانقطع رجاؤه عنه، فقطع استغفاره.
لَأَوَّاهٌ الذي يكثر التأوه.
١١٥- وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
أي وما كان من سنن الله أن يصف قوما من عباده بالضلال، بعد أن أرشدهم الى الإسلام حتى يتبين لهم عن طريق الوحى الى رسوله ما يجب عليهم اجتنابه والله محيط علمه بكل شىء.
١١٦- إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ:
أي ان الله وحده مالك السموات والأرض وما فيهما، وهو المتصرف فيهما بالاحياء والاماتة وليس لكم سوى الله من ولى يتولى أمركم، ولا نصير ينصركم.
١١٧- لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ:
لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ من اذنه للمنافقين فى التخلف عنه.
وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ لما آووهم حين اشتد بهم القتال.
فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ فى وقتها. يعنى حالهم فى غزوة تبوك.
مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ عن الثبات.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١١٨ الى ١٢٠]
وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩) ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)
١١٨- وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ:
الثَّلاثَةِ كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية.
خُلِّفُوا عن الغزو.
بِما رَحُبَتْ برحبها، أي مع سعتها، وهو مثل للحيرة فى أمرهم.
وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ أي قلوبهم.
وَظَنُّوا وعلموا.
مِنَ اللَّهِ من سخط الله.
إِلَّا إِلَيْهِ الى استغفاره.
ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ثم رجع عليهم بالقبول والرحمة ليستقيموا على توبتهم ويثبتوا.
١١٩- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ:
مَعَ الصَّادِقِينَ وهم الذين صدقوا فى دين الله نية وقولا وعملا.
١٢٠- ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ:
وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ أمروا بأن يصحبوه على البأساء والضراء.
ذلِكَ اشارة الى ما دل عليه قوله ما كانَ لهم أَنْ يَتَخَلَّفُوا من وجوب مشايعته. كأنه قيل: ذلك الوجوب بسبب أنهم لا يصيبهم شىء من عطش ولا تعب ولا مجاعة فى طريق الجهاد، ولا يدوسون مكانا من أمكنة الكفار.
يَغِيظُ الْكُفَّارَ يغيظهم وطؤه.
وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا ولا يزرءونهم شيئا.
إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ استوجبوا به الثواب ونيل الزلفى عند الله.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٢١ الى ١٢٢]
وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١) وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)
١٢١- وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ:
وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً أي أرضا فى ذهابهم ومجيئهم.
إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ ذلك الانفاق وقطع الوادي.
لِيَجْزِيَهُمُ متعلق بقوله كُتِبَ أي أثبت فى صحائفهم لأجل الجزاء.
١٢٢- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ:
لِيَنْفِرُوا اللام لتأكيد النفي. والمعنى: أن نفير الكافة عن أوطانهم لطلب العلم غير صحيح ولا ممكن.
فَلَوْلا نَفَرَ فحين لم يكن نفير الكافة ولم يكن مصلحة فهلا نفر.
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم يكفونهم النفير.
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ليتكلفوا الفقاهة فيه.
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ وليجعلوا غرضهم ومرمى همتهم فى التفقه إنذار قومهم وإرشادهم والنصيحة لهم.
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ إرادة أن يحذروا الله فيعملوا عملا صالحا.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٢٣ الى ١٢٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ (١٢٥) أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦) وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (١٢٧)
١٢٣- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ:
يَلُونَكُمْ يقربون منكم.
غِلْظَةً شدة.
مَعَ الْمُتَّقِينَ ينصر من اتقاه.
١٢٤- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ:
فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ فمن المنافقين من يقول بعضهم لبعض.
هذِهِ أي السورة.
إِيماناً إنكارا واستهزاء بالمؤمنين.
فَزادَتْهُمْ إِيماناً لأنها أزيد لليقين والثبات.
١٢٥- وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ:
فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ كفرا مضموما الى كفرهم.
١٢٦- أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ:
يُفْتَنُونَ يبتلون بالمرض والقحط وغيرهما من بلاء الله.
ثُمَّ لا يَتُوبُونَ ثم لا ينتهون ولا يتوبون عن نفاقهم.
وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ولا هم يعتبرون.
١٢٧- وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ:
نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ تغامزوا بالعيون إنكارا للوحى وسخرية.
هَلْ يَراكُمْ مِنْ أَحَدٍ أي قائلين هل يراكم من أحد من المسلمين لننصرف فإنا لا نصبر على استماعه.
صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ دعاء عليهم بالخذلان.
بِأَنَّهُمْ أي بسبب أنهم.
قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ لا يتدبرون حتى يفقهوا.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ١٢٨ الى ١٢٩]
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)
١٢٨- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ:
مِنْ أَنْفُسِكُمْ من جنسكم ومن نسبكم عربى قرشى مثلكم.
عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ أي شاق عليه عنتكم ولقاؤكم المكروه، فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع فى العذاب.
حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ حتى لا يخرج أحد منكم عن اتباعه.
بِالْمُؤْمِنِينَ منكم ومن غيركم.
١٢٩- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ:
فَإِنْ تَوَلَّوْا فان أعرضوا عن الايمان بك.
حَسْبِيَ اللَّهُ أي كافينى وناصرى.
Icon